-->

الفصل الثالث عشر - ظلام البدر - دجى الليل


الفصل الثالث عشر

أين ذهب صاحب تلك العيون التي تستطيع أن تتغلغل بداخل من أمامه حتى يستطع التعرف على نوايا صاحبها؟؟ أين ذهبت ساديته بتعذيب أجساد النساء وعندما توسلته أعرض عن فكرة ضربها؟؟ أين ذهب بدر الدين الخولي الذي لم تغيره إمرأة فقط سوى ليلى حبيبته وزوجته؟


هو متأكد أنها مجرد فتاة مستغلة تريد الأموال.. هو يعرف منذ أن وقعت عيناه وتمعن بتلك الزرقاوتان أن بها شيء ما، ليست فتاة طبيعية، وراءها شيئاً هو يعرف جيداً .. لقد اكتشف كل ذلك عندما استمع لها مع كريم ولن يترك لها الفرصة لتدمر اخته!


لن يلتفت لتأثيرها عليه بملامحها بعد الآن، لن يلتفت لتلك البراءة المُزيفة بعينيها، هي تلك الفتاة التي أرادت أن تُفرق بين أخته وزوجها فقط لأجل حفنة أموال ليس إلا..


جاب جناحه ذهاباً واياباً وهو لا يُصدق أنه تركها هكذا بمنتهى السهولة، لا، لم تكن إلا لجعلها تستعيد عافيتها قليلاً حتى لا يشك أحد أفراد عائلته في أي شيء، هذا ما نواه، ليس لليناً تجاهها!!


استند بساعده على رأسه بعد أن استلقى على السرير وحاول أن يوصد عيناه ليرى بدر لدين الصغير الخائف المرتعد مرة أخرى..


"أنتي قذرة.. مش عايزة غير الفلوس وبس.. لو صابر مش موجود تدوري على غيره قوام، أنا عرفت إنك كنتي نايمة معاه من يومين و.."


"ولو نمت معاه أنت مالك، أنت مخليني زي البيت الوقف وابنك سايبهولي ومش فارق معاك حاجة" قاطعته ليصفعها بقوة


"ده أنا مشوفتش حد في وساختك!! جاية تكلميني عن ابني وبتقولي انك نايمة مع واحد تاني!! أنتي أم أنتي؟ يا شيخة ملعون أبو اليوم اللي عرفتك فيه"


"فعلاً كان يوم أسود، يوم ما روحت واتجوزت عليا!!"


"وأنا اتجوزت عليكي ليه؟ نسيتي ولا أفكرك؟"


"عشان واحدة واطية ضحكت عليك وآآآه..." قاطعها ممسكاً بشعرها ليلفه على يده جاذباً اياه بعنف ليتهاوى جسدها أرضاً


"نجوى دي ضافرها برقابتك يا خاينة يا بتاعة الرجالة يا حرامية، على الأقل مباعتنيش لصاحبي عشان الفلوس بالعكس وقفت جانبي يوم ما سرقتي تعبي وشقايا، وابني اللي بتتكلمي عليه أنا هاريحك منه خالص، مش هتعرفي تطولي ضافره"


"يا أخي غور أنت وهو وطلقني وخليني أشوف حياتي بقا بعيد عنك وعن فقرك ده"


"بعينك خليكي كده زي البيت الوقف، بدر.." صاح منادياً اياه بينما كان بدر الدين ذلك الطفل يستمع لجدالهم ليجد المياة تنساب على بنطاله دون إرادة منه إلي أن لامست حذاءه!


فتح عينه وهو يشعر بالإختناق وتوجه للشرفة بعد أن خلع قميصه وتثاقلت أنفاسه والغضب ارتسم على جميع ملامحه وقتمتا عيناه السودواتان ليتجدد بداخله الكره الخالص لوالدته..


شرع في تدخين سجائره بلا توقف وهو يحاول أن يثني تفكيره عن تلك الذكريات السوداء التي كرهها، لا يمر يوماً إلا وهو يتذكر كل ما حدث بين والده ووالدته وكل ذلك العذاب البدني والنفسي الذي لاقاه منهما.. لم يتوقف عن التذكر إلا فقط عندما كانت ليلى بجانبه..


"مشيتي ليه بس.. ليه أنا سيبتك تمشي يومها!!" تحدث داخلى نفسه متمتماً بآسى ثم ألقى سجارته من الشرفة وأغلق عيناه ليُفكر بليلى مجدداً.


تذكر تلك العينتان التي لم يرى مثلها أبداً، عينتان عسليتان اللون تبتسم وكأنها تُجبر من أمامها على الشعور بالسعادة، لم ينسَ يومها أنه ابتسم تلقائياً عندما تقابلت أعينهما ولكنه مُسرعاً أعاد لمظهره الجاد وعقد حاجباه وتوجه لداخل مقر كليته..


❈-❈-❈


يتذكرها وهي تبتسم مع الجميع وشعرها الطويل يتراقص مع الهواء وكأنما تحول كل شيء حوله ليصبح بالتصوير البطيء وكأنه بأحد تلك الأفلام الرومانسية التي لا يطيق مشاهدتها، وكأنما طُبعت بذاكرته، هو حتى لم يستطع أن يُركز فيما يُمليه عليه أستاذه.. لقد أقترب كثيراً من تقديم رسالته ولن يدع لحظة عابرة ونظرة سريعة لفتاة أن تثنيه عن التركيز فيما يقوله أستاذه!!

بعد محاولات كثيرة للتركيز والتي فشل في أغلبها انتهى وقته ليتوجه للخارج على مضض ليجدها منتظراه عاقدة ذراعيها مستندة على جدار بجانب باب الكُلية ولكنه لا لن يلتفت لها وأكمل طريقه..

"بدر الدين الخولي!!" نادته ليلتفت ناظراً لها في تعجب ثم حاول تصنع الجدية ولكن الدهشة الشديدة هي الشيء الذي اعترى ملامحه

"أنتي تعرفيني؟!" تسائل بصوته الرخيم

"وهو مين ميعرفش بدر الدين الخولي الأول في كل حاجة.. الأول على الدفعة.. الدكتور المنتظر.. الأول في فريق الكورة.. الأول في الأبحاث.." أخبرته وهي تنظر له بعينيها المبتسمتين لتجده يرفع حاجباه وكاد أن يُغادرها لتوقفه هي "قولي بقا لما بصيتلك ضحكت ليه؟!"

"أنا مضحكتش!!" تكلم منكراً وهو حقاً يتعجب كيف استطاعت رؤيته فمروره لم يتعد ثانيتان


"يا راجل!!" ضيقت عيناها لتنظر له في تساؤل


"لا لو سمحتي الزمي حدودك عشان احنا مفيش ما بينا أي علاقة ومتعرفنيش.. بعد اذنك.." 


حدثها في غضب ثم كاد أن يغادر لتوقفه هي وتلمست ذراعه في جرأة


"طب ايه رأيك أعرفك؟!" عقدت ذراعيها ثم نظرت له في تحدي "قهوتك ايه؟!"


"سادة!" اجابها بمنتهى التلقائية


"طب تعالى بقا فيه مكان أعرفه بيعمل القهوة تحفة!"


لم يُصدق أن في خلال ساعات قليلة ولأول مرة بحياته ضحك كل هذا الضحك، شيئاً ما بها مختلف عن الجميع، كل شيء معها سهل وسلس للغاية، هو حقاً لم يشعر بالوقت يومها، تحدثا بموضوعات شتى، وشخصيتها المرحة التي لم يرى مثلها من قبل جعلته يود أن يتحدث لها أكثر وأكثر


"الساعة بقت حداشر!! ده أنا سيادة السفير هيعلقني!" صاحت ليلى في تعجب وهي تلم حاجيتها من على طاولة المقهى


"استني بس.. أنا هاوصلك"


"لا كده كده السواق هيجيلي.."


"خلاص براحتك" تنهد ثم شعر بالغضب


"بدر.. أنا هاشوفك تاني مش كده؟!" سألته وعيناها تعلقت بتلك القاتمتان لتجده يُزيد من عقدة حاجبيه لتتلمسها هي في جرأة "هاشوفك يا بدر" اجابت على سؤالها بنفسها وهو يتعجب من تلك الحيوية الشديدة وتأكدها من كل شيء هكذا بتلك الثقة ودون أن يدرك أعطته رقم هاتف منزلها "ابقى كلمني.. باي" ابتسمت له مودعة اياه وهو لا يدري ما كل ذلك الذي يحدث له وهو يريد أن يصرخ ويوقفها عن المغادرة ولكنها كانت سريعة للغاية وغادرت.. مثلما كانت تفعل دائماً.. سريعة بكل شيء..


فتح عيناه ثم ابتسم بمرارة على تلك الذكريات التي جمعتهما معاً وشرد في تلك الإبتسامة التي إلى الآن لم يرى مثلها.


"ليلى.. أنا.. أنا اتسرعت معاكي ومش عايز أعلقك بسراب.. احنا لازم نبعد عن بعض!!"


"ليه؟! ليه!! جاي تقولي ده دلوقتي بعد ما حبيتك يا بدر، أنت عارف إني ممكن أموت من غيرك" صرخت به وهي تبكي بحرقة


"أرجوكي يا ليلى متصعبيش عليا الأمر أكتر من كده.."


"لأ، أنت اللي مصعب كل حاجة على نفسك، عايش في الماضي واللي حصل زمان، انسى بقا، انسى اللي عمله باباك فيك زمان، انسى أمك، افتكر شاهندة وماما نجوى والناس اللي بتحبك، افتكرني أنا يا بدر.. أنا بحبك.. بحبك وعايزاك بكل اللي فيك، بكل عقدك وكلاكيعك اللي بنقعد نعيط عليها سوا، عايزاك تحكيلي عشان آخدك في حضني، أطبطب عليك وأنت جنبي وجوزي وحبيبي.. نصحى كل يوم سوا وننام سوا ونضحك سوا وناكل سوا وحتى خناقنا يكون سوا"


"كفاية.. أنا شايف إن احنا مش هننفع.."


"لأ أنت مش شايف حاجة، احنا أكتر اتنين ينفعوا لبعض، بس أنت مصمم تعذب نفسك وتعذبني معاك.. أنـ.."


"هتتبهدلي معايا وفهمتك أنا ازاي حياتي ماشية، أنا مقدرش أعيش من غير باللي بعمله.. هتقبلي تتجوزي واحد سادي؟ هتقبلي واحدة غيرك تقلع قدامي عشان ابهدلها وأضربها وأشوفها وهي بتتعذب؟!! ابعدي عني عشـ.." قاطعها صارخاً وهو ينظر لها في غضب لتقاطعه هي الأخرى


"هاقبل يا بدر ولو عايز حتى اجيبهملك بنفسي هاعملها عشان خاطرك" نظر لها في دهشة وغير تصديق لما تقوله "لو قولتلي ارمي نفسي في النار هاعملها عشانك يا بدر!!"



لا يزال يتذكر تلك الكلمات منها إلي الآن، لم ينسها أبداً، بتلك الدموع التي انهالت على وجهها الرائع بسببه هو، كم كره نفسه مثيراً ذلك اليوم لجعلها تبكي بتلك الطريقة وتمنى لو قتل نفسه!!


"أنا مش مصدقة نفسي.. احنا متجوزين بجد.. يعني أنا خلاص بقيت مراتك؟!" صاحت في سعادة وهي تحتضنه


"ايوة يا بنت سيادة السفير!! بقيتي مرات بدر الدين الخولي" نظر بعسليتيها وشعر وكأنما تاه بهما ثم أقترب منها ليقبلها ليتحول وجهها للحمرة الشديدة "واضح إننا نسينا الجرأة خالص، تعالي بقا عشان أطلعها بمعرفتي" أخبرها ثم حملها ليتوجه لذلك الجناح الخاص بهما لتبتسم هي في خجل وأخبأت رأسها بجانب عنقه.


"خايفة؟" نظر لها مرتعدا وهو لا يدري من أين له القدرة بأن يكن رقيقاً ليناً معها فهي أول مرة لها ولن يخاطر برسم ذكرى سيئة في عقلها بسبب عنفه الأهوج وساديته الضارية!


أحاطت هي وجهه بيديها ثم اومأت له في إنكار


"أنا واثقة فيك وبحبك ومتأكدة إنك عمرك ما هتجرحني" لا يدري من أين لها بكل تلك الثقة فهو حتى لا يثق بنفسه..


دفن رأسه بعنقها يلثمها ليشعر بزيادة أنفاسها ثم هبط ليحاول تخفيف وطأة عنفه بالبداية لتأن هي في لذة ونظرت له لتتقابل أعينهما ثم آخذت تتمسك بالشراشف حولها وهي لا تستطيع تحمل ما يفعله.


" بدر.. أرجوك متخافش.. لو حصل اي حاجة أنا مش هازعل منك" همست وهي تحاول أن تتحدث بين لهاثها الشديد ليعتليها ونظر لها ووجهه يعتريه الوجل والرعب ثم امتدت يده لتوسع بين ساقيها لتشعر به بداخلها في هدوء.


"ليلي انتي كويسة؟ ردي عليا؟ أنتـ.. "


"انا كويسة متخافش.. أنا بس.." قاطعته متلعثمة


"انطقي متسبنيش كده" صاح بين أسنانه المتلاحمة ثم هبط ليقبل ثدييها وتلالهما العاليتان.


"بسرعـ.. بدر" همست في خجل لينظر لها وبدأ يزيد من سرعته ودون أن تدري علا صوتها وبدأت في جذب شعر رأسه الفحمي بين أصابعها في رغبة جامحة.


لم يدري بنفسه وهو يجمع كلتا يداها ليثبتهما فوق رأسها فهو كلما استمع لها تصرخ أسفله بتلك الطريقة شعر بالجنون الشديد وازداد عنفه بتلقائية شديدة بسبب مرضه الخبيث..


دفع داخلها وهو يُسلب عقله بصراخها وحدق في ملامحها المنتشية بجموح ثم أمسك بخصرها وهو لا يزال مثبت يداها فوق رأسها ليشعر بصراخها يتزايد لتتزايد وتيرة تحركاته بتلقائية حتى لم يعد يدرك ما يفعله ووجد جسدها يرتجف أسفله 


"بدر قرب مني" صاحت صارخة له ليفعل وهو لا يُبطأ أبداً


"بحبك.. بحبك اوي.. اياك تبعد عني"


همست بأذنه لاهثة ليسحق هو أسنانه بعدما شعر بها تتقلص حوله ليزداد الضغط عليه وأسرع وتيرته للغاية لتصرخ هي صرخة عالية ليبتلعها بدر الدين في قبلة محمومة وترك نفسه ليشعر بالخلاص ثم لانت قبضته حول يداها لتلتق ذراعيها حوله وابتسمت بين قبلتهما لينظر لوجهها ملياً ثم بادلها الإبتسامة ثم استندت على صدره وهو يحاوطها بذراعه وأنامله تتلمس كتفها لمسات محببة لقلبها.


"هو أنا زودتها معاكي شوية مش كده؟" سألها ليشعر بأومأتها بالرفض على صدره


"دي أحلى حاجة حصلتلي في حياتي" همست ثم احاطت صدره بذراعها "أنا بيني وبينك كان نفسي تزودها!"


"ليلى!" ناداها مُحذراً 


"انسي الموضوع ده" زجرها ثم نهض من جانبها لتنهض هي الأخرى


"وفيها ايه يعني لما اكون عايزة أجرب ده مع الراجل اللي بحبه؟ مع جوزي؟ أنت ليه فاكرني هاتكسر تحت ايدك؟" صاحت متسائلة في اعتراض لينظر لها في غضب


"لأن ده اللي بيحصل.. بكسرهم تحت مني.. لأنك غيرهم وأنتي مش شايفة اني بحبك ومش شايف أمي القذرة فيكي" صرخ بوجهها غاضباً ليجدها تبتسم وكذلك عيناها التي يعشقها تبتسم فرحا وسعادة


"بتضحكي يا ليلى وأنا بتكلم جد" أومأت له بالإيجاب ليزداد غضبه وكاد أن يذهب لتوقفه متلمسه ذراعه العريض


"عشان أول مرة تقولي إنك بتحبني" همست له وتوسعت ابتسامتها لتنهمر الدموع من عسليتاها واحتضنته ليزفر في حنق ثم همس لها وهو يبادلها العناق


"إن كنتي بتحبيني بلاش تتكلمي في الموضوع ده تاني"


تجمعت الدموع واحتبست بعينيه لينهض واقفاً بالشرفة وهو يتذكر تلك اللحظات معها وترك هواء الفجر ليجفف دمعاته المتراكمة ورغماً عنه تذكر المزيد..


"كانت بتكرهني اوي.. دايماً تزعقلي وتقولي انها مبتحبنيش واني سبب تأخيرها في كل حاجة؛ أنا كنت بسمع صوتها وهي! وهي نايمة مع واحد في الأوضة وأنا كنت صغير ومش فاهم هي ليه بتصوت ومن غبائي كنت ببقا خايف وفاكر حد هيجي يضربني زي ما بيضربها.." ابتلع في تقزز ثم أكمل


"وبابا.. بابا كان بيشوفني فيها.. كان كل ما بيلاقي شعري طول شوية يحلقهولي عشان شعري الأسود بيفكره بيها.. كان دايماً يقولي متبصليش كده زي يا أمك؛ كان أغلب الوقت يقولي يا ابن أمك وكل ما يفتكرها يعذبني بأي طريقة ممكنة.. مكانش فيه غير أمي نجوى اللي بتدافع عني هي وشاهي ويفضلوا يتحايلوا عليه عشان ميحبسنيش أو يعاقبني.. كنت لازم كل يوم أخلي اوضتي متنظمة اوي ونضيفة وإلا كان ممكن يضربني ويهزقني قدام الناس وبالذات الشغالين والسواق.. ومرة نقصت درجة واحدة في مادة آخر السنة وكان الامتحان صعب اوي، مع اني كنت طالع الأول على المدرسة بس هو كان شايفني فاشل، فضل حابسني طول الاجازة لوحدي ورابط ايديا ورجليا بالجنزير في الحيطة ومكنتش اقدر اتحرك غير نص متر وعشان أنام كان لازم أنام وأنا قاعد.. تلت شهور كان نفسي في مرة أفرد ضهري حتى لو على الأرض بس مكنتش بعرف؛ كان بيبعتلي الأكل مرة كل يومين ومرة كل اسبوعين يجي يدلق عليا جردل ماية لغاية ما كرهت نفسي وقرفت من نفسي.. كان دايماً بيخترعلي أخطاء عشان يعاقبني وخلاص.. مش قادر يا ليلى أنسى كل ده، ضربه ليا وكلامه الصعب وكان بيحبسني.. كان بيحبسني لغاية ما كنت بعمـ..." 


أجهش بالبكاء في صدرها وهي تربت على ظهره في حنان وازادت من عناقه وضمته أكثر لها وهي تشعر بجسده ينتفض بين يديها بينما يخبرها بكل ذلك الماضي.


"أنا جنبك وبحبك.. أنسى كل حاجة.. مفيش حاجة وحشة تاني هتحصل.." همست له في حنان ليحاول هو التوقف عن البكاء


"هما السبب يا ليلى.. أنا مش وحش.. هما خلوني وحش.. كل ما بفتكرهم بتضايق وببقا عايز اطلع كل الوجع اللي جوايا بأي طريقة؛ مش لاقي غير الطريقة دي.. ساعديني أرجوكي؛ أنا مش عايز أعذب حد تاني.. ساعات ببقا نفسي أنتحر بعد ما ببص لجسمهم وبشوف أنا عملت فيهم ايه.."


فرت دمعة بغتةً دون أن يتحكم بها ليزيحها مُسرعاً ثم ابتلع تلك الغصة التي شعر بها في حلقه وهو يمنع نفسه عن البكاء بصعوبة ليحس بمكان يدها وهي لازالت تربت على ظهره في حنان.


"يعني ايه حامل؟ يعني ايه بتعانديني؟ أنتي طفلة صغيرة عشان تحملي ومش عارفة أنتي بتعملي ايه؟" صرخ في غضب وهو يجذب كتفيها في عنف لينظر إليها 


"الزفت ده ينزل!!" صاح بها آمراً اياها وأنفاسه المتثاقلة الغاضبة تلفح وجهها


"وفيها ايه يا بدر، احنا متجـ.."


"فيها إني مينفعش أكون أب، مينفعش ابقى أب بمنظري ده، أنا لسه زي ما أنا و.." 

قاطعها لتقاطعه هي الأخرى


"لا ينفع أنت بس خايف، زي ما كنت خايف تكون معايا وتمد ايدك عليا وفاكر نفسك هتموتني ولا هتكسرني، زي ما كنت خايف من الجواز، زي ما كنت خايف وفاكر نفسك مش هاتنسى كل اللي حصلك زمان، ليه مش بتثق إننا طول ما احنا مع بعض نقدر على أي حاجة؟ ليه دايماً شايف نفسك وحِش وأنك مش كويس.."


"كفاية يا ليلى اللي انتي عملتيه ولسه مصممة تعمليه، عايزة تغيري كل حاجة فيا في لمح البصر وتمحيني وتبدليني بشخصية جديدة!! خلتيني أكون سادي معاكي انتي بس، بعدت عن اللي كنت بعمله مع الستات زمان، بضحك وبحاول أنسى وبعمل حاجات جديدة عشان خاطرك.. بس لغاية هنا وكفاية.. وأعرفي إن مش أنا اللي ينفذ كلام واحدة ست!!"


 صرخ بها غاضباً لتنظر له في حزن وانهمرت دموعها


"تنفذ كلام واحدة ست؟!" كررت كلماته في غير تصديق ليتعالى نحيبها "يعني عشان عايزاك تكون كويس وإنسان طبيعي بقيت بتنفذ كلام واحدة ست.. بس .. هو ده كل اللي أنت شايفه؟!" تسائلت وهي حقاً لا تدري كيف له أن يتفوه بتلك الكلمة


"أيوة يا ليلى!! وآخر كلمة هاقولهالك الطفل ده ينزل وانتي عارفة من الأول إني قايلك مش عايز أطفال.. أنا مكدبتش عليكي في حاجة.."


"حاضر يا بدر.. هنزله" همست وهي تجهش بالبكاء بعد صمت دام لقرابة الخمس دقائق وبعد أن تفحصته وهي لا تُصدق أن ذلك الرجل أمامها، زوجها، الذي تحبه أكثر من أي شيء قد قتلها آلف مرة بما أخبرها به.



ارتجف جسده وهو يتذكر ذلك الشجار الذي بدا وكأنه البارحة ليحاول منع نفسه عن البكاء ولكن دون جدوى وكلما حاول كتم نحيبه كلما ازدادت حاجته في البكاء أكثر.


"معلش يا بدر.. هاقعد عند أختي في فرنسا يومين ومتقلقش هاعمل العملية.. ممكن تبقا تيجي تاخدني من عندها لو حابب.. بس أنا محتاجة أكون لوحدي شوية!"


 تحدثت له في هدوء وهي تنظر له بطريقة غريبة لأول مرة يراها تنظر له بتلك الطريقة


"بس يا ليلى مينفعـ.."


"أرجوك يا بدر سيبني براحتي.. إن كنت بتحبني وليا في قلبك معزّة سيبني اهدى يومين.." قاطعته ليحدق بعينيها ثم أقترب منها وقبّل جبينها بشفتان مرتعشتان


"حاضر، بس متتأخريش عليا!" أخبرها وهو يحاول التغلب على تلك الدموع البغيضة التي اقتحمت عيناه فجأة.


"متقلقش مش هتأخر.. مش هتلحق تحس إني مشيت" ابتسمت له في اقتضاب ثم عانقته بكل ما لديها من قوة ثم ابتعدت لتجفف عيناها "خد بالك من نفسك" همست له ليومأ لها


"وأنتي كمان لو احتاجتي حاجة كلميني!" أومأت له هي الأخرى ثم توجهت للخارج.


"ازاي كنت غبي كده!! ليه سيبتيني ومشيتي؟؟ مش عارفة إني من غيرك هاكون أسوأ إنسان في الدنيا؟ مش عارفة إني مش هاقدر أعيش بعدك؟ اشمعنى اليوم ده بالذات واشمعنى الطيارة دي اللي وقعت!! ليه عملتي فيا كده!  لو كنتي بس سمعتي كلامي ومحملتيش.. لو كنت أنا وافقت.. كان ممكن تكوني جنبي دلوقتي.. ليه كنت غبي كده؟! غبي!!" صرخ بداخل نفسه ليتجرع تلك الآلام وحده ثم أجهش بالبكاء وهو يشعر بالندم وإلي الآن يعرف أنه السبب بكل ما حدث لها.


❈-❈-❈


تنهد في سأم وهو يعرف أنه سيذهب لها بالداخل وسيراها الآن.. عليه أن يستجمع رباطة جأشه، عليه أن يعود بدر الدين الخولي بتلك القسوة، بنفس الغضب والجدية، عليه أن يرى والدته في كل النساء وينتقم منهن لعل تلك الآلام تسكن بداخله قليلاً.


دلف الجناح التي تمكث به ليجد كل شيء كما هو، بقايا طعام البارحة، ملابسها التي أحضرها، حقيبة العلاج الذي ابتاعه لها وكأنما تعصاه عن قصد فتوجه للسرير التي نامت عليه وهو يُقسم بداخله أنه سيقتلها تلك المرة فاقترب منها وكاد أن يجذب الغطاء ولكنه وجدها تهمس أثناء نومها


"ببلاش.. ضرب.. ماما.. كفاية.. ضرب لأ.. بببلااش" أقترب أكثر ليجد جسدها يرتجف بشدة والعرق ينهمر على جبينها فاقترب يتلمس وجها ليجد حرارتها مرتفعة للغاية ليلعن داخل نفسه ثم توجه للخارج مسرعاً.


أستسلم جسدها لحمى شديدة لم يجد بها عقلها الباطن سوى أنها ستكون الحل لكل ما يحدث لها، حيلة اخرى من الحيل الدفاعية لعقل الإنسان كي يتغلب على الصدمات التي لا يستطيع مواجهتها، استجابة جسدها نفسه لتلك الإشارات التي اجبرتها على الهروب من الواقع والعذاب الذي تلقته لأيام على يده كان الحل الوحيد..


في تكوين العقل الذي لا يعلم عنه شيئا سوى خالقه، هناك العديد مما قد يفعله ليواجه الصدمات.. قدرة رهيبة ومذهلة قد لا يعرف الإنسان عنها شيئا.. وهذا ما فعله عقلها.. استسلم لذعرها وخوفها وإضطراب قدرتها على مواكبة كل ما يحدث حولها ليدفعها للإستسلام الشديد لحالة مرض كي ينعزل بها عن الواقع.. دفعها لحالة من الحمى بمصاحبة هروب من تلك الفجائع وذلك الآلم الذي لم بسائر جسدها وقدرتها على التفكير لترقد في حالة من الهذيان الرافض لكل ما يفعله..


عقلها يحميها من مواجهة هذا بالهروب الذي قد تستطيع استخدامه بتلك الحالة وهي كالمحتجزة.. لم تدرك هي ما الذي يحدث لها بعقلها الطفولي وطيبتها الساذجة وتفكيرها المحدود.. حياتها التي تقاسمتها بين مدرسة ثم جامعة والقليل من الأصدقاء أو إنعدامهم فزياد لم يكن بالصديق الحقيقي وكذلك مريم!.. والدتها التي لم تتعامل معها سوى بالطيبة والحنان.. وزوج والدتها لم يكن بالوالد ولا الأب.. كل خبراتها المحدودة القصيرة التي مرت عليها بالحياة لم تترك لها سوى مواجهة الصدمة الشديدة التي تحيا بها منذ أيام بالهروب!! كان هذا الحل ما اقترحه عقلها عليها..



يُتبع..