-->

الفصل السابع - ظلام البدر - دجى الليل






الفصل السابع

"مش عايز صوتك يطلع عشان لو حد عرف حاجة هنتفضح احنا الاتنين سوا، وفي الآخر أنا راجل وأنتي ست والكل هيشك فيكي مش فيا أنا وهيفتكروا انك انتي اللي سمحتيلي ادخل اوضتك في ساعة زي دي وهمّ نايمين!" آمرها بنظرة محذرة

"هشيل ايدي واسمعيني للآخر وبعدين قرري" تحدث لها ليخفض كف يده في بطئ بينما نظرت هي له في توتر وخوف من مفاجأته له بغرفتها في منتصف الليل وتثاقلت أنفاسها ليكمل هو

"وعموماً أنا جايلك في حاجتين.. الأولانية إن جوز امك بيخطط لحاجة مش سهلة وواضح عليه إنه انسان طماع ومادي جداً ومش بعيد يبيعك للي يدفع أكتر" نظرت له والدموع كادت أن تنهمر من زرقاوتاها عند سماع كل ذلك عن يُسري الذي لم تتوقع أن يكون بهذه الدناءة

"الحاجة التانية اني هقدر احميكي منه كويس بس لو طاوعتيني وعرفتي تنفذيلي اللي أنا عايزه" تحدث في خبث وهو يتطلع ملامحها التي شرد بها لثوان ثم مد إبهامه ليتحسس شفتاها الكرزيتان في جرأة ليفرقهما ليشعر بأنفاسها المرتعدة الرقيقة.

"أنت.. أنت.. عايز ايه بالظبط؟" سألته هامسة في خوف

"يعني عايز اللي جوز أمك كان عايزه.." نظر لها في وقاحة يتفحص جسدها وساقيها المكشوفتان أسفل ذلك الرداء القصير ثم ابتلع وهو يتفقد ثدييها الظاهر بعضا منهما من ملابس النوم خاصتها في شهوة ووقاحة

"بس في الحلال طبعاً.. ولو اتجوزتيني محدش هيقدر يقربلك.. لا بدر ولا يسري وهنتجوز على سنة الله ورسوله وقدام الناس كلها، بس محدش هيعرف حاجة عن كل ده في البيت هنا!" أكمل بعد أن حدق بزرقاويتيها

"أنت اتجننت! اكيد اتجننت! أنت راجل متجوز ومراتك حامل وعندك أولاد، ازاي تفكر تفكير زي ده و..."

"هشششش.." قاطعها ليقترب منها لتشعر بالخوف وحاولت الابتعاد عنه حتى لامس ظهرها رأس السرير خلفها "أنا عارف إن شاهندة وحماتي بس اللي يعرفوا حقيقة اللي حصل في المستشفى، لكن تخيلي لو بدر الدين عرف.. مش بعيد يفكر إنك أصلاً عاملة مسلسل وحوار عليه ومتفقة مع يسري إن شاهندة تشوفكم بالطريقة دي عشان تيجي تعيشي هنا وبعدها بسهولة تدخلي العيلة هنا عشان تلهفي مبلغ محترم!" ابتسم نصف ابتسامة في خبث لم تلانمس عيناه لتندهش هي في صدمة وتوتر بنفس الوقت

"متفقة ايه.. ده كلام فارغ.. أنا.. أنا.. استحالة أفكر فيـ.."

"لو اتجوزتيني هدفع لجوز أمك اللي هو عايزه، وهبعدك عن قرف بدر.. فكري كويس وقرري وإلا بدر هيكون عارف عنك كل حاجة ومش بعيد يرميكي في الشارع بالذات لما يتأكد إنك متفقة مع جوز امك.. وساعتها يا إما الرجوع ليسري يا إما الشارع" قاطعها وهو ينظر لها بإبتسامة

"أنا متأكد إنك شاطرة وذكية وهتختاري صح.. متخلنيش مستني كتير.." نظر لجسدها بأكمله ثم مرر سبابته على فخذها المكشوف لترتجف هي للمسته وتحشرجت الكلمات بحلقها "تصبحي على خير يا قمري" نهض مبتسماً لتنظر هي له في احتقار ثم تركها وتوجه للخارج لتتبعه هي موصدة الباب بالمفتاح.

مشى في ذلك الرواق الذي يجمع بين الغرف بالدور الثاني الذي يوجد به غرفتي شاهندة ونورسين كما كان يوجد به أيضاً غرفة هديل بالسابق ولكنها منذ حملها الأخير وهي تمكث بالطابق الأرضي ليقابله بدر الدين ثم نظر له ببرود وعيناه الثاقبتان تتفحصا كريم "كنت بتعمل ايه هنا يا كريم؟!" سأله بهدوء ليعقد كريم حاجباه

"جرى ايه يا بدر؟ أنت هتعملي تحقيق ولا ايه؟" تسائل بإبتسامة مريبة ليحاول بدر الدين التحكم في أعصابه وبرع في السيطرة عليها وتأكد أن هناك شيئاً ما مريباً قد فعله منذ قليل.

"لا أبداً، أنا بس مستغرب إن حد صاحي في البيت غيري والوقت أتأخر أوي" اجابه دون تعابير على وجهه ليبتسم كريم ابتسامة امتلئت بالثقة المُزيفة التي استطاع بدر الدين قرآتها

"كنت بدور على شوية اوراق في حاجاتي القديمة بس ملقتهومش، الظاهر كده هلقيهم في المكتب.. بكرة هبقا ادور تاني.. كفاية كده الوقت أتأخر.. تصبح على خير" أخبره تلك الفكرة التي آتت برأسه في ثوان ليومأ بدر الدين له في تفهم وتوجه لغرفته ساحقاً أسنانه ليعيد تذكر رؤيتهما سوياً بالحديقة والآن هو قادم بالقرب من غرفتها..

خلع سترته وبنطاله وارتدى سروالاً قطنياً قصيراً ثم أراح جسده على السرير وسند ساعده على رأسه وأغلق عيناه متنهداً ليُفكر بتلك التي دخلت حياتهم فجأة.

جميلة، صغيرة ويافعة، في مقتبل حياتها، مستوى عائلتها ليس بالفقير، ولكن زياد الخولي يبدو فكرة جيدة، شاب غني ووريث محتمل تلك هي أقصر الطرق للثراء دون عناء بالنسبة لفتاة مثلها، ولكن زياد ليس ذلك الرجل المسئول، ليس هو من تستطيع الإعتماد عليه، ليس هو ذلك الرجل ذو الشخصية القوية، ليس له منصباً كباقي أخوته، وهي أيضاً ليست بالشخصية المثابرة التي تستطيع أن تتحكم برجل ما وتعمل على أن تغير شخصيته وتجعله مسئولاً، ويبدو أنه ليس مولعاً بها، فهو لم يهتم بها كالمتوقع عندما أدعت مرضها بسبب موت والدتها.. ولم يأتِ تظاهرها بمرضها وعدم القدرة على الحديث بثماره..

فماذا عن آخر؟! ماذا عن رجل آخر يستطيع توفير كل ما تتمناه ولكن بنفس الوقت دون تحمل تلك المسئوليات؟ لا يهم أكان أكبر منها، متزوج، صغير، المهم ما تريد تحقيقه لنفسها!!

حمزة أم كريم؟! كلاهما وسيمان، مناصب مرموقة، أسهم في مجموعة شركات ذائعة الصيت، ولكن حمزة يستحيل أن يفعلها بالرغم من أن ظروفه التي مر بها مع شاهندة تعطيه الأحقية لأن يتزوج مرة ثانية، ولكن لا، لن يبدر هذا منه، هو يعشق شاهندة وكان أكثر من عارضها عندما أرادت تركه بعد معرفتها بإستحالة إنجابها..

حمزة ذلك الشاب الثري الهادئ الطباع والمحب لزوجته الذي بالكاد يتركها لأمر طارئ.. هكذا هو منذ أن دخل حياتهم جميعاً ولا يزال بنفس تلك الشخصية التي تجذب الجميع من حوله وتُجبر الجميع على احترامه.. لا يزال يتذكر عندما كادت شركتهم أن تُفلس ليقف بجانبهم حمزة بكل نصيبه من أملاكه من والده بل وترك عمل عائلته وظل يعمل مع بدر الدين ونجوى وشاهندة حتى مرت تلك الأيام العصيبة..

كريم!! ذلك الوسيم الذي سحر أعين الجميع مثلما أخبرتهم هديل ولكنه بالنهاية وقع لها هي؟! وقع لها أم لأملاكها؟ نعم هو ذكي، كان يعمل وتدرج في سُلمه الوظيفي كمهندس بسرعة البرق ولكن أهذا لذكائه أم دهاءه وحيلته الواسعة؟ لم يثق أبداً به بالرغم من أنه حتى الآن لم يُرى عليه ما يثير الريبة..

شاهندة أم هديل!! الاثنتان اخواته، الاثنتان لديهما حياة، بالرغم من قرب شاهندة منه كثيراً ولكن كلتاهما أخواته، لم يختر ذلك، عليه حمايتهما، كل الإحتمالات تشير إلي أن كريم افتتن بتلك اللعينة الصغيرة، نظراته إليها وطريقته معها كلما صادف ورآهما ولكن لا، لربما هو متعاطف معها هي الأخرى مثلما انخدع الجميع بها..

سيتريث وسيراقبها ويراقب الجميع، لابد وأن كل شيء سيتضح قريباً، عليه فقط أن يحاذر ويحمي عائلته بكل ما استطاع من قوة، لن يضيع عناءه هو وأخوته ووالدته من قبل كالهباء المنثور.. هكذا اهتدى عقله، قرر أن يعطي الجميع المزيد من الوقت ويدعهم يتصرفون على سجاياهم وألا يتسرع لأنه يعلم جيداً إذا صحت ظنونه تجاه أحد منهما لن يرحم أحدا، سواء هي أو هو!!

❈-❈-❈


جلس الجميع على طاولة الطعام مكررين نفس الطقوس الصباحية بمحادثات جانبية وبعض الضحكات الخافتة ولكن بدر الدين هذا الصباح ليس غاضباً.. هو فقط هادئ أكثر من المعتاد، بالكاد ألقى الصباح على الجميع ولم يسأل أسئلته المعتادة، لم ينظر بغضب لنورسين مثلما يفعل، لم يُعلق على أي شيء..

لاحظ الجميع تجول عيناه الثاقبتان بينهم ونظراته المبهمة الخالية من التعابير والكلمات، كانت نظرات فارغة ولكنها كالعادة بعثت التوتر في نفس نورسين التي توترت أيضاً بنظرات كريم لها..

"يالا أنا ماشي.. سلام" نهض وتوجه للخارج ليفر خلفه زياد الذي لحقه قبل دخوله سيارته

"بدر.. أنا.. امبارح كان غصب عني اصحابي قالـ.." تحدث متلعثماً ليقاطعه بدر الدين بهدوء

"أظن إنك راجل كبير وعارف أنت بتعمل ايه كويس.. مالوش لزوم تبررلي حاجة أنت مقتنع أنها صح"

" انا مقولتش ان اللي بعمله صح بس أنـ.."

"خلاص يا زياد.. مالوش لازمة الكلام.. لو جايلي تعتذر على حاجة أنت شايفها غلط فعموماً الاعتذار مبيكونش بالكلام وبس وأنت ياما اعتذرت.. أنت عارف إني عايز أشوف أعتذارك ده في افعال وانت عارف إني مبحبش الكلام الكتير اللي مفيش منه فايدة" قاطعه بهدوء مجدداً ليتعجب زياد لذلك الهدوء الذي تحدث له به ليقع في حيرة من أمره وهو لا يدري ما الذي اعترى أخيه للتو.


❈-❈-❈


"ايه يا شاهي، مش هتروحي تشوفي مصنع الـ Uniform (زي موحد) اللي قولتلك عليه؟!" صاح كريم في هاتفه

"هاروح اهو بخلص حاجة بس"

"ماشي يا جميل.. على فكرة اضغطي عليه شوية هينخ.. كده كده أصلاً نفسه يتعامل معانا من زمان.. خدي وقتك بقا براحتك وقوليلنا الموضوع هيرسى على ايه"

"تمام.. هخلص وأكلمك أعرفك عملت ايه"

"وأنا مستنيكي" أنهى كريم المكالمة معها وهو يبتسم بخبث ثم جلس ينظر بساعته ليعد الدقائق التي سيذهب بعد مغادرتها لينفرد بنورسين.

"معلش يا نور.. رنا سكرتيرة بدر اجازة وفيه Proposal (عرض) لمجموعة شركات كبيرة لازم يتقدم النهاردة، وأنا والله لولا الإجتماعات اللي عندي كنت عملت الحاجة بنفسي، ممكن بس تطبعي اللي على الـ CD أربع نسخ وتختميهم وتبعتيهم مع أي مندوب هنا من الإدارة؟" سألتها في توسل وناولتها القرص المدمج

"طبعاً يا شاهي.. من غير كل المقدمات دي هاعمل اللي أنتي عايزاه"

"ميرسي يا نور.. بالا يادوبك أنا الحق أنزل وعلى فكرة الـ Dead Line (الموعد النهائي) عشان نسلم الحاجة قبل 2 الضهر" جمعت أشياءها لتستعد للمغادرة "أشوفك بليل.. معلش ممكن أرجع متأخر شوية"

"تيجي بالسلامة ومتقلقيش كله هيبقا تمام" ابتسمت لها ثم نظرت في حاسوبها لتتفقد تلك الملفات على الذاكرة مثلما أخبرتها شاهندة

"باي"

"باي" ودعتها نورسين التي صبت كل تركيزها بتفقد ملحقات الملفات ليقاطع تركيزها صوت شاهندة

"آه على فكرة الختم عند بدر الدين" أخبرتها ثم فرت مسرعة فهي تعلم جيداً كيف هي علاقتهما سوياً!

الختم بمكتبه!! لماذا عليها أن ترى وجهه الآن؟! صرخ عقلها ثم تنهدت لتفر مسرعة حاملة القرص المدمج بعد أن رآت أن أعداد الأوراق ستكون كثيرة وستتعدى النسخة الواحدة فوق الآلف ورقة فرآت أن من الأفضل ألا تحملها كل تلك الطوابق لثقلها ولتطبعها بجانب مكتب بدر الدين الذي احتوى على الختم.

دندنت في عفوية بأحدى الأغنيات بهمس بعد أن أوصدت الباب حيث أن لديها الكثير والكثير من الوقت فلماذا لا تشغل وقتها ببعض الأغاني التي أحبتها كثيراً ثم أعطت آمر الطبع للنسخ ووقفت لترتب الأوراق التي استغرقت حوالي ساعة ونصف حتى ترتبها وتجلدها بشكل يليق بصورة الشركة ودون إدراك منها بدأ جسدها يتمايل على أنغام ما تدندنه..

شعر بصوت ما خارج مكتبه ليعقد حاجباه في تعجب فهو يعلم أن رنا مريضة ولن تأتي اليوم ولكن يا تُرى من آتى وهو قد قام بإلغاء كل مواعيده لليوم حتى يستعرض الوضع المالي للشركات ويقارن أرباح السنوات السابقة بآخر ربح سنوي!

نظر بشاشة كاميرات المراقبة لتتصلب سوداوتاه على جسدها الذي يتمايل بمنتهى المرونة والأنوثة الناعمة في آن واحد في ذلك الثوب الأسود الذي فسر جسدها ببراعة.

آخذ يتأملها ولاحظ رشاقة قوامها المرسوم داخل ذلك الرداء اللعين الذي احتضن خصرها ليبتلع وأراح جسده بالكرسي خلفه وجفناه لم يتقابلا ثم ضغط بزر في حاسوبه لتمتلئ الشاشة بأكملها بذلك الجسد الفاتن أمامه.

تفقد ثدييها المثيران الذي لاحظهما كل مرة توقفت أو مرت من أمامه، خاصةً وأنهما يرتجان الآن ليدفعا تلك الإثارة بدمائه فمسك بكرسيه بكلتا قبضتاه وعيناه تذهبان مع جسدها يميناً ويساراً كلما تحرك.

أشعل احدى سجائره بعد أن اراح ربطة عنقه واستمر في مشاهدتها واضعاً قدماً فوق الأخرى وكأنها ترقص له هو وحده وتعطيه عرض خاص اقتصر عليه هو فقط.

خلل شعره الفحمي وهو يتآكل سجائره عندما حركت رأسها في تمايل ليتمايل شعرها الحريري كذلك هو الآخر.

عضت على شفتاها ثم ابتسمت وهي لا تزال تدندن بأغنية ما وجسدها لا يزال يتمايل ولا تزال تُكمل ترتيب الأوراق لتتثاقل أنفاسه وسحق أسنانه وكاد أن يهشمها من كل ما تفعل به وأوصد عيناه في غضب عارم ليضغط زر شاشة حاسوبه ليغلقها في عنف اهتزت على اثره الشاشة ثم توجه للحمام.

آخذ يلقي بالماء البارد على وجهه وهو يحاول أن يفيق نفسه ويتناسى حركاتها المثيرة تلك ثم صفف شعره وأعاد إحكام ربطة عنقه وحاول العودة لهدوءه مرة أخرى ثم أعاد أدراجه للجلوس على مكتبه.

أشعل شاشة الحاسوب مرة ثانية ورغماً عنه كانت لازالت الشاشة مثبتة على مكتب رنا الذي تواجدت به ليرها قد توقفت عن عرضها المثير وجزء بداخله شعر بالراحة ليطلق زفيراً حبسه طوال مشاهدته لها منذ البداية.. تلك الصغيرة قد كتمت أنفاسه! حقاً لا يُصدق.

وجدها تتوجه أمام باب مكتبه ليحمحم وأغلق الشاشة وأعاد فتح بريده الإلكتروني وحدق به ولكنه لا يستوعب شيئاً مما امامه حقاً وبنفس الوقت سمع طرقات على الباب.

"ادخل" صاح بصوته الرخيم وحمحم مجدداً وهو يتصنع النظر في حاسوبه لتدخل هي وتوقفت أمامه

"بعد اذنك محتاجة الختم عشان شاهي قالتلي أختم الـ Proposal اللي هيروح شركة .... النهاردة" رفع نظره لها ليجدها لا تنظر له مباشرة وعيناها تنظران للأرضية فكرِه كثيراً منعها اياه بأن يرى تلك الزرقاوتان

"بتقولي ايه عشان مسمعتكيش" تظاهر بالإنشغال بينما هو سمع ما قالته جيداً

"محتاجة الختم عشان شاهي قالتلي أختم الـ Proposal اللي هيروح شركة .... النهاردة" لا زالت ناظرة للأرضية فابتلع بعد أن توقفت عيناه على شفتيها الكرزيتان.

"احنا مش في البيت هنا عشان تقولي شاهي كده من غير ألقاب.. مدام أو Mrs. بعد كده" أخبرها بمنتهى الجمود ولكنه كان هادئا ليشعر بتنهدها سئماً ليبتسم في تهكم ثم قرر أنه سيدعها ترى الملل بعينه.

"فين الـ Proposal ده وريهوني؟" أراح جسده بكرسيه ثم سند ذراعه على يد الكرسي وعبث بسبابته على شفتيه ملامساً اياهما لتومأ له هي.

"حاضر.. ثواني" أخبرته ثم توجهت للخارج ودخلت مكتبه وهي تحمل العديد من النسخ التي بدت ثقيلة الحجم بين ذراعيها الضعيفتان وأقتربت من مكتبه لتضعها ولكن رغماً عنها تعثرت عندما تشابكت سلسلتها الرقيقة بملابسها ولاحظتها فحاولت ابعادها ونست تماماً ما تحمله لتتهاوى الملفات التي أعدتهم من بين يديها أرضاً لتسقط على قدمها اليسرى

"آه.." صرخت ثم حاولت التوازن على قدمها اليمنى بينما حاولت لمس الأخرى التي شعرت بآلمها بعد أن سقط عليها كل ذلك الثقل وبالطبع لم تستطع التوازن أكثر بسبب ذلك الكعب اللعين الذي ترتديه لتسقط بالنهاية أرضاً بعد أن التوت قدمها أسفلها.

تعالت هو ضحكته بعد أن شاهد تلك الحركات البهلوانية لتنظر له في غضب وخجل بآن واحد لجزء من الثانية ثم شعرت بالإهانة من تصرفه لتبدأ في الشعور بالإحراج ونظرت للأرض وكادت أن تجمع تلك الملفات ولكنها لاحظت لمعان حذاءه الشديد بجانب الملفات.

ابتلعت وهي لا تدري لماذا توقف أمامها هكذا بهذا الشكل لترفع زرقاوتاها إليه لتراه واقفاً بشموخه أمامها واضعاً كلتا يداه بجيبي بنطاله ونظر بطرف عينه للأسفل دون أن يحني رأسه لتتقابل أعينهما سوياً وكأنما توقف الوقت من حولهما.

شعر بنشوة غريبة من نوعها وراحة وسلام داخلي ما أن رآها أسفل قدماه بتلك الطريقة التي لا تفعلها إلا خاضعة مخضرمة؛ أما عن نظرة التوسل التي صرخت بها عيناها الزرقاء ووجها المحتقن بدماء الخجل كادا أن يفقداه عقله.

ظلا يتبادلان النظرات الصامتة لتبدأ هي في الشعور بغرابة الموقف وقد قرأ عيناها ليخرج يده من جيبه ومدها لها لتستند عليها وأومأ لها بالإشارة فترددت هي لثوانٍ ولكنها وضعت يدها بيده في النهاية لتجده يجذبها بقوة ولكنها صرخت آلماً.

"آآه..رجلي بتوجعني اوي مش قادرة اقف عليها" صاحت في صراخ وانهمرت دموعها وتآوهت ليسحق هو أسنانه وتمنى أنها لا تدعي كل ذلك الآلم والبكاء وحملها في لمح البصر لتشهق من مفاجأته اياها وتتوقف عن البكاء في صدمة تامة لفعلته ونظرت له في غير تصديق والتفت يدها حول عنقه في تلقائية تامة رغماً عنها.

نظرت لملامحه الجامدة عن قرب وشردت بها لتتساقط حبات اللؤلؤ المتساقطة من أبحر عيناها المنسابة أعلى وجنتيها على ملابسه وآخذت تتفحص جفونه الثقيلة التي تحاوط تلك المقلتان الثاقبتان وخصلات شعره الفحمية وذقنه النامية التي اختلط فيها سواد شعره ببعض الشيب الذي جعله جذاباً للغاية من وجهة نظرها وأنفه الذي لطالما لعب دوراً في تشبيهه بالصقر خاصة عندما ينظر بغضب.

نظر لها بطرف عينه لتخجل وتتوتر من مقابلة أعين بعضهما البعض فأخفضت رأسها لتشتم عطره الذي تسلل لأنفاسها دون استئذان ليشل جسدها تماماً عن الحركة وأغلقت عيناها تستنشقه في استمتاع.

انحنى بجسديهما سوياً ليجلسها على احدى الارائك بمكتبه فاقترب منها دون قصد لثوان لتشعر بضربات قلبه تكاد تهشم صدريهما معاً. ورفعت رأسها لتنظر إليه بتلك الزرقة بعينيها ليشرد هو بهما.

بدأت في استغراب قربهما الشديد فاخفضت ذراعاها من حول عنقه بينما هو لا يزال ممسكاً بها لتخفض نظرها ربما يتركها ولكنه لم يفعل فأعادت النظر إليه في تعجب امتزج بشيء آخر لتتلاقى أعينهما وقد علم أنها ستعترض على اقترابه منها الآن فابتعد قبل أن تبدأ بالكلام وذهب ليوليها ظهره وغادر واختفى داخل حمامه.

حاول جاهداً السيطرة على تلك العاصفة بداخله وعمل على أن ينظم أنفاسه المتلاحقة من قربها الذي أضرم بجسده لهيباً فريداً من نوعه لم يشعر به قط، ثم ازاح آثار دموعها من على سترته.

لن يغضب.. لا لن يفعلها هو يريد لها أن تتصرف بمنتهى التلقائية حتى يعرف ما وراءها، سيحاول السيطرة على أعصابه بكل ما أوتي من قوة وسيرى إن كانت تدعي ذلك أم لا!

بعد أن هدأ امسك بصندوق الإسعافات الأولية وخرج ليضغط بزر ما بجانب مكتبه لتتابعه زرقاوتاها ثم توقف أمام مبرد صغير بمكتبه أحضر منه شيئاً لم تتبينه بعد، وازداد توترها في صمت ثم جلس أسفل قدميها لتجذب قدماها لصدرها خوفاً من أن تلامسه لتجده يتحدث لها في هدوء تام

"انهي رجل اللي بتوجعك؟"

"اليمين" همست لينظر لها والتف بجسده وثنى قدمه اليسرى أسفل اليمنى التي تدلت أرضاً ليقابلها ونظر لها نظرته تلك التي لا تتحملها فابتعدت قليلاً للخلف مستندة بيديها جانب جسدها ولكنها شُلت تماماً عندما أمسك بكاحلها الأيمن وخلع حذاءها ووضعه أرضاً لتزيح هي خصلاتها الحريرية خلف أذنها ونظرت له في وَجس.

أخفض نظره لكاحلها المرمري الذي اختفى وراء ذلك الجورب الشفاف ليرى التورم به فهي حقاً كانت لا تدعي.. أنقذتها قدمها تلك المرة من غضبه فتنهد ثم رفع نظره لها وابتلع ثم تحدث

"حاولي تحركيها يمين أو شمال" حاولت ولكن لم تستطع من الآلم وهزت رأسها في إنكار

"مش عارفة، حاسة بوجع فظيع فيها" أخبرته بنبرة امتلئت بالآلم ليومأ لها في تفهم

"هتوجعك شوية"

"أنت هتعمـ.. آآآه.. " صرخت عالياً ولم تستطع أن تكمل كلماتها عندما مسك كاحلها بيداه القويتان وأثناه بطريقة ما لتشعر هي بآلم أسوأ من ذي قبل "أنت عملت ايه حـ.."

"حركيها كده يمين أو شمال" قاطعها وهو ينظر لتلك الدمعات المتراكمة بعينيها فنظرت لكاحلها وحاولت لتستطيع أن تحركها على عكس المرة الأولى.

"أنت عملت كده ازاي؟!" سألته بتلقائية ولكنه لم يكترث لها

"لسه الوجع فيها زي ما هو؟" سألها لتهز كتفيها في عدم معرفة ليزفر هو ثم نهض واضعاً يداه بخصره "قومي كده وحاولي توقفي عليها" آمرها لتفعل بحذر شديد لتتآوه ولكن ليس مثل المرات السابقة

"هو احسن بس لسه فيه وجع" أجابته ليشير بعينيه للأريكة خلفها فجلست بعد أن فهمت نظرته إليها وجلس أسفل قدميها مجدداً ليقابلها بجسده وأمسك بقدمها وبدون مقدمات مزق ذلك الجورب الأسود الشفاف الذي كانت ترتديه

"أنت ايه اللي عملته ده؟" صرخت به لينظر لها نظرته الثاقبة

"ما هو يا إما تقومي تقلعيه، يا أقطعه، يا اقلعهولك أنا!!" خفضت رأسها لتنظر بعيداً عن عيناه وهي تتخيل منظره وهو يساعدها لتخلعه خاصة وأنه امتد ليعانق كلتا ساقيها حتى انتهى عند خصرها فابتلعت في توتر.

شعرت بيده تدلك كاحلها ليتثاقلا جفنيها رغماً عنها وأغلقتهما وعضت على شفتاها ليصر هو أسنانه من التهامها لتلك الكرزيتان بمثل هذه الطريقة ودون إدراك منه اشتدت حركة يده على كاحلها لتغادر شفتيها آهه جعلت الدماء تنفجر بعروقه وتوقف فيما بعد عن تدليكه لقدمها ثم شعرت بشيء مثلج يلامسها

"اح.. ايه ده" تحدثت بتلقائية ليجد هو كلماتها تثيره رغماً عن محاولاته في إرغام نفسه على ألا يستجيب لها.

"خدي ده" ألقى بشريطاً من الدواء إليها ثم أحضر لها المياة لتتناوله بعد أن قرأت اسمه وعرفت أنه مُسكناً قوياً..

جلس هو مجدداً ولكن لم يواجهها وضغط ذلك الكيس المثلج على قدماها لتصيح هي في آلم

"كفاية ساقع اوي مش قادرة استحمله" نظر لها بطرف عينه ثم تنهد ليزيحه جانباً ثم آخذ الرباط الضاغط وأخذ يلفه حول التورم بكاحلها ثم فرغ ونهض وتركها وتوجه لمكتبه لتصيح هي في صدمة "الـ proposal لازم ابعته كمان ساعة.." حاولت النهوض ليآمرها ناهياً

"خليكي" أحضر تلك الملفات التي سقطت أرضاً والختم ثم توجه بجانبها واضعا الأوراق على منضدة أمام الأريكة

"تختمي ولا تقلبي الورق؟" نظرت له في شرود وهي حقاً لا تصدق أنه يساعدها "انجزي عشان الوقت" اخبرها في ضيق لتجيبه هي مسرعة

"هقلب الورق" جلس بجانبها وكذلك فعلت هي الأخرى وأخذت في تقليب الأوراق له بينما طبع هو بالختم على كل صفحة وآخذت تنظر بتركيز فيما تفعله لتتهاوى خصلاتها الحريرية على عيناها لتحاول رفع رأسها كل بضع ثوانٍ حتى تزيحها للأعلى فيداها شُغلتا بتقليب الأوراق له ليفاجأها بإزاحة خصلاتها خلف أذنها ببطئ فنظرت له في تعجب وتوقفت عن إكمال الأوراق

"خيلتيني.. عشان كده رفعتلك شعرك.. انجزي خلينا نخلص" صاح بإقتضاب كاذباً وهو منذ ذلك اليوم الذي فقدت به وعيها أراد أن يتلمس شعرها مرة أخرى.

أنهيا كل شيء بعد حوالي ساعة إلا ربع لتنظر بساعتها وكادت أن تنهض لينظر لها في تحذير ثم أخرج هاتفه ليتحدث به لأحدى الأشخاص وأخبره ما عليه فعله بالملفات ليوصلها للشركة ثم توجه لخارج المكتب واضعاً الأوراق على مكتب رنا وعاد مرة أخرى.

"مددي رجلك وخليكي رافعاها" آمرها ثم توجه لمكتبه وهو يحاول بكل ما لديه من قدرة أن يركز بعمله وألا ينظر لها ولكن دون جدوى، رغماً عنه وجد نفسه يسرق بعض النظرات لها كل دقيقتان.

جلست وهي لا تدري هل ستُكمل باقي يومها هُنا أم ماذا، وماذا عن باقي أعمالها التي كلفتها بها شاهندة، لا تُحب أن تُقصر بعملها أبداً ولكنها بنفس الوقت لا تستطيع أن تخبره بالذهاب ليحضر لها أشياءها.. يكفي مساعدته وعدم غضبه عليها حتى الآن بل يكفي أنها استطاعت أن تتصرف معه منذ قليل بعد تقاربهما الشديد الذي قتلها حيرة وتوتراً.

غرقت بالتفكير وفقط تنبهت عندما سمعت رنين هاتفها الذي سقط منها أمام مكتبه لينظر لها نظرة الصقر تلك وهز رأسه في انكار ثم نهض متآففاً ليمسك بهاتفها وأقترب ليلقيه على الأريكة بجانبها فتفقدت المتصل لتجده رقماً غريباً لا تعرفه فأجابت على الفور..

"آلو.."

"أنتي فين يا نور بقالك أكتر من تلت ساعات مش في مكتبك" صاح كريم من الطرف الآخر

"مين معايا؟" تعجبت نورسين

"لحقتي تنسيني؟!" صاح ساخراً "أنا كريم.. تعاليلي حالاً!" لقد نست تماماً ما حدث معها ليلة أمس لتشعر بالفزع عندما أنتعش عقلها بالتفاصيل

"أنا.. أأنا.. عندي شغل فـ.."

"اتصرفي وتعالي دلوقتي تكوني قدامي"

"أنا عند Mr بدر.. لما أخلص هاجي.. سلام دلوقتي" أوصدت هاتفها وكادت أن تموت خوفاً فهي لم تُفكر حتى كيف ستتصرف معه وكأنها تناست كل ما حدث ليلة أمس!!

لقد قررت مسبقاً بأن تخبر شاهندة ولكنها شعرت بالخوف مما قد يترتب على ذلك ومما قد يحدث مع زوجته، قد تخبرها شاهندة، وحينها ستواجه كريم وقد يذهب ويخبر بدر الدين بذلك المخطط الذي نسجه من محض خياله وقد يرغمها على العودة لزوج والدتها وهذا آخر ما قد تريده بحياتها.. فرأت أن الحل المناسب أن تلتصق بشاهندة دائماً وألا تتركها وبالمساء ستوصد بابها بالمفتاح حتى لا يستطيع أن يأتي لها مرة أخرى.

لم تلق بالاً لذلك الذي جلس أمامها وتابعها بثاقبتاه ولاحظ تغير نبرتها وتوترها بسبب تلك المكالمة ليصيح سائلاً اياها بعد أن أقترب ووقف أمامها ناظراً لها في تمعن شديد واضعاً يداه بجيبي بنطاله

"كنتي بتكلمي مين؟!"


يُتبع..