-->

الفصل الخامس عشر - ظلام البدر - دجى الليل


الفصل الخامس عشر

هبط بجسده يقترب منها وهو يتفقد وجهها خوفاً من ظهور اثار لصفعته عليها وزفر عاقداً حاجباه بعد أن وجدها بخير ثم حملها ووضعها بالكرسي الأمامي للسيارة وانطلق لمنزل عائلته.
"أنا عمري ما شوفت في قسوتك.. أنت مفتري.. منك لله.. بتعمل ليه كل ده.. أنا معملتش حاجة كريم السبب والله.. سيبني بقا في حالي.. أنا بقيت بكرهك وبخاف منك، ربنا ياخدني يا ياخدك.." دوت تلك الكلمات في رأسه وهو لا يستطيع نسيانها؛ كظهرها الذي يبدو مدمراً.. دموعها التي لا تتوقف أبداً عن الإنهمار.. أيُعقل أن كل هذا مجرد تمثيل؟ أتريد أن تخدعه ليس إلا؟ ألهذا الحد تتظاهر بالبراءة؟ لابد وأن هناك شيئاً ما.. لابد وأنها تتدعي كل ذلك ولكن أكل ذلك من أجل المال؟
"جاية ليه يا وفاء؟ جاية ليه بعد السنين دي كلها؟" وقف بدر الدين بالجانب من غرفة الإستقبال يسترق السمع لكل ما يدور بينهما لتأتي نجوى وتلاحظه
"بدر.. أرجوك امـ.."
"أرجوكي يا أمي سيبيني براحتي" همس مقاطعاً همسها لتنظر له هي في حزن وقلة حيلة فهو لم يعد ذلك الطفل، لقد أصبح فتى بالغاً الآن ولن يقتنع بحججها الواهية
"عشان ابني.. وعشانك" صاحت وفاء مجيبة في حزن زائف
"ابنك.. أنا!" تحدث لها صابر بنبرة متهكمة "وافتكرتينا كده فجأة؟"
"أنا عمري ما نسيتكم.. عمري ما كـ.."
"امشي اطلعي برا ولو حاولتي تيجي هنا تاني هخلي الحراس يتصرفوا معاكي بطريقتهم"
"يا صابر اسمعني أنا كنت بـ.."
"جاية تبرري ايه؟ خيانتك؟ ولا إنك ساعدتي صحبي يسرقني ولا ابنك اللي مكنتيش بتعرفي عنه حاجة بالأيام؟"
"أنا كنت غيرانة من إنك اتجوزت غيري.. عشان كده كنت بعمل كل ده.. كنت فاكراك هتغير عليا.. ولما كنت مع بدر كنت قاصدة أعمل كل ده عشان يشتكيلك وتيجي ترجع تعيش معانا، وصاحبك أنا مبعتكش ليه ولا حاجة.. أنت لازم تعرف الحقيقة ولو عايز تصدق صدق ولو مش عايز براحتك.. بس صاحبك هددني وقالي لو مساعدتهوش هيقولك إني كنت على علاقة معاه وبعـ.."
"اخرسي يا كدابة وامشي اطلعي برا" قاطعها صارخاً ليتعالي نحيبها 
"حتى بعد العمر ده كله يا صابر.. منك لله" حملت دموعها الزائفة وخرجت من منزله 
تذكر نفس الكلمة التي قالتها والدته لأبيه منذ سنوات، وهي نفس الكلمة التي قالتها نورسين.. تذكر أنها كانت تكذب وتتمادى في كذباتها فهو لن يُصدق تلك الفتاة أبداً مهما فعلت.. زفر في ضيق وصف سيارته أمام المنزل ثم التفت لها مقترباً منها وتلمس وجهها بأنامله ليفيقها وما أن فتحت عيناها حتى انكمشت على نفسها خوفاً منه
"احنا وصلنا.. تلمي نفسك وتتعدلي وتبطلي عوج لحسن هاخدك برا البيت ده ومحدش هيعرفلك طريق جُرة" اماءت له ليبتسم نصف ابتسامة لم تقابل عيناه "تمسكي شنطتك زي الشاطرة وتغوري على اوضتك متخرجيش منها لو ايه حصل واللي يكلمك تقوليله تعبانة وعايزة ترتاحي من السفر!! سامعاني؟!" صاح بها لتومأ في وجل ثم توجهت للخارج مسرعة وأمسكت بحقيبتها ودلفت المنزل.
"بقا كده!! مستكترها عليا وعينك منها.. قول كده بقا" تمتم كريم بعد أن لاحظ أقترابه منها بالسيارة وعندما تلمس وجهها "بس مش هسيبهالك عشان مش كريم اللي يخسر!! أنا هطربقها على دماغك يا بدر الدين!!" ابتسم في خبث ثم أخرج هاتفه الآخر الذي لا يعلم عنه أحد وهاتف يُسري بعدما خطرت على رأسه فكرة جديدة..
❈-❈-❈



"بنوتي رجعت يا ناااااس" صاحت شاهندة في فرحة شديدة ثم هرولت نحو نورسين تحتضنها في حب لتدمع عيناها وهي تود أن تصرخ بذلك العناق وتخبرها عن كل ما حدث لها تلك الأيام الماضية.
"شاهي" همست وهي تحتضنها
"حمد الله على السلامة يا حبيبتي" أنضمت لهما نجوى ثم فرقت شاهندة العناق لتنظر لنورسين ملياً 
"مالك كده وشك مخطوف؟!" تسائلت شاهندة في قلق واهتمام ليدخل بدر الدين ونظر لها بثاقبتيه نظرة جعلت الدماء تهرب من عروقها.
"لا أبداً جالي دور برد جامد ويادوب لسه بقوم منه أهو.. وتعبانة اوي من السفر وعايزة أنام" تحدثت لشاهندة لتشيح بنظرها بعيداً عن عينتيه المرعبتين لتلتقي عيناها بهديل التى دلفت لتوها 
"أهلاً ازيك.." صاحت لها بلهجة ليست ودودة على الإطلاق "حمد الله على السلامة يا بدر.. عامل ايه؟!" توجهت لبدر الدين بالحديث ليومأ لها 
"تمام.. انتي عاملة ايه دلوقتي؟"
"كله تمام وكنت مستنياك تيجي عشان السبوع.. بكرة بقا نعمله
"آآه يا ريت.. لازم نعزم بقا قرايبنا كلهم وأصحابنا.. تعالي يا نورسين اوريكي جهزت ايه" صاحت شاهندة في اهتمام وبهجة
"يالا" تمسكت بتلك الحقيبة التي ابتاعها لها وكأن بها كنز ثمين لتتعجب شاهندة من فعلتها 
"ايه يا نور مالك.. محدش هياخد شنطتك ويجري.. سيبيها واخلي زينب تطلعها
"ايه.. لا لأ.. أنا هطلعها" تحدثت بإرتباك وعينا بدر الدين لا تفارقها "هادخل بس أغير هدومي واجيلك.."
"حمد الله على السلامة يا حبيبي" توجهت نجوى لتحتضن بدر الدين 
"الله يسلمك يا أمي" أخبر نجوى ثم التف نحو نور "متنسيش تاخدي الدوا وتنامي عشان عندنا شغل بكرة" صاح لينبهها ونظر لها بطريقة استغربها الجميع بينما فهمتها هي جيداً
"جرا ايه يا بدر.. ما تسيبها معايا شوية يا اخي" أخبرته شاهندة في حنق "تعالي يا بنتي نطلع فوق!!" جذبت يد نورسين في لطف وتوجها للأعلى.
"ايه يا حبيبي السفرية كانت كويسة؟" تحدثت نجوى ليومأ لها بدر بالإيجاب
"اه كويسة" تحدث بإقتضاب 
"طيب يا حبيبي أنا هاروح أقول لزينب تحضرلكوا الغدا على ما تغير هدومك" ابتسمت له ثم غادرته ليجد هديل تبتسم له 
"عامل ايه يا بدر؟؟ أنت كويس؟" تعجب لسؤالها فهي للتو سألته نفس السؤال
"تمام.." اجاب بإقتضاب لتبتسم له مجدداً ليعقد حاجباه على تلك الطريقة التي لم يعهدها منها من قبل 
"تعرف يا بدر.. أنا أول مرة أحس إننا محتجالك اوي.. مع إني متجوزة وبحب كريم أوي أكتر من الدنيا باللي فيها، بس كان نفسي تكون موجود.. أنا عارفة إني مش قريبة منك زي شاهي بس كان نفسي أجري عليك بعد اللي حصل لكريم وأقولك الحقنا.. زي يوم اللي حصل في الشركة زمان.. أنا بردو عارفة كنت دايماً رخمة معاك بس احساس إن ليا حد كبير وميتعوضش ده مهم اوي.. شكراً يا بدر إنك في حياتنا وبتتحمل مسئوليتنا" فجأة وجدها تحتضنه ليبادلها العناق متنهداً "حاول متزعلش مني على كل اللي فات، أوعدك إن كل حاجة ما بينا هتتغير.." أماء لها بملامحه الجامدة
"مش زعلان يا هديل وعمري ما زعلت منك.. وأتأكدي إنك لو احتاجتي اي حاجة في اي وقت هتلاقيني أول واحد جنبك" أخبرها لتدمع عيناها ولكنها لم تبكي
"عارف.. حسيت إن روحي بتتسحب مني لما كريم دخل عليا وشكله مبهدل كده.. أكيد شاهي قالتلك.. بس على قد ما احنا ناقر ونقير كنت حاسة إن قلبي هيخرج مني من كتر الخوف عليه، الحمد لله إنها جت على قد الماديات" ابتسمت بمرارة بينما سحق بدر الدين أسنانه غضباً "وزي ما يكون اللي حصله قربنا من بعض أكتر الفترة الأخيرة دي.. حسيت إن ببتدي معاه بداية جديدة، زي.. زي ما نكون بنحب بعض من أول وجديد.. وأنا بردو كنت مقصرة معاه.." أكملت ثم تنهدت ونظرت لأخيها "معلش دوشتك" توسعت ابتسامتها ليومأ لها بالإنكار
"لا دوشتيني ولا حاجة.. كويس إنه بخير"
"الحمد لله"
"هطلع أنا أغير هدومي وأنزل اتغدى معاكوا" أماءت له ليتركها ويصعد لغرفته وهو يحاول أن يُخفي غضبه الذي انفجر بدماءه مما سمعه منذ قليل..
❈-❈-❈


"حد بردو ينسى موبايلو؟؟ متعمليهاش تاني لأني كنت هموت من القلق عليكي.. لولا إن بدر كان معاكي كان زماني اتجننت" أخبرتها شاهندة لتزدرد نورسين وعقلها يصرخ ساخراً فهي فقط لو علمت ما حدث لها ستقتل بدر الدين بيداها المجردتان!
"معلش.. مخدتش بالي.." 
"احكيلي بقا المجنون ده عمل معاكي ايه؟"
"مجنون مين؟!" تصنعت نورسين أنها لا تفهم بينما هي كادت أن تبكي كلما تذكرت ما حدث
"بدر.. ملك الكون!!" نظرت لها شاهندة مازحة "مش انتي اللي مألفاله الإسم ده؟!" ابتسمت نورسين في اقتضاب ووهن
"كان كويس.. شغل واجتماعات يعني مكنش فاضي يبقا ملك الكون المرادي" كذبت عليها وهي تحاول أن تخفي مشاعرها
"أنا عارفة إنه صعب والله وبيتجنن ساعات بس اللي شافه بدر مشافهوش بني آدم طبيعي أبداً.."
"ليه يعني؟!"
"ياااه يا نور.. ده اتبهدل في حياته كتير.. من وهو صغير يا عيني وحتى بعد ما اتجوز مراته ماتت، بابا كمان كان صعب أوي معاه وهو صغير وكان بيضربه وبيعاقبه وبيطلع عينه"
"ليه كل ده؟" تسائلت نورسين في تعجب
"شوفي يا ستي.. مامته كانت ست ربنا يسامحها بقا استغلالية أوي ودايماً تتخانق مع باباه وخسرته فلوس كتيرة اوي وخانته مع صاحبه وكأنها مش أم، زي ما يكون معندهاش رحمة ومكانتش بتاخد بالها من بدر خالص.. بعد كده زادت المشاكل بينهم وبابا جاب بدر عندنا وعاش معانا.. أنا فاكرة والله زي ما يكون امبارح، كان غلبان أوي وهادي كده وبيخاف ينطق.. وبابا كمان كان بيبهدله.. عارفة في مرة كان لسه جاي البيت مسكه حبسه كذا يوم.. كل ما بفتكر قلبي بيتقطع عليه.. وأنا فضلت اتحايل على بابا يسيبه وماما كمان اتخانقت مع بابا عشان بدر" سكتت شاهندة قليلاً بعد أن امتلئت نبرتها بالآسى "أنا عمري ما هنسى اليوم ده.. ولا لما كان غصب عنه بعد ما هديل تستفزه يضايق.. بابا كان بيمسكه يضربه و.." قاطع صوتها طرقات على الباب بينما نورسين مندهشة من كل ما تسمعه وكأنها تسمع قصص عن شخص آخر تماماً 
"ادخل" صاحت شاهندة بينما غرقت نورسين في تفكير عميق "حاضر يا زينب هنيجي اهو" تحدثت ولكن نور لم تسمع ما قالته "ايه يا نور روحتي فين.. يالا ننزل نتغدا
"هه.. حاضر هغير وهاجي اهو" فاقت من تفكيرها لتجيب شاهندة
"لا أنتي مش طبيعية خالص النهاردة.. أنا هاسبقك.. متتأخريش" اماءت لها نورسين ثم لاحظت الباب يوصد لتغرق في حيرة من آمرها 
"يعني حبسني زي ما باباه عمل معاه؟!" تمتمت سائلة لنفسها ثم هزت رأسها في إنكار وتوجهت لتغيير ملابسها.
❈-❈-❈



ود لو هدم تلك الغرفة بأكملها، ود لو ذهب ليهشم رأس تلك الفتاة!! تلك المُستغلة تريد أن تحرم هديل من زوجها بمنتهى الحقارة، لم يكن يدري من قبل كم هديل متعلقة بكريم!!
ولم لا، هو زوجها بالنهاية، زوجها الذي تحتاجه وهي لم يعد بجانبها الأب، لم تكن علاقتها بأخيها جيدة، لم تكن قريبة يوماً ما لأختها، أولادها الخمسة الذي هو أب لهم!! بالطبع هي تحبه، بل تهيم به عشقاً بعد أن تحدثت له عنه بتلك الطريقة..
آخذ يتذكر تلك الأوقات عندما أخبرته هديل أن كريم ابتاع لها هذا، وذهبا سوياً لعطلة ما، وأهداها ذاك، وأختارها هي عن جميع الفتيات في جامعتها، تذكر كم كانت تُثني على ذكاءه ومهارته بالعمل.. ألهذا الحد هو غبي ولا يرى أن إذا كريم ابتعد عنها ستتدمر كلياً!! 
ماذا له أن يفعل الآن؟! ماذا لو أكتشفت هديل خيانته لها؟ أتستطيع الحياة دونه هي وأولادها؟ بالطبع تحتاجه، لربما إذا أكتشفت ذلك ستنقلب حياتها رأساً على عقب..
ارتدى ملابس منزلية مريحة ثم توجه للأسفل ليرى أن الجميع قد حضر على طاولة الطعام ليلاحظ من بعيد نظرات كريم لنورسين ليشتعل من الغضب مجدداً..
توجه ليجلس وهو ينظر لكريم نظرة امتلئت تحذيراً واحتقاراً بآن واحد ثم نظر لنورسين ليجد نظرها لا يبارح الصحن أمامها ليبتسم ابتسامة لم يلاحظها أحد بتهكم وبداخله هو يعي جيداً أن كل ذلك مجرد تمثيل ليس إلا!!
"حمد الله على سلامتك يا بدر" صاح كريم ليومأ له بدر الدين في اقتضاب "أخبار سفرية لندن ايه، مش كنت في لندن بردو؟" ابتسم له في خبث لينظر له بدر بثاقبتيه متفحصاً اياه 
"اه لندن.. كله تمام" بالكاد أجابه وبداخله يريد أن يقتلع رأسه 
"حمد الله على سلامتك يا نور.. اتبسطتي في السفر مع بدر؟" وجه نظره لها لتتعجب نورسين التي كادت أن تجيب ولكن بدر سبقها
"اتبسطت أكيد اتعلمت حاجات جديدة هتنفعها كويس قدام!! ولسه هتتعلم أكتر" سلط نظرته المرعبة على كريم لتلاحظ شاهندة احتاد نبرته ولكنا لا تريد التدخل فهي تعرف أن كريم وبدر الدين علاقتهما ليست بالقريبة ودائماً ما شعرت أن بدر لا يُحبه مثلما يحب حمزة زوجها.
"أكيد!! بردو الخبرة اللي عندك مش زي أي حد" تهكم كريم "هتستفيد بردو.. مش كده يا نور؟!" كان قصد كريم مُغايراً تماماً لكل ما استعابه الجميع أمّا بدر فشعر وكأنما يفصله ثوانٍ قليلة عن لكمه حتى يفقد وعيه وبالنسبة لنورسين لم تستطع أن تتحمل أكثر
"أكيد.. Mr.  بدر رجل أعمال مشهور وخبرته كبيرة" اجابت بإقتضاب "معلش يا جماعة بعد اذنكو هطلع اريح شوية لأني تعبانة من سفر امبارح" استأذنت من الجميع لتبتسم لها نجوى وأومأت لها بينما شعرت شاهندة بأن هناك شيئاً غريباً وقررت أنها ستذهب لتتفقدها بعد أن تنتهي من تناول الطعام.
بالكاد أستطاع بدر الدين أن يتحكم في انفعاله ونظر للطبق أمامه وهو يعبث في الطعام لتلاحظ شاهندة مجدداً طريقته الغريبة وتعجبت ما سبب رده ذلك على كريم..
"بدر.." صاحت هديل بإبتسامة "بكرة بقا متتأخرش في الشغل عشان الناس هتيجي من الساعة ستة.. حاول تكون موجود من قبليها" أومأ لها بدر وملامحه الفارغة والخالية من التعابير لم تترك لها المجال بأن تخبره بأكثر من ذلك "ومعلش أنا محتاجة شاهي.. بلاش تروحي الشغل بكرة"
"يا سلام تحت أمرك يا هدولة.. عندنا كام زينة يعني" ابتسمت لها شاهندة في طيبة 
"كيمو عشان خاطري حاول أنت كمان تيجي بدري.."
"عيون كيمو يا حبيبة قلبي" قبّل يدها لتبتسم هي في خجل مما فعله معها أمام الجميع أمّا بدر فلم يحتمل ذلك الكاذب والمخادع الذي سمعه بأذنيه يعترف بحبه لإمرأة أخرى..
توجه للأعلى تاركاً الجميع لتلاحظ شاهندة ما يفعله وقررت أيضاً أنها ستحدثه مثلما ستحدث نورسين، لابد وأن هناك شيئاً ما حدث ولا يعلمه سواهما.
كاد أن يدلف غرفته ممسكاً بمقبض الباب ليجد كريم يتحدث إليه "حلوة لندن مش كده؟
"عايز ايه يا حيوان أنت؟" التفت إليه وهو يسحق أسنانه غضباً 
"أبداً واحد صاحبي في المطار قالي انك مسافرتش.. بس حلوة بردو لندن.. وحلوة نور مش كده؟!" لم يدري ما الذي حدث له وهو ينطق بإسمها فلكمه ليُمسك كريم بذقنه متألماً وجذبه بدر الدين من مقدمة قميصه 
"متعلمتش من اللي حصلك ولا تحب تتعلم تاني!!" صاح بدر الدين بين أسنانه الملتحمة
"لا بردو ودي تيجي.. كلنا بنتعلم.. وكلنا بنتغير وبنحب مش كده؟!" تحدث له متبسماً في سخرية ثم همس له "بس أقولك حاجة.. مش أنت يا بدر اللي هتقولي أعمل ايه ومعملش ايه، والشرع حللي أربعة.. وأبوك نفسه كان متجوز اتـ.."
"ايه يا جماعة فيه ايه؟!" صاحت شاهندة لترى بدر وكريم في هذا الوضع لينظرا لها سوياً في صمت!
❈-❈-❈



"يعني باباه كان بيحبسه، وأنا فاكرة كويس إنه كان بيتكلم وهو نايم وبيقول ان حد هيموته وهو خايف!! فيه حاجة مش مظبوطة!! منين بيعاملني كده ومنين هو اللي جابلي الدكتور والدوا، ومنين يبهدلني واقوله اروح لماما فيوديني، ليه مصمم ان انا استغلالية وكل شوية يقولهالي، ليه مش قابل يسمعني كل ما أحاول أشرحله اللي حصل مع كريم؟!" ظلت تتواتر الأسئلة العديدة وتحاول ربط الكلمات بما قالته شاهندة "يكونش شايف إني استغلالية زي مامته؟! طب أنا ذنبي ايه؟ ليه بيطلع عقده عليا؟ ليه القسوة دي كلها؟ أنا فعلاً معملتش حاجة.." صرخت بنفسها وهي لا تعرف ما الذي يحدث معها ولماذا بدر الدين يعاملها هكذا ولماذا هي بالأخص التي يفعل معها كل هذا!!
"طب هو يعني آخرتها ايه؟ هيعذبني كده لغاية امتى؟ ولما اروح معاه بكرة هيعمل فيا ايه تاني؟ أنا مش عارفة أتصرف!!" فكرت في قلة حيلة ثم خطر على بالها أن تُخبر شاهندة ولكنها تذكرت مجدداً تهديده لها بألا تخبر أحداً بعائلته
"يارب أسترها معايا.. أنا ماليش حد وفعلاً معرفش أعمل ايه.." تمتمت ثم جففت دمعة تهاوت على وجهها ثم نهضت لتتفقد جسدها بالمرآة وتلك العلامات التي لا زالت تتواجد عليه مما فعله بها بدر الدين لتتهاوى دموعها في صمت بينما تلك الطرقات على الباب جعلها ترتدي ملابسها بسرعة ثم جففت دموعها لتتفقد من الطارق.
❈-❈-❈


"أبداً.. عمل حاجة غلط في الشغل!" صاح بدر الدين ثم ترك قميصه
"مينفعش اللي أنت بتعمله ده يا بدر" زجرت أخيها ثم باعدت بينهما "أنا أصلاً كنت جيالك عشان عايزاك! تعالى نتكلم شوية، عن إذنك يا كريم" جذبت يد بدر ليدلفا غرفته وهي تشعر بأنفاسه الغاضبة "جرا ايه مالك؟! أنا ملاحظة من وأنت قاعد على الأكل كان فيك حاجة مش طبيعية!!" صاحت له في تعجب ليزفر هو في ضيق
"ضغوط شغل وكريم جه زود عليا، متشغليش بالك"
"يا سلام!! طب ونور كان مالها وقامت فجأة واحدة كده ليه؟!"
"وأنا بقا المسئول عنها؟! ما تروحي تسأليها، وبقولك يا شاهي خدي الباب وراكي عشان أنا مش ناقص وعايز اريح شوية"
"بقا كده.. ماشي! بس افتكر اللي بتعمله ده.." أخبرته في حنق ثم توجهت للخارج لتصفع الباب خلفها ليتمدد هو على سريره في ضيق ووصد عيناه ليسترجع العديد من الآلام!
"لأ يا مدحت براحة.. آآه .. لأ مش كده!!" صاحت وفاء بينما شعر بدر الدين بالرعب مما يسمعه "حراام عليك.. مش قادرة استحمل" أخذ صراخها يتعالى لتتعالى خفقات قلب بدر ليتبول وهو يحاول أن يتكور على نفسه بأبعد مكان عن ذلك الصوت ووضع يداه على أذنيه ليحاول ألا يستمع للمزيد!
فتح عيناه لينهض قائماً وهو يشعر بتلك الآلام تفتك به ويريدها أن تتوقف بأي شكل ولكن بلا جدوى!!
"ههههه.. جرا ايه يا مدحت مالك النهاردة.. ما تمسك نفسك شوية"
"هو ايه اللي مالي، لما تبقي زي القمر كده عايزاني أمسك نفسي ازاي؟!" سمع ذلك الصوت الرجولي الذي تخللته الموسيقى الراقصة ليقترب ويدلف الغرفة في براءة وهو يريد أن يستكشف ما الذي يحدث.
"يوووه، ايه اللي جاب الواد ده هنا!! ايه العكننة دي بقا؟!" صاح مدحت في ضيق لتتوجه وفاء نحو بدر الدين في غضب 
"أنت يا زفت مش قولتلك متطلعش من أوضتك؟!" صرخت بوجهه بينما عيناه اللامعتان تفقدتها 
"انتي لابسه كده ليه؟" سأل بعفوية وحب استطلاع الأطفال عندما رآى ملابسها المكشوفة وذلك الحزام الغريب الذي حاوط خصرها ومؤخرتها
"وأنت مالك.. غور في داهية من وشي، ولو شوفتك تاني الليلادي هامسكك امدك على رجليك زي امبارح، سامعني ولا لأ؟!" صرخت به لتتهاوى دمعاته ثم دفعته بقوة ليسقط أرضاً خارج الغرفة ثم صفعت الباب بوجهه..
"وسخة!!" تمتم بدر الدين في غضب ثم توجه ليشرع بالتدخين وهو يُفكر ما الذي يفعله مع كريم خاصةً أن أخته لن تستطيع الابتعاد عنه، وإذا ذهب ليخبرها بأنه رآى كلاً من زوجها وتلك الفتاة لن تصدقه حتماً!! كما أن تلك الطريقة التي يعامل كريم بها أخته تغيرت كثيراً، لابد وأن هناك شيئاً ما يُعد له.. سيعرف عاجلاً أم آجلاً ولكن وجوده هو وتلك الفتاة بنفس المنزل لن يساعد أحد بل سيجعل الأمور أسوأ. عليه أن يبعدهما عن بعضهما البعض!
آخذ يدلك جبينه بعصبية وهو لا يتوقف عن التدخين ثم لمعت عيناه لثانية واحدة لتعود مجدداً للقسوة والآسى في آن واحد بعد أن عرف جيداً ما عليه فعله ليحل هذا الأمر بل وسيجعل كريم يفكر آلف مرة قبل أن يقترب منها.
❈-❈-❈



"فيه ايه يا نور مالك؟" صاحت شاهندة بإنفعال وعصبيه لتتعجب نورسين
"أنا كويسة.. مرهقة بس شوية"
"نور.. أنتي من ساعة ما جيتي وأنتي مش طبيعية.. فيه حاجة أنتي مخبياها عليا ومش عايزة تقوليهالي؟"
"اايه.. مخبيه.. حاجة زي ايه.. أأنا مش مخبية حاجة!" تحدثت بنبرة مهتزة
"فيه حاجة حصلت وحاسة إن بدر وكريم بس اللي يعرفوها.." هنا ابتلعت نورسين لعابها وتعالت خفقات قلبها ثم نظرت لها بزرقاوتين مرتعدتين وهي لا تدري كيف عرفت شاهندة بكل شيء وهل هي عرفت حقاً أم أن بدر الدين كذب عليها!
❈-❈-❈



"اسمع.. نور كانت مع بدر ومكانوش مسافرين وكان بيحسس عليها قدامي في العربية.. "
"نعم يا اخويا؟ دي اللي أنت عايز تتجوزها؟ جاي تقولي أنا الكلام ده.. أنا ماليش دعوة.. اتفاقنا زي ما هو.. انا سبتهالك وقولتلي لما تتجوزها هتديني ٢ مليون جنيه.. لو هو بقا لهفها منك فـ دي مش مشكلتي.. أنا ماسك نفسي عشان ماجيش اخدها واجرجرها من شعرها بالعافية. اتفاقنا زي ما هو"
"اكيد اتفاقنا زي ما هو.. واكيد أنا هاعرف اجيبها.. بس محتاج مساعدتك.."
"لا أنا مليش دعوة بـ.. "
"متقلقش.. حاجة بسيطة اوي بس هتساعدنا احنا الاتنين، قولي تعرف حد من أهل أبوها؟" قاطع كريم يُسري
" آه أعرف بس هما مكانوش قابلينها هي وامها من زمان!"
"حلو اوي.. أنا بقا هقولك هتعمل ايه معاهم!"
ابتسم كريم عندما تذكر مكالمته مع يُسري ثم وصد عيناه متنهداً في راحة
"اما نشوف بقا هتاخدها مني ازاي!" تمتم بخفوت وهو موصداً عيناه ليفتحهما في صدمة بعد أن سمع هديل
"مين اللي هياخد ايه منك يا كريم؟"


يُتبع..