تمهيد من رواية روسالكا
-تمهيد-
نحن نكتب لنتذكر .. نحن نكتب للذكرى
فعلي ما يبدو اننا نمتلك ذاكرة تشبه الي حدا كبير ذاكرة السمك
تنسي جرحها كل بضع ثواني !!
•¤•¤•¤•
فبراير، ٢٠٢٠
٢:٠٠ بعد منتصف الليل
في هذا الوقت من الليل كانت تصلني أصوات الأمواج المتعالية من بعيد لتزيد من تقلبي بالفراش وكأنها تشاطرني حالتي، عيناي تأبى الانخراط بالنوم، كالعادة .. لذا إعتدلت بالفراش أتأمل الظلام من حولي لأكثر من دقيقة كانت كافية ﻷتخذ قراري .. وما أدراك ما هي قرارات بعد منتصف الليل؟! تبلغ من الحماقة أرتال ولكنها تصلح في بغته ما أفسدته سنوات!!
نهضت ﻷجمع بضعت أوراق متناثره بفوضى ورتبتها، أحضرت قلما انيقا وكأنه فخامته ستجعل الكلمات تتدفق وحدها، ومن ثم جلست .. دقائق طويلة مرت وانا أضغط القلم إلى الورق حتى نثر حبره وأتلفه .. مضى وقتا طويل لم أمسك بقلم وأحرر شيئا .. الكثير بذهني ولكن لا اجد مدخل .. ثم اكتب كلمه واعود لأشطبها .. تبا، هذا لا ينجح!!
ألقيت بالاوراق على طول ذراعي، حسنا لنكن صادقين، ماذا ننتظر من شخص ودع الكتابة منذ ما يزيد عن 10 سنوات؟! .. لذا إلتفت حولي أبحث عن شيئا أكثر سهوله في أستخدامه من ذلك القلم الغالي عديم الفائدة، شيئا اكثر خفه، شيئا أكثر إعتيادا على يدي .. حقا لمَّ عليَّ تحمل عناء الكتابة وقد يسرت التكنولوجية كل شئ؟!
إلتقطت الحاسوب وفتحت صفحة جديدة في برنامج (الوورد word) ، ومن ثم عاودت الكرة من جديد وبدأت أكتب هذه المرة دون تنظيم أو إكتراث لنوع الخط أو قواعد الكتابة التي لا اتذكرها .. فقط أكتب.
لا اعرف حقا ما الذي يدفعني الي الكتابة بعد كل تلك السنوات التي مضت .. الدوافع كثيرة لدي، ولكن أهمها كان لأخرج ثقل ما أشعر به للأخرين، بعدما عجز لساني عن فعل ذلك .. خاصة مع وجود شيئا عافي داخلي يجبرني علي تأريخ ما حدث.
الذكري باتت تؤرقني، وتلهب ذاكرتي كلما مرت بها .. أصبح من الصعب عليَّ تجاهل ذلك العبيء الثقيل، الذي يرهق جفوني ويحرمها النوم او الراحة.
من أجلك أنت حبيبي أخط تلك السطور .. ربما تكون أول ما أكتب، وربما رغم عشوائيتها وهمجيتها، إلا انها نُقلت بأمانة عن تلك الفترة التي عشناها سويا، وصدقا تلك الايام أصبحت كل ما املكه الان من مدخرات، بفضلها انا اتنفس.
لا اعلم اذا كان سيحالفني الحظ بأن تكون من بين قراء هذه الرسائل أم لا، ولكن إن كنت كذلك، فأعلم أن عيناي لم تكذب عليك مطلقا .. طالما كانت صادقة معك ولم تخنك .. طالما كانت شفافة امام عينيك كمياه البحر الذي كان شاهدا على قصتنا.
وأعلم اني ما كتبت تلك السطور إلا من اجل أن أقص عليك ما حدث كما كان .. ﻷخبرك بما صممت أذنيك عن سماعه، بتلك اللحظة التي قررت بها إعلان إدانتي كما فعل الجميع، وإسدال الستار علي تلك القصة الرتيبة .. دون حتي ان تنظر بعيني للحظة وتري الحقيقة واضحة!!
سأحدثك بما تراجعت عده مرات عن قوله لك .. سأخبرك، وعِدّني هذه المرة أنك ستقرأ كل حرفا مما سأكتب .. سأخبرك الحقيقة بكل خباياها، وبشاعه عُريها، وبكل شغفها وجنونها أيضا .. سأخبرك وستكن شجاعا بما يكفي لرؤيتها كما هي، لن تتراجع عند أي نقطة.
أكتب إليك بعدما إستطعت أخيرا أن أحكي الامر لأحد دون ان تتحجر الكلمات بحلقي لتقتلني .. أخبرك أنني أصبحت بأفضل حال من الاتزان الوجداني التي تمكنني من الكتابة بموضوعيه، ودون أن اتحيز حتي لنفسي .. أخبرك بأني إستطعت نطق إسمك الان دون أن أشعر بذلك الوغز النافذ بقلبي.
لأخبرك أخيرا أنني قد تعافيت منك .. قد تحررت من تعويذة هذا الاسم الذي يحمل من معناه، ذلك الأثر القوي علي الاخرين .. لقد تحررت من أسر عيناك ..
آسر ....
كلما فكرت في البداية أتشتت .. من أين أبدأ الحديث؟؟ .. بالتأكيد ستقول الان بإستنكار "من البداية"؟! .. لكن أي بداية بالتحديد تقصد؟؟ .. هذا هو المحير بالامر، ثمة بدايات كثيره بقصتنا لنهاية واحدة لا غير!!
ذات مرة قرأت بجريدة ما او ربما كتاب أن الانسان يعيش أكثر من حياة بعدد كل نقطة تحول تحدث بشخصيته، وتُغيّر مسار حياته من بعدها عن ذي قبل .. اذا كانت هذه المقولة صحيحة، فأنا أملك تسعة حيوات عشتها خلال ثلاثين عاما .. وهذه العاشرة!!
مع كل حياة جديدة خضتها كنت حريصة على محو أي أثر للسابقه .. كنت أُخلق من جديد، ﻷكون بها واحدة لا تشبه مَن مضت .. لسنوات أنكرت كل نسخة قديمة مني وأبقيت فقط بذاكرتي الدروس المستفادة منها .. ولكن الان بكل رسالة مما أكتب، سأستعرض حياة من هذه الحيوات بكل تفاصيلها ومبرراتها وسقطاتها .. لتعرف مما خلقت (روسالكا) وكيف كانت قبل ان تلقاك، وإليك الحكم بالنهاية!!
لنبدأ...
● ● ●
هذا العمل فريد من نوعه نظرا للقضايا التي يعرضها ويتناولها بشكل مسبوق ﻷول مرة في شكل عمل روائي .. وربما فني أيضا .. لذلك انت بصدد رحلة مميزة وغريبة نادرا ما ستجد من خاضها قبلك
هذه الرواية مبنية على أحداث وشخصيات حقيقية
جميع المعلومات العلمية المذكورة في الرواية مأخوذه فقط من الابحاث العلمية المعتمدة.