-->

الفصل الثالث والعشرون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل


الفصل الثالث والعشرون

 

تنهد بدر الدين بعمق ثم التفت لينظر إلي نورسين التي نظرت له مجدداً تلك النظرة الداعمة ليبتلع في خوف من تلك اللحظات القادمة بينه وبين ابنه وقد أدرك أنه لن يستطيع الهروب منها أبداً..

"تعالى يا سليم نتكلم تحت.. فيه حاجات كتير عايز أقولهالك" تحدث وقد لاحظ سليم نبرته التي لا تبدو بخير أبداً ولأول مرة يشعر بأن والده ليس غاضب، وبالطبع هو لا يمزح.. هناك شيئاً مختلف خلف تلك النبرة الغريبة.. وكل ما تمناه هو ألا يكن الأمر متعلقاً بعمته هديل، وإلا لن يتوانى عن قتلها لو رآها أمامه، فهي حقاً قد أوصلته لتلك الدرجة من الكراهية لها بعد ما فعلته اليوم!

أومأ له ليسيرا سوياً وتوجها للأسفل، بالرغم كل ما يريد سليم أن يعرفه إلا أنه يريد الإطمئنان أولاً على والده فملامحه لا تزال غريبة عليه تماماً ويريد أكثر من أي شيء معرفة ما الذي دفع والده ليصبح هكذا..

أمّا عن بدر الدين فهو يدرك أنه يخطو نحو المجهول، لربما ستنتهي علاقتهما للأبد بسائر كل ما سيعترف له به، ولربما سيتفهم كما أخبرته نورسين، حقاً لا يدري ولا يعرف.. ولكن أليس هذا واجب الأباء؟! أليس عليهم أن يستمروا في الصعود على ذلك الدرج من القيم والأخلاق التي شيدوها أمام أبناءهم.! حسناً.. هو يشعر الآن ولأول مرة بهشاشة تلك الدرجات أسفل قدماه ولا يدري لماذا ولكنه يشعر وكأنه سيهد كل ما شيده بيداه وسيخسر ابنه للأبد..

"مش هتقولي فيه ايه؟!" سألهسليم بعد أن نفذ صبره فهو فقط توقع أن والده لا يريد التحدث أمام والدته ليس إلا

"مش هتقولي أنت الأول وصلت لإيه عن شهاب؟!" تحدث أخيراً سائلاً بعد أن طالت نظرته لسليم واعتراه هدوء مريب جديد من نوعه لم يراه به ابنه مُسبقاً!

"شهاب؟!" صاح بسخرية "شهاب ايه بس دلوقتي.. بابا أنت ايه اللي حصل بينك وبين عمتي أنا عايز أفهم.. هي كلمتك تاني بعد  ما أنا ما روحتلها؟!" سأله بعصبية تعجب لها بدر الدين وكل ما خاف منه بدأ في التبدد شيئاً فشيء 

"أنت روحت لهديل؟!" تعجب وهو يتفحص ملامح ابنه الغاضبة

"ايوة روحت.. كنت فاكرني كده هعدي الموضوع يعني.. بس المصيبة إننا لسه مش لاقيين زينة وأنا كلمت حد أعرفه في الداخلية عشان يساعدنا.. بس أنت فهمني ليه شكلك عامل كده؟" حدثه بجدية مبالغ فيها وقد قرأ الإهتمام الشديد بعينيه ليبتسم نصف ابتسامة وشعر كم هو محظوظ لإمتلاك ابن مثله "يا بابا فهمني مـ.."

"مفيش يا سليم!!" قاطعه بإنزعاج بعد الحاحه مجدداً وأخفى الحقيقة تماماً "هديل بس جت وفتحت في القديم وفكرتني بحاجات كتيرة وكمان كلامها عن نورسين قدامي ضايقني.. وكان عيب اوي بعد العمر ده كله اسمعها كلام أو اعمل معاها تصرف يفرق ما بينا الكام سنة اللي فاضلين في حياتنا.." حاولإقناعه بتلك الكلمات التي تفوه بها ولكن رآى ملامح سليم تتغير وازدادت عقدة حاجباه ولكنه لم يتوقع أبداً التالي

"بمناسبة القديم.. بابا أنت عملت ايه مع كريم بالظبط؟ وايه اللي حصل ما بينه وبين عمتي خلاك تبعده عنهم؟! أنا سمعت النهارجة كلام غريب أوي من طنط شاهي.. ممكن تفهمني فيه ايه؟" 

هنا تيبس جسد بدر الدين.. لم يكن يظن أنه سيسأل عن كريم الآن.. كيف سينظر له إذا أخبره الحقيقة؟ وهل عليه حقاً إخباره الحقيقة بأكملها وما حدث تماماً وماذا سيكون رد فعله عندما يكتشف ما فعله والده منذ سنوات عديدة؟!

 

 

 

--

        

 

"ايه يا إياد كنت فين كل ده ومردتش عليا ليه؟!" هرولت أروى نحو إياد الذي دلف المنزل للتو ولكنه رمقها في إنزعاج ولم يعرها إهتماماً يُذكر وأكمل طريقه نحو الأعلى "أنا مش بكلمك؟! لقيتوا زينة ولا لأ؟!" صاحت به ليزفر في امتعاض ثم التفت لها

"مش عارف من امتى بقيتي مهتمة بزينة اوي كده.. ولا حتى من امتى سيدة الأعمال العظيمة هديل الخولي اللي بعتاكي بتهتم بس لأ.. ملقيتهاش.. ارتاحتي؟! سيبيني أطلع أنام بقا!" تحدث لها ساخراً وكاد أن يُكمل طريقه لتوقفه 

"مش أنت قولتلي هتكلم سليم وتـ.."

"سليم مبيردش.. واستحالة كنت أروح بيت خالي ولا حتى اكلمه لأني مش عارف هقوله ايه.. وسواء خالي ولا ابنه ليهم حق ميبصوش في وش حد فينا بعد الكلام اللي سمعوه النهاردة" قاطعها بنفاذ صبر "خلاص عرفتي التقرير.. اتفضلي روحي انقليهولها وسيبيني في حالي.."

"اياد أنا والله مقصدش اي حاجة، ومهما كان احنا في الآخر أخوات.. أكيد يعني لو حد جراله حاجة هزعل عليه" حاولت التظاهر بالحزن عكس تلك الفرحة التي غمرتها بعدم عودة زينة فهي تخلصت منها مؤقتاً ولكنها لا تزال تحمل بعض الخوف ما أن عادت مجدداً لمنزل بدر الدين، فهي إن عادت ستقضي الليلة مع سليم "معلش.. أنت أقرب واحد فينا لسليم، وهو أكيد بكرة هيروح الشغل.. اقعد اتكلم معاه يمكن يكون عرف عنها حاجة"

"طيب.. سيبيني أنام بقا" تحدث بين أسنانه وهو حقاً لا يريد التحدث مع أحد أياً  كان من هو..

"ماشي.. تصبح على خير" أومأ لها وهو لا يُصدق بداخله أنها حقاً تحمل بعض مشاعر من إكتراث وخاصة تجاه زينة وأكمل طريقه للأعلى ليلتقي في طريقه بأسما التي أقتربت منه بملامح حزينة ونظرة إهتمام حقيقية عكس كل ذلك الزيف الذي رآه منذ قليل 

"حمد الله على سلامتك" همست له لينظر لها في اشتياق شديد

"الله يسلمك.." شرد بعينيها وقبل أن تتفوه بأي من الأسئلة التي قد أكتفى من سماعها طوال اليوم سألها "ايه اللي مصحيكي لغاية دلوقتي؟!" 

"بصراحة كنت مستنياك وعايزة اطمن لقيت زينة ولا لأ؟!" أخبرته بإبتسامة مقتضبة تلائم ذلك الجو العاصف الذي خيم على المنزل منذ الصباح 

"كنتي ممكن تتصلي.. مكنش لازم تسهري وأنتي عندك جامعة الصبح" أخبرها هامساً وشرد بعينتيها العسليتين مرة أخرى لترتبك هي أمامه 

"كنت بردو عايزة اطمن عليك.. وعايزة أقولك معلش.. أكيد اللي حصل ضايقك و.."

"أرجوكي بلاش" نظر لها بلوم وانزعجت ملامحه بعد أن قاطعها لتومأ هي له في تفهم 

"إن شاء الله كل حاجة هتكون احسن.. وهتلاقي زينة.. وكله هيكون تمام.. أرجوك متضايقش" نظرت له بإهتمام ليبتسم لها بإقتضاب وتسللت السعادة لإكتراثها ذلك من أجله وأقترب منها دون شعوره حتى ولكن كل ما أراده هو الإقتراب منها بأي طريقة ممكنة والتفت يداه حول خصرها ليثبتها كي لا تستطيع الفرار

"إياد أنت بتعمل ايه؟. مينفعـ.." لم تكمل حديثها عندما شعرت بملامسة شفاهه لجبينها في قبلة ناعمة للغاية ثم فرقها لتلتقي أعينهما وقد رآى تورد وجنيها وخجلها الواضح 

"متسهريش تاني علشاني كده.. تصبحي على خير يا حبيبتي" أخبرها بإبتسامة ونظرته المطولة تلك جعلتها تنظر نحو كل شيء سواه هو 

"وأنت من أهله" أخبرته مسرعة وهي تفلت من يداه على خصرها لتتوسع ابتسامته على خجلها وظل ينظر نحوها حتى اختفت عن عينيه لتتلاشى ابتسامته ويحل محلها ملامح منهكة ورأس لا تكف عن التفكير وقلق لا نهاية له على اخته الصغيرة وهم أبدي لا ينتهي أبداً فحمل تلك الأعباء بأكملها وتوجه لغرفة نومه متمنياً أن يستطيع يوماً غلقاء كل ذلك الحمل من على كتفيه والتخلص منه يوماً ما..

 

 

--

      

 

"يمكن عمري أنا ونورسين ما جبنا سيرة اتجوزنا ازاي، ولا لينا صور فرح زي باقي الناس.. بس ده كان السبب.. أنا كنت قلقان على عيلتي كلها وشكيت فيها، بس مع الوقت عرفت الحقيقة فين، واظن بعدالفيديو اللي انت شوفته مكنش كريم ينفع يكون في وسطنا ولو ثانية..

خاين وحرامي ومش فارق معاه انه راجل وعند أولاد وأسرة.. ولا حتى فرق معاه وقفة هديل جنبه.. مكنش ينفع غير اني ابعده بأي طريقة ممكنة عن حياتنا" تريث بدر الدين وهو يقرأ ملامح الصدمة على وجه ابنه لينهض هو ثم سار بالغرفة قاصداً أن يوليه ظهره حتى لا يلمح أية ملامح على وجهه

"بكل بساطة هددته اني هعمله قضية.. قضية اختلاس ومعايا إثبات الفيديو، غير كمان قضية الاغتصاب اللي كانت هتدمر سمعته.." ازدرد بدر الدين وشعر بالمرارة الشديدة اثر تذكره ما حدث منذ سنوات عديدة ولكنه تابع "كريم كان خبيث، كان ذكي، كان فاكر إن صعب حد يوقف قدامه، بس لما وقفتله واتهدد وعرف إن اللي ممكن اعملهوله ده هيدمر سمعته وحياته مشي بهدوء" عقد حاجباه في انزعاج وكل كلمة يتفوه بها كانت بمثابة نصل سكين يُغرس بقلبه للكذب على ابنه بتلك السهولة فهو إلي الآن لا يستطيع إخباره بالحقيقة كاملة..

فما فعله مع كريم ويسري بتلك الليلة التي لا ينساها إلي الآن تجعله يتذكر مدى الحقارة التي كان عليها، مدى الجنون بتلك الممارسات السادية المريضة، لا يستطيع أن يُخبر سليم بتلك الحقيقة المًرة بعد، لا يستطيع أن يرى انعكاس صورته بعيني ابنه لتتغير نظرته له، لن يتحمل أبداً تلك الإتهامات بالدناءة والإحتقار إن رآها بأعين ابنه وقد تتبعه سيدرا إن علمت ما عمل أن يُخفيه لسنوات..

"بس.." تريث عاقداً حاجباه وهو لا يزال تحت تأثير صدمة ما شاهده من اعتداء ذلك الحقير على والدته "أنت فعلاً سبته يا بابا بالسهولة دي؟!" كان سؤاله ساخراً أكثر منه مستفسراً ليلتفت له والده متفحصاً اياه بنظرة متريثة من قاتمتيه السوداوتين

"أنت كنت شايف المفروض أتصرف معاه تصرف غير ده؟ لو حطيت نفسك مكاني كنت هتعمل ايه؟" لم يكن يتهكم ولكنه فقط أراد أن يرى ماذا قد يفعل ابنه بموقف مثل ذلك 

"لو حطيت نفسي مكانك!!" صاح متهكماً ثم نهض ليتوجه نحوه كمن ينوي على جدال حاد "لو حطيت نفسي مكانك أنا كنت موته بإيديا بعد ما عمل كده في اختي ومراتي.. يتهجم على مراتي في بيتي ويخون اختي.. أنا أقل ما فيها بجد كنت سجنته.. كنت هاعمل بلاوي فيه بس إنه يمشي كده بهدوء وتديله فرصة تانية إنه يعيش براحته ويضحك على ناس تانية!! واحد حقير زي ده ميستحقهاش" صاح بإنفعال وغضب وقد تأثرت ملامحه بشدة ليقابله بدر الدين بإبتسامة مقتضبة وأقترب منه رابتاً  على كتفه 

"أنا حسيت زيك كده وقتها" تفحص أعين ابنه في اهتمام شديد وتنهد بحرقة ثم تابع "بس تخيل إني أموت والبس قضية بسبب الحقير ده وولاد هديل يطلعوا يشوفوا خالهم قاتل، ولا ولاد أختي يبقا أبوهم مسجون.. ولا لو عرفوا ان سبب طلاق أبوهم وامهم إن ابوهم كان هيغتصب مرات خالهم، تفتكر دي صورة تشرف؟!" تريث بدر الدين ليزفر سليم غاضباً ثم أومأ لأبيه بالقبول

"عندك حق" غمغم بإنكسار "هو صحيح فين الواطي ده دلوقتي؟!" تعجب سليم سائلاً 

"معرفش ومش عايز اعرف" تظاهر بعدم الإكتراث وسرعان ما غير مجرى الحديث "بس فيه حاجة مهمة اوي عايزك تعرفها وتفهمها كويس يا سليم، أنا لما كنت صغير لو كنت عرفت حاجة غلط أو حاجة لا قدر الله حصلت لأهلي كنت زيك كده، بتعصب اوي ومكنتش برحم اي حد يجي عليهم.. بس، الفترة اللي حصل فيها موضوع كريم ده وجود نورسين جانبي كان ابتدا يفوقني، حسيت إن عصبيتي وخوفي المبالغ فيه على أهلي خلاني زي الأعمى مش شايف الصح من الغلط.. أنا ظلمت نورسين وشكيت فيها، مع إن الجاني كان كريم.. ده الوقت اللي ابتديت ساعتها أفوق فيه.. أنا مش بحكيلك عشان المفروض تعرف ولا بحكيلك عشان افضفض معاك.. أنا بحكيلك عشان تتعلم، عشان لما توقع في مشكلة تبص لقدام، تشوف القرار اللي أنت بتاخده دلوقتي هيكون عامل ازاي بعد عشرةوعشرين وتلاتين سنة" وضع يده الأخرى على كتف ابنه ثم وكزه بخفة بإبهامية 

"أنا عارف إنك عاقل.. وزي ما أنت عاقل عارف بردو إن خبرتك محدودة.. فكر يا سليم كويس أوي قبل ما تاخد أي قرار، أياً كان القرار ده ايه.. فكر يا ابني واعرف إن الحاجة البسيطة اللي ممكن تعملها دلوقتي بسهولة ممكن نتايجها ترجعلك بعد سنين طويلة وتأثر عليك أو تريحك.. الموضوع كله بيكون قرار في الأول.. زيالشجرة اللي بتزرعها، زرعتها صح هتشوف ثمارها، زرعتها غلط.. هتفضل تعالج فيها طول عمرك، وعمر ما هتديك النتيجة اللي انت عايزها" 

أومأ سليم في تفهم ليبتسم له بدر الدين بإقتضاب ثم زفر كل ما برئتيه، فيبدو أن ابنه يفكرالآن بأشياء عدة.. يكاد يستمع لتلك العاصفة التي هبت على عقله ويبدو وأنها لن ترحمه لعدة أيام 

"يالا اطلع نام علشان شكلك تعبان.. ولسه المصيبة الصغيرة دي هنشوفها راحت فين" أخبره ليومأ له سليم 

"أنت ازاي بتتكلم بالهدوء ده؟ مش خايف مثلاً يكون جرالها حاجة؟" تعجب سائلاً وهو يتفقد بدر الدين الذي ذهب وجلس على الأريكة 

"اللي شافته من أمها النهاردة مش شوية، وإني مدخلتش ده ضايقها أكتر.. وفي الأول وفي الآخر زينة بنتنا ومتربية استحالة تعمل حاجة غلط.. هي هتظهر متقلقش! روح بس نام وبكرة يحلها حلال"

"هي عمتي عايزة ايه بالظبط، مش هاتجيبها لبر أبداً!!" تحدث منزعجاً وعادت ملامحه للغضب مرة تانية 

"هديل!!" صاح بتهكم ثم أردف "ولا عمرها هتتغير.. هتفضل كده لغاية ما حاجة تحصل وتفوقها.. لازم من فترة للتانية قلم سخن عشان تفوق.." تفحصه بنظرة مازحة ثم أكمل "واد أنت متبقاش زي اللازقة بقا، غور اطلع نام، عندك بكرة شغل وبنت عمتك لسه هندور عليها.. متقرفنيش بقا"

"الله!! جرا ايه يا بدر أنا يعني قاعد فوق دماغك!!" حدثه هو الآخر بمزاح ليرفع بدر الدين احدى حاجباه 

"قاعد فوق دماغي!!" كرر كلماته لينهض متوجهاً للخارج "سيبهالك مخضرة.. تصبح على خير"

"وأنت من أهله يا سيدي!" ابتسم بخفوت على سلوك والده وطريقته الغريبة معه اليوم فهو للتو انتقل من ذلك الأب الحكيم الذي يعطي لإبنه النصائح لذلك الشاب الذي يمزح مع صديقه..

توجه للأريكة وجلس عليها موجهاً رأسه للخلف ووصد عينه في إرهاق واضح، لا يدري ما الذي فعلته تلك الحقيقة التي لم يكن ليتخيلها بأسوء أحلامه بعقله!! ولا يدري كيف كانت كلمات بدر الدين قاسية على عقله، لقد دفعته للتفكير في العديد من الأمور التي لا تنفك رأسه عن التفكير بها، لا يدري ما الذي عليه فعله تجاه كل شيء ولكن أدرك أنه عليه التفكير جيداً فيما سيفعله حتى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه بناءاً على قراراته التي سيتخذها الفترة المُقبلة!

 

 

--

        

 

مَلَّئَ رئتيه بنسيم البحر العليل الذي حدق به منذ لحظات الصباح الأولى، لقد مزقه التفكير لأشلاء، لا يُصدق أنه يفعل كل ذلك لسليلة العائلة الثرية الصغيرة، يستهزأ بذلك الرجل الذي تحمل فوق طاقته من تلك الفتاة الصغيرة بأعباءها وتذمراتها التي لا تنتهي، يشعر بالآلم بداخله، لا يستطيع الفرار من ذلك الشعور، أهو حقاً يفعل بعض ما حلم بأن يفعله من أجل فتاة أخرى منذ سنوات مع تلك الصغيرة؟! 

ابتسم متهكماً على حاله، كيف له بأن يُقنعها سوى بتلك الأشياء التافهة؟ أليست تلك الأفعال هي ما تود الفتيات أن تختبرها ولو مرة واحدة بحياتها؟ 

فتاة مثلها بتلك العلاقات المتوترة مع أُسرتها ودفترها الأسود ذلك بكل ما فيه، حسناً.. عطلة كتلك قد تسعدها حقاً.. ولكن أليس هذا هو ما كان يهرب منه منذ سنوات عديدة؟! أليس هذا ما أقسم لنفسه يوماً ما أنه لن يفعل مثل تلك الأشياء؟ أليس هو ذاك الشخص الذي صرخ لسنوات بأن النساء جميعاً لا تستحق.. 

فتاة ثرية، إمرأة لعوب، عاهرات.. فقيرات.. مجتهدات ومثابرات مثلما كان هو يوماً ما.. كلهن لا يستحقن!! كلهن مخادعات..

زفر مطولاً وهو يحاول أن يُرثي نفسه بأنه لا يفعل ذلك إلا لإرضاء والده الذي تكبد الكثير من أجله.. من حقاً تكبد الكثير من أجل من؟ لا يُهم!! هو الوحيد المُتبقي له حتى يستطيع أن يلقبه بالعائلة!! فقط سيعرف منها أين عمه كريم ثم سينتهي من زينة ومن تلك العائلة المتعجرفة.. 

توجه لغرفتها مثلما خطط منذ دقائق، الفتيات تقع لمثل تلك التفاهات، عليه أن يتحمل فقط وسيرى بعدها كيف ستترك الجميع وتهرول إليه مراراً وتكراراً بل سيجعلها تختاره على الجميع.. 

جلس على احدى المقاعد القريبة لذلك السرير الذي لا تزال نائمة عليه ولكنه تذكر انزعاجها المزعوم من اقترابه الشديد منها، حسناً.. لها ذلك.. لن يقترب للغاية، سيكون أفضل من ذلك الوغد المدلل الذي تظن أنها تعشقه.. وسيجعلها تعترف بذلك عن قريب!

يسمع صوت ضحكته الساخرة عليه لإنتظاره حوالي نصف الساعة بالقرب من سريرها.. هذا الملل لم يختبره يوماً بحياته.. لا،لن يتحمل أكثر من هذا.. عليه ازاحة تلك الستائر، الآن!! قبل أن يفقد المزيد من أعصابه ولن تكون نتائج هذا جيدة أبداً..

توجه مبتعداً نحو المطبخ ليصنع لها أي لعنة تحتوي على الكافيين فبالطبع المدخنون يبحثون على مزج النيكوتين بالعديد من الأشياء وأفضلها على الإطلاق هي الكافيين.. أعد القهوة لها وقد فرغ صبره تماماً ثم توجه عائداً لغرفتها قاصداً إصدار ضجة بالمكان واتجه ليبعد الستائر كي يسطع المزيد من الضوء داخل الغرفة لتململ هي في سريرها ورمقته باحدى زرقاوتاها التي استطاعت أن تبعد عنها آثار النعاس ليتوجه بالقرب منها واضعاً القهوة على الطاولة الجانبية لسريرها 

"صباح الخير" تمتم وهو يتوجه مبتعداً لأحد المقاعد لتنهض هي جالسة وحاولت إبعاد تلك الرغبة بالنوم عنها

"صباح النور" أخبرته بنبرة نَعسة ولكنها كانت تحاول جاهدة أن تستيقظ 

"عملتلك قهوة مظبوطة.. صح ولا بتشربيها ازاي؟" ابتسم بإقتضاب بينما نهضت هي لتمسك بالفنجان وكذلك علبة سجائرها ونظرت له بملامح لا تود الحديث

"لا تمام كده" أخبرته ثم توجهت للشرفة ليتبعها هو وظل يتفحصها ببنيتيه وأخذ يُفكر بأنه عليه أن يحصد المزيد من الإنتصارات بإستقطابها نحوه اليوم ولكن باغتته هي بالحديث 

"امبارح.." همست بصوت متحشرج فحمحمت لتُعدل من نبرتها ثم حدقت بزرقة المياة التي تشابه عيناها وتابعت "امبارح أنا وافقت أسافر معاك عشان ماما جت الصبح و..، وأنا كنت بايتة عند خالو.. ياما عملتها، معرفش ايه اللي جد فجأة ولقيتها جتلي البيت عنده.. طول عمري من وأنا صُغيرة وأنا بعملها، سمعت خالو كلام كتير اوي صعب هو ومراته و.." حمحمت مجدداً ولكن تلك المرة لإحراجها الشديد مما تُقدم على قوله "ضربتني بالقلم.. قدامه هو ومراته.. أنـ.."

"زينة!! أنا آسف.. أنـ.." قاطعها لتنظر له وهي تحتسي قهوتها وتلتهم سيجارتها الصباحية التي لا تستطيع الحياة دونها وقاطعته على الفور

"أنا مش بحكيلك عشان حل ولا عشان مستنية شفقة من حد.. أنا يا شهاب زهقت.. أنا عمري ما فهمتها ولا عرفت هي بتعمل معايا كده ليه.. عمري ما لقيت سبب منطقي لقسوتها عليا.. تحكمها الزيادة عن اللزوم في كل حاجة وبالذات أنا" تريثت لبرهة وأعادت نظرها لمياة البحر الزرقاء ليتأكد هو من أن إنكارها ورفضها الحلول والشفقة هي أكثر ما تود إيجاده ولكنه إنتظر حتى تنتهي من كل ما بجعبتها

"تعرف، زمان لو كان حصل موقف زي ده، كان ممكن اصرخ في وشها، كان ممكن اعيط، كان ممكن أعمل حاجات كتيرة.. كنت روحت لخالو، كنت ممكن أكلم إياد أو سليم.. بس خلاص أنا مبقتش قادرة.. زي ما كنتش قادرة من خمس سنين.." رمقته بلمحة سريعة لترى ملامح التعجب والإستفسار سيطرت على عينيه

"أنا سافرت ألمانيا مش علشان الدراسة ولا المنحة ولا لحبي في الهندسة اللي هي أجبرتني اتخصص فيها.. أنا سافرت عشان ابعد عنها، عشان أخلص من أحكام كل الناس اللي حواليا.. عشان أخلص من النظرة اللي بشوفها في عينيهم كل ما كانت ماما بتجرحني وبتدخل في حياتي" سكتت عن الكلام وشردت تماماً أمامها

"نظرة ايه بالظبط؟!" تسائل محاولاً أن يفهم ما تعنيه 

"مش عارف نظرة ايه!!" تحدثت بسخرية ووجهت زرقاوتيها إليه "نظرة إني متدلعة، إني أنانية ومش بيفرق معايا غير نفسي.." ابتسمت بتهكم وولت ظهرها له واطنبت بالمزيد "زينة المتدلعة، العيوطة، اللي مش بتسأل في حد.. طب ما أنا كنت بهتم وأسأل، كنت بجري على عاصم وأروى من واحنا أطفال عشان أكون معاهم بس بعدوني عنهم، مكنتش بلاقي ماما جنبي أبداً وكله مشغول في دروسه وأصحابه وفي الآخر كنت بروح اقعد مع خالو ومراته وسليم.. جايين يلموني دلوقتي.. زمانهم بيقولوا تاني إني أنانية ومفرقش معايا خوفهم عليا وأنهم بيدوروا عليا وقلبوا الدنيا علشاني.. طب لو كنت استنيت، لو كنت واجهت ماما وقولتلها مينفعش تعملي كده مع خالو، كانت هتعمل ايه غير انها هتصوت كالعادة وتتحكم بقرارات غلط، كانت هتفرض ايه تاني عليا؟ هتقولي مروحلوش، طيب ليه؟؟ هي كانت فين أيام ما أنا كنت محتجاها؟ أخواتي كانوا فين؟! أنا كنت بجد بحبهم أوي بس هما صمموا يبعدوني عنهم بالذات عاصم وأروى.. بس لأ أنا الأنانية اللي مبيفرقش معاها حد.. أنا اللي المفروض اتجرح عادي وأتهزأ قدام الكل من غير ما أفكر في نفسي، المفروض استحمل استحمل ومنطقش بحرف.. أنا تعبت من كل ده ومـ.."

"زينة أرجوكي متعيطيش" قاطعها بعد أن تلمس يدها على حذر ولكنها تلك المرة لم تقم بإبعاده "أنا حسيت بيكي وحسيت إن كان فيه حاجة كبيرة علشان كده مرضتش أسألك عن اللي حصل أو اللي خلاكي كده" تفحص زرقاوتيها وكأنما يكترث لها أكثر من الجميع 

"اللي حصل مش امبارح بس، ولا من سنة ولا لما سافرت.. اللي بيحصل ده بيحصل من زمان.. أنا مش فاهمة هي ليه مصممة على كل ده.. ليه بتعمل فيا كده" أجهشت بالبكاء ليضمها في عناق بعد أن تجرأ عندما لم تمنعه منذ قليل 

"اهدي يا زينة.. مفيش حاجة تستاهل كل ده"

"ازاي مفيش حاجة تستاهل.. ازاي بتضيعنا كده وبتقضي علينا واحد ورا التاني ومفيش حاجة تستاهل.. هي شايفانا ايه؟. آه ولادها ونسمع كلامها ونحترمها بس مش بالطريقة دي.. مش بالإجبار الرهيب ده.. مش بإنها تخسر أخوها.. ذنبه ايه خالو؟ إنه اهتم بيا لما لقاني أنا أكتر واحدة بتهمل فيا في البيت؟ لما لقاني وحيدة وبابا كان بيجري معاها على الشغل عشان بس يرضيها؟ طب ذنب مراته ايه؟! طيب سليم اللي مفيش في الدنيا حد في حنيته وبيحبنا كلنا وبيحاول يهتم بالكل ويساعد الكل.. ليه تقول عليه كلام زي ده.. أنا بجد مكنتش مصدقة إنها فعلاً بتقول عليه كده.." صرخت بين بكائها بالمزيد وهو لا يزال يعانقها وبالكاد استطاع تفسير كلماتها الممزوجة بنبرة نحيبها ليفرق العناق قليلاً وتلمس وجهها بلطف وحدق بزرقاوتيها التي أزاح من أسفلهما تلك الدموع المتهاوية 

"أنا مش فاهم ايه اللي حصل، ومش عايز أعرف" أخبرها هامساً وهو يحاول تصنع التعاطف الشديد لأجلها والإكتراث وكأن كل تلك العائلة لا تهمه في شيء ولا يهتم سوى لها هي وحدها ثم أكمل "بس هقولك يازينة.. أنتي بعدتي زمان عنهم عشان تخلصي من كل ده مش كده؟!" سألها لتومأ هي له وزرقاوتيها تبحث عن إجابة بملامحه "أنا عارف بالظبط أنتي محتاجة ايه.. أنتي محتاجة بداية جديدة، طريقة جديدة مع كل اللي حواليكي، من أول مامتك لغاية خالك.. لازم تخلصي من كل حاجة بتضايقك وبتوجعك بالشكل ده..عندك استعداد تبدأي من جديد يا زينة؟!" همس لها وبداخله يترقب بشدة اجابتها

"ازاي بس وأنا.." أجهشت بالبكاء مرة أخرى ليضمها إليه ثانيةً وربت على ظهرها ليهمس لها

"أنا هقولك ازاي.. بس اوعديني إنك فعلاً مش هتسيبي حد يتحكم فيكي" شعر بتحركات وجهها التي انعكست على صدره بين عناقمها ليبتسم بخبث شديد وهو بداخله يعُد للقادم..

 

 

--

"صباح الخير" همست نورسين التي استيقظت لتوها وقد شعرت بذلك الثقل ينعكس على جسدها اثر عناقه الشديد "بدر.." همست مجدداً بينما لم تستمع منه لإستجابة تُذكر "بدر اصحى.." أخبرته وهي تحاول الفرار منه بينما لم يدعها ولكنه لا يزال لا يتحدث لتلتفت هي له على جانبها لتواجهه وزفرت في سأم "بدر أنا عارفة إنك صاحي.. ممكن أعرف مبتردش عليا وساكت ليه؟!" سألته وقد شعر بإنزعاجها عندما أحس بعقدها لذراعيها أمام صدره ليزفر في إستسلام وأخيراً أفرج عن سوداوتيه لينهلا من تلك الملامح التي يعشقها

"ايه.. مش من حقي احضن مراتي في هدوء؟!" سألها مستنكراً لتضيق هي عيناها وهي تتفحصه لتحاول معرفة ما يخبأه "صباح العيون الحلوة يا نوري" ابتسملها وأقترب ليُقبلها لتضيق ما بين حاجبيها في تعجب وتيبس جسدها للحظة وهي تحاول أن تتبين ما الذي حدث له بين ليلة وضحاها 

"ملك الكون!! بتهرب من ايه؟!" همست له بنبرة لن تتقبل سوى الحقيقة المُجردة 

"بهرب من حبك اللي مجنني ده ومخليني دايماً زي البيبي الصغير طول ما أنا جنبك" اعتلاها وهو يتفحص زرقاوتاها في عشق حقيقي ولكنها لن تقبل تهربه الذي شعرت به منذ الصباح وبادلته تلك الإبتسامة الساحرة ولكنها لن تدعه يخدعها تلك المرة 

"مممم.. رومانسية على الصبح كده.. وكنت في الوضع الصامت امبارح بليل.. ايه اللي حصل مع سليم يا بدر؟!" رفعت احدى حاجبيها لتتوسع ابتسامته وضيق عيناه بعد شعوره بتلك الورطة التي أصبح بها

"ما تسبينا بقا من سليم وخلينا نركز شوية مع بعض.. ولا موحشتكيش؟!" همس أمام شفتيها وكاد أن يٌقبلها ولكنها فرت من أسفله لتستمع هي لتلك الزفرة التي أطلقها إعتراضاً على تركها إليه هكذا 

"بدر.. ايه اللي حصل امبارح؟!" سألته وقد لمح الإنزعاج بنبرتها ليُعدل من وضعه وجلس متكئاً على السرير ليرمقها مطولاً بسوداوتيه ولكنها لن تتركه ليفعل هذا ونظرت له بتصميم رافعة لكلتا حاجبيها وهي تحثه على الحديث وإجابها ليزفر في سأم 

"اتكلمنا.. كله تمام.. محصلش حاجة" اجابها بنبرة مهتزة حاول بعناء أن تخرج من شفتاه بثبات وجديه ونهض وولى ظهره إليه حتى لا تقتلاه تلك الزرقاوتان وتصنع بحثه عن حذاءه المنزلي 

"بدر الدين أنت بتكدب عليا؟!" آتت نبرتها المستنكرة لتتغلغل لمسامعه لتقضي على محاولاته بالتظاهر منذ الصباح ثم شعر بإقترابها منه ليلتفتت ناظراً لها ليدرك أن ملامحها لن تتوقف عن طلب الإجابات والتفسير بل وسماع كل ما حدث بالتفصيل ليعقد حاجباه وقد أدرك أنه لا مفر منها ولن يستطيع أن يخفي عليها شيئاً "لآخر مرة يا بدر هسألك ايه الـ.."

"مقدرتش يا نورسين!!" قاطعها بحزم ثم عادت نبرته للإنكسار مرة أخرى "مقدرتش اواجهه.. مقدرتش أقوله بص بابا حبيبك ومثلك الأعلى كان قذر زمان.. مقدرتش.. بالذاتبعد ما سألني امبارح ايه اللي حصل لكريم بالظبط!!" 

"كريم!!" صاحت في غير تصديق ونظرت له بتعجب شديد

"سليم راح امبارح لهديل وشدوا مع بعض وشاهي هزئتها.. ومن حظي الهباب جابت سيرة إني وقفت جنبها لما كريم عمل اللي عمله زمان!" 

"وأنت قولتله ايه بالظبط؟!" سألته ليتنهد في قلة حيلة

"قولتله الحقيقة.. وريته كريم عمل ايه زمان.. بس مرضتش أقوله الحقيقة كاملة!" همس مُجيباً لترفع هي حاجبيها وملامحها تنتظر أن تستمع لكل التفاصيل

"قولتله ايه يا بدر الدين؟!" سألته بنبرة حازمة 

"قولتله على إني كنت فاهمك غلط وازاي اتجوزنا وإني هددت كريم لو مبعدش عنا وطلق هديل إني كنت هسجنه!" صاح متآففاً ليرى ملامح الإنزعاج ترتسم على وجهها 

"ليه يا بدر كدبت عليه؟! كان قدامك فرصة تقوله على كل حاجة.. ليه مش فاهم إن سليم هيسمعك ويقبلك.. ليه عمـ.."

"عشان مش هاقدر اواجهه!!" صرخ مقاطعاً اياها "آه أنا جبان قدامه.. مش هاقدر أقف أتفرج على صورتي اللي بتتدمر في عينيه!! ارتاحتي يا نورسين؟! أنا لسه فيا الخوف زي زمان.. وزي مكنتش باقدر أواجه وفاء، فأنا اختار إني أموت ولا إني اواجه أكتر حد بحبه في الدنيا دي كلها" لانت نبرته من الصراخ والغضب للإنكسار لتنظر له هي في حُزن وآلم لأجله ولكنها لن تدع ذلك الخوف ليتملكه حتى ولو كان الثمن في أن يخسرها هي ولكن عليه أن يستعيد رباطة جأشه

"بص يا بدر.. أنت حر في الأول وفي الآخر والموضوع يُخصك.. بس اوعى تفتكر إني هسيبك تهرب وتخبي.. مش نورسين اللي أنت حبيتها اللي هتسيبك تعمل كده.. إن كنت بتحب سليم فأنا كمان بحبه زيك.. ومن حقه إنه يعرف كل حاجة.. هو مش طفل ولا صُغير عشان نخبي عليه.. وأنت أصغر من سليم كنت متجوز و.."

"أنا حاجة وسليم حاجة وكل واحد ليه حياته المختلفة عن التاني" قاطعها وهو يهرب من تلك الزرقاوتين وتلك النبرة المُحقة فيما ستقوله ولكنها تبعته بل وسبقته لتقف أمامه وواجهته 

"أنت صح.. أنت مكنتش بتسامح زمان لكن سليم غيرك.. فعلاً أنت حاجة وهو حاجة تانية خالص" 

"عايزة توصلي لإيه يا نورسين؟!" صاح بنفاذ صبر وإنزعاج 

"قدامك اسبوع.. يا تقوله على الحقيقة يا إما هتضطر أنا أقوله كل حاجة" تريثت لبرهة لترى تلك الصدمة التي سيطرت على ملامحه "أنا مش بهددك.. بس زي ما هو ابنك هو كمان ابني.. لو مقربتش منه وعرفته وفهمته كل حاجة وكمان وقفت معاه قصاد اللي اسمه شهاب ده أنا اللي هاعمل كده"

"نورسين انـ.."

"بس خد بالك يا بدر.. لو وصلت الأمور لكده أعرف إن كل اللي ما بينا أنتهى!!" قاطعته بمنتهى الجدية بينما تصلب هو في مكانه وهو ينظر لها بمزيد من النظرات المصدومة وشعر وكأنما حتى توقف عن تنفس الهواء لترمقه هي بلوم شديد ثم تركته خلفها وتوجهت للخارج.

 

 

 

--

 

 

"أكيد سليم يعرف هي فين.. هو وخالو أقرب اتنين ليها، وأكيد لو خالو عرف مش هيخبي عن سليم حاجة.. أرجوك يا إياد ماما حالتها بقت صعبة اوي، أنا عارفة إنها شديدة، ممكن تتعصب وتزعق، بس إن زينة تختفي كده تلت أيام من غير  ما تعرف مكانها ده يخليها تتعب، أنت مشوفتش النهاردة كانت هتوقع مننا ازاي، ماما بالرغم من إنها قوية بس زيها زي أي أم، وأنت عارف إني مهما كنت شبهها وقوية زيها بس في الآخر أمي" حاولت تجفيف دموعها الزائفة ثم تابعت "أرجوك، حاول مرة تانية مع سليم.. هو اليومين دول بيروح الشغل بدري، عشان خاطري وخاطر ماما وعشان نطمن بس على زينة، حاول تعرف هي فين" حاولت أن تتصنع التماسك وهي تتلمس يده في توسل ليومأ لها هو بإقتضاب لتلاحظ هي استجابته وتأكدت أن خدعة كلاً من أروى ووالدتهما قد انطلت عليه بالكامل..

نعم.. هي من اقنعت هديل أن تتظاهر بمرضها الشديد، لقد تأثرت مثلما طلبت منها أروى، بل تحدثت لبدر الدين واعتذرت له عما قالته بعد أن اقنعتها ابنتها أن ما فعلته وما تحدثت به لسليم وبدر الدين قد يُفسد  ما تريدان الوصول إليهه ولن تسطتيعا تحقيق أهدافهما.. لذا لم ترى من والدتها سوى الإنصياع لرأيها وفعلت ما أخبرتها به..

استغرقت بالتفكير الشديد، هي الآن متأكدة أن إياد سيتحدث لسليم مرة أخرى عن زينة، لقد رآت التأثر الواضح بعينيه، ولكن هل سيتفوه سليم بأي شيء قد يجعل زينة تكرهه للأبد؟

هي تحاول، تحاول بشدة منذ عودتهما أن تستمع لكل ما يدور بمكتبه، لقد وضعت حتى أحد أجهزة التنصت لكل ما يدور بمكتبه، ولكن كل حديثه عنها إلى الآن يبدو طبيعياً وكأنه لا يكن لها أية مشاعر تُذكر سوى المشاعر الطبيعية بخوفه على ابنة عمته الصغيرة وأين عساها ذهبت.. لربما قد يدفعه إياد غداً للإطناب، أو لربما قد يغضب حتى يتفوه بأي شيء قد يجعل زينة تتركه للأبد!!

زفرت في تآفف، حقاً تود لو اختفت تلك الصغيرة المدللة للأبد، ولكن الآن أمر إختفاءها تستطيع الإستفادة منه جيداً حتى تستقطب إياد لها.. 

تعرف أن سليم قد تغير معها مؤخراً، لم يعد يغضب عليها مثل السابق، وهي أيضاً تحاول بشتى الطرق ألا تغضبه خاصة في العمل، ترى كذلك أنه لولا إنشغاله بأمر هذه التافهة الصغيرة لكانت معه الآن بأحى الأمسيات تحاول استقطابه لها، أو حتى لكانا بالشركة يعملان على أمر ما.. تآففت مجدداً وذهب عقلها ليُفكر، أين زينة؟ وكيف استطاعت أن تختفي هكذا بمنتهى السهولة؟! 

انتشلها من تفكيرها هاتفها الذي تفقدته في استياء لتتعجب ملامحها لذلك الإتصال الذي آتاها في وقت متأخر للغاية كما تسائلت لماذا قد يحدثها شهاب في وقت كهذا فأجابته لترى ما الذي يدفعه لمحادثتها وقد قاربت الساعة على الواحدة صباحاً..

-

 

رمقها بإبتسامة ماكرة وهي تسير بحديقة منزل والده، وابتسم ساخراً، كيف لفتاة مثلها أن تتغير هكذا بين ليلة وضحاها، كيف تنصاع له بمثل تلك السهولة، لقد جعلته للحظة يظن أنه ساحراً.. تُغير مظهرها، تجن تماماً، تتخلى عن الكتابة في دفترها الذي لم تخط به ولو حرفاً واحداً منذ أن بدأت بقضاء الوقت معه، تُصدق كل كلماته وكأنما يقرأ عليها ناموساً مقدساً لا يجوز لها إلا إتباعه..

 "متخسريش الناس القريبة منك، خالك ومراته وولادهم وشاهندة عمتك وولادها وجوزها، كل دول كويسين معاكي، بلاش تخسريهم، وحاولي تقربي من كل اللي فيه ما بينك وما بينهم اختلافات، إذا بقا مقبلوش ده يبقا موضوع تاني.."

"اخسرهم.. زمانهم دلوقتي مش طايقين يبصوا في وشي، وشايفين إني عملت حاجة غلط وإني مـ.."

"استني بس يا زينة.. مش بتقولي إنك بتحبي سليم وهو كمان فيه مشاعر من ناحيته" قاطعها وهو يلتف حول أفكار عقلها كالثعبان بينما هي أماءت له "طيب خلاص، بكرة أول حاجة تعمليها تروحيله، وأنا كمان يا ستي هاروح معاكي"

"لأ.. استحالة، خالو لو شافني هيضايق و.."

"روحيله الشركة" قاطعها مرة ثانية لتسكت هي عن الكلام ونظرت له كالتائهة التي تضل الطريق الذي لا يعرفه سواه "قوليله إنك كنتي بتريحي أعصابك يومين.. بعدتي عن كل حاجة بعد أسلوب مامتك وإنها جرحتك بالمنظر ده قدام خالك.. وكمان عشان تثبتيله وتثبتي للكل إنك قد المسئولية مع إنك مش محتاجة تثبتي لحد حاجة.. قوليلهم إنك استلتمتي مني مواقع الغردقة في اليومين اللي فاتوا.. أنا متأكد  إنه هيسمع منك.. ولو اقتنع يبقا هيقنع الكل، ده لو زي ما انتي ما بتقولي إن الكل شايفه كبير وبيسمعوا كلامه" 

"تفتكر الموضوع هيمشي على خير؟!" سألته هامسة بنبرة مهتزة 

"متقلقيش.. لو انتي اتكلمتي مع الكل بهدوء وبطريقة مقنعة ومن غير التوتر بتاعك ده وتفكيرك الكتير الكل هيقبل.. متخفيش يا زينة أنا معاكي وجنبك وكل حاجة هتكون تمام" ابتسم لها لتتنهد هي أمامه ولا يزال يقرأ تشتتها بعينيها ولكنه يعلم أنها بالنهاية ستذعن له "يالا بقا ننام عشان عندنا شغل الصبح ولا ايه؟!" 

"ماشي يا شهاب.. هتمشى بس شوية وهاطلع أنام"

"تمام.. أنا كمان عايز أبص على شوية Emails وهنام على طول.. تصبحي على خير"

"وأنت من  أهله"

تذكر حديثه لها الليلة منذ قليل لتتوسع ابتسامته في سخرية من تلك الفتاة، لقد علم الكثير عن تلك العائلة فقط بقضاءه ثلاثة أيام معها، وكم كره حقاً حديثها عن ذلك الفتى المغرور الثري الذي يظن نفسه محور الكون بأكمله، سيدع ذلك جانباً الآن وسيتعامل معه لاحقاً.. كان عليه أن يبدو طبيعياً عن حديثه عنه وعن والده، لن تكون كراهيتها لخالها وابنه المزعوم خطوة جيدة لصالحه أبداً.. على الأقل الآن، فقط يريدها أن تكون بخير مع الجميع حتى يصل لما يُريده، وبعدها سيعمل على تفريق الجميع واحداً تلو الآخر.. 

زفر متآففاً وهو يحاول التغلب على مشاعره التي قاربت الإنفجار وركز أكثر بتفكيره في تلك العائلة، ليجد أن أروى هي الأنسب بين الجميع ليقم بخطوته التالية، هي بالفعل تكره أختها كثيراً.. أنانية متعجرفة كمثل تلك العاهرات اللائي لطالما علم جيداً كيف يتعامل معهن.. أمسك بهاتفه ولم يكترث لتأخر الوقت وعلم جيداً بمّ عليه أن يُخبرها!!

-

تشتت عقله كثيراً.. وكأن كل ما يحدث حوله لا يريد الترفق به.. لماذا تركته زينة وذهبت هكذا؟! لماذا تفعل به ذلك؟! وأين عساها قد ذهبت؟! أحقاً تستطيع ألا تتحدث له لثلاثة أيام بأكملها؟! ها هو اليوم الرابع.. ألا تشتاق له مثلما يفعل هو؟! ألا تشعر بتلك الآلام المريرة التي تهشمه فقط لإبتعاده عنها لبعض الوقت، فما بال ثلاثة أيام بأكملها؟ ألم ترى ولعه بها، خوفه عليها، اشتياقه لها عندما تغيب عن عيناه.. ماذا تريد أن تفعل هذه المرة؟!

عند عودتها بعد موت والدها كانت مختلفة كثيراً، فتاة غريبة لم يكن ليتعرف عليها أبداً لولا محاولاته العديدة.. بالكاد أستطاع استعادتها، ولكن يا تُرى كيف ستعود هذه المرة؟!

وصد عيناه في آسى، لقد أشتاق لها ولم يعد هناك سبيلاً إلا وقد سلكه للبحث عنها، لقد تأكد أنها لم تسافر لألمانيا مجدداً، لقد تفقد المستشفيات وجميع الفنادق التي قد تمكث بها، أين عساها قد ذهبت؟ لماذا أختفت؟ أهذا بسبب عمته أم ماذا دفعها لفعل ذلك؟! ولماذا لا يشعر وكأنما هناك من يكترث للأمر سوى والدته نورسين وإياد؟! لماذا أبيه سلبي هكذا هذه الأيام؟ يبدو أنه يُساعد ولكن لا يشعر بالقلق الشديد الذي قد ينبعث منه تجاه أمر مماثل!

لقد لاحظ أيضاً أنه هو ووالدته يخفيان أمراً.. يا تُرى ماذا هناك؟! ما الذي يحدث بينهما؟ واللعنة ما الذي يحدث حوله هذه الأيام؟!!

تغير أروى، تغير والده، إختفاء زينة، حقيقة كريم الدمنهوري، وهذا الحقير شهاب..! شهاب!! لقد نسى أمره تماماً.. ما ذلك الهدوء الغريب منه.. أين دعوته لأبناء عمه الحقير للعشاء؟ لماذا هو هادئاً كثيراً هذه الأيام!!

فتح عيناه وهو يتنهد في إرهاق فبالكاد عقله يستطيع  الراحة بهذه الأيام العصيبة.. رمق كوب قهوته أمامه ليشعر وكأنه قد فقد الرغبة في كل ما حوله حتى هذا الكوب البريء.. نعم هو يعشقها، منذ الأزل، ولكن إختفاءها هكذا وغيابها عنه أفقده الرغبة حتى في أبسط مظاهر الحياة..

"صباح الخير يا سليم!" صاح إياد وهو يدلف مكتبه، فهو الوحيد المسموح له تناسي الألقاب بالشركة 

"صباح النور" اجابه بإقتضاب وقد غابت الحياة بنبرته 

"مفيش أخبار لسه عن زينة؟" سأله ليومأ سليم بالإنكار "أنا بجد مش عارف ممكن تكون راحت فين.. فاهم إن ماما زودتها معاها بس مش لدرجة تسيب كل حاجة كده وتبعد" أطنب بالمزيد فلربما كانت أروى محقة وهو فقط يخفي أمرزينة حتى لا تقع بجدالات مع والدتهما.. ولكنه حقاً يريد أن يطمئن عليها ليس إلا

"إياد.." زفر بآلم ثم تفحصه "اللي بتعمله عمتي ده كتير، كتير عليكوا وكتير على زينة بالذات، زينة استحالة تقدر تتعامل بالأسلوب ده.. غلط وأكبر غلط اللي عمتي بتعمله.. دي مريضة صرع.. عارف يعني ايه؟! يعني عايزة اللي يطبطب عليها، اللي يهتم بيها.. مش تدخل تضربها بالقلم قدام بابا وماما"

"عارف يا سليم، أنا حاولت معاها، بس بردو مش عارف أكـ.."

"ولا عمرك هتعرف.." قاطعه بنبرة تهكمية "عشان أنت في وسط الدوشة دي أنت كمان.. عمتي مش قادرة تفهم  إنكوا كبرتوا، مش قادرة تفهم إن زينة حساسة أوي، مش قادرة حتى تبينلها خوفها بطريقة صح.. زينة لو بس اتعاملتوا معاها حلو يومين تلاتة هتتغير مية وتمانين درجة.. أنا في حياتي مشوفتش أطيب ولا احسن منها، بنت ذكية وشاطرة وهادية ليه تحولها أنها تكون بالمنظر اللي هي فيه دلوقتي.." هز رأسه في إنكار على حالها ثم تابع 

"تعرف يا إياد أنا جربت بنفسي معاها، يومين مش أكتر، فعلاً اتعاملت معاها بطريقة مختلفة لقيت زينة اللي كلنا بنحبها لسه موجودة جواها.. يومين بس يا إياد.. يومين اهتميت بيها وفعلاً لقيت بنوتة صغيرة بتضحك معايا وبتسمعلي.. والله لو حكيتلك عملتلها ايه مش هتصدقني.. شوية حاجات بسيطة في منتهى السهولة زينة كانت معايا واحدة تانية.. لو تشوف بابا بيعاملها ازاي هتفهم انها المفروض تهرب وتيجي تعيش معانا.. زينة غلبانة اوي واي كلمتين حلوين بيجيبوا معاها نتيجة وبيبسطوها"

"أنت عملت ايه بالظبط؟!" تعجب إياد وسأله بتلقائية 

"زي ما قولتلك كتير قبل كده أنها محتاجة شوية اهتمام.. لما جه عيد ميلادها جبتلها شوية هدايا وفجأتها في ألمانيا.. زينة اتحولت بسرعة الصاروخ، والدليل على ده إنها رجعت من سفرها بدري" عقد إياد حاجباه وهو يرمقه في تفحص وقد قرأالأسئلة العديدة على ملامحه "شوفت يا إياد إن الموضوع بسيط، زينة ممكن في ثانية تبقى احسن واحدة في الدنيا لو طبطبت عليها"

"عايز تقول إني فشلت مع اختي يعني وأنت اللي فهمتها؟"

"ايوة يا إياد.. أنا فهمت زينة وقدرت أغيرها" 

"عشان كده اختفت فجأة؟!" 

"هي اختفت لأن مفيش حد بيديها فُرصة تكون مبسوطة.. مفيش حد بيسبها في حالها.. دايماً عمتي بتتعصب عليها وتبهدلها.. لازم تبطل بقا وتفهم إن اللي بتعمله معاها ده حرام، لازم تفوق انها بتضيع بنتها، لازم تحس إنها بتتأثر بكل ده وإنها بتأذيها" تحدث بعصبية شديدة 

"اهدى بس يا سليم.." زفر إياد في آسى على كل ما يحدث حوله "ماما أنت عارف إنها صعبة ومش بتقبل خالص الكلام مني و.."

"آه طبعاً بعد الموشح اللي سمعتهولي يوم ما جيتلكوا" قاطعه بسخرية 

"طب والحل يا سليم؟! هنسيب زينة كده تضيع مننا.. هنفضل منعرفش أختنا فين؟ وحتى لو رجعت هنسيب ماما تعاملها كده؟! .. أنا عاف إن مفيش في ايديك حل بس.. بس أنا بفكر معاك بصوت عالي.. أنا بقيت حاسس إني زي العاجز! محدش قادر على ماما، محدش قادر يقنعها إنها تغير أفكارها وطريقتها دي.. بتأذينا بيها بس أكتر.. ده حتى خالي معملتلوش حساب.. هتسمع لمين بس!!" تحدث بحنق وإنزعاج بينما نظر له سليم وطالت  نظرته إليه وكذلك الصمت حتى تعجب إياد بسكوته الغريب 

"سليم أنت بـ.."

"أنا عندي حل.. الحاجة الوحيدة اللي تقدر تقنع عمتي هديل!" لمعت عيناه بينما نهض 

"حاجة وتقنع أمي.. استحالة" صاح  الآخر ساخراً

"هي مش حاجة.. هي حد!" تحدث سليم بنبرة تبدو أنها هربت من أفكاره التي اشتعلت بعقله 

"حد مين بس.. ده حتى أبويا الله يرحمه مقدرش عليها.." تحدث مجدداً بسخرية لينهض وواجهه "طب يا سيدي ليك عليا لو عرفت تغيرها وتقدر على راسها الناشفة دي أعملك اللي أنت عايزة.. حتى لو حابب تتراهن.. أنا اهو بقالي سنين بحاول، ولو فعلاً عملتها هعملك اللي نفسك فيه!"

"خلاص نتراهن.. اتفقنا.." ابتسم له سليم "لو قدرت أغيرها فعلاً تنفذ اللي أقول عليه من غير أي أعتراض وتساعدني فيه"

"لا لا.. البصة دي وراها مصيبة.. أنت ناوي على ايه يا سليم؟!" 

"أنا هقولك.."

قهقهت أروى بمكتبها بعدما آتاها الحل السحري وأخيراً.. كل ما سمعته اليوم كان بمثابة كنز لها.. أثنت على نفسها بوضع جهاز تنصت ودفع إياد للحديث مع سليم..  الآن هي حتى لن تحتاج لمساعدة أحد.. أياً من تلك البرامج التي تحرر المقاطع الصوتية تستطيع مساعدتها.. ليس عليها فقط سوى تقطيع تلك المحادثة لأجزاء صغيرة، تُرسلها بأكملها لهاتفها، ومن ثم تقنع زينة أن سليم يفعل كل ذلك لتراهنه هو وإياد عليها.. نعم .. ستحرف قليلاً الحقيقة، هما يتراهنان على تغير هديل، ولكن زينة الساذجة ستصدقها.. مع إضافة بعض الدموع الزائفة والإدعاء بالإكتراث لأجلها ستنطلي عليها هذه الخدعة الصغيرة البسيطة.. ولكنها ستضيف الكثير من أن كم كان سليم مخادعاً.. كاذباً.. لا يكترث حقاً لأمرها.. وقد أكتشفت أُختها المحبة لها كذبته عندما سافرا..

ابتسمت بخبث ومكر شديد وبدأت بسرعة بالعمل، فهي بعد تلك المكالمة مع شهاب ليلة أمس تعرف أن زينة ستصل بعد قليل الشركة، عليها أن تحول بينها وبين لقاءها بسليم.. أو حتى تحول هذا اللقاء لصراع عنيف بينهما.. أمّا عن تلك التفاصيل التي يتحدث بها كلاً من سليم وإياد الآن فهي تعرف جيداً كي تستفيد منها لصالحها.. لن تترك لتلك الصغيرة الفرصة بأن تنتصر عليها ولن تترك لها سليم وكل ما خططت إليه ولو كلفها ذلك الملايين من الخطط ولكنها ستثابر من أجل ما أرادت حتى تحصل عليه!!

 

 

يتبع..