-->

الفصل الثامن - عشق ناضج وعشق مجنون


الفصل الثامن

 

"كده تقفلي معاها من غير ما تديهاني أكلمها!!" أخبرها أمجد وهو لتوه قد خرج من الحمام ملتفاً بمنشفة قصيرة أسفل خصره لتبتسم له جيهان ثم أقتربت منه لتقبله وكأنما تعتذر له ثم حاوطت ذراعيها حول عنقه 

"حقك عليا متزعلش مني.. لو حابب أكلمهالك تاني" 

"لا خلاص كده كده هكلم صهيب وهقوله يديهاني.. صحيح.. متخانقوش من امبارح؟!" سألها رافعاً حاجبيه لتتقطب جبينه في منحنيات جذابة لتبتسم جيهان له وأومأت له بالإنكار 

"لا الحمد لله لغاية دلوقتي.. بتقولي ان كل حاجة تمام!!" 

"لما نشوف هيفضلوا تمام لغاية امتى!!" هز كتفاه بعفوية متنهداً ثم توجه ليتناول هاتفه كي يتحدث لصهيب وأتصل به مرتان حتى إنتهاء الجرس ليتعجب لماذا لا يُجيب! 

"غريبة دي.. هيكون راح فين؟" تمتم في استنكار بينما توقفت جيهان عما كانت تفعله والتفت له 

"بتقول حاجة يا حبيبي؟" 

"مفيش!! بكلم صهيب ومبيردش" 

"طب حاول كده تكلم لينا.. هي لسه ردة عليا من شوية" 

"ماشي" أتصل بلينا هي الأخرى ليحدث نفس ما حدث عند مهاتفته لصهيب ليبدأ بالشعور بالقلق عليهما سوياً "بردو مبتردش.." تحدث بنبرة قلقة 

"طب استنى شوية.. هي قالتلي انها هتعمل فطار.. ممكن كمان يكون صهيب لسه نايم" 

"استحالة ينام لغاية دلوقتي.. صهيب متعود يصحى بدري علشان شغله حتى أيام اجازاته كان بيصحى قبل مني"

"طيب البس على ما اخد shower.. واحنا نازلين نكلمهم تاني" 

"ماشي"

--

"بقا أنا تقولي أطلعي برا المطبخ لغاية ما أخلص!! ليه يعني إن شاء الله فاكر نفسك مين؟" احتدت نبرتها وارتفع صوتها وهي تنظر له في غيظ على ما أخبرها به 

"اسكتي بقا مش عايز صداع!" أخبرها دون أن ينظر لها لتتوسع عينتيها في دهشة من طريقته 

"ماااشي!!" تمتمت في انتصار وشيك ثم توجهت لتملئ احدى الأكواب بالمياة ثم وصدت الصنبور وهو حتى لم يكترث لرؤية ما تفعله ونظر بالقهوة التي أوشك على الإنتهاء منها وفجأة وجدها تسكب المياة الباردة عليها 

"أنتي متخلفة ولا غبية على الصبح ولا بتفكري ازاي" أمسك بمعصم يدها ولكنها قد نجحت في إفساد قهوته 

"سيب ايدي.. أنت ازاي تمسكها كده!" صرخت به 

"وأنتي ازاي تبوظيلي القهوة!! أنتي عيلة صغيرة ولا ايه؟"

"عشان تبقا تقولي تاني أخرجي من المطبخ!" 

"أقسم بالله لو مبطلتيش الهبل ده ومبطلتيش استفزاز أنا ما هاسكتلك.. أنتي لسه متعرفيش قالبتي وأنا لغاية دلوقتي بعاملك كويس.. إنما لو اتغيرت معاكي متلوميش غير نفسك!"

"يا سلام!!، وأنت فاكر نفسك مين إن شاء الله عشان تقولي الكلمتين دول؟ وبعدين مين اللي بيستفز مين؟ أنا نازلة في أمان الله عشان أعملي فطار لقيت اللي بيقولي أخرجي برا المطبخ.. مش قولت لسانك مش هيخاطب لساني؟ عرفت إن أنت اللي بتستفزني ومش قد كلمتك كمان" صاحت به في صراخ وملامحها متحفزة للغاية لذلك النزال الدامي بالكلمات التي يُلقياها على بعضهما البعض لينظر هو له بفيروزيتيه الناريتين ولم يُعجبه كلماتها لتتركه في حالة عارمة من الغضب الشديد 

"مين ده اللي مش قد كلمته؟! أنتي فاهمة أنتي بتقولي ايه؟" همس بمنتهى الغضب والجدية الشديدة وقد احتقنت الدماء بعروقه من كثرة إنزعاجه منها لتشتد قبضته على معصم يدها

"آه فاهمة.. لما واحد يقولي لساني ميخاطبش لسانك وبعدين يجي يكلمني بدل المرة مرتين، امبارح والنهاردة!! وأنا أصلاً مجيتش ناحيتك في حاجة.. وبعدين ما تسيب ايدي بقا.. آه.. يارب ايدك تتشل" صرخت به وقبضته تتصلب أكثر حول معصمها "يا صهيب سيب ايدي بجد وجعتني" نظرت له في توسل ونطقها لأسمه بتلك الطريقة قد جعلته يهدأ تماماً ولم يدرك ماهية ما يحدث له ولكنه ترك هذا الشعور جانباً 

"لما أنتي مش قدي، بتستفزيني ليه؟" همس لها ولا يزال ممسكاً بيدها 

"أنت اللي استفزتني الأول.. حاسب ايدي بقا" تحدثت وقد شعر أنه يبالغ معها وحاولت هي جذب يدها أكثر من مرة ولكنها باءت بالفشل 

"أول وآخر مرة تتوجهيلي بكلمة ولا تعملي حركاتك الغبية دي.. فاهمة ولا لأ؟" أخبرها محذراً بينما عينتيه تاهت في تفقد تفاصيلها وملامحها البريئة التي يبدو وكأنه يلاحظها لأول مرة بالرغم من سابق معرفته بها ليجد نفسه يقترب منها أكثر 

"أنت اللي ابتديت وأنت اللي أستفزتني الأول و.."

"أتأسفي!!" آمرها ليقاطعها بينما كادت المسافة بينهما أن تنعدم وهي تنظر له بملامح متألمة وآبى عنادها الإستسلام له

"لا مش هتأسف وأنت اللي أبتديت والمفروض أصلاً أنت اللي تتأسف على أسلوبك الزفت اللي بتعاملني بيه من أول مرة جيب بيتكوا وايدي بقا حرام عليك أنت ايه!!!" صرخت به ودمعت عينتيها من ذلك الآلم الذي تشعر به 

"هتتأسفي ولا!!" همس غاضباً ليقوي أكثر من قبضته على معصم يدها 

"آه.. آسفة آسفة خلاص!" ترك يدها ليرمقها بتقزز عاكس ذلك الشعور الغريب الذي تأجج بداخله وهو يحاول أن يتركه جانباً والتفت ليغادرها "أنت يا زفت تعالى شيل مطرح القهوة اللي فارت و.." التفت لها ناظراً بغضب لتتوقف هي عن الحديث وتوقفت كذلك عن متابعته فقد همت أن تلحق به قبل أن يغادر ولكن تلك النظرة الغاضبة من فيروزيتيه أوقفتها تماماً عن التفكير حتى في الحديث ليُكمل نظراته المتقززة منها ثم تابع طريقه للأعلى لتتفقد هي مكان قبضته على يدها لترى الآثار لتشعر بالغيظ الشديد منه

"طب بقا على فكرة أنا مش آسفة.. وطظ في كل اللي أنت بتعمله ومش خايفة منك ولا حاجة وهوريك يا صهيب" صاحت لتُسمعه كلماتها جيداً عندما صعد الدرج "ماشي!! أنا هوريك!! والله لا أخليك تعتذرلي على أسلوبك الهباب ده وهربيك يا صهيب! أنا مغلطتش فيك من الأول علشان تعاملني كده.. ماشي!! هتشوف" تمتمت متوعدة لتزفر في تفكير كيف ستتعامل معه بالأيام المُقبلة وأخذت تزيل آثار القهوة ومن بعد صنعت بعض الشطائر والقهوة بالحليب لتتناول فطورها!

--

"أيوة يا بابا أنا تمام والله.. كنت لسه صاحي بس وبعمل قهوة في المطبخ.. لا نمت متأخر عشان كان فيه ماتش وخلص متأخر.. آه كويسة وأظن هي كمان بتعمل فطار في المطبخ علشان كده مسمعناش الموبيلات.. لا يا سيادة البشمهندس متقلقش.. كله تمام ولا اتخانقنا ولا حاجة.. كل واحد في حاله.. لا نروح نادي ايه.. أنا متفق إني هاشوف أكرم النهاردة.. مبسوط يا بشمهندس؟!.. ماشي يا سيدي يارب دايماً.. سلملي على جيجي بقا ومش عايز أكون عزول.. سلام" 

أنهى مكالمته مع والده ليزفر في راحة بالإنتهاء من تلك المكالمة وهو قد نفذ صبره من كثرة إهتمام والده بتلك الطفلة المزعجة وكثرة ملاطفته لها والإطمئنان عليها وإفسادها وكل تلك الطريقة التي يُعاملها بها وكأنها فتاة بالعاشرة من عمرها!!

جلس على سريره واضعاً ذراعه أسفل عنقه ليُحدق بسقف الغرفة وملامحه بأكملها قد سيطر عليها الإمتعاض بمجرد التفكير في تلك الفتاة!! لماذا هي كذلك؟ دائماً ما تصرخ ولا تتوقف عن مجادلته وكأنها تستمتع بذلك؟ كيف سيكون عليه الحياة مع تلك الغبية الصغيرة؟ لماذا لا يُشابه حديثها ملامحها البريئة؟ تبدو جميلة، لا بل رائعة الجمال دون استخدام مساحيق تجميل كما يرى تلك الفتيات الأخريات، جسدها الضئيل هذا وملابسها التي ترتديها بطريقتها وأناقتها الخاصة بها هي فقط قد تجذب أي رجل إليها بشدة وتجعله لا يريد النظر إلا لها وحدها!

وجنتيها المليئتان وعينتيها المفعمتان بالحيوية وتحركاتها التلقائية قد تجبر أي من رجال الأرض على الجلوس والشرود بها إلي أن يتوقف الوقت تماماً.. ما هذا الذي يُفكر به؟ ولماذا يُفكر بها بتلك الطريقة على كل حال؟ هو فقط يستغرب الأمر ليس إلا!! فتاة مثلها تجعله يتعجب فقط.. يتعجب لأن كلماتها اللاذعة وغضبها وأسلوبها بالحديث لا يلائم أي منهما ملامحها الجميلة البريئة ليس إلا!! ولماذا ينظر لها على أنها جميلة من الأساس؟! 

زفر في حنق وهو ينهض من على سريره ليتوجه لهاتفه كي يتحدث إلي أكرم فهو لا يود رؤيتها ولا سماع المزيد من صراخها وعقلها الغبي المُستفز الذي يجبرها على التفوه بأشياء غبية.. هي حتى لا تملك أياً من العقل ليؤهلها لقول كلمة واحدة منطقية أو صحيحة قد تجعله يتحمل الإستماع لها..

"ايه يا عم فينك من امبارح؟"

"أنا بردو اللي فيني ولا الناموسية كحلي!!"

"أنا سهرت اتفرجت على الماتش وعلى ما فوقت بقا قومت متأخر"

"ايه عامل ايه مع بنت مرات أبوك"

"بالله عليك تجيب سيرة ربع جنيه مخروم أحسن أنا مش طايقها"

"يا ابني أنت مش طايق البنت دي ليه.. دي مُزة وجامدة ومعاك في بيت واحد والشيطان شاطر و.."

"الله يحرقك!! أنت بتفكر في ايه؟" قاطعه زافراً بحنق "أولاً أنا شايفها عادية.. ثانياً أنا أطيق العمى ولا أطيقها.. ثالثاً أنزل اتهبب معايا نروح أي مصيبة بدل القاعدة دي.. أنا مش هاقضي اليوم كله مع ست زفتة دي كمان"

"ماشي.. تروح تلعب بلاي استيشن؟" 

"ماشي اشطة.. هاستحمى وألبس وأجيلك على طول! بس بفكر نعدي الأول نشرب قهوة في البنزينة اللي على الطريق.. اعدي عليك ولا ايه" 

"تمام.. هستناك.. بس متتأخرش بقا"

"ماشي.. مسافة السكة"  

--

"الحيوان الكلب!!! يمسك ايدي كده! طب والله لأوريه" صاحت في غيظ وهي تتحدث لرولا بينما ضحكت الأخيرة "أنتي بتضحكي على ايه يا جزمة أنتي كمان!" 

"مش ممكن اللي بتعملوه في بعض ده وأنتو لسه مكملتوش اربعة وعشرين ساعة مع بعض!! بجد أنتو مسخرة" 

"متوقعة ايه يعني من واحد رخم زي ده.. أكيد هنمسك في بعض" 

"يا بنتي بردو أنتي استفزتيه.. حدي يدلق لحد مياة على القهوة؟!" 

"هو اللي استفزيني الأول.. ايه يعني أطلع من المطبخ لما يخلص.. هو باللي يلحق ولا ايه.. ده أنا هطلع عينه.."

"يوووه بقا عليكي يا لينا.. كلها بكرة وبعدين هيرجع أكيد شغله.. مش هو اجازة جمعة وسبت؟" 

"معرفش.. يارب يشغلوه اربعة وعشرين ساعة كل يوم.. واد رخم وبايخ!"

"والله ده مز زي القمر بس أنتي اللي فقرية"

"تاني يا رولا.. ما قولتلك الرجالة مش بحلاوتهم! والله ما بطيق ابص في وشه!"

"طب نبدل الله يخليكي.. تعالي أنتي اقعدي في بيتنا وأنا أروح أعيش معاه" صاحت في توسل 

"يادي النيلة!! أنتي هبلة يا بنتي؟ ده عديم الإحترام.. بيكلمني بقلة ذوق وبيعلي صوته عليا.. والنهاردة مسكني من ايدي بالطريقة الزفت دي.. طب بلاش كل ده.. مبتشوفيش البنت اللي بيلزق فيها دي في كل حتة بتلبس ازاي؟! شكلها استغفر الله العظيم يارب يعني!"

"على فكرة بقيتي بتجيبي سيرة المُزة كتير.. بتغيري منها ولا ايه؟"

"وهغير من ايه يا هطلة؟ دي شكلها مقرف باللي بتعمله في منظرها ده"

"مممم.. على ماما بردو!"

"أنتي بت قفيلة وأنا غلطانة إني بكلمك أصلاً" حدثتها في سأم 

"ما أنتي لو كنتي ابتديتي تقري معايا الرواية كنا لقينا حاجة نتكلم فيها بدل سي صُهيب ده اللي معرفش طلعلنا منين"

"خلاص ناقصلي تلت حلقات وهبدأ فيها على رواقة بقا.. أول ما اخلص هكلمك ونبدأ فيها سوا"

"لما أشوف.. على الله متروحيش تتخانقي معاه تاني ويضيعلك الوقت" 

"لا أنا خلاص مش طايقاه.. كفاية اللي حصل امبارح والنهاردة! هاكلم بس جيجي وهخلص المسلسل وأكلمك نبدأ فيها سوا"

"ماشي يا أختي لما نشوف.."

--

"مبسوطة يا جيهان؟!" سألها وعيناه تتوسل أن يشعر بسعادتها مثل ما يشعر هو بها لتتنهد ثم وضعت هاتفها على المائدة أمامهما بعد ما فرغت من التحدث لإبنتها مثل ما اتفقتا 

"أنت شايف ايه؟!" سألته رافعة حاجبيها ثم أخفضتهما وهي تنظر بعسليتيه لتجده يُمسك بيدها 

"أنا عايز أسمع ده منك.." أخبرها ليجدها تضع يدها الأخرى فوق يده الممسكة بيدها

"عارف يا أمجد.. أنا طول السنين اللي فاتت من ساعة موت جوزي الله يرحمه عمري ما فكرت في نفسي كست.. ست ليها الحق تحس بالحب وتشارك المشاعر دي مع راجل تاني يحبني ويحس بنفس اللي أنا حساه.. أنا مش فاكرة حكيتلك ولا لأ.. بس بعد موت جوزي بأربع سنين اتقدملي واحد ظروفه زي ظروفي شوية، مُطلق وعنده بنت واحدة.. بمجرد بس ما الناس عرفت لقيت هجوم رهيب!! بابا الله يرحمه قالي انه مستعد يشوفه بس من غير نفس كده، وماما بصتلي بصة عمري ما هنساها، كأني مثلاً بقولها يا ماما أنا رايحة أعمل حاجة حرام.. وأهل جوزي لما عرفوا الدنيا قامت ومقعدتش.. خالتي اللي هي حماتي بهدلت الدنيا وبنتها طبعاً كانت مؤيدة ليها بشكل رهيب.. الكل حسسني إني بطلب حاجة عيب أو حرام والمشاكل كترت جداً وحتى حماتي قالتلي لو اتجوزتي هاخد منك البنت ولو عايزة تبقي تشوفيها ابقي تعالي شوفيها مرتين في الإسبوع!!" دمعت عينتيها العسليتين ليعقد أمجد حاجبيه وتعاطف للغاية مع كلماتها ليرفع يده الأخرى على يدها ليربت عليها في دعم وحنان ونظر لها بإهتمام شديد حثها على متابعة حديثها 

"أعتذرت للإنسان ده وقولتله إني مش هاينفع أتجوزه.. ومن يومها وأنا شيلت الموضوع من دماغي.. بس تعرف يا أمجد أنا كنت عايزة أتجوزه ليه؟! أنا كنت عندي تلاتة وعشرين سنة وقتها، كنت عايزة سند في حياتي.. راجل جنبي يحسسني إنه جنبي.. راجل يتحمل معايا مسئولية لينا.. أنا عارفة إني كنت شاطرة وكنت بركز في شغلي وقتها كويس جداً.. مش موضوع ماديات على قد ما كنت حاسة إني محتاجة ضهر وسند وحماية.. تفتكر واحدة عنهدا تلاتة وعشرين سنة وبنت عندها أربع سنين لما يتقفل عليهم باب لوحدهم بليل الموضوع بيكون سهل؟ ولا لما كانت تسخن مني في نص الليل ولازم أنزل أجري على مستشفى ولا طوارئ مكنتش الناس بتبصلي بصات غريبة؟ ولا لما كنت برجع هلكانة من شغلي ولينا أجيبها من الحضانة وأتأخر عليها وهي عايزة تخرج ولا تتفسح زي الأطفال.. كل ده كان صعب عليا أوي.. أنا حتى معرفش الأيام دي عدت علينا ازاي.. تفتكر في وسط كل ده لو كان راجل محترم موجود جنبي مكنش هيساعدني حتى بشوية تشجيع أو نقسم المسئوليات ما بيننا؟" هطلت احدى دمعاتها ليمد أمجد أصابعه ويجففها لتبتسم هي في مرارة ثم تابعت حديثها 

"كان لازم أشيل الموضوع من دماغي ومفكرش غير في لينا ومسئولياتها الكتيرة، وفجأة خدتني دوامة الحياة.. لينا بتكبر كل يوم واحتياجاتهابتزيد، لازم أودي مدرسة كويسة، وأجيبلها أحسن لبس، وأسحها وابسطها.. اخد بالي كويس من البنات والزمايل اللي بتعرفهم في المدرسة، اذاكرلها وأتابعها وأعمل أكل واخد بالي من صحتها وفي وسط كل ده كان لازم أكبر في شغلي لأن كل لما السنين بتعدي كل ما معاش جوزي بتقل قيمته وخلاص الحياة اللي كنت عودت عليها لينا كانت لازم تستمر في مستوى معين.. كنت بحارب عشان علاوة ولا ترقية ولا أقنع عميل كبير بعد شهر ولا اتنين بأنه يكون معانا.. وامشي من شركة وأروح التانية علشان فرصة المرتب أكبر ولا هتكون فرصة كويسة في الـ CV بتاعي عشان أروح مكان أفضل بعد كده.. أنا كنت في دوامة بجد.. ولا لما لينا ابتدت تدخل الثانوي.. كنت مرعوبة عليها ولسه مرعوبة من غنها تتعرف على شاب في سنها مش كويس.. وكان لازم الأم الشديدة تتغير وتبقا صاحبة ليها أقرب من أي من صحباتها ليها.. والبنت كانت عنيدة جداً بس أنا فضلت أحاول بكل طاقتي لغاية ما جت ظبطت آخر سنتين.. وكل ده كوم وأنها تكون متفوقة كوم تاني.." تنهدت بآلم وإرهاق قرآه بعينتيها 

"وأهلك فين من كل ده؟!" 

"أهلي!!" همست في سخرية بنصف ابتسامة "أهلي كانوا مستورين بالعافية يا أمجد.. بابا طلع على درجة مُفتش بعد السنين دي كلها من التدريس، وكان راجل عنده مبدأ في انه ميديش دروس خصوصية حتى لو كان هيشحت.. وماما ست قاعدة في البيت وجوازهم كان تقليدي وكان فيه بينهم مشاكل كتير، اللي يشوفنا من بعيد يقول ناس عادية بس محدش كان يعرف ظروفنا.. أنا مكنتش عايزة لينا تكبر وتتربى وسط مشاكل.. ولا كان ينفع أكون أنانية وأنا عندي أخت أصغر مني وليها بردو دراستها وجهازها بعد مني.. مكنتش هاقبل إن لينا تروح تقعد معاهم علشان تكون عبء عليهم ولا أنا أعيش معاهم وغصب عني كنت هلاقي بابا بيصرف بردو علينا وحياءه هيمنعه من إني أعمل كل حاجة.. مكنش قدامي وقت غير إني أتحجج بشغلي ووقتي المحدود ودراسة لينا وأقنعتهم إن الشقة اللي أتجوزت فيها وعشت فيها أنا ولينا بعد وفاة جوزي الله يرحمه أقرب لشغلي ولمدرستها وواحدة واحدة قبلوا الوضع الحالي وإننا نعيش لوحدنا وكنت بروحلهم يوم في الأجازة وبودي لينا عند خالتي اللي هي جدتها بردو اليوم اللي بعده عشان مبقاش حرمتها من أهلها لا من ناحية الأم ولا ناحية الأب.." ابتسمت له ثم نظرت له مطولاً 

"الدوامة دي خدتني لغاية ما أنت ظهرت في حياتي.. في أكتر وقت كنت خلاص فاكرة إني مش محتاجة لراجل جنبي ولا محتاجة اعتمد على وجود حد في حياتي ولينا الحمد لله كبرت ودخلت الجامعة ومستوايا خلاص بقا كويس وأقدر ادفعلها مصاريفها في جامعة محترمة وكمان بحوشلها علشان يوم ما تيجي تتجوز متحتاجش لحاجة.. كبرت في شغلي.. مبقاش فيهأهل يعترضوا على حاجة.. ولينا كمان بقت بتساعدني وبتخفف عن كتير.. بس أنت يا أمجد!! أنت زي ما تكون العوض والجايزة الكبيرة اللي ربنا بيكآفئني بيها على صبري ده كله وعلى كل اللي عشته" توسعت ابتسامتها له لتنهمر دموع السعادة من عسليتيها 

"قد ايه راجل محترم وحنين وحضنت بنتي ومحستش للحظة إنك أناني في معاملتك ليها وإنك عايز تقرب مني أنا وبس وهي مش مهمة بالعكس.. أنا اتبهرت من الأسلوب اللي بتعاملها بيه.. وبعدين لما عرضت عليا الجواز أنا كنت هارفض لكن اللي عيشتهوني وحسستني بيه في كام يوم يتعدو على الصوابع كان أكتر من اللي حلمت بيه في يوم من الأيام إني أعيشه وأشاركه مع راجل تاني.. نظرة الإحترام اللي بتبصلي بيها وتقديرك الرهيب لربايتي لبنتي اللي وصلتلها بعد ما طلعت عيني ونظرتك لنجاحي كست شاطرة في شغلها كل ده خلاني أتمسك بيك وخلاني طايرة من السعادة اللي عمري ما كنت أتصور إني أعيشها في يوم" ابتسمت له ليبادلها الإبتسامة ولمعت عينتيه وهو ينظر لها في عشق لتتلألئ عسليتيها بالدموع السعيدة 

"حسيت إنك نصي التاني اللي كنت أستحالة الاقيه في يوم.. راجل محترم، مهندس كبير شاطر في شغله، ابنه ما شاء الله محترم ومتربي وحبني وأتعامل معايا بمنتهى الذوق والإحترام.. وبالرغم من الروتين اللي عيشته طول السنين اللي فاتت وكنت فاكرة إنه استحالة يتغير دخلت أنت حياتي فجأة وبقت الضحكة مبتفارقنيش.. كنت ببص لعيني في المراية الاقيها بتلمع من كتر الفرحة اللي أنت معيشهاني.. بصيت لنفسي كست تاني.. ست عاقلة أول مرة الاقيها.. اه كنت خايفة من القرار وخايفة على لينا بس هي أكتر واحدة شجعتني وقالتلي طظ في كلام الناس وأعمل اللي بيسعدني وبس.. أنت يا أمجد بالنسبالي حاجة كبيرة أوي.. خلتني أبص لنفسي بطريقة عمري ما بصيت بيها لنفسي قبل كده.. خلتني أحب نفسي وأحبك وأحب الحياة اللي كانت بالنسبالي عبارة عن دايرة مقفولة ودوامة مبتخلصش.. جاي تقولي بعد كل ده مبسوطة؟!" انهمرت دموعها ليتأثر هو بشدة وهو يرمقها بمنتهى الحب الذي لم تجده أبداً بعيني رجل آخر على وجه الأرض

"يا أمجد أنا عمري ما كنت مبسوطة ولا سعيدة غير معاك أنت وبس.. أنا مش عارفة الكلمة اللي هقولها دي جاتلي منين بس أنت جيت حياتي ودخلتها زي الفارس على حصانه الأبيض علشان تنقذني من اللي أنا فيه وترجعلي تاني ثقتي في نفسي كست من حقها تحب وتتحب.. أنا طول عمري هافضل أسعد واحدة في الدنيا علشان لقيتك وعلشان حبيتك"

"أنا بجد محظوظ بيكي" قبل يدها قبلة طويلة لتبتسم هي له وبيدها الأخرى جففت دموعها 

"أنا غبية.. بوظت الميكب والأكل برد" همست في إحراج

"أنتي زي القمر في كل حالاتك والأكل نجيب غيره يا ستي ولا تزعلي نفسك" ابتسم لها لتنظر له في امتنان بإبتسامة سعيدة وأكملا أمسيتهما سوياً ليدلفا معاً عالماً جديداً لم يتخيل أي منهما الحياة به أبداً..

--

دلف المنزل بالثانية صباحاً وهو يشعر بالرغبة الشديدة في النوم كما أنه شعر ببعض الراحة بعدما قضى يومه بأكمله بصحبة أكرم وتوقع أنها ذهبت للنوم وقد تخلص منها..

صعد الدرج وهو يخلع ملابسه فالجو حار للغاية وتوجه بخطوات سريعة نحو غرفته وهو لا يُفكر سوى بالإستحمام والنوم على سريره بعد هذا اليوم الطويل..

مشى بذلك الرواق مُكملاً سيره نحو غرفته ولكن أوقفه صوتها الذي يبدو أنها تتحدث به مع أحد بالهاتف ولا يدري لماذاجيداً اجتذبته نبرتها ليعلم بماذا تتحدث!

"لا بس بدر بقا حاجة تانية.. بقا عسل.. راجل كده قمر بصحيح.. أنا مش عارفة أبطل أحبه.. اللي يشوف حاله زمان غير اللي يشوفه دلوقتي خالص.. هزاره وضحكه وعقله حاجة كده ولا في الأحلام.. بجد أول مرة أفكر في اني عايزة أتجوز راجل بسببه.. وهموت وأوصل للآخر عشان أشوفه هيعمل ايه تاني.. بس بردو لسه ذكي وعقله كبير وبيفهم الكل.. يااااه بجد يا ريتني سمعت كلامك من زمان وقـ.."

"مين بدر ده؟!" صاح بها في غضب لاذع لتنظر له بعينتين متوسعتين وقد وجدته عار الصدر بمنتصف غرفتها التي صفع بابها لتتوقف عن الحديث وأخذت تنظر له في دهشة غريبة!!

 

 

يُتبع..