-->

الفصل الرابع - ظلام البدر - دجى الليل





الفصل الرابع

توجه نحوها مهرولاً وهو ينظر لجسدها الملقى أرضاً وأمسك بالهاتف ليعلم ما الذي حدث حتى تقع أرضاً فاقدة الوعي بهذه الطريقة قبل أي شيء آخر بالرغم من غضبه منها ومما فعلته معه منذ قليل ولكنه عليه أن يعرف ماذا هناك

"آلو.." تحدث ليجيبه صوت ذكوري

"آلو.. نورسين فين، لازم تيجي بسرعة" تريث برهة ثم تحدث مجدداً "وبعدين أنت مين؟!" تعجب يسري من ذلك الشخص الذي يجيبه بينما ابتلع بدر قبل أن يتحدث بأي شيء وفكر جيداً قبل أن يجيبه

"أنا زميلها.. خير فيه ايه؟"

"والدتها اتوفت.." أخبره يسري ليشعر بدر الدين بالشلل التام وهو لا يدري ما عليه فعله "هي فين؟ كانت بتكلمني حالاً"

أخذ يفكر سريعاً بمنتهى الحصافة، أيخبره أنه فقدت وعيها أم ماذا عليه أن يفعل، وتأخر في الرد حتى تعجب يُسري من ذلك الصمت الذي دام لعدة لحظات

"آلو.." صاح ليدرك بدر الدين أنه قد آخذ وقت أكثر من اللازم ولأول مرة يشعر بعدم إجادته للتصرف

"ايوة.. معاك.. هي بس من الصدمة مش مصدقة.."

"طيب بلغها أنها لازم تيجي دلوقتي حالاً" أنهى يسري المكالمة ليتعجب بدر الدين من تصرفه وكاد أن يغادر ليذهب لشاهندة ولكن ما أن وصل لباب غرفة الاجتماعات توقف من تلقاء نفسه وكأنما شعر بشيء يناديه ليعاود أدراجه ولكنه وجد نفسه يوصد الباب ثم توجه نحوها مرة ثانية.

أنخفض بمستوى جسده ليقترب منها وهي مغشي عليها ليرفع خصلاتها الحريرية التي سقطت على عينيها التي لم يرى مثيلاً لها من قبل ليجد نفسه يحدق أكثر بملامحها.

كم كانت رائعة الجمال.. وجهها بريء للغاية.. تفاصيل ملامحها تجبر على ألا يتوقف للنظر لها.. شفتاها تلك التي شابهت حبتي الفراولة أجبرته على أن يتلمسها بأنامله.. أخذ يتلمس شفتاها بسبابته ثم مررظهر كفه على وجها الناعم وهو يتطلعها ثم تنهد ليلاحظ جسدها الراقد أمامه ليحملها ثم وضعها على احدى الارائك ثم ذهب ليُحضر بعض المياة من على الطاولة لتساعده في افاقتها وجلس بجانبها مرة أخرى ليجد نفسه يتطلعها في صمت مجدداً ولا يريد أن يفيقها.

"ايه مالها نور؟ ايه اللي حصلها؟" لم يشعر بالوقت وهو ينظر لها ليُفاجأ بصوت شاهندة بجانبه ليدرك أنه جلس ينظر لملامحها أكثر من اللازم!

"والدتها اتوفت واغم عليها لما عرفت الخبر" تحدث بهدوء بينما ناول شاهندة المياة ونهض مبتعداً ليفسح لأخته مكان للجلوس بجانبها ثم أعطاهما ظهره

"يا نهار أبيض!! الكلام ده من امتى؟" صاحت شاهندة في دهشة

"بعد ما مشيتو على طول" اجابها بإقتضاب وهو يحاول أن يخفي مدى تلهفه للذهاب والجلوس بجانبها مرة أخرى لتشعر شاهندة بالخوف على نورسين وبدأت في أن تفيقها بنثر بعض قطرات المياة على وجهها ولكن لم تستجب لها.

"البنت مش عايزة تفوق خالص يا بدر" صاحت بعد عدة محاولات منها بأن تفيقها

"ايوة يعني اعمل ايه أنا؟" تسائل في حنق ليلتفت ناظراً لها

"معلش ساعدني، ممكن تشيلها بس لغاية عيادة الشركة"

"نعم؟!" نظر لها ساخراً "ما نكلم الدكتور ولا زياد بيه يجي يشيلها!"

"زياد مشي من شوية راح فرع مدينة نصر، والدكتور على ما نكلمه ويجيب كرسي هياخد كتير.. لاحظ إنها داخلة في ساعة بالمنظر ده، معلش يا بدر عشان خاطري" توسلت له ليتآفف ثم توجه نحوها ليحملها لتبدو كالعصفور بين ذراعيه القويتان.

توجهت هي وأخيها مع نورسين لتتعجب رنا سكرتيرة بدر الشخصية لتتابعهما بأعينها وهما دالفان للمصعد ففرت خلفهما وهي تصيح

"فيه حاجة محتاجينها أو أقدر أساعد فيها؟"

"شكراً يا رنا احنا رايحين للدكتور خلاص" اجابت شاهندة وهي بطريقها بينما صر بدر الدين أسنانه حانقاً عندما أدرك أنه قد تمت رؤيته في هذا الوضع ولولا شاهندة معه لم يكن ليفعلها.

دلفا المصعد وشاهندة تحاول أن تمرر أناملها على وجه نورسين وتتفقدها في عناية بينما شعوره بجسدها الملامس لجسده جعله غاضباً لدرجة كبيرة ولكن لا يدري لماذا.

"البنت جسمها كله ساقع" أخبرته ليزفر هو في ضيق

"ادينا اهو مودينها للدكتور وهو يتصرف بقا"

ترجلا من المصعد ليدلفا غرفة طبيبب الشركة الذي فوجأ ببدر الدين وأخته شاهندة وتلك الفتاة التي يحملها الذي تخلص بدر من حملها في ثوان وألقى جسدها على السرير بمنتهى السرعة

"براحة يا بدر مش كده" زجرته شاهندة لينظر لها في غضب ولكنه لم يغادر بالرغم من استطاعته فعلها ولكن شيء ما أجبره على الوقوف والإنتظار.

"هي ضغطها منخفض جداً وهعلقلها محاليل واديها حقنة بس لازم تروح المستشفى حالاً، واضح إنها في حالة صدمة شديدة لدرجة انها مش بتستجيب لأي مؤثرات خارجية" صاح الطبيب بعد أن فحصها وبنفس الوقت رن هاتف شاهندة التي اجابته وتوجهت لخارج الغرفة ليقع بدر في حيرة من آمره وهو يراقب الطبيب وهو يكمل عمله

"كلم الإسعاف طيب ويجوا ياخدوها" تحدث للطبيب بينما آتت شاهندة مجدداً بنفس اللحظة

"لا إسعاف ايه، احنا نوديها" تحدثت معقبة على كلماته

"أنتي بقا هتسيبي شغلك عشان خاطر البت دي.. ما تيجي الإسعاف تاخدها"

"معلش يا بدر.. وبعدين أنا لسه هقولك إن فيه خامات ناقصة لازم أتصرف واجيبها حالاً لأن كل إدارة المشتريات مش عارفة تتصرف والمورد اللي بنتعامل معاه عنده حالة وفاة، لو بس أنت ينفع توديها عشـ.."

"يا سلام!! وأنا مالي" صاح في غضب

"معلش عشان خاطري، تخيل لو كنت أنا مكانـ.."

"ماشي يا شاهندة، مبقاش ورايا أنا غير زفتة هانم دي!! قولتلك ابعديني عنها وأنتي مصممة بردو، بس ماشي لولا الموقف كان هيبقالي تصرف تاني" تحدث مقاطعاً اياها ثم توجه نحوها في قمة غضبه حاملاً اياها هي والحقيبة البلاستيكية للمغذي الذي وضعه الطبيب منذ ثوان.

"أنا بس هخلص وأحصلك وبعدين ما أنت ممكن تحطها على الكـ.."

"شاهندة اتقي شري وابعدي عني الساعادي" قاطعها مجدداً بمنتهى العصبية ثم أنصرف خارجاً في لمح البصر ليتوقف بالمرأب واضعاً اياها بالمقعد الخلفي للسيارة ثم توجه مسرعاً للمشفى.


❈-❈-❈



ظل محدقاً بها وهو لا يدري لماذا لا يغادر؟ عقله يصرخ به كي يتركها ويذهب، ولكن هناك شيئاً وكأنما كبله في مكانه. سحق أسنانه للمرة الآلف وهو لا يستطيع إشاحة نظره من عليها، خلل شعره لأكثر من مرة وهو يسأل نفسه للمرة المليون ما الذي يبقيه إلي الآن؟ لقد آتى بها، لقد أخبره الأطباء أنها لن تستيقظ إلا بعد ساعات بسبب تلك المهدئات القوية التي حقنت بها، لماذا ينتظر؟ لماذا لم يتحدث مجدداً لذلك الرجل الذي أخبرها بأن والدتها قد توفت؟ ولماذا أغلق هاتفه؟ لماذا يريد أن يكون وحده بجانبها دون إزعاج؟

ثقلت أنفاسه غضباً ليقرر أن يعود بدر الدين الخولي الذي يلمح نوايا الجميع منذ الوهلة التي تقع سودوتاه عليهم، هذه مجرد فتاة صغيرة طماعة، تبحث عن المال ليس إلا، لذلك استحوذت على عقل زياد، هي مجرد طفلة من عمر أخيه، ليس لديه أي مبرر آخر سوى ذلك!

قرر تركها وهو يعاود فتح هاتفه ليلقي عليها نظرة أخيرة ثم توقف للحظة ناظراً لهاتفها ثم لها مجدداً ولا يدري لماذا امتدت يداه أخذاً هاتفها مُغلقاً اياه ووضعه بجيب سترته الداخلي ثم ترجل أخذا خطوات واسعة كما هي عادته وذهب لصالة الإستقبال وترك مبلغاً من المال في حسابها أكثر من المصاريف المطالب بها وكاد أن يغادر ليلتقي بشاهندة وزياد على بوابة المشفى ليسحق أسنانه وتزايد غضبه

"عاملة ايه يا بدر؟ بقت أحسن؟" صاحت شاهندة في لهفة

"ادوها مهدئات وقالوا مش هتفوق دلوقتي"اجابها بإقتضاب وكاد أن يغادر لتوقفه شاهندة

"ايه انت هتسبنا وهتمشي؟"

"يعني اعمل ايه اكتر من كده، مش من بقيت اهلنا هي عشان افضل معاها"

"طيب معلش استنى بس معانا هنطمن عليها ونمشي على طول"

"يووه بقا!! خليكو انتو وانا ماشي" صاح بغضب لتقترب منه شاهندة هامسة له بالقرب من أذنه حتى لا يسمعهما زياد الذي انشغل فجأة بمكالمة هاتفية

"بدر أنا محتجاك لغاية ما حد من أهلها يجي، معلش بس لو حصل حاجة أنت هتعرف تتصرف غير زياد" تآفف بدر الدين الذي تحدث بين أسنانه المُطبقة

"انجزي يا شاهندة ومتخلنيش مستني كتير" أخبرها ليدلف للمشفى مرة ثانية باحثاً عن أقرب كافيتيريا ليتناول فنجاناً من القهوة وتركهما وغادر.



❈-❈-❈



وضع كوب القهوة أعلى سقف سيارته ثم خلع سترته وأراح ربطة عنقه وتوجه داخل سيارته ليخرج من الصندوق الجانبي علبة سجائره الذهبية وقداحة تشبهها ليستند على مؤخرة السيارة ويشعل السيجارة آخذاً منها نفساً عميقاً ثم غرق مُفكراً في كل ما حدث منذ البارحة.

لا يزال غاضباً حتى أنه لجأ لذلك النيكوتين الذي أقلع عنه منذ سنوات عديدة ولا يلجأ له إلا عند إنشغاله بالتفكير، كل ذلك بسبب تلك الفتاة، ولا يزال مصمماً على أن تلك الفتاة مجرد باحثة عن الثراء السريع ليس إلا، صمم أن يعرف عنها كل شيء ليرسل اسمها لأحد معارفه حتى يستطيع تبين كل شيء عنها.

فتح هاتفها مجدداً ثم تفقده ليرى أنه هاتف فتاة عادي ليس به شيء سوى عدة رسائل نصية عادية، وسجل مكالمات.. إذن لقد تحدث لها زياد وشاهندة ولكن لماذا؟! شعر أنه في منتهى الغباء ليظن أنه سيحصل من هاتفها على أية معلومات ولكنه كان مخطئاً.. مجدداً!.

زفر بغضب وهو لا يزال يتذكر كل مرة تحدثت له، كيف تحدته أمام الجميع واستطاعت أن تجعله مخطئ أمام الجميع مرة وأمام نفسه مرة أخرى، ثم تذكر كيف جلس بجانبها خائر القوى وكأنما تأسره وتجبره على ألا يبتعد عنها. لم يظن أن بإمكان إمرأة أن تلفت انتباهه بعد زوجته، ولكنه عرف جيداً كيف سيوقف هذا الهراء الذي وقع به لتوه!!

لم يلاحظ أنه قد فرغ من نصف علبة سجائره بأكملها وقد مر من الوقت ما يقارب الساعة فقرر أن يذهب ليتفقد أخته التي أخذت من الوقت أكثر من اللازم!


❈-❈-❈



"ايه ده؟ امال فين زياد؟" صاح متسائلاً عندما وجدها وحدها بالغرفة

"معرفش بيقول راح كان عنده معاد مع أصحابه" اجابته ليبتسم متهكماً عند علمه بمغادرتها بكل تلك السهولة بينما رأى إنشغال شاهندة بهاتفها

"طيب حضرتك ناوية تمشي امتى عشان زهقت.. مش كفاية اليوم كله ضاع بسبب ست زفتة هانم؟" سألها ساخراً

"لسه محدش من أهلها يعرف إنها هنا، بحاول أوصل لحد من لـ HR يجيبلي رقم أهلها، أنا بس مش عارفة موبايلها راح فين، مشوفتوش صحيح يا بدر؟" نظرت له بأعينها ليبتلع وهو يحاول أن يبدو طبيعياً

"لأ متزفتش.. انجزي بقا يا شاهندة.. مش هنفضل هنا كتير.. أنا ورايا بلاوي" أخبرها في حنق

"يووه عليك يا بدر، بص امشي وأنا هافضل معاها لغاية ما أوصل لجوز مامتها، كده كده هي مالهاش اخوات وهو بس اللي عايش معاها.. أنا هتصرف!!"

"أنتي بردو مصممة!! خليكي بقا قاعدة جنبها وأنا ماشي يا شاهندة، ولو حصلك حاجة كلميني، أنتي مش هي" صاح ناظراً لنورسين على سرير المشفى بكراهية ثم غادر مسرعاً لتتنهد شاهندة

"أنا مش فاهمه هو كاره البنت كده ليه.." تمتمت ثم أخيراً حصلت على رقم منزل هاتفها الذي ما إن اتصلت به حتى أجاب عليها صوت ذكوري

"آلو.."

"آلو.."

"مين معايا؟" صاح يُسري لتجيبه شاهندة على الفور

"أنا شاهندة الخولي.. مديرة نورسين في الشغل.. البقاء لله وربنا يجعلها آخر الأحزان"

"ونعم بالله.."

"هو حضرتك جوز والدتها الله يرحمها؟"

"ايوة معاكي يُسري ، بس هي فين نورسين لغاية دلوقتي؟ ازاي متجيش؟ هي متعرفش إن والـ.."

"نور وقعت من الصدمة أغم عليها وهي دلوقتي في المستشفى ولسه مفاقتش.. أنا آسفة إني مبلغتكش غير دلوقتي لأني مكانش معايا رقم البيت ولا رقم حضرتك.."

"طيب هي في مستشفى ايه؟"

"مستشفى .... "

"تمام.. هخلص دفنة واروحلها"

"أنا هاستنى جنبها متقلقش"

"متشكر جداً.. سلام" انهى المكالمة لتتعجب شاهندة من طريقة ذلك الرجل الفظة والجامدة ليتمتم هو بخفوت بعد إنهاءه المكالمة

"كنت ناقص كمان!! هدفنها وابقا فوقتلك يا هانم، مبقاش فيه حاجة تمنعني عنك خلاص.. منجم الدهب بتاعك ماتت.. ده أنا همرمطك!" توعد لها وهو كل ما يريده أن يفرغ فقط من مراسم دفن كوثر زوجته ليذهب لها.


❈-❈-❈



في المساء بدأت في الإستفاقة بينما كانت بجانبها شاهندة التي تحدثت لها على الفور ما إن لاحظت حركة جفناها وامتعاض ملامحها
"نور أنتي كويسة؟" صاحت متفقدة اياها في لهفة لتفتح نورسين عيناها لتتساقط تلك الدمعات التي شابهت حبات اللؤلؤ من بحور عيناها الزرقاء الحزينة بينما شاهندة لا تدري ما الذي عليها فعله!

كيف ستقنع ذات العشرون ربيعاً بأن تتماسك وكل ما لديها من عائلة قد تركتها وذهبت؟!

عانقتها لتحاول مواساتها بينما لم تتفوه نورسين بشيء عدا الدموع التي تواترت من عيناها بلا إنقطاع أو تريث وحاولت تهدئتها ولكن دون جدوى.

"طب قوليلي انتي حاسة بإيه؟ فيه حاجة تعباكي؟ محتاجة حاجة اجيبهالك؟" سألتها في لين ولكن لم تجيبها ولم تتوقف عيناها عن ذرف الدموع "نور.. ممكن بس تردي عليا؟" نادتها بينما لم تحصل منها حتى على نظرة واحدة واكملت تحديقها بالفراغ وذرفت المزيد من دموعها..

شعرت شاهندة بالقلق فذهبت للخارج مسرعة لتبلغ الأطباء بإستفاقتها وعدم تحدثها ذلك الذي تعجبت له.

دلف الأطباء وانتظرتهم بالخارج لتستطيع معرفة حالتها وراعت ألا تتعرض لجرح مشاعرها بكلمات الأطباء أمامها.

"هي بقت كويسة؟ طمني يا دكتور" صاحت شاهندة بعد أن ترقبت حوالي عشر دقائق

"هي اكيد احسن من الحالة اللي جت فيها، ما زال ضغطها مش مظبوط ومنخفض جداً.. بس عندها حالة إنكار لكل اللي حصل ورافضة تستجيب لأي مؤثرات خارجية تماماً، الصدمة واضح انها كانت شديدة عليها.. ممكن تفضل كده فترة وممكن تتحسن.. مفيش حاجة مؤكدة"

"طب يا دكتور فيه حاجة نقدر نعملها عشان تساعدها؟" تسائلت شاهندة في حزن وهي لا تعلم ما الذي عليها أن تفعله

"هي محتاجة اهتمام زيادة، تعمل الحاجات اللي بتحبها، تقعد مع الناس القريبة منها، طبعاً متتعرضش لأي حاجة تضايقها او تعصبها؛ والموضوع كله نفسي ملناش ايد فيه وممكن نستعين بأخصائي نفسي يمكن يسرع شوية من حالة الصدمة"

"تمام. متشكرة جداً"

"العفو"

وقعت شاهندة في حيرة وهي لا تدري ماذا عليها أن تفعل، فبالرغم من شعورها بالألفة بجانب نور إلا إنها ليست تعرف عنها الكثير بعد، فتوجهت للداخل لتهاتف زياد ربما هو من يستطيع المساعدة.

لاحظتها بعيناها لتراها شاردة تماماً في الفراغ تتساقط دمعاتها وأصبح وجهها شاحب للغاية ليست كمثل أول مرة رآتها كانت فتاة شابة مفعمة بالحيوية.

أخذت تهاتف زياد لأكثر من مرة بينما لم يجيبها لتتعجب أين عساه ذهب ولماذا لا يجيب خاصةً وأنه يعلم حالة نورسين التي من المفترض أنه يشعر بشيء تجاهها..

"ماشي يا زفت.. أنا هوريك" تمتمت بداخلها وتركت هاتفها على احدى الطاولات بالغرفة ثم توجهت بالقرب من نورسين لتجلس جانبها.

"حبيبتي لازم تكوني قوية، لازم تخرجي من الحزن ده وتدعيلها.. أنا عارفة إنك بتحبيها وهي كمان بتحبك ولازم يوصلها دعائك وعمرها أكيد ما كانت هتتبسط لو شافتك كده" حاولت أن تخرجها من تلك الحالة بينما لم تحصل على ردة فعل تُذكر لتزم شفتاها في حيرة ثم آخذت تمرر يدها على كتف نورسين دون التحدث لها.

"أدخل" صاحت بعد أن سمعت طرقات على الباب

"مدام شاهندة؟!" صاح يسري لتومأ له ليمد يده ليصافحها "يُسري راتب، جوز المرحومة، كنت أتمنى نتقابل في ظروف أحسن من كده" صاح والحزن الذي زيفه برع به.

"البقية في حياتك.."

"حياتك الباقية ومتشكر جداً إنك فضلتي جنب نور"

"العفو على ايه دي زي اختي الصغيرة" ابتسمت بإقتضاب مرير ثم نظرت لها واشارت له للخارج فتبعها "نور حالتها صعبة ورافضة الكلام تماماً الصدمة كانت شديدة عليها والدكاترة حذروا من اي حاجة ممكن تضايقها او تثير اعصابها"

"اكيد.. هي والمرحومة كانوا قريبين جداً لبعض.." زيف حزنه مجدداً ثم أكمل "متقلقيش، نور دي بنتي وهاخد بالي منها، ومتشكر جداً ومش هاقدر اعطلك أكتر من كده، اكيد انتي معاها من الصبح"

"مفيش داعي للشكر.. ارجوك لو احتاجت حاجة كلمني"

"اكيد.. ومتشكر مرة تانية"

"العفو على ايه.. تصبح على خير وإن شاء الله هاعدي عليها بكرة.." أومأ لها يسري ثم توجهت هي لتُمسك بحقيبتها ثم عانقت نورسين دون أن تخبرها بأي شيء وغادرت موصدة الباب خلفها.

آخذت تُفكر في حالة نورسين وهي مليئة بالحزن لأجلها، كم أشفقت على حالتها وهي حقاً لا تدري ماذا عليها أن تفعل من أجلها!!
تنهدت ثم آخذت تبحث عن هاتفها لتحدث زوجها ولكنها لم تجده فتذكرت أنه لا زال بغرفة نورسين فأعادت أدراجها مرة أخرى حتى تحضره.

"لا بصيلي كده وفوقي للي هقولهولك كويس.. عياطك وزعلك ده مش هيفيد.. اسمعي كلامي أحسنلك وفوقي من الهبل اللي أنتي فيه ده، هتقومي تلبسي وتروحي معايا.. أمك اللي كانت مدلعاكي ماتت وأنا معنديش دلع، مش هاصرف عليكي زمان ودلوقتي كمان ومستشفيات وقرف، فوقي كده وأعرفي إن يُسري اللي عيشتي معاه زمان واحد ويُسري اللي بيكلمك ده دلوقتي واحد تاني خالص" صرخ بها لتتوقف عن البكاء ما إن سمعت صوته ونظرت له في حزن وملامح مصدومة

"هتمثلي عليا تاني؟! طيب ما تيجي بقا أفوقك.. تعالي أقولك أنا نفسي في ايه من زمان، تعالي أوريكي حلاوتك دي عاملة فيا ايه من زمان.." أقترب منها وكاد أن يٌقبل شفتاها وأمسك بثدييها في جرأة يتحسسهما وما أن شعرت بلمساته الشهوانية القذرة تشنج جسدها وأخذ يرتجف بقوة وآخذت في الصراخ الهستيري والبكاء

"يخربيتك هتفضحيني" صاح بها ثم كمم فمها ليجد الباب يُفتح بقوة مُحدثاً صوتاً خلفه فنظر ليجدها شاهندة واعتلت ملامحه الصدمة التامة وابتعد عن نورسين في ثوان.

"دكتور.. حد يلحقنا بدكتور بسرعة" صرخت بكل ما أوتيت من قوة بينما اندلعت ملامح الإرتباك على وجه يُسري ثم ساوى من خصلات شعره

"أنا.. أنا.."

"دكتور يا جماعة" صرخت مجدداً وجرت نحو هاتفها "أنت لو ممشتش من هنا حالاً هافضحك.. أنا سمعت كل كلمة قولتهالها.. ولو قربت منها تاني أنا مش هاسيبك في حالك.. أعتبره أول وآخر تحذير.. ولو مش عارف أنا ابقى مين وبنت مين أفتكر كويس اسم شاهندة الخولي وأسأل بنفسك.."

دخلت الممرضات بالغرفة مهرولات ليتبعهم احدى الأطباء وتوجه جميعهم نحو نورسين بينما أقتربت شاهندة من يُسري لتهمس له وملامح الغضب تكسو وجهها

"امشي اطلع برا حالا واياك تهوب هنا تاني" ابتلع من تهديدها وتوجه للخارج بينما هي أمسكت بهاتفها لتحدث زوجها بينما تابعت الطبيب بعينها الذي أعطى لنورسين حقنة مهدئة ورآتها تهدأ من حالة التشنج تلك.

"حمزة حبيبي أنت فين؟" صاحت دون أن تشعره بالقلق بالرغم من احتياجها الشديد له

"حبيبتي وحشتيني.. وبعدين ما أنتي عارفة إني في meeting مع صاحب مجموعة المستشفيات اللي قولتلك عليها، مش فاهم ليه قرر يعمله في اسكندرية، وبدر صمم اني أنا اللي اتناقش معاه في العرض المالي.. بس كويس أصلاً إن عرفت أرد، ده يا دوب لسه مستأذن عشان يرد على موبايله"

"وأنت كمان وحشتني.. تيجي بالسلامة يا حبيبي.. أنا بس حبيت اعرفك اني في المستشفى مع نورسين عشان تعبت شوية لما عرفت ان مامتها اتوفت واحتمال ارجع متأخر"

"طيب يا حبيبتي آلف سلامة عليها وياريت تكلمي حد من اخواتك يروحك أو السواق وأرجوكي يا شاهي متتأخريش لأني كده هافضل قلقان عليكي"

"لا متقلقش يا حبيبي.. أنا بس هطمن عليها وارجع على طول"

"طيب يا روحي.. لو فيه اي حاجة ابعتيلي رسالة وأنا هاكلمك على طول"

"متقلقش.."

"خدي بالك من نفسك.. سلام"

"سلام" أنهت المكالمة ثم توجهت للطبيب على الفور "دكتور هي كويسة"

"اديناها حقنة مهدئة وهتفضل نايمة للصبح.. هو فيه حد ضايقها ولا ده حصل كده فجأة"

"لا لا.." هزت رأسها وصاحت في توتر "للوحدها كده.. فجأة واحدة"

"طيب حاولوا تتعاملوا معاها براحة.. ممكن تتعرض لإنهيار، خدوا بالكم منها كويس"

"أكيد، متقلقش يا دكتور" أماء لها

"بعد اذنك" استئذن منها وهم أن يغادر لتلحقه

"دكتور لو سمحت" صاحت لتلحقه ليلتفت لها

"اتفضلي"

"هو.." حمحمت بعد أن واتتها تلك الفكرة "هو ينفع لو وفرنالها دكتور وممرضة ننقلها البيت؟؟" صاحت سائلة وكل ما تريده أن تحميها من زوج والدتها الذي قد يأتي مجدداً بأي وقت "اقصد يعني.. أحسن من جو المستشفيات"

"أكيد طبعاً مفيش مشكلة، بس لازم اللي وصلها المستشفى يوافق بنفسه ويمضي على تحمل مسئولية خروجها"

"أكيد مفهوم.. طب ينفع التصريح ده نعمله دلوقتي ولا لازم نستنى للصبح؟!"

"لأ عادي أنا سهران النهاردة وأنا هوافق على الخروج والتصريح وتقدر تروح، بس لازم عناية في البيت وتاخد أدوية بإنتظام وكمان لازم دكتور يشوفها كل ست ساعات"

"أكيد يا دكتور.. متشكرة جداً"

"بعد اذنك" تركها وذهب لتشعر هي بالقلق ودلفت غرفة نورسين ووصدتها عليهما خوفاً من أن يأتي يسري مرة ثانية ثم نظرت لنورسين وهي نائمة في مريول المشفى الباهت ورغماً عنها فرت دمعة من عيناها وهي تشعر بالحزن الشديد من أجلها وهي تتذكر كل كلمات زوج والدتها الحقير ولمساته لها بتلك الطريقة.

أمسكت بهاتفها وهي تبتلع ثم هاتفت أخيها وهي تشعر بالقلق من قرارها الذي أخذته لتوها وتعلم أن بدر الدين لن يتقبله بسهولة خاصةً وأنه يكرهها بشدة

"بدر.. تعالالي المستشفى.. محتجالك اوي" همست ليشعر هو بالقلق

"فيه ايه يا شاهندة؟ انتي كويسة؟"

"أنا تمام.. مش هاعرف أكلمك واشرحلك في الموبيل"

"طيب..ربع ساعة وأكون قدامك"

أنهت المكالمة وهي بداخلها تتمنى ألا يبالغ بدر الدين في غضبه ويوافق على قرارها..


يُتبع..