الفصل الرابع والعشرون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل
الفصل الرابع والعشرون
رمقها بإبتسامة متصنعة إلي أن غادرت ثم أمسك بهاتفه مسرعاً ليحدث
أروى مجدداً.. لقد ألقى الطعم ليلة أمس وها هو يتأكد ما أن حديث زينة عن أختها
صائباً أم لا!.. فقط في إنتظار شَصّه، هل سيُمسك بأحدى الأسماك ليُلقها
بمقطفه الذي امتلئ بالإنتصارات الأيام الماضية، أم سيعاود إلقاء طُعماً جديداً مرة
ثانية؟!
"صباح الخير يا أروى" تحدث بهاتفه
"شهاب.. صباح الخير" اجابته مسرعة بإقتضاب ونبرتها تبدو
متعجلة للغاية
"زينة طالعة دلوقتي الشركة وأنا مستنيها.. يا ريت زي ما اتفقنا
امبارح، حاولي تكوني جنبها.. أكيد اخواتك هيضايقوا وممكن يشدوا معاها.. معلش بس هي
هتحتاج حد يكون في صفها بعد الخناقة بتاعتها هي ومامتها" ادعى الإكتراث
ثانية، سيرى حقاً هل أروى كما تدعي زينة التي يصدق كلامها عن أختها التي تبدو
متعجرفة دائماً، أم أن عقلية تلك الفتاة الصغيرة تتوهم أشياءاً لا أساس لها من
الصحة
"ممم.. أكيد أكيد" لم تعر كلماته اهتمام، هي حتي لم
تسمعها.. هي فقط تقوم بإنهاء تلك القصاصات الصوتية من حديث سليم وإياد حتى تقتنع
بها زينة بأكملها، عليها أيضاً أن تتحدث لوالدتها لتخبرها عن مخططات إياد وسليم..
عليها أن تفعل الكثير وبتلك اللحظة لا تدري لماذا يُحدثها ذلك المدعو بشهاب..
ولماذا أجابته هي الأخرى!! لأول مرة تشعر بغبائها الشديد
"شكراً.." حمحمت وهي لا تستطيع التركيز بين إرسال تلك
المقاطع على احدى البرامج بهاتفها وكذلك محادثة شهاب لها "يعني شكراً إنك كنت
جنبها.. ومالوش لازمة تفضل تحت.. اتفضل اطلع وحتى اشرب قهوة معايا" لا تدري
لماذا قالت تلك الكلمات يبدو وأنها غير واعية لما يخرج من فمها ولكنها ودت أن تنهي
تلك المكالمة الغريبة بأسرع وقت ممكن
"تمام.. هركن العربية في الجراج واطلع" قبل تلك الدعوة في
ثوانٍ فهو يود أن يرى كل شيء بعينيه حتى يستطيع الحكم على تلك الفتاة والتأكد ما
إن كان يستطيع الإستفادة منها بالأيام المقبلة
"أوك.. مستنياك" أنهت المكالمة بسرعة شديدة وشعرت أنها ورطت
نفسها بالفعل بدعوة شهاب ولكن لينتظر وستأتي له لاحقاً..
عادت لتتأكد أنها تملك كل تلك المقاطع التي ستكون النهاية لتلك
العلاقة المزعومة بين سليم وزينة بعد أن رتبتها بحيث تصدقها أختها وتوجهت بخطوات
سريعة نحو طريق مكتب سليم فلابد وأن زينة ستتجه له هو أولاً قبل الجميع ولكنها لن
تترك لها الفرصة للإقتراب منه.. ربما كانت غافلة بالأمس القريب ولكن الآن هي ترى
كل شيء بوضوح ولن تترك لتلك الصغيرة أن تحول بينها وبين هدفها الذي لطالما أرادته
منذ سنوات..
❈-❈-❈
بالرغم من شعورها بالتردد ولكن ثقتها اليوم بنفسها لا تتضاهى،
مظهراً جديداً، أياماً قضتها بالمرح وبنفس الوقت باحت بالعديد من مكنونات صدرها
واستطاعت أن تحدث شخصاً آخر سوى ذلك الدفتر.. شخصاً بعيد كل البُعد عن العائلة
بأكملها، لم تشعر بالخوف من إخباره لأحد، لم يُذكرها بتلك الفتاة القديمة الضعيفة
المهزومة دائماً من قبل الجميع، شخص يستمع لها دون إطلاق الأحكام عليها ولم ترى
حتى بعينيه نظرة الشفقة التي ينظر لها بها من يكترث لها من عائلتها التي تمقتها
كثيراً خاصةً بعد أن تواجه نوبة من نوباتها المرضية التي تشعر بعدها وكأن الجميع
حولها يتفرقون لمذهبان.. أحدهما يظن أنها مجنونة والآخر يشفق عليها بمنتهى الآسى
لحالها..
ابتسمت بإقتضاب وهي تقف في إنتظار المصعد، للحظة شعرت بالإرتياح
لإمتلاكها شخصاً كشهاب بحياتها.. لربما هو الصديق الذي كان ينقص حياتها.. ذلك
الدعم والهدوء وعدم الإجبار وكذلك عدم فرض الأحكام عليها وطريقته بأكملها التي
يتعامل بها معها أراحها كثيراً وكأنها حصلت على مُهدئاً فريداً من نوعه..
دلفت المصعد وهي تتمنى أن سليم لن يغضب، لن يصرخ بوجهها على
إختفائها، ستخبره كم كانت تحتاج للإبتعاد قليلاً وسيقدر موقفها ويدعمها.. لقد
أشتاقت له.. لقد أشتاقت لتلك النظرة التي تجعلها تشعر وكأنها الفتاة الوحيدة
المتبقية على وجه الأرض بعد دمار أنهى الكون بأكمله..
توجهت لخارج المصعد ذاهبة نحو مكتب سليم وهي تحاول استجماع ثقتها
بنفسها، بالرغم من مظهرها الذي يوحي بالقوة الشديدة وملامحها التي تنبأ من لا
يعرفها بأنها صارمة الشخصية ولكن بداخلها تحاول التماسك قدر المستطاع..
"زينة.. حمد الله على السلامة!" توقفت لتلتفت لأروى التي
لم تتوقع أنها ستراها الآن
"الله يسلمك" أخبرتها بإقتضاب وكادت أن تتوجه لتُكمل
طريقها ولكن أروى لن تدعها لتفعلها
"كلنا كنا قلقانين أوي عليكي.. ومامي كانت منهارة.. أنتي
كويسة؟!" ادعت الإهتمام الزائف لتومأ لها زينة بإقتضاب وملامح غير مُرحبة
لها
"تمام" وحتى نبرتها لم تكن مرحبة أبداً
"الحمد لله إنك كويسة.. معندكيش فكرة احنا كنا عاملين ازاي..
احنا فكرنا إن لا قدر الله اتخطفتي أو بعد الشر جرالك حاجة" توجهت نحوها
لتعانقها وكأنما تكترث بينما تعجبت زينة من طريقتها التي لم تتوقعها فنظرت لها في
تعجب ولم تبادلها حتى العناق "بجد أنا مبسوطة أوي إنك كويسة ورجعتلنا
بالسلامة" ابتسمت لها لتضيق زينة ما بين حاجبيها فأروى لم تعاملها أبداً بمثل
هذا الأسلوب الحميمي من قبل
"شكراً.." لم تدري ماذا تقول سوى ذلك ولكنها ابتسمت مجدداً
بإقتضاب
"أنا.. أنا عرفت حاجة و.." تلمست يدها في ود زائف وحاولت
أن تبدو مرتبكة ومتأثرة أثر القادم ليزداد تعجب زينة أكثر فهي لم ترى أروى هكذا
أبداً لتتنهد هي وتُكمل "زينة أنا عارفة إن دايماً فيه ما بيني وبينك خلافات
كتيرة.. بس.. بس في الأول وفي الآخر احنا أخوات، وأكيد هضايق لو شوفت حد بيأذيكي
أو.. أو يعني.." توقفت بعد أن همست لتحمحم وحاولت إدعاء الحُزن على ملامحها
ولقد استطاعت أن تجذب انتباه زينة ببراعة
"أروى.. فيه ايه؟!" تسائلت في تعجب
"أنا.. بصراحة عرفت حاجة ومش هاقدر أخبي عليكي.. تعالي بس نقعد
في أي حتة بدل ما احنا واقفين هنا وأنا هافهمك كل حاجة" ادعت المزيد من
الإنفعال لأجلها وجذبتها بخفة فهي لن تخاطر بخروج سليم لرؤيتهما سوياً
"هو ايه اللي حصل بالظبط؟" ازداد تعجبها أكثر وهي تتجه
معها نحو غرفة الإجتماعات القريبة من مكتب سليم ففتحتها أروى وهي تنظر لها بأن
تتقدم فتقدمت زينة لتوصد أروى الباب واتجهت لتجلس تحت أنظار أختها المُتعجبة وقبل
أن تبادر زينة بالحديث أسرعت أروى
"تعالي اقعدي.. أنا هاقولك كل حاجة.. بس أرجوكي حاولي متضايقيش
من اللي هتسمعيه.. وياريت الكلام ده يكون سر ما بيننا.. أنتي عارفة إن لو سليم عرف
إني قولتلك حاجة زي دي هيتعصب جامد.. بس أنا استحالة اخبي عليكي" تحكمت في
ملامحها حتى تقتنع زينة بأنها حقاً تكترث من أجلها وتوجهت زينة لتجلس بنفاذ
صبر
"فيه ايه يا أروى.. وسليم يتعصب ليه؟ ايه اللي أنتي عرفتيه ما
تقوليلي؟!" تسائلت بإنزعاج لتحمحم أروى ونظرت لها في توسل
"بس اوعديني مش هتقولي لحد إنك عرفتي مني"
"أوعدك.. يالا يا أروى اتكلمي فيه ايه!" زفرت في حنق
وتحدثت بتعجل وهي تتحرق لمعرفة ما سبب تلك المقدمة الغريبة
"لما.. لما سافرت أنا وسليم الساحل.. لما جالنا خبر غلط إن فيه customer مات في قرية **** اللي
ماسكينها.. فاكرة اليوم ده؟!" همست بحزن برعت في تزويره
"آه.. ماله اليوم ده؟!" زفرت في انفعال ولم تعد تطيق
الإنتظار
"كنت.. كنت .. كنت في العربية ومستنية سليم وهو كان سايب موبيله
ومكنش عايز يرد على حد خالص ومتعصب.. أنتي عارفة ازاي بيكون عصبي لما حاجة غلط
بتحصل في الشغل.." تريثت لبرهة لتتفقد ملامحها بعناية وقد بدرت ملامح
القلق على وجه زينة ولكنها أكملت "أنا كنت خايفة ليكون فيه حاجة مهمة.. وفتحت
موبيله.. يعني مجرد قلق بس وفعلاً مقصدتش حاجة.. بس لقيتك إن أنتي اللي بتكلميه
و.."
"أظن دي حاجة خاصة بيا وبيه ومالكيش حق إنك تـ.."
كعادتها لن تقبل بالمزيد من التحكمات في حياتها وقبل أن تخبرها أروى أنها أخبرت
والدتها مثلاً قاطعتها حتى لا تدع لها الفُرصة بإخبارها تلك القصص اللانهائية من
أن والدتها لن تقبل هذا الأمر وماذا فعلت والدتها وكيف أخفت عنهم هذا الأمر ولكن
أروى لم تترك لها الفرصة وأمسكت بيدها مسرعة في دعم واهتمام زائف
"أنا اتبسطت جداً لما شوفت كلامكم" ابتسمت لها وهي تقاطعها
لتتوقف زينة ونظرت لها وهي تحاول أن تزيف المصدقية "سليم.. كلنا عارفين إنه
إنسان كويس وطموح وعارفينه.. أنا فعلاً اتبسطت واتطمنت إنه عرف يقرب منك وكلامه
ليكي بيقول إنه بيحبك" ادعت السعادة اللحظية من أجلها لتقطب زينة جبينها في
تعجب "أنا كنت ناوية أتكلم معاكي أكتر في الموضوع لما اجي.. وكنت فعلا مبسوطة
اوي بس.." حمحمت وعادت ملامحها للحزن "لما رجعنا، في اليوم اللي اختفيتي
فيه كنت فاكرة إن سليم يعرف مكانك، وأنا أتوقعت إنك تقوليله انتي روحتي فين"
ازداد تعجب زينة لتتابع أروى تلك التمثيلية الزائفة
"ماما كانت قلقانة أوي وإياد وعاصم عمالين يدوروا عليكي.. وأنا
كنت فاكرة إن هو الوحيد اللي يعرف مكانك، ولما حاولت كذا مرة أقول لإياد يحاول
يعرف من سليم أنتي فين حتى نطمن عليكي بدل القلق ده اللي كنا فيه.. كنت بحسه مش
مصدقني ومش عايز يساعدني..فاضطريت إني امسك موبيل سليم من غير ما ياخد باله بس
عشان اطمن عليكي بس.. بس لقيت.." حمحمت وادعت التأثر الشديد كالممثلة
المحترفة لترى ملامح زينة المضطربة تتحكم بوجهها بأكمله لتزيد من مسكتها على يدها
وكأنها تكترث لها حقاً
"لقيت كلام غريب أوي ما بينه وبين إياد.. ومن زمان مش بس
اليومين دول.. أنا قولت افتح الواتساب ما بينهم يمكن يكون سليم قاله وإياد رافض
يقولنا.. بس .. بس أنا بجد مصدقتش.. مصدقتش إن سليم ممكن يبقى واخد الموضوع كله
هزار وتهريج.. والحمد لله إني فهمت يا زينة.. مكنش ينفع يخدعك أكتر من كده.."
دمعت عيناها كالتماسيح تماماً ولكنها ادعت التماسك وجذبت يدها هاتفها بسرعة وهي
تزيف الحزن "أنا بعت كل الـ voice notes ما بينهم .. أنتي من حقك تعرفي كل حاجة" توترت زينة من
كلماتها وبدأت وتيرة أنفاسها في التسارع من القادم "أنا هاسمعك كل حاجة
واحكمي أنتي عايزة تعملي ايه.. في الأول وفي الآخر القرار يرجعلك"
"اللي بتعمله عمتي ده كتير، كتير عليكوا وكتير على زينة بالذات،
زينة استحالة تقدر تتعامل بالأسلوب ده.. غلط وأكبر غلط اللي عمتي بتعمله.. دي
مريضة صرع.. عارف يعني ايه؟! يعني عايزة اللي يطبطب عليها، اللي يهتم بيها"
"عارف يا سليم، أنا حاولت معاها، بس بردو مش عارف"
"ولا عمرك هتعرف.."... "عشان أنت في وسط الدوشة دي
أنت كمان.. عمتي مش قادرة تفهم إنكوا كبرتوا، مش قادرة تفهم إن زينة حساسة أوي، مش
قادرة حتى تبينلها خوفها بطريقة صح.. زينة لو بس اتعاملتوا معاها حلو يومين تلاتة
هتتغير مية وتمانين درجة.."
"طب والحل يا سليم؟! هنسيب زينة كده تضيع مننا.."
"أنا عندي حل.."
"استحالة.. ده حتى أبويا الله يرحمه مقدرش عليها.."
تحدث مجدداً بسخرية "طب يا سيدي ليك عليا لو عرفت تغيرها وتقدر على راسها
الناشفة دي أعملك اللي أنت عايزة.. حتى لو حابب تتراهن.. أنا اهو بقالي سنين
بحاول، ولو فعلاً عملتها هعملك اللي نفسك فيه!"
"خلاص نتراهن.. اتفقنا.." ... "لو قدرت أغيرها فعلاً
تنفذ اللي أقول عليه من غير أي أعتراض وتساعدني فيه"
"أنا.. أنا بجد مكنتش أتوقع إن الموضوع بينك وبينه يكون مجرد
رهان بينه وبين إياد.. أنا آسفة يا زينة" ادعت التأثر ببراعة بينما تهاوت
دموع زينة في صدمة وعدم تصديق "أنا آسفة بس لسه فيه كلام تاني" أخبرتها
وهي تشعر بالفرحة الشديدة تنفجر بداخلها فلقد قاربت على تدمير علاقتهما
بالكامل
"عايز تقول إني فشلت مع اختي يعني وأنت اللي فهمتها؟"
"ايوة يا إياد.. أنا فهمت زينة وقدرت أغيرها"
"أنت عملت ايه بالظبط؟!"
"زي ما قولتلك كتير قبل كده أنها محتاجة شوية اهتمام.. لما جه
عيد ميلادها جبتلها شوية هدايا وفجأتها في ألمانيا.. زينة اتحولت بسرعة الصاروخ،
والدليل على ده إنها رجعت من سفرها بدري" .. "زينة غلبانة اوي واي
كلمتين حلوين بيجيبوا معاها نتيجة وبيبسطوها" ... "شوفت يا إياد إن
الموضوع بسيط"
"أرجوكي بلاش تعرفيه إن أنا اللي عرفتك.. سليم ممكن ينفي كل
الكلام ده وأكيد هيقول إن أنا السبب وإني رافضة علاقتكو.. بس صدقيني أنا كنت
فرحانة في الأول، لكن لما اكتشفت الحقيقة قولت لازم تكوني عارفة وأنا بجد آسفة..
كان نفسي أسمعك الباقي بس ده اللي قدرت اوصله ومكنش قدامي وقت كفايـ.."
"شكراً إنك عرفتيني .." نهضت وهي تحاول التماسك بعد أن
قاطعتها وتوجهت نحو باب الغرفة
"استني بس يا زينة انتي رايحة فين؟!" ادعت الإكتراث
بنبرتها وكأنما تتوجه خلفها ولكنها بسرعة جعلت هاتفها يصدح بالرنين وكأنها تلقت
مكالمة وما أن رآتها تدلف مكتب سليم حتى ابتسمت في خبث وزفرت براحة شديدة
"فاكراني هسيبهولك بالسهولة دي.. طول عمرك هتفضلي هبلة ومتخلفة" ضحكت
بإنتصار وتوجهت لمكتبها بخطوات منتصرة فهي تدرك أن شهاب ينتظرها بمكتبها.. وكذلك
عليها أن تُحدث والدتها وتخبرها بما يُعدا لها سليم وإياد..
❈-❈-❈
"أوووف.. هتفضلي كده مجرياني وراكي زي العيل الصغير.. ما خلاص
بقا يا نورسين" حدثها في توسل لترمقه هي بطرف عينيها وأكملت ما تعده وكأنه لم
يتحدث تماماً لتسمع زفرته التي تدل على سأمه الشديد "ناوية يعني تفضلي زعلانة
كتير؟!" ضيق عيناه في مكر ثم أقترب منها وحاول أن يعانقها "ما قولنا
خلاص بقـ.."
"لو سمحت!! ابعد يا بدر أنا مش بهزر" قاطعته بنبرة
جدية
"يوووه يا نوري بقا مـ.."
"أنت عارف كويس إن الطريقة دي مش هتوصلك لحاجة، وأظن أننا
اتكلمنا في الموضوع ده أكتر من مرة.. وأنا مش عيلة صغيرة عشان تقولي هقوله وتيجي
بعديها تصالحني وكأن مفيش حاجة حصلت.. لما تبقا تفهمه كل حاجة هابقا أرجع كويسة
معاك" أخبرته بحزم وملامحها لا تتقبل إقترابه المازح الذي اعتاد أن يُنهي به
جدالات عديدة بينهما
"أنا مش فاهم انتي مصممة ليه أقوله.. ما خلاص الموضوع عدى.. ليه
نفتح في القديم!!" تسائل بإنزعاج متكماً بينما هي رمقته في تعجب وأخذت كلماته
على محمل الجدية
"أنا مصممة ليه؟! حقيقي مش فاهم؟!" سألته بسخرية بينما
ابتعدت عنه ونظرت له بجدية "أنا أقولك ليه مصممة يا بدر الدين!" تفحصت
عيناه السودواتان ثم تابعت "عشان من يوم وفاء ما ماتت وأنا عمري ما شوفتك
خايف غير لما عرفت إن ممكن سليم يعرف كل حاجة حصلت زمان.. أنت لسه بتخاف.. يمكن آه
اتغيرت كتير اوي بس لسه الحتة دي جواك.. لسه الخوف من إنك تواجه جواك وأنت بنفسك
اعترفت بكده" تنهدت في آسى وأطنبت بالحديث وأقتربت منه لتتلمس يده في دعم عله
يستجيب لها
"أنا حبيتك يا بدر، حبيتك قبل ما أعرف مين سليم، وقبلت سليم في
حياتي وحبيته زي ابني عشان هو ابنك في الأول قبل ما يكون ابني.. آه من حقه يعرف
دلوقتي كل حاجة، وآه سليم عاقل وكبير وبيفكر كويس في الحاجة لما بيعرفها أو
بيسمعها، بس قبل كل ده أنت من حقك ترتاح.. من حقك تحط راسك على المخدة بليل
وتنام مرتاح من غير تأنيب ضميرك ليك على الإنسان اللي كنته زمان" تنهدت وهي
تنظر له في حزن على تلك الحال التي وصل لها "فكرك مش حاسة بيك؟! أنت من يوم
ما عرفت موضوع شهاب وأنت كل يوم بليل بتمثل إنك نايم.. عارفة كويس إنك عمال تفكر
يا ترى سليم هيبصلك ازاي لو عرف الحقيقة.. تفتكر يوم ما يعرف منك مش هيبقا أحسن؟!
ولا تحب يعرف بطريقة تانية، صُدفة مثلاً.. أو شاهي زي ما جابت سيرة كريم تجيب سيرة
أي حاجة حصلت بيني وبينك زمان على سبيل الهزار.. أو بأي طريقة أياً كانت ايه.. تحب
فعلاً إن سليم صاحبك.. ابنك.. يعرف أي حاجة من حد غيرك؟!" انتظرت إجابته
ولكنه نظر إليها بجدية ولم يستطع التفوه بحرف
"أنت حاجة تشرف يا بدر.. كل اللي حصلك في حياتك يشرف.. إنك توصل
لحياة زي دي بعد كل اللي واجهته زمان تشرف أي حد.. حاجة تشرفني أنا وولادك، وأي حد
لو يعرف اللي حصلك كله زيي هيبقا مبسوط إنك وصلت لكل ده في حياتك بعد كل اللي
واجهته واتعرضتله.. كفاية إنك وأنت راجل كبير بطلت كل حاجة غلط كنت بتعملها..
اتعالجت من نفسك من غير ما حد يقولك اتعالج.. اتغيرت مية وتمانين درجة عن الإنسان
اللي كنت عليه زمان.. ربيت ولادك احسن تربية.. وسليم بالذات اتعاملت معاه بطريقة
حلوة اوي وواجهت خوفك من التربية وخلقت ما بينكم علاقة عمري ما شوفتها بين أب
وابنه.. أتأكد وأعرف إن كل ده يشرف مش حاجة تخلي سليم يبصلك بصة وحشة" الآن
طرقت تلك الكلمات على عقله ورآت نظرة الطفل التائه بعينيه لتومأ هي له
"سليم لما يعرف كل حاجة هيكون فخور بيك أكتر.. هيصدقك.. إنك
تحكيله وتفهمه كل حاجة هتقربكوا لبعض أكتر.. هتقدر تقف جنبه وتبعد شهاب عن العيلة
كلها لأن عمر ما حد هيفهم الشخصيات دي زيك.. تقدر تقولي لو مفهمتهوش كل حاجة وجيت
فجأة وقفت لشهاب سليم مش هيستغرب؟! استحالة تشكك في ذكاء سليم يا بدر وأنت فاهمة
وعارفة كويس أكتر مني.. أنا وأنت عارفين هو ذكي ازاي، وعارفين ابننا كويس اوي
كمان.. وأنا وأنت عارفين إنه قد ايه شهم ومحترم وبيخاف ازاي على عيلته كلها زي ما
أنت ما كنت بتخاف عليهم زمان.. وفي نفس الوقت سليم عنيد.. فاكر انه هو بس اللي
عليه مسئولية كل حاجة وعايز يتصرف في كل حاجة لوحده.. بس تفتكر الراجل
الكويس اللي احنا ربيناه هيعرف يقف قدام واحد حقير زي شهاب لوحده؟! آه ذكي وشاطر،
بس تفتكر نوعية شهاب دي مش خطر؟! مش ممكن سليم بنيته الكويسة يجراله أي حاجة من
واحد زي شهاب؟! مش أنت هتقدر تتصرف احسن من سليم في حاجة زي دي؟!" سألته
لتمتعض ملامحه ثم تحولت للتعجب والحزن عندما رآى زرقاوتها تفيض بالدموع
"أنا معرفش شهاب ده مين ولا ايه اللي خلاه كده ولا ليه فجأة ظهر
ودخل حياتنا.. بس اللي اعرفه إنه لو فعلاً سادي زي ما بتقول بالمنظر ده ويقدر يكون
حقير ويهدد بنت بالطريقة دي يبقا ممكن يأذي أي حد.. ممكن يبقا كلام سليم صح ويأذي
زينة ولا أروى.. ممكن يكون عايز يعمل حاجة في الشغل.. وممكن بأي طريقة يأذي سليم..
وأنا جربت!!" تهاوت المزيد من دموعها ولكنها أكملت بهيستيرية "جربت يعني
ايه واحد سادي يأذي اللي قدامه.. من غير ما يفكر حتى اللي قدامه ده صح ولا
غلط ولا كويس ولا لأ.." أجهشت بالمزيد من البكاء ليشعر بدر الدين بالإنكسار
الشديد لما تخبره به فهي للتو ذكرته بأشياء قد ظن أنه نسيها للأبد
"أنا مش هستنى أنه يأذي ابني ولا حد من الولاد اللي بعتبرهم زي
ولادي.. أرجوك يابدر كلم سليم وعرفه كل حاجة.. لما تيجي منك غير لما تيجي مني..
أرجوك قوله بسرعة لأن احنا مش عارفين ايه اللي ممكن يحصل" استمرت في البكاء
ليشعر بدر الدين وكأنما تتهشم روحه بداخله ليعانقها وهو يشعر بالآلام الشديدة لتلك
الذكريات السوداء التي مرت على عقله ولكنه بقرارة نفسه يعلم أنها مُحقة بكل ما
أخبرته به ويعلم أن صراعه الداخلي لن ينتهي إلا عندما يُخبر سليم بكل شيء
"اهدي يا نورسين.. هقوله حاضر كل حاجة.. هاحكيله.. بس ارجوكي
اهدي"
❈-❈-❈
"زينة!!" همس بصدمة بعدما تفقد من قد يفتح باب مكتبه
بتلك الهرجلة الشديدة ليجدها تقف أمامه وهيئتها تبدو غريبة للغاية كما أن ملامحها
تبدو حزينة ومنفعلة بآن واحد "كنتي فين كل ده؟! أنتي كويسة؟!" توجه
نحوها في لهفة مهرولاً بينما رمقته هي بمنتهى الإحتقار وتهاوت دموعها مرة ثانية
"ايه يا زينة مالك.. فيه حاجة حصلت يا حبيبتـ..."
"اياك!!" أشارت له بيدها وهي تضعها الحاجز المنيع بينها
وبينه وفاحت الحسرة من أمواج ذلك البحر الذي تحبسه بين جفنيها
"يا زينة فهـ.."
"مكنتش أتصور إنك ممكن تعمل فيا أنا كده" قاطعته ونحيبها
يهشم نبرتها المكسورة التي وقعت على أسماعه ليشعر بالخوف الشديد ولكن لا يدري
أعليها أم من ملامحها التي تخبره بمنتهى الجدية أن هناك دماراً قد عمر بينهما
للأبد "أنا بالنسبالك رهان يا سليم.. رهان؟! ومع مين.. مع إياد؟!"
تسائلت بحزن وهي حقاً لا تريد الإستماع لأية إجابات "أنت يا سليم من بين كل
الناس تعمل فيا كده؟! طب حتى لو مفيش ما بيننا حب ومشاعر، سليم ابن خالي يطلع في
الآخر حقير اوي كده!!" نظرت له بحسرة شديدة وهي تجفف دموعها وكأنها محت تلك
الدموع وكذلك تلك الفتاة الهشة التي أعتادت أن تكون عليها معه لينظر لها
بإستغراب
"بس لأ يا سليم.. أنا استحالة اسمحلك أو أسمح لأي حد إنه يقول
عليا غلبانة اوي وأي كلمتين بيجيبوا نتيجة معايا.. أنا مش مستنية شفقة من حد..
انسى بقا خالص زينة القديمة الطيبة الهبلة مريضة الصرع.. أنا من النهاردة مش هحتاج
لحد فيكوا أبداً.. وأولهم أنت"
التفتت لتتجه نحو الخارج ليتعجب سليم وهو يحاول أن يُرتب كلماتها في
رأسه فهو لا يدري من أين آتت بتلك الكلمات وما ذلك الرهان التي تتحدث عنه!! ولكنه
أسرع ليوقفها ممسكاً بمعصمها
"استني بس يا زينة انتي عرفتي الكلام ده من مين؟! أنا والله ما
قـ" تسائل مسرعاً لتلتفت هي له ثم صفعته دون مقدمات لينظر لها بصدمة وانهالت
عيناه بالغضب الشديد فهو لأول مرة في حياته يواجه هذا الموقف وبعيداً عن سائر بني
آدم تفعلها هي أكثر من يُحبها قلبه لتتركه في حالة من الذهول المقترن بالغضب الجم
الذي لن يستطيع أحد مجابهته
"أنت ازاي كده؟ ايه معندكش كرامة؟ معندكش دم؟! ضحكت عليا وخلتني
أثق فيك وفي كل كلامك وفي كل اللي بتعمله ويوم ما أكتشف أسلوبك الحقير من ورايا كل
اللي فارق معاك أنك تقولي مين اللي قاللي؟! عشان تعمل ايه؟ تروح وتعمل كبير العيلة
وتتعصب على اللي قاللي وزي التعبان تلف من ورايا وتروح تعمل حاجة تاني عشان
أصدقها؟! عشان أنا زينة الغلبانة مش كده؟! بشوية اهتمام وهدايا هتعرف تضحك عليا
تاني.. أنسى يا سليم.. وياريت تخلي عند دم ومتكلمنيش تاني أبداً.. أنا كل علاقتي
بيك من النهاردة إنك مجرد ابن خالي واللي ماسك رئيس مجلس إدارة الشركة.. أكتر من
كده أنت ولا حاجة بالنسبالي" رمقته بإحتقار بينما تعالت أنفاسه الغاضبة
ليجدها تنتزع معصمها بقوة من بين يده ورمقته بمنتهى التقزز وتوجهت للخارج..
❈-❈-❈
"هي آنسة أروى فين؟!"
سأل شهاب تلك السكرتيرة التي تجلس بمكتب ملحق خارج مكتب أروى فلقد
طال انتظاره وبدأ السأم كما أنه واثق من حدوث أمرٍ ما وهو لا يعلم عنه شيء بعد..
"آنسة أروى قالت أنها عندها اجتماع مع Mr سليم.. معلش لو حضرتك
ممكن تستناها بس على ما تخلص و.."
"تمام.. أنا هابقا اعدي عليها وقت تاني" ابتسم بإقتضاب وقد
قاطعها لتتعجب الفتاة وتركها وهو يدري تماماً إلي أين سيذهب.. لابد وأن
الجميع الآن بنفس الطابق الذي به هذا الفتى المغرور.. فزينة ستذهب له على الفور،
وقد أوصى تلك المتعجرفة بأن تكن بجانبها.. عليه الذهاب لذلك الطابق واستكشاف ما
يحدث بنفسه.. فقط يتمنى أنه نفس الطابق الذي اجتمع به مع هؤلاء الأطفال المزعجين
من قبل وإلا عليه أن يبحث عنه بنفسه..
توجه بخطوات سريعة للمصعد وحاول التحكمفي نفاذ صبره قدر المستطاع إلى
أن آتى المصعد ودلفه وضغط على زر الطابق الذي يظن أن به هذا الفتى الثري.. لا
يُصدق أنه عليه تحمل احتمال رؤية وجهه ولا وجه تلك المتعجرفة الذي بات يبغض رؤية
وجهاهما أكثر من أي شيء بحياته.. كلما أدرك أن عليه التعامل مع حفنة الأطفال
المزعجين يشعر بأن رأسه تتعكر ويريد أن يُفجر ذاك السواد الذي يقتحم رأسه بأي شيء
كان!! كما أنه عليه احتمال تلك الطفلة الصغيرة كذلك!! لابد وأن يُنهي هذا الأمر
بأقرب وقت..
زفر في إنزعاج عندما توقف المصعد بأحدى الطوابق ومن حظه العثر ها هو
يواجه واحداً من هؤلاء الأطفال المزعجين.. تابع الفتى المغرور.. وابن عمه
إياد
"شهاب!!" تحدث بتعجب وتخولت ملامحه للإستغراب حتى حاجباه
اذعنا على ذلك "عامل ايه؟!"
"تمام.." ابتسم له بإقتضاب مُردداً داخل رأسه "شوفت
عفريت شكلك!"
"عندك اجتماع النهاردة ولا ايه؟!" بالرغم من سؤاله الذي
جعله يبدو غير عالماً بشيء ولكنه سأله اياه على كل حال بينما الآخر تريث قليلاً
وهو يتابع الطوابق التي تمر ولا يريد التفوه بحقيقة ما جعله يحضر اليوم لقلعة
هؤلاء الأطفال المترفين
"لا.. عديت بس على أروى.. بشرب معاها قهوة مش أكتر.. أكيد هعدي
عليك بردو في يوم" شبح ابتسامة مقتضبة مُرحبة ظهرت على شفتاه ولكن لم يرى
إياد أنها كانت مزيفة
"إن شاء الله.. أخبار الشغل بتاعنا عندك في المواقع ايه؟!
تمام؟"
"أكيد تمام.. ولا أنت مش واثق في شركتكم؟!" باغته بذلك
السؤال الساخر لتمتعض ملامح اياد
"أكيد واثق.. بس ابن عمنا بردو ولازم أتأكد إنه راضي عن كل
حاجة" اجابه بلباقه وابتسامة نبيلة
"لا متقلقش.. كله ماشي تمام" ساد الصمت لوهلة بينما صرخ
شهاب بنفسه "بكرة تطربق على دماغكو.. الصبر بس"
ترجلا سوياً خارج المصعد بنفس الطابق ليتعجب إياد لخروج شهاب معه وهو
من كان يظنه ذاهباً لأروى وبنفس الوقت كانت تخرج زينة التي دلت ملامحها على
البُكاء الشديد ليتسمر إياد مكانه بينما ادعى شهاب نظرات الإكتراث التى وجهها
إليها ثم لاحظ سليم يخرج هو الآخر من مكتبه تابعاً اياها لتظهر أروى من غرفة
الإجتماعات واجتمع جميعهم في الرواق في مشهد لا يحسدون عليه!!
"زينة!!" همس إياد في صدمة لترمقه في احتقار وأكملت طريقها
نحو المصعد بينما أوقفها صياح سليم الذي بات غاضباً مُحذراً أكثر منه متوسلاً
متأثراً بما بدر بينهما منذ قليل
"زينة!"
"شكلك كده مش قادر تفهمني.." توقفت والتفتت له في انفعال
ثم تسللت ضحكة خافتة بين شفتيها "زي أروى.. زي إياد.. وعاصم وماما
وكلكوا!" وزعت نظراتها بين أروى وإياد ثم عادت لتُسلط نظرتها عليه "بس
اوعوا تفتكروا إني بقا يهمني تفهموني ولا لأ.. مش هازعل ولا هاعيط ولا أخاف..
متقلقش يا سليم يا كبير العيلة مش هتجيلي نوبة صرع" ابتسمت له بآسى وانسابت
احدى دموعها بغتة لتُجففها "ولا أنتي يا أروى.. متقلقيش.. مش هسألك أسئلتي
الكتيرة اللي بتضايقك أنتي وعاصم ولا هافضل أعيط بالساعات زي زمان.. خلاص يا أروى
أنا مبقتش بخاف من قفلة الأوضة عليا بالساعات" تهاوت المزيد من دموعها لتتحول
نبرتها بالكامل للإنكسار والتفتت حيث إياد الواقف خلفها بجانب شهاب "وأنت يا
إياد.. أنت كنت أقرب حد ليا في اخواتي، مبقاش لازم تحاول علشاني.. مبقتش مُجبر
تقولي كلمتين حلوين وتاخدني في حضنك تطبطب عليا.. أختك الصغيرة الغلبانة كبرت
خلاص.. مبقتش مستنية كلامك الحلو اللي بتحن عليها بيه كل فين وفين" هنا تعالى
نحيبها وهي تنظر له غير مُصدقة أن أخاها من ظنت أنه الأقرب بين الجميع لها قد فعل
بها هذا وبدأت شهقاتها تتحول للهيستيرية التامة وصرخت بهم جميعاً
"أنا مش هاستنى إني ابقى رهان، ولا هاكون مصدر ازعاج لحد فيكو
تاني.. وابقوا بلغوا ماما إني كويسة وعايشة وبسمع كلامها وبشتغل وهاخد قريب
ماجيستير في الهندسة اللي غصبتني عليها.. بس اسمعوني كويس اوي.. أنا مش هاكون زينة
القديمة الخايبة الخايفة من الكل.. وده بقا اللي عندي واللي عاجبكم اعملوه..
والعيلة دي كلها أنا مبقتش عايزة أعرف منها حد.." صرخت بين بكاءها وشعور
الحسرة والحزن تملك كل جوارحها بعدما انفجر بعقلها ثم توجهت نحو شهاب وهي تبكي
"يالا يا شهاب" أخبرته ثم توجهت نحو المصعد ليأخذ خطوات واسعة حتى سبقها
والتفت اليها موقفاً اياها وقاطعاً طريقها وواجهت الجميع بظهرها بينما هو يتفقد ملامحها
تارة وملامح الجميع تارة أخرى
"استني بس يا زينة.. مينفعش تسـ.."
"أنت كمان هتقولي عيب اللي بعمله؟ وانهم اخواتي؟ وإن سليم
يستاهل؟! أنت متعرفش قد ايه هما مصممين يكسروني زي ما أكون أنا عالة عليهم أو حاجة
يستعروا منها.. أنا حاكيتلك عن كل حاجة.. حاكيتلك إن إياد أقرب حد ليا..
قولتلك حاسة بإيه من ناحية سليم.. بس أنت متعرفش إن أكتر اتنين حسيتهم قريبين ليا
في الدنيا دي عملوا فيا ايه.. دول بيكرهوني.. بيتراهنوا عليا زي ما أكون لعبة ولا
حاجة يشغلوا بيها وقت فراغهم.. عرفت إن العيلة دي كلها متستاهلش.. ولا حتى هما.. يا
ريتك ما عرفت ناس زي النـ.." قاطعته صارخة ودموعها كالشلالات تسري على
وجنتيها وشهقاتها تتحكم بنبرتها الباكية التي قد مزقت رئتيها وهي تلاحق تنفسها
الذي يصارع للبقاء بين تلك الحالة التي كادت تتحول لنوبة أخرى من نوباتها
"خلاص اهدي.. كفاية عياط" هنا قال تلك الكلمات ليعانقها
بين ذراعيه وقد فعلها قاصداً أن يرى تلك النظرة التي انبعثتا من مقلتي سليم وكأنه
تم إعدامه للتو!
يُتبع..