-->

الفصل الثاني والعشرون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل



الفصل الثاني والعشرون

 

دلف بأنفاس متسارعة وملامح الغضب التى رآها الجميع طاغية على وجهه كادت أن تحرقهم بأكملهم ولأول مرة يراه إياد بمثل ذلك الغضب وكذلك أروى وشاهندة مثلهما هي الأخرى شعرت بالدهشة فهذا ليس سليم الذي تعتاده العائلة أمّا عن هديل فسرعان ما التحفت بالتحفز الشديد واستعدت لذلك العراك القريب ونظرت له لتبادله نظراته الغاضبة بنظرات عدم إكتراث وغضب مثله!!

"سليم يا حبيبي أنـ.." حاولت شاهندة البدأ في التحدث له حتى لا يتفاقم الموقف ولكنه حتى لم ينظر لها وسلط نيران غضبه الهاطلة من عيناه تجاه هديل وحدها

"بصي يا ست أنتي.. أنا طول عمري بحترمك وبعملك خاطر عشان بدر الدين الخولي، وبقول إنك كبيرة ومحترمة، إنما هتروحي تغلطي في أهلي في بيتهم مش هاسمحلك بكده أبداً" صرخ سليم منتهى الإنفعال وتشربت عينتاه بحمرة الغضب وقاطع شاهندة دون إكتراث 

"ما تحترم نفسك يا قليل الأدب.. جاي تتكلم عن الغلط وجاي تغلط فيا في بيتي" صرخت به هي الأخرى 

"بغلط فيكي عشان غلطي في أهلي.. اسمعي اما أقولك، واسمعوا كلكوا" رمق الجميع بنظرة خاطفة ثم سلط نظره عليها متناسياً أن الجميع لم يخطأ أياً منهم ولكن غضبه تجاه ما حدث أنساه حتى اسمه "بدر الدين الخولي ومراته وولاده وأي حد تحت سقف بيته خط أحمر.. اللي هيهوب منهم أنا ممكن أموته بإيدي!! سمعتوني ولا لأ؟!" صرخ بالجميع لتتوسع عينا شاهندة بينما ابتلعت أروى في خوف من تأثير هذه المُجادلة على علاقتهما التي ظنت أنها أخذت أولى خطواتها وإياد كاد أن يتدخل ليهدأ من غضبه ويعرف ما الذي حدث لكلماته تلك ولكن هديل نظرت له بسخرية بل وإستهزاء وضحكت ضحكة إستفزازية ليتعالى غضب سليم ورمقها الجميع في إندهاش 

"وأنت جاي بقا تدافع عن بابي بدر عشان يا عيني معرفش يدافع عن نفسه ولا خايف يجي يكلمني؟ امشي يا شاطـ.." وهنا قاطعتها شاهندة بمنتهى الحزم 

"هديل احترمي نفسك بقا.. أنتي نسيتي أنتي بتتكلمي عن مين؟!" 

"هاكون بتكلم عن مين يعني" التفتت لها لتقابها بنظرة غاضبة مستفزة "بتكلم عن بدر باشا اللي عاملكوا البحر طحينة وعايز يكحوش هو وابنه على كل حاجة.. الشغل وولادي وأختي وولادها، إنسان أناني وفاكر إنه هيقدر يتحكم فينا ورايح يضحك هو وابنه على عقل بنتي وابني.. فاكرني هسبله الجمل بما حمل، لا، نجوم السما اقربله.. دي فلوسي وفلوس ولادي اللي تعبت زيي زيه وأنا بكبرها.. بدل ما أنتي جاية تدافعي عنه فوقي.. فوقي لنفسك يا ماما.. ابنك رايح يخطب بنته عشان ايه؟ مش عشان بنته تنفذ اللي في دماغه ويسيطر هو وولاده على كل حاجة!! لو كلكوا مش فاهمين بدر أنا فاهماه كويس.. دخل بيتنا وقولت اهو اخونا وفتحناله بيتنا ولمناه من الزبالة اللي كان فيها وعاملناه احسن معاملة، نزل الشغل وتعب فيه قولت وماله اهو زيه زينا.. إنما فاكرها ايه بيورث ابنه على حياة عينه تعبنا وشقانا كلنا وكمان جاي يضحك على إياد وزينة.. كله إلا ولادي وتعبي!!! اللي هيقرب منهم أنا هاكله.. حتى لو كان مين!" 

نظرت لها شاهندة بمنتهى اللوم والإحتقار وهي حقاً لا تُصدق أن هديل بنفسها من يخرج منها تلك الكلمات وتعالت أنفاسها في غضب شديد بينما الجميع نظر لها بدهشة شديدة وقبل أن يرد عليها سليم الذي لن يتقبل تلك الإهانة على والده اندفعت هي نحوها ولم تجد سوى أن تصفعها بمنتهى القسوة أسفل نظر ابنها وابنتها وكذلك سليم وهي تنظر لها بإحتقار

"بقا أنتي يا هديل .. أنتي من بين وسط كل الناس جاية تقولي على بدر كده .. نسيتي وقف جنبك أنتي بالذات ازاي؟ نسيتي خلصك من كريم ازاي؟ كريم اللي مكنش فيه أقذر منه وروحتي حبتيه واخترتيه من وسط كل الناس ووافقنالك عليه عشان خاطرك وطلع أحقر واحد في الدنيا وبعده عنك وعرف ازاي ميتعرضلكيش أبداً جاية تقولي الكلام ده عليه؟! مش عارفة تفتكريله إن كان سبب أنه خلصك من كريم؟ كريم اللي حتى محترمش حرمة بيت أخو مراته واستحلها؟ نسيتي بدر اللي دايماً شايلنا احنا وولادنا؟ نسيتي بنتك اللي مكنتيش فاضيالها عشان طبعاً سيدة الأعمال.. المدير العام.. بتفضل الشغل على رباية ولادها، كانت مراته اللي أنتي هزئتيها في بيتها هي اللي كانت شايلاهالك!! 

مشوفتش بجد أسوأ منك أخت.. ياريت ماما بصحتها كانت موجودة وواقفة وسطنا دلوقتي بدل الراقدة اللي راقداها.. ياريتها كانت سامعة كل ده؛ كانت عرفت توقفك عن اللي بتعمليه.. ولا يا ريت كان بابا عاملك زي ما عامل بدر، كان فعلاً زمانك عايشة مرعوبة لغاية دلوقتي.." نظرت لها مجدداً بمنتهى الإحتقار بين أنفاسها المتوالية بعنف ثم تابعت 

"اياكي أسمعك بتقولي نص حرف على بدر ولا مراته ولا ولاده.. أنا اللي هتصدرلك يا هديل.. واسمعي لما أقولك، بدر أخونا راجل ومالهوش في حركات الستات.. إنما أنا أقسملك بالله لو جيتي ناحيته هو ولا ولاده ولا مراته ولا حتى ولادي هدمرك.." تحدثت بحرقة التأثر الشديد والآلم اللانهائي على كلماتها التي لا زالت تتذكر منها كل حرف 

"جاية تقولي إنك فاهماه كويس وجاية تقولي بيستغل ابني!! روحي افهمي نفسك الأول، روحي شوفي ولادك يا ماما، بنتك فين يا هديل؟! مين من ولادك قريب منك؟ فاهمة مين فيهم ولا حتى عمرك حاولتي تفهمي مين فيهم.. فرحانة اوي بتعبك وشقاكي.. فرحانة اوي بالماديات.. ابقي خاللي الماديات وتعبك وشقاكي تجبلك بنتك.. ابقي ادفعي فلوس لإياد عشان يقرب منك.. ولا أقولك.. روحي هاتي سنين شغلك دي كلها ووريني هتعملي بيها ايه ولا هتفيدك في ايه مع ولادك!!" رمقتها بإحتقار لمرة أخيرة "والله خسارة اننا لينا أخت زيك تقول علينا الكلام ده بعد العمر ده كله!" أخبرتها بلوم وإزدراء ثم التفتت نحو سليم لتتلمس كتفه في حنان ودفعته برفق حتى تنهي ذلك الجدال

"تعالى معايا يا حبيبي" 

"بس أنا لسه مخلصـ.."

"أكبر يا سليم لكلامي.. وكده كده متستاهلش أصلاً تحرق دمك علشانها" قاطعته ثم رمقتها بلمحة سريعة بمنتهى الإزدراء ليرمقها سليم هو الآخر بإحتقار وغضب وتوجه مع شاهندة ليزفر إياد وتوجه ليتبعهما ولكن صوت هديل أوقفه

"إيااد!! أنت رايح فين؟!" صرخت به في غضب عندما لاحظته يتبعهما ليتوقف والتفت لها زافراً بحرقة ونظر لها بخيبة أمل تنهال من عينيه بمنتهى الحُزن وقلة الحيلة 

"أرحميني بقا يا أمي.. أرحميني وبطلي اللي أنتي بتعمليه فينا.. رايح أشوف خالتي وابن خالي اللي هزئتيه هو وأهله.. متخيلة ايه يعني بعد كل اللي أنتي قولتيه؟ ولا متخيلة إني لما زعقتيلي هخاف زي ما كنت صُغير واسمع الكلام.. كفاياكي بقا اللي أنتي بتعمليه فينا كلنا.. أنتي مبتزهقيش زعيق؟ مبتزهقيش من دماغك دي اللي بتخليكي تشوفي كل حاجة غلط؟ مبتزهقيش من الدور اللي أنتي بتلعبيه ده؟ مفكرتيش مرة تكوني أم زي خالتي أو مرات خالي؟! ايه كل حاجة الشغل الشغل!! أنا زهقت وتعبت من اللي أنتي بتعمليه ده .. ارحميني وارحمينا بقا وسيبينا في حالنا.." رمقها بلوم ثم استكمل طريقه حتى يتوجه إليهما ليجد أن شاهندة وسليم انتظراه ولم يذهبا ليتفقد أعينهما ليجد شاهندة تنظر له بشفقة أمومية وآسى على حاله بينما غضب سليم امتزج بنظرات الإحتقار لعمته وكذلك بالآسى على حال إياد..

 

--

 




عكصت شعرها لأعلى ثم رمقته بزرقاوتيها جانبها وهو يقود بمنتهى السرعة الجنونية التي لم تظن أن رجل كشهاب الهادئ يستطيع أن يكون بمنتهى الرعونة وتلك الحيوية التي تفيض من بنيتيه القاتمتين..

فهو منذ أن أقترح عليها تلك الفكرة بسفرهما وقد تغيرت طريقته الهادئة تماماً ليتحول لرجل آخر جامح مُمتلِئ بالحياة وعدم الإكتراث عكس ما عهدته منه.

"ايه البصة دي بقا؟!" رمقها ثم أعاد تسليط نظره على الطريق 

"مستغرباك شوية" أخبرته بإبتسامة مقتضبة لينظر لها عاقداً حاجباه وملامحه بأكملها تدل على الإستفسار لتتنهد بعمق ثم تحدثت "يعني شهاب اللي معايا دلوقتي غير شهاب بتاع الإجتماعات والبيت وقدام عمي.. حساك واحد تاني" 

"بجد.. وايه كمان؟!" نظر لها نظرة خاطفة ثم أعاد تسليط نظره مجدداً على الطريق أمامهما ولم يكترث حقاً لماذا تجده غريب أو ما ذلك التغير الذي تلاحظه عليه بل أراد فقط أن يجاريها بذلك الحديث ليس إلا 

"بتسوق بسرعة.. بتضحك كتير.. لا لا مش شهاب اللي عرفته اليومين اللي فاتوا" هزت رأسها بإنكار وتوسعت ابتسامتها 

"ومين أحلى فيهم.. بتاع الإجتماعات ولا اللي بيسوق بسرعة؟" رمقها بمكر وابتسامة لم تراها على وجهه من قبل

"ممممم.. مش عارفة.. لسه هجرب أهو"

"مش هتندمي.. وانسي بقا شهاب بتاع الإجتماعات.. مش قولنا جايين نغير جو؟!" أومأت له بالموافقة وهي لا تزال تنظر إليه "خلاص.. سيبك بقا من كل القديم بكل اللي فيه وريحي أعصابك وركزي في إنك تتبسطي اليومين دول.. وأنا شايف بردو إن ده حقك بدل الخناق والنكد.. ولا إيه؟!" 

"عندك حق" ابتسمت له بإقتضاب ثم شردت بالطريق أمامها وللحظة كلماته طرقت بعنف على ثنايا عقلها لتبدده لأشلاء أحترقت تفكيراً وتذكُراً لبعض المصاعب المريرة التي مرت عليها بالحياة؛ كلماته كانت كالسحر على عقلها.. نعم هي تستحق العيش دون خلافات، دون تحكمات وجدال مع والدتها أو أختها، دون ذلك التفكير الذي يهشم عقلها وروحها بالعديد من الأسئلة التي لا إجابة لها..

تنفست بعمق لتأخذ قراراها بأن تستمتع وتترك كل شيء جانباً، لن تكترث سوى لآلامها التي تريد أن تناسيها، فقط تود أن تودع كل ما مر عليها في حياتها المشؤومة وستترك العنان لنفسها كي تتنعم بلحظات ولو قليلة من المتعة والسعادة، ففي نهاية المطاف سيأتي شيئاً ليُعكر كل ذلك الصفاء التي تود أن تحياه ولكن هذه المرة على الجميع الإذعان لها وأن يدعوها تنعم ببضع لحظات من الراحة والإبتعاد والنسيان لكل تلك المعاناة التي تتمنى أن تنتهي منها للأبد..

لقد طال صمتها، يكاد يُقسم أنه يستمع لصراعها الداخلي وهي بجانبه، ملامحها التي يلاحظها عن كثب بمنتهى التريث والهدوء، حقاً يبدو أن تلك الفتاة لا تدع كل ما تسمعه دون تفكير، أحقاً هي تفكر بكل كلمة هكذا؟! حسناً فهذا سيكون له مفعول السحر الأيام المقبلة وسيعرف كيف يسيطر على تفكيرها بالكامل خاصة وأنها ساعدته بتملك زمام الأمور بأكملها.. فلقد وافقت أن تكون معه، تخلت عن هاتفها بسهولة.. تناست تماماً أياً كان من وضعها بتلك الحالة التي كانت عليها منذ سويعات.. تركت حزنها لتستمتع بالمجهول دون تفكير منها، دون إكتراث لنوايا من أمامها.. حسناً هي بمثل تلك السهولة واللين كي يسيطر عليها أي أحد لديه القليل من الذكاء..

ابتسم بداخله بفخر شديد ومكر بعد إدراكه مجدداً أن اختياره كان صائباً، سيحقق ما أراده والده، سيصل لأهدافه، وسيريح تلك النزعة الإنتقامية بداخله التي لم ولن تنتهي أبداً تجاه هؤلاء الأطفال وكل من كان على شاكلتهم.. وبوجود تلك الفتاة بجانبه سيحقق انتصاراً آخر، لم يشعر بلذته من قبل، فتلك العاهرات .. بل وسلمى نفسها لم تشبع ذلك الجزء القاتم بداخله.. فلربما ستشبعه تلك الساذجة التي تجلس بجانبه غارقة في تفكيرها بسبب حفنة كلمات لم تهز به ولو شعرة واحدة بداخله!!

--

 




"نورسين.. افتحي الباب!!" آتاها صوته من خلف الباب لتجفف تلك الدموع المتهاوية من زرقاوتيها وتنفست بصعوبة بين شهقاتها التي سببها بكاءها ولم تجبه وسلطت نظرها على باب الغرفة لتتهاوى دموعها مجدداً في صمت وهي لا تصدق أنهما بعد كل تلك السنوات يواجها هذا الموقف الكريه..

"أنا آسف يا نورسين.. أرجوكي افتحي" توسلها وقد لاحظت هي بنبرته الترجي الشديد ليزداد انهمار دموعها ولكن لا يزال بداخلها شيء يمنعها بأن تهرع إليه مثلما تفعل كل مرة "أنا.. أنا عارف إني زودتها.. بس أنا.." تحشرجت نبرته لتوصد هي عيناها في آلم على حاله ولم تتوقف دموعها ولو للحظة

"أنا كنت خايف.. خايف لا أتعصب على هديل وأرجع الراجل اللي أنتي وأنا حاولنا نغيره من زمان.. كنت حاسس إن إيدي هتتمد عليها.. حسيت إن.." تريث لبرهة وهو لا يقوى على التحدث ليخر راكعاً أمام الباب "أنا حسيت.. أو شوفت سليم وهو بيبصلي.. شوفته زي ما يكون بيقولي أنت أسوأ أب في الدنيا.. إني .. إنسان حقير، أكيد زي ما بيشوف شهاب.." انهمرت دمعة مباغته من احدى عيناه وكانت تلك الأولى التي تبعها المزيد دون توقف 

"فاكرة يا نورسين لما كتير قولتيلي إني هاكون أب كويس؟ فاكرة أمّا كتير حاولتي تقربيني من سليم؟! فاكرة ازاي أنا كنت رافض إني أكون أب؟! أنا كنت صح.." أصبحت رؤيته ضبابية بسبب تلك الدموع ببعينيه السوداوتين "أنا طول عمري كنت حاسس إني هافشل.. كنت عارف ومتأكد إن سعادتي كان هايجلها يوم وتنتهي.. كنت دايماً بحس إني هاخسر سليم ووراه سيدرا وفي الآخر انتي كمان" حاول التنفس بصعوبة بين بكاءه الذي لطالما  آلمها أكثر من أي شيء آخر بالحياة ورغماً عنها وجدت قدماها تلقائياً تتجه  صوب الباب لتفتحه ونظرت إليه لتجد ملامحه التي رآتها من قبل وذكرتها بالعديد من الذكريات الحزينة التي ظنت أنها أنتهت منها للأبد ودفنتها بهوة عميقة تخيلت أنها لن تواجهها أبداً طوال حياتها..

"أنا كنت جبان تاني.. كنت جبان قدام أختي الصغيرة.. عمري ما هبطل أكون جـ.."

"بدر أرجوك كفاية" قاطعتها وجلست أمامه وهي تجفف دموعه بعيداً 

"أنا آسف مكنتش أقصد أتصرف معاكي كده بس أنا.. أنا كنـ.."

"خلاص.. حصل خير.." قاطعته مجدداً وهي تحاول أن تجد مقلتاه السوداوتان بين تلك الدموع التي لا تمقتأكثر من رؤيتها شيء بالحياة وحاوطت وجهه بين كفيها

"خير!!" همس متهكماً بين آلامه "خير إن أختي الصغيرة تشوفني بالمنظر ده وأنا مقدرش أواجهها بكلمتين؟! ولا خير إن سليم يشوفني إنسان قذر ويبعد عني بالمنظر ده؟!" نظر لها بقلة حيلة وحزن شديد وانهمرت دموعه أكثر وامتعضت ملامحه المتآلمة "ولا الخير إني أعاملك بالطريقة دي بعد العمر ده كله؟!" أومأ بإنكار وهو يحاول أن يُخفض يداها بقسوة وانهيار بآن واحد 

"عرفتي إني عمري ما هاكون كويس؟!" نظر متمعنا بزرقاوتيها بمنتهى التوجع وقست ملامحه في اشمئزاز شديد "اتأكدتي إني عمري ما نفعت أكون أب؟!" تحجرت الدموع بمقلتيه واشتدت يداه على كفيها ثم همس بحرقة "فهمتي  إني لما بعدت زمان إن ده كان الحل الوحيد؟ دلوقتي أهو شوفتي أنانيتي وصلتنا لفين.. بخسر ابني، وبخسرك، ومش بعيد أخسر بنتي وأنزل من نظرها.. وللمرة المليون بخسر نفسي.. أنا لازم أخرج من حياتكم وابـ.."

"لا يا بدر.. اياك!!" قاطعته صارخة وجذبت يداها بعنف من قبضتيه القاسيتين ثم جففت دموعها ونظرت له بهاتين الزرقاوتين الجريئتين اللتين لطالما فاضتا عشق خالص له "أنا عارفة إنك خايف ومرعوب.. عارفة إن كل اللي عرفته مخوفك من اللي جاي بس الهروب مش حل.. إنك تبعد وتختفي مش ده الحل.. إنـ.."

"لكن الحل إني أكون جبان قدام ولادي؟! الحل إني استنى أنزل من نظر سيدرا زي ما حصل ونزلت من نظر سليم؟! الحل إني أشوفهم بيبصولي وهما كمتأكدين إن أبوهم راجل قذر و.." قاطعها صارخاً ولكنها لم تدعه يُكمل ذلك الحديث المليء بالتشاؤم وقاطعته مجدداً بإصرار أكبر تلك المرة 

"الحل إنك تواجه!! واجه سليم يا بدر، احكيله كل حاجة.." نظر لها مشدوهاً بما تخبره به "واجه عشان لو هتواجهه بحقيقتك القديمة وبمرض اتعالجت  منه يسامحك ويفهمك.. لكن إنك تهرب وتكون جبان في نظره ده مش حل وأكتر حاجة هتنزلك فعلاً من نظره إنك تهرب ومتبقاش قد المسئولية" التقطت أنفاسها المتسارعة ونظرت له بتصميم لتتابع 

"سليم ابنك اللي بيعذر وبيفهم الكل.. الحنين.. تربيتي أنا وأنت وليلى.. تفتكر مش هيفهمك؟! تفتكر مش هيستوعب كل اللي حصل.." زفرت ثم اقتربت بكفها لتحاوط به جانب وجهه ونظرت له حتى تجعله يطمئن "واجهه يا بدر وأنا معاك.. متخفش يا حبيبي.. لكن أرجوك أفهم إن الهروب والبُعد مش حل.. زي ما كان زمان مش حل عمره ما هيكون دلوقتي حل.." 

ابتلع في خوف وهو ينظر لها كالضائع بين زحام آلامه القديمة وأوجاعه الأصعب التي تفاقمت بغتة وآتت من اللاشيء، فها هي حبيبته التي أزاحت الغُمة يوماً ما بيديها تجلس أمامه وتحُثه على أكثر ما خشاه بحياته، وها هو عقله اللعين يُخبره مجدداً بأن يبتعد ولكن تلك المرة إن فعلها يعلم أنه لن يشعر بالأمان أبداً ولو للحظة واحدة طوال سنوات حياته القادمة!

--

 

 




"ايه يا شهاب بتبصلي كده ليه؟!" تعجبت نظرته التي تتفحصها وكذلك بنيتاه القاتمتان اللاتي تتفحصاها وصمته الذي طال عن المألوف "طب بص.. أنا فعلاً هدخل أغير و.."

"شكلك حلو اوي بجد.. فعلاً اللون الأسود بيليق عليكي.." نظر يتفقد كل أنملة بها بتلك النظرة التي أعتاد أن ينظر بها يوماً ما ليعقد حاجباه بإنزعاج تلقائياً لمجرد تذكر تلك اللحظات التي مرت عليه يوماً ما ونهض نحوها ثم أشار خلفها لتستدير للمرآة وحدق بعينيها خلال المرآة ولكن عقله قد ذهب لمكان بعيد كل البعد عن مكانهما المتواجدان به سوياً هو وزينة "بس شوفتي التفاصيل نفسها، أحلى مليون مرة من الـ Style القديم.. نفس الألوان بس مبينة جمالك أكتر"

"شكراً يا شهاب بجد.. فعلاً كنت محتاجة وقت زي ده ومجاش في دماغي خالص فكرة الـ Shopping" ابتسمت له بإمتنان ليقابلها هو الآخر ولكنه ابتسم بإقتضاب ولا يزال محدقاً لزرقاوتيها بالمرآة 

"أكيد كنا هنحتاج نشتري هدوم.. ولا نسيتي أننا جينا هنا من غير ما نجيب أي حاجة معانا.." أخبرها وطال تحديقه بطريقة غريبة لتتعجب زينة من وقوفه خلفها بتلك الطريقة كما أن نظرة عيناه تغيرتا كلياً ولأول مرة تراه ينظر لها هكذا..

لم تدرك هل هو شارد، أم تلك نظرات إنزعاج، وما الذي قد جعل ملامحه تنزعج هكذا من العدم!! فكل ما يحدث بل وكلماته التي يتفوه بها لها لا تناسب ملامحه المنزعجة الغاضبة بهذا الشكل..

"حضرتك يا فندم أجهزلك كل الهدوم اللي أخترتيها ولا فيه حاجة مش عاجبة حضرتك أو محتاجة ابدلهالك؟!" صاحت احدى الفتيات اللاتي تعمل بمتجر الملابس لتلتفت إليها زينة وأخرجت شهاب من تلك الحالة الغريبة من الشرود 

"لا تمام هاخدهم.. شكراً اوي" ابتسمت لها ثم أمسكت بحقيبتها كي تخرج احدى بطاقات الإئتمان الخاصة بها ولكن كان هو أسرع عندما أعطى للفتاة بطاقته بإبتسامة مقتضبة لتتعجب زينة ونظرت له مضيقة ما بين حاجبيها

"شهاب أرجوك أنا مبحبش حد يدفعـ.."

"مش أنا اللي أخترت الهدوم.. أعتبريهم هدية بقا!" ابتسم لها بإقتضاب مجدداً بعد أن قاطعها "يالا أنا هستناكي برا" أخبرها ثم غادر غرفة القياس وتوجه للخارج وقد تضاربت العديد من الذكريات برأسه  فهو لم يفعل مثل تلك الأشياء سوى مع واحدة فقط، ليلعن نفسه لتذكره مثل تلك اللحظات التي جمعتهما سوياً!

تعجبت لتصرفه الأخير فهي لم يسبق لها تلقي الهدايا من قبل بمثل تلك الطريقة لتشرد لثوانٍ ولا تدري لماذا ذهب عقلها لتذكر سليم!! لماذا تقارن بينهما على كل حال؟! لماذا تسأل نفسها لو كان سليم فعلها هل كانت ستقبل أم كانت ستقابله بالرفض مثلما أوشكت على إخبار شهاب الذي لم يترك لها فرصة وقاطعها فوراً!

نفضت ذلك التفكير بعيداً وحاولت إقناع نفسها أن هذا  كان من باب اللباقة ليس إلا؛ فهي قد وعدت نفسها أن ستتخلص من تلك الأسئلة والتفكير ليومين وستحاول الإستمتاع قدر الإمكان ولن تكترث لصوت عقلها ولا لأية أفكار حتى تصفي ذهنها تماماً من كل تلك المشاحنات..

 

--

       

 

"خلاص يا مامي اهدي.. سليم اهو مشي وإياد راح يدور على زينة.. معلش.. طنط شاهي أنا عارفة مكنش ليها حق إنها تقول الكلام اللي قالته ده" تحدثت أروى لوالدتها التي لا تزال مستشيطة غضباً من كل ما يحدث ورمقتها بدورها بإنزعاج شديد وقد أدركت أروى أن قد أقترب دورها في تلقي المزيد من اللوم فسارعت هي بالحديث "بس بردو مكنش ينفع تتخانقي مع خالو دلوقتي.. بالذات إن يعني أنا وسليم قربنا من بعض أوي في الكام يوم اللي فاتوا دول" نظرت لها هديل مضيقة ما بين حاجبيها في استغراب وتعجب لتتابع أروى

"بقا بيسمعني.. واستنى علشان خاطري لما قولتله إني تعبانة ومش قادرة أسافر.. كل كلمة كنت بقولهاله كان بيفكر فيها كويس أوي وبيدردش معايا كتير على عكس ما بنكون في الشغل طول النهار.. فتخيلي يا مامي لو سليم اخد اي خطوة ناحيتي وحضرتك وخالو فيه ما بينكم خناق.. ممكن الموضوع ميعديش وخالو يرفض ارتباطنا أنا وسليم" نظرت لها بعنتين تصنعا الآسى 

"يعني كنتي عايزاني اسيبله أختك كده و.."

"يا مامي اكيد لأ" قاطعتها وهي تتلمس يدها ثم تنهدت في سأم وانزعاج اخفتهما ببراعة "أنا عارفة إن معاكي حق طبعاً.. بس معلش علشان خاطري وعلشان خاطر اخواتي حاولي تصالحي خالو، وأنا معاكي في انها تروح عنده كل شوية ده مش صح وان هنا بيتها ومكانها جنبنا وجنب حضرتك بس أنا هاتصرف معاها"

"هتتصرفي معاها ازاي يعني؟!" ضيقت عيناها في استفسار وهي تتفحص ملامح ابنتها 

"عادي يعني يا مامي.. هديها شغل كتير هتبعد بيه عن خالو وسليم ويادوب هتيجي تروح على هنا.. هحاول ابينلها إن طريقة سليم وخالو إنهم عايزين كل حاجة تحت عينهم وان احنا مش مهمين عندهم لغاية ما هتفهم واحدة واحدة.. أنا عارفة إني أنا وزينة عمرنا ما كنا قريبين من بعض لكن أنا هحاول.. ولو ملقتش منها استجابة أكيد هقولك"

نظرت هديل في غير اتجاه أروى ولا تزال منزعجة من كل ما يحدث حولها كما أن شعورها بعصيان ابنتها الصغيرة التي تشابه والدها بكل شيء بل وتتصرف مثلما كان يفعل، فها هي تختفي دون أسباب ولا أحد يعلم ما تفعله مثل والدها تماماً..

"معلش يا مامي حاولي تكلمي خالو بكرة وأنا هستأذنك أقوم أريح شوية عشان أكيد بكرة فيه شغل" أومأت لها هديل بإقتضاب دون النظر إليها لتتوجه أروى خارج الغرفة..

"مفيش غير إن زينة تكره تروح بيت خالو خالص .. هو ده الحل.. وكمان لازم تبعد عن سليم!! بس ازاي!! سليم عمره مثلاً ما كان ليه علاقة مع بنت إلا وكلنا نعرفها، ودايماً بيتصرف صح قدام الكل.. ازاي اخليها تبعد عنه بس!!" أخذت تفكر كثيراً ما هذا  الشيء الذي إذا رآته زينة أو عرفته قد يجعلها تكره سليم للأبد..

جلست على سريرها وأخذت تفكر بتمعن شديد ولكنها لم تجد الحل بعد وقد بدأت في الغضب من تلك الصغيرة التي تظن أنها ستنتصر عليها بتلك العلاقة مع سليم لتبتسم في خبث ثم تناولت هاتفها لتتحدث لعاصم ولكنه لم يجبها فقررت التحدث لإياد

"عرفت توصل لزينة؟!" تحدثت وهي تتصنع اللهفة التي تعجب لها إياد 

"لا!" اجابها بإقتضاب لتحاول أروى تبادل الحديث معه مرة ثانية

"أصل مامي قلقانة  ومضايقة اوي و.."

"أروى .. أنتي عايزة ايه بالظبط؟!" قاطعها وهو حقاً لا يُصدق ذلك الإهتمام الذي تدعيه اخته

"أكيد عايزة اطمن بردو بدل ما ماما لسه متضايقة.."

"لسه معرفتش اوصلها.. ولما أوصلها هابقا اقولكوا"

"طيب.. جرب كده تكلم سليم أو خالو.. هما ممكن يكونوا يعني عارفين هي فين أو تكون راحت لخالو تاني" أخبرته ليزفر إياد بإنزعاج ولكن كلماتها كانت تبدو منطقية 

"ماشي اقفلي وأنا هاكلم سليم.. سلام" أنهى المكالمة مسرعاً فهو لا يزال مستاء بشدة من كل ما حدث وخاصة كلمات والدته أمام الجميع اليوم لم تكن سوى جنون تام قد يدمر العائلة بأكملها!






--

 

"وأنت من أهله" ابتسمت له ثم وصدت باب غرفتها بهدوء لتزفر براحة شديدة بعد أن شعرت بأنها قد قضت يوماً من أمتع الأيام بحياتها إن لم يكن الأمتع على الإطلاق..

 

نظرت لنفسها مرة أخرى بالمرآة فهي لم تعتاد تلك الملابس الضيقة التي تبرز مفاتنها، تبدو مختلفة كلياً، خارجياً وداخلياً.. حقاً كان عليها قضاء عطلة مثل هذه منذ الكثير من الوقت..

تفقدت الغرفة حولها لتتعجب من مدى اتساعها وتفاصيلها وكذلك تعجبت من امتلاكه لمنزل آخر هنا ولكنها لم تكترث حقاً بداخلها سوى لتلك السعادة التي انتشلتها من أفكارها السوداء التي لا تنتهي..

رمقت دفترها الأسود التي ودت أن تقص به العديد من تلك الأفعال المجنونة التي دفعها شهاب لفعلتها، فمن كان سيظن أن زينة الفتاة الهادئة التي كانت تجلس أمام النهر بصحبة دفترها وذكرياتها الموجعة ودموعها الحزينة تستطيع الركمجة وقيادة تلك الدراجات المائية بجموح بل وارتداء ملابس البحر التي تكشف أكثر ما تظهر وبالرغم من كل ذلك لم تشعر بالغرابة..بل شعرت بالمتعة والإنطلاق..

توجهت للشرفة التي تطل على مساحة خضراء منمقة وأشعلت احدى سجائرها لتستنشقها بتريث متنعمة بذلك الهدوء المصاحب لنسيم الليل الناعم ووصدت عيناها لتباغتها شفتاها بإبتسامة لشعورها بالحرية الشديدة التي لم تشعر بمثلها مع أحد سوى مع شهاب..

الوحيد الذي تعاملت معه ولم يفرض عليها شيء.. نعم لقد شعرت بإقترابها يوماً ما من نفس تلك الحُرية والإنطلاق مع سليم ولكن تذكرت للحظة أنه ابن خالها الذي قد يقص ذلك لإياد، أو ربما لخالها نفسه فهو صديقه بالنهاية، بالرغم من عشقها لسليم الذي أعترفت به وأذعنت به لنفسها ولكنه كان يحاول التحكم بها بطريقته، التشيلو، تلك الهدايا التي ذكرها عن طريقها بزينة القديمة، وحديثه نفسه الذي لا يخلو أبداً من تلك الذكريات التي تعتبر سعيدة ولكنه يذكرها مراراً وتكراراً بمن كانت وهذا أكثر ما تريد أن تتخلص منه!!

لم تفتح عيناها إلا عندما شعرت بإقتراب لهيب السيجارة من اصبعيها، يبدو وأن التفكير بالماضي قد جعلها تشرد تماماً ولا يأتي من خلفه إلا الآلام.. تخلصت من السيجارة بسرعة ثم انزعجت ملامحها مرة ثانية وهي تقع ببؤرة من الحيرة لتفكيرها بسليم مرة أخرى وكذلك تعود للمقارنة بينه وبين شهاب 

"يمكن علشان حاسة إن الاتنين بيحاولوا يبسطوني.. بس لأ أصلاً مينفعش أقارن بينهم.." دلفت وهي ترمق دفترها مرة أخرى وودت لو هرولت إليه كي تقص عليه تفاصيل اليوم بأكمله بمصاحبة العديد من الأسئلة التي تلح على عقلها دون إنقطاع ولكنها منعت نفسها بصعوبة وتوجهت للسرير فهي منهكة مما فعلته اليوم ولكنها ستنم براحة شديدة دون التفكير فيما سيحدث غداً..

"معلش يعني.. بس طظ في أي حد وكل حاجة.. أهم حاجة تكوني مبسوطة وتريحي أعصابك شوية وكالعادة هيتكلموا شوية ويسكتوا.. مش مهم مين يضايق، ومش مهم الكلام اللي هيتقال.. أنتي كبيرة ومن حقك تعملي اللي أنتي عايزاه"

تذكرت احدى كلمات شهاب لها اليوم لتبتسم بإقتضاب ثم رددت داخلها "فعلاً.. طظ في اي حد" وصدت النور الجانبي ثم وصدت عيناها وبداخلها تتمنى أن غداً سيكون أفضل..

--

 

 




توجه للأعلى حيث غرفة بدر الدين وهو يجر قدماه خلفه بصعوبة وآلم ولا يدري كيف سيواجه أباه وكيف ستكون حالته، فهديل بمنتهى السهولة قد تحدثت أمامه هو بتلك الطريقة، فما بال والده؟ وما الذي أخبرته به؟

حاول أن يهدأ كثيراً بعدما ترك منزل العائلة، حاول العثور على زينة بعدما بحث عنها طوال اليوم.. أين ذهبت؟! وكيف حالها؟ ألا يستحق حتى معرفة أين ذهبت؟! رسالة أو مكالمة فقط لتطمئنه على حالها.. كيف لها أن تفعل به ذلك؟! لماذا لم تترك لديه سوى إبلاغ السلطات عن فقدها؟! أحقاً تركت الجميع هكذا حتى هو لم تفكر به وقررت الإختفاء هكذا فجأة؟!

وما الذي تحدثت به عمته شاهندة اليوم؟! ما الذي فعله والده مع زوج عمته السابق؟ وما الذي تعنيه عمته بتلك الكلمات؟ يتذكر كل حرف تفوهت به.. يتذكر كل شيء ولم يرد السماع سوى من والده!! 

"بابا.. أنت صاحي" صاح من خلف الباب بعد أن طرق عليه بخفة ليرفع بدر الدين وجهه الذي دفنه بكفيه المتكئتان على ركبتيه وحدق بزوجته وهو جالس على الأريكة وهو يشعر بالرعب من تلك المواجهة  

"روح واقعد واتكلم معاه يا بدر.. متخفش.. سليم عاقل وهيفهمك وهيقدر الظروف" همست له بعد أن هرولت نحوه وتلمست يداه في حنان لتطمئنه ونظرت له بتأكيد انهال من زرقاوتيها ليقترب هو وقبّل جبينها 

"ايوة يا سليم صاحي.." أخبره ثم نهض وتوجه نحو الباب ليفتحه وحدق بوجه سليم الذي سيطرت عليه الجدية الشديدة والحزن والإرهاق والأسوأ.. الكثير من الأسئلة التي يرتعب منها بدر الدين.. فهو إلي الآن لا يُصدق أنه سيواجه ابنه بحقيقة ساديته وسيخبره أنه كان مثل ذلك المدعو شهاب يوماً ما..

أمّا الآخر فتفحص ملامح وجه والده وازدادت عقدة حاجباه، فهو حقاً لا يدري ما الذي حدث حتى تتجهم ملامحه للغاية هكذا، ولا يعرف كيف سيسأله عما يريد معرفته عن زوج عمته السابق.. هل ملامحه هكذا من مواجهة هديل، لربما عرف شيئاً عن اختفاء زينة كذلك، أو لربما هناك شيئاً آخر.. فتلك الملامح التي يراها بعينيه الآن لم يراها من قبل طوال حياته تعتري وجه والده بهذه الطريقة..

"مالك يا بابا شكلك عامل كده ليه؟! موضوع عمتي اللي حصل الصبح ولا فيه حاجة حصلت تاني؟" همس سائلاً بإهتمام بعد أن طال الصمت وتلك النظرات الغريبة بينهما وتريث سليم لإستماع إجابة والده..

 

يُتبع..