الفصل الثانى عشر - بنات حورية
الفصل الثانى عشر
أحاول أن أصل لكَ فلا تصدني .
رأيت بعينيكَ رفدك فلا تُكذبني .
تتقبلني مجاملةً وتوهمني .. أنكَ تريد فلا تخذلني .
" لماذا لم تخبرني بقدومك " سألت سبأ بهدوء ،، تجلس معه بمفردها الأن ، منذ قليل تم تحديد ميعاد الفرح .. سيكون بعد ثلاث شهور سيتم بهم تجهيز المنزل الذي سيختاروه معاً قبل أن يعاود سفره وستكون والدته في مساعدتها في تلك الشهور ،، زواج .. كلمة كبيرة تلعب علي أوتارها وتنعش قلبها وخاصةً أن سفيان استطاع بهيئته الاستحواذ علي تفكيرها .. هي سبأ التي تملك حب العالم بأجمعه وتنتظر من يستحق لتغمره به ليس لديها مانع أن يكون هذا الشخص سفيان ،، سيكون زوجها وتستطيع أن تحبه بل وتعشقه إن أرادت فهي واثقة من سيطرتها التامة علي مفاتيح قلبها .
أجابها سفيان : " أحببت أن أفاجئك ،، ألم تعجبك مفاجئتي " .
باغتها بسؤاله ورغماً عنها لم تصدقه ،، حدجته بتلقائية مشاعرها وهمست ببرود صادقة : " الشخص الذي أنقذني حين وقعت في منتصف الطريق أمام سيارته وتعامل معي بتلقائية وود ليس هو الشخص الجالس أمامي الأن " .
حك ذقنه ناظراً لعينيها بغموض ، ليس في حياته شخص واحد كان ليستطيع أن يقرأه هكذا ،، أغمض عينيه بتعب : " أنا متعب فقط قليلاً " .
أيدته برفق : " نعم ألاحظ هذا " .
فهم مقصدها الصريح ،، هي تلاحظ تعبه ولا تشير بحديثها لتعبه أبداً ،، مجدداً صمت وشردت عيناه لتشتعل عينيها بضيق : " سفيان " .
كان شروده سيؤول إلي غفوة فارتعش فكه بهدوء وهو ينظر لها بصمت زادها ضيقاً لتنهره : " يبدو أنك متعب جداً هل تريد الراحة قليلاً حتي ينتهي الغداء " .
نظر لعينيها الخضراء الشجرية التي تتابعه ليهمس بشغف ناعساً : " في غرفتك " .
أصابها خجلها بتورد لتهمس : " في غرفة الضيوف " .
ود بشدة لو يجرب وضع رأسه علي قدميها وهو يسقط رأسه علي الأريكة ،، رغم أن تلك المحادثة ليست منصفة لها بالمرة ولكن مجرد سماع نبرتها يرسل لجسده راحة مبهرة ،، أغمض عينيه ممازحاً :
" هل أنا ضيف " .
كانت مشغولة بتفحصه الأن ،، رأسه الذي استكانت للخلف والتي تركت خلفها عنق يميل للسمار ،، عينيه المغمضة براحة ،، حديثه كل هذا خليط من مشاعر جديدة تجربها لأول مرة والأصح أنها تشعر بها لأول مرة ،، حين غاب ردها تسائل بنعاس :
" هل يأتي أحد لتلك الغرفة " .
قطب حاجبيها وهي تراه يتمدد علي الأريكة نائماً ،، لتجيبه بخفوت : " إنها غرفة استقبال الضيوف لا نجلس بها ".
لم يجيب ولكنها رأته يبتسم وهو يعدل من وضعية جسده براحة ،، كل هذا وهو مغمض العينين بتعب ،، تأملته بعينين شغوفة قبل أن تقف عازمة علي المغادرة وقبل أن تفعل أتاها صوته النائم :
" حبيبتي اطفئي النور معك " .
ارتعشت بشدة ،، مجرد كلمة ولكنها شعرت بها صادقة لأبعد الحدود هل هو بوعيه ،، هل يخصها هي بتلك الكلمة ،، أغلقت الضوء ولكنها عادت إليه بقلب ينتفض هامسة :
" سفيان " .
همهم لها لتسأله : " أشعر أنك تخبأ شئ عني ،، أو ربما هو شئ يجب أن أعرفه " .
طال صمته فهمست مجدداً باسمه ولم يجيب وهي تري انتظام أنفاسه فخرجت مغلقة الباب خلفها بهدوء تاركة إياه ينعم بقليل من الراحة فقد علمت أنه غفي تماماً أو هكذا أوهمها ! .
................................................
أفاق بتشنج في كل عضلاته وبعينين تحرقه ،، كانت هناك حركة من حوله ولكنه استطاع تبين أن النور ما زال مغلق ،، نظر حوله وبحث عن هاتفه الذي كان علي طاولة صغيركتاب ة أمامه فالتقطه ،، عرف الوقت ثم جلس ،، أخذ يفرد ذراعيه ويضغط علي رقبته في محاولة لفك تشنجه .
حين لاحظته يتحرك أضائت النور واقتربت منه :
" هل استيقظت بسببي ،، أسفة " .
نظر لها ، لقد غيرت ثيابها العملية التي قابلته بها لأخري مريحة ،، غيره كان سيقول أنها طفلة ببنطال أبيض واسع ليس طويل جداً بالكاد يصل لمنتصف سمانتها و تيشرت اختفي تحت هذا البنطال وسقط بعضه عن كتفيها كما رفعت شعرها بعشوائية عن ظهرها ولكن تمردت الكثير من الخصلات عليها فسقطت مجدداً ولكن هو لا يراها إلا أنثي كاملة .. فاتنة .. مشعة وستكون له بمفرده ،، حملت بين يديها شئ مزخرف يلمع فتسائل :
" ماذا كنتي تفعلين " .
" أحضر هذا لماما "
أجابته فتسائل مجدداً : " ما هذا " .
" صينية للحلوي ،، سأعطيها إياها وأتي "
وقف وخلع عنه جاكيته بضجر ،، لقد اختنق يريد حمام دافئ الأن ليريح أعصابه ،، فتح أزرار قميصه الأولي ورفع أكمامه ثم اتجه للشرفة والتي تحتل جزءاً من الغرفة ،، خرج إليها فاتحاً صدره للهواء مرحباً به ،، استمع لصوت بجواره ،، كانت لورين تتحدث في الهاتف تبعد عنه خطوات ،، كانت شرفة واحدة متصلة وواسعة تضم جهتين من المنزل حين لمحته أنهت مكالمتها لتبتسم : " مساء الخير ،، كل هذا النوم يا رجل " .
ابتسم أيضاً مشاكساً إياها : " مساء الخير يا ذهبية ، كيف حالك " .
ضحكت علي لقبه :
" بخير يا عارض الأزياء " .
قطب حاجبيه وابتسمت عينيه باستغراب :
" كيف عرفتي " .
أتيت هيا من الخارج من ناحية لورين قائلة بحماس :
" لقد رأينا صورك يا رجل ،، لقد كنت مبهر حقاً " .
ضحك بشدة وهو يستند علي السور ليجيب بحماس كذلك : " لقد كانت فترة جميلة في حياتي ولكن لم أجد نفسي في تلك المهنة " .
" لماذا " تسائلت لورين ليجيبها بمرح :
" ماذا إن كنتِ عارضة أزياء ويراكي الجميع هل سيوافقك خطيبك علي هذا ،، ماذا كان اسمه " .
لاحقته باسم ديم : " نعم ديم هل كان سيوافق " .
" صراحةً ديم كشخصه لم يكن ليوافق " .
أجابته وهي علي دراية تامة بعقلية ديم المتشددة من غيرته ليجيبها :
" نعم وهذا ما حدث معي ، لم أكن أريد لزوجتي المستقبلية أن تجدني محاط بالمعجبات وتنزعج " .
" وسراً بينى وبينكم ،، حافظت علي نفسي لأجلها فقط وليس للعالم أجمع " هتف بكل فخر لينفجرا ضاحكين وهو معهم بشدة .
كانت تراقبه من باب الصالون ،، يضحك ويشتمل ويبتسم ،، صحيح لا تسمع ما يقال ولكنها تري التغير الجذري بين معاملته لها ومعاملته لكل من حولها بطريقة واحدة ،، كل هذا ينبئها أن حدثها صحيح ،، يوجد خلل في الأمر ،، أو يوجد شئ مخبئ !! .
تراجعت بانهيار لا تتحمل ،، صادفتها حورية :
" ناديتيه يا ابنتي " .
" ماما سأدخل الحمام ناديه أنتِ " .
فرت من أمام حورية ،، فتحركت حورية له وراما من خلفها :
" سفيان بني " .
ابتسم بحبور : " نعم يا عمتي " .
" هل نمت جيداً ،، لما لم تستمع لسبأ ترتاح يا بني " .
نهرته برفق ليجيبها بمشاكسة :
" لم توافق علي نومي بغرفتها " .
ابتسمت بعتاب وهي تنظر لبناتها مذكرة إياه بوجودهم ،، ماذا إن استمعت لما قاله منذ قليل ،، أجابته راما بحنق طفولي :
" هي غرفتي أيضاً " .
أجابها باحترام : " إذاً لن أدخلها إلا بإذنكما معاً " .
قاطعتهما حورية : " سفيان هيا لتتعشي لم تأكل شئ منذ أن أتيت " .
تنهد بعمق : " آآآه أنا بالفعل جائع يا عمتي ،، ولكنني جوعان لطعامك الشهي " .
ضحكت وسارت ليتبعها هاتفاً :
" ألن يأتوا " .
" لقد سبقناك منذ زمن ،، ولكن سبأ انتظرتك حتي لا تأكل وحدك " أجابته وهي تتركه في المطبخ أمام سبأ التي كانت ترص السفرة وتتحرك بهدوء كحوريه تتمايل كما هو واقعها " تسلب تفكيره تلك السبأ " مفكراً هل هي من كوكب أخر لتكون بكل تلك الوداعة ، ألقي عليها السلام وهو يجلس لترده بدون النظر له ،، راقبها حتي جلست مقابلته ،، شرعت في تناول طعامها دون الحديث إليه لذا بدأ هو الأخر بصمت ،، تناول طعامها الشهية مفتوحة علي عكسها ،، عامله الأول إدمانه لطعام حورية والثاني كان هي فانتظارها له وجلوسها معه الأن يعني له الكثير ،، راقبته يأكل بشراهة كطفل صغير متحمس لتبتسم قبل أن يعاودها الجمود وهي تأكل بغير نفس
لم تكن تظن أنه لاحظها حين مد يديه بشوكته لها بالطعام ،، رفعت رأسها له متفاجئة لتهمس :
" أنا أك.. " .
استغل فتحها لفمها وحشر شوكته به ،، وهو يعض يديه تحت فمها وبذات اللحظة تحركت متفاجئة للأمام لتضع كفها تحت فاهها ، فتضاربت يداهم سحبتها بسرعة وهو بهدوء متحدثاً :
" أراكي تلعبين ولم ينقص من طعامك شئ " .
أجابته متلعثمة ومرتبكة :
" أنا أكل صدقني " .
شاكسها ولكن بجمود رغماً عنه : " هل جلستي معهم وتجلسين معي مجاملة " .
تضايقت من نبرته لتنفي بإقتضاب ،، بعد قليل تركت الشوكة بحدة قليلاً لينظر لها ،، مباشرةً هتفت :
" لما تعاملني هكذا " .
قطب حاجبيه وترك الطعام هو الأخر :
" هكذا كيف " .
" أنتَ مع الجميع شخص ومعي شخص أخر ،، تضحك معهم ومعي تتصنعها " .
قطب جبينه ونظر أمامه بشرود لتكمل :
" مجدداً تشرد ،، كلما لمحت لك ولو قليلاً عنك تشرد، سفيان سأسألك لأخر مرة .. هل هناك ما يجب علي معرفته ،، هل تشعر أنكَ تسرعت بالموافقة علي وصية جدي هل تشعر أنكَ مجبور علي هذه الزيجة " .
أجابها بصدق ناظراً لعينيها :
" لا يا سبأ أنا لست مجبور ولم أتسرع في قراري بالموافقة على وصية جدي وأريدك أن تكوني زوجتي يا سبأ ،، ربما أنا أريد أن أعطيك مشاعر خاصة ،، كيف أعاملك مثل الجميع بينما معك لا أستطيع تصنع شيئاً ،، أنا أتصنعها معهم يا سبأ ليس بالمعني المقصود ولكنهم عائلتي وهذا الواجب ولكن أنتِ سيكون لكٍ مكانة خاصة " .
ارتكبت قائلة : " يتبقي سؤال " .
شرد بعيداً بعينيه :
" لماذا تصرين علي هذا السؤال " .
" مجدداً هربت بنظراتك أي أن إحساسي صحيح أليس كذلك " سألته بترقب ليتنهد مجيباً : " نعم صحيح يا سبأ ،، ولكن لا يمكنني البوح علي الأقل الأن " .
" بماذا " حاولت ليقرر :
" صدقيني ليس وقته ستعرفين فيما بعد ،، والأن هل ارتاح بالك " .
بشرود أجابته : " لا أعرف أرجوك كن فقط عادلاً معي ،، أي قرار أنا سأتقبله ،، هذه حياة سنبنيها معاً سفيان " .
اقترب منها قائلاً بشغف لأول مرة تتلمسه :
" قلت أريدك أن تكوني زوجتي يا سبأ ،، أريدك " .
قضت باقي الليلة معه وفي وسط عائلتها تتهرب من نظراته الوقحة والشغوفة بخجل وتوتر ،، هل فتحت باب يقفله سفيان بينهم بحديثها هذا ،، وليلاً ودعته أمام الباب وهو يتحدث :
" أراكي غداً لنختار شقتنا معاً " .
ولكن هل كان الحظ يعرف ما تخبئه لها الأيام وهما يقعان علي اختيار شقة في نفس البرج التي ترعرع بهِ عمرها ،، لتكون شقة الزوجية خاصتها فوق شقة والديها بدور واحد فقط .
...................................................
في النادي ،، حيث يوم أجازتها ،، كانت تجري بنشاط حين دخل هو للمسار فجأة من خلفها لتبتسم بدلال وهي تهمس باسمه : " جود " .
" يا روحه ،، متي ستحني هاا " .
شاكس ثم عاتب بمرح أخذاً دور المسكين ،، لتبتسم بشقاوة وهي ترفع حاجبيها برفض وتعدو مسرعة عنه ،، ليلحقها بتأفف كالأطفال ،، لا توافق علي الزواج في القريب العاجل وفي الحقيقة هي تريد تعزيبه تماماً كما فعل وهي تنتظر اعترافه يومياً ،، لقد كادت تشحتها منه .. تري حبه بعينيه وتصرفاته وصمته كان يعذبها حقاً ،، بهدوء مبالغ بهِ تحدثت متعمدة استفزازه :
" يا جود مازال الوقت مبكراً لنرتبط جدياً ،، يجب أن نتعرف علي بعض أكثر " .
وقف مكانه يحملق بها مذهولاً فوقفت تتابع بثرثرة فارغة وكأنه حديث عادي :
" ماذا إن لم نتفق معاً يا جود ،، لنمهل بعضها فرصة،، سنة مثلاً أو ربما سنتين " .
استلذت جداً بملامحه وهي تهتف باستفزاز :
" نعم سنتين كافية تماماً " .
فهم تماماً ما تفعله لهذا هتف بحنق :
" هل يعجبك ما تفعليه " .
ببراءة تحدثت ،، براءة لا تليق بجيلان الأنثي الأكثر سيطرة علي حياتها : " ماذا أفعل " .
اقترب منها لحد مهلك فابتعدت لكونهم في مكان عام هامسة بتأنيب : " جود " .
اقترب مجدداً وبأعين متوسعة محذرة وغاضبة :
" تعرفين تماماً ماذا تفعلين " .
لم تحل نظراته لتهتف بقوة :
" عيناك يا روحي ،، كي لا تؤلمك بهذه الوضعية " .
تركته لتعدو مجدداً بابتسامة محببة ،، تسمر مكانه فتاته الرائعة نادته بلفظ تحببي ،، رباااه كله يشتعل الأن ،، لم يعد يطيق إنتظاراً هو أجبر نفسه عليه ،، جسده ارتخي بضعف من مجرد كلمة همستها بصدق ،، هل يوجد رجل يعشق كما يعشقها ،، روحه هي الأخري والتي عادت إليه هاتفة بقلق بعد رؤيته منحني ملامساً لركبتيه بهذا الشكل وكأنه يتألم :
" جود هل أنتَ بخير " .
رفع جسده له وبنبرة أجشة مقترباً منها تحدث :
" هل قلتِ روحي " .
قطبت حاجبيها قبل أن تستعيد جملتها لتزوغ عينيها بعيداً عن وجهه بخجل قاضمة شفتيها من الداخل ليتنهد بعمق وهو يتوسل :
" وتريدين الانتظار سنتين أيتها القاسية " .
" ربما سنة تكفي " همست بتخدر من قربه ، رائحته ونبرته المغرية ليتابع بإقرار :
" لا أستطيع التحمل يا روح روحك أنتِ " .
ابتعدت بضعف لتتابع محاولة التمسك بموقفها :
" سبأ ستتزوج بعد ثلاث أشهر ،، لنقرر بعد ذلك " .
زفر بحنق وتحدث شرساً :
" سأطلب من عمي دياب أن يكون زواجنا قبلهم " .
" لا أنا .. " قاطعها محذراً بيديه وعينيه :
" انتهي النقاش بالفعل يا جيلان ،، لتكوني ملكة حياتي وبيتي ثم لتنتقمي كما تريدين " .
وهل بعد مخدره الطبيعي المعسول كلام يقال من شفتيها التي طاوعت قلبها وصمتت وهي أكثر من مرحبة .
.............................................
ابتسامتك سعادة تذوب لها القلوب .
وكُلِك أحبكِ وفي عشقك أذوب .
خرجت لشرفة عيادتها ،، تريح أعصابها المشحونة دائماً بسلبيات عملها ،، إن نظر أحد مرضاها النفسيين لحياتها هي وعائلتها الرائعة لاحترقوا جميعهم حسداً وحقداً ،، كم مريض لديها أساس معاناته فقدانه لعائلة تبث بهِ دفئاً وأماناً ،، تحمد الله كثيراً بعد خروج كل مريض من عيادتها حمداً كثيراً ،، التقطت مصحفها من رف مكتبة بجوارها ،، لقد حرصت علي وجوده هنا لتقرأ منه يومياً ما تيسر لها وشرعت ترتله بنبرة خفيضة رائعة تسلب الأنفاس .
وقفت مساعدتها خلفه بخجل ،، تريد أن تنبهها أنه خلفها تماماً ، يستمع لها ولكنه يعارض ، التفت لها هامساً بهدوء : " يمكنك الذهاب " .
ولم يمهلها فرصة للاعتراض وهو يوليها ظهره متقدماً نحو رسيل ،، استمع لترتيلها الناعم الخفيض بسكينة وإعجاب يتزايد بتلك المرأه ،، ظل واقفاً حتي انتهت وأغلقت مصحفها ،، وهنا حمحم بخشونة لتلتفت بهدوء ، فرح قلبها لهيئته أمامها و قطبت جبينها متسائلة بابتسامة :
" أستاذ صهيب " .
" أسف لتسللي هكذا ولكن لم أستطيع مقاومة سحر ترتيلك ،، باركَ الله "
دعا لها ليرفرف قلبها بمشاعر متخبطة ولكن سعيدة فهمست خجولة :
" شكراً لك " .
أقترب منها : " اسمحي لي بالجلوس معك هنا أفضل من غرفة عملك " .
" نعم تفضل " لقد دعا نفسه ووافقت متسائلة :
" كيف هي بيسان ،، أمل أنها بخير " .
" إنها كذلك بخير وتدعو لكِ ،، ولكنها مازالت بحاجة لكِ أولاَ لتتخطي صدمة ما حدث معها سراً ،، وثانياً لتكوني بجوارها في يومٍ كهذا " .
أعطاها حينها دعوة عرس تفحصتها لتتهلل أساريرها فرحاً :
" هذا خبر رائع جداً ،، بالتأكيد إنها سعيدة وأكثر تحسناً الأن بوجودكم جوارها " .
ابتسم بهيام لا يمكن أن تسعد طبيبة من أجل مرضاها هكذا ،، إنها رائعة بكل المقاييس ،، طبيعية لأبعد الحدود ونقية بهوية بدأت تجعله يقع لها .
" ستأتين "
لم يكن سؤال بل إقرار بما رآه بعينيها لتبتسم مؤكدة : " بكل تأكيد لا يمكنني تفويت رؤيتها سعيدة كما أن وجودي جوارها يدعمها نفسياً ،، وسأحاول أن أخفف من توترها " ٠
كلما تحدثت كلما أنبتت بداخله ثمار عشقها ،، بعمق شكرها : " شكراً رسيل " .
" علي ماذا هذا واجبي " هتفت بتلقائية ولكنه تابع :
" شكراً لأنكِ كنتِ سبب في إنقاذ حياة بيسان تلك الليلة " .
تغضنت ملامحها بألم لتحدثه بعملية متخذة وضعية الطبيبة وباسلوب أشبه بمن تواسي صغيرها :
" لنجعل لهذا اليوم ذكري أخري وهو أن بيسان اكتسبت صديقة مثلي ستساعدها في كل ما تريد " .
انفرجت شفتيه ببسمة متوسعة :
" أشكرك علي هذا أيضاً" .
غيرت مجري الحديث بحماس :
" إذاً لماذا لم تأتي بيسان معك ،، هل وجدت حبيبها ونسيتني " .
ضحك ليجيبها بصدق :
" وهل أنتِ تُنسي ،، في الحقيقة كانت تريد المجيئ ولكن إسلام لديه موعد مع الطبيب وهي معه ،، وأنا استغليت الفرصة وأتيت وحدي " .
صمت يراقب ملامحها التي نظرت له تخبره أنها متفهة لكلامه المقصود وبالابتسامة الأروع في العالم بالنسبة له تحدثت :
" سيكون عليكَ البحث عن مبرر لها إذاً " .
ابتسم بتسلية مصرحاً :
" ستكون الأكثر ترحيباً بمبرري " .
تنحنحت بخجل وهي تقف متحدثة :
" انتظرني لحظة واحدة " .
تركته منتشياً بسعادة لا مثيل لها ،، يبدو أن القلب فتح أبوابه لها وكيف لا وهي تمتلك كل ذلك الجمال ،، كل تلك البراءة والطفولة في ملامحها وحديثها ،، كل الثقة والذكاء في عملها وشخصيتها ،، ويجب عليع أن يأخذ خطوة نحو للأمام .. عادت بعد ثوانٍ تحمل بين يديها دعوتين :
" سأكون سعيدة إن حضرت بيسان ،، أريدها أن تشعر أنني أصبحت أكثر من طبيبتها بالفعل " .
فتح الدعوتين يقرأهم ليفطن أنه لا يعرف عنها شئ غير اسمها في بطاقة عملها " أسيل دياب " ليهمس بهدوء : " أختاكي " .
أيدته بابتسامة ليقف متحدثاً ،، إن أعطته تأكيد لما فهمه سيأخذ الخطوة الرسمية بكل جدية : " هل حديثك يخص بيسان فقط " .
لم تكن لتكون وقحة لتلك الدرجة لتدعوه علنياً بما يريده وما تفهمه هي جيداً فأردفت بنبرة حيادية :
" نعم إنها لبيسان ولكن أظن أن بيسان ستكون متزوجة حينها لذا لن تأتي بمفردها " .
هي تحاول إبعاده عن مشاعر ما زالت مشتتة بالنسبة لها وهو يقربها لها بوضوح ،، يريها أنها كما هو تماماً تتفتح أوراقها له لذا تحدث بغموض :
" ربما تكون في شهر العسل حينها " .
صمتت مرتبكة لتبتسم متحدثاً قبل مغادرته :
" مبارك لأختاكي ،، والعقبي لكِ " .
رحل قبل أن يسمع همسها المتهدج وهي تجيبه أو هكذا هي ظنت .
.................................................
اليوم كما يقال عليه ليلة حنتها ،، لقد كانت ليلية مشتعلة وقد تألقت مع أخواتها برداء هندي كما يقال عليه " ساري " ،، هرج ومرح ورقص بين أفراد عائلتها الصغيرة وأصدقائها .. انتهت الليلة وقلبها يكاد يخرج ويطير لنصفه الأخر ليلتحم معه معلناً عن بهجته القاتلة .. ولكن جود كان لديه مخطط أخر وهو يرن جرس منزلهم في الساعة الثامنة مساءاً .
فتح دياب الباب ليلتقي به ،، نظر له شزراً غير قاصداً ،، لا يصدق أنه سيسلم بكريته الصغيرة له غداً ،، سيأخذ إحدى حورياته علي طبق من أغلي أنواع العقيق ،، جذبه من ياقة قميصه ناهراً :
" ماذا تريد في هذا الليل يا ولد " .
قطب جود جبينه مدركاً لعاطفة الأبوة خاصةً في مثل هذه الليلة ،، أمسك بكفي دياب مقبلاً إحداهما بتقدير مطمئناً :
" إن كنت ولداً هل كنت لتعطيني إياها يا عمي " .
ثم تابع بعشقه : " إنها جيلان يا أبي ،، قطعة من روحي ،، مكانتها عالية جداً وأنا جدير بالحفاظ عليها " .
صمت دياب ثم ربت علي كتفه محذراً :
" دمعة واحدة .. " .
قاطعه وعشقه يتغلب علي عاطفة دياب :
" حينها لن أسامح نفسي أبداً يا عمي " .
تنهد دياب وهو يتسائل :
" ماذا تريد في هذا الوقت ".
" أريد أن أخذ جيلان ونتعشي خارجاً ،، أرجوك يا عمي " .
ترجاه وهو يري رفضه :
" ساعتين فقط وسأعيدها " .
" ابقي هنا " هتف بصرامة وهو يتركه ،، لم يكد يكمل الطريق حتي رأي ابنته بعينين تلمع دموعاً تأثراً لعاطفة دياب وسعادةً بكلام جود ، ارتمت بأحضانه باكية بصمت ليغمرها بدفئه قبل أن يمسح دموعها لا تصدق عاطفة أهلها ،، فمنذ قليل كانت تبكي بأحضان حورية :
" أنتَ عشقي الأول والمتين يا أبي " .
قبل جبينها لتقبل يديه بعد ذلك ليهمس :
" اذهبي مع زوجك ،، ساعتين فقط وتكوني هنا " .
يمارس قوانينه عليها لأخر مرة ،، بعد قليل كانت تجلس جوار جود الذي يتمسك بيديها بقوة وكأنه لم يصدق متي كتب عليها ليتمسك بها كما يشاء ،، قادها لمطعم فاخر حجزه بأكمله من أجل تلك الليلة والذي ستكون نقطة تحول لحياتهم علي حدي والتي ستصبح واحدة بعد ليلة .
بعد انتهاء عشائهم حدثها بتساؤل متفائلاً :
" أستحدثيني عن تلك القلادة الأن " .
" نعم سأفعل ، يجب عليَّ ذلك " .
لا مفر سيصبح زوجها ،، أي لا أسرار فقط المشاركة بكل العشق الذي وصلو إليه ، تسائل بفضول :
" إذاً من أهداكِ إياها " .
شردت بعيداً في ذكري ظلت معها لسنون طويله وهي تجيب بهدوء : " هو " .
" من هو" .
" لا أعرف " .
" كيف ذلك ما اسمه " .
" لا أعرف ".
وهتافها المتريس كعادتها صادق ، واثق ، غير متخاذل .. فقطب حاجبيه وهو يسألها بتلذذ أخفاهُ عنها بيُسر : " ما علاقتك بهِ إذاً " .
" كانت مرة واحدة فقط رأيتهُ بها في حياتي كلها ثم إختفي " . أجابته بصدق ليلاحقها متسائلاً :
" منذ متي ؟ " .
ضحكت لتجيبه بسخرية من نفسها : " كنت بين السادسة والسابعه حسب ما أتذكر ".
تنهد ليرفع إحدي حاجبيه كرد فعل طبيعي بالنسبة لها و نظر لها بقوة متحدثاً :
" تشوقت حقاً تابعي " .
رمقتهُ بعتاب مما يحتويه المعني وراء حديثه ،، إن كان علي حق في غيرته فهو أيضاً ليس علي حق فهو الذي أصر علي معرفة كل الحكاية لذا وقفت متجههَ إلي الشرفة وأخدت تنظر لجمال المدينة الرائعه من هذا العلو وتبعها هو ليقف خلفها فاسترسلت في حديثها متذكرة :
" لقد ظهر من العدم ليلبسني تلك القلادة ويختفي تاركاً في قلبي فراغ كبير بعد كلماته التي أصابتني في الصميم منذ صغري علي ما أظن .. في البداية لم أهتم حقاً ولكني كبرت وكلماته تتردد في أذناي ومقابلتنا باتت حلماً يراودني بكثرة " .
إتسعت إبتسامتهُ بسرور فمراده منذ زمن كان يتحقق كما يريد تماماً فكبر هو وكبرت هي وحبهُ ينمو بداخلها رويداً رويداً قبل أن يخفي تلك الإبتسامة حين إلتفتت لهُ متحدثة بأسف وبصدق حبها لهُ :
" جود أعلم أنه لا يجب عليَّ .... " .
أسكتها بكفهِ علي شفتيها متحدثاً بهدوء :
" ششششـ .. تابعي ماذا كانت كلماته " .
تنهدت وعادت تديرهُ ظهرها مبتعده عن أسر عينيه لا تريد أن تلمح بهم خذلان أو ما شابه و تحدثت :
- لقد قال .. " أنتِ شمسي في النهار وأنتِ نجمتي في الليل وأنتِ من سأتزوجها حين أكبر " .
ثم تبسمت وقد إحتلها ذلك الشعور بالغمر الدافئ الغريب المحبب لقلبها من جديد ولوهله لم تشعر بالذنب نحو ذلك الواقف بجوارها وهي تغمض عينيها متذكرة تفاصيل جملتهُ البسيطة العميقة في ذات اللحظة : " ماما أخبرتني أن النجوم .... " .
حاوطها فجأة مقرباً إياها لهُ وهو يُكمل عنها :
" ماما أخبرتني أن النجوم في السماء وتظهر ليلاً فقط .. لكن من يوم ما لمحتكِ عيناي وأدركت أن والدتي كاذبة لأنكِ نچمة جميلة تسير علي الأرض وتحتل النهار ايضاً " .
وكانت وقع كلماته علي مسامعها مفاجأة كبيرة .. فقد أكمل جملتها كما أكمل حياتها وإستحوذ عليها كلياً ،، لطالما شعرت معهُ بهذا الشعور المختلف شعور كان يخبرها أن هذا هو الملاك الصغير التي كانت تنتظره .. والتي كانت تنظر في أعين الجميع لعلها تتلقف ملامحهُ بين الجموع وتراهُ مرة أخري .. صحيح كان عمرها السابعه ولا تعرف ماذا عمره ولكنه لم يكن بالكبير عنها كان بالنسبة لها طفل مثلها لثمها بكلامه الصغير التي لم تنساهُ حتي الأن وكأنهُ بالبارحه .. هو هنا ..
هو عاد .. هو كل الوقت بجوارها .. هو حقق كلامه
" أنتِ من سأتزوجها حين أكبر " وصَدَقَ فليلة واحدة تفصلهم عن اليوم المنشود وستصبح زوجته .
#يتبع