-->

الفصل الخامس والعشرون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل


الفصل الخامس والعشرون


"أنت هتفضل ساكت كده؟! يعني من شوية كنت متعصب ودلوقتي ساكت وبعدين مش فاهم أنت ليه صممت نسيب الشركة خالص وننزل نقعد هنا.. ناوي تقـ.."
"إياد أنت فاكر الكلام اللي زينة قالته؟!" قاطعه سليم بملامح جدية للغاية وعيناه تتحدث بالعديد من الكلمات التي لم يستطع إياد معرفتها بعد
"فاكر" هز رأسه في آسى بعد أن تذكر ما فعلته أخته
"وأنت متأكد إن مفيش أي حاجة حصلت ما بينكم قبل ما تختفي؟ يعني شديتو مثلاً أو اتخانقتو؟" سأله بنبرة غارقة بالتفكير كما عقله 
"مفيش يا سليم العادي بتاعي أنا وزينة يعني" هز كتفاه "أنت بتفكر في ايه بالظبط يا سليم؟" ضيق عيناه بإستفسار ليتنهد الآخر ثم تفحصه جيداً قبل أن يبدأ الحديث 
"بص يا إياد.. أنا حاسس إن زينة أتضحك عليها أو حد قالها حاجة غلط عني وعنك"
"مين يعني!! شهاب مثلاً؟!" 
"مش عارف.. أنا مستبعدش إن واحد حقير زي ده يطلع منه الكلام اللي قالته زينة.. بس مش هو لأ!" شرد مجدداً لتزداد حيرة إياد وتلك الكلمات التي لم يعد يفهمها كلما تحدث لسليم 
"أنا مبقتش فاهم كلمة منك.. وايه حوار شهاب ده اللي قولتلي هتكلمني فيه أكتر من مرة.. أنا بجد مش فاهم أي حاجة"
"سيبك من شهاب ده خليه على جنب دلوقتي.. وركز في حوار أختك الأول" أعاد نظرته إليه "فاكر لما قالت بالحرف أنا مش هاستنى إني ابقى رهان فاكر ولا لأ؟!" 
"هي تقريباً قالت حاجة زي دي" هدأت نبرة إياد المتعجبة وبدأ في الإشتراك وجودياً بتلك الدوامة التي تدور برأس سليم
"وفاكر لما كلمت شهاب وقالتله بس أنت متعرفش إن أكتر اتنين حسيتهم قريبين ليا في الدنيا دي عملوا فيا ايه.. دول بيكرهوني.. بيتراهنوا عليا زي ما أكون لعبة ولا حاجة يشغلوا بيها وقت فراغهم.. فاكر؟!" 
"أنا مش عارف انت ازاي فاكر كلامها ده بالحرف بس آه هي فعلاً قالت كده" ومض نحيبها المصحوب بكلماتها في ذاكرته بعدما ذكره سليم بكلماتها 
"إياد أنا بحب زينة" باغته بذلك الإعتراف ليتصلب جسد إياد بالكامل وبدت الصدمة على ملامحه وهو ينظر إلي سليم يتفحصه بعينيه "مش بحبها إنها بنت عمتي ولا زي ما بحب أسما وأروى وبخاف عليهم.. أنا بحبها وعايز أكمل حياتي معاها وتكون أم أولادي في يوم" المزيد من الإعترافات جعلت إياد يغرق بداومة من الصمت بينما صرخ عقله بالعديد من التساؤلات وكذلك شعور بأن الوحيد الذي اتخذه كصديق ويُعد أقرب الأشخاص إليه قد أخفى عليه هذا الأمر..
"قبل ما تفكر إني خبيت ده عليك.. أنا عمري ما قولتلها إني بحبها.. عمر ما كان فيه وقت مناسب زمان.. زينة بالذات مكنش ينفع أتسرع معاها أو حتى أستغل سعادتها بأني قربت منها في أني أسرع علاقتنا ببعض.. أنا كنت عايز أحس إنها بتحبني فعلاً وإنها مبتتسرعش.. وأنا بدأت أبينلها ده بعد موت جوز عمتي سيف الله يرحمه.. هي كمان كانت في حالة صعبة، يادوب رجعت من السفر على الخبر وكانت متغيرة اوي وأظن إن كلنا لاحظنا ده" أطنب بالمزيد عله يزيح تلك النظرة التي سيطرت على عينا ابن عمته وصديقه المقرب وكذلك أخو من يعشقها 
"أنا يمكن بينتلها مشاعري.. اتعاملت معاها بطريقة جديدة هادية.. حسيتها انها بتستجيب وشوية بشوية كانت بتتحسن وبعدت عن سكوتها وتكشيرة وشها اتغيرت.. بالذات لما روحتلها ألمانيا.. ولما رجعت بدري أنا فرحت واتبسطت.. بس من ساعتها اديك شايف أنا يا مسافر يا فيه مصايب بتحصل يا أنا بعرف حاجات بتشغلني غصب عني وفجأة هي اختفت بس إنها ترجع كده وتقول اني أنا وأنت بنتراهن عليها دي حاجة أنا مكنتش أتوقعها أبداً.. عارف إنها كتير بتقعد تفكر وهي لوحدها وعارف إن علاقتها بعمتي صعبة أوي بس فجأة كده تفتكر اننا أنا وأنت بنكرها.. مش قادر احس إن الكلام ده جاي منها هي لوحدها!!" تريث لبرهة ولا زال إياد ينظر له نظرات مبهمة "وكمان متعرفش قالتلي ايه في المكتب واحنا لوحدنا" حاول أن يستدعي انتباهه ليزفر إياد بنفاذ صبر 
"قالتلك ايه؟!" سأله بإقتضاب بين أسنانه المُطبقة ليُلاحظ سليم غضبه
"كانت منهارة وفاكرة إنها بالنسبالي رهان.. زي ما تكون فاهمة ومقتنعة إني أنا وأنت اتراهنا عليها.. كان كل كلامها بيقول إنها بالنسبالي تسلية ومبحسش من ناحيتها بحاجة واني كنت بثبتلك انها مجرد مريضة وكنت بشفق عليها مش أكتر.. كمان شايفة اني بخدعها ومن وراها كنت بعمل حاجات عشان بس اثبت انها طيبة وغلبانة.. مش شايف ان كلامها فيه حاجة غريبة؟!" سأله لينظر له إياد بإنزعاج 
"أخلص يا سليم انت عايز تقول ايه بالظبط!" أخبره بإقتضاب ونبرة حادة 
"فاكر كلامنا النهاردة الصبح قبل ما زينة تيجي في مكتبي؟! فاكر قد ايه قولتلك إنها غلبانة ومحتاجة شوية اهتمام وكلمتك ان عمتي بتعاملها غلط ولو بس أنت اتغيرت شوية معاها هتلاقيها بقت حاجة تانية" أومأ له ليتركه له سليم المتسع من الوقت للتفكير ليعقد إياد حاجباه وكأنه توصل لنفس ما يُفكر به سليم 
"طب وزينة سمعتنا ازاي.. وايه حوار الرهان اللي بيني وبينك ده؟!" تلاشى غضبه لثوانٍ 
"مش عارف.. حاولت أسألها مين اللي قالها وهي رفضت تقولي" تنهد في يأس ثم أكمل "حوار الرهان بقا من كل قعدتنا أنا وأنت مقولناش الكلمة دي غير عن عمتي هديل.. فاكر؟!" تحولت ملامحه للتوسل ليومأ إياد بالإيجاب "أنا حاسس إن فيه حد نقل لزينة الكلام بس بطريقة غلط.. وأنت عارف زينة مبتسبش اي حاجة تعدي كده وخلاص.. أكيد فاكرة إننا اتراهنا عليها" سكت سليم ليشرد وكذلك إياد كل منهما يحاول التفكير في المسؤول عن كل ذلك 
"بس مين هيكون من مصلحته إن زينة تصدق كل الكلام ده.. أنا شايف إن هو شهاب.. بالذات إنك بتقول إنك عرفت إنه مش كويس، وكمان شكل زينة كانت جاية  معاه ولما جت تمشي قالتله يالا يا شهاب" زفر في  حنق ثم اتبع زفرته بنبرة منزعجة 
"افتكر كده كلام زينة قبل ما تمشي، قالت بالحرف لشهاب أنت كمان هتقولي عيب اللي بعمله؟ وانهم اخواتي؟ وإن سليم يستاهل؟! أنت متعرفش قد ايه هما مصممين يكسروني زي ما أكون أنا عالة عليهم أو حاجة يستعروا منها.. أنا حاكيتلك عن كل حاجة.. حاكيتلك إن إياد أقرب حد ليا.. قولتلك حاسة بإيه من ناحية سليم.. بس أنت متعرفش إن أكتر اتنين حسيتهم قريبين ليا في الدنيا دي عملوا فيا ايه.. دول بيكرهوني.. بيتراهنوا عليا زي ما أكون لعبة ولا حاجة يشغلوا بيها وقت فراغهم.. عرفت إن العيلة دي كلها متستاهلش.. "
"لا ده أنت واضح إنك بتحبها أوي وبتركز معاها جداً حتى فاكر كل كلمة قالتها" صاح بأسنان متلاحمة وإبتسامة مغتاظة
"إياد أنا كنت هقولك.. وبابا كمان عارف إني بحبها من زمان واحنا أطفال.. وكمان ماما ملاحظة أن بس مـ.."
"مش عايز أعرف" قاطعه ونظر في غير اتجاه سليم بمنتهى الغضب 
"مكنتش عايز أجرحها، وأنت فاهم زينة، لو كنت قولتلك كنت ممكن تجيب سيرة عن الموضوع بحسن نية و.."
"مش واثق فيا فعلاً إني مش هقولها حاجة ولا هاجيبلها سيرة إني أعرف!!" قاطعه بسخرية ليهُز سليم رأسه بالنفي موصداً عيناه لبرهة 
"مش قصدي أكيد.. أنا بس كنت عايز الأول أتأكد أنها حاسة بنفس مشاعري.. زي ما كنت أنت عايز تتأكد من مشاعر أسما ليك"
"بس قولتلك يا سليم"
"بس مروحتش قولت لأخوها"
"بس أنت صاحبي" صاح بلوم لينظر له سليم نادماً 
"حقك عليا أنا آسف.. أنت معاك حق" دلت نبرته على الإعتذار الحقيقي ليشيح إياد برأسه إلي أحد الجوانب في غير اتجاه سليم "ما خلاص بقا يا عم.. خلينا نشوف المصيبة اللي أنا وأنت وقعنا فيها دي.. أجل زعلك مني شوية" 
"ده أنت بارد" نظر له بجدية 
"يا عم اتنيل.. هتلاقي أحسن مني فين لأختك.."
"لا والله!!"
"بجد سيبك من العصبية اللي أنت فيها دي لغاية بس ما نعرف مين اللي وصل لزينة الكلام ده"
"وهنعرف ازاي يا ناصح!"
"بص.. هو أكيد سمعنا من المكتب.. مالهاش غيرحلين يا اتصنت علينا وكان واقف جنب الباب يا إما حاطط حاجة سمعنا بيها في مكتبي"
"ايه شغل أمن الدولة ده!" عقد إياد حاجباه بسخرية 
"ماهي ملهاش حل تاني.. عموماً أنا قفلت مكتبي ومش هاسيبه مفتوح تاني غير لما أوصل للي عمل كده.. بس أكتر حاجة تضايق إني مكنتش حاطط كاميرا في المكتب بتاعي.. هاخد وقت على ما أوصل للي عمل كده.. انما لو حد اتصنت علينا هيبان جداً في الكاميرا اللي برا المكتب"
"آه.. علشان كده صممت نتقابل برا الشركة" صاح بعد إدراكه ليومأ له سليم "طب ما يالا نشوف الكاميرات دي و.."
"استنى بس.." قاطعه مسرعاً "اكيد لو حد حاطط حاجة في مكتبي هيبقا قاصدني أنا مش أنت!.. أياً كان هو مين مش لازم يعرف إني بدور وراه"
"طب وهنعرف ازاي لما أنت مش عايزه الشخص ده يعرف إنك بتدور وراه.." تريث لبرهة ليضيق عيناه "اوعى تكون عايز ترمي الموضوع عليا"
"مش بالظبط!" تنهد وهو ينظر لها بعينتين تحتويا على مسار خُطة واضحة 
"شكلك كده ناوي على حاجة!" صاح بإبتسامة ليومأ سليم بالإيجاب "طب قول قول.. لما نشوف اخرتها"
❈-❈-❈

"كل ده!! هيكونوا راحوا فين بس!" تآففت أروى متمتمة وازداد قلقها كثيراً خاصةً بعدما علمت بتوصيد سليم لمكتبه وجلست لتُفكر أكثر وشعرت للحظة بالشك أن سليم قد يرتاب بتسريب ذلك الحديث بينه وبين إياد 

"وحتى لو شاكك.. أنا مسبتش مكتبي للحظة ومش أنا اللي حاطتله حاجة في المكتب.. يبقا يثبت حاجة عليا لو عرف!" حدثت نفسها بتهكم ونبرة الإنتصار الذي حظت به

 "بس هو ايه حكاية زينة وشهاب دي.. كانت قاعدة معاه، جت معاه النهاردة الصبح، ومشيت كمان معاه.. ومكالماته الغريبة بتاعت امبارح والنهاردة.. أكيد فيه حاجة ما بينهم"  زفرت وهي تستغرق بالتفكير وتحاول أن تُكون فكرة عن إقتراب أختها فجأة هكذا من شهاب..
"اهم حاجة إنها تبعد عن سليم.. شهاب ولا غيره مش فارقة.. أياً كان ما دام مفيش تأثير عليا يبقا خلاص تعمل اللي تعمله" حدثت نفسها وعادت لتتذكر حديث سليم من قبل عن شهاب 

"بس مش شهاب ده اللي سليم حذرني منه!! كون إن زينة تقربله كده أكيد دي حاجة تضايق سليم وأكيد لو حذرني منه هيبقا حذر زينة بردو.. وأموت بس وأعرف ايه اللي يعرفه عنه بيخليه يتعفرت كده كل ما بيشوفه ولا كل ما بتيجي سيرته!!" زفرت بحنق وهي تحاول ترتيب أفكارها 

"أنا خلاص بعدت زينة عنه.. لازم بقا أعرف مامي الحوار اللي اتفق عليه هو وإياد وبعدين ابقا أفوق لشهاب ده على رواقه! واهم حاجة الكام خطوة الجايين مع سليم! لازم أقربه ليا بأي طريقة!" حسمت أمرها ثم توجهت لتتناول هاتفها 

"مامي ازيك يا حبيبتي عاملة ايه؟!" 

"أهلاً يا أروى.. مفيش أخبار عن أختك؟!" 

"آه.. شوفتها طالعة من مكتب سليم الصبح وبعدين اتخانقت معاه ومع إياد قدام الناس كلها ومشيت" بالطبع لن تخبرها الحقيقة فزينة لن تتجرأ وتخبرها هي الآخرى، على كل حال هي تتجنب الحديث مع  والدتهما.. ولن تخطئ بإخبارها عن شهاب فهذا سيفتح عليها باباً جديداً من الأسئلة التي لا نهاية لها وبالطبع لن تخلو من غضب والدتها اللاذع

"يعني ايه يعني.. هي البنت دي مش هاتجيبها لبر.. أنا هاوريها.. فاكرة هتخرج من تحت طوعي.. شوفيلي أخوكي فيـ.."

"مامي أنا كنت عايزة أقولك حاجة مهمة أوي" قاطعتها لتحصل على كامل انتباهها "سليم وإياد ناويين يوصلوا الموضوع لتيتا"

"تيتا!! هي بتتحرك أصلاً من أوضتها؟! وبعدين موضوع ايه؟!" تعجبت هديل وقد تناست أمر زينة 

"ناويين يكلموا تيتا وأنتي عارفة انها مش بتقبل كلمة عن خالو.. بصي.. أهم حاجة دلوقتي تصلحي الدنيا شوية مع خالو ومراته" 

"عايزة تقولي ايه يا أروى بالظبط؟!" باغتتها والدتها بهذا السؤال لتحمحم أروى وتتلحف بمظهر خادع للغاية 

"لو بس حضرتك تكلمي خالو أو تروحيله وتعتذري عن الـ.."

"أنتي اتجننتي! عايزاني أتآسف لبدر" قاطعتها بنبرة أتضح بها غضبها الشديد 

"يا مامي أكيد لأ.. مش بالطريقة دي.. بصي يامامي أنتي أم في الأول وفي الآخر وأكيد حضرتك خايفة علينا كلنا.. يعني لو كلمتي خالو وقولتيله قد ايه بتخافي على زينة وإنك عارفة مصلحتها واتضايقتي انها مش بترجعلك في اي حاجة خالو هيعدي الموضوع.. وكمان يا مامي عشان سليم.. مش هاينفع أنا أكون بحاول أقرب منه وحضرتك يعني وخالو متخانقين.. أكيد هنيجي نوصل لنقطة وكل حاجة هتبوظ ونقف بسبب خناقتك انتي وخالو.. وكمان لما سليم وإياد يكلموا تيتا وفيه ما بينكم خناقة هتصدقهم على طول.. انما لو صلحتي الدنيا شوية مع خالو بمكالمة ولا زيارة ساعتها مش هيبقا ليهم حق وهيطلعوا غلطانين.. فمعلش علشان خاطري وعلشان خاطر إن حق حضرتك وحق إخواتي ميضعش كده حاولي تلطفي الدنيا شوية" 

سكتت هي عن الكلام بعدما تحدثت بنبرة متوسلة وعلمت أن طريقتها ستندلي على والدتها وأنتظرت لتستمع لردة فعلها

"ماشي يا أروى.. لما نشوف أخرتها مع بدر وابنه.. وإياد بقا ليه حساب تاني معايا.. أنتي راجعة امتى؟" 

"لسه يا مامي مش عارفة ورايا شغل كتير اوي" 

"ماشي متتأخريش.. سلام" 

زفرت أروى في راحة شديدة بعدما شعرت بإقتناع والدتها تماماً بكل ما أخبرتها به وعلمت أن عليها ألا تُهمل ولو هفوة صغيرة قد تحدث من أي شخص حولها، سليم، زينة، إياد وحتى شهاب.. كما عليها أيضاً ألا تترك أحوال العمل وتلتهي عنها بعلاقتها بسليم!! زفرت في حنق شديد من كُثرة الأشياء التي عليها أن تعطيها كامل اهتمامها الفترة المُقبلة ولكنها أذعنت لعقلها الذي يُخبرها أن لا شيء يأتي بسهولة ولابد من العمل بجهد على أهدافها التي لطالما تمنت تحقيقها!


❈-❈-❈


"وحياتك عندي بلاش البصة دي.. أنا كلمت سليم مليون مرة من الصبح ومبيردش.. أنا مستنيه أهو ولما يجي هاحكيله على كل حاجة" تحدث بدر الدين محاولاً إقناع نورسين بالتوقف عن غضبها منه "مش اتكلمنا بقا يا حبيبتي وخلصنا الموضوع.. هتفضلي زعلانة كده؟!" 
"بدر أنا مش زعلانة منك بسبب إنك مخبي على سليم ولا إنك لسه خايف من إنك تواجهه وبس.. أنا زعلانة أكتر إنك بعد العمر ده كله لسه مش فاهمني" حدثته بلوم وقد تجلى العتاب الذي عصف على مسامعه كالإنفجار بنبرتها 
"ازاي يا نوري بتقولي كده و.."
"أنا حبيتك يا بدر أكتر من أي حد في الدنيا.. حتى حبي ليك أكبر من حبي لأمي الله يرحمها وكمان أكبر من حبي لولادي.. اللي مزعلني إنك مش فاهم إني عايزة أشوفك أحسن راجل في الدنيا حتى لو عندك مية سنة.. حتى لو بقيت جد وعندك أحفاد.. عارف.. ستات كتير بتبقا دايماً بتبقا عايزة تشوف ولادها أحسن ناس في الدنيا.. زي هديل مثلاً بالرغم من إن طريقتها غلط بس ده الدافع الأساسي ليها.. وعندك شاهي مثلاً.. بتوفر لولادها كل حاجة عشان تشوفهم ناجحين ومتفوقين.. بس تعرف.. على قد ما نفسي أشوف سليم وسيدرا أنجح اتنين في الدنيا علىى قد ما نفسي أشوفك قبل ما أشوفهم أسعد وأنجح راجل في الدنيا" تريثت للحظة بينما عقد بدر الدين حاجباه في استفسار
"ليه.. بتعاملني اني ابنك مثلاً؟! ده أنا حتى اللي أكبر منك بكتير.." تحدث بإبتسامة متعجبة لكلماتها لتومأ هي بالنفي
"لأ يا بدر مش كده" بادلته الإبتسامة وتابعت "هما سليم ولا سيدرا هيبقوا ناجحين ازاي؟ ولا أنا كأم هابقا أم ناجحة ازاي؟ ولا حتى هنكون كلنا مبسوطين ازاي من غير ما أنت تكون كويس" تنهدت للحظة وأكملت "بدر احنا كلنا بنستمد منك القوة.. سليم من زمان عشان شايفك كبير وقادر تحل كل حاجة استمد ده منك.. سيدرا على قد دلعها وشقاوتها دايما تتكلم عنك بنبرة انها فخورة انك باباها وإن الكل بيعملك آلف حساب.. وأنا يا بدر.. أنا اللي شايفة إن كل حاجة ليها حل، وإن مفيش حاجة دُنيتنا ممكن توقف عليها.. الجرأة اللي جوايا وأنا بكلمك ومتأكدة إنك تقدر تصارح سليم بكل حاجة.. الثقة الرهيبة اللي جوايا من إن الموضوع هيعدي.. تفتكر كل ده من ايه؟! مش منك؟! مش علشان واثقة إني ورايا ضهر اتسند عليه؟" ابتسمت له لتتحول هو ملامحه للجدية 
"أنا بالذات يا بدر لو مكنتش أعرف إني ورايا ضهر وراجل أقدر أثق فيه عمرنا ما كنا وصلنا لحياتنا دي بالنجاح اللي فيه سواء على مستوى شغلك ولا تربية اولادنا ولا نجاحهم هما.. لو مكنتش أنت قوي أنا عمري ما كنت بقيت قوية" تفحص زرقاوتيها بمقلتيه السوداوتين وهو لا يُصدق حقاً كلماتها "لو الست ضعيفة يا بدر إعرف انها ملهاش سند  ولا ضهر.. ولو قوية أعرف إنها وراها راجل قوي بيديها القوة دي.. بالذات لو في حالتي" عقد حاجباه وقد لمحت تساؤله ونظرته تلك التي تتضح بعينيه كالطفل التائه التي عهدتها عندما لا يفهم هو ما ترمي إليه 
"يعني مش أنا الست اللي ليها الـ business الخاص بيها اللي بيخليهاتتعامل مع ناس كتير، ولا أنا الست اللي قوية بعصبيتي وشخصيتي وتجاربي ومواقفي في الحياة.. بالعكس أنا كنت طفلة عبيطة لغاية ما عرفتك وعمري ما استقويت كده وشخصيتي ابتدت تبقا قوية غير لما حبيتك.." ابتسمت له لينظر لها بإمتنان وتقدير شديد لها "مش أنا اللي عدى عليا حاجات كبيرة في حياتي تعملني يعني ايه حياة غير لما عرفتك، مكنتش أنا الست اللي سهل عليها تربي وتعلم ويطلع ولادها شاطرين وعاقلين.. لأني أصلاً مواجهتش ده.. لا كان عندي العيلة اللي اتعلم منها ولا الأب اللي يعلمني حاجات واتسند عليه ولا حتى أخوات أشوف أمي بتعاملهم ازاي وبتربيهم ازاي.. أنا فعلاً مكنتش أعرف أ ب حياة غير بعد ما أنت دخلت حياتي" تريثت قليلاً لترى تأثر ملامحه لكلماتها كما أقترب منها ليجلس أمامها راكعاً ووجدته يُقبل يدها لتبتسم له ثم خللت أصابعها شعره الفحمي الذي امتزج بالكثير من الشعيرات البيضاء
"تخيل يا بدر بعد العمر ده كله وبعد كل القوة اللي بنستمدها منك فجأة اصحى علشان أحس إن حاجة خلتك مهزوز ومتردد وخايف؟! تفتكر ده ميخلينيش أخاف على مصدر قوتنا وسعادتنا في الدنيا دي؟ تفتكر إن لما الأساس يتهز يبقا حالة البيت ايه؟! هيتدمر مش كده؟!" سألته لينظر لها بإنبهار شديد لكلماتها 
"عرفت إنك مكنتش فاهمني؟ عرفت إن زعلي إنك مش واخد بالك إن أنت الأساس اللي كلنا بنتسند عليه وبنستمد منه قوتنا.. سواء أنا ولا ولادنا.. يعني لو سليم اللي فاهمك أكتر من نفسك شاف في عنيك الخوف وإنك مخبي حاجة عنه، تفتكر ده ميهزهوش؟! ولا سيدو الفرفوشة بضحكتها الحلوة وهزارها ودلعها لو شافتك واخد جنب ومهموم وعمال تفكر.. مش هتتهز هي كمان وكلها كام يوم وخلاص هتبقا عروسة اهى وهتاخد اول خطوةفي انها تكبر وتعقل شوية.. وأنا يا بدر حبيبتك ومراتك وبنوتك البكرية.. لو حسيت بيك وانت بتحط راسك على المخدة كل يوم إنك خايف وضميرك مش مريحك ومحتار، تفتكر مش هتهز؟! .. عرفت إنك أساس البيت اللي لو مكنش قوي كلنا هننهار معاه!!" 
تفقد زرقاوتيها بدهشة وعشقه صرختا به مقلتيه اللتان التمعتا بالذهول الشديد من كلماتها وإدراكه للتو أموراً بالرغم من كل ما تعرض له وواجه بحياته لم يفهمها سوى الآن بكلمات تخرج من بين شفتي من عشقها لسنوات لتأتي هكذا بجلسة واحدة تجعله يعشقها أكثر وأكثر وتحث عقله على فهم الكثير من الأشياء بالحياة.. 
"أنتي كبرتي وعجزتي كده امتى؟!" همس سائلاً لتتعجب ونظرت له رافعة حاجبيها بإستفسار "كلامك كبر أوي يا نوري.."
"الكلام بس هو اللي كبير.. إنما أنا" هزت شعرها ثم خللته بأنوثة ونظرت له بتعجرف "أنا اللي زيي بيعملوا فرحهم اليومين دول.. روح بص لنفسك في المراية.. أنت اللي عجزت مش أنا" أخبرته بعنجهية مازحة ليضيق عينتيه بخبث وارتسمت ابتسامة لعوب على شفتاه 
"ده أنا عندي ليكي حتة عريس بقا إنما ايه.. رجل أعمال وقمر وصحة بمب ومليون واحدة تتمناه!" رفعت حاجباها في دهشة وتوسعت ابتسامتها 
"وده مين ده بقا إن شاء الله؟!" سألته بتهكم
"هو بس مبيحبش دوشة الأفراح.. فمش ناوي يعمل فرح.. إنما محضرلك شهر عسل إنما ايه.. خروجات وفسح وقلة أدب للصبح" ضيقت زرقاوتاها وهي تنظر له في غيظ مازح 
"ملك الكون!! اتلم وقوم شوف ابنك فين!" صاحت بتحذير 
"سيبك بس من ابن الكلب ده وركـ.."
"ايه القمر المنور ده.. عاملة ايه يا نوري؟" قاطعه سليم الذي وصل لتوه ليتمتم بدر الدين
"كنتي جيبتي سيرة ربع جنيه مخروم.. مستعجلة اوي.. اهو سي زفت جه" 
"بتقول حاجة يا بدر؟!" سأله سليم ونورسين لم تستطع سوى أن تصدح بضحكتها 
"أنا  كويسة يا قلب نوري" ابتسمت له ثم نظرت بتحذير لبدر الدين "أنا رايحة أحضرلكوا العشا.." علم أنه عليه أن يتحدث لابنه بعد تلك النظرة بعينيها 
"تعالى يا حيلتها تعالى.." تحدث بدر الدين بتهكم
"بس حلوة الرومانسية دي يا عم بدر.. بركاتك يعني ولا اي حاجة"   
"واد أنت بتتصنت علينا؟!" تحولت نظرته للجدية 
"وأنا أقدر بردو.. مش ربايتك دي يا كبير.." رفع يداه بإستسلام "أنا يادوب لسه كنت داخل سمعت اخبار عن شهر عسل وقلة أدب و.."
"طب اتمسى يا ابن ليلى واعمل نفسك مسمعتش حاجة" صاح مُحذراً ورمقه بنظرة جانبية ليتظاهر سليم بعدم سماعه واضعاً يداه على كلتا أذنتيه
"هو أنت وماما مكنتوش قاعدين مع بعض ليه؟! زعلانين ولا حاجة؟ أقوم اندهالك" 
"شاطر يا اخويا" أخبره بسخرية لتتوسع ابتسامة سليم واخفض يداه ثم نهض ليقف بعنجهية أمامه 
"لا هتقول عليا شاطر بجد بعد ما تعرف عملت ايه النهاردة!" ابتسم بزهو لينظر له بدر الدين بتساؤل 
"ياما جاب الغراب لأمه.. هببت ايه؟!" 
"بذمتك ده شكل غراب.. ده أنا زي القمر اهو" وضع يده ليُمسك بها ذقنه وهو يُحرك رأسه يميناً ويساراً 
"استرجل واحكي ياض.."
"ماشي يا عم هقولك متزوقش"





❈-❈-❈
"علشان تاني مرة تتعلمي تروحي لجدتك وتقوليلها كل حاجة.. خليكي بقا قاعدة كده لوحدك وأخواتك كلهم بيتفسحوا" صرخت هديل بزينة بمنتهى الإنفعال حتى أسمع صوتها من بالمنزل بأكمله
"ايه يا هديل فيه ايه.. أنتي لسه ملبستيش زينة؟! بتعيطي ليه يا حبيبتي؟" آتى سيف مستفسراً عن هذه الضجة وتوجه لزينة ليحملها معانقاً اياها بين ذراعيه وحاول أن يُربت عليها لتكف عن البكاء بينما آتى باقي أولادهما خلفه ليتفقدوا ما تلك الضجة
"الهانم رايحة تقول لماما إني بقول على بدر الدين إنه بيدخل في تربية ولادي.. عاجبك.. ادي اخرة دلعك أنت والزفت اللي اسمه بدر ده ليها"
"استني بس يا هديل أكيد البنت صغيرة ومتقصدش، ده لسه مكملتش ست سنين"
"بلا ست سنين بلا ست عفاريت.. لو مكنتش دلعتها مكنتش وصلت لكده.. البنت دي محتاجة تتربى وتعرف الصح من الغلط عشان تاني مرة متنقلش الكلام بين الناس"
"ماشي يا حبيبتي عندك حق بس مش بالطريقة دي" أخبر هديل بنبرة هادئة بينما التفت لزينة "يالا يا حبيبتي تعالي أنا هاختارلك اللبس عشان نروح سوا الملاهي النهاردة" حاول أن يداعبها بيده على وجنها ويبتسم لها حتى تكف عن البُكاء وتوجه نحو دولاب ملابسها
"زينة مش هتيجي يا سيف!! عشان تبطل تنقل الكلام تاني" هنا أوقفته هديل بصوتها المنفعل لينظر لها بلوم شديد
"بس يا حبيبتي النهاردة احنا كنا واعدين الولاد إننا هنـ.."
"مفيش بس.. يا زينة تقعد لوحدها يا إما الولاد كلهم مش هيروحوا.." قاطعته وعقدت ذراعيها بتحفز
"خلاص يا ماما أنا هاقعد مع زينة" هنا تحدث إياد لتنظر له هديل وازداد غضبها
"وأنت مش هتقولي مين يقعد ومين يروح.. اتفضل انزل استنى تحت لغاية ما اجيلك" نهرته بغضب لاذع لينظر هو لها بلوم ولم يتحرك لتشير بسبابتها نحو الأسفل "قولت أنزل تحت حالاً وإياك تدخل في الكلام بيني وبين باباك تاني.. ناوي تكون قليل الأدب زي اختك الصغيرة ولا ايه بالظبط.. اتفضل انزل!! سامعني!! مش هاكرر كلمتي" زجرته بشدة لينظر لها متآففاً وذهب بخطوات سريعة فارراً من تلك الثورة على وجه والدته
"طيب معلش يا دودو المرادي بس وزينة مش هاتكرر الكلام ده تانـ.."
"سيف أنا قولت كلمتي! زينة هاتقعد مع الشغالة لغاية ما نيجي.." قاطعته ليزفر في حنق
"مامي يالا بقا اتأخرنا" تحدثت أروى "بابي زينة هتأخرنا تبقا تيجي المرة الجاية وخلاص" صاحت بإنزعاج لينظر سيف في حُزن للصغيرة المتعلقة بثيابه بكلتا يديها وهو لا يُريد تركها وكذلك هو لا يريد الجدال والتشاجر مع هديل خاصة وأنه لا يحبذ أن يُغضبها ولكن داخله ذلك الشعور الأبوي يلح عليه وبشدة.. فهديل قد تفعلها مثلما قالت وقد تحرم جميع أبنائهما من تلك النزهة التي خطط لها الجميع
"طيب يا هديل اسبقيني انتي وعاصم وآسر واروى وانا هاحصلكوا" هنا عادت زينة للبكاء والنحيب مرة أخرى بينما همس هو لها "استني بس لما تمشي"
"عارف يا شهاب.. اهو ده موقف واحد بس من المواقف اللي ما بيني وبين ماما زمان بس تقريباً بيفسر احنا مين!" جففت دموعها وهي تحاول التقاط أنفاسها بين شهقاتها المتوالية "أروى بتفكر في نفسها.. ماما قاسية عليا.. بابا بيحاول إنه ميزعلش حد.. إياد بيحاول يواجه ماما بس في الآخر كلمتها اللي بتمشي.. وفي النهاية عاصم وآسر ساكتين ولا كأنهم موجودين في حياتي" ابتسمت بسخرية لتتهاوى دموعها مجدداً
"طب ممكن تهدي وتبطلي عياط؟!" عقد حاجباه وحاول أن يبدو متعاطفاً معها ولكنه بالحقيقة قد نفذ صبره
"لا.. أنا لسه مكملتلكش" أخبرته في تهكم ثم تابعت "يومها خالو وطنط نور وسليم جولي.. وخرجوني وودوني الملاهي واتبسطت.. يمكن لو كنت روحت مع اخواتي وماما مكنتش اتبسطت قد ما اتبسطت مع خالو.. ولما كبرت فهمت إن بابا كان دايماً بيقول لخالو على كل اللي بيحصلي.. يعني زي ما يكون بيحاول يعوضني" شردت بعيداً بزرقاوتيها وعينيها تفيض بشلالاتٍ من أنهار موجعة تمنت أنها لن تعود أبداً بعد جفافها لسنوات ولكنها أدركت مجدداً أنها مخطئة، فمثل تلك الأنهار لا تجف أبداً ولو حتى بعد سنواتٍ عجاف من تصحر حياتها بالآلام التي جعلتها تعد نفسها مراراً بأنها لن تبكي أبداً ولكنها تخذل نفسها وتبكي وتبكي ولا تصل أبداً لنقطة النهاية
"تعرف.. أنا دلوقتي بس فهمت إن حتى خالي وسليم كانوا بيشفقوا عليا.. أكتر ناس حبيتهم.. كنت فاكراهم غير أي حد.. بس أهو سليم طلع بيتراهن عليا وكأني موضوع مكسب وخسارة مش أكتر.. ومع مين.. مع أخويا الوحيد فيهم اللي عشت طول عمري فاكراه كويس معايا" زفرت بحرقة ليقترب منها شهاب وتلمس بأنامله دموعها ليجففها على حذر وتفحص زرقاوتيها ببنيتيه العميقتين ليلمس تأثيره عليها الذي بات كالتنويم المغناطيسي لها
"طب خلاص.. بلاش تعيطي.. وبردو لو كان خالك إنسان مش كويس مكنش عمل علشانك كل ده"
"أنا مش بقول انه مش كويس.. أنا زهقت من شعور الشفقة ده.. شعور إني مريضة ومتخلفة وكل اللي بيعملي حاجة كويسة ولا بيعاملني حلو بيعمل كده علشان صعبانة عليه" صاحت به بحرقة لتبتعد عنه وتوليه ظهرها ليزفر هو الآخر في سأم منها ولكنها لم تلاحظه
"زينة أنتي محتاجة بداية جديدة مع الكل.. روحي لخالك.. عاملي أخوكي وسليم بطريقة جديدة.. ساعتها بس هتتأكدي إذا كانوا بيشفقوا علـ.."
"بقولك أنا سمعت الكلام اللي ما بينهم على الواتساب.. أتأكد من ايه بس!" قاطعته بإنفعال
"ازاي سمعتيه أصلاً؟!" حاول التظاهر بالإهتمام بينما ارتبكت هي لبرهة ولكن بالنهاية هي تعلم أن شهاب بات مُقرباً إليها ولا يُخبر أحد بأي شيء لذا استسلمت لتلك الفكرة بإخباره كما أنها تشعر بإلحاح الإفاضة بكل ما يشغل عقلها اليوم 
"أروى سمعتهوني.. أنا أول مرة أحس انها خايفة عليا كان النهاردة.. ودي كمان مصيبة إن أكتر واحدة في اخواتي فاكراها بتكرهني لقيتها هي اللي بتساعدني.." أخبرته في تهكم ثم تابعت بنبرة اكتسحها الآلم "أنا اللي حصللي النهاردة ده كله مخليني احس قد ايه أنا كنت مخدوعة في كل حاجة" همست له ليقترب هو منها ونظر إليها 
"زينة.. انسي كل حاجة وكل اللي فات.. انتي انسانة ذكية ومش صغيرة.. تقدري بنفسك تحكمي على الناس وعلاقتهم بيكي.. وتقدري بردوتعملي اللي انتي عايزاه من غير ما حد يحكم عليكي أو يفرض عليكي رأيه.. مش معنى أن والدتك دايماً عايزة كل حاجة تمشي زي ما بتقول يبقا تسمعي كلامها.. يمكن ده كمان بيرجع لأن جوزها شخصيته كانت ضعيفة، يعني أظن لو عمي كريم كان كمل معاها حياتك كانت أختلفت و.."
"هو بابا كان عامل ازاي يا شهاب؟" قاطعته وهي تنظر له في توسل لمعرفة المزيد عنه وهذا هو ما أراده تماماً.. لقد حصل على كامل انتباهها مجدداً كما أنه خيط جديد ليحصل على ما أراده من تلك العائلة بأكملها 
"كان فيه شبه كبير اوي منك.. وكان دايماً حد مليان طاقة كده.. كان ذكي زيك ومهندس شاطر اوي" ابتسم بإقتضاب ابتسامة خادعة "لو كان موجود يمكن كانت كل حاجة اختلفت" تصنع الشرود والتعاطف الشديد بينما بداخله بركان يتأجج كلما مر عليه المزيد من الوقت بصحبتها 
"طب يعني هو مكلمكوش قريب؟" همست سائلة 
"للأسف لأ.. بقالنا سنين منعرفش عنه حاجة" تصنع الحزن بينما انتظر منها اي مبادرة كي يصل لعمه فكل ما يحصل عليه من معلومات عن سليم عندما بدأ بمراقبته لا يفيده أبداً 
"يعني ايه! بابا أختفى يعني؟" تعجبت في إنكار
"مش عارف.. يمكن كان بيكلم والدتك، أو يمكن خالك بما انه كبير عيلتكوا وأكيد كان موجود ساعة الطلاق فعرف هو راح فين.. مش عارف بجد.. أنا كنت فاكر إنكوا علشان ولاده تعرفوا بس ملقتش حد عارف حاجة" غرقت في بؤرة من الصمت العميق وهو يراقبها بعيني كالصقر وكم شعر بالراحة لتلك الحيرة التي بدت على وجهها 
"تصدق عندك حق؟" نظرت إليه وكأنما وجدت ضالتها ليبرع هو بالتظاهر بالهدوء
"في ايه بالظبط؟"
"أكيد خالو هو الوحيد اللي يعرف.." تريثت برهة لتُفكر "أنا هاروحله حالاً ولازم أعرف بابا فين" توجهت ليوقفها هو متظاهراً بالإكتراث 
"بس أظن إنك فاتحتيه في الموضوع وهو مقلكيش حاجة.. يعني أنا مش عايزك تروحي علشان لو شوفتي سليم هناك متضايقيش"
"أولاً سليم ده مبقاش غير ابن خالي وبس واي حاجة تانية ما بيننا انتهت خلاص.. ثانياً اليوم اللي فاتحت خالو فيه في الموضوع قالي انه من ساعة الطلاق مجاش.. وكان شكله تعبان كده وعايز ينام فأنا مرضتش اضغط عليه.. بس اكيد يعرف اي اخبار او يعرف انه حاول يكلم ماما.. أنا مش هاسيبه غير لما أعرف هو فين او على الأقل اعرف اي معلومة توصلني ليه!" حسناً ما أخبرته به يدل على أنها تسير وفقاً لما أراده
"ماشي بس.. خدي بالك من نفسك ولو فيه حاجة كلميني على طول وأنا هاجيلك" تلك الإبتسامة الهادئة بدأت في دفع الطمأنينة الخادعة لعقلها 
"تمام متقلقش" بادلته الإبتسامة وتوجهت للخارج حتى تذهب لبدر الدين..
أروى.. هي من افتعلت كل ذلك.. لقد علمت بوقت وصولها.. جعلتها تستمع لتلك التسجيلات.. هذه ليست مصادفة.. وها هو الطُعم قد آتى بصيده الثمين.. لقد لاحظ وجهها الذي يحاول أن يكتم سعادته بإنهيار زينة اليوم أمام الجميع، لقد لاحظ تلك الإبتسامة السجينة التي تود أن تتحول لقهقهات من كثرة الفرحة ولكنها أخفتها ببراعة ولم يلاحظها سواه.. تبدو أنها كاذبة مخادعة مثله.. وإذا كانت مثله عليها أن تشترك معه.. سواء تطوعاً منها أو خوفاً من تهديداته بإفشاء السر ولكنها عليها إمتثال أوامره وإلا لن يكن من الذكاء ألا تفعل..
أخرج هاتفه ليخبرها بحتمية مقابلته الآن وإلا لن تكون عواقب مخالفته جيدة على فتاة متعجرفة مثلها..


❈-❈-❈


"بص.. هو كده مفيش غير إن حد زاقق العمال بتوع النضافة أو البوفيه علشان يحط الجهاز اللي اتصنت بيه عليكم!" تحدث بدر الدين بعد أن فكر ملياً 
"بس مين اللي ممكن يكون ليه مصلحة في كده؟!" تسائل بتعجب "وكمان أظن إن كل العمال ملهومش يعني مشاكل معايا!"
"عارف يا أخويا إن قلبك حنين.. بس بردو الفلوس ليها مفعول السحر"
"عموماً أنا لسه سايب الجهاز زي ما هو، يمكن احب اوصل للشخص ده معلومات معينة فقولت اسيبه" زفر وهو يفكر "وكمان لسه بندور في الموضوع أنا وإياد وهنوصل للي عمل كده"
"ناصح يا حيلتها"
"ايه يا بدر انت نازل تريقة ليه من الصبح.. أنت مفيش حاجة بتعجبك أبداً؟!"
"ما أنا مشوفتش حد متخلف زيك.. بتشيل الكاميرات من مكتبك ليه يا متخلف أنت؟!"
"بحب الخصوصية حبتين" نظر لها بمزاح 
"بتعمل ايه ياض من ورايا في المكتب؟!" ضيق عيناه بمكر ليحمحم سليم ولكن هاتف بدر الدين قاطعهما ليجدا أن هديل هي المُتصلة لينظرا لبعضهما البعض في إستغراب 
"عايزة ايه الساعادي!" تحدث سليم في إنزعاج سائلاً
"معرفش" اجابه ثم اطنب "هنشوف اهو" أخبره ثم أجاب المكالمة وفعل مُكبر الصوت
"أيوة يا هديل"
"بدر معلش بكلمك في وقت متأخر بس.. بص.. أنت عارف إني مش بتاعة كلام كتير.." تنهدت للحظة لينظر سليم وبدر الدين لبعضهما البعض في استغراب من تلك المُقدمة "معلش يوم ما جيتلك لما كانت زينة عندك أنا عارفة اني اتعصبت وقولت كلام كتير ملهوش لازمة بس في النهاية زينة بنتي" تحدثت بإنفعال وكل كلمة تأخذ منها كبرياءها بأكمله "البنت عنيدة يا بدر ومش بتسمع الكلام، وأنا خايفة عليها زيي زي أي أم.. ومعلش.. حقك عليا أنا مكنتش اقصد الكلام السخيف اللي قولته بس زينة كانت معصباني.. وأنت عارف وأنا متعصبة مبشوفش قدامي" سكتت بنما ابتسم بدر الدين وكأنه أدرك أمرٍ ما 
"حصل خير يا هديل" أخبرها بإقتضاب بينما توسعت عينا سليم وهو ينظر له بملامح غاضبة ليشير له بدر الدين بسبابته ووسطاه وكذلك ابهامه أن ينتظر 
"متزعلش مني.. بس البنت حساها بتخرج عن طوعي"
"هديل احنا أخوات والأخوات ياما بيحصل ما بينهم.. وبالنسبة لزينة فحاولي تكوني هادية معاها شوية"
"ربنا يسهل يا بدر.. هي مش عندك؟"
"لأ.. أظن بعد اللي حصل هتفكر مليون مرة قبل ما تيجي هنا تاني"
"ماشي يا  بدر وطبعاً ده بيت خالها وتروحه في أي وقت"
"أكيد.. زينة واخواتها كلهم ولادي واهلاً وسهلاً بيهم في اي وقت.."
"طبعاً.. شكراً يا بدر وياريت أنت ونور متضايقوش مني"
"حصل خير.. تصبحي على خير يا هديل"
"وأنت من أهله!"
"جرا ايه يا بابا أنت سيبتها كده وايه حصل خير و.." تحدث سليم بغضب بمجرد انهاء والده المكالمة 
"اراهنك يا اهطل إن أروى بنت عمتك ورا الحوار ده كله"
"أروى!!" همس سليم في صدمة وهو يُطالع تلك الإبسامة الواثقة على شفتي والده 
"خالو.. ازيك عامل ايه؟" قاطعهما صوت زينة التي آتت لتوها ليلتفتا لها فنظر بدر الدين بساعته فالساعة قاربت على الحادية عشرة مساءاً وأما سليم تفقدها بحزن ممزوج بخيبة أمل ولكنه سجن مشاعره ولأول مرة سيتبع معها نهج مختلف تماماً..


يُتبع..