-->

الفصل الخامس والثلاثون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل


الفصل الخامس والثلاثون

 

"...ولا زينة بتقسي عليها ليه؟ أنتي يا شيخة جيبتلها صرع! عارفة يعني ايه كتر التوتر اللي فيه بنت في سن مراهقتها تجيبلها صرع نفسي؟ أنتي أم أنتي؟!" صرخ بها غاضباً

"مش أنت يا بدر الدين اللي هتحكم عليا أنا أم ولا لأ.. هي اللي متدلعة وسيف كان بيـ.."

"أنتي سيف ده متستحقيهوش ولا تستحقي تجيبي سيرته على لسانك!!" قاطعها لاهثاً في غضب شديد وقد فقد هدوء أعصابه تماماً وقدرة تحمله فالجدال معها يجعل الدماء تغلي بعروقه كالبركان "واتقي الله بقا.. متدلعة ايه؟ هي علشان حساسة ومن صغرها من إيد لإيد ومش لاقياكي معاها وعشان الكل كان بيحن عليها سواء أنا ولا شاهندة ولا أمي تبقا متدلعة؟! يا بني آدمة خللي عندك شوية دم بقا وفوقي لبنتك اللي بتضيع.. أنتي لغاية امتى هتعملي كده فيها؟ ليه كل كرهك ليها ده؟"

"كرهي ليها.." صرخت به غاضبة هي الأخرى لتختلف ملامحها لتتحول كاللبؤة الشرسة "كرهي انها شبهه، حتة منه، من صغرها وهي دايماً عايزة توصل لكل اللي هي عايزاه ومش بيفرق معاها بتوصل على حساب مين!! كرهي ليها لأنها آخر واحدة سابهالي بمسئوليتها وربايتها لوحدي وكان بيخوني مع الكل.." تعالى صراخها لتتوسع عيناه التي تشربت بحمرة الغضب

"أنتي مجنونة!! مجنونة ولا متخلفة!!" صرخ بصدمة ثم تابع "هي شبهه.. طب ذنبها ايه انهم شبه بعض.. ده أبوها.. دمه بيجري في عروقها.. ومن امتى زينة كانت وصولية ولا عايزة حاجة.. زينة يا هانم مكنتش لاقية اهتمامك.. أنتي من طلاق زفت ده لجوازك من سيف لشغلك.. وهي كانت فين من كل ده.. كنتي بتزعقي وبتعاقبي وبتعنفي من غير ما تلاحظي إنك بتظلمي نفس بشرية.. من غير ما تاخدي بالك إنك بتجني عليها بالقسوة وهي بنتك حتة منك.. أنا مش مصدق إني واقف بشرح الكلام ده لواحدة قربت تكون جدة!! يا شيخة خللي عندك دم بقا وفوقي.. بقا زينة شبه كريم! أمال أروى تبقا ايه؟"

"أيوة شبهه! شبهه وكل حتة فيها بتفكرني بيه.. بتفكرني بقد ايه خانني وضحك عليا وكان مفكرني نايمة على وداني بس كنت حاسة بكل اللي بيعمله من ورا ضهري.. شبهه في كل حاجة.. سابتني وراحت تدرس برا.. بتبعد عني بالظبط زي ما كان هو بيهرب وبيبعد زمان.. غريبة زيه في اختيارتها.. في الوانها واهتماماتها.. زيه في كل حاجة.. كل ما ببصلها مبشوفش غير كريم وبتحسسني بخيبتي في إني حبيته.." دمعت عيناها دون أن تذرف تلك الدموع وتحكمت بمشاعرها

"حرام عليكي.. لو فيه شبه فده أبوها اللي مخلفها وده مش ذنبها انها طلعت زيه ولو حتى اخدت من طباعه.. ده ميدكيش الحق إنك تضيعي بنتك وتجيبلها المرض" صرخ بها مجدداً وهو يُخلل شعره بعصبية حتى قارب على أن يختلعه بين أصابعه ونظر لها غير مصدقاً لذلك الجنون المحض الذي تهذي به 

"أضيعها!! أنا بردو اللي ضيعتها؟ أنتو كلكوا اللي ضيعتوها.. دلعك ودلع ماما وشاهي ليها.. دلع سيف وطيبته معاها.. الهانم اللي واقف قصادي وبتدافع عنها ضيعت نفسها.. راحت خلت راسي في الأرض وأنا بوافق على خطوبتها من شهاب ابن كرم وشوية شوية كان عندي استعداد أبوس ايده علشان يخلصني من المصيبة اللي كنت ممكن أبقا فيها وسط الناس.. ضيعت نفسها وراحت تنام مع زميلها وهي مسافرة.. عرفت انها شبهه بنفس وساختهم؟ عرفت إن قسوتي عليها كان المفروض تبقا أقوى؟ عرفت إنها متدلعة وبتتصرمح وبتمثل على الكل.. وقال جاي تقولي ضيعتها.. دي حتى مجتش تصارحني.. رايحة تقول لشهاب ولولا أختها فتحت عنيا على الحقيقة وقالتلي واتحايلت عليا أقبل خطوبتهم عشان منتفضحش مكنتش هاعرف حاجة.. عرفت ليه بكرهها.. أتأكدت إن أسلوبي معاها من الأول صح.. ويا ريته كمان نفع.. الهانم رايحة تخليني قصاد واحد زي كرم وابنه فاشلة معرفتش أربي.. كرم اللي كان شحات يشوفني أنا كده!! اللي كان بيتحايل عليا ويقولي فين أخويا يجي بعد العمر ده كله يقعد قدامي ومقدرش أقوله امشي اطلع برا بيتي.. اهى الهانم اللي بتدافع عنها.. عرفت انها كمان شبهه في دي.. بتشمت الناس فيا، ويا عالم بقا لو كنا اتفضحنا كان حصل ايه"

 صاحت بحرقة بينما هو كاد أن يشعر بطعم الدماء في فمه من كثرة سحقه لأسنانه في غضبٍ شديد بإدراكه المزيد من ألاعيب أروى القذرة التي لا نهاية لها ولم يعد يتحمل التحدث معها ليجد يده ترتسم على وجنها تاركة اثر أصابعه والتفتت رأس هديل من قوة الصفعة 

"لما واحدة متسمعش من بنتها ومتتأكدش من اللي بيجرالها وتصدق أي كلام عليها فأنا متشرفش إنها تبقا أختي.. امشي أطلعي برا البيت ده ومتجيش هنا تاني.. وولادك دول كلهم اللي بيتعذبوا على ايديكي أنا هاعرف أحضنهم كويس.. واياكي تيجي جنب زينة بالذات" تحدث بين أسنانه المُطبقة في غضب ثم تركها وفتح الباب ليتركه يرتطم بالحائط خلفه وغادرها حتى لا يقتلها بيده!! 

--


لا تقوى شفاهه على ترك شفتيها، لا يتحمل الإبتعاد، يريد تلك الأنفاس اللاهثة في بكاء وغضب أن تستكين بين شفتاه، لقد أشتاق لمثل هذه القُبلة، لقد تمنى وحلم كثيراً بأن يستمع لها وهي تخبره بأنها تعشقه، بالرغم من كل ما آلت إليه الأمور ولكن حلمه تحقق وأصبح حقيقة ولم يعد يستطع أن يتوقف عن ذلك النداء الذي يناديه بأن يقترب منها كلما رآها أمامه..

"براحة يا سليم" همست بين لهاثها فلقد كانت قبلته قاسية، لم تعلم أن تلك القسوة نابعة من عشقه لها، نابعة من سنوات الإبتعاد، من غيرة عمياء، من ثقة هُزت بينهما ولم يكن ليظن أنها ستأتي بسهولة لتعترف له بما ارتكبت من أخطاء، تلك القبلة التي التهم شفتاها بها كانت مُحملة بالكثير من الرعب الشديد من أن يفقدها للأبد لرجل آخر ويتعذب طوال عمره من أن يراها معه طوال حياته 

"عرفتي دلوقتي إنك بتحبيني؟!" سألها هامساً بذلك اللهاث وهو يحاول إعادة الهواء برئتيه ولتوه لاحظ أنه يعتليها على سريره ولا يُفرق بين شفاههما سوى بضعة أنفاس يتسابقان ليقتنصاها في تلك الحرب المميتة من الإشتياق فأومأت له ليتفحص هو وجهها بنظرة لوم ود لو نظر لها بها منذ وقت بعيد 

"بحبك أوي يا سليم" همست لتبدد المنطق في عقله وحل محله الرغبة التامة الملتاعة في الحصول على المزيد من ذلك الشعور الذي لم يسبق له اختباره من قبل سوى على يديها هي وحدها وأقترب مجدداً مقبلاً اياها في نهمٍ شديد، ووصد عيناه يعتصرهما فهو لم يعد يريد من العالم بأكمله شيء سوى ذلك الشعور الذي يتمتع به من إقترابها منه ووجودها أسفله وازداد اعتصاره لعينيه وكأنما يسجن هذا الشعور بداخله للأبد..

حالة اللاوعي التي تنتابه كلما تذوق المزيد من شفتيها، كلما تلاقت ألسنتهما في تلك الرقصة التي لا يعرف حركاتها غيرهما هما سوياً، يتركه المنطق محلقاً لآخر بقاع الأرض كلما شعر بذبذبات أنينها بين قبلتهما الرعناء بالشغف المحموم الذي بمجرد تلامسهما ينتشلهما من الحياة بأكملها، ذاهباً بهما إلي عالم آخر لا يوجد به غيرهما..

أتكأ بجبهته على جبهتها وهو يحاول التقاط أنفاسه الساخنة حتى يستطيع التنفس بينما فعلت هي الأخرى وظل موصداً لعيناه مستمتعاً بتلك الأنفاس التي تنعكس على وجهه برائحتها ورقتها وأنوثتها البريئة التي لم يراها بنساء الأرض أجمعهن..

"هتفسخي خطوبتك امتى؟!" سألها بين أسنانه المطبقة وصعد صدره وانخفض في قوة منعكساً فوق ثدييها ليرتطم بهما فهي حالها مثله هو الآخر ثم فتح عيناه ليتفحص وجهها لتفتح هي عيناها بإرتباك وقد قرأة النشوة بزرقاوتيها اللاتي تجعله ينعزل عن الدنيا وتبدد كل ذرة إدراك بوجدانه ولا يستطيع أن يرى ولا يُلاحظ سوى تلك الأمواج المضطربة بعينيها التي تطالب بالمزيد 

"مش عارفة" بالكاد همست وهي حتى لا تعي ما الذي تتحدث به ولا ما قالته ويداها حاوطت عنقه في مطالبة بالمزيد لينظر لها بغضب ليدفن وجهه أسفل أذنها هامساً

"شهاب عمل معاكي كل ده؟!" سألها بلهاث ليلثمها وهو حتى لا يدري لما السؤال وهو يفعل ما يفعله، ربما غيرته العمياء شتت كيانه بأكمله فلم يعد يدرك ما الذي يتفوه به وهي أسفله 

"تؤ.." أطلقت صوتاً يدل على النفي لتزداد حدة تلثيماته أسفل أذنيها لتمر على عنقها بأكملها وأخذت يداه تتنقل بين مفاتن جسدها الممشوق لتأجج جمرة النشوة بداخل جسدها حتى بدأ جسديهما في إطلاق حرارة متشية بذلك الشغف الذي يتشاركاه دائماً 

"عمره قرب منك يا زينة؟!" سألها مجدداً بنبرة غاضبة ولقد تآكله نيران الغيرة الشديدة ليشعر برأسها التي حركتها لتومأ بالنفي ليجد أسنانه تلقائياً تختوي بشرتها الناعمة لتخلف على اثره أنيناً يغادر شفتيها ويدفعه هو للجنون الشديد..

"ليه عملتي فيا كده؟ ليه خلتيني أموت وأنا شايفك في حضنه؟" اعتلاها مستنداً على احدى يداه وهو يحدق بعينيها في غضب بينما قرر الإنتقام على طريقته الخاصة ولم يعد يكترث حتى لو رآه العالم بأكمله وهي بين يداه بينما هي نظرت له نظرات مبهمة وزاغت عيناها ما بين الشهوة القوية التي تملكت جسدها بأكمله وبين ذلك العتاب الذي يسقط على مسامعها كاللعنات المتتالية..

أقترب مفترساً شفتيها ليُعمق من قبلته أكثر مكتشفاً المزيد من معالم فمها بينما بدأت يده تتسلل أسفل بنطالها الذي ترتديه ولأول مرة يتلمس أجزائها الحميمة لتتوسع عيناها في صدمة وشعر بإرتجافة جسدها أسفله ولكن تلك الصدمة ممزوجة بالوله الشديد للمزيد مما يفعله فلقد تلمست أنامله ما يدل على استجابتها لذلك الإشتياق المحموم الذي انعكس في كل ما يفعله..

لم يترك شفتاها ولو لثانية واحدة وأخذ يتحسس منطقتها الحميمة في وتيرة ازدادت سرعة ليبتلع أنينها الذي تطلقه بين قُبلتهما والذي قد بدأ في الارتفاع نسبياً ليًعمق من القبلة أكثر وهو يلمح تورد وجهها بأكمله لا يدر أنشوة أم من قلة الهواء الذي امتنع عن الولوج لرئتيها منذ فترة..

فرق قبلتهما كي يحصلا على الهواء ليزداد تشبثها به أكثر ليشعر بأن جسده قارب على الإنفجار من كثرة تلك الإثارة التي لا ترفق على رجولته ووجد يده تسرع أكثر وارتمى بجسده عليها وكادت يده الأخرى أن تحرر ما بين ساقيه ولكن صرختها التي أطلقتها كادت أن تتعالى فابتلعها بقبلة شغوفة وأسرع بتلك اللمسات فوق أنوثتها لتفتح هي زرقاوتيها ناظرة له بشهوة هائلة بينما هو تسارعت أنفاسه في لهاث وهو لأول مرة يصل بها إلي هذه النقطة ليشعر بإرتجاف جسدها بأكمله أسفله وآنة غادرت شفتيها المفترقتان لتداعب بين شفتاه ليشعر بأنه قد قارب على الإنفجار من كل ما يختبره معها..

أخذت أنفاسها في التواتر والهدوء شيئاً فشيء بينما تعالت هو أنفاسه أكثر، النظر إليها لا يساعده، تلك الإرتجافة منذ ثوانٍ أسفله لم تشفق به أبداً، شعر بالغضب الشديد لعدم استطاعته في معاشرتها الآن لينظر لها نظرات لم تستطع تبين معناها ولكنها قاربت الغضب واللوم ثم نهض مسرعاً مغادراً للحمام صافعاً بابه خلفه في عنف..

ابتلعت ثم نهضت جالسة على السرير وقد وقعت بالصدمة التامة من كل ما فعلته منذ قليل واحتضنت جسدها بذراعيها بعد أن التصق ركبتيها بقفصها الصدري وقد وقعت بالحيرة لماذا تركها وذهب الآن دون أي كلمة ودون أية مقدمات!! 

"سليم!!" سمعت صوت بدر الدين لتستيقظ من تلك النشوة وفرت ناهضة لتطرق باب الحمام على سليم الذي لم يستجب لها "سليم!!!" استمعت مجدداً لصوت بدر الدين الذي قد أقترب وتبدو نبرته غاضبة للغاية 

"سليم أرجوك أفتح.. خالو بينده عليك وجاي على هنا" طرقت الباب وهي تتوسله في همس وفزع بآن واحد ثم بعد ثوانٍ وجدته يفتح الباب وهو يلهث بشدة وملامحه غريبة للغاية ليهمس لها بين لهاثه 

"خليكي في الحمام.. هاخده وانزل تحت.. وأطلعي على اوضتك بعدها على طول" همس بأنفاس متقطعة لاهثة ثم فتح الصنبور ليغسل وجهه بالمياة ثم خلل شعره بما تبقى من مياة بيداه ثم تركها مسرعاً ووصد الباب..  

 

--

 

لقد دمر كل التسجيلات الهاتفية الصادرة والواردة بينه وبين وليد.. لم يُرى معه في نفس المكان أكثر من مرتين.. لا يأتي لمنزله أبداً.. وأحيانا يتقابلون في أماكن نائية.. صعب للغاية أن يُمسك عليه أي دليل يُدينه بمعرفة وليد أو بالعمل معه في أعماله المشبوهة.. 

جلس شهاب أمام حفنة من الأوراق على مكتبه بمنزل والده مُمسكاً بأحدى الأقلام وهو يُعيد رسم المخزن وذلك الطريق الذي أنشأه أسفل الأرض والذي يستمر لمسافة خمسة وعشرون كيلو متراً الذي يصله بالطريق السريع حيث الشاحنات.. رسم كذلك مهبط الطائرة الهيلكوبتر ثم أخذ يتفحص رسمته بعناية وتدقيق..

تناول أقلاماً أخرى وهو يضع العلامات، مكان تواجد وليد، السيارات التي ستسير في الطريق الممهد أسفل الأرض، الشاحنات التي تمزج الأسمنت، سائق الطائرة، وكذلك الرجل الذي دفع له مبلغاً طائلاً كي يطعن وليد متأكداً أن تسيل دماءه بذلك المخزن الذي يعج بالأسلحة المحفوظة بصناديق عديدة..

زفر وهو يُدلك مؤخرة عنقه.. في تمام العاشرة مساءاً سيتواجد وليد ويبدأ بنقل الصناديق، حوالي ساعة ونصف تلزم لتعبئة شاحنتان بأكملهما.. لذا سيتبقى شاحنتان فارغتان.. ساعة ونصف أخرى.. ثلاث ساعات يحتاجها وليد كي ينتهي من نقل الصناديق، مما يعني ثلاثة ساعات لديه كي يُبلغ عن الأمر ويُحضر الشرطة.. ويتهم شركة الخولي والمسئول أمامه عن ذلك المخزن هو زينة!! 

هي التي وقعت له على استلامها لمخازن المواقع بأكملها.. هي المسئولة عن كل ما يحدث بها.. إتهامه سيكون لهم، سيكون لشركة الخولي، سيكون لزينة التي استلمت منه.. وليريه وقتها ذلك الطفل المُزعج كيف سيتصرف؟! لا يملك سوى أن يتحمل هو المسئولية أو طرف آخر من أفراد تلك الشركة.. هو، زينة، أو أحد أفراد عائلته ذو منصب يؤهله لإستلام مواقع بأكملها من شركته.. لابد من أحد كي يتحمل المسئولية ويجعلها تقع على عاتقه وحده.. هل أنت أيها الطفل المزعج من ستضحي؟ أم ستكون جباناً وستجعل أحد غيرك يُضحي بفعلتك؟ أم لربما ستترك زينة كي تقع في تلك الورطة؟! لربما قد عشقت تلك المغرورة المختالة بذكائها!! ولربما ستتخلى عن التافهة الصغيرة للأبد!

زفر براحة شديدة وهو يتخيل ذلك اليوم الذي سيستيقظ به ليجد أن وليد قد فارق الحياة بأكملها.. سيقتله.. سيبدأ بطعنه في المخزن وسيقتله بالسجن.. وحتى لو ذهب لآخر بقاع الأرض فأن وليد هو الوحيد من يعرف ماضيه الأسود بكل تفاصيله وكل ما فيه.. رجلاً مُلثماً متشحاً بالسواد في تلك العتمة سيطعنه طعنه مُحترفة ليفقد الوعي ثم سيفر هارباً بتلك الطائرة.. ما أن يصله أنه فعلها، سيهاتف الشرطة متهماً شركة الخولي بتهريبها للأسلحة مستخدمين موقعهم.. وهكذا سضرب عصفوران.. لا بل صقران بحجر واحد كان يُجمعه ذرة ذرة إلي أن أصبح صلداً بقبضته..

فقط ينقصه الحصول على ذلك الدليل بين يدي أروى.. الشيء الوحيد الذي قد يُدينه.. حسناً.. سيبدأ معها بهدوء لاذع شديد، سيستعين بخبرته الطويلة مع كل إمرأة شابهتها في يوم.. وإن لم تصمت.. وإن لم تساعده.. وإن لم تدمر ذلك الدليل وتعطيه له.. إذاً فهي الجانية على نفسها..

أطلق زفيراً عميقاً ثم نهض واضعاً يداه بجيباه وأخذ يسير في ذلك القصر الذي شيده هو وأبيه ليطنب بالمزيد من الأفكار، العديد من الخطط التي ستجعله بريئاً أمام الجميع.. والمزيد من الأدلة التي قد تُثبت أنه هو المتورط في هذه الصفقة المشبوهة علّ أحد يصل له ويدينه بتلك الفعلة فلم يجد سوى الدليل الذي تملكه أروى..

وجد نفسه يتوقف أمام تلك الغرفة التي وُضع بها كريم ليفتح الباب بهدوء ثم تصلبت نظرته الثاقبة الجادة عليه وهو لا يدري ما الذي دفعه لإحضاره هنا ولكنه فعل ما فعله على كل حال.. لا يريد معرفة الأسباب.. أنكر كل تلك المشاعر التي تحاول أن تتسلل لطيات عقله المُفكر وأسكتها تماماً كي لا تسبب له المزيد من الصداع اللعين الذي لا يتوقف برأسه التي قد وصلت لحد الإرهاق من كثرة التفكير!!

 

 

--

  

 

"ايه يا بدر فيه ايه؟!" حاول سليم إبداء الإكتراث وهو ينفض من ذاكرته ويتغلب على احساسه فيما حدث من زينة منذ قليل 

"فيه إنك تبعت حالاً email استقالة.. على ما تسلم اللي معاك.. أسبوعين بالكتير وتسيب الشركات والزفت ده كله" حدثه بغضب وقد رآى صدره يعلو يهبط في غضب وأنفاسه تتلاحق بسرعة شديدة 

"حاضر.. هاعمل اللي أنت عايزه.. روق كده بس وتعالى ننزل نشم هوا في الجنينة واحكيلي عمتي وصلتك لكده ازاي.." حاوط كتفاه بذراعه ليصدر بدر الدين المزيد من الأنفاس الغاضبة وأخذ يتجه معه نحو الأسفل وحاول تهدئة نفسه كي يستطيع إخباره كل ما حدث..

"ده أنا هموتها بإيدي" صاح سليم غاضباً وهو ينهض في عصبية بالغة وكاد أن يُغادر ليوقفه والده بعدما قص عليه الأمر وما إن وصل للنهاية حتى استمع لما يُلفق على زينة 

"اهدى يا حيوان وأعقل

"اهدى.. اهدى ازاي.. اهدى ايه وهي بتقول إن زيـ.."

"ملعوب يا أهطل عشان تبعد البت عنك.. اهمد!" حدثه مقاطعاً اياه ليلهث سليم في غضب وشرد وهو يتخيل ما إن رأى وجه أروى أمامه وما يستطيع فعله بها "عصبيتك دي هتوديك في داهية"

"يا سلام!!" نظر لوالده يتفحصه "وأنت مكنتش متعصب وأنت جايلي بعد ما سمعت اللي سمعته ده؟! جاي تكلمني على العصبية؟" صاح به بنبرة منفعلة 

"اقعد علشان نتكلم بهدوء ونعرف هتعمل ايه!" آمره بجدية ليزفر الآخر في غضب ثم جلس بهرجلة 

"اديني اتزفت!" صاح بإقتضاب ليعود لينظر أمامه في شرود غاضب وهو يقسم بداخله على أن يذيق أروى أشد العذاب 

"لا يا روح أمك بُصلي وأنا بكلمك"

"يوووه يا بدر" تآفف في حنق "اديني اهو ببصلك.. اتفضل.. قولي هنعمل ايه غير اني اورح أموت الحرباية اللي أسمها أروى بإيدي" التفت بجسده نحو والده على مضض

"أول حاجة لو روحت عرفت أروى إنك عرفت اللي قالته على زينة تبقا أهطل.. اهدى كده وأعقل.. أنت وصلت معاها لإيه؟" بدأت نبرته في الهدوء ليتنفس سليم بعمق غاضباً

"اهي عمالة تحلم وتتخيل وبكلمها في عفش وجواز وهباب"

"حلو أوي.." هز رأسه في إعجاب بحديثه "ووصلت مع زينة لإيه؟!" سأله ليبتلع سليم وقد لاحظ والده ارتباكه 

"ايه يعني موصلتش لحاجة.. جت كلمتني وقالت انها غلطت" اجابه ليرفع كتفيه بتلقائية ونظر لوالده ليضيق بدر الدين ثاقبتيه وهو يتفحصه ثم عاد ليتذكر تلك الطريقة التي دفعه بها للنزول للأسفل، ملامحه المُتغيره، إبتلال مُقدمة قميصه ونثرات المياة المتعلقة بشعره الفحمي، هرجلة مظهره.. التوتر الذي كان عليه "فيه حاجة يا بدر؟!" سأله بعينتين تحاول إخفاء أمرٍ ما 

"واد يا ابن الكلب أنت كنت بتعمل ايه في الأوضة من شوية؟!" رفع احدى حاجباه سائلاً ولا زالتا ثاقبتيه تتفحصا ملامحه بأكملها ليحمحم سليم في ارتباك وهو يحاول أن يتماسك كي لا يعلم بدر الدين شيئاً

"أنا.. ممكنتش بعمل حاجة.. يعني.. كنت قاعد!" أخبره بنبرة مهتزة وابتسم له بإقتضاب

"واد يا سليم.. أنا قولتلك خد زينة وأطلعوا و.." توقف بدر الدين من تلقاء نفسه ثم جذب سليم من مقدمة قميصه عاقداً قبضته حولها "عملت ايه مع البت يا وسخ؟" صاح في إدراك لتلك الحالة المُرتبكة التي فضحت ملامحه 

"يا عم معملتش حاجة وسع كده" حاول التخلص من قبضته القوية وأخذ يدفع ساعده

"ده أنا همسخر بكرامتك الأرض.. أنت ياض بتعط مع البت في بيتي!! ده أنا ابيتك جنب ليلي يا حيلتها" صاح به في جدية لتتوسع ضحكة سليم

"أنا معرفش أنت بتجيب الكلام ده منين.. عط ايه بس يا بدر؟!" تسائل في إنكار ليهُز بدر الدين رأسه وكأنه أدرك ما فعله ولا يزال سليم يحاول أن يتفلت من قبضته "يا بابا حاسب بقا!" صاح متآففاً ليجذبه بدر الدين له 

"المرة الجاية هطردك من البيت ده ومش هاتدخله تاني.. أختك تتخطب وبعدها أنت قدامك أسبوع تلملي الليلة دي وتشوف هتتزفت تتجوز ولا ناوي على ايه.. زينة بنتي ياض.. ورحمة أبويا لو ما اتلميت لا هبهدلك.. عايزها روح اتجوزها.. إنما شغل وساخة مش عايز!! فاهم ولا تحب أفهمك؟!" حدثه بجدية مبالغ بها مُحذراً ليحمحم سليم في خوف وهو يومأ له 

"فاهم فاهم خلاص مش هاتتكرر" همس هاززاً رأسه بالموافقه ليتركه بدر الدين دافعاً اياه بقوة ليرتطم ظهر سليم بالمقعد خلفه ليرمقه بنظرة جانبية مليئة بالتقزز ثم أعاد نظره أمامه ليتفقده سليم متنهداً في قلة حيلة 

"خلاص بقا يا بابا.. قولت مش هاكررها تاني"

"خلصت روحك يا روح أمك!! أنت اللي عملته ده صح ولا غلط؟" صرخ بها ليؤنبه

"غلط.. أنا آسف" همس مُعتذراً 

"سليم.. ده آخر تحذير ليك.. أنا مش قُرني.. لو بس لاحظت حاجة زي كده تاني أنا مش هاسكت! أنا هراقبك وهبقا يوم أسود لو جيت جنبها تاني!" وبخه بالمزيد ليومأ سليم في تفهم ونظر بالأرضية وقد شعر بالإحراج الشديد أمام والده ولم يستطع التحدث بالمزيد..

"اسمع" زفر والده بحنق بعدما ساد الصمت لفترة ليست بالقليلة وقرر بدر الدين ترك ذلك الأمر جانباً "ميرال قالتلي ان شهاب لما عمل معاها اللي عمله بسبب انها هزأت جرسون.. ربط وضرب وسحل وحاجة وسخة زي ما أنت ما شوفت.. أنا وصلت للراجل ده وعرفت انه بعدها دفعله فلوس كتير أوي.. نفس الكلام عمله مع سلمى.. عشان ظروفها ادالها فلوس كتيرة أوي.. صحيح.. أنا جبتلها شغل وبيت وسفرتها برا هي وأمها ونقلت أخوها فرع جديد.. ولازم ابعده عن سكة شهاب.. وخلتها ترجعله كل اللي أخدته منه، البيت والعربية وباقي الفلوس اللي في حسابها، يمكن يحل عنها" زفر في إرهاق ونبرته تدل على التفكير العميق 

"يعني.. قدرت توصل هو كده ليه؟! أو بيعمل في الستات كده ليه؟" تسائل سليم عاقداً حاجباه وهو ينظر لبدر الدين في استفسار

"كل الفيديوهات اللي مع البنات اللي فيها السادية الزفت دي أغلبها بيذلهم وأغلبهم بنات مشهورة.. اللي أبوها ماسك منصب، واللي أغنيا أوي، واللي ممثلة.. مش عارف.. زي ما يكون قاصد يهينهم ويعذبهم.. إنما واحدة زي سلمى!" زفر في عُمق شارداً "بيديها فلوس كتير وبيعاشرها بعنف رهيب.. زي ما يكون بينتقم من حاجة فيها هي.. ما عدا آخر مرة دي عذبها بغباء زي ما يكون كان عايز يموتها" شرد بالمزيد بينما تفاقم تعجب سليم 

"طب كل ده معناه ايه؟"

"معناه انه عنيف، سادي، طريقته فيها إجرام، إهانة.. حاجات كتيرة اوي" أخبره في همس وهو يتذكر المزيد من تلك التسجيلات التي رآها ليبتلع سليم في وجل من شخصية كتلك التي يتحدثان عنها "وكمان لما راقبته راحتله واحدة اسمها غادة زي ما تكون مخطوفة.. مش عارف ايه قصتها دي لسه.. هحاول أوصلها وأتكلم معاها يمكن تكون تعرف حاجة عنه"

"الله يحرق شهاب على اليوم الأسود اللي عرفناه فيه!" تمتم حانقاً

"متخفش.. بعد كل البلاوي اللي لقيتها على اللابتوب بتاعه توديه في داهية.. ده لو يعرف ان معايا الحاجات دي هيعمللي الف حساب.. يبقا يفكر بس يأذينا وأنا اوديه ورا الشمس" حاول أن يُطمئنه 

"يغور في داهية بقا بعيد عننا.. هو مش خلاص عِرف عمه الحيوان ده فين"

"هيغور.. ولو مغارش أنا هاعرف ابعده ازاي" آخذ شهيقاً ثم أطلقه في زفرة طويلة "أنت عرفت زينة بعد ما كلمتك قالتلك هتسيبه ولا لأ؟"

"فضلت تقول لا أنا هاتجوز أروى ولا هي هتتجوز شهاب وفضلت تعيط وتقول أنا غلطت.." أخبره متنهداً في حيرة

"ماشي.. أنا كده كده مش هاسيبها تغيب عن عيني ونستنى يومين ونشوف ايه اللي هيحصل!!"

"لما نشوف آخرة جنان زينة هانم ايه.. أنا خلاص جبت آخري منها!" حدثه بإستنكار 

"جبت آخرك!! لا واضح.. يا عالم كنت بتهبب معاها ايه من شوية!" رمقه بنظرة مُحذرة في توبيخ لاذع 

"يا عمي وربنا لأتجوزها.. خف عليا بقا شوية"

"اخف عليك!!" نظر له نظرة ثاقبة وكأنما تُجرده من كل ما يحاول أن يتخفى ورائه "ده أنا هاديك بالجزمة يا ابن الكلب لو قربتلها تاني قبل الجواز.. قوم ياض غور نام عشان تخلصني من حوار الشركة ده بسرعة

"حاضر يا عم .. تصبح على خير"

"وأنت من أهله يا حيلتها!"

 

 

 

 --

 

بعد مرور أيام..

"مش عارفة يا فيروز.. يعني بعد كل اللي حكيتلك عليه ده أنا مستغربة أوي.. أنا مش بشوفه ولا بكلمه.. بقول يمكن يكون مشغول في الشغل علشان هيستقيل وكده.. بس من يوم ما قولتله كل حاجة وهو مقاليش أي حاجة تثبت أنه بيحبني أو أنه هيسيب أروى.. بالعكس شايفة صور على الفيسبوك والواتساب وخروج ومبسوطين.. أنا خايفة اوي" حدثتها بنبرة أمتلئت بالحيرة الشديدة 

"أكيد هتعرفي كل حاجة.. مش بتقولي خطوبة أخته اهى خلاص بكرة؟"

"آه"

"يبقا أكيد هتشوفيه وهتقدري تتكلمي معاه.. ممكن يكون بيتهرب لسه منك، أو يكون بيحاول يفسخ خطوبته بهدوء مع أروى

"بس اللي شايفاه بيقول غير كده خالص!" تنهدت في حُزن 

"طب وأنتي عملتي ايه مع شهاب؟" سألتها لتستمع لزفرة طويلة على طرف الهاتف 

"شهاب ده حكايته حكاية.. أنا مش عارفة أقوله ايه وكمان لسه عمو كرم ميت والمفروض أكون جنبه"

"هو مبيكلمكيش خالص؟!" 

"أتصل كده مرتين بس مقدرتش أرد

"لازم تحددي موقفك معاه.. وممكن سليم يكون مستني يشوف هتعملي ايه.. يعني فعلاً أنتي بتحبيه بجد ولا لأ؟

"مش عارفة.. أنا متلخبطة أوي، وحاسة إنـ.." توقفت لترى من المتصل على الطرف الآخر لتجده شهاب "طيب يا فيروز هكلمك تاني.. شهاب أهو بيكلمني" أخبرتها بإرتباك 

"طيب اهدي كده واتكلمي عادي.. أنتي من حقك تفسخي الخطوبة.. ومن حقك تكملي.. والأختيار اختيارك"

"أوك.. هكلمك تاني.. باي"

"آلو" أجابته بنبرة مهتزة

"أنا عارف إنه break، بس مش لدرجة يعني إنك حتى متسأليش عليا" حدثها وهو يحاول معرفة ما أن تحدثت لسليم وأخبرته عما فعلته أروى معها 

"أنا آسفة بس بجد يا شهاب أنا عارفة إني مقصرة بس حاسة إني أتسرعت أوي.. ومحتاجة وقت أبعد شوية

"حبيبتي خدي وقتك براحتك.. أنا بس بكلمك علشان أتطمن عليكي مش أكتر.. أنتي كويسة يا زينة؟" ادعى الإكتراث الزائف بحرفية شديدة بنبرته الرجولية 

"أنا تمام.. أنت اللي كويس؟" سألته بإهتمام صادق

"أنا كويس متقلقيش عليا.. وأنتي؟ فيه خناقات تاني وماما وسليم وأروى ولا الدنيا ماشية كويس؟ طمنيني عليكي.." حاول إبداء المزيد من الإكتراث لتقع زينة بالحيرة أكثر فهي لا تستطيع أن تُخبره أنها ذهبت لسليم لتصرح له بعشقها

"كله تمام والدنيا هادية" تنهدت وهي تُخفي الأمر ولم تقوى على الإعتراف بشيء له ليسود الصمت "أنت جاي بكرة الخطوبة مش كده"

"أكيد يا حبيبتي وبالمرة أشوفك وأطمن عليكي.."

"أوك هستناك.." تريثت لبرهة وهي تشعر بعد الراحة لحديثها معه وهي تشعر بشعور الخيانة لما بدر بينها وبين سليم تلك الليلة من يومان "معلش طنط نور بتندهني.. هكلمك تاني.. باي" أنهت المكالمة ثم فكرت أن عليها غداً أن تُنهي الأمر معه عندما تراه..

 

 --

 

"حلو بجد يا مامي؟" سألت سيدرا بعدم ثقة وتردد وهي تنظر لفستانها 

"زي القمر يا روح مامي.. كبرتي يا سيدو وبقيتي عروسة جميلة.. عجزيني بقا وحسيسيني اني كبرت" ابتسمت لها في حنان

"لا يا مامي انتي لسه زي القمر.. أنا كبرت بس انتي لسه جميلة زي ما انتي" ابتسمت لها بإقتضاب لتلاحظ نورسين حُزنها

"مالك يا حبيبتي؟ فيه حاجة مضيقاكي؟" سألتها في هدوء وهي تتفحصها بإهتمام

"أنا خايفة أوي يا مامي لعمتو تيجي وتعمل مشاكل تاني بكرة ساعة الخطوبة.. وبعدين أنا حاسة إن قاعدة في البيت ده مش فاهمة حاجة.. كل شوية خناق وزعيق وسولي كل شوية يختفي وبقيت حاسة اننا مبقيناش قريبين زي الأول.." تحدثت في حُزن لتجلس بجانب والدتها

"حبيبتي سليم مشغول جداً.. وكمان مش أنتي عارفة انه بيحب زينة من زمان؟" سألتها لتومأ لها بالموافقة لتتلمس نورسين أسفل ذقنها بأناملها في رفق "طب ما زينة راحت اتخطبت وهو مضايق علشانها اوي"

"طيب ما هو راح خطب أروى!! أنا مش فاهمة ازاي يعني كل ده بيحصل.. من امتى سليم وهو بيفكر في أروى أصلاً"

"طب ايه رأيك تستنيه النهاردة وتقعدوا كده سوا وتدردشوا شوية سوا وتفهمي منه كل حاجة" عانقتها وهي تربت على شعرها في حنان لتهمس لها "سليم محتاجك يا سيدو.. اقعدي وخليه يفضفضلك شوية.. أنتي عارفة سليم بيحبك قد ايه.." 

"حاضر يا مامي" بادلتها العناق وهي تشعر بالاشتياق الشديد لأخيها!!

 --

"خلاص بقيت عريس وبكرة تسيبني وتروح تقعد مع بدر!" حدثته شاهندة وهي تنظر له بعنتين دامعتين 

"أكيد يا شاهي يا مُزة مش هاسيبك.. يومين عند خالو ويومين عندك وهنقضيها.."

"يا واد يا كداب.. أنت حطيت عينك عليها عشان أكل نورسين" حدثته في حنق وقد شعرت بالحزن بالرغم من سعادتها 

"يا شاهي أنتي ليه بتتكلمي كده كأني هتجوز بكرة.. دي خطوبة يعني وهاروح معاكي"

"خطوبة.. ده أنت ما هتصدق إنك تلزق في بيت بدر الدين وتسيبني هنا" تمتمت بملامح عابسة 

"ده أنتي اللي ما هتصدقي تيجي معايا كل شوية.. ده أنتي بتموتي فيهم كلهم أصلاً" أخبرها وهو ينظر لها بإبتسامة لتبادله 

"بصراحة!! أنت عندك حق" ضحكا سوياً ليقترب منها راكعاً أمامها مُقبلاً جبينها ثم كلتا يديها 

"وبصراحة عمري ما هانسى انك خلصتيلي الموضوع!! ده أنا كنت مرعوب من خالو"

"عشان تعرف جدعنة أمك! أي خدمة يا عم" غمزت له في مزاح "مبسوط؟!" سألته ليبتسم لها بصدق وأومأ لها لتعبث في شعره بيدها ثم حاوطت وجه بين كفيها

"أوي.."

"ربنا يسعدك يا حبيبي.." ابتسمت له "بس خد بالك.. لازم تحافظ على مذاكرتك والدراسة علشان أول ما تخلص تقدر تشتغل وتتجوزها على طول

"متقلقيش يا ست الكل.. هاموت نفسي كمان عشان خاطرها" ابتسم لها بنبرة واثقة ثم قبل يديها مرة أخرى "قومي بقا أعمليلي أكل والنبي احسن جعان"

"يا ابني انت مبتبطلش!" توسعت عيناها وهي تنظر له بجدية

"نفسي مفتوحة يا شاهي!! الله بقا!! ده أنتي حتة هتغرفي بس"

"روح يا أخويا أعمل لنفسك"

"ماشي.. خليكي كده شريرة معايا.. مش هنسهالك"

"امشي يالا من هنا" أخبرته بإماءه لتُلقى الوسادة خلفه وهو يغادر غرفته..

 --

"أسما.. ممكن أدخل؟" حدثها بعدما طرق باب غرفتها

"آه اتفضل يا إياد.." فتحت له الباب لينظر لها في إشتياق 

"بصراحة أنا مش عارف أقولك ايه.. بس بجد شكراً" همس لها بإبتسامة وملامحه بأكملها فخورة بها لتبادله الإبتسامة ولكنها رمقته بعنتين مستفسرتين وبدا عدم إدراك كلماته واضحاً على ملامحها ليتابع حديثه كي يخلصها من حالة الحيرة تلك "زينة لسه قافلة معايا من شوية.. يعني بتضحك وبتهزر وبتكلمني عادي ولا كأن فيه زعل ما بيننا.. أنا عارف إنك ساعدتيها كتير الفترة اللي فاتت وكمان عرفتيها على فيروز.. شكراً يا حبيبتي" همس بكلمته الأخيرة لتتوسع ابتسامتها وتوردت وجنتيها

"أنا معملتش حاجة.. زينة كمان طيبة أوي وأكيد زعلكوا مكنش هيطول"

"أنتي جميلة أوي يا أسما.. كلك على بعضك بتفكيرك بطريقتك بروحك الحلوة بتخليني دايماً فخور إني بحبك" أخبرها ليتورد وجهها بالكامل ولم تجد الكلمات المناسبة لتبادله الحديث

"أنت كمان يا إياد طيب وحنين أوي.. وأنا كمان بحبك" همست في بطئ شديد لتتهلل ملامحه بما سمعه يغادر شفتيها وبرقت مقلتيه بالمزيد من العشق الجارف تجاهها ليقترب منها حتى انعدمت المسافة لترتبك هي ثم صاحت في توتر "إياد.. الباب مفتوح و.." أوقفها عن الحديث عندما قبل جبهتها في رفق ثم ابتعد عنها ليجد تلك النيران التي سيطرت على وجهها الذي أصبح كقطعة من الجمر

"بحبك.." همس لها بإبتسامة ثم قبل يديها وابتعد قليلاً كي لا يلاحظ أحد إقترابهما الشديد ثم اتجه ليغادر مخبراً اياها "أعملي حسابك بكرة هتروحي معايا الخطوبة.. ولا بابا ولا ماما.. أخت العريس أنا اللي هوصلها بنفسي.." 

نظرت بإتجاه الباب حتى غادر وقد هدأت للتو خفقات قلبها التي ارتبكت منذ قليل واتجهت لتوصد الباب خلفه وهي تشعر بالسعادة الشديدة ولأول مرة يذهب تفكيرها بأن توافق على أخذ خطوة جدية رسمية تجمعها بإياد أمام الجميع..

 --

"يا مامي أنتي كده بوظتي كل حاجة" صاحت أروى بوالدتها في عصبية

"ولا بوظت ولا مبوظتش.. احسن اننا هنرتاح منه هو وابنه

"بس انا اتخطبت أنا وهو خلاص.. معندكيش فكرة بقينا كويسين مع بعض ازاي.. يا مامي مينفعش سليم هيسيب الشركات بجد ومش هـ.."

"بقولك ايه مش حتة خطوبة تافهة هتخليه يبيع ويشتري فينا" قاطعتها بحدة لتشعر أروى بمزيد من الغضب "سيبيه وأمسكي انتي الشركة وعندك أخواتك جنبك يساعدوكي"

"أسيبه!! لا طبعاً مش هاسيبه.. أستحالة" صرخت بغضب "يا مامي أنا بحبه"

"بتحبيه!!" صاحت في دهشة بإستهزاء "ده من امتى إن شاء الله؟"

"سليم يا ماما اتغير معايا وبقيت أحس وأنا معاه إني مبسوطة بجد.. يمكن في الأول الموضوع كان مختلف بس في الفترة الأخيرة كل حاجة اتغيرت ما بيني وبينه"

"لا ده أنتي شكلك كمان اتجننتي وأنا اللي بقول عليكي واعية وذكية.." حدثتها بإستنكار ولهجة حادة "بصي تحبيه ولا تتجوزيه أنتي حرة.. بس إياكي أعرف أنه هوب تاني هو ولا أبوه من الشركات.. سامعة!!" أخبرتها في غضب ثم رمقتها في إنزعاج وتركتها خلفها بغرفتها لتشعر أروى وكأنما كادت أن تحترق بنيران الغيظ الشديد 

"أنا غلطانة إني كنت بسمع كلامك من الأول وبحايل فيكي.. فكرك واحد أهبل زي عاصم هينفع، ولا إياد اللي من غير سليم ممكن يوقع أصلاً.. ولا زينة التافهة دي فاكراها بتاعة شغل.. ولا مثلاً هتجيبي آسر من أمريكا وخالو زياد مبيستغناش عنه!! قال إخواتي قال.. دول متخلفين ومش بعيد يخربوا كل حاجة" حدثت مفسها وأنفاسها المتسارعة في غضب تتعالى ولم يثنيها عن تفكيرها سوى هاتفها الذي صدح بالرنين فأجابته دون أن ترى المتصل 

"آلو.."

"شكلك نسيتي معادنا وأتأخرتي.. فقولت لما أجيلك بنفسي.." ابتسم نصف ابتسامة لم تلامس عيناه "أنزلي تحت أنا مستنيكي قدام البيت.. ومتنسيش تجيبي اللي ليا عندك يا أروى" حدثها شهاب بنبرة مُحذرة لتطلق زفرة تآفف 

"وأنا كنت ناقصاك أنت كمان" تمتمت بعقلها ثم وضعت هاتفها بجيب سترتها غير الرسمية وتوجهت حتى تذهب لرؤيته!


..يُتبع