-->

الفصل الثامن والثلاثون والأخير - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل

 

 

الفصل الثامن والثلاثون والأخير

 

تململ في فراشه وهو لا يدري من هذا اللعين الذي يطرق بابه، فهو للتو أستطاع أن ينام في راحة من كل ما فعله ليلة أمس.. نهض بخطوات متهادية وآثار النُعاس ظهرت عليه بوضوح وهو يُقسم أن هذا الطارق سيذيقه أشد العذاب إن لم ينصرف قبل أن يفتح له..

"نمت كويس شكلك" ابتسم له بدر الدين ليكشر عن أنيابه في شر وهو قد قرر أنه لن يرأف به اليوم 

"ياااه يا بدر بيه.." تنهد في راحة شديدة "معندكش فكرة.. عقبالك زيي" 

"مش قولتلك إن أنا مش وسخ؟!" رمقه بنظرة جانبية وهو يدلف منزله ليضيف "زيك!" 

"ويا ترى ايه سبب الزيارة الهباب دي على الصبح؟" سأله شهاب ولم يعد يكترث ما إن تحدث له بأسلوب لائق أم لا

"هباب.. أنا هوريك الهباب.." تمتم مبتسماً ابتسامة جانبية ثم جلس على احدى الرائك بمنتهى الأريحية وأضعاً ساقاً فوق الأخرى بجلسة ثقة ورجولية شديدة 

"بيقولك في واحد *** مسمينه مجهول، راح بلغ عننا.. قال ايه!! بنتاجر في السلاح.. المهم.. الـ *** ده ميعرفش إننا ممكن ندمره بس لو فكر يأذينا.. عامل نفسه ذكي وناصح.. وهو ميعرفش هو بيعمل ايه.. عموماً عيل وغلط" حدثه بتلك الكلمات التي دست الحقيقة بسخريته "أنا متأكد إنك عارفه وعارف إنه *** وخد ابقا اديله دي هتعجبه باللي فيها.." ألقى له ذاكرة محمولة ليُمسك بها شهاب مسرعاً في تلقائية بينما نهض "معلش بقا يا شهاب كان نفسي أطول أكتر من كده بس مشاغل بقا أهم من واحد تافه زيك!" أخبره وهو يتجه للخارج ليقهقه شهاب

"تافه!!" تمتم ساخراً "مشكلتك يا بدر بيه إنك مش عارف أنت بتتعامل مع مين!" تحدث في زهو ليضحك بدر الدين بخفوت وبحة رجولية غادرت حلقه لتسقط على مسامع شهاب متسببة له في استفزاز شديد 

"مشكلتك أنت يا شهاب إنك لسه صغير وفاكر إنك تقدر على كل حاجة.. ناصح آه وشاطر وذكي بس صغير.. لسه قدامك كتير أوي.. على ما تعرف يعني ايه عيلة وحب وعشرة وناس تخاف عليها لا يعدي جنبها شوية هوا تضايقها.. لما تكبر زيي وتعقل من اللي أنت فيه ساعتها هابقا عارف أنا بتعامل مع مين كويس.." ابتسم له في تهكم بينما أزعجت كلماته مسامع شهاب

"صغير!! لو أنا صغير ابنك يبقا ايه يا بدر بيه!! لو أنا صغير مكنتوش وقعتو الوقعة دي.." 

"لا صغير.. وابني موقعش.. عشان وراه ضهر عمر ما هايكون عندك زيه" نظر ببنتيه بسوداوتيه الثاقبتين محذراً "لما تتفرج هتعرف إنك صغير اوي كمان.."

"وأنت فاكر واحد زيك هيكبرني ولا يبقا ضهري؟" أطلق زفرة مصحوبة ببحته في تهكم

"بكرة تعرف أنا مين كويس، بدر الدين الخولي اللي طول ما أنت كويس معاه يشيلك على راسه، بس يوم ما تلعب بديلك هيديك على راسك.. ومش بعيد يموتك.." نظر له في تحذير بثاقبتيه "تعرف يا شهاب.. أنت كويس أوي، بس ماشي في طريق آخرته وحشة.. مش بعيد تتجنن، اللي أنت فيه ده عمره ما كان بيريح، بالعكس بيوجع أكتر.. فاكر إنه الحل بس ده بيدمر مش بيحل.. في يوم من الأيام هتفهم كلامي.. بس ياريت تلحق نفسك علشان عمر ما القسوة والإفترا كانوا حل" عقد شهاب حاجباه مُبتلعاً في إنزعاج من تلك الكلمات ولم يستطع أن يجاريه بمبارة التهكم والسخرية ليبتسم له بدر الدين بإقتضاب ثم ألتفت ليغادر ثم صاح بطريقه "متنساش صحيح.. ابقا قول للمجهول إن قدامه أربعة وعشرين ساعة.. لو مجابش دليل وسحب البلاغ عرفه إنه هيتفضح.. وابقا عرفه كويس إن بدر الدين مبيتهددش وآه نسيت أقولك" التفت من على مسافة ليست بالبعيدة "الفيديو اللي كان مع أروى بقا معايا.. أظن ده دليل حلو أهو!" أخبره غامزاً ثم التفت وتركه ليشعر شهاب وكأنه قارب على الإنفجار! 

 

 

--

 

 

"خلاص.. ارتاحتي!! دمرتي ولادك كلهم يا هديل!!" حدثها زياد أخيها وملامحه تُعبر عن الجنون التام من كثرة غضبه الذي تفاقم بداخله عندما علم أن أروى سقطت من أعلى الجسر 

"هو بقا ناقص العيل الصغير يديني في حكم ومواعظ واني مش عارفة أربي.. يال.. قول مين زقك، شاهندة ولا بدر الدين!!" حدثته بعنجتها التي تتأبى تصديق إجرامها نحو أبنائها 

"عارفة.. عارفة احنا بنحاول نخبي عليكي ايه من امبارح؟! زينة اتقبض عليها.. وكالعادة أروى حبيبة هديل اتهمتها وقالت عملت حاجة غلط.. عارفة سليم عمل فيها ايه؟! كسرها قدام نفس الناس اللي خطبها قدامهم.. عارفة سليم عمل ايه كمان؟ راح هو بدالها وأثبت إن عمرها ما كان ليها علاقة بالكلام ده واتحمل المسئولية مع إنها غلطت بنتك اللي كبرت وهي مش فاهمة الصح من الغلط.. عرفتي إياد كان محروق أوي ليه؟! عشان أخواته البنات الأتنين واحدة بيتلعب عليها وهي مش فاهمة حاجة من كتر إهمالك ليها وغلبانة، والتانية طلعت نسخة أوسخ من أمها.. عارفة أنا بقالي سنين بطبطب على آسر وهو بيعيطلي على حاله وحال إخواته من اللي بتعمليه فيهم وإنه على قد ما نفسه يعيش معاهم على قد ما مش هيقدر يتعامل مع أسلوبك.. لما راجل كبير زيه يبقا مرعوب يرجع وسط حضن أخواته وأهله بسبب مشاكل أمه، تبقا أمه دي ايه؟ ده أنتي لعنة يا شيخة.. ده حتى أكتر واحد فيهم مبيتكلمش بتفضلي تشخطي وتنطري فيه وبتقنعيه بكلامك السم اللي شبهك!! عاصم اللي طول عمره كان أطيب ولادك خلتيه واحد هربان من الكل وملوش كلمة وشخصيته ضعيفة!! 

ياما الكل نصحك إنما أنتي لعنة.. لعنة ومتستحقيش ضافر واحد من ولادك.. عارفة أروى امبارح خرجت ومعرفناش عنها حاجة؟! خرجت مكسورة من كلام سليم اللي فوقها واتهزأت قدام الناس.. الله أعلم راحت فين عشان توصل للي وصلتله.. أنتي السبب!! بدل ما تاخديها تطبطبي عليها كبرتي فيها حب الطمع والحقد وأنها أحسن من أخواتها لدرجة إنها فرقت بين سليم وزينة وأستكترت على أختها الفرحة.. أنا مش نايم يا هديل على وداني وأنا بعيد.. أنا بيوصلي كل اللي أنتي بتعمليه.. وأفتكري إني أنا اللي وقفت لوفاء زمان.. وكنت هاقفلك يا هديل.. بس اللي هتعرفيه مني كفاية أوي عليكي.. 

بنتك يا هانم يا ناصحة ياللي فايقة لمخططات بدر الدين يا سيدة الأعمال الشاطرة بين الحياة والموت في المستشفى.. تصدقي إن الكل راح يجري يشوف مالها لما الخبر جه، ومحدش حتى فكر يبص في وشك علشان يقولك!! شوفي لما الأم تكون آخر من يعلم يوم ما حد من ولادها يجراله حاجة تبقا ايه؟! متنسيش بقا تقولي إن ده كمان مخطط وغسيل مخ.. أنتي!! أنتي تستاهلي تكوني مكانها مش هي.. تستاهلي إن ربنا يجازيكي بعد كل اللي عملتيه في ولادك.. بس أرجع وأقولك يمكن دي الحاجة الوحيدة اللي تفوقك! أنتي اللي زيك خسارة الواحد يضيع وقته ومجهوده في الكلام معاكي.. لازم من وقت للتاني قلم يفوقك!! علله القلم ده يفوقك يا هديل!!" 

زفر في حرقة لاهثاً وهو يرمقها بإحتقار ليتركها خلفه وحدها في تلك الصدمة الشديدة التي أعترتها ولم تستطع سوى بصعوبة شديدة أن تنهض كي تذهب لترى أروى.. 

 

 

--

تنفس سريعاً بمنتهى الغضب والغيظ ولم يضع في حسبانه أنه قد يتم الإيقاع به بتلك السهولة الشديدة.. ولكن كيف وصل بدر الدين لكل تلك التسجيلات المُصورة مع الفتيات؟ كيف وجد تلك المعلومات عن كل صفقاته المشبوهة؟ أيُمكن أنه قد أخبر محامي والعديد من الناس أم أن بدر الدين وحده هو من يعلم بحقيقته الشنيعة؟!

لا.. لن يكون التخلص من بدر الدين فكرة صائبة.. بل الإنتقام هو الصائب.. ولكن هل يفعلها ويقوم بفضح حقيقته وحقيقة ما عليه للعيان أمام الدنيا بأكملها؟

إذا وصلت تلك المعلومات التي يحتفظ بها عن كل موارد الأسلحة التي كان يتاجر بها سيُقتل لا محالة.. إما سيُعدم بحكم القانون، وإمّا كل من عمل معهم سيقتلونه.. هؤلاء القوم لا يمزحون.. وحتى إذا وصل الأمر للقضاء فأقل ما سيُحكم به عليه هو السجن المؤبد طوال حياته.. تلك ليست الحياة التي أختارها ولن يخسر نفسه بتلك السهولة بالنهاية..

نهض وهو يُفكر، كيف له أن يُخلص سليم من تلك القضية دون أن تظهر له عقبة جديدة في طريقه؟! يجب أن يكون الدليل الذي يأتي به بعيداً كل البعد عنه.. يعلم أنه سيأتي دوره كي يُشارك في التحقيقات وقد حفظ عن ظهر قلب كيف سيتملص من معرفته بوليد.. فهو رجل أعمال ناجح والعديد يود أن يشاركه والكثير كل يوم يعرض عليه المشاريع الإستثمارية طمعاً بأسمه وشهرته وكي يحققون مكاسب مالية على حسابه لا تُعد ولا تُحصى.. رجل مثله قد ينسى الكثيرون ممن يحاولون البدأ معه بعمل.. سيقتنع الجميع أمام تلك الكلمات وحتى لو وجد دليل فهو كان دائماً لا يُقابل وليد في المكان نفسه أكثر من مرتين!!

زفر في غلٍ من كل ما يحدث له ثم توجه لحاسوبه حيث كل المعلومات عن وليد ليرسم خطة جديدة في أقل من أربعة وعشرين ساعة حتى يبدو وكأن وليد هو الوحيد من فعلها.. لقد خطط من قبل أن وليد لابد وأن تنتهي حياته.. ينتظر خبر القضاء عليه في أي وقتٍ الآن.. كل ما عليه أن يسلط كامل تركيزه الآن أن يورط وليد أكثر ليكون أمام الجميع هو المتهم الوحيد!!

--

 

آتت تهرول بالمشفى بالقرب من قسم العناية المُركزة وهي تتلهف لمعرفة ما الذي حدث لإبنتها وكلما أقتربت حتى بدأت في رؤية العديد ممن تعرفهم.. شاهندة، زوجها، أولادها.. نورسين وابنتها.. أولادها الأربعة يلتفون حول ما يبدو أنه الطبيب ليقف بوسطهم بدر الدين الذي ينظر للرجل بإهتمام عاقداً حاجبيه 

"آثار الإغتصاب واضحة بس ملقيناش أي دليل لسائل منوي أو بصمات.. للأسف مش هنعرف مين اللي عمل كده فيها غير لما هي تفوق وتتكلم.. ومحدش يقدر يأكد امتى هتفوق.. "

"يعني يا دكتور مفيش أي حاجة تقدر تطمنا بيها وتقولنا هتتحسن ولا لأ؟" حدثه بدر الدين سائلاً بعناية وملامحه قد ظهر عليها التأثر الشديد

"الحادثة كانت صعبة جداً ومكنتش سهلة.. يمكن بس الحاجة الوحيدة اللي ساعدت هو إن العربية وقعت مكان مشروع جديد وكان فيه رمل والمكان واسع.. لكن الخبطات اللي أخدتها على الكوبري والوقعة من مسافة بالعربية ممكن تكون سببتلها مشاكل كتير.. مؤشراتها الحيوية طبيعية لكن الغيبوبة دي ممكن تستمر كتير أو متستمرش.. دي حاجة في ايد ربنا" أومأ له ليلتفت الجميع على صراخ هديل الهيستري 

"بنتي.. بنتي ايه اللي حصلها؟ فيها ايه؟ جرالها ايه؟ يعني ايه مش هتفوق؟ غيبوبة ايه دي فهموني" تواترت الدمعات من عيناها كالشلالات وهي تصرخ بالطبيب ثم نظرت لكل من حولها "يعني ايه يا بدر مش هتفوق؟ يعني أروى هتفضل كده؟" سألته في صدمة وبكائها لم يتوقف "أختكوا ايه اللي جرالها فهموني؟ مين عمل فيها كل ده؟" صرخت بهم في توسل "شاهندة أنتي تعرفي حاجة ومش عايزين تقولوها قدامي؟" نظرت له في توسل وأخذ صوتها يتحول من الصراخ اللاذع إلي الوهن الشديد الممتزج بتلك الحُرقة المريعة على ابنتها "طب يا زياد أنت جيت كلمتني.. أنتو عاملين حركة علشان تثبتولي إني غلط مش كده؟!" توجهت لزياد الذي لا يدري أينظر لها في شفقة أم ينظر لها بكراهية، أم ماذا عليه أن يفعل "ما حد يرد عليا.. أنتو ساكتين ليه؟" صرخت في الجميع وأخذت تبكي وشهقاتها لا تتوقف ليتوجه نحوها بدر الدين معانقاً اياها 

"أهدي يا هديل.. هتقوم وهتكون كويسة إن شاء الله" ربت على ظهرها ليتعالى بُكائها في هيسترية

"أنا السبب يا بدر.. أنا السبب في كل ده" تحدثت بين بكائها وصدمتها بكل ما آل به الحال وتعالى ارتجافها على اثر بكائها الشديد "أنا اللي عملت فيها كده" انهارت بين يداه لتقع مغشياً عليها ليُمسك بها بدر الدين مسرعاً قبل أن يُلامس جسدهاالأرض ليحملها بنفسه وتوجه زياد ليبحث عن المساعدة بينما نظر لها البعض بشفقة وأولادها رغماً عنهم قد انسابت دموعهم وكل واحداً منهم يواجه آلمه الخاص به من كل ما يشعر به بسبب الموقف..

--

بعد مرور ثلاثة أشهر..

"بتعملوا ايه!!" صاحت نورسين وهي تتلمس كتف بدر الدين ليلتف ناظراً لها وهو جالساً بصحبة فيروز بحديقة منزله 

"كنت بشكر فيروز قد ايه ساعدت زينة ووقفت جنبها ولولا مساعدتها ليها مكنتش بقت كويسة" أخبرها لتجلس بالقرب من فيروز

"شكراً يا حبيبتي بجد.. أحنا محظوظين إننا عرفناكي"

"العفو.. أنا معملتش حاجة .. هي بس زينة كانت عايزة شوية هدوء واحتواء مش أكتر من كده"

"بس مزعلاني منها!!" تحدث بدر الدين متصنعاً التأثر "مش عايزة تديني رد في موضوع شهاب ده خالص مع انها شاطرة والكل عارف ده"

"يا عمو أنا قولت لحضرتك.. أنا متعاملتش معاه، وكل اللي شوفته في الفيديوهات واللي حكيتهولي يثبت إنه شخصية عنيفة جداً بس مش هاقدر أحكم من غير ما أتعامل معاه.. ولازم هو بنفسه اللي يحكيلي ايه اللي حصله ويتناقش معايا كتير علشان أفهمه.. لكن مش هاقدر أقولك أسباب من وأنا بعيد كده" زفر بدر الدين لتربت نورسين على كتفيها 

"طب ما تحاولي معاه!!" أخبرتها نورسين لتعقد فيروز حاجبيها في استفسار قد قرأته نورسين في سهولة "ما تحاولي تعرفي عنه أكتر.. حاولي تعرفيه.. حاولي تقربي منه.. ولو محتاج مساعدة مثلاً تساعديه.. ليه لأ؟"

"أنا يا طنط للأسف بحاول أخد فترة أجازة.. للأسف مش هاقدر أقبل أي حالات دلوقتي علشان أنا لسه مش كويسة بعد اللي حصل" شردت في حزن 

"بس أنتي بإيدك تساعدينا يا فيروز.. شهاب ده مجرم!! وهينتقم من بعد كل اللي عملناه فيه.. ممكن الإنتقام يجي في أولادي أو في أولاد أخواتي.. هو شخصية إنتقامية وده كان باين من كل كلامه معايا.. أرجوكي ساعدينا.. وأنتي كمان لو رجعتي للشغل هتقدري تتغلبي على اللي حصل.. مش هقولك هتنسيه بس على الأقل هتقدري تعيشي وأنتي متقبلة اللي حصل.. ده قدر يا فيروز!" حدثها بجدية لتشتد يدي نورسين على كتفيها في دعم لتلتفت لها بعد أن نظرت إلي بدر الدين وهو يتحدث

"أنا أسما حكيتلي قد ايه أنتي شاطرة وبتحبي الشخصيات الصعبة اللي بتحسي في الآخر إنك غيرتي من حالتهم.. ليه لأ؟ مش عايزة تشوفي نفسك ناجحة تاني؟" أخبرتها لتتضارب الأفكار بعقلها لتستمع لبدر الدين فالتفتت له

"لا لا.. هي بتتقل علينا.. هي مش عايزة تبعدعني وعن قاعدتي الحلوة"

"يا عم أسكت بقا.. قال يعني هي قاعدة هنا علشانك.. دي جاية علشان زينة" صاحت له بنبرة محتدة في غيرة قد قرآها بدر الدين لتنظر لها فيروز في تعجب ليعدو هو للتحدث من جديد فالتفتت له لتنظر له 

"ايوة.. شغلي الغيرة بقا.. فيها ايه يعني أما تحب تقعد مع واحد قمر زيي" تحدث في زهو 

"قمر!! أمر بالستر يا أخويا" نهضت لتضع يدها بخصرها لتتوسع عينا فيروز في تعجب فمن كان ليُصدق أن تلك المرأة اللطيفة تتحدث لزوجها هكذا 

"أنتي بس اللي هتموتي من الغيرة عليا.. دي قد ابني.. دماغك متروحش لبعيد" ضيق عيناه في مكر ليقف هو الآخر أمامها وأقترب منها لتنظر لهم فيروز في غير تصديق 

"ما أنت خلاص مبقتش مضمون.. كل ساعة والتانية تقولي ميرال.. غادة.. فيروز.. فريدة.. ومبقاش همك حد.." صاحت به لتبتسم فيروز بإقتضاب 

"غادة مين؟!" تحدثت سائلة في همس بينما لم ينظر لها أياً منهما واشتد جدالهما 

"وهما كل دول ليه؟ مش علشان أعرف الزفت ده ممكن يعمل في حد مننا ايه؟ ولا هتتبسطي لما يحاول ينتقم من أي حد فينا؟"

"وهو بقا أنت مش هتعرف غير بلمة البنات حواليك"

"أعقلي يا نورسين مش هنتخانق قدام فيروز"

"طيب خلاص يا جماعة اهـ.."

"اسكتي أنتي كمان" قاطعتها في عصبية لتعود بزرقاوتيها اللاتي ينهال منها شرارات الغضب "أتلم يا بدر الدين.. أوعى تفتكر إني كبرت وتعرف تضحك عليا بكلمتين"

"أنتي مجنونة!! بقولك أنا بحاول أبعد شهاب بدل ما يبهدلنا تقوليلي أتلم!!"

"ماليش أنا دعوة بشهاب.. ليا دعوة بجوزي اللي فرحان بلمة البنات حواليه"

"يا جماعة خلاص" صرخت بهما فيروز لينظر كلاهما لها 

"عاجبك كده؟! قولتلك ساعدينا من الأول مرضتيش.. شكلك كده هتيجي تساعديني بعد ما أطلقها وأكتئب!" رمق نورسين بنظرة جانبية متصنعاً الغضب

"طلاق يا بدر الدين.. هي وصلت لكده؟" تصنعت التأثر

"خلاص يا طنط اهدي.. هو بس ميقصدش حاجة.. هو كان بيكلمني علشان بساعد زينة وعايزني أساعد شهاب.. وميرال دي اللي كانت على علاقة بشهاب.. وفريدة تبقا أختي وقد أسما" 

"ماليش أنا دعوة بكل الكلام ده.. أسمع يا بدر الدين.. لو قربت من واحدة فيهم تاني يبقا كلامك صح.. ابقا روح لفيروز بقا بعد الطلاق" 

"مش قولتلك لازم تساعدينا!!" نظر لها بدر الدين لتتصنع نورسين الحزن وكادت أن تُغادر 

"استني بس يا طنط" أوقفتها لتتصنع نورسين البكاء "خلاص عمو مش هيشوف حد.. وأنا هحاول أساعد على قد ما أقدر" ابتلعت لعابها وهي تحاول أن تلطف من الجو بينهما

"كان لازم يعني توصلينا لكده" أرادها بدر الدين أن تشعر بالذنب "حقك عليا يا حبيبتي.. متزعليش.. دول كلهم زي سيدرا بنتي" أخبرها وهو يتوجه نحوها لترتمي نورسين بين ذراعيه وأنتحبت ببكاء كاذب

"بقا كده يا بدر تقول هتطلقني.. مبقتش تحبني"

"وأنا أقدر بردو" أزاد من قوة احتضانها له لينظر بثاقبتيه لفيروز التي شعرت بالإحراج وغادرتهما مسرعة لتذهب لتنضم للجميع 

"تفتكر دخلت عليها؟!" همست له نورسين

"مش عارف.. بس نحاول تاني وماله" اجابها لتغمز له بينما أبتسم هو لها ليُقبل جبهتها وتوجها حيث الجميع..

--

 

أمسك بجانب وجهها مخللاً شعرها ليلمحها وهي تلهث كالخارجة من سباق ووصدت عينيها في نشوة شديدة من كل تلك الأفعال التي لا يرأف سليم عليها بها وأستند بجبينه على جبهتها وهو يلهث هو الآخر ليستمتع بذلك الإقتراب منها الذي لم يعد يطيقه أكثر من ذلك..

"سليم.." همست بأنفاس متلاحقة

"يا قلب سليم" اجابها وهو لا يزال يستند بجبهته على جبهتها

"بردو مش هتقولي ليه عملت كده؟!" همست وقد أستعادت توازنها قليلاً بعد تلك المُداعبات التي أيقظت شهوتها 

"لا مش هاقولك.."

"تصدق إنك رخم!!" صاحت له ثم دفعته بيديها بينما لم يُحرك ساكناً

"دلوقتي بنزق وبنفتري.. إنما من شوية كنا عمالين نقول كفاية يا سليم.. براحة يا سليم.. مش قادرة يا سليم" همس لها في خبث وهو يُقلد نبرتها لتنظر له في غضب وخجل بآن واحد 

"عشان أنا كل ما باجي أكلمك في حاجة مهمة تقلب الموضوع كله هزار وتبوسني" صاحت به في غضب

"وهو ده هزار بردو.. ده جد الجد" أقترب ليقبلها بينما هي حاولت الإبتعاد بشتى الطرق ولكنه قد حاوط جسدها بأحدى أركان غرفته 

"يا سليم أوعى بقا.. يعني لو خالو ولا طنط دلوقتي جم وداخلوا علينا يق.."

"مراتي اللي بحبها وكاتب كتابي عليها ومحدش يقدر يقول كلمة" 

"لو مراتك بجد كنت صارحتني بكل حاجة.. أنا بقالي قرب الشهر عمالة أقولك ليه كتبت كتابنا وايه اللي حصل وأنت مش عايز تفهمني اي حاجة" أخبرته وقد تحولت ملامحها للعبوس

"عايزة تعرفي ايه يا زينة؟!" زفر في إرهاق 

"ليه كتبنا كتابنا يومها في القسم بالسرعة دي؟ ليه قولتلي ماروحش لشهاب ولا أكلمه؟ ليه عملت كل ده يا سليم.." زفر بعمق وهو ينظر لها مظلاً ثم تركها ليجلس على سريره بينما تبعته هي وملامحها متحرقة لسماع اجابته وتنظر له في انتظار

"أنا كنت خايف عليكي، خايف لأروى كانت تعمل حاجة تاني وتبعدك عني، بس طول ما أنتي مراتي وقاعدة مع بابا مكنتش هتقدر تيجي جنبك.. وكنت خايف لا ترجعي تتعاملي مع شهاب تاني.. خايف لا كنت أتسجن بجد وأنتي تنسيني وتروحي تكلميه.. أنا عارف إني لو كنت قولتلك إنه هو السبب في كل حاجة في القضية مكنتيش هتصدقيني وكنتي ممكن بحسن نية تروحي تسأليه عمل كده ليه، أو تسأليه هو عمل كده بجد ولا لأ.. وأنا مكنتش هاقد أستحمل لو كان عمل فيكي حاجة"

"سليم أنا قولتلك إني بحبك وإني سبته.. أن استحالة كنت أبعد عنك.. وأستحالة كنت أصدق أروى مرة تانية.. أنت مكنتش واثق فيا للدرجادي؟" أخبرته وقد تأثرت ملامحها لتقترب منه وهي تلمس يداه في دعم وعشق ونظرت له في تأكيد 

"كنت خايف عليكي من الكل.. أنا واثق فيكي وواثق في بابا علشان كان فاهم كل حاجة بس هو وأروى مكنتش واثق فيهم.. بالذات شهاب ده إنسان قذر ومتعرفيش هو ممكن يعمل ايه؟" عقدت حاجبيها في تعجب

"أنا أتعاملت معاه وكان عادي.. أنت ليه دايماً بتقول عليه مش كويس؟" سألته وهي لم تُبعد يدها التي تلامس يده ليبرت على يدها ثم نهض

"أنا هوريكي كل حاجة علشان تعرفي إني كنت صح من الأول.."

ما بين التقزز والخوف والإندهاش وخيبة أملها الشديدة لم تُصدق كل ما رآته وسليم يقص عليها الكثير مما حدث.. لا تصدق أن هؤلاء الرجال يتواجدون بالفعل في الحياة، لربما قرأت عنهم بالروايات ولكن أن تملك ابن عماً سادياً متورطاً مع جماعات إرهابية أو عصابات فهذا لم تُصدقه أبداً..

"يعني أنا كان ممكن يـ.."

"مكنتش هسيبه يعملك حاجة" همس مقاطعاً لتتساقط أحدى دموعها ليجففها بأنامله "أنتي عمرك ما تتصوري يا زينة أنا كنت ببقا مرعوب ازاي كل ما كنت بعرف إنه معاكي وبفضل أدعي ربنا انه ميجيش جنبك"

"عمري ما سيبته يا سليم يقربلي.. أنا عمر ما حد قرب مني غيرك.. ولا أي حد في الدنيا دي.. حتى شهاب اللي كان اسمه خطيبي عمري ما سيبته يقرب.. مكنتش برتاح أبداً وأنا جنب حد وبحس بالأمان غير معاك" ابتسم لها ليرى الحقيقة في عينيها ليقترب ليقبلها في عشق ثم أراح جبينه على جبينها

"ولا عمري كنت هاسيب حد يقرب منك" أخبرها هامساً ليوصد عيناه في راحة مستمتعاً بإستنشاق أنفاسها ومتعته التي لا تُقارن في الإقتراب منها ووجودها بجانبه ثم عانقها لتريح رأسها على صدره

"أنا بحبك أوي يا سليم.. وآسفة على كل حاجة ضايقتك فيها" همست في ندم لتتوسع ابتسامته 

"يا حبيبتي أنا عمري ما أزعل منك ولو حتى هـ.."

"ده صوت خالو" توسعت عيناها في خوف لتقاطعه بينما ابتسم لها سليم ثم قبلها على جبهتها ليتركها ثم نهض وهو يُعدل من ملابسه وكذلك فعلت هي الأخرى 

"ما خلاص بقا بقيتي مراتي"

"بس لسه بردو مينفعش" همست في توتر بينما أستمعت لطرقات على باب الغرفة

"الحلوين بيعملوا ايه!!" صاح بدر الدين لتسيطر الحمرة على وجه زينة

"عادي يا خالو كنا قاعدين" حمحمت وهي تحاول ألا تقابل زرقاوتيها عيناه ثم فرت هاربة للأسفل

"يا واد البت سُفيفة وهتخلص في ايدك.. أعتق نفسك شوية!! أعتقها وخلي حاجة لبعد الجواز الله يحرقك" حدثه بدر في مُزاح

"يا عم أنت مش كانت حجتك الجواز.. أديني أتجوزتها.. ملكش دعوة بقا بينا" 

"مليش دعوة يا ابن الكلب" أحاط عنق سليم بذراعه القوية وهو يدفعه لخارج الغرفة ليسير سليم خلفه خطوات متوالية في تخبط وبالكاد يوازن جسده

"حاسب بقا بإيدك دي.. يا ساااتر"

"تعالى يا أخويا اترزع معانا.. شكلك أنت وزينة مش ولابد وكلنا متجمعين كده وأنت قاعد بتعط"

"يا عم ما أعط براحتي.. أنت باصيصلي في رزقي ليه!"

"ليه يا روح أمك شايفني محروم!"

"لا قصف جبهة ده جامد.. الصراحة نوري لسه مُزة و.."

"ولا!! أنت هتستعبط" صاح به مقاطعاً اياه بنظرة جادة 

"طب يا عم ما تخف عليا.. أنا عملت كل اللي عليا وزيادة.. كتبنا الكتاب ومستعد أتجوز بس اديك شايف الظروف"

"امسك نفسك لغاية ما هديل تتحسن من الحالة اللي هي فيها وأروى تفوق وابقا اتجوزها يا أخويا"

"أنا مش عارف ايه الفقر اللي ملازمني ده.. كل ما أجي أقرب منها تجيلنا مصيبة يا أبوها يموت يا أمها تفرفر وحالها يصعب على الكافر.. أنا بجد تعبت" تحدث في حنق

"يا أخويا أجمد وأمسك نفسك شوية.. هانت يا حيلتها" أخبره بينما أنضما للجميع ليجلس سليم بين نورسين وزينة بينما جلس والده بجانب شاهندة وحمزة زوجها

"هات يا إياد طبق الكاجو ده" تحدث آسر ليناوله إياد الطبق 

"أنت مبتعملش حاجة غير الأكل!!" تحدث عاصم لأخيه هامساً 

"أعمل ايه ما أديك شايف ناشفة ازي من ساعة ما خالك زياد مشي ورجع وسابني لوحدي"

"يا ابني اعقل بقا متقرفنيش.." حدثه إياد حانقاً بينما شاهدهم سليم في استمتاع

"أعقل.. اه عايزني ابقا زيك والاقي بنت الحلال مش كده؟!" حدثه آسر سائلاً بإستخفاف بين ليخرج الكلام من فمه الممتلئ بالطعام "عموماً كده خلاص .. بنات العيلة شطبت.. سيدرا اتخطبت وأسما اتقرا فاتحتها امبارح وكده بح"

"عندي عروسة ليك انما ايه.. لقية" صاح سليم لينتبه له الجميع بعدما لفت انتباههم جميعاً

"لا يا عم أنت فهمتني غلط.. أنا بقول على سبيل الضحك يعني.."

"لا وضحك ليه.. أنا أجوزك أنت وعاصم عشان ابقا أتطمنت عليكوا زي إياد" حدثه سليم وهو يقصد ان يستفزه 

"لا يا جدو!! أنت بتكلم آسر دلوقتي.. أنا والحمد لله تمام كده.. راضي والحمد لله" 

"طب ما تجوزني أنا يا سليم!" صاح أدهم في ابتسامة ثم نظر لسيدرا 

"اهمد ياض.. أنت بالذات آخر واحد هتتجوز فيهم!" نظر له بجدية لتتعالى ضحكات الجميع 

"وربنا ظلم!! أنا اللي خاطب قبل الكل وعايز تجوزني آخر واحد؟" صاح في إنزعاج 

"يا عيني ده شكل ابنك ظروفه صعبة خالص" همست نورسين لشاهندة التي همست بصوت منخفض للغاية

"طالع لأبوه يا حبيبتي.." ضحكا سوياً في خفوت كي لا يلاحظهما أحد

"جرا ايه يا واد منك ليه.. خلاص كله بيكلم سليم وبيرجعله وأنا مبقاليش لازمة؟!" صاح بدر الدين متصنعاً الجدية ليرتبك الجميع 

"لا يا خالو العفو منقصدش" حدثه إياد 

"أنا غلطان إني لاممكم النهاردة.. كل واحد على بيته يا كلاب.. ابقوا خلوا سليم يعزمكم في بيته"

"أنا معنديش أي مانع.. وجاهز.. أتجوز بس وأعزمكم كلكوا في البيت كل يوم لو حابين" تحدث سليم وهو يرمق بدر الدين ليستفزه 

"اه.. قول كده بقا بترسم على تقيل.." غمز له ليبتسم سليم 

"بما إني أنا الكبير يبقا أتجوز أنا الأول.."

"أنت بالذات مالكش جواز، لما يجيلي مزاج أبقا أجوزك" 

"جرا ايه يا بدر.. أنت أضايقت بجد ولا ايه.. فاكر إن كل العيال دي تقدر تعمل حاجة من غيرك!! ده أحنا من غيرك ولا حاجة يا كبير"

"اه يا أخويا أضحك عليا بكلمتين" رمقه ثم التفت لينظر مبتعداً عنه لينهض سليم وهو يُقبل رأسه 

"حقك عليا يا عم بدر واديني بوست راسك أهو"

"طيب" أخبره في اقتضاب

"لا روق كده وحياة أولادك"

"ماشي يا سيدي خلاص" تحدث بإقتضاب مجدداً بينما غمز سليم لشاهندة 

"طب فين الضحكة الحلوة بقا"

"يا عم ما قولتلك خلاص.. حل عني بقا.. أقولك.. روح أقعد مع خطيبتك وسيبني"

"وأنا أطول أقعد جنبك"

"يووووه يا سليم!! ما قولت خلاص" 

"أنا مش ماشي غير لما أشوف الضحكة الحلوة" أخبره ثم أقترب منه لينقض هو وشاهندة بوقت واحد عليه ليدغدغاه بينما ضحك الجميع على ملامح بدر الدين 

"ايه ده.. ده خالو بيغير" تحدثت أسما في غير تصديق

"يا ابن الكلب أبعد.." بالكاد تحدث بدر الدين بين ضحكاته بينما أعلن هاتفه عن وصول رسالة "يا واد ابعد عايز أشوف الموبيل" حدثه بجدية بينما قبل سليم رأسه مرة أخرى ثم عاد ليجلس بالقرب من زينة كي يتحدث للجميع..

 --

 

في نفس الوقت...

"كرم.. أنا مقدرة إنك طموح وعايز تبني نفسك.. بس أنا بقا زهقت.. زهقت من الكفاح والتعب.. نفسي أعيش مستورة ومبسوطة وخلاص.. أنا مش بشتكي ولا بطلب حاجة زيادة.. إنما أنا مش لقياك جنبي.. مش حاسة بوجودك.. كل وقتك للشغل للشغل.. كفاية بقا حرام عليك" تحدثت والدته بنبرة مرتفعة 

"أنتي عارفة من زمان إن ده حلمي وعمري ما خبيت عليكي.. وما دام هو ده قرارك فأنا مش هامنعك من إنك تعيشي مبسوطة وسعيدة ومستورة زي ما بتقولي.. شوفي اللي يريحك واعمليه!" كان هذا تعقيب كرم على حديث والدته لتنظر له باكية 

"يعني ايه أعمل اللي يرحني؟!"

"يعني احنا وصلنا لطريق مسدود.. الإختيار أختيارك" نظرت له لتنهمر المزيد من دموعها 

"يعني خلاص.. هتسيبني بالسهولة دي؟" 

"مش شايف حل تاني لأني عمري ما هنسى حلمي اللي فضلت أحلم بيه سنين"

"وأنا.. أنا مفرقش معاك؟"

"مقولتش كده بس أنتي مش قادرة تستحملي شوية" تحدثا كليهما بهدوء لم يتخلله سوى نحيب هادئ من والدته وهو يستمع لهما

"أنا بستحمل بقالي كتير وأنت عارف.. من ساعة ما كنا في الجامعة.. شهاب دلوقتي بقا عنده تمن سنين يا كرم.. عارف يعني ايه؟ يعني بقالي مستحملة خمستاشر سنة"

"وأنا مش هاجبرك تستحملي.. وليكي الأختيار.. لو حابة نتطلق ماشي.. بس مش هتاخدي شهاب" حدثها بهدوء مجدداً لتهطل دمعاتها ويبدو أنها لم تستطع التحمل معه أكثر..

--

"يا غادة والله حرام عليكي يا بنتي.. أنتي بتلعبي بالاتنين الكورة.. ما ترسيلك على واحد فيهم" حدثتها صاحبتها بنبرة لوم

"أعمل ايه.. أنا اللي حلوة والاتنين بيموتوا فيا" تحدثت في زهو وغرور شديد ورفعت كتفيها ثم أخفضتهما في تلقائية

"يعني ايه الاتنين بيحبوكي.. وانتي طيب بتحبي مين؟ ما هو مش معقول تقضي ليلة في حضن شهاب وتقوليلي محترم وحنين وحتى ملمسنيش وعمري ما شوفت في احترامه وتقوليلي احلى يوم في حياتي وبعدين تقضي ليلة في حضن هيثم وتقوليلي ده مجنون وتيجي تحكيلي نمتوا مع بعض ازاي!! وبردو تقولي أحلى يوم في حياتي!! مينفعش يا غادة اللي بتعمليه ده" آنبتها صديقتها في عصبية

"يا ساتر عليكي.." تآففت ثم نظرت لها "بصي هو شهاب لذيذ وعسول بس يعني مش عارفة.. مش حساه.. وكمان شكله بيموت نفسه علشان يجبلي اللي نفسي فيه.. على عكس هيثم مثلاً اللي معندوش المشكلة دي، وباباه كمان زي بابايا ونفس المستوى.. أنا بصراحة ميالة أكتر لهيثم.. لما ببص لقدام بشوف نفسي مع هيثم، إنما شهاب ده بتاع الأحلام الوردية وساعتين وأقلب وخلاص، يمكن بستفيد بيه علشان ذكي وشاطر وبيساعدني في الدراسة.. لكن مش شايفة إني ممكن أأقلل من مستوايا علشان فاكرة انه عاجبني.. وساعات أصلاً لما بيبعد مبيفرقش معايا.. بصي!! هو هيثم وخلاص احسن منه!"

اجتاح حلقه غصة حاول أن يتغلب عليها ولكنه باء بالفشل لتتحرر من حلقه مصاحبة لأنين بشهقة تعرى بها آلمه وتخلفت على اثر تلك العاصفة التي اكتسحت مشاعره إجهاشاً ببكاء مرير واستند بيده على سور الشرفة العلوية بمنزل والده ليدرك أنه دائماً سيبات خاسراً وازداد شعور الحسرة وهوانه على نفسه داخله وشعر بالإنكسار.. سيظل خاسراً أمام أن يكون له من يعشقه ويحبه لشخصه فقط، من يراه ويشعر بالحب له هو بكل ما مر به وكل ما فيه، سيظل يخسر أمام تلك العائلات الكبرى لأنه ليس منهم ولم يكن يوماً مثلهم..

لقد التحف بعنفعه، قسوته وشجاعته، جديته الشديدة، ذكاءه وخططه التي لا تُخرق، لقد كد واجتهد وحاول مرات ومرات وشيد وبنى كيان ولكنه دائماً ما يبوء بالخسارة.. خسر والدته .. خسر غادة .. خسر والده .. ثم يأتي ليخسر أمام تلك العائلة اللعينة.. 

ولكن لا.. لن يتوقف عن المحاولة.. سيري الجميع من هو شهاب الدمنهوري.. لن يتوقف بسبب بضع جولات خاسرة.. تذكر تلك الضحكات التي أستمع لها وهو يتلصص عليهم في غلٍ وحقد على كل ما يراه ثم ذكر نفسه بتلك الرسالة التي أرسلها لبدر الدين 

"مش هاسيبك يا بدر الدين لا أنت ولا ولادك!!"

زفر في حقد ليدلف غرفته وهو يهشم كل ما يراه أمامه من أثاث أو متعلقاته هو نفسه وهو يلهث في غيظ من كل ما يحدث له.. ولكنه لن يتقبل تلك النهاية.. لن يظل شهاب الدمنهوري خاسراً وسيرد الصفعة بأخرى أشد وأقوى وأعتى لتكون صافعة يصاحبها الموت لكل من آلمه.. سينتقم منهم أشد إنتقام!!

--

"مش عارفة يا هبة.. ده واحد معقد وأصلاً على ما أوصله هيبقا حوار" همست فيروز في حيرة 

"ياختي أموت وأشوفه ولا أعرفه ده اللي خلاكي ترجعي تفكري ترجعي تشتغلي تاني" صاحت وتهللت ملامحها لترمقها فيروز بمزيد من الحيرة 

"بصراحة .. الراجل اللي اسمه بدر الدين ده هو ومراته بلفوني في كلمتين ومخلونيش أقول لأ" ابتسمت لها

"بدر الدين ده خال زينة مش كده؟"  أومأت لها "ده شكله راجل سُكر.. فريدة حكتلي عنه.. أكيد مراته زيه"

"همّ فعلاً ناس زي السُكر بس اللي عايزني أتعامل معاه ده مش سهل"

"ليه يعني؟! هولاكو؟!" صاحت بإستنكار

"هو حالته صعبة أوي، مش عارفة هاقدر ولا لأ!" همست في تردد 

"فوفا طول عمرها تقدر على أي حاجة.. أحكيلي بقا ماله عم المعقد؟!" سألتها في حماس بينما بداخلها هي فقط سعيدة لرؤية فيروز تفكر في شيء آخر سوى 

"ده يبقا ابن عم زينة.. وخالها حكالي انه سادي وعنيف جداً بس المصيبة إنه كمان بيتاجر في السلاح مع انه معاه فلوس كتيرة أوي وبيبني compounds وقرى سياحية وشركاته مسمعة وهو الوحيد اللي ورث أبوه.. هو كله على بعضه كده يرعب ومش عارفة أصلاً هوصله ازاي" 

"ده مين ابن بارم ديله ده؟!" صاحت في استنكار

"صاحب شركات DRE اللي اعلانتها في كل حتة في البلد دي.. اسمه شهاب الدمنهوري" وكأنما نزلت صاعقة على أذني صديقتها لتتعجب فيروز "ايه يا هبة فيه ايه؟ أنتي كان ليكي سابق معرفة بيه ولا ايه؟!" ابتسمت بإقتضاب مستفسرة

"شهاب!! شهاب كرم الدمنهوري!! شهاب يبقى أخويا!" همست في بطئ غير مُصدقة ما سمعته عنه لتتوسع عيني فيروز في صدمة شديدة مما أخبرتها به هبة للتو..

إلي اللقاء في الجزء الثالث والأخير من ظلام البدر

بعنوان

شهابٌ قاتم!