-->

بنات حورية _ الفصل الحادى عشر


الفصل الحادي عشر 


خرجت ممرضة من غرفة العمليات هاتفة لهم :
" المريض يحتاج لنقل دم وفصيلته ليست متوفرة لدينا " .

همست بيسان برعب : " أنا نفس فصيلته " .

عاينتها الممرضة باستغراب وهتفت : " حسناً تعالي معي "

أخذتها لغرفة أخري لتجري  لها بعض الفحوصات في حين حدثت رسيل صهيب : " سأذهب معها " .

ذهبت خلفهم فهي تظن أن بيسان تعاني من أنيميا شديدة تلك الفترة بسبب مصيبتها وبالفعل تحدثت الممرضة : " تعانين من أنيميا شديدة ،، لا يصح نقل الدماء له منكِ " .

بالصدفة كانت رسيل نفس الفصيلة فتطوعت وبسبب صحتها الجيدة استطاعوا بالفعل نقل الدماء له وبعد ذلك استقرت هي في فراش ترتاح حتي تم الانتهاء من العملية  ،، أسرعت بيسان للطبيب ما إن رأته يخرج متسائلة برجاء : " هل هو بخير " .

ابتسم الطبيب مبشراً : " الحمد لله وحده لم تخترق الرصاصة القلب كما أنه صاحب بنية قوية وتعدي مرحلة الخطر وسنضعه في العناية ساعات قليلة ثم سننقله لغرفة عادية وتستطيعون رؤيته " .

" ألف لا بأس عليه ، أنا مضطرة للذهاب " تحدثت رسيل لبيسان في البداية ثم لصهيب فتحدث صهيب :
" بيسان سأوصل رسيل لسيارتها " .

داعب اسمها المجرد من الألقاب احساسها ،، هو يريد ذلك وقد قالها من قبل يريد كسر الرسميات بينهم ،، يريد أن يتعرف عليها أكثر ،، سار بجوارها في أروقة المشفي متمتماً : " شكراً لكِ رسيل " .

قالت برقة : " الشكر لله ،، لم أفعل ما يستحق الشكر " .

أجابها ممتناً : " شكراً لإنقاذك إسلام ولوقوفك بجانب بيسان " .

استطاعت تبين ثقل لسانه وهو يلفظ اسم شقيقته فتنهدت بصبر تتمني أن يكون لدي إسلام أخبار مفيدة حين يستيقظ : " مجدداً أستاذ صهيب لا داعي الشكر إنه واجبي " .

" نعم فالبنهاية أنا الذي أدفع ثمن وقتك هذا أليس كذلك " شاكسها بشقاوة واستلذ بملامحها التي تلجلجت وهي تجيبه بخجل متضايقة :
" لا ،، لا كيف تقول هذا " .

لاحقها بقوله : " أمزح والله أمزح هذا تعبك ومجهودك وتستحقين ،، ولكن ما بال أستاذ تلك ألم نزيل الألقاب "

أجابته بهدوء : " أنتَ أزلتها أستاذ صهيب ولكن أنا لا أجد داعي لذلك " .

أومأ مشاكساً مرة أخري :
" نعم فالمقامات محفوظة أيتها الطبيبة " .

احنقن وجهها وهي تجيبه بضيق تلك المرة :
" أنتَ تفهمني خطأ أم أنكَ تتعمد إستفزازي "

كانت قد وصلت لسيارتها ففتح لها الباب صامتاً فركبت بضيق ولكنه بعد ذلك أقبل بجسده عليها قبل أن يغلق الباب هاتفاً :
" تستفزيني بحفظ الألقاب لذا أحاول استفزازك بقدر الإمكان " .

ضيقت عينيها معاتبة مكره مجيبة :
" تريدني أن أفقد أعصابي لأصرخ عليك قائلة صهيب توقف " .

ارتعش فكه قائلاً بنبرة عميقة :
" ما أجملكِ وأنتِ تلفظين اسمي ،، نعم هكذا تماماً " .

ثم غادرها مبتسماً بمكر فتوسعت عينيها ،، فكيف لها أن تقع في فخ كلامه وتحقق له ما يريد ،، تحركت بالسيارة عائدة لعيادتها ولكن اسمه وجد طريقة من أعماق روحها لشفتيها وهي تهمس متلذذة :
" صهيب " .

..........................................


خرج لغرفة عادية بعد ساعات قليلة ،، كانت تضع يديها علي قلبها وهي تقف أمام غرفته منذ ساعات تشاهدهه من خلف الزجاج راقداً وجسده موصل بالعديد من الأجهزة ،، تدعو الله أن يديمه بخير ،، والأن هي تجلس أمام غرفته لقد استيقظ منذ وقت وصهيب في الداخل معه ،، باب واحد يفصل بينهم ولكن ليس لديها القدرة علي الولوج له ،، لا تستطيع أن تري عينيهِ الكارهة لها ولا تستطيع تحمل قسوته مرة أخري يكفيها أن تعرف أنه بخير .

خرج صهيب أخيراً متوجهاً لها ،، لم تلاحظ تغير نظراته الباردة والجامدة والتي صاحبته منذ حادثتها بأخري مقهورة لينة بعد أن حكي إسلام علي مسامعه كل شئ وهي تقف لتسأله بلهفة :
" هو بخير صحيح " .

أومأ لها وهو ينظر لها بإعتذار فتهللت أساريرها وابتسمت ثم ترجته بلطف :
" حمداً لله ،، هل توصلني للمنزل ثم تعود له " .

قطب حاجبيه برفق وهو يتسائل :
" ألا تريدين الإطمئنان عليه ،، ألن تدخلي له " .

نفت بذعر جعله يدرك كلام رسيل الذي رن بعقله الأن :
" بيسان تكاد تتقوقع علي نفسها إنها تحتاجكم بشدة ولكنها خائفة من قربكم وهذا يؤثر عليها سلباً لأنها حين تختلي بنفسها تفكر بسلبيات كثيرة ، قد تؤدي إلي انتحارها إن لم تحتويها مجدداً " .

ملس علي شعرها برفق وقال :
" إسلام يريد رؤيتك ادخلي له " .

توسعت عينيها متلعثمة :
" هو ،، هو يريد هل أنت متأكد " .

أومأ لها بإبتسامة مشجعة لتقطب حاجبيها متسائلة :
" هل ابتسمت ،، أنا لا أتوهم أنت ابتسمت لي صحيح ".

احتضنها بقوة ونزلت دموعه بوجع ،، استغلت الفرصه وهي تدفن نفسها بداخل أحضانه مستشعرة الأمان التي تحتاجه ،، مسح دموعه وابعدها عنه برفق ليمتد شعرها قائلاً : " ادخلي لزوجك فهو يحتاجك " .

دفعها دفعاً وفتح الباب لها لتتمسك بهِ فدخلا معاً ،، اختبأت خلفه ،، لم تنظر له وبقيت مختبأة خلف جسد اخيها ،، أغمض إسلام عينيه بتعب وراح يحاول رؤيتها وهو يدفع برأسه جانباً قليلاً ولكنها توارت عنه كلياً فهمس ببحة : " بيسان " .

نظفت حلقها وتشبثت أكثر باخيها وهي تتحدث :
" حمداًلله علي سلامتك " .

" لمن تتحدث أختك صهيب " تسائل ليقهقه الأخر بغير نفس وهو يتملص من بيسان ،، أتي بها أمامه وحاوطها بذراعيه هاتفاً : " أنا بالخارج لا تقلقي " .

خرج بينما ابتعدت هي خطوتين وظلت واقفة تنظر للأرض وتسحق شفتيها بين أسنانها حاول الإعتدال جالساً فتأوه محدثاً إياها : " تعالي ساعديني " .

اقتربت بآلية منه منفذة فالتقطت يديه الممدودة لها واحتملت جذعه الذي استند عليها ليجلس ،، كانت يديه ترتعش وهو يستند علي يديها بثقله وكذلك تأوه بوجع فتسائلت بحزن طفولي : " هل أنتَ بخير ،، هل أطلب الطبيب " .

لم يترك يديها وهو يضغط عليها متحدثاً :
" اجلسي يا صغيرتي أنا بخير " .

جلست بتوتر علي الفراش بجواره وكلمة صغيرته تتردد بأذنيها نظرت ليديهم معاً هاربة من نظراته ،، داعب كفها بلطف كي تنظر له وهو يطالعها بألم لم يكن يظن في أسوأ تخيلاته أنه سيتألم فيها هكذا ،، أين الكلام الأن ،، أين اعتذاراته وعشقه ،، لقد تلبك كلياً أمامها وهو يعتذر : " أنا أسف " .

تسلل الشك والرعب بداخلها من أفكار تراودها ،، لقد ظهرت حقيقة برائتها وها هو يقصها عليها ،، بكت وانتحبت وخفف عنها برفق واعداً إياها أنه لن يتركها مدي الحياة ،، تسائلت بتشنج :
" كيف عرفت كل هذا " .

احتضن وجهها بكفيه هامساً :
" لا يهم كيف عرفت ،، المهم الأن أنه لدينا حفل زفاف يجب أن يتم لكي أختطفك بعيداً "

..................................................


صبت حورية الشاي الدافئ في فنجانين ،، ناولت دياب فنجانه ثم جلست جوارة علي أريكة في الشرفة الواسعة ،، كان يغمزها بوقاحة لتلكزه بخجل وهي تشرب شايها هامسة :
" لقد كدت تفضحنا ،، فلتحمد الله أن هيا كانت نائمة ".

دخلت هيا بحماس حينها :
" تأكدي من معلوماتك أمي ،، لقد فُضحتم بالفعل " .

ضربتها حورية برفق علي رأسها فاحتضنتها هيا من الخلف قائلة بتوتر : " كيف حالك أبي " .

" بخير أيتها المجرمة الصغيرة ،، تعالي " حدثها بهدوء ثم فتح ذراعيه ليحتضنها قبل أن تجلس جواره ليهتف مشاكساً : " إذا هل رأيتني وأنا أقتل من نظر لوالدتك من قبل " .

طأطأت رأسها بخجل هامسة :
" أبي لم أكن أقصد والله " .

ربت علي رأسها : " ارفعي رأسك حبيبتي ،، أعرف " .

قبلت وجنته بطفوله صم همست بفضل مترددة :
" إذا ماذا حدث " .

ضحك بخفة وهو يطمئنها :
" تحدثنا فقط ولا تقلقي لن يزعجك مجدداً " .

أومأت له وفضلت الصمت لم تتسائل أكثر فهي تعرف أبيها لا يفصح إلا بما يريده فقط ،، وقفت قائلة :
" سأذاكر قليلاً في غرفتي " .

تركتهم ليهتف دياب واقفاً :
" هيا حوريتي كي لا تمرضي يكفي جلوس هنا " .

حملت صينية الشاي ومشت بجواره هامسة :
" لن يضايقها هذا الفتي مجدداً أليس كذلك " .

" لا تخشي شيئاً يا حورية ،، لن يصيبكن مكروه طالما أنا معكن بإذن الله " قبل جبينها لتدعي :
" أدامك الله لنا حبيبي " .

...............................................


كما اكتشفها تماماً نقية ، هشة ، علي عكس القوة التي تدعيها والأهم بسيطة ومتواضعة ،، لقد ولج لغرفته ليكتشف وروداً حمراء ووردية مفترشة الأرض بالكامل والسرير يحتوي علي علبة كبيرة تبدو قيمة للغاية بلونها الأرجواني الغامق اللامع الفتاك وكان هناك قالب حلوي يتوسط طاولة الأريكة وكثير من الأشياء الأخري بينما ظهرت هي أمامه فجأة .. بقميصها الأحمر الستان المشتعل والذي يحتضن تفاصيلها بروعة .. هائجة بشعرها الطويل كالنار ،، تحمل بيديها ملابس له بيتية مريحة ،، ناولتهم له هامسة في أذنيه :
" غير ثيابك بسرعة أنا أنتظرك " .

أخذ الثياب وأخذها هي الأخري في قبلة محمومة هائجة لتغمض عينيها باستسلام قبل أن يتركها متوجهاً للحمام هامساً بمداعبة : " لن أتأخر " .

انتهي فهد من حمامه وخرج لها مرتدي منامته المنزلية ،، داعبت الورود قدميه الرطبة فأرسلت له انتعاش خاص .. خاصةً وهو الذي اعتاد علي كل انتعاش جديد منها ،، هي الروح " أسيله " .

تعلقت بعنقه وقبلت وجنتيه هامسة داعية :
" كل عام وأنت بخير وبصحة ،، كل عام وأنت معي وحبيبي ، كل عام وأنفاسك تملأ حياتي " .

رفعها عن الأرض ليرد قبلتيها داعياً :
" وأنتِ بخير وبصحة ومعي وحبيبتي وأنفساك تملأ حياتي " .

" تعال لتجري هديتك " اجتذبته للسرير وأجلسته ساندة ظهره عليه برفق وأخذت دور العارضة وهي تفتح تلك العلبة المخملية مخرجة من داخلها عدة علب مخملية صغيرة بعد أن جلست أمامه علي ركبتيها ،، لتنظر له بسعادة كالطفلة هامسة :
" هيا افتحهم " .

نظر لها بعشق ،، دائماً ما يغدقها بتلك النظرات من قال أنه يريد هدية فهي ما زالت هدية الله الكبيرة له ،، من قال أن الحب يذهب مع الزمان أو يقل ولو نانو من ذرة واحدة لم يري عشقه الذي يزداد حتي أرضاه تماماً ،، تحدث وهو يضم يديه لصدره ومازالت نظراته مسلطة عليه تخترقها وتشعر بها فتزداد توهجاً بالنسبة له :
" افتحيهم انتِ " .

فتحت أولاهم فكان فنجان زجاجي بنفس اللون ،، بهِ تفاصيل تخطف الأنفاس ،، قربته له هامسة :
" هذا من أجل قهوتك اليومية ،، كي تذكرني كلما أخذت رشفة منه " .

ثم داعبت شفتيه بإصبعها : " لكي تتذكرني كلما لامسته بشفتيك " .

أخذ منها الفنجان وامتلك خصرها بيديه مقبلاً إياها بشغف هامساً : " لا أحتاج لذلك فأنتِ لا تغيبي عن مخيلتي أبداً " .
ابتعدت عنه بإغراء وحلاوة قائلة : " سنري ذلك " .

قطب حاجبية لتتابع هي وهي تخرج ساعة بنفس اللون كلها من الزجاج المطعم والذي يكب لوناً أرجوانياً غامقاً ولامعاً ،، كان حقاً منبهر ولكن انبهاره الأكبر كان بها ،، أخرجت اثنتان من تلك الساعة هامسة بدلال :
" وهذه صنعت منها اثنتان ،، خاصتك تحمل اسمي وخاصتي تحمل اسمك ،، ليست فقط ساعة ستكون جهاز تواصل بيننا نحن الإثنان فقط " .
قلبها بين يديه وهو يكاد لا يري غيرها بالأحمر الذي ترتديه هاتفاً بنبرته التي اكتسبت شئ من الكبر :
" أعجبتني الفكرة " .

شرعت في فتح هدية أخري من طقم هداياها الموحد ليمسك يديها مقرراً : " لنتركهم لوقت أخر أسيل " .
زمت شفتيها : " فهد لا تخرب لي المفاجأة " .

وقف ممسكاً لكل شئ ووضعه علي الكومود قبل أن يهمس بروحه : " للأسف يا جميلتي سأخربها لكِ " .
صرخت وهو يعض وجنتيها حين وضعت شفتيها بين أسنانها بضيق قبل أن يبتلع صرختها بقبلته ،، كانت أسيل مازالت تحافظ علي تلك العادة وكان هو يتصرف  معها بضيق سرعان ما يتحول لدلال يغدقها بهِ ،، لم يزد العمر الذي عاشوه معاً إلا كل الحب والإحترام لبعضهم ،، ومازالت وينزل أرواحهم في تناغم معاً .

......................................................


" تنور يا بني نحن بانتظارك "
أنهي دياب مكالمته مع سفيان ثم توجه لتجمع المطبخ المملوء بحورياته ،، نقر الباب بشدة ليلفت انتباههم قائلاً بعد ذلك بمرح :
" ما شاء الله أنظرو لحوريتي من بينكن " .

هتف بذلك وهو يراهن مغطيات بالدقيق عداها هي حورية لتهتف راما بمرح :
" حوريتك متمكنة يا أبي " .

تابعت سبأ مشاكسة : " ثم أن لديها من تحافظ علي هيئتها أمامه " .

شهقت حورية : " ماذا يسمعك خطيبك يا سبأ حتي أصبحتي هكذا " .

ضحكت سبأ وصمتت علي ذكر سفيان لتتابع لورين :
" أمي أبي هو من يسمعنا جميعنا " .

اقترب دياب منهن فامسك بأذن الاثنتين لتصيحا معاً قائلاً : " أين حيائك أنتِ وهي ها " .

صاحت لورين بوجع : " أسفة أسفة " .
بينما همست سبأ بألم : " بابا " .

نظر لها فنظرت له باستعطاف .. حورية الصغيرة تلك فماذا هو فاعل أمام نظراتها ،، خفت يداه عنهن وهتف لحورية : " هل أتركهن يا حورية " .

تركت حورية له الأمر وهي تفتح الفرن لتتابع مخبوذاتها الشهية فسأل باقي بناته لتقول راما :
" اترك سبأ أبي ".

شهقت لورين وهتفت : " وأنا " .

أخرجت راما لسانها لها لتجري لورين خلفها بعد أن تركهم دياب تاركين المطبخ صائحين بمرح ،، تحدث دياب : " أنسيتموني ما كنت قادماً لأجله " .

انتبهت حورية قائلة : " خير يا دياب " .

" سفيان قادم الأن ،، لقد خرج لتوه من المطار وهو في طريقه لهنا ،، يريد تحديد ميعاد الفرح " .
استأذنتهم حينها بوجه خجل ومحتقن لتصغد لغرفتها ،، لماذا لم يخبرها أنه أتٍ ،، مازالت تشعر بشئ غريب وراءه ،، تشعر دائماً أنه مجبور علي محادثاتهم ،، فهو أساساً بالكاد يهاتفها وحين يفعل تكون كلماته مقتضبة ورسمية وقصيرة ،، لقد صلت الاستخارة كثيراً ولكن عجباً كانت تشعر بعدها براحة كبيرة له !! .

يتبع ...

...........................................................