-->

الفصل الثاني والعشرون - ظلام البدر - دجى الليل

الفصل الثاني والعشرون

 

"لأ أرجوك بلاش يُسري.. اعمل اي حاجة تانية.. بس بلاش يُسري" صاحت ببكاء وهي تتوسله بينما هو ظل جاذباً اياها من شعرها خلفه لتتبعه وجسدها يُجر أرضاً وألقاها بغرفته واستمع لشهقاتها التي أزعجته كثيراً

"طب أنا بس عملت ايه؟؟ غلطت في ايه؟ مش قولت سنة وهنتطلق؟ أنا والله سمعت كل كلامك، أنا ماليش علاقة بكريم أقسم بالله.. اسمعني أرجوك" تحدثت ببكاء وبمنتهى الضعف والتوسل حاولت أن تثنيه عن قراره لتجده يقترب منها

"هو كده بقا.. قرفت منك ومن منظرك ومش مصدق حرف واحد منك" تحدث بين أسنانه الملتحمة غضباً ثم حل وثاق قدميها وارتدى أحدى القمصان القطنية غير الرسمية وأخذ احدى قمصانه ليجبرها على ارتداءه وهي لا تتوقف عن النحيب حتى أنها لم تعد تستطيع التنفس بإنتظام وشهقاتها تتفلت من شفتاها بدلا من الكلمات

"قدامي.." آمرها و أمسك بمفاتيح احدى سياراته وهاتفه وارتدى حذاءًا لتنظر له وعيناها صُبغتا بلون الدماء

"أرجوك بلاش.. هههاعمل كل اللي أنت عايزه.. بلاش يُسري" توسلته بين شهقاتها مجدداً

"هتمشي من سكات ولا تحبي تتجرجري من شعرك لغاية برا" أخبرها ليزداد بكاءها ومشت خوفاً منه مرغمة ليتابعها هو بعينيه القاتمتان وقد طُبع على قميصه بعضاً من قطرات دماء ظهرها..

ألقاها بالمقعد الخلفي للسيارة وتوجه هو لكرسي السائق ثم انطلق بالسيارة مسرعاً وهو لا يُصدق أنه سينتهي منها أخيراً ثم أوصد أبواب السيارة من الداخل..

لاحظ بكاءها المرير الذي لم تتوقف عنه، للحظة اهتدى عقله أن ربما هناك سبباً لكل رفضها هذا، لُينهي نفسه في زجر عن التفكير بالعدول عن قراره وأكمل طريقه ولم يتوقف عن النظر إليها بين الحين والآخر بالمرآة الأمامية للسيارة وأخذ ذلك الشعور الذي يسيطر عليه كلما رآها تبكي بالإنفجار داخله مُحدثاً زوبعة مجدداً..

قاد بسرعة جنونية عله ينتهي من ذلك الشعور الذي يبغضه كثيراً والتضارب بالأفكار الذي يشن على عقله دون هوادة ليجدها تصرخ وهي تحاول أن تفتح باب السيارة وهو بنفس الوقت يقود بسرعة جامحة

"نزلني هنا بقولك.. أنا مش هروح ليسري ولا هافضل معاك.. سامعني ولا لأ.. حرام عليك أنت إيه الإفترا اللي انت فيه ده.. أنا معملتش حاجة لكل ده! أنت ليه مصمم متصدقنيش، أنا عملتلك إيه؟ أنا مش عايزة فلوس من حد ولا بستغل حد حرام علـ" أوقف سيارته بعنف لتزئر مكابحها ثم خرج من السيارة بمنتهى الغضب وفتح بابها قبل أن تغادر هي ليجذبها ثم صفعها بعنف

"لو سمعتلك صوت تاني قبل ما نوصل هموتك.. سامعة ولا لأ؟!" قاطعها ثم نظر لها محذراً بعينيه الثاقبتان لتتهاوى دموعها وهي تنظر له بكراهية

"أنت مفتري.. منك لله.. أنا بكرهك.. أنت ليه بتعمل كل ده فيا.. ليه كل جبروتك ده"

"اخرسي يا قذرة" زجرها ثم صفع الباب وتوجه ليدلف السيارة مجدداً وأكمل طريقه..

--

دلف سيارته بعد أن غادرهما، لا يستطيع نسيان كيف جرها إلي باب منزلها وألقاها أرضاً بتلك الطريقة، لا زال يتذكر بكائها، يتذكر ذلك الرعب الذي كسا ملامحها وكأنما يُسري يفعل لها شيئاً ما يُخيفها أكثر مما يفعله معها، يا تُرى ما ذلك الشيء؟! لقد عذبها كأحدى الفتيات اللاتي يحضرهن، أهانها بقسوة.. ذلها، كذبها، لم يستمع لها، عاملها بطريقة لا يُعامل بها إلا الحيوانات ولكن لماذا توسلته بتلك الطريقة أن تعود معه أو يلقها بأي لعنة سوى أن تبقى بصحبة زوج والدتها؟ أتتحول تلك الفتاة لأحدى الخاضعات؟ أبدأت في الإعجاب بمثل هذا العذاب الذي يكيله لها؟ لا يدري ولا يعلم!!

أُنهك من كثرة التفكير، لقد آلمته رأسه حقاً.. لقد قرر أن يتوقف عن التفكير؛ نعم سيفعل، سيتوقف تماماً عن تذكرها وتذكر كلماتها وخوفها ودموعها تلك التي تصيبه لا يدري بالخوف أم بالذنب أم بماذا!!!

تلك اللعينة لن تأخذ من وقته ومجهوده سوى تلك الأيام الماضية.. يكفي أنها دخلت حياته هو وعائلته التي يحميها بكل ما أوتي من قوة لكل ذلك الوقت والآن بعد كل ما فعله معها لن تعود أبدا لهم..

ليزوجها زوج والدتها لمن يعطيه الأموال، ليتشاجر هو وذلك الحقير الآخر، ليُعلم أهل أبيها، ليفعل بها ما شاء، سواء يسرق أموالها أم يعيد تربية تلك المُستغلة، لا يكترث لآمرها ولن يفعل، عليه فقط أن يبحث بالمزيد عن كريم ويحاول معه للمرة الأخيرة أن يحافظ على زوجته وأطفاله، وإلا سيجعله يطلقها، لن يستطيع أن يرى أخته تُخان وتتألم ويتركها، هذا ليس هو بدر الدين، لن يتحمل أن يرى أحداً منهم بسوء، لربما ستتألم هديل قليلاً لمفارقتها زوجها ولكن يعلم أن شخصيتها قوية وسيمر الأمر.. الوقت يمر أسرع من الرياح، سيساعدها وسيكون بجانبها هو وشاهندة ووالدتهما..

تنهد ثم أدار محرك سيارته وهو يشرع بالقيادة ليعود لمنزله فأعلن هاتفه عن إتصال فتفقده ليجدها شاهندة وقد علم أنه منذ وقت ليس بقليل لم يتحدث لها

"بدر أنت فين؟!" صاحت بلهفة وقلق

"خير يا شاهي فيه حاجة؟" سألها بإقتضاب

"بدر أنا عندك في الفيلا وبيقولوا إنك لسه ماشي.. أنا عايزة أشوف نور.. حالاً.. أنا قلقانة عليها من الصبح ومش فاهمه ليه مجبتلهاش موبايل غير اللي باظ.." تحدثت في ارتباك ليبتلع ثم تحدث في هدوء مبالغ به وهو قد قرر أن يُنهي كل تلك السخافة التي دلفت لحياة جميع من يكترث لآمرهم!

"لو سمحتي يا شاهندة.. البنت دي كانت غلطة إنها دخلت حياتنا، أنا كنت فاكر إني بحبها بس طلعت غير ما كنت متصورها، أرجوكي متسألنيش ايه اللي حصل، أنا رجعتها لبيتها وهاطلقها وكل واحد يروح لحاله"

"يا نهار اسود يا بدر أنت بتقول ايه؟!! بيتها ايه اللي رجعتهولها؟! أنت وديتها ليُسري الكلب ده" صرخت شاهندة بالهاتف بخوف وفزع عندما تذكرت ما رآته بالمشفى

"ايوة!! ده بيتها، تبعد بقا عننا وعن طريقنا كلنا" اجابها بنبرة لا تحتمل النقاش

"بس أنت متعرفش.. الحيوان ده.."اندفعت الدموع لتتكوم على عينا شاهندة وهي تحاول أن تبتلع تلك الغصة بحلقها بينما عقد بدر الدين حاجباه وصف السيارة لسماعه بكائها بتلك الطريقة وتوقفها المفاجئ عن الكلام

"لو سمحتي يا شاهي أنا.."

"أنا كدبت عليك" قاطعته بتلك الكلمة لتحصل على كامل تركيزه وإنتباهه

"لما كنا في المستشفى.. مكانش بيحاول يمضيها على حاجة.. أنا شوفته وهو بيحاول يتحرش بيها وخوفت أقولك، كنت فاكرة إنك هتفكر فيها بطريقة مش كويسة.. الوحيدة اللي قولتلها كانت ماما.. عشان كده كدبت وقولتلك أنه عايزها تتنازل عن حقها أرجوك يا بدر أرجعلها لو أنت لسه قريب من بيتها على ما آجي.. البنت ملهاش ذنب والله، البنت دي كويسة.. لو حصل ما بينكم أي مشاكل هتتحل.. بس أرجوك متسيبهاش دلوقتي.. دي مراتك في الأول وفي الآخر، هتسيب راجل قذر زيه يلمسها، أنت متخيل ممكن يكون بيعمل فيها ايـ..."

سكتت شاهندة عن الكلام بعد أن انهمرت دموعها لتجد أن المكالمة قد أنتهت، لابد وأنه هو من أنهاها.. أحقاً سيتركها لزوج والدتها أم أنه سيعود؟! لا لن تضيع وقتها بمحاولة تخمين ما الذي سيفعله أو معاودة الإتصال به.. هي تعرف أخيها جيداً الذي لا يستمع لأحد، تعرف جيداً أنه يُصاب بالعمى عند غضبه الشديد ولكنها لن تخاطر بترك نورسين مع زوج والدتها بمفردهما..

"حمزة.. هبعتلك عنوان في رسالة تعلالي بسرعة" صاحت متحدثة لزوجها وغادرت على عجلة من آمرها

"فيه ايه بس يا شاهندة انتي كويسة؟"

"أنا كويسة.. بس نور.." تريثت لبرهة وهي تحاول أن تتماسك من كثرة الخوف الذي وقعت به وجففت دموعها التي انهمرت "لما تيجي هفهمك كل حاجة" أنهت المكالمة وهي تترك هاتفها جانبا وانطلقت بسيارتها لبيت زوج والدتها فهي قد عرفت أين يقع بيت نورسين مُسبقاً من بيانتها بالشركة..

--

"ليك عندي خبر بمليون جنيه!!" تحدث يُسري بخبث في هاتفه بعد أن أوصد أحدى الأبواب بالمفتاح على نورسين

"قول يا سيدي.."

"طب والمليون؟!"

"ما أنت لسه واخد تلتمية آلف جنيه ومعملتليش بيهم أي حاجة.."

"طيب نوصلهم لمليون وأنا أقولك اللي عندي.." ابتسم يُسري في ثقة بينما تردد كريم لبرهة "ولا أقولك خلاص.. أنا أشوف غيرك يديني أكتر.. سلـ.."

"استنى بس.. واحدة واحدة عليا.. فلوسك هتوصلك بس قولي فيه ايه؟!" قاطعه كريم

"عارف مين عندي.. حبيبة القلب.."

"ايه!!" صاح كريم في صدمة "ايه اللي جابها عندك؟"

"جوزها.. بدر بيه.. بس شكله اداها العلقة التمام وجابهالي مرمية تحت رجلي.. وقالي انه هيطلقها ومش عايز يعرفها ولا يعرفني تاني.. اهى.. جاتلي لغاية عندي على طبق من دهب" ابتسم في سخرية بينما شعر كريم بالقلق من كل ما يسمعه

"تجيلي بقا وتجبلي مليون كاش واديهالك"

"بس ازاي.. احنا بليل وكل البنوك قافلة.. بكرة الصبح هـ.."

"اتصرف بقا.. ومتنساش.. أنا مش هاسيبها كتير كده.. لو مجيتش أنا هاشوفلها صرفة تانية بمعرفتي" أنهى يُسري المكالمة ليتوجه للغرفة التي تمكث بها نورسين ثم فتح الباب عليها ليجدها جالسة متكورة على نفسها على السرير ورفعت نظرها لتتلاقى أعينهما ورآى الرعب بزرقاويتيها

"ايه يا نور.. خايفة مني؟!" همس لها وتوجه ناحيتها لتنهض هي في فزع منه ومما فعله بدر الدين ومن كل ما يحدث لها في تواتر لأحداث مرعبة جعلتها في حالة من الهلع التام

"أبعد عني احسن هصوت والم الناس علينا" نهضت وهي تبتعد عنه وتلملم قميص بدر الدين عليها في رعب مما قد يفعله هذا الحقير فيكفي عذابها على يد بدر الدين، هي لن تتقبل أن يقترب منها هذا الآخر بمنتهى الوقاحة، هي ليست كالدمية ليفعل بها الجميع ما يشاؤون

"استني بس.. أنتي لسه زعلانة مني من يومها؟!" ابتسم لها في خبث

"أنت انسان قذر، أنا فاكرة كويس أنت كنت هتعمل ايه في المستشفى، ابعد عني لحـ.."

"تؤ تؤ.. بردو بتقوليلي أنا كده وأنا اللي كنت خايف عليكي وعايز أضمنلك مستقبلك.. ده أنا كنت جايلك اساعدك بدل البهدلة اللي اتبهديلتيها على ايد جوزك.. لأ ملكيش حق تخافي وأنا جايلك عشان صعبانة عليا.."

"صعبانة عليك يا كداب.. أنا شايفة الفرحة في عينك وعارفة كويس أنت عايز مني ايه، امشي اطلع برا اوضتي" صرخت به في فزع خاصة عندما ذكرها بما فعله بها بدر الدين منذ قليل وتحكمت بجسدها إرتجافة لا تلقائية

"وهكون عايز ايه يعني" اقترب منها لتحاول هي أن تبتعد عنه وأمسكت بالمصباح الجانبي الموضوع على منضدة سريرها "ايه ده هتضربيني ولا ايه؟!" لاحظ ما بيديها وأقترب منها "كده بردو.. ده أنا معنديش أغلى منك.." وقف أمامها وهو يحاول آخذ ما بيدها لترتعب هي من اقترابه

"ابعد عني وسيبني.. متجيش جنبي واياك تلمسني" صاحت في خوف ليجذب ما بيديها بعنف ثم ألقاها على السرير واعتلاها

"جرا ايه يا نور يا حبيبتي.. بقا رايحة تتجوزي واحد يبهدلك بالمنظر ده بعد ما ادتيله كل حاجة ومستخسرة في جوز أمك حبيبك أنه يقربلك.. طب حتى راعي العشرة"

"ابعد عني.. الحقوووني يا ناس.. حد يلحقـ.. " صرخت بكل ما أوتيت من قوة ليضع كفه على شفتاها

"هتفضحينا يخربيتك" أخبرها هامساً وهو يحاول أن يكمم فمها ولكنها لم تتوقف عن الحركة أسفله وهي تحاول دفعه بعيداً "يا بت بقا متتعبنيش.. مش على مرة نفسي فيها، وبعدين دلوقتي انتي متجوزة.. يعني متخافيش من حاجة.. محدش هيعرف" ابتسم لها في خبث لتتوسع زرقاوتاها في هلع وازادت من حركة ساقيها اسفله ويداها التي تدفعه بينما هو يحاول التحكم بها ليجدها تعض يداه "آآه يا بنت الكلب" ابعد يده متألماً

"الحقوووني.. ابعد عني" ظلت تصرخ بشدة عل هناك من يُنقذها من الجيران

"بقا كده!! بتمنعيني، أنا هوريكي" ارتمى عليها بكل ما أوتي من قوة وهو يُمزق ذلك القميص الذي ترتديه "ده مبهدلك يا حيلة أمك.. جت عليا أنا" أخبرها وهو ينظر لها بتشفي ويده تحاول الوصول لمناطقها الحساسة والأخرى تحاوط فمها "كنت هابقا حنين معاكي إنما أنتي اللي اضطرتيني لكده"

آخذت تحاول المعافرة أسفله وهي تبكي لتجده يمد يده أعلى فخذيها لتزداد بُكائاً بمرارة وتحاول مجدداً دفعه خاصةَ عندما وجدته يحاول أن يُخفض بنطاله لتتحرك هي في عنف

"الحقووووني" صرخت بكل ما استطاعت من قوة لربما يستمع إليها أحد لينهال هو عليها صافعاً اياها بعنف عدة صفعات متتالية وهي تحاول التنفس بينها والصراخ ليستمر في صفعها وضرب رأسها حتى فقدت الوعي أسفله ليبتسم في شر آتى بوسادة ليضعها أسفل رأسها واستند بذراعه على الوسادة بيده الأخرى كادت أن تخفض بنطاله ولكنه وجد من يجذبه من ملابسه ليلتفت في مفاجأة متفقداً من ذلك الشخص ولم يُكمل ثوان ليجد من يلكمه في عنف بلا تريث أو هوادة.

--

"أجيب أنا مليون جنيه ازاي دلوقتي؟!!" تمتم بداخله ثم زفر في حيرة ليتوجه أخذاً احدى الحقائب من دولابه لتراه هديل

"ايه يا كريم.. رايح فين كده في وقت متأخر زي ده؟!" سألته ليلتفت لها

"اصل.. أصل فيه موقع حصل فيه مشكلة.. مش عايز بدر يلاحظ حاجة فهسافرلهم حالاً" تلعثم بالبداية ثم استطاع أن يستجمع سيطرته على ملامحه

"طيب يا حبيبي.. خد بالك من نفسك ومتقلقش ولو احتجت حاجة قولي"

"شكراً يا حبيبتي" أمسك بمفاتيح سيارته ثم توجه مغادراً بينما هديل ضيقت عيناها وهي تتنهد لتنظر له متابعة اياه حتى اختفى من نظرها تماماً..

لقد مر على جميع ماكينات الصراف الآلي التي وجدها وسحب الحد الأقصى من جميع حساباته لدى البنوك ليجد أن ما حصله بالكاد يصل إلي ثلاثمائة آلف جنيهاً..

شعر بالغضب وهو يُفكر أن يذهب إلي يُسري ذلك المادي القذر ويعطيه الأموال والبقية سيحضرها بالصباح.. زفر ثم فكر قليلاً، لا.. لن يجعل يُسري يأخذها ويبقيها لديه و لن يستطيع أن يتركها عنده.. عليه أن يتصرف سريعاً ولكن كيف؟!

لمعت عيناه بعد أن تذكر خزينة الشركة التي يملك مفتاحاً لها وتوجه بسرعة ليحضر الأموال وهو يُفكر مبتسماً بإنتصار كيف سيقضي ليلته مع نورسين..

--

حاوط جسدها بأحدى الأغطية الموضوعة على السرير بجانبها بعد أن أفرغ كل غضبه على يُسري الملقى أرضاً ووجهه قد كسته الدماء ثم حملها وهو يجاهد نفسه ألا ينظر لها الآن خوفاً أن يشعر بالذنب أو الندم على ما فعله معها..

جسدها هامدا بين يداه، تبكي بمرارة وحرقة على ما حدث لها، يشعر إنعكاس تلك الرجفات على صدره وذراعاه، يشعر بخفقات قلبه المتسارعة في صخب كلما ارتعشت بين يداه بتلك الطريقة..

هبط بها الدرج وهو لا يدري لماذا لم يستقل المصعد وهو غارق تماماً بصراع لعين بين أفكاره وبين صرخاتها التي استمع لها عندما حاول كسر ذلك الباب.. لا يستطيع نسيان أياً منها، لماذا يشعر هكذا وهو جعلها تصرخ من قبل؟ ما الذي أختلف تلك المرة؟

وضعها بالمقعد الخلفي ليلمح عيناها الباكية ليلعن نفسه على ما يحدث له عندما يراها تبكي كل مرة ثم توجه مسرعاً لكرسي السائق وشرع في قيادة السيارة..

يشعر بالخوف من لمحه اياها بالمرآة، يكفي صوت بكائها الذي لا يتوقف، يكفي شعوره بذلك الصراع الذي لا ينتهي.. لماذا دائماً ما يفجعه القدر بالمصائب التي لا تتوانى ولا تتوقف أبداً..

والدته.. والده.. عذابه.. ليلى.. تلك الفتاة.. عائلته.. مصائب لا تنتهي ينهال بها القدر على رأسه وكأنما صنع من فولاذ لا ينكسر؛ أين النهاية من كل ذلك؟ مسئوليات العمل، ذلك الذل والقهر الذي عايشه حتى موت أبيه، فقدانه لليلى؛ خوفه الشديد على عائلته وكأنهم عُلقا بسلسلة حديدية في عنقه حتى يوم مماته..

لقد أحب الجميع وأحب ليلى، لقد عمل بجد ألا يفشل بشيء في حياته فقط ليرى والده فخوراً به ولو لمرة واحدة ولكن لم يرى ذلك بعينيه ولو لمرة واحدة فقط بل كان ينهال عليه بالمزيد من الإهانات وتحطيم الذات..

منذ صغره وهو يحاول أن يعيش بسعادة، أن يشعر بها ولو لمرة، لا والدته ساعدته، ولا والده، وحتى ليلى فقدها، لماذا تلك الفتاة تريد أن تحرمه من حفنة اللحظات مع عائلته التي يتظاهر خلالها أنه سعيد؟

تجمعه حول المائدة كل صباح معهم، ملاطفة أولاد أخته، مزاح شاهندة معه، حب وحنان نجوى له، وقت زياد الذي بالكاد يرى به هذا الصغير قد كرسه لها فقط كلما فرغ من تلك الأفعال الصبيانية.. لماذا آتت هي لتمنعه من كل ذلك؟

تخبره بمنتهى الجرأة أنه مخطئ مرة واثنتان وثلاثة، بالمرآب وبالاجتماع والآن.. لقد اصابت هي.. ولكن أحقاً هي صادقة؟ لقد سمعها بأذنيه ورآها بعينيه وهي تخبر كريم أن يُطلق أخته! كيف لها أن تكون صادقة بما تدعي؟

شرد مُفكراً وهو لا يعرف ما الذي يفعله وما الذي قد حدث لتلك الفتاة وهل هي تدعي الصدق أم كاذبة بشأن أخته.. لا يعرف شيئاً ولم يعد يدري هل خطأ بحقها أم لا..

فاق من شروده على صوت هاتفه الذي اجابه دون أن يتحقق من هوية المتصل

"بدر.. نور معاك مش كده؟" صاحت شاهندة في لهفة

"ايوة" اجابها لينظر بالمرآة ليرها لا تزال نائمة أو ربما فاقدة لوعيها وتبدو مُرهقة للغاية..

"طب أنا جايلكم و..."

"معلش يا شاهندة سيبينا لوحدنا" قاطعها ثم أوصد هاتفه تماماً بعد أن أنهى المكالمة ونظر بالطريق ليتعجب فهو حقاً قد قطع مسافة كبيرة دون وجهة محددة فتنهد وهو يعاود الطريق لمنزله.

صف سيارته أمام باب الفيلا الخاصة به وخرج من السيارة ثم توجه لها وفتح الباب بهدوء ثم رغماً عنه ظل يُحدق بها وصراعه الداخلي لا ينتهي ما بين أفكار وخوف ومشاعر متضاربة وكلماتها التي لا يستطيع نسيانها وصرخاتها منذ قليل ليتنهد وهو لا يدري ما الذي عليه فعله معها.

توجه نحوها بهدوء ليحملها بينما لم تشعر نورسين به فشعر بالقلق قليلا وحاول أن يفيقها فلم يستطع معرفة ما إذا كان غاضب أم يشعر بالشفقة عليها أم بم يشعر حقاً.. ولماذا لم تستيقظ إلي الآن!

دلفا فيلته ليصعد الدرج وهو لا يزال حاملاً اياها وارتفعت خفقات قلبه ليشعر بالإنزعاج بداخله.. أخوف كانت تلك الخفقات؟ أم تآلم وشفقة؟ لا يدري أي منهما ما الذي يحدث له.. مجرد أنه كان مُخطئا بحقها لا يستطيع تحملها

دلف الغرفة التي مكثت بها نورسين من قبل ليجلسها بهوادة على الأريكة لينظر له وهي غير مصدق أنها إلي الآن لا تزال فاقدة للوعي ثم حاول أن يُفيقها فلم تستجب حتى بعد إحضاره لبعض العطر ومحاولات عدة منه أن تستنشقها..

نهض مسرعا ليحضر هاتفه كي يهاتف احدى الأطباء وبعد أن فعل حملها لسريرها وهو يلقي عليها الغطاء وانتظر في ترقب شديد ما ان أصدرت حركة ولكن دون جدوى!!

ظل منتظرا إلي أن آتى الطبيب وتفحصها وهو يراقبه بسوداويتيه متحفزًا لما سيدلي به بينما انتهى الطبيب من فحصها ثم تحدث إليه

"هي شكلها اتعرضت لصدمة، أو عنف شديد خلاها تفقد وعيها زي ما واضح على جسمها، هي محتاجة ترتاح وأول ما تفوق لازم تكلمني تاني علشان أقدر أفحصها.." أخبره الطبيب ليرمقه في استغراب

"يعني هي هتفوق امتى؟ ساعتين مثلا؟" همس مستفسرا ليهز الطبيب كتفاه في عدم معرفة وهو يرمق بدر الدين بريبة فلقد علم أن تلك الفتاة قد تعرضت لعنف شديد

"مش عارف.. أنا اديتها مهدئ وإن شاء الله خير.. يا ريت بس حد يتابع معاها على طول أول ما تفوق أو حضرتك ممكن تكلمني" أخبره الطبيب ليتوجه معه مغادرا للخارج..

عاد ليجلس بالقرب منها وهو لا يدري حقا ما يفعله بتلك الفتاة، لقد استمع لها تنطق بشفتاها لزوج اخته بأن يُطلقها، لقد أستمع للحقير كريم بأنه يريد أن يتزوجها.. من يُصدق إذن!!

شعر بأنه سيفقد عقله لا محالة من كثرة تلك الأفكار التي لم تشفق على عقله حتى الصباح الباكر وهو بالقرب منها منتظرا لأي حركة قد تُخبره بأنها استيقظت!

لم تغادر سودويتاه الغاضبتان تارة والمحترقتان بتلك الأفكار التي يستمع لها برأسه بأنها مستغلة وتارة بقليل من الشفقة ما إن كان ظلمها، تفاصيل وجهها رائع الجمال وأخذ يتذكر كل ما مر عليه بصحبة تلك الفتاة منذ أول يوم رآها به إلي ما حدث مع زوج والدتها منذ ساعات ليسترجع كل التفاصيل وهو يحاول التوصل لتفكير منطقي قد يخلصه من هذا الشلل الفكري الذي يُعذبه!

وأخيرا تململت بفراشها مصدرة لهمهمات وهي تشعر بإرهاق شديد يلم بسائر جسدها لتحمحم وهي تشعر بالعطش الشديد ثم زمت شفتيها ببراءة وهي تحاول التحدث

"كوكي.. هاتيلي مياة أنا عطشانة أوي" همست وهي تحاول أن تفتح عيناها وحاولت النهوض لينظر لها بصدمة مما استمع له وما إن تلاقت أعينهما حتى نظرت إليه في غير تصديق وخوف

"أنت مين؟ وإيه المكان اللي أنا فيه ده؟" صاحت به في ذعر وهي تنظر حولها ليرفع حاجباه بإندهاش إليها وحاول الإقتراب منها لتبتعد هي بالسرير

"ماما فين لو سمحت اندهالي" همست وهي تتفقد ذلك الرجل الذي لا تعرفه لينظر لها مليا وهو يستشعر الصدق بينما ذهب ليهاتف الطبيب ثم أخبرها بطريقه

"ادخلي استحمي على ما اجيلك" آمرها بنبرة هادئة لترفع هي حاحباها في دهشة ولكنه غادرها مُسرعاً..

من هذا الرجل الغريب؟ وأين هي؟ وأين والدتها؟ هي تشعر وكأنها تعرف هذا الرجل وتشعر بالخوف منه ولكنها لا تدري لماذا!! شعرت بالهوان والضعف ولم تتذكر كيف آتت لهذا المكان الغريب ثم نهضت وهي تشعر بأن قدماها لا يستطيعان حملها وشعرت بالعديد من الآلام بجسدها وتوجهت ببطئ شديد حتى الحمام..

دلفت أسفل المياة وما أن لمست جسدها حتى صرخت آلماً وابتعدت عن المياة بسرعة ولا تعلم لماذا حتى استجابت له بأن تدخل إلي الحمام لتجد ذلك الرجل الذي لا تعرفه يدلف الحمام فنظرت له في خوف وخجل وحاولت إغلاق كابينة الاستحمام عليها لا تدري من ذلك الرجل الذي يستطيع أن يدلف عليها هكذا ولكنه منعها ثم جذبها من ذراعها وتوجه بها للمغطس دافعاً اياها برفق..

"لو سمحت اطلع برا مينفعش تشوفني كده.. بعد اذنك أنا معرفكش.. وأرجوك فهمني أنا جيت هنا ازاي؟" همست إليه في استغراب لكل ما يحدث لها لينظر إليها عاقدا حاجباه ولم يستجب لسؤالها الذي ظن أنها تُزيفه

"مش عارفة أنا مين؟" ابتسم نصف ابتسامة جانبية بسخرية.. "أنا بدر الدين الخولي.. جوزك.. اهدي بقى واسمعي الكلام لغاية ما الدكتور يجي" أخبرها بجمود وهو لا يظن أنها صادقة..

اجلسها على حافة المغطس لترتجف هي خوفاً من وجوده خلفها وابتلعت وهي لا تدري ما الذي يقوله هذا الرجل! أتزوجت؟! متى؟! لتجده يمرر سائل الاستحمام على ذراعيها ثم رفع شعرها بشيئاً لا تدري ما هو ليمرر السائل على عنقها وأجبرها على النهوض ولكن في رفق ليمرر سائل الاستحمام بيداه على ساقيها من الأمام لتوصد هي عيناها في وجل من تلك المناطق التي أخذت يده في لمسها ولم تستطع أن تواكب حقيقة ما يحدث لها فهي لا تتذكر أنها تزوجت.. وإذا حدث.. أين هي والدتها؟!

مرر يده على بطنها ثم تثاقلت أنفاسه وضغط على أسنانه في غضب وهو يجاهد نفسه ألا يتأثر لملامستها بهذا الشكل.. تعالت يداه ليمررها على مفاتنها لترتجف يداه ولكنه حاول السيطرة على نفسه وأكمل ما يفعله ثم فجأة شعر وكأنه لا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك..

توجه ليحضر منشفة مبتلة وآخذ يمررها على سائل الاستحمام ليزيله ثم يبلل المنشفة ليغسلها ويعاود فعلته حتى انتهى تمامًا وحاذر جيداً ألا يلامس تلك العلامات بجسدها، أحقاً قد أفسدها بذلك الشكل؟ لا يُصدق كيف تحملت هي كل ذلك..

أحاط جسدها بمنشفة أخرى ثم حل وثاق شعرها ثم وقف أمامها وأومأ لها بأن تغادر لتنظر له بإرتباك ففعلت وتبعها هو للغرفة ليصيح آمراً اياها

"نامي على بطنك" التفتت له وعيناها متسعتان خوفاً ودهشة بآن واحد

"لأ.. ارجوك كفاية.. بلاش اللي انت بتعمله ده.. أنا معرفكش والله.. أنا جيت هنا ازاي وأنت ازاي جوزي.. أنا مش كبيرة علشان اتجوز!! وجسمي ليه زي ما يكون متعور وبيوجعني؟ أنا إيه اللي بيحصلي بالظبط؟" تجمعت الدموع لتكون طبقة على زرقاوتيها ثم انهمرت بضعف ليتوجه نحوها بملامح مبهمة ثم جعلها تلتفت رغماً عنها ودفعها بخفة على السرير لتواجهه بظهرها.

حل المنشفة من حولها ونحيبها لا يتوقف وآخذت تعصف الأفكار برأسها، من هذا الرجل؟ ولماذا جسدها يعج بتلك الجروح هكذا؟ ماذا فعلت له حتى يفعل بها كل ذلك.. أهو من فعل هذا أم من الذي فعل بها كل ذلك؟! هي تشعر وكأنها لا تعلم شيء!

شعرت بأنامله تمتد على ظهرها وكأنما هناك شيئاً آخر يلامسها غير أنامله.. شهقت آلماً عندما لمس احدى آثار جلداته التي لا تعرف بأي منها وارتجف جسدها وبعدها شعرت وكأنما الآلم يختفي تماماً..

انتهى من ظهرها ليتنهد وهو يشرع في وضع بعض المرهم الملطف لتلك الجلدات على جسدها وهو يحاول مقاومة الشعور بالإثارة مما يتلمسه بتلك الطريقة..

لقد شعرت بالخوف والخجل ولكن بنفس الوقت شعرت بالراحة تستبدل تلك الآلام بجسدها فأوصدت عيناها في توتر وابتلعت بإرتباك وودت لو أخبرته بأن يبتعد عنها ولكنها تشعر بالخوف والإرتباك منه لا تدري لماذا.. ولكنه هو من يقوم بوضع ذلك الدواء.. ولكن ما الذي أدى لكل ذلك؟

انتقل لساقيها وأسرع قدر الإمكان فهو لا يستطيع أن يسيطر على نفسه اكثر من ذلك لينتهي من وضع الدواء على جسدها وعقله لا يستطيع قبول كل ما يستمعه منها ثم أخبرها بهدوء

"متتغطيش دلوقتي.. استني ربع ساعة لغاية ما الدوا ينشف!" توجه مسرعاً للخارج ثم أغلق النور وتبعه بتوصيد باب غرقتها ليتركها في حيرة من آمرها.. وشعر هو بمشاعر متضاربة بداخله بعد أن رآى فزعها وعدم معرفتها به الصادقتان ولكنه انتظر حتى يحضر الطبيب!

يُتبع..