-->

الفصل الثاني والثلاثون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل

 



الفصل الثاني والثلاثون


حاول أن يفيقها وهو يجمع كل ما يدل على وجودها كمتعلقاتها وملابسها بمنتهى السرعة وخفاهم بأحدى وحدات مطبخه ليعود مرة أخرى ليفيقها بينما لم تستجب له سوى بإصدار أنين وكأنما لا تستجيب له أبداً 

"وده وقت زفتة دي كمان!" تمتم ليحملها مٌجبراً ليتوجه لغرفته مهرولاً ثم أخفاها بغرفة ملابسه "يا عيلة وسخة.. إن ما أنتقمت منكم واحد واحد على اللي بتعملوه فيا ده مبقاش شهاب الدمنهوري!!" تناول أقرب ملابس وجدها وهو يستمع لرنين جرس المنزل فتوجه مهرولاً حتى يستقبلهم وتوقف لثانية ليستنشق بعمق ثم أطلق زفيراً واستعاد هدوئه وسيطرته على نفسه ثم فتح الباب بإبتسامته العملية الوقورة التي تنطلي على الجميع!

"معلش بقا صحيتك.. وبعدين من امتى بتنام لغاية الساعة أربعة العصر؟" سألته زينة وهي تدلف منزله بأريحية فلقد آتت هنا من قبل

"شغل كتير بقا ما أنتي عارفة" أجابها بإبتسامة وعقله يحثه على صفعها لقولها تلك الكلمات 

"ازيك يا شهاب يا حبيبي عامل ايه؟" قدم بدر الدين يده ليصافحه بإبتسامة غير ودية على الإطلاق ليبادله مثلها وقليل من تلك النظرة الخبيثة التي تدل على الكراهية الخالصة قد وجهها له، فكلاهما الآن يلعبان على المكشوف!!

"أهلاً بدر بيه.. نورتني" صافحه ليقبض بدر الدين كفه بقسوة متمتماً بهمس كي لا تسمعاه زينة أو أسما "حلوة بدر بيه من بوقك والضحكة دي.. لا صايع!!" لا يزال يُحافظ على ابتسامته 

"أزيك عامل ايه؟" أومأت له أسما من مسافة بعدما أفسح لها بدر الدين الطريق وتوجه للداخل بخطوات واثقة واضعاً يداه بجيبا بنطاله وأخذ يتفقد المكان سريعا بعينيه الثاقبتين كمن دُعي بإلحاح وتصرف بمنتهى العفوية ولكنه بالحقيقة آتى ليغير عليه فهو يعلم أنه يُخفي فتاة بمنزله!

"تمام.." أومأ لها أيضاً بعدما شعر بعدم تقديمها ليدها كي تصافحه 

"معلش بقا خالو وزينة عدوا عليا بعد الإمتحان ويعني كنا خارجين.. وجيت معاهم.. آسفة إني جيت كده فجأة وبردو لسه معرفتنيش.. أنا أسما بنت خالة زينة، ومبروك ولو أنها جت متأخر" أخبرته بلباقة وإبتسامة رسمية

"لا طبعاً اتفضلي.. تنوري في أي وقت.. عقبالك" أشار بيداه للداخل مُرحباً بعد أن تفقدها بتلك الحقيبة الغريبة التي تحملها على ظهرها كمن بالصف الإعدادي وهو لا يُصدق أنه أصبح يستقبل الأطفال بمنزله بدءاً بزينة ووصولاً لتلك الطفلة الأخرى ثم وصد الباب في هدوء وبداخله عاصفة كادت أن تهُب عليهم جميعاً ولكنه لا يزال يخبر نفسه "صبراً.. صبراً .. سيأتي ذلك اليوم ليتشتت الجميع"

دلفت أسفل أنظاره بعد أن تبعها وأقترب ليقف بجوار بدر الدين الذي جابت عيناه بتمعن شديد سريع بأرجاء المنزل وقد لاحظ العديد من الأشياء غير المنطقية أمّا زينة فقد توجهت للمبرد وأعدت أحدى الشطائر لتقدمها لشهاب 

"زمانك مفطرتش" قدمت له الصحن ليبتسم لها بعذوبة زائفة 

"تسلم ايدك يا حبيبتي" بادلته الإبتسامة ثم تحركت بأريحية لتقف بالقرب من بدر الدين وملامحها تبدو سعيدة وحتى مزاجها يبدو رائقاً وقد لاحظ شهاب كل ذلك عليها بسهولة 

"ايه يا جوز بنتي.. مش هتفرجنا على البيت ولا مش عايزني أشوف زينة هتعيش فين؟" ابتسم له ليبادله في غيظ 

"طبعاً هفرجكوا.. وزينة هتقعد في بيت هصممه ليها مخصوص.. بس ازاي أول مرة تدخلوا بيتي ومتشربوش حاجة عندي؟" نظر لزينة مُدعياً تلك النظرة العاشقة وابتسم لها لتبادله ثم أعاد نظرته لبدر الدين 

"بصراحة أنا أيام الامتحانات مش بقدر آكل وأشرب كتير بس طبعاً علشان أول مرة اجي يبقا لو فيه مياة يا ريت" ابتسمت له بلباقة 

"وحضرتك يا بدر بيه؟" 

"لا.. أنا من الصبح مع زينة.. يعني قاعدة أصحاب بقا وأكل وشرب لما خلاص.. قربنا نفرقع.. مش كده يا زوزا؟" نظر لها لتبتسم له 

"بصراحة قعدتي مع خالو النهاردة فرقت اوي" أقترب منها وحاوط ظهرها بذراعه لتبادله بينما عيناه صرختا بشهاب "مش هسيبهالك!" 

"أولع بيها" هكذا أجابته نظرة شهاب وابتسامته الحقودة 

"روحي أنتي وبنت خالتك هاتوا المياة.. مالوش لزوم تتعبوا شهاب" أخبرهما لتتوجه زينة بعد أن أومأت بالموافقة بصحبة أسما للمطبخ 

"مفيش تعب ولا حاجة.."

"بجد!! أصلك يعني شكلك لسه صاحي وتعبان كده وأنا محبتش أتعبك أكتر" ضيق عيناه وهو ينظر له بتفحص 

"لا أنا زي الفل متقلقش" ابتسم له بسماجة قرآها بدر الدين في ثانية واحدة 

"فعلاً زي الفل.. بدليل إنك لابس التي شيرت بالمقلوب" توسعت ابتسامته في سخرية ليُخفض شهاب رأسه لما يرتديه وقد أدرك أن ما أخبره به صحيحاً

"الحر بقا ابتدا يطلع ومبطقش الهدوم.. مبحبش الخنقة.. عارف أنت الخنقة اللي بتيجي مرة واحدة؟" أخبره ومعاني كلماته الخفية تجلت لبدر الدين بوضوح

"طب خد بالك بقا علشان الخنقة وحشة وهتجبلك حساسية!!" أطلق زفرة ضاحكة متهكمة "لا بس حلوة حتة أصمملها بيت وتسلم ايدك.. بتلعب حلو أنت.." همس له غامزاً 

"ياااه يا بدر بيه.. ده أنا أعجبك أوي.. وبالذات إني امبارح اتعلمت من المنبع.. الباشا الكبير بدر بيه.. ولا أنت شايف ايه؟!" قهقه بدر الدين في سخرية ثم عادت ملامحه للجدية الشديدة القاسية 

"لا ناصح.. ولسه هتتعلم!" أومأ له شهاب في وقار لتأتيا زينة وأسما "ايه بقا يا زوزا مش هتوري خالو بيت خطيبك؟" سألها لترتبك زينة لبرهة وبادلت شهاب النظرات وأخذ هو المبادرة 

"أتفضل" أشار له بيده ليتقدم بدر الدين وتبعتاه زينة وأسما وأخذ يلاحظ تلك الكتب غير المتراصة على عكس البعض الآخر بمكتبته التي تقع بغرفة الجلوس بينما أقتنص شهاب نظرته السريعة ببراعة وقبل أن يبني عليها تصورات 

"شوية تعديلات.. معلش بقا يا جماعة" ابتسم للجميع بلباقة شديدة 

"طبعاً.. التغير حلو.. مش كده يا زوزا؟" نظر لها ليرى نظرتها الموافقة له 

"آه يا خالو ساعات الواحد بيتخنق ولازم يغير" ظل الجميع يسيرون بالغرفة ثم وصلوا أمام غرفة نومه ليقودهم شهاب

"أوضة النوم" ابتسم بلباقة بينما قارب بداخله على الإنفجار 

"حلوة.." صاح بدر وهو يتنقل بعيناه ليلاحظ إعوجاج بسيط بذلك البُساط الصغيرالذي يقع أمام باب موصد ثم لاحظ أن الشرفة تطل على الحديقة الملحقة  

"اتفضلوا شوفوا المكتب" أخبرهم بلباقة ليتأكد بدر الدين أنه يُخفي شيئاً ما وسار جميعهم نحو غرفة المكتب ليجد بدر الدين حاسوبه المتنقل لينظر لأسما بسرعة ليُدرك أنها لاحظته وفهمت ما يُعنيه 

"أهم حاجة لرجل الأعمال الناجح صراحة الأوضة دي.. الواحد بيفصل فيها.. مش كده يا شهاب؟!" 

"طبعاً يا بدر بيه.." تبادلا النظرات غير المُرحبة تجاه بعضهما البعض 

"ولسه فيه برا الجنينة والـ Pool.. اتفضلوا" توجه الجميع مرة أخرى ليستكملوا جولتهم بمنزل شهاب وتوقفوا بالقسم الخارجي للمنزل 

"وأنت بقا اللي عامل التصميم؟!" سأله بدر الدين 

"آه.."

"هايل!! شكلك شاطر.. ده يخليني أقولك إني عايزك بقا كده في business بس بلاش نتكلم فيه دلوقتي لا زوزا تضايق"

"لا أبداً يا خالو"

"حبيبتي أنتي جاية هنا علشان تكمني على شهاب ولا نسيتي إنك كنتي قلقانة عليه من امبارح علشان مش بيرد؟" ابتسم لها لتقاطعهم أسما 

"معلش بعد إذنكم هاروح الـ Toilet" تحججت لتغادر حتى تفعل ما آتت من أجله 

"طبعاً أتفضلي البيت بيتك" تمنى لو أن تخلص من تلك العائلة بأكملها ولكنه يدرك أنها مسألة وقت ليس إلا وتبقى القليل ليتحمله 

"بص بقا يا شهاب يا ابني.. أنا مبحبش أبقا عزول.. بصراحة زينة كلمتني كتير عنك النهاردة وشكلها كده عايزة تفك معاك بكلمتين.. وأنا بصراحة بعامل زينة على أساس اننا أصحاب.. هاسيبكم خمسة كده وأرجعلكوا" ابتسم لهما ثم نظر لزينة بتأكيد "حبيبتي أنا مستنيكي في الجنينة.. هتمشى شوية" تابعه شهاب بنظراته وابتلع في ارتباك ولكن لم تلاحظه زينة 

"قلقتني عليك امبارح فضلت متردش وبعدين الصبح موبيلك كان مقفول.. أنت كويس؟" حدثته بملامح مكترثة بصدق 

"أنا تمام.. أنا بس عملته silent وفضلت أشتغل وكان فصل فسيبته في الشاحن ونمت"

"متعملش كده تاني.. قلقتني عليك أوي يا شهاب" ضيقت ما بين حاجبيها وهي تنظر له بإهتمام وعبست ملامحها قليلاً

"حبيبتي متقلقيش أبداً عليا" ابتسم لها متصنعاً السعادة لإهتمامها به "عايزة تفكي بكلمتين ايه بقا؟!" لا يزال يتذكر كلمات بدر الدين منذ لحظات لتتنهد زينة في ارتباك 

"طيب ممكن نقعد شوية؟" 

"طبعاً" توجه حيث مقعد يكشف الحديقة بأكملها حتى يستطيع رؤية بدر الدين 

"لا أنا بحب أقعد عند الـ Pool" أخبرته بإبتسامة وكاد أن يهرول نحوها ليجذب شعرها بقسوة، من تظن نفسها لتجبره على فعل ما لا يُريده "ولا مش حابب؟!" تصنعت العبوس بدلال لتتلامس أسنانه في غيظ ومنع نفسه بعناء ألا يسحقها غضباً

"لا عادي اللي تحبيه" صاح في نفاذ صبر خفي لم تدركه زينة "وادي قاعدة.. قوليلي بقا.."

"شهاب أنا عمري ما هانسى وقفتك جنبي الأيام اللي فاتت والحاجات اللي أنت عودتني عليها وفرقت في حياتي كتير.. وأنا بعزك أوي حتى من يوم ما قربت منك مش بس بسبب خطوبتنا" تنهدت ثم عبثت بشعرها لثوانِ بأحدى أصابعها "بس بصراحة أنا شايفة إننا اتسرعنا في خطوبتنا ولازم أخد break عشان حاسة إني متلهوجة كده ومش عارفة أفكر في حاجة!" 

❈-❈-❈

 

"أخدتيه خلاص؟! .. تمام.. متسيبيش شنطتك من ايدك.. وأجري روحي أقعدي معاهم بسرعة ولو اتحركوا كلميني" أنهى بدر الدين مكالمته لأسما بينما دلف داخل تلك الغُرفة التي أمامها البُساط الصغير ليجد أنها غرفة ملابسه وأكتظت بالملابس ذات العلامات التجارية الشهيرة والساعات ونظارات الشمس وكذلك الأحذية وكل شيء بها مكشوف عدا ذلك الصندوق المستطيل العملاق الذى علاه جزء جلدي وبدا أنه مقعد للجلوس لإرتداء الأحذية ليقترب منه وتقدم بأنامله ليفتحه ليجد فتاة مُلقاة بداخله عارية ويبدو عليها أثار الآلم وهناك بعض العلامات بجسدها وأستقرت على جانبها ليُقدم رأسه لينظر للأمام ليرى ظهرها وساقيها واتضح بجسدها العديد من الجروح ليخرج هاتفه سريعاً وبدأ في التقاط الصور من مسافة وكذلك على مقربة وصور مقطعاً لثوانٍ..

ارتجفا جفنيها اثراً لذلك الضوء الذي انبعث فجأة واحدة وأطلقت أنيناً من تلك الآلام التي فتكت بها وبالكاد أستطاعت الرؤية لتجد رجل غريب الملامح لم تراه من قبل بمنزل شهاب أو حتى بصحبته لتنظر له في وجل وقد أدركت أنه صورها للتو

"اسمك.. ورقم موبيلك.. مش هأذيكي.. أنتي زي بنتي.. قدامك ثانيتين.. يا تقوليلي الحقيقة يا إما للأسف هاضطر أوصلك بطريقتي وأنا مش حابب نبدأ مع بعض كده" نظر لها بتأثر ثم تناول احدى الشراشف من رف قريب ليلقيه عليها 

"أنت مين!" نطقت بصعوبة 

"لو سمحتي متأخرينيش أكتر من كده.. أنا هتعرفيني لما أجيلك واتكلم معاكي.. ولا تحبي أكلم حد يجيبك لغاية عندي؟"

"سسـ.. سلمى الشاعر" همست وهي تنظر لتلك الثاقبتين 

"رقم موبيلك وهتردي عليه!! وأفتكري اني قولتلك بلاش أجيبك بنفسي.."

"زيرو عشرة اتنين...." أخبرته بالرقم سريعاً ليحفظه بذاكرة هاتفه 

"أنا لا شوفتك ولا أعرفك.. وشهاب مش بعيد يسألك.. أنتي كمان مشوفتنيش.. عشان لو عرف إني شوفتك أكيد هتتأذي.. وأظن كفاية اللي عمله فيكي.. هكلمك قريب.." غادر مُسرعاً عائداً للحديقة المُلحقة بالمنزل مُستقلاً شرفة الغرفة بينما صدح هاتفه بالرنين 

"أيوة يا أسما.. ايه ده.. زينة بتعيط ليه؟!" صاح في لهفة وهو يتوجه بخطوات سريعة في غضب نحو المكان الذي ترك به زينة وشهاب منذ قليل

"عمو كرم.. والد شهاب.. تعيش أنت!" أخبرته أسما بصوت تأثر للموقف فبالرغم من كل ما يحدث وتلك الكراهية التي تفيض من عيني شهاب فيبقى للموت رهبة لابد أن يوقرها ويتعظ منها الجميع!     

 ❈-❈-❈


"لسه بقا هاتفضلي عايشة دور اللي مش مصدقة ده؟" 

"عايزني أعمل ايه طيب؟" اجابته سائلة ليزفر هو 

"بصي ياأروى.. زي ما أنا شخص مختلف في الشغل عن القاعدات بتاعتنا مثلاً لما كنا بنتجمع زي بردو يوم ما آجي أرتبط وأحب وأخطب وأتجوز هاكون مختلف بردو"

"بس في يوم وليلة كده؟" سألته مجدداً 

"مين قالك إن في يوم وليلة.. مين قالك إني مكنتش ملاحظ كل حاجة بتعمليها؟ وحتى الحاجات اللي كنتي بتعمليها علشاني كنت ملاحظها.. مش هاقولك إنك أول حب في حياتي لأني كده هابقا بكدب.. لكن هاقولك إني حتى لو أكبر منكم كلكم إني لسه بتعلم.. ممكن تكون إختياراتي قبل كده مكنتش صح.. لكن كل ما بكبر كل ما بتعلم ايه الصح وايه الغلط.. أنتي بالنسبالي مناسبة اوي.. ذكية وعاقلة وبتفكري صح وقليل أوي لما بتتسرعي، غير طبعاً سابق معرفتنا بعض حتى على أساس اننا قرايب.. يمكن أنا بحب الهزار شوية والتنطيط وأنتي مش زيي بس متأكد إنك الوحيدة اللي هاقدر أكمل حياتي معاها وأنا مطمن" أخبرها وهو يحاول أن يجعلها تدرك تلك المقارنة الخفية بينها وبين زينة التي للتو نطق بها بكلماته وأعترف بها 

"طيب تعالى نجرب.. أنت حبيت قبل كده؟ ومين؟ وسبتو بعض ليه؟" أعتدلت بجلستها ثم سألته

"آه حبيت.. مين بقا دي هتدخلنا في حوارات ملهاش لازمة.. سبنا بعض ليه لأنها راحت صدقت عليا كلام مش صح.. غير شخصيتها اللي كان فيها حاجات كتيرة مش قابلها وهي مصممة إنها صح.. اه فعلاً المفروض لو حد فيه صفات مش قابلها يبقا من الأول مرتبطش بيه لأننا مش زي بعض بس كنت فاكر إن الحب ممكن يحل كل حاجة.. وطلعت غلطان.. استحملت على قد ما استحملت وفي الآخر اختلفنا على حاجة ومكملناش" حاول أن يبدو متأثراً وجاراها بالحديث مؤكداً أن يُخبرها كلمات حقيقية وهذا بالفعل ما حدث بينه وبين زينة 

"طيب ومحاولتوش تحلوا الإختلاف ده؟"

"عارفة اللي بينفخ في إربة مخرومة.. ده كده ملخص علاقتي بالإنسانة دي.. فقولت بقا ملهاش لازمة ما دام مفيش بنا ثقة" 

"أطمن يعني.. مش هاجي أصحى في يوم الصبح والاقيك بتقولي إنك أتسرعت؟" ضيقت عيناها وهي تتفحصه بينما هو تلمس يدها 

"اطمني.. أنا أهم حاجة بالنسبالي في علاقتي بالإنسانة اللي هاتجوزها هي الثقة.. فلو كنا مش واثقين في بعض يبقا ملهاش لازمة.. الحاجة الوحيدة اللي تخليكي متطمنيش هو إنك تخبي عليا حاجة وأنا واثق فيكي.. أنتي حتى في الشغل مبتخبيش عليا حاجة.. آه يمكن جامدة شوية وشخصيتك عملية بس عارف إنك مش كدابة.. كلامي صح ولا ايه؟" أخبرها سائلاً بإبتسامة لتومأ له مبتسمة هي الأخرى 

"صح يا سليم" 

"اللي حصل زمان خلاص حصل.. متفكريش فيه.. ما دام ماضي أياً كان ايه هو بالنسبالي أو بالنسبالك مش مهم" أخفض يده عن يدها ثم امتدت يده لقائمة الطعام "وايه رأيك بقا احتفالاً بالمناسبة السعيدة دي بقا نشوف حاجة نحلي بيها" تفحص القائمة أمامه 

"لا نحلي ايه أنا خلاص مبقتش قادرة أتنفس.."

"هو اللي أنتي أكلتيه ده أكل.. لو كنا دلوقتي عند نوري كان زماننا بجد مش عارفين نتنفس" ضحكا سوياً 

"أكلها حلو أوي بصراحة" أخبرته أروى  بينما صدح رنين هاتف سليم ليجيب

"سليم!! أبو شهاب مات.. أحنا معانا اللابتوب.. كلم الولد اللي قولت عليه ده بسرعة وخليه يقابل أسما.. والعزا بليل لازم كلنا نروح نعزي علشان ميشكش في حاجة" 

"لا إله إلا الله.. حاضر يا بابا" سيطر على وجهه الوجوم وتنهد في آسى لمعرفته الخبر 

"ايه يا سليم في حاجة ولا ايه؟" سألته عندما لاحظت تغير ملامحه 

"عمك كرم.. تعيشي أنتي"

❈-❈-❈

 

لقد غادر الجميع وبقيَّ وحده، لقد شمت به الجميع، نعم؛ لقد رآى الشماتة والضغينة بأعينهم جميعاً.. والدته، إخوته، عائلة الخولي بأكملها.. 

"البقية في حياتك" أخبره سليم وهو يُقدم يده ليصافحه 

"عقبالك!!" أخبره وهو يُصافح يده ليعقد سليم حاجباه في تعجب من تلك الكلمة غلير المتوقعة 

عاد من تلك الذكري التي لم يمر عليها سوى ساعتان، ماذا كان ليخبره؟ أيخبره "حياتك الباقية"؟ يستحيل، ذلك الشخص، الطفل المزعج الثري، أكثر من كرهه بتلك العائلة بأكملها، أكثر من جدد بداخله الشعور بالحقد والكراهية.. أيأتي الآن ليصافحه متظاهراً بالتأثر لوفاة والده؟! ابتسم في سخرية بإقتضاب متمتماً لنفسه "ابقي وريني شطارتك بقا وأنت بتلحق العيلة كلها يا شاطر" 

زفر في غيظ شديد ثم عاد لتذكره ذلك العزاء الذي صمم أن يكون فخماً للغاية مُعداً ومُجهزاً بأفخم التجهيزات ثم رغماً عنه تذكر عائلة الخولي من جديد..

"البقية في حياتك يا شهاب.. ولو أن الوقت مش مناسب بس يا ريت تبقا تكلمني.. علشان اللي أعرفه بقا كتير.. ومحتاجة أنا وأنت نتكلم فيه" صافحته أروى وهي تتحدث بغرورها المعهود..

أقسم بداخله أن تلك الفتاة إذا آتت له بوقت آخر لكان أذاقها أشد العذاب.. أقسى أنواع الإهانة.. تلك الوحيدة التي كان ليفضحها بعد أن يُسجل كل ما قد يفعله بها، غرورها اللاذع وزهوها بذكائها وكبريائها وظنها أنها أفضل من الجميع.. ماذا تظن نفسها؟ تظن أنها أنتصرت بحصولها على دليل يُدينه؟ أتظن أن أنتصارها بإنطلاء خدعتها على أختها التافهة الصغيرة وحصولها على ذلك الفتى المُزعج قد مّلكها من كل شيء؟ عليه فقط معرفة ماذا تعلم عنه.. عليه تهديدها للحصول على ذلك الدليل.. سيفسد عليها كل ما حلمت به يوماً.. هي لا تعلم من هو شهاب بعد!!

سببت تلك الذكرى المؤلمة احتقان دماءه بالمزيد من الكراهية لهم جميعاً، أيظنون أنهم كيان واحد؟ أيظنون أنهم لن يقدر عليهم أحد؟ أيحتمون بذلك الرجل الذي يظن نفسه يقدر على الجميع؟ ليريه إذاً ماذا سيفعل عندما يُلقي بأولاده في فوهة الجحيم المستعر..

"البقية في حياتك يا شهاب.. ولو أنك مبتدش معانا بداية صح ودوافعك المستخبية اللي أخدت بالي منها كويس.. بس هاقولك لو محتاج حاجة قولي.." أخبره بدر الدين بجدية وقد عنى ما قاله 

"لا متقلقش.. مش هحتاج حاجة منكم أنتو بالذات.. بكرة أنتو اللي هتحتاجوني" صافحه ليُحافظ على تلك الصورة التي تتسم بالوقار واللباقة أمام الجميع 

"مش عيب يا رجل الأعمال الناجح يا كبير يا عاقل تقول لواحد زي أبوك كده؟" ابتسم نصف ابتسامة متهكمة

"زي!!" قابله بنفس الإبتسامة "أنت استحالة تكون زيه.. أنت بعيد أوي عنه.. مش معنى إنك كبير عيلة وعندك حاجات كتيرة تبقا زيه.. أصل يا بدر بيه اللي مولود وفي بقه معلقة دهب غير اللي نحت في الصخر علشان يعمل المعلقة الدهب بإيديه.. لو عشت قد اللي عشته عمرك ما هتكون زيه" أخبره بملامح جامدة ليرفع بدر الدين حاجباه في تفهم 

"أنا مقدر الحُزن اللي أنت فيه حتى لو بتحاول تخبيه.. وهاقدر الموقف وعلشان أنا كبير مش هاجاريك في كلامك.. أنت من دور ابني بردو" 

"حُزن" أطلق زفرة ساخرة "لا يا بدر بيه أطمن.. أنا جبل.. مبيتهزش.. كل واحد وليه وقته ومعاده وبيجي عليه الدور إنه يموت" تنهد بعمق مُكملاً "وكوني من دور ابنك فده ميدلكش حق الواعظ بقا والناصح والكبير عليا.. روح أعمل كده مع ابنك النضيف وسيب الوساخة لأصحابها.. يمكن يتعلم منك حاجة" أخفض صوته متهكماً

"لو على العلام فهو أتعلم مني كتير.. أتعلم حاجات واحد زيك مش هيقدر يفهمها لأن أنعدم عنده الإحساس بالحاجات دي.. ولو على الوساخة وأصحابها فأنا أقدر أتصدرلهم كويس وأبعد أي حاجة وسخة عن ولادي.. وأهو بالمرة سليم يتعلم ازاي يتصدر للوساخة بردو.. حلوة نصيحتك هاخد بيها" أخبره في تهكم وكلاً منهما يضمرا بحديثهما العديد من المعاني الخفية ولكنهما فهما بعضهما البعض جيداً

"هاقولك حاجة بالمناسبة السعيدة دي اللي جمعتنا من غيرمعاد.. على قد ما بتحاول تعلم ابنك، وعلى قد ما هو بيحاول يكون شبهك بس فيه إختلاف رهيب ما بينكم.. بس هاقولك إن من يوم ما قعدت معاك يوم خطوبة ابنك ولقيت شبه كبير ما بيننا.. بنعرف نتفاهم، نتكلم، وكمان كلامنا كلام رجالة مش عيال صُغيرين.. أظن إن من الأول كان المفروض احنا نتعامل مع بعض" أخبره ليبتسم له بدر الدين إبتسامة لا تليق بالموقف الراهن 

"لا أنت مش شبهي" هدأت ابتسامته وتحولت ملامحه للجدية "أنت زيي بالظبط زمان.. الإختلاف الوحيد هو الدافع اللي كان مخليني زيك زمان والدافع اللي مخليك كده دلوقتي.. وعندك حق.. أنا فاهمك كويس اوي، وعلشان فاهمك بقيت أتعامل معاك وخليت الصغيرين على جنب.. يمكن آه يكون عقلك كِبر وبتعرف تتعامل.. ويمكن العيال الصُغيرين لسه عقلهم مكبرش زي عقلك بس بكرة الصغير يكبر ويفهم ويعقل.. وحطها حلقة في ودنك يا شهاب يا دمنهوري.. أنت لسه صغير.. فرحان باللي وصلتله واللي حققته بس لسه مكبرتش كفاية.. يوم ما تفهم الكلمتين دول هتبقا كبرت وهتقدر الكبير وهتعمله آلف حساب" نظر له نظرة قاسية مُحذرة بسوداوتيه الثاقبتين "هاسيبك علشان طولت عليك وفيه غيري عايز يعزيك.. وهاقولهالك تاني.. البقية في حياتك يا ابني وشد حيلك"

عقد قبضتاه المرتجفتان من كُثرة الغضب، تظاهر بأنه الجبل الذي لا يهتز، الذي لا يُأثر به شيء، الذي لا يشعر ولا يلقي بالاً لتلك المشاعر الواهية.. لقد نزع عنه غطاءه.. نزع عنه وجرده من ذلك الغطاء الذي ألتحف به منذ سنوات عدة!! أيظن أنه لا يُقهر؟ أيظن أنه لن يقدر عليه أحد؟ سيره أن كل قوي هناك من أقوى منه.. مسألة وقت ليس إلا..

لن يترك له الفُرصة ليظن أنه يستطيع التغلب عليه والتصدي له فقط لأنه يشابهه، هو لا يدرك ما دافعه بعد.. أم يدرك.. لا يكترث ولكن ما عاناه من رؤية تلك العائلة أمام عينيه فقط ليصل لعمه لم يكن هيناً عليه وقد تحمل الكثير منهم وقد قارب وقت العقاب لهم على كل ما سببوه له..

أيام مرت وراء أيام فقط ليحقق لوالده مُجرد أمنية.. أمنية بسيطة.. أراد أن يحققها له بعد كل ما تحمله ذلك الرجل وسعيه وعناءه لتحقيق حلمه.. لن يُنك أنه ساعده بالأموال.. لن يُنكر أنه كان طيباً حنوناً حد السذاجة كي يُصدق مصدر تلك الأموال التي أعانه عن طريقها بتحقيق حلمه.. ولكنه أيضاً لن ينكر مثابرة والده ومعاناته في تحقيق هذا الحُلم.. بالرغم من أن علاقتهما كشريكان ناجحة، وبالرغم من أنهما لم يجمعهما تلك الصداقة الشديدة ولا حتى العلاقة المرحة والتقارب بالأحاديث وغيرها.. أراد أن يُحقق له ذلك.. أراد أن يكافئه بعد سنواتٍ من إصرار ونجاح.. لم يطلب الكثير، رجل أراد أن يجتمع بأخيه قبل موته ومغادرته للحياة.. حلم بسيط.. في غاية البساطة.. بالرغم من كل ما حققاه لم يستطعا تحقيقه.. بالرغم من كل تلك الأموال التي حصل عليها، والطرق الملتوية اللانهائية التي أخفى بها حقيقة تلك الأموال لم يستطع شهاب الدمنهوري تحقيق حُلماً واحداً.. لم يستطع لم الشمل!! لم يستطع أن يُشعر أبيه بمعنى العائلة حتى ولو كانت صغيرة متضائلة..

نظر حوله في خوف حتى وهو جالس بغرفة أبيه وهو الذي يُدرك أن لا أحد يراه ولكنه أعتاد ألا يضعف، أتخذ من القسوة والجرأة وجدية نباريس لكل ما يواجهه في حياته.. أقسم أنه سيقتل ذلك الجزء الذي يحثه على الشعور.. توقف عن الشعور.. فعلها منذ سنوات.. لماذا إذاً تجتمع الدموع بعينيه وتبارزه بإستماته للهطول؟! لا.. لن يدع الدموع لتهطل، سيحاربها بكل ما أوتي من قوة.. لقد قتل الشعور بداخله ولن يضعف الآن..

لن يستمع لذلك الصوت بعقله الذي يخبره أنه لا بأس بأن تبكي لفراق والدك.. لن يستمع لذلك الصوت الذي يصرخ بأنه كان يُحبه حُباً جماً وهو الوحيد بحياته الذي يستحق بُكاءه.. سيحارب ذلك الضعف.. هو ليس بالضعيف.. لا فُراق والده ولا رؤية والدته اليوم سيُشكلان فارقاً.. لن يهُز كل ما يحدث حوله ولو شعرة إحساس به..

"شهاب يا حبيبي أنـ.." 

"حياتك الباقية.. جيتي وعزيتي في طليقك.. خدي ولادك وامشي" قاطع والدته وبمنتهى القسوة التي يملكها أو التي يتظاهر بها ألتفت وتركها خلفه..

دوي صوت أسنانه التي ترتطم في إرتجاف متلاحقة بسرعة جنونية يكرهه.. تلك الرعشة بكلتا قبضتاه اللتان قاربتا على تدمير عظم يداه يبغضه.. يكره ضعفه الذي يشعر به.. يكره رؤية عائلة الخولي بأكملها، يكره رؤية والدته التي يتهرب منها منذ سنوات سحيقة.. يكره عدم مقدرته على عدم تحقيق أمنية والده بإجتماعه بأخيه قبل موته.. وأكثر من أي شيء يكره مفارقة والده للحياة.. لماذا تركه الآن؟! لماذا؟

لقد كان يتابع مع الطبيب.. فقط لو تطلب مرضه أن يذهب به للعلاج في آخر بقاع الأرض أو في أقصى أعماقها لكان فعل، حتى لو تطلب أن يصعد به للسماء كان سيفعلها من أجله.. لم يظهر عليه أعراضاً.. إرهاقاً طبيعياً.. لقد حدث الطبيب وأنتظر نتيجة التحليل.. كان سيهاتفه عند إستيقاظه.. كان ينتظر مغادرة ثلاثتهما وكان سيهاتفه.. لماذا جرت الأمور هكذا وتفلت الوقت من بين يداه؟ّ! 

خارت قواه، وأنهزم أمام تلك الحرب بين إحساسه وقوته على التحمل والمعركة المحتدة بينه وبين مشاعره وهطلت دموعه التي لم يستطع أن يوقفها ولأول مرة منذ سنوات عديدة وجد نفسه ينتحب.. 

نهض ساحقاً أسنانه حتى كادت أن تدمي، لن يهاب صناديد القدر الذي يباغته بفجائعه، أيبكي؟! حسناً فلتنهمر تلك الدموع ولن يلقي بالاً لها.. سيُفرغ عن كل ذلك.. سيُطلق كبته حتى يكون كالبركان.. سيتخلص من الجميع في غضون يومان ليس إلا.. تناول هاتفه ثم أتصل بوليد 

"بعد بكرة كل حاجة هتمشي زي ما اتفقنا.. أنا مش هضيع وقت تاني.. الساعة عشرة بليل بالدقيقة كل حاجة تبتدي.. سلام!" لم يُمهله وقت لتتحدث ثم أجرى إتصالاً آخر

"العشرة مليون جنيه جاهزين.. تجيلي بعيني علشان أتأكد إن كل تسجيلات الرقمين دول راحوا في ستين داهية.. تذاكر السفر موجودة.. سلام" أنهى مكالمته الأخرى مع ذلك الرجل الذي أتفق معه على أن يدمر التسجيلات الهاتفية بشركة شبكة الإتصال لوليد وشهاب لكل المكالمات الصادرة والواردة بينهما.. سيدفع حتى كل ما يملكه حتى يتخلص من وليد ذلك النقطة السوداء بحياته وكذلك سيدمر تلك العائلة..

لا تزال دموعه تنهمر.. لا يزال يبكي.. لا يزال ضعيفاً.. ولكن البركان الثائر بداخله يحتاج أن ينطلق.. أن يحرق من أمامه ويتآكله بتلك الحمم الجحيمية التي ستنطلق منه.. سلمى!! سلمى لن تنفعه.. لن تستطيع التحمل خاصةً بعد ليلة أمس..

"غادة الشماع!! تجبوها وتودوها الشاليه زي آخر مرة.. ولو حتى قاعدة في قمم.. قدامكم ساعتين"

علم أن كل معاناته.. بركانه الذي يغلي بداخله.. مقاومته ومعاركه.. حياته التي تغيرت بأكملها.. حقده الشديد.. خوفه من الضعف وضيق ذات اليد الذي يبغضه.. كل ما كَوَّنَ شهاب الدمنهوري وجعله جبلاً لا يهاب شيء.. لا يستحق أن يظهر سوى أمام غادة وحدها!! أخذ مفاتيح سيارته ثم وصد هاتفه لينعزل عن العالم بأكمله سواها وجفف تلك الدموع التي عكرت صورة الرجل القوي ثم ذهب ليُطلق كبته الذي يُخزنه منذ سنوات والذي لا يستحقه غيرها..


❈-❈-❈

    

 

"كويس إننا لقينا البلاوي دي كلها عنده.. وزي ما يكون اللي حصل في صالحنا.. على قد إني مش بستغل الموت وحاولت أواسيه بس لأ.. البني آدم ده مريض!" تحدث بدر الدين في هدوء

"بص.. أنا خليته يمسح تسجيل الكاميرات لأسما ولما كنت في أوضته.. لازم نرجعه بسرعة لبيته"

"طب ما هو أكيد هيشوف اللي هيرجعه وهيفهم اننا احنا اللي اخدناه وعرفنا اللي عليه.. أنا مش فارق معايا.. ممكن نجيب راجل لابس على وشه حاجة ويدخله عادي ويعرف بقا ولا ميعرفش مش مهم"

"طب ايه رأيك بقا في اللي يلاقيلك حل ومن غير ما يشوف حد خالص لا بياخده ولا بيرجعه؟" حدثه بإعتزاز وقليل من الغرور ظهر على ملامحه

"قول يا أخويا" تنهد بإرهاق

"الكهربا كلها لازم تتقطع وفي الثواني اللي هتشتغل فيها المولدات هيكون حد دخل البيت"

"طب والكاميرات اللي شغالة بشريحة النت وبتوصله كل حاجة على موبيله"

"الراجل اللي عندي بتاع الـ IT هيقدر يعملها Hack ويعملها إعادة تشغيل كذا مرة ورا بعض وساعتها الكاميرا لا هتقدر توصل ولا تسجل حاجة" شرح له سليم ليومأ له بدر الدين في تفهم 

"صحيح.. البنت اللي لاقتها هاروحلها بكرة الصبح.. يمكن تكون عارفة حاجة عنه.. ووصلني إن وليد صاحبه ده كان مشتبه في قضية.. سلاح وكلام من ده.. وفي الآخر أخلوا سبيله بعد ما أخدوا أقواله"

"وليد!!" عقد حاجباه في إستغراب 

"آه كنت عرفت من ميرال إنه صاحبه وراقبته وجبت معلومات عنه" زفر بعمق ثم تابع "وبردو نفس الراجل عرفني إن سلمى كانت عنده علشان كده لما جالي الخبر وكانت زينة وأسما معايا صممت أروح بس عرف يلحق نفسه وخباها زينة ملحقتش تشوف حقيقته.. بس وصلتلها وعرفت اسمها ورقمها"

"ثواني" أشار بسبابته وملامحه مستفسرة "كده كده زينة خلاص سهل تعرف حقيقته بعد ما وصلنا لكل اللي بيسجله ومعانا من غير ما يقص منه حاجة وظاهر فيه.. إنما هتحتاج البنت اللي لاقتها دي في ايه؟" 

"محتاج أفهمه.. محتاج أفهم هو ليه بيعمل كل ده.. لو فهمته ممكن بسهولة أبعد شره عننا"

"بس يعني هو مش بيعمل الحوارات دي كلها علشان يوصل لعمه؟" سأله بينما انفجرت الحيرة على ملامح بدر الدين وشرد مُفكراً

"اللي زي شهاب ده صعب.. ده حتى متهزش فيه شعرة وهو بياخد عزا أبوه.. ولا كأنه لسه ميت من ساعتين.. مركز أوي معاك.. أنا خايف يا سليم عليك" نبرته الجدية التي سيطر عليها الخوف على أبنه دفعت سليم للإرتياب بينما نظر له بدر الدين نظرة لأول مرة يراها، لا تحمل المزاح ولا الغضب ولا حتى القوة "خايف عليك وعلى ولاد هديل.. حتى أسما وسيدرا خايف عليهم!! شهاب مش سهل ومعرفش دماغه ممكن توصله لإيه.. الإنسان ده مبيطقناش ومش عارف ليه"

"خير يا بدر متقلقش" تنهد سليم وهو يربت على ركبته "هي صحيح زينة فين؟! مش كانت معاك؟" 

"ياااه" تنهد مخبراً اياه "زينة دي بقا حكايتها حكاية.. عموماً محدش هيلاقيها" 

"ايه يا حاج بتلعب من ورايا ولا ايه؟" صاح في إستفسار مبتسماً ليبتسم بدر الدين بإقتضاب 

"مش لعب.. إنما أنا فهمتها.. طبطبت عليها وعرفت منها كل حاجة.. حكتلي هي مالها وبالطريقة سمعت كلامي.. خلتها تبعد شوية علشان تعرف هي غلط في ايه وصح في ايه وأهم من كل ده هي عايزة ايه" 

"حكيتلك على ايه بالظبط؟"

"كله.. من ساعة ما سيف مات.. علاقتها بيك.. علاقتها بهديل.. شهاب.. اللي عملته أروى.. كل حاجة"

"لا لعيب يا كبير" ابتسم له لتتوسع ابتسامة بدر الدين الذي أقترب منه محاوطاً ذراعه حول عنقه وجذبه بعنف نحوه وهو يُضيق مسكته حولها

"أنت اللي لعيب يا حيلتها.. بتعط مع البت في ألمانيا من ورايا يا روح أمك؟!" صاح به في لوم 

"آه.. يا عم ايدك مرزبة.. حاسب بس"

"ده أنا هاربيك من أول وجديد.. رايح تتسافل مع البت يا ابن الكلب؟"

"يا عمي حرمت وسع بقا" صاح في توسل بينما دفعه بقوة ليرتطم ظهر سليم بالمقعد خلفه "براحة يا عم الجامد كنت هتطلع روحي في ايدك!" 

"ما أنا هاطلعها لو عملتها تاني يا حيلة أمك" حدثه بجدية 

"راجل وليا احتياجات.. واللي بحبها قدامي وعيد ميلاد وكل سنة وأنت طيب.. ايه شايفني حجر مبحسش.. ده أنا داخل على تلاتين سنة وهاموت باحتياجاتي"

"احتياجات يا ***.. لما عندك احتياجات يا كنت اتجوزتها يا كنت تحرتم نفسك معاها لغاية ما تتجوزها" أخبره بلهجة حادة ليبتسم له سليم مضيقاً عيناه 

"عايز يعني تفهمني إن مزتين زي ليلي ونوري قبل جوازك منهم مفيش حاجة كده ولا كده ولا بوسة وعطاية صغننة؟" أخبره غامزاً بمزاح 

"واحدة بنت سفير وكنت هتشعلق والتانية اتجوزتها غصب.. لا مفيش يا أخويا اتهد.. وبعدين أنا أبوك يا ابن الكلب أنت بتسألني عن ايه؟" ضحكا كلاهما بعد أن نظرا لبعضهما البعض في تعجب ومزاح 

"ماشي يا سيدي.. رسيت على ايه معاها يعني؟"

"هتاخد كده break من كل حاجة واهو بالمرة تبعد عن شهاب لا يعمل حاجة في البت وجبنالها رقم المفروض محدش يعرفه غيري.. عقلتها شوية.. بس شكلها بتحبك بجد"

"علله تنفع طريقتك المرادي" أخبره متنهداً 

"هتنفع!! كمان واضح إن كلامها مع فيروز ريحها كتير وشكلها هترجع تتعالج تاني.." 

"يا مُسهل"

"أنت بس بطل تبقا زي حتة الطوبة"

"يعني حنين منفعش.. الطوبة بردو مش نافع.. بص بقا أنا ناويها والنية خير لو مجتش واعترفت بغلطها مش هاكلمها تاني"

"لا ده أنت شكلك بتتكلم جد أوي.. تكونش عاجباك أم أربعة وأربعين اللي روحت خطبتها وأنا مش واخد بالي!!"

"لا!!" ابتسم بتهكم ثم تابع "أم أربعة وأربعين دي هاعلمها الأدب.. هطلعها سابع سما وأنزلها على مفيش.. زي ما أنا وزينة كنا كويسين وفجأة خربت الدنيا ما بينا"

"ربنا يستر.. أنا خايف والله تخربها أكتر"

"لا متقلقش" نظر له بتأكيد "وعمتي بقا كده فجأة رضيت إن زينة تبعد كام يوم؟ مقلبتش الدنيا عليها؟" 

"أنا زقيت زينة تكلمها واحنا سوا وتقولها هتروح الساحل عشان تشوف المواقع هناك وكمان أنا كلمتها وقولتلها فرصة تهدي أعصابها عشان حوار موت عمها ده.. كانت ابتدت تتعلق بيه" 

"بمناسبة عمها.. الواد الوسخ أقوله البقية في حياتك يقولي عقبالك!! أنا مشوفتش بجاحة كده" توسعت عيناه في تعجب 

"سيبه سيبه.. بكرة هنبهدله لما الكل يعرف حقيقته.. وفي داهية مشاريعه.. أهم حاجة يبعد عن زينة"

"احنا هنعرفها امتى صحيح؟" 

"والله ده بقا متوقف على اللي هتعمله زينة ورد فعل شهاب.. بعدت عنه وهو مجاش جنبها تمام.. اشتغلها بقا في الأزرق هنضطر نوريها كل حاجة" 

"لما نشوف.." زفر بعمق ثم نهض "أنا هاقوم أنام بقا عشان واعد أم أربعة وأربعين اننا هنخرج بكرة من الصبح" 

"قوم يا أخويا وإياك تعط مع دي كمان.. كله بيلف يلف ويرجعلي.. أنا مصحصحلك ياض"

"لا كله إلا أم أربعة وأربعين.. ده أنا أطيق العمى ولا أطيقها.. وبعدين أنا بحب العيون الزرق.." ابتسم له بخبث "زي نوري" همس له في مكر غامزاً 

"نوري فيعينك يا ابن الكلب" صاح به وألقى عليه احدى زجاجات المياة التي كانت أمامه "نام ياض نامت عليك حيطة"

"وأنت من أهله يا حاج" أخبره من على مسافة ثم توجه ليصعد للأعلى..


❈-❈-❈

"بس يا مامي كان لازم تيجي بردو" حدثت أروى والدتها 

"أنتي مش قولتيله إني تعبانة.. ما خلاص بقا!!" تآففت بحنق  

"بس بردو يعني عشان شكلنا مش أكتر قدام شهاب"

"بلا شكلنا بلا زفت.. أنا ماوفقتش غير عشان العملة المهببة اللي أختك عملتها دي، لكن والله لو كان ايه ما كنت وافقت على جوازهم أبداً"

"اهو يا مامي خلاص اتخطبوا وكده كده الجواز هيتعطل أكيد بسبب موت عمي"

"لا يتعطل ايه!! احنا ناقصين؟! خليها تتجوزه وتغور بعيد عني بقا" زفرت بضيق "أنا اللي حايشني عنها الفضايح!" 

"لا يا مامي مفيش فضايح هتحصل ولا حاجة" 

"أنتي عاملتي ايه مع سليم النهاردة؟" سألتها والدتها مضيقة عيناها 

"لا سليم!!" ابتسمت لها بصدق "سليم ده طلع رومانسي بشكل مش طبيعي.. ورد وغدا برا ودلع.. أنا بصراحة مكونتش متوقعة كده أبداً" 

"يالا هانت.. ابقي حاولي كده بالمحسوس تفتحي معاه موضوع الجواز.. شوفي يعني ناوي على امتى"

"حاضر يا مامي متقلقيش.. أنا من نفسي كنت هاعمل كده.."

"متعرفيش ايه حكاية زينة وانها سافرت الساحل تلف على المواقع هناك؟"

"لا بصراحة" تعجبت مُضيقة ما بين حاجبيها "بس بسيطة.. هسأل حد هناك متقلقيش"

"ماشي لما نشوف.. أنا هاقوم اطمن على تيتا وأنام.. يالا تصبحي على خير"

"وأنتي من أهله" 

تركتها هديل لتقع أروى بالتعجب.. فلم يُخبرها أحد أن زينة قد ذهبت هناك.. ولكنها قررت أن تترك الأمر للغد وستجري اتصالات لترى ما ان ذهبت زينة لهناك بالفعل أم لا.. 

توجهت لتتناول هاتفها ثم بإبتسامة مترقبة أتصلت بسليم ليأتيها صوته "الحلو صاحي لغاية دلوقتي ليه؟"

"يعني مجاليش نوم"

"لا لا.. شكلك كده بتحبي جديد.. تكونيش بتحبيني ولا حاجة؟" 

"مممم.. يمكن!" 

"يمكن ايه.. ده أكيد يا حبيبتي.. أمال أنا جبت الورد ليه وغدا ومصاريف.. أنا صاحب شركة بردو وأعرف إن كل حاجة وليها تمنها.. مش أهبل يعني" ضحكت أروى على كلماته 

"يا سلام.. ابقى خللي الغدا المرة الجاية عليا ومتكلفش نفسك وتجيب ورد.. وبعدين هاحبك كده فجأة عشان ورد وغدا؟"

"ونسيتي اننا هنخرج بكرة.. وبعدين يعني ايه عليكي.. مخطوبة لسوسن؟!" أخبرها سائلاً بسخرية لتتزايد ضحكاتها وظلا يتحدثا سوياً لوقت ليس بالقليل..


❈-❈-❈


"بجد شكراً يا فيروز.. معندكيش فكرة كلامك معايا وإني حكيتلك على كل حاجة ريحني ازاي" تحدثت زينة بهاتفها 

"لا شكراً ايه متقوليش كده.. وبعدين مش اتفقنا نكون أصحاب؟" 

"آه طبعاً بقينا أصحاب خلاص.."

"وكمان أرجعي أكتبي تاني زي ما كنتي بتكتبي.. الموضوع ده ليه عامل على فكرة وبيفك كتير.. حتى متبقيش شايلة كل اللي بيحصل في راسك كده وتبقي شيلتي هم من على كتافك.." 

"خلاص هاكتب تاني.. أنا كمان كان بيبقا نفسي أكتب حاجات كتيرة من اللي بتحصلي"

"تمام.. الموضوع بسيط" تريثت ثم تابعت "وصلتي؟!"

"آه خلاص أهو هدخل الـ Hotel"

"وبردو كانت فكرة حلوة أوي إنك تبعدي عن الكل شوية.. يعني.. تغيري جو وتعرفي تختاري كده بهدوء" 

"بصراحة كانت فكرة خالو.. أنا فعلاً كنت محتاجة ده" تنهدت في راحة 

"خالو ده جميل والله .. يا ريت عندي زيه" ضحكت زينة 

"خالو ده مفيش زيه أبداً"

"ربنا ما يحرمك منه.." ابتسمت فيروز ثم تابعت "يالا بقا يادوب تطلعي وتنامي.. وحاولي تنظمي وقت نومك يا زينة وتنامي كويس علشان لما تصحي تعرفي تفكري أنتي هتقرري ايه بالظبط" 

"حاضر ماشي.. يالا تصبحي على خير"

"وأنتي من أهله"

أنهت فيروز المكالمة ثم هاتفت بدر الدين كما أتفقا اليوم.. فلقد تعجبت كثيراً لماذا تحدث لها ولكنه يبدو وأنه يكترث لها كثيراً..

"آلو.."

"فيروز ازيك.. ايه الأخبار"

"تمام الحمد لله"

"واخبار زينة ايه؟ أتكلمت معاكي؟"

"آه .. ده أنا لسه قافلة معاها"

"طيب وأنتي شايفة ايه؟"

"حضرتك عارف إني مش هاينفع أقولك مش كده؟"

"وأنتي بردو عارفة أنها بنتي وخايف عليها وعايز أساعدها" أخبرها في إلحاح ليستمع لتنهيدتها 

"زينة محتاجة إهتمام من كل اللي حواليها علشان حالة التشتت اللي هي فيها وجو هادي.. أنا طبعاً لسه معرفش عنها كل حاجة بس أكيد مع الوقت هاعرف حاجات كتير.. وكل اللي أسما قالته إنها كانت بتجيلها نوبات.. وهي حكيتلي إنك قعدت معاها النهاردة وقولتلها تعمل ايه.. هي محتاجة فعلاً اللي يقرب منها ويتكلم معاها بهدوء.. يا ريت حضرتك متبعدش عنها الفترة الجاية يمكن تتحسن"

"أكيد مش هابعد عنها.. بس متقدريش تشخصي اللي هي فيه مش كده؟ صعب أوي دلوقتي علشان لسه بدري!"

"أكيد صعب.. لسه شوية كويسين كمان" ابتسمت ثم تابعت "بس هو حضرتك ليك في شغلي ولا ايه؟!"

"يعني.. تقدري تقولي إني كنت مريض في يوم من الأيام واتعالجت" 

"أنا آسفة لو ضايقتك أو.."

"لا لا مفيش آسف ولا حاجة" قاطعها ثم أكمل "أنا أكتر واحد كان نفسي زينة تتابع مع حد من زمان.. قبل فترة السفر بتاعتها كانت وافقت وراحت لحد وبعدين مكملتش لما سافرت"

"لا إن شاء الله المرادي تكمل"

"شكراً يا فيروز"

"على ايه.. أنا معملتش حاجة.. وآسفة لو كلمتك متأخر"

"لا كلميني في أي وقت.."

"تمام.. هاطمنك عليها إن شاء الله أول بأول.."

"تمام.. تصبحي على خير"

"وأنت من أهله.." 

أنهى بدر الدين المكالمة بينما توجه لمكتبه وجلس لينظر لأفعال شهاب.. عليه يستطيع معرفة ما به، هل هذه هي ميوله أم هو مريض هو الآخر.. حتى قبل أن يذهب لسلمى بالصباح لا يستطيع الإنتظار!



لاحقاً.. الساعة السادسة صباحاً.. بأحدى تلك الشاليهات التي لا تخص سوى عُلية القوم.. التقط أنفاسه بصعوبة، يشعر وكأنه قد أُنهك.. قد فرغ بها وجع لازمه لسنوات.. وجع ازداد ولم يستطع أحد التخفيف عنه سواها هي.. بالرغم من إقترابه بالشعور ببعض الراحة إلا أنه يُدرك جيداً أنها لا تستحق حتى وجوده بجانبها.. 

 ❈-❈-❈


لقد خارت قواها أو فقدت وعيها.. أتظن أن الليلة أنتهت هكذا بمنتهى السهولة.. لا.. ليس هذا ما عودها عليه. أقترب منها وهو يفك وثاقها ولم يكترث لتلك الجروح التي سببها لها بجسدها بأكمله ثم ألقاها على سريره وبعدها آتى بمياة مثلجة ليفيقها ملقياً اياها على وجهها لتبدأ في الاستيقاظ مرة أخرى..

أستمع لأنينها في البداية ليبتسم في سخرية وأخذ يُلقي بالمزيد من المياة على وجهها حتى أستعادت وعيها بالكامل ونهضت في فزع وهي تحاول أن تبتعد لطرف السرير الآخر وتنظر له في رعب

"كفاية يا شهاب.. أنت هتفضل لغاية امتى بتعمل فيا كل ده.. كل شوية تطلع في حياتي علشان تعذبني.. أنت ليه مصمم متنساش..ليه مش قادر تفهم اني بقيت ست متجوزة وعندي أولاد.. آه" أخبرته هامسة في خوف بينما لم يكترث لقولها وأقترب منها جاذباً اياها من شعرها لتنهي كلماتها صارخة وهو ينظر لها في غضب جم لم ينتهي منذ سنوات 

أرغم جسدها على الإلتفات أمامه وقرر اليوم أن يذيقها المزيد من عذابه.. قرر أن يفعل فعلته علها تبكي دماً أسفله، لا يكترث ولكن موت والده لم يكن هيناً عليه، تلك العائلة ومواجهتها قد آلمته أكثر من أي شيء.. لا يزال يشعر ببقايا البركان الثائر بداخله وتلك الجروح بجسدها لا يكفيه.. بل يريد المزيد..

أخترقها بمؤخرتها بمنتهى العنف دُفعة واحدة لتصرخ وكأنما قد طُعنت بخنجر مسموم.. شعرت بأن روحها تغادرها.. ولكنها لم تعلم تأثير تلك الصرخة عليه كانت تهدأ الكثير من آلامه..

بدأت دفعاته تأخذ وتيرة منتظمة سريعة لتبكي هي بعبارات التوسل وصراخها لا يتوقف، تحاول الهروب منه ولكن قبضتاه القويتان حول خصرها منعتها من التحرك.. حاولت الإلتفات أكثر من مرة ولكنه ثبت جسدها أسفله جيداً حتى لا تتحرك..

"أرجوك بلاش اللي بتعمله فيا ده.. أعمل أي حاجة تانية أهون من كل ده.. حرام عليك" صاحت باكية بهيستيرية بينما هو لم يشفق عليها أبداً 

"شهاب أرجوك.. أرجع أضربني تاني بس بلاش كده" توسلته مرة أخرى لينظر لما يفعله وسلط تركيزه عليها ناظراً لمؤخرتها ليجد بعض الدماء قد تخلفت اثر فعلته

"كفاية بقا.. أنت ليه بتعمل فيا كل ده.. أرجوك.. أبوس ايدك كفاية.. اعمل اي حاجة تانية غير كده" بكت بحرقة وجسدها يهتز أسفله من تلك الشهقات التي تغادر رئتيها من كثرة البكاء ولم يعد يتحمل هو نفسه ما يفعله بها فأنسلت منها سريعا ليُرغمها على الإلتفات وهو يحاول التقاط أنفاسه اللاهثة ونظر لوجهها الذي عشقه ولا يدري ألا يزال يعشقه أم لا بينما هي وضعت يداها أمام وجهها في خوفٍ منه..

"أي حاجة مش كده!!" همس في تفكير وثقبت بنيتاه عينتاها الباكيتان "تمام.." جذبها من شعرها لتستلقي على السرير بظهرها الذي امتلئ وعج بجروحٍ شتى ثم أستلقى فوقها لتنظر هي له بترقب وإقترابه للغاية منها هكذا وأنفاسه الساخنة التي تنهال على وجهها قد أفزعتها في رعب لتتوقف عن البكاء من كثرة ترقبها وهي تنظر لملامحه التي تبغضها "أحضنيني!" همس لها وملامح وجهه قد تغيرت تماماً ولم تُصدق هي حقاً أن هذا ما يريد فعله "أحضنيني يا غادة" همس لها مرة أخرى وعيناه تتحرك يميناً ويساراً كي تتفحصا وجهها بأكمله وكأنه لأول مرة يراها لتمتد يدها بإرتجاف ثم عانقته بين ذراعيها ليسلط نظره على عينيها ثم أخترقها ببطئ شديد..


يُتبع..