الفصل السابع والعشرون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل
"أنت القطة كلت لسانك من امبارح بليل ولا ايه؟" تحدث بدر الدين وهو يرتشف من قهوته الصباحية
"جرا ايه يا بدر فيه ايه؟ ما أنا كويس اهو" رمقه سليم بتعجب
"أنت من ساعة حوار بليل ده وأنت واكل سد الحنك"
"بفكر مش أكتر" غمغم بإقتضاب وملامحه وحتى صوته يبدوان غارقان بالتفكير
"فكر يا أخويا فكر.."
"طب ليه التريقة دي على الصبح"
"يعني.. ممكن أساعد لو حابب"
"لا مش محتاج مساعدتك!" حدثه سليم شارداً ليشعر ببدر الدين يلتفت وينظر له ببصيص من الغضب "موضوع أروى مش هحتاج مساعدتك فيه.. بس هحتاجك في حاجة تانية"
"جرا ايه يا حيلتها.. أنت بتكلم الصبي بتاعك! ما تظبط ياض"
"العفو يا حاج.. واحنا نقدر بردو!"
"طب انطق.. عايز تستفيد من خبراتي العظيمة في ايه؟" نظر له بغرور ليبتسم له سليم
"خبراتك العظيمة هستفيد منها كلها بليل.. أنا دلوقتي لازم أروح أشوف أروى"
"ابن ليلي.. ما تخربهاش أكتر ما هي خربانة" حذره بنبرة تحكمية
"لا متقلقش.. أوعدك المرادي هاصلح كل حاجة.." نظر له لوهلة ليدرك بدر الدين أن حالة الصمت تلك وتصرفاته غير المعهودة لا تنبع سوى من حزن دفين وها هو يلمحه بعينيه "هي زينة صحيت؟" عقد حاجباه وتغيرت نبرته ليضيق والده حاجباه في تعجب وقليل من الإنزعاج
"عايز منها ايه يا سليم؟ مش كفاية عليها كلام امبارح! أظن إنك زودتها بما فيه الكفاية" حدثه محذراً
"كلام!" ابتسمت ابتسامة جانبية لا تعبر سوى عن التهكم وخيبة الأمل "زي الكلام اللي سمعته من أروى ولا زي الكلام اللي شهاب بيضحك بيها عليه؟!"
"سليم أنـ.."
"سلام يا بدر.. أنا مش عايز أتأخر" قاطعه ليغادر ليزفر والده في قلق متمتماً
"يا ترى ناوي على ايه يا ابن ليلي"
"بدر يا حبيبي أنت بتكلم نفسك؟!" نظرت له بزرقاوتيها الممتلئتين بالحيوية "وسليم راح فين بدري كده.. ده حتى مفطرش.. مش كان لسه واقف معاك؟!"
"ابنك ده هيجلطني خلاص"
"ايه ده بعد الشر ماله سليم؟"
"بقولك هيجلطني تقوليلي ماله وخايفة وقلقانة عليه اوي.. روحي يا نورسين من قدامي السعادي" تحولت ملامحه للعبوس وازدادت عقدة حاجباه لتصدح هي بضحكتها لرؤية ملامحه تتحول هكذا
"اهدى بس وقولي ايه اللي مضايقك منه كده؟" سألته بنبرة للكاد تهدأ من ضحكاتها لينظر له زافراً مضيقاً عيناه وهو يتفحصها أمامه فهو حتى اليوم لا يزال يراها كالطفلة الصغيرة التي لن تكبر أبداً ووقع في الحيرة أكثر.. هل هذه هي المرأة الحكيمة ذات الخبرات التي كانت تحدثه بالأمس أم هي مجرد طفلة مليئة بالحيوية وضحكتها وضحكة تلك العينتان لا تفارقاها أبداً؟! قرر ترك أمر الوقوع في الحيرة ليقع في عشقها بدلاً منه.. فيبدو أنه لن يتوقف عن الوقوع في حبها طوال حياته
"أبداً يا ستي.. أروى بنت هديل شكلها عرفت وخربت الدنيا ما بينه وبين زينة وابنك اتعصب على البنت وقالها كلام هباب"
"ايه ده.. ثانية كده علشان مش فاهمة حاجة.. ممكن تحكيلي اللي حصل بالظبط؟" تحولت ملامحها للإستغراب
"زينة امبارح دخلت على ابنك المكتب وهي متنرفزة وكل اللي فهمه من كلامها ان وصلها كلامه هو وإياد وهما بيتراهنوا عليها، إنها يعني عيلة هبلة وأي كلمتين يجيبوا معاها نتيجة.. وانه شايفة مش مجرد من واحدة مريضة صرع" أخبرها في ضيق
"ايه ده!! وهي سمعت الكلام ده ازاي؟"
"هو فعلاً كان بيكلم إياد في الموضوع وبعدين في نفس القاعدة اتكلموا عن هديل.. وقاله اراهنك انها هتتهد شوية لو خلوا أمي تكلمها وفهموها اللي بتعمله في الولاد وبالذات زينة وكمان الخناقة اللي حصلت ما بيننا من يومين" تريث لبرهة بينما يعيد تفكيره بينه وبين نفسه
"أنت بتقول كلام غريب اوي، بس ايه علاقة أروى بالموضوع؟" تحولت ملامحها للجدية التامة وازداد التعجب بداخلها وكذلك بزرقاوتيها
"أولاً.. سليم وإياد كانوا قاعدين في المكتب لوحدهم، وراجعوا الكاميرات اللي قدام المكتب ملقوش حد اتصنت.. ثانياً.. هديل فجأة كلمتني امبارح بليل قال ايه بتعتذرلي.. تفتكري فجأة كده هتعتذر ولا حد وصلها كلام إنهم هيقولوا لأمي كل حاجة، هديل عمرها ما تحب تطلع غلطانة أبداً.. فيعني بتلم الدور علشان حتى لو حد اتكلم معاها تطلع مش غلطانة.."
"بس يا بدر.. يعني.. تقصد تقول إن أروى هي اللي قالت لهديل وكمان هي اللي سمعتهم في المكتب؟"
"مفيش حل تاني.. كمان سليم لقى جهاز في مكتبه.. تفتكري مين في الشركة كلها ممكن يعمل كده؟"
"ما ممكن أي حد، ممكن حد غريب كمان و.."
"مفيش غير أروى.. عاصم ابن هديل استحالة يعملها أنتي عارفة هو جبان ازاي، وطبعاً إياد استحالة، ولا شاهي ولا حمزة مثلاً يعملوا حاجة زي دي، وسكرتيرة ابنك ست أكبر منه أساساً ومظنش إنها هتروح تبلغ هديل باللي بتسمعه.. ومفيش حد غريب من مصلحته انه يعمل كده غير أروى.. غير انها سهل اوي تدي لأي حد من العمال قرشين ويحطلها الجهاز ده"
"بس بردو ايه مصلحتها؟" سألته بإنفعال ليزفر بسأم
"شكلها كده عينها عليه.. وشكلها كمان عرفت إن فيه علاقة ما بين زينة وسليم"
"أروى!! ده أنا أطيق العمى ولا أطيقها"
"ومين سمعك!!"
"طب دلوقتي زمان زينة زعلانة مـ.."
"زعلانة!" قاطعها بضحكة متهكمة "ده أنتي لو تشوفي قلبة الحنين امبارح وهو بيقولها كلام زي السم، لو منها مبصش في وشه تاني.. أنا أول مرة مفهمش سليم.. بجد مش فاهم هو بيعاملها كده ليه!"
"استنى بس أنا هاروح أشوفها واتكلم معاها كده بالمحسوس، يمكن أعرف أهدي الدنيا ما بينهم"
"روحي.. بس مظنش إن حاجة هتتغير" هز كتفاه في انكار لتتوجه نورسين للأعلى حيث تلك الغرفة التي تمكث بها زينة ثم طرقت الباب أكثر من مرة ولكن لم تجبها أبداً..
"بجد شكراً يا شهاب أنا مش عارفة أقولك ايه!" نظرت له بإمتنان ولكن ملامحها المُرهقة الحزينة لم تتغير
"بتشكريني على ايه بس.. أنا معملتش حاجة"
"فضلت تكلمني طول الليل وفضلت سهران معايا وجيت اخدتني بدري من عند خالو.. بصراحة مش هنسهالك"
"بطلي هبل.." أومأ برأسه بتلقائية وهاتان البنيتان قد أدركا أنه بات مسيطراً ببراعة على كل ما تشعر به تلك الصغيرة
"آه صح نسيت أقولك.." تذكرت محادثتها ليلة أمس لبدر الدين "أنا حاولت أعرف بابا فين من خالو.. بس بردو بيقولي من ساعة الطلاق ومحدش يعرف عنه حاجة وعمره ما كلمنا.. وقال إنه هيسأل عليه.. يعني خالو ليه معارف كتيرة وممكن يعرف هو فين" أومأ لها في تفهم
"ممكن!" فقط نطق بها ليجاريها بالحديث بينما بداخله ارتفع غضبه لإدراكه كم من الصعب التعامل مع تلك الصغيرة التي يبدو وأنها لن تفيد، ولكن هناك أمراً جعله يهدأ قليلاً.. تلك الصغيرة هي الحل الوحيد للإنتصار على ذلك الفتي الثري الذي يظن أنه أفضل رجل بالعالم أجمع.. فقط رؤيته يخسر من يعشقها سيسبب له راحة نفسية شديدة..
"شهاب هو أنا ممكن أسألك سؤال؟"
"اه طبعاً اتفضلي.." ابتسم لها بإقتضاب بينما لمح التردد بعينيها
"هو أنا مملة فعلاً والكلام معايا ممل؟"
"لا خالص.. أنتي ايه اللي بيخليكي تقولي كده؟" تعجب في استنكار بينما بداخله يتمنى أن يتخلص من تلك الأسئلة وذلك البُكاء واعترافها بخيبة أملها في سليم!! فمنذ ليلة أمس وكل ما تفعله قد التهم كل صبره
"طب هو أنا.. يعني.." ترددت قبل أن تسأله ولكنها تود الإعتراف بالكثير لأي شخص بعد أن توقفت عن الكتابة بدفترها كما وعدت نفسها من قبل ولكن ذلك الإلحاح بداخلها قد قتلها منذ ليلة أمس "شايفني هبلة وأي كلمتين بسمعهم بصدقهم؟"
"بصي أنا مش عارف أنتي ليه بتسألي الأسئلة دي، بس لأ!! أنتي مش هبلة، أنتي حقانية مش أكتر وأي حاجة بتعرفيها بتصدقيها لأنك مبتخَونيش حد.. أو يعني تقدري تقولي نواياكي سليمة.. مبتظنيش ظن وحش في اللي قدامك أو حتى مبتشكيش في حد" حسناً.. أخبرها بالحقيقة ولكنه داخله كان يُكمل حديثه "وده اللي خلاني أقرب من واحدة تافهة زيك واستحمل الملل اللي أنا فيه عشان يوم ما تسمع مني كلمة تصدقها! انجزي بقا في أم يومك ده خنقتيني"
"وهو ده غلط؟!" آتى سؤالها بعد برهة من الصمت
"زينة.." همس ثم التفت بمقعده في السيارة فهما إلي الآن لا يزالان جالسان سوياً بسيارته "أنتي حد نضيف من جواه.. من يوم ما اتعاملت معاكي وأنا حسيت بده" تفحص زرقاوتيها بداكنتيه وتأكد من أنها تستجيب لكلماته "أنا من يوم ما شوفتك متعرفيش أنا معجب بيكي ازاي، بس لما قولتيلي إنك بتحبي سليم مكنش ينفع غير إني أتعامل معاكي غير على أساس إننا ولاد عم وقرايب وأصحاب" كان يُريد معرفة ردة فعلها تجاه ما أوشك على فعله ولاحظ تلك الحيرة التي تسيطر على وجهها بأكمله
"يمكن يكون الكلام بالنسبالك مفاجأة بس أنا فعلاً معجب بيكي من يوم ما شوفتك يوم النادي وخبطي فيَّ بالغلط.. بصراحة كانت من أجمل الصدف اللي حصلتلي" ابتسم لها أمّا هي فنظرت له بغير تصديق ولكن لا.. لن يتركها اليوم دون التحكم في عقلها وكذلك مشاعرها "شخصيتك الحساسة وهدوءك وملامحك وكل حاجة فيكي خلتني اتمنى إننا نكون أقرب لبعض، أكتر من أصحاب وقرايب.. ومكدبش عليكي أنا زعلت شوية لما قولتيلي إنك بتحبي واحد تاني.. بس قولت خلاص أنا جيت متأخر واتمنتلك السعادة ومكنش ينفع وقتها أعمل أكتر من كده"
"اه.. واحد تاني كداب" همست بتهكم عندما تذكرت كلماته التي استمعت لها
"خلاص يا زينة انسي.. مش معنى إنك حبيتي واحد وطلع كداب يبقا دي نهاية العالم يعني" ود بكل ما أمتلك من قوة أن يُهمس لنفسه بتلك الكلمات فابتلع بإنزعاج لإدراكه أن ما يقوله لا يُساعد "بصي حواليكي يا زينة.. وانسي اللي فات، هتلاقي الأحسن، وهتلاقي اللي يقدرك أكتر منه"
"شهاب أنت بتقول كلام غريب أوي و أنا بعد اللي حصلي مش سهل عليا إني.."
"بقولك ايه.. ما تنسي بقا كل اللي فات ده وتركزي في اللي جاي" قاطعها بإبتسامة تصنعها وهو بداخله لم يعد يتحمل تلك المناقشة التي أثقلت كاهلة بكلمات ظن أنه لن ينطق بها لأي إمرأة على وجه الأرض
"اللي هو ايه؟" لمح طيف ابتسامة على ورديتيها
"يعني شغلك.. دراستك.. حياتك.. حد معجب بيكي" ضيق عيناه ناظراً لها بمزاح تظاهر به ليرى استجابتها الطفيفة له
"شهاب أنت عايز ايه بالظبط؟!" ضيقت ما بين حاجبيها وهي تنظر له بإستفسار
"بصي.. لولا الظروف اللي أنتي مريتي بيها، أنا كان زماني عند والدتك وبتقدملك" هز كتفاه بتلقائية
"بس.."
"بس أنا سايب الفترة دي تعدي علشان مبقاش بضغط عليكي" أكمل عنها الكلمات التي أدرك أنها ستنطق بها "عموماً.. تحبي تروحي تريحي شوية في البيت ولا هتروحي الشغل؟"
"لا هاروح البيت عند عمو كرم أغير الأول وبعدين أطلع على الشركة.. كده كده مش هاعرف أنام"
"تمام.. يالا بينا"
نوفمبر 2018 ...
"بجد يا سليم أنت كويس؟!" ادعت الإهتمام الزائف ليبدأ سليم بتمييزه الآن ببراعة
"آه يا أروى فيه ايه؟" ابتسم لها على غير عادته
"لا أروى وبتضحك وفي الشغل.. تتحسد!" ابتسمت له هي الأخرى
"يعني حسيت إني over شوية مع الكل فقولت نهدي الجو حبة.. كفاية ضغط الشغل علينا"
"اه فعلاً عندك حق.. بمناسبة ضغط الشغل.. أنت امبارح بعد ما زينة طلعت من عندك كان شكلك مضايق ومتعصب اوي و.."
"يادي زينة.." قاطعها ونبرته تدل على الملل الواضح "ما تفتكري حاجة تانية بقا!"
"لا واضح إنكوا اتخانقتوا جامد اوي بقا وزعلانين.. هو ايه اللي حصل صحيح؟" ادعت عدم المعرفة بينما سليم داخله لا يُصدق أنها حقاً قد تسأل عن هذا الأمر
"مفيش.. اختلفنا تاني في الشغل غير إنها كانت مختفية وجاية فجأة كده بطريقة غريبة.. تصدقي كلامك طلع صح!"
"كلام ايه بالظبط؟" تعجبت لكلماته التي لم تتوقعها
"لما كنا في الساحل.. يعني لما قولتيلي انها مش عايزة تسمع كلام حد ودماغها ناشفة وانها متدلعة ولسه صغيرة.. بصراحة أنا زهقت منها بقا وقولت أحسن حل معاها إني أكبر دماغي.. لغاية امتى كده هفضل أخاف عليها وهي متقدرش.. ده حتى سيدرا أصغر حد في العيلة دي مش زيها.. هي حرة بقا" نطق بتلك الكلمات ليرى تهلل ملامحها
"معلش يا سليم.. أنا عارفة إنك بتحبنا كلنا وبتخاف علينا بس.." قاطعها رنين هاتف سليم لتلاحظ أن المتصل إياد
"ايوة يا إياد.." اجاب هاتفه وهو ينظر لها بقليل من الإعتذار لمقاطعته اياها بتلك الطريقة لتومأ له هي في تفهم ولعنت حظها بداخلها
"بص أنا مش فاهم أنت بتعمل ايه بالظبط بس خليني معاك للآخر.. زينة اهي طالعة وزي ما أنت عايز اديني بقولك.. بس مش عارف هتجيلك ولا هتروح فين بالظبط"
"طيب تمام.. خللي الإجتماع بقا في معاده"
"اجتماع ايه يا ابني أنت؟!" تعجب مما قاله سليم
"هابقا أبعتلك الورق ماشي.."
"سليم أنت كويس؟!"
"خلاص تمام.. سلام" أنهى المكالمة بينما نظر لأروى مجدداً "تعرفي أول مرة أحس إني اتخانقت من كترالشغل" زفر في سأم مصطنع
"طب ما تاخد اجازة أو تحاول تكسر الروتين ده شوية"
"ما أنا بفكر في كده" زفر وشرد وكأنما يُفكر
"ما تيجي نروح نتغدى برا النهاردة" أخبرته وقد حدث ما أراده.. لا ينقصه فقط سوى حضور زينة لرؤية ما يحدث أمامها
"ماشي.. بس هنروح فين؟ أنا مخنوق من النادي والبيت.. تعرفي مكان جديد نروحه؟!" ادعى المزيد من السأم
"آه فيه مكان حلو أوي شوفته بالصدفة كده.. استنى أوريهولك.." تناولت هاتفها ليرى أنها تبحث عن ذلك المكان بأحدى تطبيقات التواصل الإجتماعي بينما استمعا لطرقات على الباب
"ادخل" صاح سليم مُجيباً تلك الطرقات وهو بداخله يتمنى أنها زينة وقد كانت هي!! "ايه لقيتيه؟!" سأل أروى وتجاهل زينة تماماً
"آه أهو" أخبرته بينما أقترب منها كثيراً وهو ينظر بهاتفها لتتعجب زينة بداخلها من مدى أقترابهما
"شكله حلو أوي وشكلنا هنتبسط هناك.. ايه رأيك نروح على الساعة تلاتة كده؟"
"تمام.. هاكون خلصت اللي ورايا" ابتسمت له ليبادلها الإبتسامة ثم ابتعد ذاهباً لكرسي مكتبه
"كنتي عايزة حاجة يا زينة؟!" سألها بنبرة غير مكترثة
"أنا استلمت كل المواقع اللي متفقين عليها مع شهاب، وكن عايزة أعرف باقي المواقع فيها ايه بالظبط ومـ.."
"روحي لإياد ولا عاصم ولا طنط شاهي" قاطعها مشيراً بيده وكانه ينهاها على الإستمرار في الحديث بنبرة مليئة بالإزدراء وحتى لم ينظر لها "أنا مش عايز دوشة" أضاف تلك الكلمة لتضارب المشاعر بداخلها، فحتى ولو كان بينهما اختلاف فلطالما تحدث الجميع عن سليم بأنه لا يمزج العمل بالعلاقات حتى ولو كانت صداقة أو قرابة "بقولك ايه يا أروى.. أنا مش هشتغل النهاردة.. مليش نفس لدوشة الشغل وخنقة المكتب وكل شوية بقا حد هيجي ويفضل يهري وأنا مش ناقص.. ما تيجي نخرج دلوقتي.. أنا حتى لسه مفطرتش.. أنتي وراكي شغل مهم أوي يعني؟!" شعر بذلك التشتت التي وقعت زينة فيه، حتى لاحظ أنفاسها المتوترة وخيبة أملها التي ازدادت، بل حتى هو يشعر بالخوف ما أن أبكاها ولكن عليه أن يُعلمها الدرس بقسوة هذه المرة
"لا مش كتير، شوية ورق بس عايزة أمضيه، ومناقصتين هراجع عليهم" هزت كتفيها بتلقائية
"طيب.. هاتي شغلك وتعالي نكمل برا.. هستناكي في الجراج"
"أوك.." ابتسمت له بإقتضاب وهي لا تُصدق هذا التغير الملحوظ وللحظة ارتابت بداخلها ولكنها نهضت وفرت خارج المكتب فوراً ولم تعير زينة أي أهتمام وبسرعة فتحت هاتفها حتى تستمع لما سيدور بينهما من حديث في المكتب..
نهض سليم وهو يتفقد شيئاً بحاسوبه المتنقل ثم أغلقه وأخذ يجمع أشياءه من على سطح مكتبه ولا تزال زينة تنظر له بتلك النظرة المتشتتة ليرمقها في جزء من الثانية وصمم أن يبالغ معها في قسوته
"اطلعي برا علشان هاقفل المكتب وماشي" حدثها بنبرة فارغة لا تحتوي أية مشاعر سوى السأم وعدم الإكتراث وقد تحملت هي الأخرى قدراً من الإهانة لم تعد تستطع تحمل المزيد منه
"أنا أصلاً ماشية.." لاحظ ذلك الإهتزاز بنبرتها ليرمقها في إزدراء "كنت بس مستنياك تخلص مع أروى علشان ارجعلك دي" عبثت بحقيبتها لتُخرج مفتاح السيارة التي ابتاعها لها "مش عايزة منك حاجة" ألقت له المفتاح على مكتبه
"ماشي" بالرغم من أنه يتألم بداخله ولكنه عليه أن يتظاهر بالمزيد "متبقيش تنسي الهدوم كمان.. أصل.." أشار بسبابتهعلى مظهرها الذي تغير كثيراً منذ عودتها "مظنش أنها هتنفعك.. يعني جو السواد والحلق والكحل والسيجارة بتوعك دول والضيق والعريان ميلقش عليه اللي جبتهولك.. بصراحة كنت غلطان لما فكرت إن اختياراتي تليق بيكي" نظرت له بصدمة دفعتها للغضب من إهاناته المتكررة
"الهدوم في المانيا.. روح خدها من مكان ما جبتها" شارفت عينيها على البكاء وتوجهت للخارج ليوقفها بصوته
"بقولك ايه.. من دلوقتي أنا مش عايز أي تعامل معاكي.. عندك أخواتك وخالتك وجوزها وحتى بدر.. لكن أنا.. انسي!" وقف بشموخ واضعاً يداه بجيبي بنطاله وتهشم قلبه عندما ألتفتت له ورآى تلك النظرة بزرقاوتيها
"أنا بجد مش متخيلة أنت ازاي إنسان حقير أوي كده.. فعلاً كنت مخدوعة فيك" همست بصوتها وقد حوت نبرتها العديد من الآلام
"بصي.. احنا هنا في شغل.. وواضح إنك مش عارفة تفرقي ما بين الشغل وبين الـ.." ابتسم بتهكم ثم تابع "أقول عليها ايه.. التسلية اللي كنت بتسلى بيها!!" قصد أن يذيقها المزيد من الإهانة "لو سمعت كلام تاني في الموضوع ده في الشركة متبقيش تزعلي من اللي هيحصلك!! ويالا برا علشان مستعجل.." نطق بتلك الكلمات لتتهاوى دموعها وبالرغم من قدماه التي يشعر وكأنها ستهرول نحوها ليعانقها بين ذراعيه قاومهما وهو يرمقها بنظرة فارغة من المشاعر ليسب نفسه بداخله على ما يفعله بها ونظرت له بلومٍ شديد لتلتفتت وغادرت المكتب بسرعة
"حقك عليا أنا آسف" همس بها لنفسه بينما توجه هو الآخر للخارج ووصد مكتبه لتتعجب أروى مما سمعته ولوهلة غرقت بالتفكير في كلماته اللاذعة التي وجهها إليها..
"يعني بجد كان بيتسلى ولا كرامته نقحت عليه!! وبردو متغير أوي معايا! ممكن يكون عرف؟!" ظلت تُفكر بينما تجمع أشياءها حتى لا تتأخر "استحالة.. وهي مقالتلوش انها عرفت مني.. بس هيبان!! كل حاجة هتبان الفترة الجاية" أقنعت نفسها بتلك الكلمات وتوجهت حيث ينتظرها وأخذت ترسم بمخيلتها تلك الصورة لهما سوياً بالأيام المُقبلة..
"يا شهاب أنت مش متخيل بقا بيعاملني ازاي.. ولا فارق معاه أي حاجة.. ده حتى لو بيعاملني إني بنت عمته مش هيعمل اللي بيعمله ده" تحدثت بوهن بين نحيبها
"زينة! اهدي وكفاية عياط أنتي من ساعة ما رجعتي وانتي بتعيطي"
"ما أنت مشوفتش اللي أنا شوفته النهاردة، ده بيخرج عادي ومبسوط لأ وكمان مع أروى" أخبرته ودموعها لا تتوقف عن الإنهمار
"عادي يعني مش هو كان متعود يخرج مع الكل؟" ألقى بسؤاله ليتبين ما الذي تشعر به نحو أروى.. هل ارتابت في امرها أم لا
"ايوة بس معانا كلنا واحنا متجمعين مش هو وأروى لوحدهم.. أنا مش مصدقة هو ازاي كده فجأة بقا بيخرج معاها.. لا يكون كمان عايز يعمل معاها زي ما عمل معايا وبيتحجج بس إنهم يروحوا يشتغلوا برا"
"ازاي مش هي اللي قالتلك.. يبقا أكيد فاهمة أنه إنسان مش كويس.. وكمان انتي بتقولي إن الخروجة كان فيها شغل.. يمكن كانت محتاجة منه حاجة في الشغل"
"مش عارفة يا شهاب أنا بقيت ممكن أصدق على سليم أي حاجة تحصل ومبقتش مستبعدة أنه يعمل كده مع مليون بنت كمان ولا يفرق معاه.. أنت متتخيلش هو كان بيعاملني ازاي وفجأة.. فجأة أكتشفت كل حاجة" أجهشت بالمزيد من البكاء وحالة الضعف التي رآها بها شهاب علم جيداً أن عليه انتهاز هذه الحالة فأقترب منها ليعانقها ويربت عليها
"متعيطيش على واحد زي ده.. هو ميستهلكيش.. وأنتي كمان تستاهلي حد أحسن منه"
"أنا بجد مش عارفة أقول عليه ايه.. يا ريتني ما سيبته يقرب مني" تعالى نحيبها بينما شعر شهاب بإهتزاز هاتفه في جيبه للمرة الرابعة وهو لم يعد يتحمل المزيد من بكاءها وحديثها عن ذلك الفتى الثري كما أنه قد تأخر على وليد بالفعل فلقد اتفق معه ليلة أمس على رؤيته والحديث معه
"زينة.. الضربة اللي متموتش تقوي.. وأنتي اديكي عرفتي سليم على حقيقته.. مينفعش تعيطي كل شوية، لازم تكوني قوية وتتعاملي مع الموضوع عادي، ومتخليهوش يعاملك بالطريقة دي.. وحتى لو مش عايزك تتعاملي معاه في الشغل فأخواتك موجودين وكمان خالتك وجوزها.. اهدي واجمدي وأنا جنبك ومتخليش حد يشمت فيكي" فرق عناقه ليريح يداه على كلتا كتفيها
"اخواتي!!" همست بتهكم "ده حتى إياد طلع زي سليم ومفكرش للحظة إنه بيأذيني بكلامه ده، وأروى أنت عارف إننا مش قريبين.. وعاصم ده مش فاهم حاجة.. أنا مش عارفة أنا ليه بيحصلي كل ده" انهمرت دموعها مجدداً ليتلمس أسفل ذقنها بأنامله
"مفيش حاجة هتحصلك تاني طول ما أنا جنبك" تفحصها بداكنتيه الخادعتين لينطلي عليها أهتمامه الزائف "أنا بقيت بخاف عليكي أكتر مما تتخيلي.. استحالة أسيب حد يضايقك أو حاجة تحصلك" نظرت له وقو توقفت عن البكاء
"شكراً اوي يا شهاب أنا مـ.."
"متقوليليش شكراً تاني.. ده بقا واجب عليا خلاص" ابتسم لها بإقتضاب ثم أقترب ليقبل جبهتها ليجد جسدها يتحرك بعدم أريحية بين يده التي لا تزال على كتفها وقبل أن تبادر بكلمات سبقها هو "أنتي محتاجة تنامي عشان أنتي صاحية من امبارح.. الساعة بقت عشرة بليل.. ولازم بكرة تروحي الشركة وتثبتي للكل إنك قوية ومفيش حاجة تقدر تهزك أبداً" أومأت له بإبتسامة مقتضبة لينهض هو "تصبحي على خير"
"وأنت من أهله"
"بص.. أنا مبقتش فاهم حاجة من اللي أنت بتعمله ده.. تقولي زينة لما تيجي تعرفني.. شوية والاقيها شكلها كان معيط وجاية تكلمني في الشغل وبعدين تسيبني وتمشي.. وأنت خارج مع أروى وسايب كل حاجة تولع!! ممكن أفهم بقا فيه ايه؟!" صاح إياد بإنزعاج متسائلاً
"فيه إن أروى أختك هي ورا كل اللي بيحصل ده" حدثه بهدوء لتعترى ملامح إياد الصدمة
"أنت بتقول ايه يا سليم!! ازاي!! لا لأ! أنا عارف إن أروى ممكن تعمل حاجات كتيرة بس.. إنها تتصنت علينا وتروح تنقل لزينة الكلام غلط.. لأ.. استحالة!" لم يتقبل تلك الصدمة جيداً
"أختك بقالها فترة مش مظبوطة.. من ساعة ما سافرنا الساحل علشان الخبر الغلط اللي جالنا ده، فضلت تقول كلام كتير على زينة إنها متدلعة وصغيرة ومش بتسمع الكلام ودماغها ناشفة.. شوية حاجات كده.. على شوية حركات اللي فهمت متأخر إنها سهوكة.. لغاية ما فهمت إنها كانت بتوقع ما بيننا.. شكلها أكتشفت إن أنا وزينة بنحب بعض"
"بس ولو حتى بتحبوا بعض.. هي مالها.. ايه مصلحتها في انها تبعد زينة عنك.. ولا ايه أصلاً مصلحتها في إن أنا وزينة يحصل ما بيننا اللي حصل؟" تعجب بإنفعال شديد ليتريث سليم قبل أن يٌلقيه بحقيقة تدبير أخته للأمر
"هحكيلك كل اللي وصلت ليه.. بس أوعدني تكون هادي كده علشان نعرف نفكر"
"اتكلم يا سليم وانجز.. وصلت لإيه ولا عرفت ايه" أخبره بأنفاس متعالية خالية من الصبر فها هي مصيبة جديدة من نوعها يكتشفها عن أُسرته المفككة وها هو سليم قد بدأ بالحديث..
لا يُصدق أن أخته قد تفعل شيئاً بمنتهى الحقد هكذا، هي فقط لا تجتذب رجلاً إليها، هي تفرق بين زينة وبينه، لا تكترث للأخوة التي تجمعهما، لا تحمل ولو خُلقاً حميداً واحداً.. وكل ذلك لماذا؟ من أجل ماذا؟ أن تتقرب لرجل؟ أيُمكن حقاً أن تكون بمثل هذه الوضاعة التي تجعلها في موقف مشابه؟ ألم تُفكر ولو للحظة كيف سينظر لها الجميع عند معرفة كل ما فعلته؟ ألم تكترث ولو لبرهة أن بشاعة فعلتها قد تجعل الجميع يبغضون حتى معرفتها بهم؟ أسهل عليها للغاية أن تفقد أخواتها لمجرد أياً كان ما تود الوصول إليه؟! لقد شعر بخيبة الأمل، شعر بالضعف الشديد، لا بل شعر بالتشرد التام وكأن لم يعد هناك مأوى لتلك الأسرة بأكملها ولا ملجأ قد يلجئون إليه من ذلك الضياع!!
"يا نهار أسود!! طب والعمل يا سليم؟!"
"العمل إن أخواتك الاتنين يتربوا.. لو أروى عايزاني.. ماشي.. أنا معاها، إنما زينة واللي بتعمله ده أنا لازم أعلمها إنه غلط.. لاوم تعرف متديش راسها لحد تاني"
"أنت ناوي على ايه؟" سأله وملامح التعجب تعتري وجهه
"هفهمك.." زفرفي آسى ثم تابع "وادينا اهو مع بعض من الأول ومفهمك كل حاجة!! على قد ما أنا عارف إن اللي هاعمله صعب.. بس مقدميش حل غير كده، أستحالة أسيب الأتنين يضيعوا كده.. أروى لازم تفهم إن مش كل حاجة عايزاها لازم تحصل، وزينة لازم تكبر بقا شوية وتعرف مين اللي تثق فيه ومين اللي متصدقهوش"
تجولت بغرفتها وملامحها متهللة من تلك السعادة التي بدأت في التسلل إليها، ها هي قد بدأت في الحصول على ما ودته منذ زمن، إذا أستمر هذا الوضع لما يقارب الشهر فقد تعلن خطبتها هي الأخرى على سليم!!
ابتسمت بإنتصارها لليوم واستماعها لتلك الطريقة التي يتحدث بها سليم لزينة، يبدو وأن ذلك الدمار الذي حلَّ بهما لن يعمر أبداً.. فقط عندما تخطب زينة إلي شهاب مثلما أتفقت معه ستكون تلك النهاية بينهما إلي الأبد ولن يجد سليم سواها بجانبه كي تواسيه.. أكانت تظن أنها ستحصل عليه!! يا لها من صغيرة مُدللة..
"ولا بقا لو كانت ماما عرفت.. ده مش بعيد كانت تجوزهاله لو خالي جه أقنعها بكلمتين.. وكانت تقول زينة ولا أروى المهم أن حد من بناتها يتجوز سليم!.. أنا مش فاهمة هي بتفكر ازاي ولا عايزة ايه بعد السنين دي كلها، ما هي كبرت اهي وعندها ولاد والشركة موجودة وخدت زمانها بما فيه الكفاية، هتاخد بقا زمن غيرها.. أنا مبقتش ناقصة وجع الدماغ ده اللي كل ساعة والتانية تزن على دماغي بيه.. يالا هانت.. فات الكتير اوي" تحدثت إلي نفسها وأخذت تُفكر بتلك اللحظة التي تتمناها ولكن لوهلة فكرت ماذا لو أن شهاب أخبر أحد بفعلتها؟! "أنا لازم أنا كمان أمسك حاجة عليه زي ما هو ماسك حاجة عليا.. وساعتها مش هابقا خايفة من حاجة"
توصلت لهذا القرار لتجد باب غُرفتها يُفتح عليها بعصبية من والدتها لتقول بعقلها "اهي جت اهي"
"أختك فين؟!" عقدت ذراعيها في تحفز
"يوووه بقا مش هنخلص من المُقرفة دي" تحدثت لنفسها "مش عارفة يا مامي.. يمكن راحت لعمو كرم"
"تكلميهالي حالاً ولا حتى لو وصلت إننا نروحلها ونجيبها من هناك.. هي فاكراها سايبة.. تروح تنام مع واحد برا ويا عالم هي بتعمل ايه عند الزفت اللي اسمه كرم ده وابنه"
"مامي اهدي واسمعيني" تنهدت أروى وبداخلها تود لو أن تختفي زينة من الحياة بأكملها
"أنا مش هاسمع حاجة تاني.. أنا بقالي كتير باسمع.. لو البنت دي مباتتش في البيت النهاردة واتحاسبت على اللي عملته أنا مش بعيد أموتها بإيديا"
"حاضر يا مامي هاعمل لحضرتك كل اللي أنتي عايزاه، بس ممكن تقعدي أتكلم مع حضرتك؟" همست في توسل وادعت تلك الطاعة العمياء التي عمت عينا هديل منذ زمن
"اتفضلي عايزة ايه؟!" تحدثت بإنزعاج نافذاً من كل معاني الصبر
"دلوقتي لو زينة جت البيت زي ما حضرتك بتقولي، وكلمتيها في الموضوع.. مش ممكن تروح تعيط لخالو؟ مش ممكن طنط شاهي تعرف؟ طب عاصم وإياد وآسر لما يعرفوا ولا حتى خالو زياد؟ ولما تيتا تعرف؟ حضرتك أنا عارفة إن معاكي حق ولازم تتحاسب على كل حاجة.. بس لو حد عرف قبل خطوبتها من شهاب مش بعيد يشمتوا في حضرتك.."
"يشمتوا!!" صاحت في غير تصديق
"أيوة يا مامي.. الكل هيفضل يقول إن حضرتك عمرك ما كنتي قريبة ليها وإن حضرتك كنتي مش واخدة بالك منها ولما سافرت ومكانتش بترجع في الأجازات فده عشان خناقتكوا.. حضرتك فاهمة همَّ بيفكروا ازاي.. هتبقا فضيحة وكل الناس هتشمت.. وبردو عاصم، حضرتك عارفة هو طيب قد ايه، ممكن يغلط بالكلام قدام أي حد من أصحابه ولا اللي يعرفهم ولا حتى يفضفض وساعتها ممكن الموضوع يوصل أنه يبقا فضيحة بجد، وسيرتنا هتبقا على كل لسان" تريثت لبرهة عندما لاحظت والدتها تُفكر في كلامها وتأخذه على محمل الجدية
"اللي أعرفه عن شهاب إنه هو كمان كان بيدرس برا والموضوع مش فارق معاه، يعني.. متفتح وقالي أهم حاجة من ساعة ما عرفتني وميهمنيش اللي فات.. لازم يا مامي الموضوع ده يفضل ما بيننا ومتحسسيش زينة إنك عرفتي حاجة.. وكمان لما اجي أنا وسليم نتخطب ولا نتجوز منظري هيبقا زفت قدامه هو وخالو ومراته!."
"تتخطبوا؟! هو فيه جديد ما بينكم؟" سألتها بإهتمام
"النهاردة قضينا اليوم كله سوا برا، فطرنا واتغدينا وكمان اشتغلنا سوا من برا.. هو ابتدى يتغير معايا كتير.. وحتى كان بيعامل زينة عادي اوي.. الظاهر لسه متخانقين من امبارح.."
"أمّا نشوف اخرتها ايه معاكي.." نظرت لها ثم ضيقت عينيها سائلة "وابن كرم ناوي يجي يكلمني في الموضوع امتى؟!" فاجئتها بهذا السؤال وللحظة تذكرت حديث سليم عنه وتحذيره لها تجاهه وبالطبع إياد يعلم شيئاً هو الآخر فهو وسليم مقربان للغاية ووقتها لن يوافق على خطبتهما..
"أنا.. أنا هاقوم أكلمه.. بس مامي أنا عندي اقتراح"
"قولي!"
"فاكرة لما حضرتك مكنتيش موافقة اننا نشتغل مع شهاب؟!"
"آه فاكرة"
"لما حذرتينا منه وكده.. ممكن إياد ميوافقش.. وكمان حاسة إنهم مش بيطيقوا بعض.."
"عايزة تقولي ايه يعني؟!"
"يعني نعمل قراية فاتحة كده صغيرة على القد أنا وحضرتك وعاصم وزينة وشهاب وباباه وبعدين نبقا نعمل حفلة أو زي ما همَّ عايزين"
"وهو مال إياد بشهاب؟"
"مش عارفة يا مامي بس بحس إن سليم مبيحبهوش ومش طايقه، وحضرتك فاهم أي حاجة سليم بيعملها إياد بيوافقه عليها.."
"مممم..."
"صدقيني يا مامي هو ده الحل، وساعتها يبقا محدش هيعرف موضوع زينة، وأنا وسليم تمام، وهي تتخطب وبعد ما تخلص الماجيستير يبقوا يتجوزوا وساعتها ممكن ناخد كل المشاريع بتاعتهم ولما ادخل كمية المشاريع دي كلها ساعتها كلمتي هيبقا ليها آلف حساب وراسي براس سليم بالظبط"
"ماشي، اتفضلي قومي كلميه.. أنا فاضية اهو، حددي معاه اي يوم.. لما نشوف اخرتها مع زفتة دي اللي مش جايلي من تحت راسها غير المصايب"
"حاضر يا مامي" أخبرتها وهي تتابعها بعينيها حتى تركت الغرفة لتآفف هي "زينة زينة زينة!! امتى اخلص منها بقا؟"
"آلو.."
"ايوة"
"زي ما اتفقنا.. ماما موافقة تقابلك.."
"بكرة بليل مناسب؟!"
"ياااه.. ده أنت شكلك مستعجل أوي" أخبرته بتهكم
"تمام.. سلام دلوقتي علشان مشغول" أنهى مكالمته معها فهو لا يريد الإطناب بالحديث أكثر أمام وليد
"ركز معايا واسمعني كويس وأي حاجة عايز تسأل عنها خليها للآخر"
"شكل الموضوع كبير ولا ايه؟!" ابتسم له ليبتسم له شهاب ابتسامة جانبية
"فيه شوية مواقع لسه مسلمها لشركات.. يعني على الورق وقدام الناس احنا مش مسئولين عنها، فيه موقع موجود جواه مخزن كبير.. المخزن ده هيكون بعد أسبوع من النهاردة فيه الشحنة كاملة.. من تحت الأرض فيه طريق، خمسة وعشرين كيلو تحت الأرض.. بيطلع على الطريق على طول.. هيكون فيه عربيات جاهزة تنقل الشحنة في كذا مقطورة مستنياكم على الطريق.. وكل مقطورة المفروض إنها محملة اسمنت جاهز، يعني، خلطات خرسانة زي اللي أنا بستخدمهم عندي في المواقع.. هتحملهم بكل الشحنة وهمَّ عارفين طريقهم كويس بعد كده.. اهم حاجة الناس اللي هتنقل الحاجة.. وأنت عارف إني مبحبش ابخل على حد"
"حلوة الفكرة وجديدة معملناش زيها قبل كده.. بس هي كمية السلاح المهولة دي هتروح لمين؟"
"كل حاجة وليها زبونها بقا!"
"ده أنت شكلك بقيت بتلعب على كبير اوي.. بس تصدق.. كان ليك حق تاخد كل الوقت ده"
"ما هو طريق.. خمسة وعشرين كيلو تحت الأرض بردو مش بيتعمل في يوم وليلة.. وكان لازم امضي الناس على استلامات المخازن دي علشان حتى لو حصل حاجة نبقا في السليم"
"أنت اللي هتبقا في السليم مش أنا!" أخبره بإبتسامة مليئة بالشر
"بص يا وليد احنا ياما اشتغلنا سوا.. تفتكر بعد ما رجعنا مصر هفرط فيك ولا ابيعك.. مش بعيدة دي شوية؟" حدثه بمنتهى الهدوء
"طب اضمنلي اني ابقا في السليم زيك.."
"كنت متأكد إنك هتقول كده" ابتسم له ثم تابع "أنت هتوقف مع الرجالة وهمّ بيحملوا الشحنة، هتكون في المخزن وحد بقا بمعرفتك واقف بيحمل الناحية التانية.. لو أي حاجة حصلت فوق المخزن مبنى عليه هيليكوبتر.. وهيكون فيها اللي يسوقهالك.. ولو حابب روح أتأكد وعاين بنفسك"
"تمام.. هاروح اعاين ولو كلامك صح يبقا اتفقنا.. استنى مني مكالمة.. هأكد عليك معادنا بعد أسبوع"
"تمام.. يالا يادوب أمشي بقا علشان أظبط كل حاجة" ابتسم له ثم نهض ليصافحه فصافحه الآخر وتوجه شهاب للخارج..
"يا صباح النورعلى نور حياتي كلها" همس بدر الدين بنبرة ناعسة
"يا ملك الكون يا بكاش.."همست له هي الأخرى ثم توسدت صدره
"طب والله ما بكاش.. هو أنا فيه غيرك منورلي حياتي كلها!"
"لو مش بكاش مكنتش ضحكت عليا بكلمتين ولسه متكلمتش مع سليم"
"يعني لسه بقاله أسبوع عارف حوار أروى، وابنك متنكد من غير زينة.. عايزاني أروح أقوله إن أبوك كان وكان.. خبطتين في الراس توجع بردو.."
"ماشي.. خليك كده تحايل فيا.."
"يا حبيبتي بـ.." توقف من تلقاء نفسه بينما نظر لنورسين التي نظرت له نفس النظرة المتعجبة وفرا ناهضان
"ايه ده صوت التكسير ده؟" همست نورسين بقلق
"مش عارف.. هاروح أشوف أهو" فتح باب غرفتهما وتوجه للخارج وأخذ يقترب أكثر نحو مصدر الصوت الذي كان يخرج من غرفة سليم وتبعته نورسين كذلك ولم ينتظر ولكنه فتح الباب فوراً ليتصلب مكانه وهو يرى ابنه يهشم كل ما وقعت عيناه عليه وأعترت نورسين الصدمة
"سليم.." ناداه بدر الدين زاجراً بصوته الرخيم ليلتفت هو له بأنفاس متعالية وقبل أن يبادر بالحديث ويسأل عما يفعله ملامحه دلت على حدوث دمار ما ولكنه لا يعرفه بعد..
"رايحة تتخطبله.. سابت كل الرجالة في الدنيا ورايحة تتخطب لأوسخ واحد في الدنيا.. واحد سادي قذر بيهدد البنات باللي ماسكه عليهم.. رايحة ترمي نفسها لواحد ممكن يدمرها" صرخ بوجه بدر الدين ليبتلع في إنكسار وأدرك أنه عليه الإعتراف بكل شيء لسليم حتى يستطيعا التخلص من هذا المسمى شهاب في أقرب فرصة ممكنة..