-->

الفصل التاسع والعشرون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل


الفصل التاسع والعشرون 

"شوف بقا يا ابن بدر الدين.. أنا ست فرفوشة وبموت في الضحك وبكره النكد.. ابعدلي بقا عن جو العياط وأنك تفتكرني وعنيك تدمع وكآبة أبوك واسمع كلامي لحسن أنا بنت سفير وممكن ابيتك في الحجز!!
زماني وحشتك اوي وأنا كان نفسي أقولك الكلام ده وأنت قدامي بس اعمل ايه بقا، السرطان مسبش فيا فتفوتة سليمة، الظاهر كده كان مستقصدني!! وأنت كنت صُغير اوي إنك تعرف اللي هاقولهولك ده.. عموماً زمانك بقيت شبه بدر الدين أكتر.. بس على الله تكون ناصح وشاطر زيه" ابتسم سليم ابتسامة هادئة 
"بص يا سيدي.. أبوك كان مدوخ بنات الجامعة كلهم.. مكنش فيه واحدة تعرف عنه حاجة.. كلهم كانوا بيبصولوا من بعيد لبعيد بس هو كان تقيل اوي ومبيديش فرصة لحد يقرب منه!! بس على مين.. أنا ليلي بردو، جبتهولك على بوزه!! ما أهو أنا لما بحط حاجة في دماغي هاوصلها يعني هاوصلها..
حبيته يا سولي.. حبيته واتهوست بيه.. حبيت كل حاجة فيه.. وهوب فجأة واحدة لقيته بيقولي ابعدي عني علشان أنا سادي!! شوفت حظ مامي الهباب يا روحي.. راجل سادي وسرطان دغدغني.. بس بردو مستسلمتش.. قولت مش هاسيب الراجل اللي بحبه..
روحت وقريت وسألت دكاترة نفسيين.. للأسف مكنتش قادرة أصدق الجنون ده.. بس بردو عملت فيها شهيدة حرب وقولت بحبه يعني بحبه ومش هاسيبه..
كان عندي استعداد أعمل أي حاجة علشانه، هو مش جهل مني على قد ما كان عندي استعداد إني أفضلجنبه.. وبس، قولت أمّا أجرب أكون خاضعة.. ومقولكش بقا، عذاب!! حاجة بشعة مقولكش.. بابي طلع فظيع.. بس أعمل ايه، حبيته حب جنون.. وكملت..
أقنعته إني بحب الحاجات دي.. وزي ما قولتلك ليلي لما بتحط حاجة في دماغها بتوصلها.. وياريتني ما وصلت.. عايزة أقولك إني كنت ساعات بحس إني هاموت من اللي بيعمله فيا.. اوعى يا حبيبي تطلع لبابي لأعملك شبح واجي أفزعك في كوابيس!! هاطين عيشتك يا سولي لو طلعت كده" بالرغم من فداحة ما يقرأه وتلك الإعترافات من والدته ولكنه ابتسم مجدداً
"طبعاً بما إنك بتقرا الكلام ده فده معناه إن يا إما أنت عرفت حاجة يا إما نورسين قالتلك.. أصل أنا موصياها إن ابني يعرف كل حاجة عن باباه ومامته.. صحيح بمناسبة نورسين.. شوفت بابي النمس! الأولانية بنت سفير والتانية قمر.. مش ممكن بجد.. ياريت بقا تحطلي عينك كده على واحدة ملونة زيها علشان عايزة أحفادي ملونين زيها.. وعلى فكرة هي اللي قاعدة بتكتب الكلام ده علشان مش قادرة امسك قلم!! لو وصلك الكلام ده تقوم أول ما تخلص الجواب تبوس ايديها.. باينها كده إنسانة كويسة، كويسة وزي القمر.. وقع واقف بردو بدر الدين!!" توسعت ابتسامة سليم ثم ترك الورقة ليقرأ الورقة التالية 
"نرجع بقا لموضوعنا، بدر يا سليم كان لازمله علاج نفسي.. بدر كانت فيه حاجات كتيرة حلوة أوي، خوفه على عيلته وحبه ليهم وتفوقه في شغله ودراسته.. معرفش علاقتكو عاملة ايه دلوقتي بس أنا حاسة إنكم كويسين.. 
بدر كان بيمارس ساديته على الستات اللي مش كويسين، يا واحدة عايزة فلوس يا إمّا واحدة خاضعة بتحب الحاجات اليع دي.. ابعد عنها يا سولي يا إما هطلع عينك.. أنا بحذرك اهو!! 
تعرف.. أنا كنت ناوية افاتحه في موضوع العلاج وكنت ناوية ارميهاله بطريقة غير مباشرة كده من تحت لتحت يعني، لدرجة إني خلاص كنت مجهزة الدكتور وكله تمام وجه باباه.. جدك الراجل اللي لسه بدعي عليه لغاية دلوقتي مات!! 
بدر بقا فضل فترة كبيرة اوي ساديته بتزيد بشكل مبالغ فيه، حقيقي افترى عليا بغباء وأنا من حبي فيه استحملت.. مجنونة مامي يا سولي والله.. ولسه بحبه لغاية دلوقتي بس أعمل ايه بقا، اختياري والراجل الوحيد اللي حبيته..
طبعاً مكنش ينفع أقوله روح اتعالج.. ففضلت أعمل كل اللي هو عايزه.. ويادوب لسه بيفوق لقيتني حامل فيك.. وبعدها سرطان ومواضيع ملهاش أول من آخر.. 
أنا ملحقتش يا سليم أساعده يتعالج.. ملحقتش أوصل معاه للمرحلة دي.. يمكن كان قدره إن نورسين هي اللي توصله للمرحلة دي.. حقيقي مش عارفة ليه حظي كده بس يالا كل واحد بياخد نصيبه..
ركز بقا معايا.. أنا ربيتك على إن بدر الدين صاحبك.. ووصيتك تصاحبه.. وبأكد عليك متسبهوش.. لو فيه ايه متسيبهوش.. بدر عمره ما بيشوف حد محتاج حاجة وبيتخلى عنه، ده ضهرك يا سليم.. 
سواء بقا اتجوزت، سافرت، عملت أي حاجة متسيبهوش.. بدر محتاج اللي يحضنه ويطبطب عليه.. ساعتها بيقلب بيبي في ايده.. ومظنش إنك يا سليم بعد ما فضلت أقولك تسع سنين بحالهم إنك تصاحبه تيجي وتسيبه يوم ما تعرف هو كان ايه..
أنت دلوقتي روحت تجيب فطار وعصير من الكافيتيريا اللي في المستشفى معاه، من الآخر كده وزعناكوا أنتو الاتنين عشان أخلي نورسين تكتبلي الكلام ده.. حطها حلقة في ودنك، بدر ده ضلك إياك تبعد عنه..
لو كنت لسه عارف إنه سادي روح اجري عليه واحضنه، قوله إن نظرتك عمرها ما هتتغير ليه.. لأن بدر بيكره ساديته وشايف إنها حاجة بشعة ومكنش قادر يتخلص منها.. ولو لسه عارف من نورسين حاول تكلمه بهدوء وبشوية حنية كده حاول معاه هتلاقيه بيفضفضلك بكل حاجة.. بجد اتمنى انك تاخد حنيتك وفرفشتك مني.. هتكسب كتير..
سليم!! وأنت بتكلم بدر وأنت عارف حقيقته حط في دماغك إنه اتعذب عذاب مبيعذبهوش لحد غير في أمن الدولة، أبوه ده كن صعب أوي.. وأمه ست مفترية جداً فوق ما تتصور.. وأظن لو حبيت تعرف حاجة ممكن تسأل نورسين، أحنا اتفقنا إنها هتقولك على كل حاجة هي تعرفها..
أوعى تتلم على بنوتة قمراية تنسيك ليلي ولا تخلف ولاد زي القمر شبهك كده أنت وبدر الدين يشغلوك عني.. ابقا زورني يا سليم وادعيلي.. أوعى تتخلى عن بدر في يوم.. وممكن بس لو حبيت تعيط دلوقتي عيط ده لو عرفت يعني.. عشان بس تفتكر إن مامي طول عمرها فرفوشة .. وابقى سلملي على بدر وقوله أوعى ينساني..  باي يا حبيبي" 
ألقى الوريقات أمامه في صدمة وهو يبتسم ويهز رأسه في إنكار كيف لها أن تفعل ذلك؟ وبمساعدة مّن؟ نورسين!! 
"مش ممكن.. ده لو كانت أمي عاشت وبقت نورسين ضرتها أحنا كنا هنشوف العجب!!" تمتم في غير تصديق ووجد شعوره أختلف كثيراً، كلمات والدته كانت كمسكن سحري قوي المفعول!! 
تنهد متوصلاً أخيراً لقراره وعلم أنه عليه أن يستمع لليلي.. نهض ليتوجه باحثاً عن نورسين فأناملها التي خطت تلك الكلمات تستحق أن تُقبل بتقدير وإمتنان شديدان..
"نوري" همس لتلتفت له ليقترب نحوها وأخذ كلتا يداها ليُقبلهما "وصية أمي بردو" دمعت عيناه أمامها لتدمع عيناها هي الأخرى
"كانت حلوة أوي يا سليم.. ربنا يرحمها يارب"
"يارب يا ماما" نظرلها بتأثر وهطلت احدى دموعه لتحتوى وجهه بكلتا كفيها 
"لأ.. لو شافتك دلوقتي هتقول إنك نكدي.. متعيطش يا حبيبي" أومأ لها بإبتسامة ثم أخفض يدها ليقبلهما مرة أخرى ثم أقترب ليُقبل رأسها 
"بدر فين؟!" همس سائلاً وهو يوقف نفسه عن البكاء
"عامل حصار في أوضة مكتبه.. الحقه لحسن ده من ساعة ما خرج من أوضتك وهو قافل على نفسه" 
"ده هيطلع يفجرنا.. حاسب يا جميل من قدامي لا نتعور احنا الأتنين" ضحكت بخفوت ثم تركته ليذهب له وهي تتابعه بإبتسامة هادئة حتى غاب عن عينيها..
"مين؟!" آتاه صوت بدر الدين من خلف الباب بعد أن طرق عليه 
"أنا سليم" مرت ثانيتان ليراه أمامه واقفاً في الظلام الدامس ثم نظرله عاقداً حاجباه في ترقب شديد ولمح الخوف يرتسم على تقاسيم وجهه ليتصنع سليم الجدية "عديني!" أخبره آمراً ليزداد تعجب بدر الدين ليضيق عيناه وتصلب في مكانه بينما دفع سليم الباب رغماً عنه ودلف للداخل لينير الغرفة بأكملها والتفت بدر الدين يتابعه بثاقبتيه 
"يا اسطى أنت فشخت الراجل.. أنت عملت كده ازاي؟!" أمال بدر الدين رأسه في تعجب مما يستمع إليه وازدادت عقدة حاجباه "ده أنت لو كان حد عرف اللي عملته فيه كان زمانك لبست تأبيده" 
"سليم!!" ناداه محذراً "أنـ.."
"بس أهو اخد جزاءه.. أنا لو شهاب قرب من زينة ممكن أعمل فيه أكتر من كده.. الكلب ده لازم يسيبها وبما إنك الخبرة هتساعدني" قاطعه وهو يتحدث بنبرة مرحة ثم نظر لأبيه لتتلاقى أعينهما ودمعت عينا بدر الدين 
"يعني أنت مش بتكرهني يا سليم بعد كل اللي عرفته؟!" اهتز صوته وهو يهمس سائلاً اياه ليهرول نحوه مُقبلاً يده 
"لا عاش ولا كان اللي يكرهك يا كبير.. أنا يعني وأنا بسمعك كان نفسي اجيب أبوك وأمك دول من القبر وأعلمهم الأدب من أول وجديد، بس استغربت يعني من كلامك وقولت أروح أشوف بعيني عملت في اللي اسمه كريم ده ايه.. وماما الله يرحمها ساعدت بردو" نظر له بدر الدين في تعجب
"ليلي!!" همس بصدمة
"اه يا عم ليلي.. سايبالي جواب كده فيه الخُلاصة.. بتسلم عليك صحيح.. بس أصلاً من ساعة ما أنت حكيتلي وأنا كنت عارف ومتأكد إني معرفش أخد خطوة في حياتي من غيرك.. أنت أبويا حبيبي بردو.. بس قولت أهزر معاك شوية كده واقلبها دراما"
"يا ابن الكلب وسايبني كده من الصبح" أقترب منه ليضربه بخفة على جانب عنقه 
"خلاص يا كبير حرمت يا عم.."
"كلب" أخبره في غيظ
"قولي بقا.. هنعمل ايه في شهاب.. هتسيبه ياخد البت مني.. أنا حاسس إني بموت يا بدر.. هتشل خلاص"
"اجمد يا حيلتها وأنا أقولك هنعمل ايه!"
❈-❈-❈
أروى لا تعرف من هو وليد، ولا ذلك الشيء الذي تحدثا عنه.. ولن يُفيدها الأمر أبداً إلا عند حدوث قضية.. عليه أن يحصل على هذا الدليل منها أو هناك حلاً آخر، أن يحصل على شيء آخر يجعلها تنسى تماماً ذلك التسجيل الذي تملكه بين يداها..
زفر في ضيق وشعر بالحقد على تلك العائلة بأكملها.. منذ البداية لم يود أن يقترب منهم للغاية هكذا.. الآن يراهم جميعاً تحت أنظاره، لربما حظى بقليل من الإنتصار لحصوله على زينة.. هذا يجعله هادئئاً قليلاً كلما تذكر وجه هذا الطفل الثري الذي يظن نفسه شيئاً بينما هو بالحقيقة نكرة.. لو كان حقاً رجلاً مثلما يظن نفسه لما ترك من يعشقها لرجل آخر ليحصل عليها.. أطلق زفرة ضاحكة بسخرية  وهو يتخيل ذلك الوقت الذي بات قريباً للغاية وتمتم بعقله "يا ترى بقا هتسيب حبيبة القلب تلبسها ولا هتلبسها أنت!"..
دفعه هذا لتذكر وليد وما أعد له، فوليد بات خطراً للغاية على مكانته وشهرته، هو الوحيد المتبقي مما يعرفون حقيقته وحقيقة صفقاته المشبوهه تمنى لو مر ذلك الأسبوع سريعاً حتى يكتشف أين عمه.. وبعدها سيطيح بالإثنان، وليد وعائلة الخولي بأكملها..
"أيوة" اجاب هاتفه الذي أطلق اهتزازاً بجيبه 
"كان فيه دكتور نبطشي وعرفت منه إنه اسم الراجل محمود عبد النبي.. بيقول إنه جه بقاله حوالي عشرين سنة.."
"وايه ملوش ولاد ولا قرايب بيسألو عليه؟"
"لأ.. أول مرة تجيله زيارة كانت زياة سليم اللي جاله امبارح.. بس يا باشا بيقول انه مجنون يعني وبيتهته في الكلام وميعرفش حتى اسمه ايه"
"امال مين اللي بيدفعله الفلوس"
"بيقولوا انها بتتحول من حساب كل فين وفين مرة في السنة، بس اللي بيدفعله بيدفعله كتير كمان"
"تمام.. لو عرفت حاجة تانية عنه أو سليم بلغني" 
أنهى المكالمة ليزفر في ضيق، وتسلل الشك لعقله.. علم أنه عليه أن يذهب بنفسه في الصباح الباكر ليرى ذلك الرجل.. علّه يعلم شيئاً عن تلك العائلة، فهو بتلك الأموال التي يتلقاها لابد وأن من خلفه يملك الأموال.. 
أرسل برسالة لأحد على هاتفه كي يعلم من صاحب ذلك الحساب الذي تُحول منه الأموال لتلك المصحة فلربما يحصل على أية معلومات تُفيد.. 

❈-❈-❈

"هي عايزة ايه مني بقا تاني.. مش كنت خلصت  منها!!" زفرت وهي تفكر بحقدٍ شديد على أختها بينما تذكرت محادثتهما اليوم بمكتبها
"أنا يا أروى كنت عايزة أحذرك.. يعني أنتي وسليم مقضينها خروجات و.."
"متقلقيش..أنا هدفي في الأول وفي الآخر هو الشغل وبس.. فسليم بقا عامل كويس معايا أو لأ ميهمنيش.. المهم إن الشغل يفضل ماشي" قاطعتها بإبتسامة بينما بداخلها ودت لو أن تنتهي منها للأبد 
"وحتى لو الشغل.. أنتي متعرفيش هو ممكن يبقا بيمثل عليكي علشان يوصل لحاجة تانية.. زي ما عمل معايا"
"أنتي فكراني هبلة زيك" تمتمت بعقلها "قولتلك متقلقيش.. أنا بردو بقالي كتير بشتغل معاه وفهماه كويس واستحالة اخللي حاجة تأثر عليا" 
"تمام.. أنا بس كنت خايفة عليكي"
"قال خايفة عليا قال" ابتسمت بتهكم بعد أن تذكرت ما أخبرته بها لتشعر بالإرتباك لحظة ما أن علم سليم فعلتها لتتذكر ما أخبرها به إياد صباح اليوم ليزداد ارتباكها "لا لا.. استحاالة يعرف حاجة ولو كان يعرف كان زمانه حكى لسليم.. هو بس واخداه الجلالة مش أكتر" تحدثت لنفسها بينما قررت أن تتخلص من خوفها ذلك ولكن كيف وذلك ليس له معنى سوى أن سليم يعلم الحقيقة بأكملها؟!!
❈-❈-❈

"صاحية؟!" همست أسما بعد أن طرقت باب غرفة  زينة لتومأ لها وهي جالسة على سريرها 
"اه يا أسما اتفضلي" 
"أنا مكنتش أعرف والله.. مبروك"
"الله يبارك فيكي.. عقبالك"
"بس مش الموضوع جه بسرعة شوية؟!" تعجبت أسما وهي تبتسم لها 
"شوية.. بس يعني مكنش ينفع نعمل حاجة كبيرة.. بابا لسه ميت مبقالهوش شهرين وماما شافت إن كده أحسن" شعرت أسما بنبرتها المهتزة وملامحها لا تدل على السعادة بخطبتها 
"لو حابة تحكيلي  الموضوع جه ازاي وندردش شوية أنا معنديش مشكلة.. وبصراحة زهقت من المذاكرة أوي" أدعت الملل وأقتربت لتجلس أمامها على السرير لتتنهد زينة في قلة حيلة فهي حقاً شعرت بالإحتياج لمن تتحدث معه
"أوك.. هاحكيلك.."
❈-❈-❈

"يعني تفتكر لو ميرال عارفة مكان اللي صورهولها فين مكنتش اخدته؟!" تعجب سليم بسخرية 
"أكيد محتفظ بيه يا في مكتبه يا في بيته" هز بدر الدين كتفاه في تلقائية
"صحيح هو ازاي يعمل حاجة زي دي في بيت أبوه؟.. مفيش حد عايش هناك غيرهم.. ده اللي عرفته يوم ما روحت معاه لما مضينا العقود وعزمنا هناك.."
"يا ابني متبقاش غبي بقا.. أكيد مش نفس البيت!" زفر سليم في ضيق "أنا بكرة الصبح هاروح لميرال وأعرف بيته التاني فين"
"يا سلام.. وماروحش أنا ليه؟!"
"أنا في مقام أبوها.. إنما أنت شاب بردو وممكن تتكسف منك.. وبعدين يا أخي أنت عايز تكحوش على كل المزز.. ميرال وزينة وأروى.. ما تسيبني أعيشلي يومين" 
"ده أنت لو نوري سمعتك هتاكلك" ضحكا سوياً لوهلة بينما عادا لموضوعهما الرئيسي 
"بالمناسبة.. هتعمل مع أروى ايه؟!" 
"لا.. دي بقا أنا عاملها مفاجأة.. كلم أنت بس هديل مكالمة حلوة منك كده وقولها إنهم معزومين عندنا بكرة على الغدا.. وابقا أكد عليها تجيب زينة و.. وخطيبها" نطق بكلمته الأخيرة بمنتهى السخرية ليرمقه بدر الدين بإستغراب عاقداً حاجباه
"أنت ناوي على ايه بالظبط؟"
"بكرة.. بكرة هتعرف كل حاجة.. ويالا اهي الفرحة تبقا فرحتين.." أجابه بسخرية لينظر له بدر الدين في عدم تصديق وقد أدرك ما ينوي سليم على فعله..
❈-❈-❈

"محمود.. ازيك عامل ايه؟!" نطق شهاب الذي وصل لتوه بالصباح الباكر لتلك المصحة وهو يتفحص ببنيتيه الداكنتين النظر إلي كريم ليرتجف الآخر وهو يهمهم همهمة غريبة لا يستطيع شهاب فهم أي شيء منها ولكنه تفقد مظهره فيبدو أن هذا الرجل مجنون حقاً.. ولكن لماذا لا يملك أصابع؟! وهيئته بأكملها ليست غريبة عليه.. تلك الملامح تشابه قليلاً ملامح والده وتلك العينتان.. فهما تشابهان عينان زينة وآسر..
"كريم!!" همس منادياً في غير تصديق لما أدركه وشك به من أن يكون هذا الرجل هو عمه 
"للللا .. كـ يـمـ ـة" لم يستطع تبين ما ينطقه بهمهمة وبدأ جسده في الإرتجاف أكثر وكأنما يحاول الإبتعاد عنه لينفعل شهاب 
"أنت اسمك كريم!! أنت أخو كرم الدمنهوري؟!" صاح به بإنفعال بينما أخذ الآخر يصيح في هيسترية شديدة ويرفع ساعداه على كلتا أذنيه واستمر بالهمهمة في كلمات غير مفهومة ليتجمع اثنان من الممرضات 
"ازاي حضرتك توصله للمرحلة دي.." صاحت احداهما وهي تنظر إليه بينما أخبرت الأخرى "نادي الدكتور بسرعة" امتدت يده لجيب زيها الأبيض ثم أخرجت منه ما أدرك شهاب أنها ستحقنه بعقار ما
"أنتي بتديله ايه بالظبط؟!" صاح بها لترمقه هي لثوانٍ
"دي حقنة مهدئة.. مش هينفع نسيبه كده.. بالذات دي أول مرة تحصله من ساعة ما جيت هنا" أخبرته مسرعة ثم جهزت تلك الحقنة حتى رآى السائل يغادر إبرتها الرفيعة ثم آتت الممرضة الأخرى تهرول ومعها الطبيب واتجها سوياً نحوه ليثبتاه حتى يستطيعا حقنه سريعاً..
ابتعد شهاب وأخذت الأفكار تتواتر على عقله دون إنقطاع ليشعر بالصدمة الشديدة من كل ما يراه أمامه ثم تمتم "يا ولاد الكلب.. لو طلعتوا أنتو ورا كل ده أنا مش هارحمكم"
"آلو" اجاب هاتفه دون أن يرى المتصل
"وحشتني اوي.. عامل ايه؟" آتى صوت زينة ليزفر في حنق
"تمام"
"بقولك احنا معزومين النهاردة عند خالو على الغدا، هتيجي؟" سألته ليبتسم بغيظ شديد
"طبعاً هاجي بس أنا هاعدي عليكي الأول اخدك"
"أوك.. هتيجي الساعة كام؟"
"الساعة اتنين كويس؟"
"أوك.. هستناك" 



أنهى مكالمته بينما تعالى غضبه تجاه تلك العائلة بأكملها.. هو ليس بفتى صغير مثل هذا المدعو سليم حتى تنطلي عليه هذه الخدعة.. هذا الرجل عمه، وأحد من تلك العائلة هو من وضعه هنا!! وسيعلم من هو عاجلاً أم آجلاً.. ولكنه فقط عليه رؤية وجه سليم وهو يقف أمامه محاوطاً زينة بذراعه.. وليريه أن حصوله على زينة هي أولى انتصاراته..

❈-❈-❈

"يا أنكل أنا بجد معرفش حاجة عن شهاب غير صاحبه وليد وعنوان البيت اللي اديتو لحضرتك.. غير كده معرفش" همست ميرال في حُزن 
"وليد!!" تعجب بدر الدين عاقداً حاجباه 
"أيوة هو ده صاحبه اللي حكيت لحضرتك عليه.. هو اللي معرفني عليه أصلاً.. يعني يوم ما قولتلك إني كنت خارجة مع أصحابي وشوفته وهو اللي عرفني عليه" 
"ممم.. ووليد ده تعرفي ساكن فين أو بيشتغل ايه؟"
"لا معرفش.. بس هو غريب أوي.. زي ما يكون مش وراه حاجة ودايماً بلاقيه خارج وساعات حتى بشوفه بالصدفة" 
"تمام" أومأ لها بدر الدين في تفهم "معلش يا ميرال إني بضغط عليكي بس زينة زي ما حكيتلك دي بنتي.. ومظنش هسيبها تتخطب وتتجوز إنسان زي ده" أخبرها لتومأ هي الأخرى في تفهم 
"لأ.. بلاش.. الإنسان ده مش طبيعي وأنا بجد لو كنت أعرف إنه بالبشاعة دي مكنتش قربت منه أصلاً" ارتجفت نبرتها 
"يالا كويس إنك بعدتي عنه وابقي خدي بالك من نفسك.. ولو احتاجتي أي حاجة في أي وقت كلميني.. أنتي زي بنتي وعمري ما هتأخر عنك" ابتسم لها بإقتضاب لتومأ له
"شكراً يا أنكل.. ومعلش هستأذن حضرتك علشان ورايا شغل"
"طبعاً اتفضلي.. بس ايه ده، بقيتي بتنزلي شغل!" صاح في تعجب 
"آه.. قولت اتسلى شوية بدل الزهق اللي أنا فيه" نهضت وهي تجمع أشياءها 
"ربنا يوفقك"
"ميرسي يا أنكل.. سلام"
"هبعتلك عنوان.. عايزك تحط فيه أكتر من كاميرا.. وكمان لو عرفت توصل لأي لابتوب هناك هاتهولي.. تمام!!" أنهى مكالمته بينما أستغرق في التفكير بخطوته المُقبلة مع شهاب!
❈-❈-❈

"أنت مختفي من امبارح.. ولسه مصمم تسيب الجهاز اللي في مكتبك.. ممكن أفهم فيه ايه بقا؟!" سأله إياد في حنق
"كنت بلاقي حل.. للمصيبة اللي وقعت فيها أختك!" أجابه زافراً ليتعجب إياد
"أنهي واحدة، هي أروى عملت حاجة تاني ولا زينة جرالها حاجة وانا معرفش؟"
"مش واخد بالك إنها اتخطبت لإبن عمكم اللزج ده؟" سأله بتهكم 
"ده حوار تاني.. تخيل ماما راحت تتفق معاه هو وأبوه وعاصم وأروى كانوا موجودين وفجأة كده كلنا عرفنا.. أنا بجد مش عارف آخرة أمي دي ايه!!" اجابه بآسى 
"مش ده شهاب اللي حذرتكوا كلكوا منه.. ادي أختك اهي راحت اتخطبتله وعمتي مبسوطة ولا كأني أعرف عنه مصايب"
"أنت تعرف ايه عنه بالظبط؟ وبعدين أنت فضلت تحذر ومفهمتناش فيه ايه!" ازداد تعجبه ليتنهد سليم وهو يُدرك الخطأ الفدح بتأخره في  إخبار إياد 
"عارف زكي عثمان.. كنا واخدين منه كذا مبنى شايلين فيه الخدمات كلها.. فاكره؟!" 
"اه فاكره.. بس ماله ده ومال شهاب؟"
"ليه بنت اسمها ميرال.. كنت مرة أنا وبدر في النادي وقابلنا شهاب صدفة وهي كمان قابلناها في نفس الوقت.. هي شافته من هنا وزي ما تكون اترعبت.. وفضلت ورا الموضوع لغاية ما عرفت انه نام معاها وصورها وهددها يفضحها هي وأبوها.. والمصيبة كمان إنه سادي.. بيعذب اللي معاه!" توسعت عينا إياد ثم فرغ فاهه في صدمة شديدة
"يا نهار أسود!! زينة!! هيعمل فيها ايه؟!" همس مصدوماً بعدما تريث كثيراً 
"زينة هتبعد عنه بعد ما تعرف حقيقته وده اللي بحاول أنا وبدر نعمله"
"هو كمان خالو عرف؟" تسائل في تعجب
"آه.. أنا قولتله" حاول سليم بصعوبة أن يُدراي انفعالته تجاه هذا الأمر 
"بس زينة.. دي ممكن تروح فيها لو.. لأ أنا مش قادر أتخيل أصلاً الإنسان ده جنب أختي"
"مش هي اللي راحت وسابته يخطبها و.."
"ما خلاص بقا يا سليم!! أنت بردو مقولتلناش ليه؟" صاح مقاطعاً اياه بإنزعاج 
"يعني مبسوط وبنت اهى اتفضحت قدامك؟ وتفتكر زينة بتفكيرها ده لو قولتلها أي حاجة عن أي حد هتصدقها بسهولة.. مش بعيد تروح تقوله هو أنت سادي بجد!! أنا مكنش في ايدي أي اثبات على اللي بيعمله.. واديك شايف أختك وعمايلها، زي بالظبط ما جت قالتلي في وشي إني كداب.. واني بتراهن عليها.. كانت هتروح تقوله انت ازاي شخصحقير وسادي كده.. ومش بعيد ساعتها ميرال وأبوها كانوا اتفضحوا" 
"زينة دي خلاص والله بقت حالتها صعبة اوي" زفر إياد وهو ينظر له بآسى "أنا خليت أسما تحاول تقرب منها شوية وتتكلم معاها.. حتى أسما اللي مقعدتش معاها غير مرة وفضلت تتكلم معاها بتقولي انها محتاجة مساعدة"
"مساعدة زي ايه؟!" تعجب سليم ناظراً له 
"فاكر لما كان خالو خلاها تروح لدكتور نفسي زمان قبل سفرها؟!"
"آه"
"أسما بتقول بردو نفس الكلام.. وبتقولي انها تعرف واحدة أخت صاحبتها باين اسمها فيروز وهتحاول تقعدهم مع بعض"
"يا ريت.. أنا عارف إن زينة متدمرة.. ولو كنت جبتلها سيرة انها تتعالج ولا تشوف دكتور كانت صوتت في وشي وقالتلي إني بقول عليها مجنونة.." 
"طب وهنعمل ايه مع شهاب؟! والشغل والمشاريع اللي ما بيننا؟ يعني حتى لو بعدنا زينة عنه لسه هيكون فيه شغل ما بيننا!"
"الشغل امره سهل.. كام مليون يعني عشان الشروط الجزائية.. في ستين داهية"
"ربنا يستر.. أنا زينة بقت بترعبني عليها!" 
"متقلقش.. هنلحقها قبل ما يحصلها حاجة إن شاء الله.. يالا نقوم علشان يادوب الحق اخلص كام حاجة في الشركة وبعدين نطلع على الغدا"
"آه صحيح ايه حوار الغدا ده؟!" 
"هاقولك كده على السريع.."

❈-❈-❈


"بدر باشا.. ازيك عامل ايه؟!" 
"تمام.. مين معايا؟"
"ياااه أنت نسيتني.. بس يعني قولت أحلل الفلوس اللي بتدفعهلنا بقالك سنين في  معادها.. أنا يا باشا اللي وصتني لو أي حاجة حصلت للراجل اللي في المصحة أبلغ سيادتك"
"مصحة.. آه.. ماله؟" لم يظن بدر الدين أنه سيصله أخباراً عنه في يوم هو حتى نسيّ الأمر 
"جاله امبارح واحد كده وبعدين خرج من المصحة وجه بيتك يا باشا.. والنهاردة الصبح جاله واحد تاني وفجأة جاتله حالة زي اللي كانت بتجيله زمان! حاجة غريبة.. سنين وفجأة يجيلوا اتنين ورا بعض! بس يا باشا يعني متأخذنيش اللي جاله امبارح ده يشبهلك شوية.. هو قريبك؟" زفر بدر الدين وارتاب بالأمر
"اللي جاله النهاردة ده عامل ازاي.. شكله ايه يعني؟" سأل الرجل عن مواصفاته بينما تجاهل استفساره عن سليم
"يعني شاب كده بس شكله بيه، وكان راكب عربية غالية حبتين.. طويل شوية وشعره ملون إنما هو خمري.. وأنا بعت حد وراه وراح شركة كده هبعتلك اسمها" ابتلع بدر الدين في قلق 
"تمام.. بمناسبة بقا إنك عايز تحلل الفلوس اللي بدفعهالك"
"رقبتي يا بدر باشا"
"لا مش رقبتك.. شهاب الدمنهوي، رجل أعمال وعنده شركات منشآت كتيرة.. ده تراقبه.. وليه واحد صاحبه اسمه وليد، عايزك تعرفلي كل حاجة عنهم" 
"يا باشا على بليل تكون كل حاجة عندك.."
"ماشي مستنيك.. سلام!" 
فكر بكل ما سمعه، لو أن شهاب ذهب لكريم فكيف علم ذلك؟ ولماذا اليوم تحديداً؟ هو الوحيد الذي تطابق مواصفاته ذلك الوصف الذي أخبره به الرجل.. لابد وأنه علم طريقه مؤخراً.. ولكن كيف؟! ومن الذي أخبره بمكانه؟
أخذ يُفكر بالأمر حتى شعر بأن رأسه بدأت تؤلمه من كثرة التفكير.. ولكن أيُعقل أن سليم وبعده شهاب يذهبان هكذا في هذا الوقت.. لابد من أنه .. "يا ابن الكلب!! ده أنت مراقبه.." تمتم بدر الدين بعد أن وجد أن هذا هو التفسير الوحيد لما حدث "ما دام ليك في السكة دي بقا أنا هوريك!" تمتم شارداً ثم تفحص هاتفه الذي وصلته الرسالة للتو 
"الشركة اسمها DRE"
" دمنهوري Real Estate" تمتم مرة أخرى وقد ازداد تأكيده وثقته من أن هذا الرجل هو شهاب
"بدر يا حبيبي أنت بقيت بتكلم نفسك كتير اليومين دول ليه كده؟" ابتسمت له نورسين وزرقاوتيها المرحتان نظرا له في تعجب
"أنا مش فاهم ايه كل اللي بيحصلنا ده مرة واحدة.. شهاب الدمنهوري ده عايز مننا ايه بالظبط؟!" فكر بصوتٍ عالٍ لتضيق نورسين ما بين حاجبيها 
"ما اهو خطب زينة لما شافها.. موضوع انه سادي ده يرعب طبعاً ولازم نخاف على ولادنا منه.. ولا فيه حاجة كمان أنا معرفهاش؟!" نظرت له بإستفسار ليقابلها بسوداوتيه 
"طول عمرك هتفضلي طيبة يا نوري يا حبيبتي"
"طيبة بس مش غبية.. قول.. شكلك بتفكر في حاجة.. عرفت ايه كمان عنه؟!" عقدت ذراعيها ونظرت له بإنزعاج 
"يا ساتر.. بلاش البصة دي.. هقولك اهو.." زفر في ارهاق ثم تابع "شهاب راح لكريم النهاردة الصبح المصحة!"
"ايه؟! يعني كده عارف إنه عايش!!" أومأ لها "طب تفتكر هيعمل ايه؟"
"مش عارف" اجابها بينما صدح رنين هاتفه فأجابه
"أيوة يا باشا.. البيت ده استحالة حد يدخله.. أجهزة وكاميرات.. صعب أوي.. أنا معرفتش أدخله خالص" رفع حاجباه في تعجب لما يسمعه وعلم أنه عليه إيجاد خطة بديلة حتى يصل لما في هذا المنزل!
❈-❈-❈

"أروح أقوله ايه؟ أقوله لقيت اخوك أتجنن؟!" فكر بعقله وهو لا يدري كيف سيواجه ابيه بتلك الحقيقة! كما دفعه عقله للتفكير من هذا الذي فعل به هذا؟ وما السبب الذي حوله لرجل مخبول بتلك الطريقة؟ وكيف فقد أصابعه بتلك الطريقة الشنعاء؟ 
ها هو قد وجد كريم، حصل على زينة، ينقصه فقط بعض التفاصيل والتفسيرات لما حدث لعمه، سوا ذلك هو مستعد تماماً لإلقاء تلك العائلة بأكملها في فوهة الجحيم!
لن يشعر بالراحة التامة إلا بعد رؤية تشتتهم وضياعهم، فمنذ أن رآهم وهو يتحمل الكثير.. تحمل أن يصافح هذا الفتى الثري المغرور الذي يظن نفسه متحكماً بزمام الأمور.. تحمل تلك الفتاة المتعجرفة التي يتمنى أن يُجلسها أسفل قدماه حتى يذيقها شتى فنون الذل والإهانة.. تحمل تلك الطفلة التافهة الصغيرة المتشتتة وظل يستمع لتفاهتها وقصصها المملة.. تحمل ذلك التابع الذي يوالي الفتى المغرور أينما ذهب وأيما قرار أتخذه يعدو خلفه كأعمى البصر والبصيرة.. تحمل وتحمل ولم يعد بإستطاعته تحمل المزيد.. 
فقط سيرى تلك النظرة بعيني المسمى بسليم، سيحاول لمرة أخيرة معرفة ما حدث لعمه، وبعدها سيلقي بهم إلي التهلكة جميعاً ولن يملك شفقة أو رحمة تجاه أياً منهم!
"آلو" أجاب شهاب هاتفه في قلق فهذا هو الطبيب الذي ذهب لوالده بالصباح 
"أيوة يا بشمهندس.. أنا الدكتور محمد و.."
"والدي ماله؟!" قاطعه مسرعاً ولكنه أستطاع أن يُخفي قلقه الشديد بحرفية 
"بصراحة الموضوع ميطمنش.. مش عايز أكدب على حضرتك.. عموماً أنا أخدت عينة دم منه وتقريباً خلاص داخل على المعمل.. أول ما النتيجة تطلع هاقدر أقول لحضرتك بالظبط أنا شاكك في ايه.."
"النتيجة هتطلع امتى؟" سأله وملامحه تجمدت في حزم ولم يظهر التأثر على وجهه بالرغم من أن المتحدث لا يراه ولكنه تعلم جيداً كيف يُخفي مشاعره
"بكرة بليل"
"أول ما تعرف كلمني.. سلام!" 
سحق أسنانه بغضب لم يظهر على ملامحه وعقد يده في حنق، لا.. لن يُفكر بأن يفقد والده.. ليس الآن وها هو قد أقترب من تحقيق الكثير من الأمور!
❈-❈-❈

بعد مرور عدة أيام..
"أنا أصلاً سمعته وهو وإياد قاعدين في المكتب.. بيقوله أروى ذكية وفهماني وهي دي اللي ممكن أخترها عشان أكمل حياتي معاها وأنا مطمن.. وإياد رد عليه وقاله أنا مش هلاقي أحسن منك لأختي.." أخبرت أروى والدتها بنبرة واثقة وملامح متهللة لترمقها هديل في تعجب 
"أنتي بتتكلمي جد؟"
"أيوة يا مامي.. أنا حاسة إن النهاردة كده بما إن خالو مجمعنا شكل سليم هياخد خطوة من ناحيتي" أجابتها في ابتسامة 
"ومتعرفيش بقا مين اللي جاي غيرنا؟"
"أكيد زينة وشهاب وأخواتي.. بس مستبعدش إن خالو يقول لشاهي وتيتا.. حضرتك عارفة هو مبيقدرش يعدي عزومة ولا حاجة من غيرهم.." أجابتها بتهكم لتومأ لها هديل في تفهم 
"لما نشوف ايه آخرتها بقا.."  تنهدت بينما أخبرتها "أنزلي أنزلي.. شكله يوم غريب"
"لا خير متقلقيش" حدثتها ثم تركتا السيارة بعدما صفتها أروى بمرأب السيارات بمنزل بدر الدين وتوجها حيث الجميع..
"أزيك يا خالو عامل ايه؟" ابتسمت له أروى وليبادلها مثل الإبتسامة التي تبدو رسمية 
"أهلاً يا حبيبتي.. اتفضلوا" صافح هديل هي الأخرى بينما بداخلها تتحرق شوقاً لمعرفة نهاية هذا اليوم والغرض منه..
تفقدتا كلاً من هديل وأروى الحضور ليجدا جميع  العائلة متواجدة.. فقط تغيب أسما وأدهم.. وزينة لم تحضر بعد هي وشهاب 
"مش قولتلك مستبعدش يقولهم، اهى تيتا جت كمان.. وطنط شاهي وجوزها، أكيد هما اللي جابوها معاهم" همست أروى لوالدتها لتنظر لها هديل في تفهم 
ظل الجميع يتصافحون ويتناولون الأحاديث الجانبية وكالعادة سليم يمازح الجميع ولم يظهر عليه إلي الآن أي شيء سوى مزاحه المعهود في مثل تلك التجمعات العائلية وأروى تتابع كل شيء بعينيها وتتحرق شوقاً لإعلان سليم لأي مقدمات بينهم بحضور العائلة، فهذا كل ما تُفكر به خاصةً عندما سمعت سليم وإياد يتحدثان بمكتبه عنها صباح اليوم ولكنها لمحت  زينة مقبلة بصحبة شهاب الذي أمسك بيدها لتزفر في ضيق متمتمة في همس "يا ريتك ما جيتي"
تظاهر سليم بالإنشغال بينما زينة تصافح الجميع وبين الإبتسامات والمصافحات تلاقت نظراتها هي وسليم لينظر لها ببرود بالرغم من كل ما يحمله لها من مشاعر وتلك الأحاسيس التي تحثه على جذبها لعناق لا ينتهي أبداً ولكنه تظاهر بالجمود 
"حمد الله على السلامة.. ومبروك" أخبرها بإبتسامة وقبل أن تجيب أجابه شهاب وهو يصافحه 
"الله يبارك فيك.. عقبالك.."
"يا سلام.. ده حالاً.." ابتسم له برصانة ووقار وكالعادة لم يعجبه نظرات شهاب له وغادرهما ليكمل بدر الدين 
"الزوزا حبيبة خالو.. كده يا جبانة تتخطبي من غير ما أكون موجود" جذبها في عناق ولم ينظر حتى نحو شهاب
"معلش يا خالو ماما صممت كل حاجة تكون على الضيق وهنعمل ان شاء الله خطوبة.. وحشتني اوي" أخبرته بنبرة نادمة بينما عانقته 
"ولا يهمك.." فرق عناقه بينما سألها "أهم حاجة أنتي مبسوطة؟" سألها ذلك السؤال ونظر له بسوداوتيه يتفحصها لتضارب مشاعرها بداخلها بينما شعرت بوجوب أن تومأ له فقط بإبتسامة مقتضبة 
"أهلاً يا شهاب يا حبيبي.. كويس إنك جيت بجد أنا نفسي اقعد معاك من زمان" نظر له بثاقبتيه وهو يصافحه 
"ازي حضرتك.. وأنا كمان كان نفسي أشوفك" صافحه هو الآخر ونظر له ببنيتيه الداكنتين ليشعر بدر الدين بالكثير تجاهه كما قرأ بعينيه العديد من الأشياء التي ستفيده لاحقاً 
"أتفضلوا" أشار لهما ليجلسا بجانب بعضهما البعض على تلك المائدة العملاقة التي أعد عليها أصنافاً مختلفة من الطعام والتفت المقاعد حولها ليرمق شهاب بعينيه عددهم ومزاحهم وطريقتهم ليشعر وكأنه يريد ألا يراهم مرة ثانية وتمنى بداخله أن يغادر بلا عودة وتعالى بداخله ذلك الإنزعاج والغضب الدفين القديم الذي لم يستطع أن يتخلص منهما في يوم بينما قاطع صوت أفكاره نهوض سليم وحمحمته وكلماته التي نطق بها 
"أنا كنت ناوي أسيب الطالعة دي لبدر بس هو صمم إني أنا اللي أتكلم.." ابتسم وهو يوزع نظراته على الجميع بدبلوماسية "أحنا قولنا بقا نتلم لمتنا الحلوة دي اللي بقالها كتير مش بتحصل بسبب إن الكل مشغول بين الإمتحانات والشغل.. ولو أني كان نفسي أسما وأدهم يبقوا موجودين" نظر تجاه شاهندة لتجيبه بإبتسامتها 
"أسما امتحانها بكرة وأدهم بعد بكرة.. معلش ملحوقة يا حبيبي" 
"ربنا يوفقهم يا طنط.." أخبرها بإبتسامة ثم سلط نظره على أروى "أنتوا طبعاًعارفين انتو مهمين بالنسبالي قد ايه.. ومكنش ينفع أعمل حاجة زي دي من غيركو لأن كلكوا حبايبي اللي مقدرش استغنى عنهم" نظر لزينة نظرة خاطفة ثم رمق شهاب بعدم ود ثم تابع "وبردو عارفين إن mademoiselle أروى قد ايه ذكية، إنسانة عاقلة، وكمان يُعتمد عليها.." ابتسم لها ثم تابع "وعرفت قد ايه إن هي الوحيدة اللي محتاجها في حياتي.. وحياتي مش هاتكمل غير بيها" ابتسمت له أروى وبداخلها خفق قلبها بشدة ليبادلها الإبتسامة ثم توجه نحوه راكعاً أمامها وأخرج صُندوقاً مخمليلا منجيب سترته ليكشف عن خاتم ماسي رائع"عمتي" نظر لهديل ثم تابع 
"أنا بطلب ايد أروى للجواز.. وإن كان حضرتك معندكيش مانع يا ريت نقرا الفاتحة.. بس طبعاً بعد موافقة أروى.. تتجوزيني؟!" توسعت ابتسامته لأروى لتتوسع ابتسامتها هي الأخرى وبين صدمات البعض وتهلل البعض الآخر أجابت أروى
"طبعاً أتجوزك" نطقت بها بإبتسامة هي حتى لم تُصدق أن سليم يفعل ذلك أمام الجميع وكأنما سائر دمائها اندفعت بسرعة شديدة داخل عروقها فلقد وصلت إلي ما حلمت به طوال حياتها وبين فرحتها الصادقة وابتسامة سليم التي لا يعلم إلا القليل أنه يتصنعها بكل ما أوتي من قوة شعرت زينة بالضياع التام!!
يُتبع..