-->

الفصل السادس عشر - ظلام البدر

الفصل السادس عشر

أييه.. يعرفوا ايه؟!" تلعثمت وشاهندة تنظر لها مُضيقة عيناها في تعجب

"أنتو مخبين عليا ايه؟!" تسائلت شاهندة في انفعال

"ده ده.. مفيش يا شاهي.. هو بس.. الـ.. الشغل!! مش أكتر" تلك هي الحجة الوحيدة التي رآتها نورسين مناسبة فهي لا يربطها ببدر الدين وكريم سوى العمل

"الشغل!! والله؟! وايه اللي حصل بقا في الشغل؟!" شاهندة بتهكم

"أصل.. كريم كلم Mr بدر.. وبدر اتعصب!!" هذا ما يفعله بدر الدين على كل حال فلربما ستصدق شاهندة وستخرج هي من ذلك الإستجواب

"وأنتي بقا قومتي كده من على الأكل عشا ن بدر اتعصب؟!"

"أصل.. لما كريم اتكلم بدر اتعصب عليا أنا كمان وكنت تعبانة فشدينا مع بعض.. لكن عدت على خير!"حاولت نورسين التظاهر بأن كل شيء على ما يرام!

"مممم.. شديتوا، كنتي مش طايقة تاكلي يعني مع بدر على سُفرة واحدة عشان كده مشيتي؟!"

"بصراحة يا شاهي أنا لسه بحاول اتعامل مع ملك الكون ده" حاولت التحدث بثقة

"شايف إن الكل مش فاهم الشغل وإننا مش بنشتغل.. وانا اضايقت ولما كريم اتكلم عن الخبرة ومش عارف ايه افتكرت واتضايقت وكمان Mr بدر مصمم بكرة نروح الشغل وأنا كان نفسي أحضر معاكوا للسبوع.. مش ممكن، مبيبطلش شغل.. كمية طاقة رهيبة، أنا خايفة أصلاً يأخرني بكرة وملحقش اجي قبل ما تبدأوا" كتمت أنفاسها وهي تنتظر بفارغ الصبر اقتناع شاهندة

"يووه بقا يا نور.. هو ده يعني الموضوع.. يا شيخة أنا قلقت" هنا زفرت نورسين في راحة بعد اقتناع شاهندة

"بصي يا ستي أنا هاحكيلك كام حاجة كده عشان تعرفي تتعاملي مع بدر، تعالي" جذبتها ليجلسا سويا على السرير

"بصي أول حاجة وأنتي بتتعاملي مع بدر لازم تفهمي أنه مر عليه أيام صعبة جداً، سواء من باباه أو من مامته، احنا كلنا بنعذره علشان كده، كلنا هنا عشنا واتولدنا واتربينا في حضن أب وأم طبيعين إلا هو، أنتي عارفة اليتيم يمكن حاله يكون أحسن منه، إنما هو.." زفرت بآسى ثم أكملت

"هو كانت طفولته صعبة أوي، أمه كانت بتقوله في وشه إنها مش عايزاه وبابا الله يرحمه على قد ما كان حنين معانا بس مجرد بصته لبدر كانت بتفكره بمراته الأولانية الست دي مش عارفة أقول عليها ايه ولا ايه، المهم .. بدر عانى كتير أوي ولما كبر بابا شايله المسئولية بدري.. خلى كل حاجة عليه، احنا والشركات وحتى تعبه بدر اللي كان بياخد باله منه وكان رافض تماماً أي حد مننا يعمله حاجة.. وبعدها بابا مات" هنا دمعت عينا شاهندة لتواسيها نورسين

"ربنا يرحمه"

"يارب.." تنهدت بآسى وأكملت "ساعتها مراته الأولانية اخدت مؤخر كبير ومكانش معانا سيولة، وطلبنا منها تصبر علينا شوية مرضيتش.. كان ليها طبعاً حق في الشركة معانا لكن اديناهولها فلوس لأن بدر رفض اننا نتعامل معاها قدام، وده زنقنا أكتر.. بس ساعتها بدر هو اللي اتعامل معاها وكانت أيام صعبة اوي عليه، كنت ببصله بس ابقى عايزة اعيط من كتر ما كان صعبان عليا.. لولا وجود ليلى مراته الله يرحمها جنبه بدر كان ممكن يتجنن" تريثت لبرهة لتضيق نورسين حاجباها

"ليلى دي كانت جميلة.. ضحكتها مكانتش بتفارقها، أنا بجد عمري ما شوفت في حياتي واحدة زيها، بدر أول مرة يتصرف زي الناس الطبيعية لما هي دخلت حياته، كان بيضحك ويهزر، كانت روحه فيها.. مكنوش بيقدروا يبعدوا عن بعض.. عارفة الناس اللي متعرفيهومش أصلاً وتيجي كده تبصيلهم تحسيهم بيموتوا في بعض!! بدر وليلى كانوا كده.. دي الحاجة الوحيدة اللي عوضت بدر عن الأيام السودة اللي شافها، كان متعلق بيها جداً لغاية بقا اللي حصل ما حصل وماتت.. الله يرحمها"

"هو ايه اللي حصل بالظبط؟" تعجب نورسين

"كانت رايحة لأختها فرنسا والطيارة وقعت بيها.. بدر لما جاله الخبر محدش شافه لمدة تلت شهور.. قفل على نفسه ومكنش لا بيكلم حد ولا بيشوف حد.. حتى أنا وماما" زفرت شاهندة في حزن

"عرفتي بقا يا نور ليه بدر كده؟ بدر مش عايز غلطة في الشغل عشان لما مامته اخدت السيولة كلها اللي كانت معانا وكمان كان فيه موظفين عندنا بيستهبلوا فاكرين اننا مش هنمسك عليهم غلطة وبيسرقوا المخازن والعهد، كانت فعلاً كل حاجة هتروح، احنا الأيام دي مكناش بننام، أنا وماما وحمزة وطبعاً بدر وليلى.. ومع الوقت بدر كبر الشركات وبقينا شركات عالمية ووضعنا الحمد لله اتحسن كتير.. فهمتي ليه بدر مبيسمحش بغلطة في الشغل ولما حد بيغلط بيتعصب اوي؟" اومأت لها نورسين في تفهم بينما لم تتقبل الأمر خاصة بعد ما فعله معها

"وكمان والنبي حاولي تراعي كل اللي مر بيه.. ده شاف العذاب ألوان والله من مامته لبابا ضرب وحبس وبهدلة وبعدين كمان موضوع ليلى ده دمر بدر خالص.. تحسيه بقا Machine (آلة) أو كمبيوتر كده مش إنسان طبيعي.. فمعلش إن كنتي بتحبيني لما يبقا يتعصب ابقي تعالي على نفسك شوية واستحمليه.. أنا عارفة إن مالكيش ذنب بس بدر ده بالنسبالي أهم حد في حياتي.."

"حاضر يا شاهي عشان خاطرك"

"بالا بقا يا بنوتي تصبحي على خير عشان تصحي بدري بدل ما ملك الكون يعكنن عليكي على الصبح" ابتسمتا سوياً ثم تعانقتا لتتركها شاهندة وتغادر بينما نورسين وقعت في حيرة شديدة من آمرها عندما علمت بكل ذلك عنه!

"يا شاهي أنتي متعرفيش عمل فيا ايه!" تمتمت لنفسها ثم تهاوت دموعها وهي تحاول أن تنام وتلك الذكريات البغيضة التي عايشتها معه لا تغيب عن عقلها أبداً.

❈-❈-❈

"ده.. ده.. اتفاق مع شركة chemicals (كيماويات) جديدة" أجاب كريم هديل مبتلعاً

"مممم... وأنت مالك ومال المواضيع دي؟! مش المفروض الحاجات دي تخص شاهي؟!"

"أولاً أنا اللي ماسك المواقع ومهندس وافهم احسن من شاهندة الموردين بيبعولنا ايه بالظبط، غير بقا أنتي عارفة جوزك ناصح أوي ومبيحبش يسيب الخير للغير.. ولا ايه؟!"

"طول عُمرك ناصح يا كيمو" ابتسمت هديل وهى تداعب وجنه "بس ابقا افتكر مراتك حبيبتك"

"وهو أنا خارب بيتي غير مراتي حبيبتي.. وبعدين مالك كده؟!" نظر لها يتفحصها لتنظر له هديل في تعجب عاقدة حاجبيها

"مالي ازاي؟!"

"احلويتي اوي بعد زينة" غمز لها لتبتسم له هي

"ما أنا زي ما أنا اهو.. فيه ايه يا كريم؟" ضيقت عيناها له ليقترب هو منها وأصبح يتحدث بالقرب من شفتاها

"أنا مستني الكام يوم دول يخلصوا وبفكر في السادس!!"

"نص دستة يا كريم!!" توسعت عيناها في دهشة من كلامه

"نص دستة يا روح كريم" كرر كلماتها ثم أخذ يُقبلها بلا توقف.

❈-❈-❈

لقد شرب كثيراً ليلة أمس.. دلك جبينه وهو يشعر بالصداع ثم نهض لحمامه، تمنى لو كان بمنزله ولكن لا يستطيع ترك تلك الفتاة هنا وحدها دون أن يراقبها، يريد أيضاً أن يعرف لماذا كانت شاهندة معها كل ذلك الوقت ليلة أمس وبم تحدثتا!! يشعر بالخوف على عائلته كثيراً منها.. هم مسئوليته ولن يفشل أبداً بدر الدين الخولي في شيء!!

"اقعد يا بدر"

"خير؟!" جلس بدر الدين على ذلك الكرسي بجانب سرير المشفى

"أنا قسيت عليك كتير عشان تطلع راجل، عشان كان لازم أخلصك من الإستغلال والوساخة اللي أمك ربيتك عليهم، أخواتك البنات ونجوى خلاص مبقالهومش غيرك وزياد صغير.. حافظ عليهم! خد بالك منهم لأني خلاص حاسس إني مش هاطلع من رقدتي دي" تنهد بدر ولكن دون أن تبدو المشاعر عليه

"ولا مستني أموت عشان تفشل براحتك؟ ساعتها مش هتلاقيني وراك، مش هتلاقي اللي يعاقبك على اللي فشلت فيه!" سحق بدر أسنانه وعقد قبضتاه ولكنه ظل صامتاً ليتفحصه والده "ايه عايز تضربني؟ ولا خلاص عشان مبقتش قادر عليك هتـ.."

"أنت ليه شايفني دايماً فاشل؟ عايزني أعمل ايه تاني؟ أنا عمري ما فشلت في حاجة، لا دراسة ولا جواز ولا شغل.. ليه كنت قاسي عليا وكمان دلوقتي مصمم تكون قاسي تاني، أنا ذنبي ايه في إني بفكرك بيها؟"

"ذنبك إنك ابنها، شبهها، حتة منها، لو مكنتش عملت اللي عملته معاك كان زمانها قلبتك عليا او بقيت نسخة منها!!"

"مفكرتش في يوم تحبني؟ تحضني؟ ابنك الراجل الكبير مفكرتش تصاحبه؟" تحدث بدر في حُرقة بينما لم يجد إجابة من والده الذي أشاح بنظره بعيداً

"متقلقش يا صابر بيه.. بدر ابنك مبيفشلش في حاجة، لا هو زياد المتدلع، ولا هديل اللي طلباتها أوامر، ولا هو أمه الإستغلالية.. لو جايبني هنا توصيني على أكتر ناس بحبهم رغم عيوبهم، فمتقلقش تقدر تطمن.. وأعرف إني عمري ما أكون ناكر جميل للإنسانة اللي حاولت تربيني زي ابنها ومفرقتش بيني وبين ولادها.. هي مش زيك، وأنا عمري ما هفرط في حقها ولا حق اخواتي"

انسابت المياة على عيناه الموصدتان وهو يتذكر تلك المرة التي تحدث أبيه له بآخر أيامه وفتح عيناه التي تساقط منها الدموع المخفية وسط المياة ثم استعاد رباطة جأشه على نفسه ثم انتهى من حمامه الصباحي وتوجه للخارج.

يعرف أن ما سيفعله اليوم هو القرار الأمثل، فهو لم يعد يبقى على شيء سوى عائلته.. حياته قد دُمرت منذ سنوات، تلك الفتاة أم غيرها لن تُغير به إمرأة شيئاً ولن يفرق الأمر كثيراً معه، ليتزوج إذن وليمنح أمه قليلاً من الراحة ولنفسه أيضاً لبعض الوقت دون أن تفاتحه بهذا الأمر مجدداً، لتعيش هديل في سلام مع ذلك الحقير، ولتطمئن شاهندة على تلك الفتاة التي أحبتها بشدة، فهي لن تعود لزوج أمها الإستغلالي على الأقل الآن!..

عليه فقط أن يساومها ليس إلا وحتى إن لم تقبل فسيجبرها، عليها أن تكون بعيدة عنهم، وعلى ذلك الحقير أن يعلم إذا أقترب منها أنه سيتصدى له بنفسه، وقتها سيعبث مع زوجة بدر الدين الخولي ولن يرحمه إذا أقترب منها!!

ارتدى ملابسه ثم توجه ليتناول الإفطار مع عائلته بعد أن تناول بعض المُسكن لصداع رأسه وتفقد الجميع على طاولة الطعام بلمحة سريعة ليبدأ روتينه اليومي

"صباح الخير" اجابه الجميع عدا شاهندة التي لازالت مستاءة من حديثها معه منذ الأمس ثم نظر له كريم بنظرة انتصار تعجب لها وأكمل طعامه في صمت وآخذ يلاحظ نظراته لنورسين وهو يشتعل غيظاً منه..

"يالا عشان عندنا اجتماعات برا ومش عايز أتأخر" صاح بعد أن وقف ناهضاً لتُمسك نورسين بحقيبتها

"باي" ودعت الجميع لينظر لها كريم بإبتسامة

"باي.. Good luck (حظ سعيد) في اجتماعتكوا" تحدث كريم ساخراً ليسحق هو أسنانه في غضب ثم توجه بصحبتها لسيارته

"شاهندة كانت بتعمل ايه عندك امبارح؟"لمحها بطرف عيناه الثاقبتان وهو ينظر لها أثناء قيادته

"أبداً.. سألتني اني مخبية حاجة عليها وانت وكريم بس اللي تعرفوها.." هنا توقف فجأة وكادت رأس نورسين أن ترتطم بالزجاج ليلتفت إليها بعد أن رفع المكابح اليدوية وجذب ذراعها

"انطقي.. قولتيلها ايه؟" هنا انتعشت ذاكرته بعدم اجابة شاهندة له صباح اليوم

"قولتلها أنت اتعصبت عليه وعليا بسبب غلطة في الشغل.." تحدثت مسرعة وهي تشعر بالخوف من ملامحه الغاضبة المرعبة وأنفاسه المتلاحقة وعادت رأسها لتتذكر كيف كان معها بالأيام الماضية.

"أنتي هتستعبطي يا بت" صرخ بها وهو يزيد من حدة قبضته على ذراعها

"والله ده بالحرف اللي قولته"

"لو عرفت إنك بتكدبي هيكون آخر يوم في عمرك.. سامعة!!" صاح محذراً وهو يترك ذراعها بعنف لتومأ له وشرع في القيادة مجدداً ليشعر بدموعها تتهاوى في صمت.

ظلت تبكي دون أن تُصدر صوتاً حتى وصلا لمرأب الشركة وشعر هو بذلك الإحساس المُزعج كلما بكت هي ليتمنى قتلها وقتل نفسه معها!!

"بطلي زفت" صاح آمراً وهو يترجل من السيارة لتتبعه هي الأخرى وهي تجفف دموعها ونظر لها ولكنها تحاشت النظر له تماماَ.

صعدا ووصلا لمكتبه ليدخل هو وصفع الباب خلفه وأخذت هي تعد القهوة في صمت وقلة حيلة!

❈-❈-❈

"يعني ايه بيتكلم من رقم تاني متعرفهوش؟!"

"حضرتك بنحاول نوصل لرقمه وقريب اوي هيكون معانا"

"أنا قولتلك الكلب ده تعرفلي بيعمل ايه بالحرف وتبلغني بيه.. جاي تقولي بيشتغل بس ومعاه رقم تاني.. لو مش قد الشغل أشوف غيرك"

"لا يا بدر باشا متقلقش.. دبة النملة هتوصلك.." أنهى بدر الدين المكالمة ما إن رآى نورسين تدلف بقهوته ثم نظر لها بطرف عيناه وأوقفها قبل أن تغادر

"اقفلي الباب ده بالمفتاح وهاتيه وتعالي" آمرها بهدوء لتهرب الدماء من عروقها وشعرت بالرعب الشديد مما قد يفعله.

فعلت ما آمرها به ثم التفتت ولم تنظر له خوفاً من تلك النظرة الثاقبة التي لطالما قتلتها رعباً ثم وضعت المفتاح بالقرب منه وكادت أن تبتعد لتفاجأ بقبضته القوية على معصمها لتتلاقى زرقاوتها المرتعدتان بعينيه الثاقبتان

"أوقفي هناك" أشار لها أمام مكتبه "واقلعي!" تهاوت دموعها وهي لا تُصدق ما قاله للتو ليشعر مجدداً بنفس الشعور كلما رآها تبكي ولكنه لن يتراجع أبداً.. صفعها ليستحث قسوته بدلاً من ذاك الشعور المزعج بداخله..

"جرا ايه يا بت.. نسيتي نفسك ولا ايه؟!" صرخ بها ونظر لها نظرة جعلت الدماء تجف بعروقها على إثرها وفرت مهرولة لتفعل ما آمر به.

اتكأ بكرسيه وهو يرتشف قهوته ويتابع ما تفعله هي بعينيه وينظر لها في تشفي ودموعها تتساقط وتخلع ما عليها.. للحظة شرد بمنحنيات جسدها المثير وأخذ يتخيل العديد من الأشياء التي قد يفعلها بجسد مثل هذا ولكنه طرد هذا التخيل من عقله بسرعة.

"لفي" آمرها لتفعل وتعالى نحيبها وهي تشعر بالإهانة الشديدة جراء ما يفعله وظلت واقفة تنتظر آمره التالي لها ولم تستطع أن تسمع شيئاً آخر سوى نحيبها وصوت خفقات قلبها التي تعالت في رعب وفجأة شعرت بيداه تقبضا عليها لتشعر بالآلم من قبضتاه وهمس

"العلامات ابتدت تروح.. تحبي أفكرك شكلها كان عامل ازاي؟"

"لأ.. أرجوك بلاش ضرب.. بلاش" التفتت وهي تتوسله وعيناها توسعت في رعب "هاعمل كل اللي أنت عايزه بس بلاش ضرب"

"تمام" ابتسم نصف ابتسامة ثم توجه ليجلس على الأريكة وباعد بين قدماه مستنداً بذراعاه يميناً ويساراً بجانب رأسه أعلى الأريكة..

"تعالي" آمرها فهرولت نحوه على الفور ليقهقه هو "انزلي على ركبتك" خارت بجسدها للأسفل وهي تفعل ما يآمرها به وتتحاشى النظر لعيناه تماماً لتفاجأ بصفعه اياها ثم أمسك بشعرها "بت.. نسيتي إنك حيوانة، فاكرة نفسك بني آدمة ولا لازم يتلطشلك كل شوية عشان تعرفي مقامك.. غوري ارجعي لغاية المكتب وتعالى على ايدك ورجليكي يا حيوانة عند جزمتي" تحدث بهدوء وتشفي لإهانتها بتلك الطريقة لتبكي هي وفعلت ما آمرها به وآخذ هو يشاهدها عاداً حاجباه وينظر لمنحنياتها ليشرد بها مجدداً.

لاحظ وصولها أمام حذاءه ليبتلع وجذب رأسها ليضعها أسفل حذاءه

"مبسوطة وأنا ببهدلك كده!! ما أنتي لو كنتي محترمة مكنتيش عملتي اللي عملتيه!"

"والله ما عملت حـ.."

"اخرسي يا كلبة ومتفتحيش بوقك غير لما أقولك" قاطعها ليشعر بنحيبها يتعالى "واضح إن أمثالك لازم يعرفوا مقامهم كل شوية.." ظل يحرك قدمه على رأسها بينما هي شعرت بالذل الشديد ولم تعرف كيف لهذا الشخص الذي تحدثت عنه شاهندة بالأمس أن يكن هو نفس ذلك الشخص القاسي الذي هو معها الآن!!

"قومي يا بت على ركبتك!!" صاح بعد أن أزاح رأسها بحذاءه في تقزز ففعلت وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع "بصيلي يا روح أمك" آمرها ففعلت ليرى تلك الزرقاوتان وهو لا يصدق كيف تتصنع تلك البراءة وقد كان كريم الحقير منذ ساعتان يحاول إثبات أنه لا يزال يحبها!! سيريه وسيريها!

"ايه رأيك يا بت بدل ما تنامي مع كريم أجيبلك رجالة وياخدوكي بالدور.. وأهو كله بحسابه" ابتسم لها في كراهية لتتوسع عيناها في رعب وتعالى بكائها

"لأ لأ أبوس ايدك.. أرجـ.."

"بوسيها" آمرها بمنتهى الهيمنة بعد أن قاطعها لتختلف نظرة عيناه وأسرعت هي لتُقبل يده على الفور خوفاً مما تفوه به منذ قليل ليشعر بخفقات قلبه تتزايد وعقد حاجباه في خوف من ذلك الشعور الذي سيطر عليه بغتةً ثم أفلت يده فجأة

"أرجوك بلاش.. والله هاعمل كل اللي تقول عليه.. بس بلاش الموضوع ده.. أنا ممكن أ.. ممكن أموت.. أرجوك بلاش" تساقطت دموعها ونظرت له في توسل

"يبقى تتجوزيني.. على الورق.. لمدة سنة! تخلصي جامعتك، وعارف إن انتي كلبة فلوس.. هاجبلك شقة وشغل بعد ما تخلصي وماشوفش وشك تاني وتخرجي من حياة أهلي كلهم!!" توقفت عن البُكاء وتوسعت عيناها في اندهاش ووجل مما ألقاه على مسامعها للتو!

❈-❈-❈

"عايزة تجيبلنا العار بنت كامل.. أنا لو شفتها قدامي دلوقتي مش بعيد أموتها بإيديا"

"اهدى يا كمال.. مش لما تروح الأول وتتأكد من كلام جوز أمها!!"

"من غير ما أتأكد.. مش كفاية اللي عمله ابوها فينا زمان وراح أتجوز أمها اللي لا نعرفلها أصل ولا فصل وساب بنات أعمامنا"

" طب هتعمل ايه؟!"

"أنا لو شوفتها قدامي هموتها بإيديا!!" تعالت أنفاس عمها في غضب وهو يتخيل ما سيفعله معها "أنا لو مسكتها مش هاتمسكها عافيه.. الحل إن فارس لما يرجع هو اللي يجيبها لغاية عندي"

"الله!! طب وابني ذنبه ايه باللي عملته بنت كامل" صاحت زوجته في انفعال

"ذنبه إنه ابن عمها، واللي معملوش أبوها زمان هتعمله هي دلوقتي.. فارس وبنت كامل لازم يتجوزوا"

"حرام عليك.. أنت هاتجبر ابني يتـ.."

"اسكتي يا شادية وإياكي تفاتحيه في الموضوع غير لما يرجع من سفره" قاطعها زاجراً اياها "واياكي أعرف إنك لمحتيله هو أو أي حد من أخواته بحاجة.. أنا هاعرف أتصرف معاه لما يجي!"

❈-❈-❈

"امضي.." صاح آمراً اياها لتفعل ووقعت على عقد الزواج ثم فرت لخارج مكتب ذلك المأذون وهي لا تكترث بما سيفعله لها وأخذت تبقي بحرقة على ما يحدث لها وتمنت لو تقتل نفسها.. نعم لربما هذا هو الحل الوحيد..

"بتسبيني وتمشي قدام الناس!! ماشي.. أنا هربيكي.. قدامي" تحدث بين أسنانه المتطابقة ليجذب ذراعها في عنف ويتوجها للخارج.

يُتبع..