-->

الفصل الثلاثون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل


الفصل الثلاثون


بين عبارات المباركة وعناق التهنئة بالسعادة التي ظهرت على البعض ليتبادلوها سوياً شعرت بالتخبط والشتات التام، لا تصدق أن عليها أن تقف بالصف هي الأخرى لتنتظر دورها لتهنئهما.. أهذه هي أروى من حذرتها منه؟ كيف تعلم حقيقته وتستطيع بمنتهى السهولة في أقل من شهر واحد أن تسامحه وتوافق على خطبتها منه؟ وها هو سليم الذي ظنت أن يعشقها تركها وذهب ليعقد خطبته.. هي فعلت ذلك هي الأخرى! 
هل تسرعت؟ هل أتخذت قراراً خاطئاً؟! ولكن شهاب جيد.. نعم هو جيد ودعمها الفترة الماضية.. ولكن هل لها أن تقبل خطبتها منه فقط لهذا السبب؟ لا هي تشعر بالإعجاب نحوه.. نعم منذ أن رآته تلك الشخصية الهادئة التي لا تقبل التحكم مثلها جذبتها، لن تنكر، هاتان البنيتان جذبتاها.. ولكن سليم.. ألا زالت تقارن؟ ألا زالت تشعر بذلك الشعور بخطئها؟ لماذا تتواتر الأفكار هكذا بمنتهى السرعة على عقلها؟ أظنت أن سليم سيوقف حياته عليها هي فقط؟! هل ظنـ..
"مبروك" همست وهي تقاطع أفكارها بعدما آتى دورها في التهنئة لأروى ولا تدري أهذا العناق لوماً أم تهنئة لها.. تريد أن تسألها الكثير ولكن الوقت لن يسمح..
"مبروك يا سليم" همست له وهي تنظر له بزرقاوتين مصدومتين ليشعر بتلك المعاناة التي قرأها بسهولة بعينيها وبالرغم من إلحاح عقلبه وفؤاده بأن يصرخ ويخبرها ما هذا كله إلا من أجلك ولكنه صافحها مُعقباً على كلماتها 
"الله يبارك فيكي.." نظر لها بلوم خفي لم تستطع هي قرآته بينما لمحهما بدر الدين من مسافة متنهداً على تلك الحال التي وصلاإليها
"مبروك!" صاح شهاب وهو ينظر إلي أروى نظرة ثاقبة جعلتها ترتبك قليلاً لتجيبه هي الأخرى 
"الله يبارك فيك.." 
"مبروك!" أتظن أيها التافه أنك ستنتصر عليّ بما تفعله.. أتريد  أن تُثبت أنك لا تكترث لتلك الصغيرة التي ينهال العشق من عينيك إليها كلما نظرت لها.. أتظن أنني أحمق!! صبراً أيها الصغير 
"الله يبارك فيك!!" صافحه وهو ينظر له بإنزعاج ليبتسم له شهاب بينما قهقه داخل عقله ظاناً إمّا أروى ذكية للغاية، وإما هناك لعبة من نوعاً ما يفعلها.. سيعرف عاجلاً أم آجلاً.. وحتى لو لم يعرف.. لن ينتظر كل تلك الفترة ليعلم ما الذي سيحل بتلك العائلة.. تكفيه فقط تلك النظرة التي رآها على وجه سليم عندما آتى دالفاً مع زينة ويدها بيده!
"ايه يا ولاد.. مش تقعدوا مع خالو شوية.. ولا مالكوش مزاج؟" آتى بدر الدين ليحاوط بكلتا ذراعاه كتفي زينة وشهاب ليشعر شهاب بأنه قد قارب لَكم ذلك الرجل بأي ثانية الآن!
"لا طبعاً يا خالو.. كنا بس بنبارك لأروى وسليم" استمع لنبرتها الهامسة الحزينة 
"قولولي بقا مبسوطين؟!" رمقهما بنظرات وزعها بينهما
"آه طبعاً الحمد لله" أجابته وابتسمت بإقتضاب بينما رسم شهاب على وجهه ملامح دبلوماسية لا يستطيع أن يدينه بها أحد ليشعر بدر الدين بشعور زينة وحزنها الذي تحاول دفنه والتخلص منه بشتى الطرق ليقرر أن يُساعدها 
"بقولك ايه.. ما تروحي لمرات خالك تخليها تعملي فنجان قهوة احسن صاحي من بدري ومش قادروانتي عارفة أنا مبشربش القهوة غيرمن ايديها.. يا إما بقا لو عاوزة تدوقيني قهوتك ساعتها مش هاقدر افتح بوقي.. صحيح نوري هتزعل بس كله يهون عشان خاطر الزوزا"
"أنا أعملك يا خالو طبعاً.. بعد اذنك" ابتسمت له ليبادلها الإبتسامة بينما أنتظر إلي أن ابتعدت بالقدر الكافي ليلتفت لشهاب متفحصاً اياه بتلك النظرة الثاقبة خاصته 
"تعالى بقا نقعد مع بعض شوية.. أنا ملحقتش اقعد معاك" 
"طبعاً.. اتفضل" شعر بتلك النظرة الغريبة وكأنها تحاول الولوج لداخله ولكنه لن يسمح له أبداً بذلك 
"قولي بقا" أخبره بينما جلس على أحد المقاعد المبتعدة وهو يشير لشهاب بالجلوس "بتحبها؟!" تفرسه بتلك العينتين ليضيق شهاب عيناه وهو لا يُصدق أنه حقاً يسأله هذا السؤال 
"روحت بيت أهلها وخطبتها ويوم ما بيجرالها حاجة بتلاقيني أول واحد جنبها ومسبتش لحظة تضيع ولا استنيت لغاية ما بقت خطيبتي.. تفتكر مبحبهاش؟" أجابه سائلاً بهدوء ليجلس بثقة كما فعل بدر الدين هو الآخر الذي شعر بتهكمه الخفي على سليم!
"لا حلوة الإجابة.. ودبلوماسية كمان.. شكلك رجل أعمال ناجح" ضحك بدر الدين بخفوت وما يقصده هو التهكم بعينه "طب خليني أعيد صيغة السؤال.. لو أنت وزينة أتجوزتوا وواحد جه يتهجم عليها في بيتك وحاول يغتصبها.. هتعمل فيه ايه؟!" سلط ثاقبتيه لثاقبتي شهاب ليرفع الآخر أحدى حاجباه 
"لا مبقاش راجل أصلاً لو سبت حاجة زي دي تحصل!!" لا يدري لماذا بدر الدين كلمته جعلته يود أن يلكمه على الفور ولكنه ابتسم حتى ظهرت أسنانه 
"حلوة الإجابات دي.. بس فرضاً أنه حصل.. هتعمل ايه؟!" سأله مكرراً السؤال ليزفر شهاب بعمق ليجيبه بالنهاية
"هامحيه من على وش الدنيا.."
"هايل.. هو ده الراجل اللي ممكن أتطمن على زينة بنتي معاه.. بالرغم يعني إن بصتك ايها غير بصات اللي بيحبها.. بس لأ شكل كلامك مبشر وحلو ودخل دماغي.." ابتسم له بإقتضاب وبعدها تفحصه لبرهة ليفجر السؤال التالي "قولي بقا.. كنت بتعمل ايه النهاردة الصبح عند محمود عبد النبي؟!" تحولت ملامحه للجدية الشديدة ليضيق شهاب عيناه ناظراً له بعد أن لعن ذلك الرجل الذي يجلس أمامه بين نفسه آلاف المرات!!


❈-❈-❈


تهاوت دموعها من عينتيها اللاتي أستطاعت أخيراً أن تترك لهما العنان في البكاء بعيداً عن أنظار الجميع وهي لا تنظر حتى إلي القهوة التي تصنعها ولا تلقي لها بالاً، كل ما تعرفه هو أنها لا تستطيع أن تصيغ شعورها في هذه اللحظة.. ولماذا تبكي وكل ذلك كان متوقع منذ البداية؟ 

هي أختارت رجلاً آخر غيره، لن تقف الحياة عليها، سيحيا سليم وسيتزوج وسيُكمل حياته دونها، ألم تدرك ذلك منذ البداية؟ أم أن عامل السرعة هو الذي جعلها تغرق بهذا الحزن الدفين؟
"بتعيطي ليه؟!" آخر من توقعت أن يراها هو سليم لتحاول محاولة فاشلة في أن تُخفي حزنها بينما أقترب وأخذ القهوة من أمامها ليصبها بالفنجان ثم تركه على منضدة المطبخ واستند عليها بكلتا يداه وهو قريباً منها للغاية لتشعر هي بالإرتباك وودت لو أن لها أن تهرب أو تستطيع الفرار من جانبه وكادت أن تغادر ليوقفها ممسكاً بمعصمها "بتعيطي ليه يا زينة؟!" سألها مجدداً لتنظر هي له بعينتيها اللاتي عادتا للبكاء مجدداً ولم تستطع أن تتحدث.. هي فقط لا تجد الكلمات كي تنطق بها
جذبها من يدها ليجد أن أقرب غُرفة يستطيعا التواجد بها هي غرفة مكتب بدر الدين فدلفها ووصد الباب خلفهما ووضع يداه بجيباه ثم نظر لها وهو يحاول أن يجد زرقاوتيها اللاتي نظرتا لكل شيء سواه
"مش هتقوليلي بتعيطي ليه؟!" رفعت نظرها لتنظر إليه وهو يستطيع أن يرى تآلمها الشديد ولكنه لن يتراجع الآن عما بدأ به وبعد تبادلهما النظرات لثوانٍ كادت أن تغدر ولكنه أوقفها بصوته 
"ايه.. مش متوقعة إن أروى تبقا خطيبتي بين يوم وليلة؟ أروى بالذات مش كده؟!" حدثها مبتسماً في سخرية لتلتفت له وكادت أن تتحدث ولكنه بادر مجدداً بالحديث 
"ولا مش متوقعة إني أنساكي بالسرعة دي؟" نظر لها ونبرته تحمل القسوة لتتخبط هي مشاعرها أكثر بداخلها 
"ايه!! مش متوقعة إني أختار أروى الذكية اللي عارفة هي عايزة ايه وبتوصله؟! أروى اللي بتسمع كلامي وبتعاملني بهدوء؟ مش غبية زيك!!" تلك القسوة بداخله قاربت على التفتت وكاد أن يهرول نحوها ليحتضنها معتذراً بكل عبارات وكلمات الآسف والندم على ما يفعله بها ولكنه تحمل المزيد لتقترب هي منه ولاحظ غضبها الذي يزداد على ملامحها
"أنت ايه بقا؟ أنت بتعمل كل ده فيا ليه؟ أنت عايز مني ايه بالظبط؟ أنت مش روحت تتراهن عليا مع إياد و.."
"متأكدة من الكلام اللي بتقوليه ده؟!" قاطع صراخها لتنظر له بزرقاوتيها وقد قرأ عدم التصديق بهما للحظة 
"أنت إنسان كداب.. وعايز كمان تحسسني إني غبية ومش فاهمة حاجة.. وكمان جاي بعد كل ده وتكدب عليا وكمان بتلعب بأروى وهي اللـ.."
"بلعب بأروى!" قاطعها في تهكم 
"أنا فعلاً برخص من نفسي إني بكلمك" أخبرته في غضب ثم التفتت لتتركه ولكنه أمسك يدها ليوقفها وقبل أن تلاقيه بصراخها الغاضب 
"حلو فستانك.. مش مرخصك خالص" همس وهو يقترب منها حتى ارتطم ظهرها بالباب 
"ابعد عني يا سليم وسيـ.."
"وحلو إنك روحتي أتخطبتي لشهاب.. فاكراني هغير؟!" همس مقاطعاً اياها وهو يقترب بوجهه منها ولم يكترث إلي ما تقوله ليشعر هو بحاجته للإقتراب منها ولا يكترث لأياً مما يفعله أو ما قد حدث بينهما بالفعل "شهاب اللي حذرتك منه عشان خوفت عليكي" رفع احدى حاجباه وهو يهمس بالمزيد وتعالت أنفاسه "تعرفي إن أروى أحسن مليون مرة منك.. على الأقل بتقدر كل حاجة بعملها عشانها" ابتسم لها في غيظ لكل ما آلت إليه الأمور وتصديقها لتلك التلفيقات 
"ابعد عني!" همست في وهن ليومأ لها بالإنكار واقترب منها أكثر حتى اصبح جسده هو من يدفع جسدها ويثبته أمامه وليست يده
"ابعد عنك ليه يا زينة.. مش من شهر كنتي في حضني.. ايه اللي اتغير؟" تعالت أنفاسه وهو يسألها لترتبك أنفاسها هي الأخرى وتعالت في توتر
"اللي اتغير انك طلعت بتكدب عليا.. طلت مبتحبنيش.. طلعت غبي وفاكر إنـ.."
"فعلاً غبي عشان حبيتك!" قاطعها صارخاً بغضب وتعالت أنفاسه أكثر لتنظر هي له وشارفت عيناها على السماح لمقلتيها بأن تذرفا الدموع ليتمتم هو بمنتهى الغضب "غبي!!" لم يجد مفراً من ذلك الإشتياق الذي يناديه لكرزيتيها ووجد نفسه يقبلها بغضب لتنهمر هي دموعها أثناء قُبلتهم التي أطالها سليم قدر المستطاع فهو بالرغم من أنه يقبلها بمنتهى الإشتياق إلا أنه لن يتركها لتظن أن كل شيء عاد لما كان عليه بهذه السهولة.. لذا لا يهم إلا أن يحتفظ بتلك القبلة لأيام كثيرة قادمة ولا يدري متى سيحصل عليها مجدداً..
ابتعد عنها بأنفاس ثقيلة وقد بدا عليها التعثر في التنفس هي الأخرى لتنظر إليه وكادت أن تصفعه ولكنه أوقفها ممسكاً بيدها بقوة ليعود من جديد ليمارس تلك اللعبة عليها 
"أنت حيوان!! أنت ازاي بتعمل كده فيا؟!" همست بلوم وتساقط المزيد من تلك الأبحر بين جفنيها 
"طب ما أنتي ممنعتنيش.. ليه لأ!" همس لها بسخرية
"أنا عمري ما كنت أتصور إنك تطلع كده" بكت بمرارة ليلعن هو نفسه ساحقاً أسنانه من غضبه تجاه كل ما يفعله بها ولكنه أقترب منها ليهمس بأذنها
"شوفتي طلعت وحش اوي ازاي.. بس قوليلي ممنعتنيش ليه إني أقرب منك وأبوسك.. يا ترى لسه بتحبيني ولا أنا احسن من شهاب عشان كده سيبتيني أأقرب منك؟!" أخبرها ثم ابتعد ليرمقها بنظرة ماكرة تصنعها وقبل أن تصرخ آتى صوت أروى التي تنادي سليم لينظر لها لمرة أخيرة ثم غادر بإتجاه البوابة المُطلة على حديقة المنزل وتركها
تحركت سريعاً بعدما سمعت صوت أروى وصوت الطرق على باب المكتب لتبتعد سريعاً وولت ظهرها إلي الباب بينما دلفت أروى لتجد زينة 
"مشوفتيش سليم؟!" سألتها بينما تخبطت زينة بداخلها.. بم تخبرها؟ كان هنا وكان يقبلني منذ لحظات؟ 
"للأ.." آتت نبرتها مهتزة ولكنها ألتفتت قبل أن تغادر أروى "أروى.. أنتي ازاي وافقتي إن سليم يعني يخطبك وانتي عارفة اللي عمله معـ.."
"زينة يا حبيبتي أقولك ايه بس!!" تصنعت الإبتسامة لتقاطعها وبداخلها هي حقاً تريد أن تزيحها من حياتها بأكملها "بس سليم أتغير أوي معايا ودايماً مبيسبنيش وبيعملي مفاجآت حلوة كتير وأنا أتأكدت فعلاً انه بيحبيني!" نظرت لها زينة في عدم تصديق وقبل أن تتحدث أكملت أروى "يمكن فعلاً كان واخد موضعكوا تسلية.. إنما هو معايا جد جداً.. ولو مكنش جد مكنش عمل كل اللي عمله النهاردة علشاني.. أنا عارفة إنك خايفة عليا بس متقلقيش" ابتسمت لها مجدداً ثم تركتها وغادرت لتغرق زينة بالمزيد من التشتت والحزن على كل ما يحدث لها ولم تدرك أياً منهما سليم الذي وقف بالقرب من الغرفة وقد استمع لكل ما يدور وشعر بالآلم لبكائها الذي عاد من جديد ليتمتم في غضب
"شيطانة!! بس أنا هاعلمك الأدب!" 
❈-❈-❈


ابتسم شهاب وهو يتفحصه بنظرات ثاقبة ليمرر سبابته وإبهامه على شفته السفلى في غيظ بينما أنتظر بدر الدين إجابته ليرسم ابتسامه على شفتيه بهدوء متريثاً لردة فعله 
"تقصد كريم الدمنهوري.. عمي!" أخبره بثقة بينما عقد بدر الدين حاجباه وتصنع التعجب
"كريم الدمنهوري عمك القذر اللي حاول يغتصب مراتي وخان أختي وسرق فلوسنا.. لا مش هو" اجابه بنبرة هادئة للغاية وتصنع الإنكار في سخرية لتتحول ملامح شهاب تماماً للجدية 
"بدر بيه.. مقدرش أنكر إنك غير سليم ابنك.. بس متفكرش إني زيه هتعرف تضحك عليا بكلمتين!" 
"ومين قالك إني مفكرك زيه!!" تصنع الدهشة الشديدة لتعود ملامحه للجدية ونظرته الثاقبة لا تفارق بُنيتا شهاب "أنا ابني نضيف.. ملوش في الوساخة!" ألقاه بتلك الكلمات اللاذعة ليقهقه شهاب في سخرية
"وأنت بقا اللي ليك في الوساخة وعلشان كده قاعد قاعدتك دي  معايا؟!" 
"لأ.. مش علشان ليا في الوساخة.. بس أنا بعرف اتعامل مع الوسخين كويس وبعرف النضيف على طول أول ما أشوفه" رماه بتلك الإهانة ليزفر شهاب بعمق ثم نظر له يتفحصه
"أنت عايز ايه بالظبط؟" 
"العيلة دي ليها كبير.. واللي يجي جنبهم يبقا بيتعدى عليا.. تهدا كده وتبعد عنهم من سُكات وإلا مش هارحمك" حدثه محذراً لتتوسع ابتسامة شهاب 
"وأنا كبير عيلتي.. واللي يجي جنبهم يبقا بيتعدى عليا.. ومش هاسيبكم في حالكم غير لما أعرف ايه اللي حصل لعمي وأفضحكوا واحد واحد! وساعتها هابقا أبعد من سُكات!" أقتبس كلماته بينما لم يغضب بدر الدين أو تهتز له شعره من ذلك التهديد الصريح الذي بدأ به هو أولاً
"تمام.. لو تعرف تثبت حاجة ابقى اثبتها.." نهض بينما تغيرت نبرته "يالا يا ابني قوم روح شوف حالك" كاد أن يغادر ولكن أوقفه حضور زينة التي نظرت لكليهما وبعد أن ابتسمت بإقتضاب لبدر الدين تحدثت
"شهاب.. أنا عندي شغل الصبح بدري اويبكرة وكنت بفكر امشي.."
"أنا كمان كنت ماشي علشان ورايا شوية شغل.. تعالي في طريقي أوصلك" ابتسم له وكأنه لم يخوض تلك المنازلة الشرسة منذ ثوانٍ
"أنا يا حبيبتي هاوصلك بكرة.. بالمرة كنت عايز أعرف الشغل أخباره ايه.. واضح كده إن فيه حركات مش مظبوطة بتحصل بس أنا هاعرف مين اللي بيعملها وهاوقفه عند حده" نظر لزينة وتجاهل شهاب تماماً الذي قصده بتلك الكلمات وقد فهم ما يرمي إليه بسهولة "تباتي معايا ونروح الشغل بكرة سوا؟!" ابتسم لها لتتهلل ملامحها
"بجد هاتيجي معايا بكرة؟!" سألته ليومأ لها لتلتفت هي لشهاب "طيب معلش أنا هبات النهاردة مع خالو" أومأ لها مبتسماً
"براحتك يا حبيبتي"
"طيب يا خالو هاوصله لغاية الجراج" ابتسمت لبدر الدين ليبتسم هو الآخر لها 
"وماله يا زوزا.. تعالي نوصله سوا" حاوطها بذراعه ليفصل بينها وبين شهاب واتجها ثلاثتهما نحو المرأب..
❈-❈-❈

        

"الواد ده عايز يكيدك!" تحدث بدر الدين شارداً في تفكيره بعدما ذهب الجميع لمنازلهم 
"يكيدني!!" تمتم سليم في تعجب "ليه يعني؟!"
"معرفش.. بس اللي عرفته ومتأكد منه إن زينة مش فارقة معاه.. زي ما تقول حوار خطوبتهم ده عشان يوصل لحاجة" نظر له سليم بعنتين مستفسرتين "الواد ده عايز يعرف كريم راح فين؟"
"واحنا هنسيبه كده يعرف اللي حصله؟" تحولت ملامحه للجدية الشديدة
"لا يا أهطل ما هو عرف" ازداد التعجب على تقاسيم وجهه ليخلصه بدر الدين من تلك المعاناة التي وقع فيها "كان مراقبك.. وشافك وأنت خارج من عنده امبارح وراحله النهاردة الصبح" 
"يعني كده عرف كل حاجة وممكن يقول لزينة ولا إياد ولـ.."
"اهدى!!" قاطعه ناهياً بهدوء لينظر له سليم في نفاذ صبر وقد لمح ازدياد غضبه "شهاب مش حنين زيك، شهاب بيمثل، وعمر ما زينة هتعمر معاه.. ده لو عرف أصلاً يتحصل عليها لوحدها.. إياد عمره ما هيصدقه لو أنت زي ما قولتلي إنك حذرته منه.. وأروى حتى هتتهد وتتلم وهتعمل كل حاجة عشان مفكرة إن حوار خطوبتكم بجد!"
"إياد أصلاً عِرف حقيقته واللي عمله في ميرال.. أنا حكيتله كل حاجة.." زفر في ضيق ثم تابع "بس زينة لو.."
"يا ابني متتعبنيش بقا بغباءك.. ما قولتلك مش هيعرف أصلاً يشوف زينة!" قاطعه بنفاذ صبر "أنا هالزقلها.. شغل وبيت وكله" 
"طب ولو عمتي رجعت تعمل حركات زي زمان؟!" 
"مقداميش حل غير أقلب على الوش التاني وأفضل أتخانق معاها لغاية بس ما نبعد شهاب عننا" تنهد شارداً وبدا وكأنه يُفكر بالعديد من الأشياء بينما تريث سليم وظل ينظر له ولبرهة شعر بسأم والده وعدم إعجابه بحديثه 
"بابا.. هو أنا غبي؟! يعني.." تنهد بعمق ثم تابع "علشان معرفتش أتصرف مع شهاب وأقفله؟!" رمقه بدر الدين في إهتمام بعدما أخرجه من تفكيره العميق ليبتسم له بينما ملامح سليم تتريث بفارغ الصبر إجابة والده 
"أنت مش غبي.. أنت نضيف!" سكت للحظة بينما قرر أن يوضح له الأمر "أنا مقدرش أشك للحظة في ذكاءك في الشغل، ذكاءك في التعامل مع زينة ولا سيدرا ولا ولاد عماتك.. ولا حتى نورسين.. ولو مكنتش ذكي مكنتش عملت حركة أروى دي النهاردة.. إنما أنت ملكش في الوساخة.. أنت متعلمتش القسوة ولا الوساخة.. وفيه فرق بين الذكاء وبين الضرب اللي تحت الحزام.. أنا مربتكش يا سليم على إنك تكون مش كويس أو تفكر تفكير قذر.." تريث لبرهة ليومأ له سليم في تفهم "واديك اهو بتتعلم علشان لو حاجة حصلت تاني يبقا أتعلمت" ابتسم له ليرمقه سليم في تحفز وزهو 
"لا يا بدر متقلقش.. مش هاسيب حاجة تحصل تاني" 
"لا أسد ياض" توسعت ابتسامته له "طب خد حِل يا أخويا" تنهد ثم تابع "دلوقتي مفيش حل غير إن زينة تعرف حقيقة شهاب علشان مهما يقول متصدقهوش وتبعد عنه، وأنت عارف بنت عمتك أكتر مني.."
"طبعاً.. هتدافع عنه وهتقول اننا بنفتري عليه"
"لازم تشوف اللي عمله في ميرال بعينيها"
"بس ازاي؟!" تعجب سليم ونظر له بإستفسار 
"أنا بعت حد علشان يحاول يدخل بيته اللي كان فيه مع ميرال بس قال إن فيه security systems وصعب حد يدخله.. مش عارف هنوصل للحاجات دي ازاي، والمصيبة الأكبر لو الفيديوهات دي مش في البيت" سكت بدر الدين عن الكلام بينما أستغرق سليم في التفكير
"طب أنا احتمال يكون عندي حل!" 
"قول يا حيلتها" 
"أسما قربت جداً من زينة.. وحتى زينة المفروض هتعدي عليها بكرة في الجامعة بعد امتحانها.. إياد فهمها شوية الدنيا فيها ايه"
"إياد!!" تمتم بدر الدين في تعجب 
"بيحبها يا بدر من زمان ومتسوح معاها.. مصممة تخلص الأول دراستها وبتفكر في business يكون ليها بعيد عن العيلة كلها"
"مممم.. ناصحة بنت شاهي"
"المهم!! احنا ممكن بصنعة لطافة كده نخلي أسما في أي وقت تروح مع زينة بيت شهاب.. تلزقلهم يعني بأي حجة وتحاول توصل للابتوب بتاعه"
"يا أهطل بقولك مش هاخليها تشوفه" أخبره في سخرية 
"خلاص بسيطة.. الزقلهم أنت كمان.. وبالمرة تعرف تشغله عن أسما.. ايه رأيك ف الكلام؟" أخبره سائلاً ليتريث بدر الدين لبرهة 
"ماشي.. ربنا يسترها.. بس افرض اللابتوب بتاعه ليه Password وحوار.. هنعمل ايه؟!" 
"في واحد عندنا في الشركة في قسم الـ IT والكل بيقول إنه عفريت.. هيعرف يفتحه أو يلاقيله حل"
"ماشي.. لما نشوف آخرتها.." تفحصه بنظرة ثاقبة "أنت بقا مش ناوي تخف على زينة شوية؟ أنت بهدلت البت معاك وطلعت عينيها!"
"أخف!!" أخبره متهكماً "ده أنا هاطلع أعكنن عليها تاني"
"سليم!! أتلم احسن ورحمة أبويا هبهدلك" 
"مش قولتلي إن عاجبك تعاملي مع زينة وحركة أروى.. أصبر بقا عليا شوية لغاية ما أعلم كل واحدة فيهم الأدب"
"خد بالك أنت عارف زينة.. لو زودتها ممكن يجيلها نوبة و.."
"لا متقلقش هاعرف أتصرف.. مش هيحصل!" تناول هاتفه من جيبه "أنا هاكلم إياد وأفهمه يقول ايه لأسما كويس.. وكمان أطمن إن شهاب مكلمهوش.. وبعدين هاطلع ارازي في زوزا شوية"
"ترازي!! ده أن عيل رخم!"
"من ورا قلبك يا كبير والله أنت بتموت فيا"
"اخفي ياض وإياك صوتكوا يعلا.. هاجي أولع فيك أنا بقولك اهو.."
"متقلقش"
❈-❈-❈

وصد الباب في هدوء بعدما أطمئن على والده ليزفر في ضيق.. كيف له أن يُخبره أن أخيه مخبول وبحالة مرضية شديدة؟ إذا رآه لا يستبعد إنهيار والده تماماً.. بالرغم من عدم إكتراثه لعمه ولكن ابيه يعني له الكثي.. ربما يكون ذلك هذا هو الطلب الوحيد الذي طلبه منه طوال حياته.. 
تلك العائلة اللعينة لابد أن يذيقها ألعن العذاب حتى يتوقف ذلك الرجل المسمى ببدر الدين بالتظاهر بالقوة والبأس.. لا ينكر أنه رجل ليس بمثل تلك السهولة التي يبدو عليها ابنه.. يبدو أنه أذكى منه بمراحل.. وتلك الثقة التي تحدث بها عندما أخبره مستهزءاً بأن يُثبت أنه من فعل بعمه ذلك لم تأت من فراغ!! 
هو بحث كثيراً عن عمه، لم يجد شيئاً.. حتى وجوده بالمصحة لا يوجد ما يُدل على من آتى به إليها، وليس هناك ما يُثبت أنه كريم الدمنهوري.. وفرضاً لو أنه أجتمع بجميع أبناءه ليروه ويتحققوا من أن هذا هو والدهم فكيف له أن يُثبت أن من فعل به ذلك هو بدر الدين!! 
لا يهاب شيئاً.. محى جميع الأدلة بل والإثباتات التي قد تصله إلي أن بدر الدين هو الفاعل، فلقد حدثه بمنتهى الثقة، ولقد بحث شهاب كثراً ولم يجد شيئاً.. لولا مراقبته لسليم لما كان وجد عمه أبداً.. بمّ سيفيد عمه على كل حال؟! هو بالكاد ينتسب إلي الكائنات الحية، لكن وجوده كإنسان يُعتبر معدوماً.. 
أغتاظ بشدة عندما تذكر تلك اللحظة التي أعترف بها بمنتهى السهولة بما قد يفعله برجل قد يفعل ما فعله عمه كريم.. شعر بغباءه الشديد وهذا نادراً ما يحدث، كما أن تلك الثقة التي أخبره بها بما فعله وكأنه قد دمر تماماً كل دليل على فعلته الشنعاء تبعث الريب إلي عقله، لن يستطيع إثبات أياً مما فعله عليه..
ولكن خطته الأخرى لا زالت تعمل، لا زالت تسير كما خطط له.. سيرى حينها هل سيكون سليم هو كبش الفداء أم سيترك زينة لتحمل الأمر على عاتقها وحدها..
نفث أنفاسه الغاضبة في غلٍ شديد وتذكر كل ما مر عليه اليوم من مواجهة لبدر الدين إلي رؤية تلك العائلة بأكملها ليتصاعد غضبه وأدرك تماماً ما يحتاج إليه الآن.. تناول هاتفه مرسلاً بنفس الرسالة التي لا تتغير أبداً إلي سلمى ثم أنطلق إلي منزله تاركاً منزل أبيه..
❈-❈-❈

أن تملك تلك الشجاعة بأن تُمسك بقلمها وتبوح لذلك الدفتر بمشاعرها كان محال في هذه اللحظة التي جلست بها بتلك الغرفة المخصصة لها في بيت خالها بدر الدين وأفكارها لا تتوقف عن التواتر بسرعة جنونية بعقلها ولكن أكثر ما يدوي في عقلها هو ذلك السؤال 

"لماذا أنتِ حزينة الآن؟!" 
أليس هذا ما أردتِ منذ البداية؟ أليس كل ما فعلتيه كان إختيارك بمحض إرادتك الخرقاء؟ أليس أنتِ من أقتنعتي بأن شهاب هو الرجل المناسب لكِ؟ لقد انتفضت على كل ما يفعل الجميع وشننتِ الحرب وأشعلت تلك الثورة التي ظننت أنها ستوصلك إلي الخلاص من التحكم من الجميع وفرضهم لآرائهم وأحكامهم عليكِ.. لماذا أنتِ حزينة  الآن؟ لقد فعلتِ كل ما أردتِ وها أنتي هنا جالسة لتسألي نفسك نفس الأسئلة التي لا إجابة لها.. لماذا يحدث كل ذلك؟ لماذا أنتِ حزينة؟ هل هذا ما تريدينِ حقاً؟ أم أنتِ لا زلتِ حائرة بين معرفة نفسك ومعرفة ما الذي تريديه؟
لقد بكيتِ عندما أستمعت لصوت سليم وإياد.. لقد آمنت بأن ربما بداخل أروى بعد كل ذلك خوف عليكِ.. إذاً لماذا أنتِ حزينة الآن؟ لماذا تشعرين وكأنما أنتهى العالم بأكمله عندما رآيتِ سليم راكعاً أمام أروى؟ لماذا جف حلقك ولم يخرج صوتكِ إلا همساً عندما هنئتيهما؟ أتشعرين بالخيانة من سليم لأنه كان كاذباً؟ أم تشعرين بالخداع التام من أروى التي حذرتك منه وها هي قد غمرتها السعادة في غضون أيام فقط لتقربها منه؟ 
هل أنتِ حزينة لتسرعك؟ أم لأن شهاب لم يجيبك منذ ساعات؟ أم كنتِ تنتظرين منه كلماتٍ بعينها ليواسيكِ ولم تجديها؟ هل أنتِ حزينة لأنك تشعرين بتلك الوحدة؟ أم تشعرين بالخيانة عندما قبلك تلك القبلة ولم تمنعيه عن فعلها وأنتِ تعين جيداً أن شعورك بين ذراعيه منذ سويعات لم يكن يُحزنك ولم تكرهي هذا الشعور أبداً بل العكس.. لقد تمنيت بينك وبين نفسك لو عشت هذه اللحظة مجدداً؟ هل حقيقة حُزنك هي تلك المقارنة التي لا تغيب عن عقلك منذ أيام بين شهاب وسليم؟
لا زلتِ لا تستطيعين إيجاد الإجابات.. ولا زلتِ لا تستطيعين التخلص من تلك الأسئلة.. ولا حتى عبرتِ بطيات نفسك المشتتة لبر الأمان.. لا تعرفين ما تريدين ولا حتى تعرفين من أنتِ!!
فاضت احدى دموعها وهي تشعر بتلك الوحدة المُهلكة بعتمة جُنح اللَّيْل وهي حتى لا تستطيع أن تتحدث لأحد وتخبره بما تشعر به، حتى دفترها لم تعد تملك تلك الشجاعة كي تخبره عما يدوي بعقلها.. أنتشلها تلك الطرقات على باب غرفتها التي تابعها دخول سليم وهو يتحدث على هاتفه لتحاول هي إزالة ومحو أثر تلك الدمعة التي فاض بها من كثرة تشتتها الدائم
"يا حبيبتي وأنتي كمان.. ربنا ميحرمنيش منك.. تصبحي على خير" تظاهر سليم بإنهاءه للمكالمة وكأنما هذا ما كان ينقصها، أن تستمع لتلك الكلمات لتشعر بأنها تريد الصراخ والبكاء حتى تغادر روحها هذا العالم البغيض..
"باي يا حبيبتي" همس بإبتسامة وهو يوصد هاتفه ثم رمقها بجدية وإستهزاء وتحولت ملامحه تماماً "بصي.. أنا جاي أكلمك  بعيد عن الكل علشان مالوش لازمة جو النكد اللي بتعمليه في الشغل ده وتروحي تعيطي لكل واحد شوية"
أقترب منها وهو يشعر أنها ليست بخير واتضح تآلمها المرير وقرأة بزرقاوتيها خاصة عندما تنهدت في قلة حيلة وهي تتابعه ناظرة إليه في صمت ولا حتى تملك قوة المواجهة.. جلس بنهاية سريرها وهو يحاول بشتى الطرق أن يوقف ذلك الإندفاع بداخله على أن يعانقها ويُخبرها أن نادم على كل ما يفعله بها ولكنه تحمل وأختفى حول ملامحه الجدية القاسية التي يحاول أن يزيفها كلما أقترب منها...
"أنا عندي دوشة كتير أوي من المواقع.. قسم الجودة بيشتكي منك.. قسم خدمة العملا بيشتكي منك.. وكمان بقا الكل بيتريق من تحت لتحت وبيستهزأ بينا بسببك.. ده غير إني سمعت إن الكل بيقول إن حضرتك هتجيبي ضرافها قريب.." تعالت أنفاسها وهي تضيق ما بين حاجبيها وقبل أن يتحول غضبها لكلمات منفعلة صارخة بها أكمل حديثه 
"أنا عرفت إن بدر رايح معاكي الشغل بكرة.. لأنه بالرغم من إنه بيعتبرك بنته إنما من الواضح إن شغلك مش عاجبه ومش عايز يقولهالك في وشك.. فاظبطي بقا كده يا إما أنا مش هاقبل بالمستوى ده" ألقى كلماته القاسية المُجردة من المشاعر على مسامعها دون شفقة أو رحمة 
"أنا روحـ.."
"فكرك إن الشغل إستلام مواقع وتنطيط هنا وهنا كل شوية مع العملاء زي شهاب ولا غيره" قاطعها ولم تظهر حتى ملامح الإنزعاج على وجهه "فين تقاريرك عن المواقع؟! فين شغلك؟ ولا فاكراها شركة خالو وماما وجاية تتفسحي فيها!" ابتسم لها بسخرية لتدمع عيناها 
"أنا مرضتش أهزءك قدام الناس.. لأني مبهزأش أصلاً ومبديش فرصة لحد في الشغل بس لما اعتبرناكي صاحبة شركة زيك زينا قولت استنى بس للأسف كنت غلطان.. قدامك لغاية آخر الشهر.. لو مورتينيش نتيجة كويسة أعتبري نفسك مطرودة!" نهض وكاد أن يُغادر غرفتها لتوقفه بالحديث
"بص بقا.. أنا الشغل ده ميلزمنيش.. أعتبرني مستقيلة من النهاردة.. من دلوقتي حالاً.. وأهو بالمرة لا يبقا فيه بنا شغل ولا غيره" صاحت بإنزعاج ولكن نبرتها المهتزة أوقفته ليوصد الباب ثم التفت وتوجه نحوها
"وأنا بقا فاضي لعيلة صغيرة زيك؟! تيجي وأفهمها الشغل واديها مسئوليات وتاخد من وقتي وفي الآخر أبقا بضيعه عليها؟ تبدأي وقت ما تحبي وتمشي وقت ما تحبي وماما هديل تزعقلك فترجعي الشغل تاني وخالو بدر يقنعك بكلمتين تسمعي كلامه وبعدين تتخانقي معايا فتخربي الشغل!! أنتي مش فاهمة أنا بقول ايه مش كده؟" نظر لها وهو يتمنى بداخله أن تعي تلك الكلمات جيداً وتفهمها حتى تتغير من أجل نفسها قبل الجميع 
"لو قبلت استقالتك مش هتعتبي باب أي فرع من فروع الشركة لغاية ما أموت يا زينة.. كلام بدر مش هيقنعني إني أرجعك، نرفزة وعصبية عمتي ساعتها مش هاتفرق معايا وهابقا معايا دليل إنك خليتي صورتنا زي الزفت قدام الناس.. أنا مش زيك.. أنا اديتك فرصة واتنين إنما التالتة تابتة.. شغل الجنان بتاعك ده وإنك كل شوية برأي ميلزمنيش.. فاهمة كلامي كويس ولا مش فاهماه؟" أنخفض برأسه أمام وجهها بعدما أقترب من سريرها بعدما وصد الباب لتنهض هي في اندفاع فابتعد قليلاً للوراء مُعدلاً من وقفته 
"أنت عايز ايه بالظبط.. جايلي الساعة اتنين بليل تكلمني في الشغل اللي ميلزمنيش.. ماشي.. بكرة هتلاقي استقالتي في الايميل بتاعك ومش عايزة منك حاجة.. ولا عايزة منكو كلكوا حاجة.. لا عايزة حد يخاف عليا ولا على مستقبلي  ولا على شغلي.. إني كل شوية برأي ميلزمكش.. إني حتى مجنونة ميلزمكش.. وأصلاً أنا مش عايزة أتعامل مع واحد زيك بمليون وش وكداب و.."
"مليون وش وكداب!!" قاطع صياحها وتلك العينتان اللاتي شارفا على البكاء "ليه؟ هو أنا اللي سيبت بيت أهلي وروحت سافرت مع حد معرفهوش؟ ولا أنا اللي سيبت أهلي اللي يعتبروا زمايلي وروحت أشتغل من غير ما أرجع لحد فيهم ومخدتش رأيهم في اللي بعمله وأنا لسه جديد في الشغل؟ ولا أتفق مع حد إني هاكون كويس معاه وهاسمع كلامه وأناقشه فيه بهدوء وفجأة مع أول حاجة أنسى كل الكلام ده وأروح أعمل اللي في دماغي؟ولا تكونيش حذرتيني من حاجات وقولتلك ماشي وحاضر وبمجرد بُعد يومين لقتيني رايح أرمي نفسي في وسط كل اللي حذرتيني منه؟" رفع حاجباه وهو يقترب منها لتعود هي بخطوات للوراء ونبرته أمتلئت بالقسوة والسخرية "ولا يكونش أنا كداب في حاجة تانية وأنا مش عارفها؟!" سألها ليحاول دفعها للحديث بعيداً عن محادثة العمل تلك التي يتحدثان بها
"أيوة كداب.. كداب إنك قربت ليا وبينتلي إنك متعلق بيا وبين يوم وليلة روحت خطبت أروى" كانت تلك الجُملة بمثابة الإنهيار التام لها فهي لم تعد تتحمل كل ما يحدث دون أن تطالب ولو بتفسير حتى ولو منه هو 
"طب ما أنتي بين يوم وليلة روحتي أتخطبتي لشهاب" هز كتفاه في عدم إكتراث وأقترب منها أخذاً خطوة تجاهها "فيه ايه يعني" 
"بس مروحتش أتخطبت لواحد بيقول عليا إني وحشة ومش كويسة.. زيك" حدثته بإنفعال وأكتست مقلتيها بالدموع التي لم تغادرها بعد 
"تقصدي يعني إن أروى كانت بتقول عليا وحش ومش كويس.. وماله.. أنا مكنتش أعرف.. وحتى أنتي معرفتنيش إنها بتقول حاجة عليا" ضيق عيناه منتظراً لما ستخبره به 
"علشان أنت اللي كدبت عليا وروحت اتراهنت مع إياد عليا من ورايا.. وهي اللي جت قالتلي وفهمتني حقيقتك وسمعتني كلامك بوداني.. هي مش بتحبك وشايفاك مش كويس وكداب وأنت روحت خطبتها" صرخت به ليرفع حاجباه بإبتسامة بينما هي كادت أن تبكي من ملامحه المستكينة الهادئة وهي تشعر بغليان دمائها بعروقها 
"هو أنتي مضايقة أوي كده ليه؟ مش أنا كداب وأروى أختك حبيتك جت عرفتك حقيقتي.. ليه مضايقة؟ مضايقة ليه اننا اتخطبنا؟" همس بإستفزاز سائلاً لتنهمر دموعها ولم تعد تتحمل حديثه خاصةً أنه هو من نطق بذلك السؤال الوحيد الذي ظلت طوال ساعات تبحث عن إجابة له
"مش عارفة مضايقة ليه.. مش عارفة أصدق مين فيكو.. هي بتقول إنك كداب.. وأنت حتى مدافعتش عن نفسك قدامي.. ومش عارفة ليه أنا اتخطبت ومعرفش ازاي هي وافقت عليك بعد ما هي اللي عرفتني إنك مبتحبنيش ومعرفش ليه أن مضايقة ومبقتش فاهمة حاجة ولا عارفة أنا عايزة ايه.. أنا تعبت.. تعبت بقا من كل حاجة بتحصل حواليا وكل حاجة بفكر فيها.. تعبت ومبقتش قادرة ولا عارفة أتصرف في حاجة.." أجابته صارخة وازدادت شدة انهمار دموعها لتتحول نبرتها كلما أقتربت من إنهاء حديثها إلي الهمس وأتضح بها الآلم الشديد 
"كونك متعرفيش فـ دي مشكلتك.. وأظن أنا كنت هنا علشان أكلمك عن الشغل.. وكونك مش فاهمة اللي بتعمله أروى فـ ده بردو غلطك.. أنا ياما فهمتك وياما أتكلمت معاكي بس أنتي متستاهليش يا زينة.. متستاهليش حتى إني أدافع عن نفسي قدامك.. متستاهليش إني أتعب لحظة علشان خاطر أفهمك ايه اللي بيحصل.. أروى أحسن منك بمليون مرة.. ذكية وعرفت هي عايزة ايه وعملته بطريقتها.. إنما أنتي بتصدقي زي الهبلة كل كلمة تتقالك"
"علشان أنا مبَخَونش حد.. علشان أنا نيتي كويسة من ناحية الكل.." صرخت به بحرقة وهي تبكي
"ولما قولتلك إن شهاب مش كويس وابعدي عنه مصدقتنيش ليه؟" حدثها وتعالت أنفاسه في غضب ولكن كان تجاه نفسه فملامحها الباكية تُمزقه لأشلاء
"علشان حسيت إنه عادي وإنك بس خايف علينا اننا نعرف حد جديد ويدخل ما بينا" اجابته بين بكاءها
"لا بجد.. وهي أروى لما عرفتك إني بقول عليكي كلام وإني بردو مش كويس صدقتيها ليه؟"
"علشان هي سمعتني بوداني إنك كنت بتتراهن عليا مع إياد.. إنك شايفني حالة مرضية مش أكتر.. إنك شايفني طيبة زيادة عن اللزوم وأي كلمتين بيدخلوا عليا.."
"أنا متراهنتش مع إياد عليكي.. ولو كنت شايفك حالة مرضية كنت وديتك المستشفى بنفسي.. وإنك طيبة فده اللي كنت فاكره فعلاً.. وأي كلمتين يعني أبسط حاجة بتفرحك وبتسعدك.. يمكن أنتي لأول مرة تسمعي الكلام ده مني وأعتبريها  آخر مرة.. وروحي صدقي اللي عايزة تصدقيه.. أنا عمري ما هدافع عن نفسي قدامك ولا هابررلك حاجة أنتي مش شايفاها ولا حاسة بيها.. وإذا كنتي سمعتيني بودانك وصدقتي إني إنسان مش كويس فده يرجعلك.. وبكرة تشوفي بعينك إن شهاب مش كويس.. بجد يا خسارة.. أنتي فعلاً طلعتي متستاهليش" 

حدثها هامساً لتنظر له في غير تصديق ودموعها تتواتر بإنهمار دون إنقطاع ليلتفت هو ويغادرها ورائه حتى يُخفي وجهها عنه وأخيراً ترك العنان لتلك الدموع الحبيسة التي منعها منذ مدة وهو يراها تتألم أمامه..

يُتبع..