-->

الفصل السابع عشر - ظلام البدر - دجى الليل



الفصل السابع عشر




"ادخلي يا بت" دفعها لداخل منزله لتسقط هي أرضاً ورفعت نظرها لتنظر له هي في قلة حيلة

"أنت هتفضل تعمل كده فيا لغاية امتى؟ أنا بنفذ كل اللي بتقول عليه بالحرف، أنا بين يوم وليلة لقيت نفسي بتبهدل وبتعذب من غير ما يبقالي ذنب في حاجة.. أما معملتش حاجة لكل ده كريم هو اللـ.." همست بين بكائها الشديد

"اخرسي" قاطعها وهو ينظر لها في غضب "ده أنا هطلع روحك.. هافضل أعمل كده فيكي لغاية ما تخرجي من حياتنا كلنا" نظر لتلك الزرقاوتان ليتجدد بداخله ذلك الشعور المزعج عندما تبكي هي

"اوعي يا بت تكوني فاكراني كريم الوسخ ولا زياد الأهبل.. لا أنا بدر الدين، عارفة يعني ايه" جذبها من شعرها وهو يهز رأسها في عنف "يعني مش هاسيب بت زيك تضحك عليا، كلبة فلوس زيك هاطلع في عينها لغاية ما تتربي صح.. وإن بس في يوم فكرتي إنك تهوبي لأهلي تاني بعد ما تغوري من هنا أنا ممكن أموتك!! سامعة يا بت؟!" صرخ بها لتبكي هي آلماً وحزناً وقهرا

"قومي يا حتة حيوانة" صرخ بها آمراً لتنهض هي في ضعف ولكنه فاجئها بتمزيقه ثيابها في وحشية تامة لتصرخ هي من فعلته

"حرام عليك .. كفاية بقا اللي بتعمله فيا ده" تحدث بين نحيبها

"حرمت عليكي عيشتك.. فاكرة انك هتعمليهم عليا.. انتي ايه.. كل ده تمثيل.. هو يعني مكانش حرام عليكي وأنتي بتلعبي على زياد، ومكانش حرام عليكي وأنتي بتاخدي راجل من مراته وعياله.. بس أنا هاعلمك ازاي تمثلي حلو اوي بقا!!" ألقى بملابسها الممزقة أرضاً ثم أمسك بشعرها مرة أخرى

"الكلام اللي هتسمعيه ده هيكون قصاد إني اسيبك كمان سنة.. فاحفظيه زي اسمك لحسن هاخلي عيشتك سودا وهاعرفك إن كل اللي شوفتيه كوم واللي هايجي ده كوم تاني خالص!!"

"أنتي هنا خدامة، حيوانة، مالكيش تقولي ولا تطلبي حاجة إلا بإذني، واللي أقولك عليه يتنفذ من غير نقاش ولا جدال، إذا حصل وسمعت كلمة بس منك همسخر بكرامتك الأرض، سامعاني كويس؟!" اومأت له في وهن وذعر من ملامحه المخيفة

"البيت الاقيه متنظم ومتنضف، مفيش هدوم ولا موبايل ولا تليفزيون ولا كل الأبهة اللي معيشاكي فيها شاهندة دي تنسيها خالص، أكلي وهدومي وحاجتي تكون جاهزة دايماً ومتنظمة ونضيفة.. البيت ده مش هتخطي براه خطوة واحدة، والحراس كلهم متبلغين إنك متخرجيش من هنا، الحاجة الوحيدة اللي مسموحلك بيها هي مذاكرتك ومش قدامي كمان، أنا بكون برا البيت تسع ساعات كل يوم ابقي اتنيلي اعملي فيهم اللي تعوزيه مادام مبيخالفش كلامي.. عرفتي هتعملي ايه؟!" صاح بها بنبرته الرخيمة لتومأ هي في وهن ولم تتوقف دموعها عن التهاوي

"حسك عينك تخالفيني في كلمة.. هاعرف كل حاجة وساعتها مش هارحمك" القاها أرضاً لتجهش بالبكاء في وهن "النهاردة أهلي هاقلهم ان احنا اتجوزنا، اياك أشوف بس نظرة اعتراض واحدة.. زي ما عاملة فيها بريئة وبتمثلي ابقي مثلي عليهم اننا مبسوطين وقوليلهم إننا في لندن ارتاحنا لبعض" نظر لها في تقزز واحتقار بعد أن تريث لبرهة

"هدومك كلها تاخديها من اوضتك وتجبيها هنا واياكي تلمـ ــسي حاجة منها غير بإذني وإلا هوريكي يعني ايه سواد!! وخاللي سنتك السودة دي تعدي على خير عشان أخلص من وشك المقرف وأنتي كمان تطلعيلك بقرشين يا كلبة الفلوس!!" بصق عليها متقززاً ثم توجه لغرفته بعد أن أزاح قدمها من الطريق بحذاءه لتجهش بالمزيد من البكاء مرة ثانية.

دلف هو غرفته ثم أوصد بابه ونظر لصورة ليلى بجوار سريره ليُمسك بالإطار وهو ينظر لها في آسف ثم آخذ يتحدث لها

"غصب عني.. أنا مقدرش اتجوز بعدك ولا أشوف ست غيرك.. أنا لسه بحبك يا ليلى، لسه أنتي الوحيدة اللي بقول عليها مراتي، لسه كل حاجة زي ما هي بس سامحيني.. مش هاقدر اسيبها تخرب على أختي ولا تستغل شاهي وأمي وزياد.. هي سنة وأوعدك مقربلهاش.. سنة وهتطلع من حياتي خالص.. متزعليش مني يا حبيبتي"

آسر الدموع بعينيه ثم أعاد الإطار لمكانه وتوجه لحمامه وهو يُفكر بالذي سيواجه به الجميع في المساء ثم تذكر أنه مزّق ملابس نورسين للتو ليسحق أسنانه غضباً ويقرر العودة للخارج ليبتاع لها ملابس جديدة.

❈-❈-❈

"يااااه أخيراً جيتو" صاحت شاهندة وهي تتوجه نحو نورسين وتعانقها "سيبهالي بقا يا بدر احسن محتاجاها تساعدني في حاجات" تحدثت شاهندة ثم لفجأة توقفت "ايه يا نور الفستان ده.. أنتي مكنتيش لابسة كده الصبح" ابتلعت نورسين في وجل ثم نظرت لبدر الدين

"شاهي.. تعالي محتاج أتكلم معاكي شوية" هنا تدخل لتتعجب أخته ثم توجها سوياً لغرفة المكتب

"ايه يا بدر فيه ايه؟!" سألته بقلق

"أنا اتجوزت أنا ونورسين" اجابها بهدوء لتتوسع عينا شاهندة في هلع من مفاجأة ما اخبرها به

"ايه!! أنت ومين؟! أنت بتهزر مش كده؟" صاحت به في صدمة ليومأ لها في إنكار "ازاي يا بدر تعمل كده؟ طب ارجع لحد مننا، ده أنا بعاملها زي بنتي.. ارجعلي أنا على الأقل" هوى جـ ــسدها لتجلس على الكرسي وهي لا تصدق ما أخبرها به للتو

"بصي يا شاهي أنا حسبتها.. هي بنت غلبانة وكلامك كان صح عنها واحنا في لندن حسيت إني مرتاحلها.. انتي وماما بتحبوها وهي ملهاش حد.. لما كلمتها النهاردة في الشركة حسيت بقبول منها واتجوزتها"

"أنت عارف يا بدر انها عندها عشرين سنة!! يعني أنت أكبر منها بتلتاشر سنة.. دي عيلة بالنسبالك.. وحتى لو كده أكيد نفسها في فرح زي باقي البنات وتتبسط و.."

"هي قالتلي إنه مالوش لازمة" قاطعها في ضيق

"بدر أنا مش شايفاك فرحان وأنت بتتكلم عنها، مش حاسة إنك سعيد باللي أنت عملته.. يعني مثلاً زياد لما!!" هنا توسعت عيناها في صدمة "زيااد!! زياد هتعمل معاه ايه وأنت أخوه وعارف إنه كان عايز يتجوزها؟!" قلبت كفيها ليزفر بدر الدين في حنق

"زياد صغير ومش عارف هو عايز ايه.. ده بيفضل بالأيام ميسألش عليها"

"وأنت بقا اللي عارف أنت عايز ايه وبتسأل عليها اوي؟!"

"يوووه يا شاهي.. أنا أخدت القرار وهي موافقة وخلصنا"

"يا بدر مينفعش اللي أنت بتعمله ده"

"خلاص بقا.. أنا قولت أقولك وخلاص قبل الكل عشان يكون عندك علم.. " ألقى بكلماته بملامح فارغة المشاعر ثم غادرها لتقع هي بالحيرة من أمرها..

❈-❈-❈

"عامل ايه يا فارس يا ابني.. ناوي تيجي امتى؟!" صاح كمال متحدثاً لأبنه

"وحشني يا بابا أنا تمام.. بس احتمال منزلش قبل أول السنة الجاية.. ما أنت عارف إني قعدت معاكو شهر أول السنة واسبوعين العيد ويادوب لسه راجع"

"يعني مينفعش تتصرف في اسبوعين اجازة كده ولا حاجة؟"

"لا والله يا بابا الموضوع هيكون صعب بالذات أنت عارف إن المهندسين هنا بيطلع عينهم.. وبعدين هو فيه حاجة ولا ايه؟ أنت كويس يا بابا أنت وماما واخواتي البنات؟" تعجب فارس في قلق شديد

"متقلقش يا ابني.. كلنا بخير، وحشتنا بس مش أكتر"

"وانتو يا بابا دايماً واحشني ونفسي أكون معاكو.. كلها سنتين تلاتة واجي استقر في مصر.. هانت يا حبيبي"

"ربنا يوفقك يا ابني.. ترجع بالسلامة إن شاء الله"

"يارب.. لو احتاجتو اي حاجة في اي وقت كلموني"

"ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي انت مش مخلينا محتاجين لحاجة.. خد بالك من نفسك يا فارس"

"حاضر يا بابا وسلملي على ماما كتير واخواتي.. هكلمهم لما اروح"

"طيب يا حبيبي.. لا إله إلا الله"

"محمد رسول الله" أنهى كمال المكالمة بينما صاحت به شادية زوجته التي لم تستمع للمكالمة بأكملها

"قولتله!! قالك ايه؟!"

"مقولتلوش ومحدش يجيبله سيرة.. أنا لما يجي هاعرف اتصرف معاه وأقوله بمعرفتي" أخبرها زوجها بلهجة لا تحتمل النقاش بينما شعر فارس بالتعجب من تلك المكالمة فأجرى مكالمة هاتفية لأحد الأشخاص حتى يُخبره بما يٌقلقه.

❈-❈-❈

"افردي وشك قدام الناس بدل ما ابهدلك قدامهم" همس لها ليقشعر بدنها من صوته واشتمت رائحة عطره القوية لتُجبر ابتسامة على شفتاها بينما لمحهم كريم بطرف عينه ونظر لهم في غل شديد.

اجتمعت العائلة وأولاد هديل والأقارب وتعالت أصوات الضحك والأغاني واندمج الجميع في الغناء مواكبيين الأطفال أيضاً وكالعادة كان بدر الدين يرتعب من الأطفال فابتعد لأحدى الزوايا ولكن عيناه الثاقبتان لم تفارق مراقبة نورسين.

شاهندة تحاول أن تبدو طبيعية ولكن ما أخبرها به بدر الدين منذ دقائق قد عبث بعقلها، أخذت تراقب نورسين ونظرت لها في صمت وتعجب وهي تريد أن تتحدث لها عما حدث بين أخيها وبينها، لابد من أن هناك شيئاً ما حدث ليتزوجا هكذا فجأة ولابد لها من توضيح عقلاني لتسرعهما هكذا، قررت أن تتحدث إليها ولكن لينتظر حديثهما لآخر الأمسية.

أمّا عن نورسين فقد تآكلها الإرتباك والخوف، نظرها لا يبارح الأرض، شاردة في عذابها الذي ينتظرها، تريد أن تصرخ، أن تعانق شاهندة وتخبرها بكل شيء، تخبرها أن كريم هو السبب وأنها لم تفعل شيئاً، تخبرها بما فعله بدر الدين عندما سافرا، تريد أن تحتمي بها من كل ما يحدث حولها، تود أن تعلم لماذا يحدث لها كل ذلك، ولماذا انقلبت حياتها رأساً على عقب بين ليلة وضحاها!!

"خلاص الشغل واخدك أوي كده ونسيتي زيزو" اقترب زياد منها لتُجبر هي ابتسامة على شفتيها ونظرت له

"بقا أنا برضو الشغل اللي واخدني ولا أنت اللي مش بتسأل عليا!!"

"لا في دي عندك حق.. بس تعرفي كان لازم اثبت لبدر إني راجل وأقدر اتحمل المسئولية واخليه ينسى كلمة إن أنا الصغير اللي ماسكهالي كل شوية.. فكان لازم اركز في الشغل.. وبردو كان لازم اعمل كل ده عشان أنا داخل على قرار مهم اوي في حياتي.."

"قرار؟!" ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب "قرار ايه.."

"طيب ما تيجي نتمشى برا شوية في الجنينة واحكيلك.."

"يالا" اخبرته بإقتضاب وهي تشعر أن عينا بدر الدين لا تتركها وكأنه حولها دائما في كل مكان بالرغم من أنها لا تعرف أين هو

توجها سوياً للخارج بينما تابعهما بدر الدين بنظرة الصقر خاصته وآخذ يراقبهما دون أن يلاحظ أياً منهما بل وأقترب حتى يستمع لما يتحدثان به..

"فيه ايه بقا يا زيزو قلقتني" صاحت له نورسين في تعجب

"بصراحة.. أنا عارف إن الكلام ده سابق لآوانه.. بس.. بس أنا بحبك يا نور وعايز اتجوزك" هنا توسعت عيناها وتوقفت حتى عن التنفس وآخذت تهز رأسها في انكار

"طبعاً بعد ما نخلص الجامعة" ازاد على ما اخبرها به بعد أن قرأ ملامحها ثم ابتسم لها ابتسامته تلك التي لا تقاومها الفتيات ونورسين تحاول التحكم في انفعلاتها ودهشتها

"بس.. بس.. أنا.." تلعثمت وهي لا تستطيع التحدث ليبتسم بدر الدين في انتصار

"مفاجأة مش كده؟!" تنهدت هي وهي لا تدري بم تخبره ولكنها استجمعت شجاعتها وتحدثت في النهاية

"زياد.. أنا طول عمري شايفاك صاحبي وأخويا.. أنت أحلى واحدة في الدنيا تتمناك.. أنا آسفة بس.." زفرت في قلة حيلة بينما عقد بدر الدين حاجباه وآخذ يتابع حديثها فهو توقع أن تُخبره أنها تزوجت للتو ولكن إجابتها على أخيه أدهشته تماماً "أنا آسفة لو حسستك بحاجة في يوم من الأيام غير اننا اصحاب واخوات!"

لم يتوقع زياد تلك الإجابة ولا تلك الكلمات التي تفوهت بها للتو واكفهرت ملامحه ثم شعر بالغضب وكل ما كان يُفكر به لسنتان بأكملهما قد ذهبا هكذا بمنتهى السهولة..

"فيه حد تاني يا نور مش كده؟!" نظر لها في حُزن

"لأ يا زياد ولا تاني ولا تالت" اجابته بمنتهى التلقائية "الفكرة إني.." تنهدت ثم ازاحت خصلاتها خلف أذنها

"أنا يا زياد شايفاك أخويا.. كان نفسي دايماً يكون ليا أخ زيك، أيام الجامعة كنت دايماً بحس بكده بس لما بناخد الأجازة كنت دايماً بتبعد عني ويا مسافر يا مشغول، ولما قولتلي الصيف ده اني هتدرب في شركتكم كنت مبسوطة عشان هكون جنبك، أنت عارف إن حياتي كانت فاضية ازاي، وكان نفسي اكون جنبك أنت ومريم، وحتى استنيت منكم انكو تكونوا جنبي بعد موت ماما الله يرحمها بس زعلت أوي منكم لأنكو مكنتوش موجودين!! أنا بعتذرلك مرة تانية بس والله عمري ما قصدت حاجة أكتر من كده" أومأ لها زياد ثم نظر لها نظرة عتاب وتركها ليتمتم بدر الدين لنفسه

"يا كدابة!! حرباية بتتلون بمليون لون!! بس لأ.. لو عملتي ايه كلامك ده كله مش هيأثر فيا!"

اتجه نحوها وشعور الغضب يتملكه وود لو اقتلع رأسها بيـ ــده، تلك الطريقة التي تتظاهر بها، تلك الكلمات التي قد يتعاطف معها أي أحد، كم بدت بريئة ولكنها مجرد أفعى!!

"كنتي بتقولي ايه لزياد؟" سألها بهدوء ليرتجف جــ ــسدها من صوته ثم التفتت لتجد بدر واقفاً خلفها واضعاً يداه بجيوب بنطاله وينظر لها تلك النظرة التي لطالما ارتعدت منها

"ده.. هو اللي كان عايزني" همست لينظر لها في غضب وقرأت من ملامحه أن تلك لم تكن اجابة سؤاله فتحدثت مسرعة خوفاً من غضبه "قاللي انه عايز يتجوزني بعد ما نخلص السنادي وأنا قولتله اننا اصحاب واخوات ومفيش حاجة ما بينا غير كده"

"وكدبتي عليه ليه؟! فجأة كده اتنازلتي عنه؟ مش ده اللي كنتي بترسمي عليه من زمان؟!" أخبرها بتهكم وسخرية لاذعتان

"برسم على ايه واتنازلت عن ايه؟!" ضيقت ما بين حاجباها في عدم فهم

"بردو تمثيل تاني!!" تجهمت ملامحه وهو ينظر لها بإحتقار "مقولتيلوش انك اتجوزتي ليه؟" ابتلعت عندما سمعت سؤاله وأخذت تُفكر وهي تحاول أن تجد إجابة داخل عقلها لا تعرضها لغضبه وتكون منطقية بنفس الوقت

"أأنت.. االلي قولت إننك.." تلعثمت لتراه يسحق أسنانه في غضب وارتبكت من ملامحه المُرعبة ليقترب منها ممسكاً بذراعيها

"انطقي يا قذرة" همس لها بين أسنانه الملتحمة وأنفاسه الممتزجة بعطره انهالت على وجهها وشعرت بالآلم من قبضتاه على ذراعها لتنظر له بأعين زرقاء خائفة

"أنت اللي قولت إنك هتقول لعيلتك الأول.. مرضتش اقول أنا قبلك، خوفت تتعصب عليا تاني" ظل ناظراً لها يخترق تلك الزرقاوتان بظلمة عيناه الثاقبتان وهو ينظر لها مُدركاً أنه قد أخبرها بذلك وأنها لم تُخطأ ليبتلع وآخذ يتفحصها في عدم تصديق لتآخذ نظرته مجرى آخر وود أن يعرف ما ذاك الشيء بعينيها الذي يجبره على إرادة النظر لها بلا توقف..

"ايـ ــدي أرجوك.. بتو جعني" همست له وهي مرتعدة من ملامحه المتجهمة وأنفاسه تلك تُربكها للغاية وتخيفها بآن واحد ثم لاحظت لين قبضته على ذراعيها ولكنه لم يبتعد من أمامها بعد..

لم يرى مثل تلك العينان أبداً بحياته، أحياناً تبدو عينان لطفلة وأحياناً تبدو كعينا أفعى مستغلة لا تكترث إلا بنفسها، ذاك الخوف الذي تصرخ بهما زرقة عيناها يُرضي الغضب بداخله، ولكن نظرة اللوم عندما تجتمع مع دموعها تقتله ألف مرة بداخله ويحارب كثيراً حتى ينتهي من ذلك الشعور..

أمسك بيـ ــدها، لامـ ـسها في لطف ولأول مرة تشعر بكم يـ ــده كبيرة واحتوت كف يـ ـدها الصغير ولن تُنكر أن هناك رعشة سرت بجـ ــسدها ولكن لا تدري ألمـ ـسته نفسها تؤثر بها أم مجرد الخوف منه كان كفيلاً بإفتعال تلك الرعشة، لربما هي خائفة، نعم هي تشعر بالرعب منه، أنفاسه تلك تُربكها وتخيفها أكثر من أي شيء فعله معها، لا تدري لماذا ولكن هذه هي الحقيقة، كلما أقترب للغاية منها شعرت بخفقات قلبها تتعالى دون أدنى تحكم منها..

"قدامي" آمرها بخفوت ثم ظل ممُسكاً بيـ ــدها بعد أن شعر أنه حدق بتلك الزرقاوتان أكثر من اللازم ودلف حيث الجميع ورآى نجوى والدته قد شارفت على إنهاء خطبة ما..

".. عشان خاطر بنوتي الدلوعة اللي بتمنى دايماً اشوفها مبسوطه مع ولادها وجوزها، تتربى في عزكم إن شاء الله يا حبايبي، مبروك ما جالكم" صفق الجميع ثم حضنت هديل زوجها وجففت الدموع بعينيها دون أن تُفسد زينتها

"بعد إذنك يا أُمي.." هنا تدخل بدر الدين ووقف أمام الجميع وهو يُمسك بيد نورسين التي لم تتوقف خفقات قلبها عن الإزدياد بفعل لمـ ــسته اياها

"أنا عايز أقولكوا كلكوا على حاجة وكويس إننا متجمعين النهاردة في مناسبة زي دي.. أولاً مبروك يا هديل وتتربى في عزكوا" اندهش الجميع لتدخله وبدأوا في ملاحظة تلك الطريقة التي يحتضن بها يـ ــدها بيـ ــده "ثانياً، أنا مش بعرف أتكلم اوي بس أحب أعرفكوا إني اتجوزت النهاردة"

ابتلع وهو يتمنى قتل نفسه على ألا ينطق تلك الكلمة بعد ليلى وبدأ الجميع في الفهم ونظر لهما كريم في صدمة تامة وغضب شديد بينما صاح زياد الذي لاحظ نورسين بجانبه وهو للتو قد رُفض منها

"اتجوزت مين؟! أنت.. أنت اتجوزتها هي؟!" صاح في غير تصديق وهو يشير لها "أتجوزت نور، نور اللي بحبها، اللي قولتلك انها هتكون مراتي في يوم!" هنا توجهت شاهندة نحوه وهي تشعر بالخوف وحاولت أن تمنعه أن يتحدث أكثر من ذلك أمام أنظار الجميع بينما نظر له بدر يتفحصه ثم ابتسم بإقتضاب وتحدث

"خد بالك كويس إنك بتتكلم عن مراتي واياك أسمع اي حد بيجيب سيرتها او خد يفكر يقربلها" توقف للحظة ونظر لكريم في تحذير ثم أعاد نظره لزياد "أنا وهي بنحب بعض ومفيش حاجة تمنعنا عن الجواز!" تريث لبرهة ثم أضاف "حبيت أبلغكوا بس.." أخبر الجميع ثم جذبها بخفة لتسير معه وكادا أن يغادرا تحت أنظار الجميع لتوقفهما نجوى وهي تُصيح

"نور!!" التفتت لها وهي تنظر لها في خوف "استني متمشيش.. أنا عايزاكي"




يُتبع..