ملخص رواية (إِذْمَـا) - للكاتب محمد صادق
الانتحار النفسي..
ذلك الانتحار الذي يقتل فيك كل ما يميّزك، ذلك الوقت الذي تجلس فيه وحيدًا متألمًا من قصة خيانة لشخص رآك عاريًا وخان ثقتك، الوقت الذي تبكي فيه باستمرار من ألمٍ مستمر ولا يشعر بك أحدٌ ممَن حولك، فيحميك عقلك بقتل الجزء المتألم..
الجزء الرقيق، الذي من حساسيته يشعر بكل شئ أضعافًا مضاعفة، يحب حبًّا بلا مقابل، يبدع إبداعًا بلا حدود، يشعر بالطبيعة والهواء والطاقة، ذلك الجزء الذي تألَّم أضعافًا مضاعفة..
قال "عيسى" وعيناه المتألمتان تقتلان قلبي:
- أنا تعبت من كل حاجة يا "عيسى" خلاص.
وترك دموعه تهبط بغزارة وهو يقول:
- ومش معايا "عيسى" تاني يشدني.
ابتسم بسخرية على الرغم من بكائه، وقال:
- ماعملوش آلة زمن طيب.
وقال بضعف جعل قلبي يرتجف كطفل تائه يبحث عن الأمان، برجاء حقيقي جعلني أدمع:
- ما ينفعش ترجعلي تطبطب عليّا بس شوية .. تقولي إن كل حاجة هاتبقى كويسة وتمشي تاني؟
وبكى كما لم يبكِ من قبل..
Why do my words
Always lose their meaning?
What I feel, what I say
There's such a rift between them..
● ● ●
ده كان مشهد من رواية (إِذْمَـا) للكاتب الكبير "محمد صادق"، يمثل المشهد ذروة المشاعر اللي أتكونت داخل "عيسي الشواف" المراهق اللي عنده ١٨ سنة، بعد محاربة مستميتة مع الحياة انتهت بهزيمة بشعة واستسلام تام منه .. في عيد ميلاده ال٣٦ بيستلم هدية من آخر شخص يتوقعه .. هدية من "عيسي الصغير" .. هدية هاتجبره أنه يرجع ويخوض المعركة دي من تاني .. لكن المرة دي هايخوضها وهو معاه الأسلحة اللي هتساعده أن ينتصر فيها.. والأسلحة دي هاتكون عبارة عن ٩ أوامر لازم ينفذهم عشان يحصل على ٩ كنوز من "عيسي الصغير".
وفي خلال رحلة تنفيذه للأوامر دي عيسى الكبير هايستعيد شخصيته الإبداعية المحبة للحرية، والمتحررة من كل القيود اللي فرضها عليه المجتمع وحبسه بيها لحد ما خنق روحه الحرة دي .. هانشوف ازاي هايتحول من إنسان بائس ميت للمراهق الشغوف بعالم الفن والسينما وكل ما يدور ورا عدستها السحرية .. ازاي هايحارب عشان يحقق حلمه اللي مات معاه من سنين في أنه يكون المخرج المبدع الشهير، وأنه يصور فيلم عمره كله.
ها يخطفك عيسي الشواف في رحلة عميقة جوه خبايا عقلك، هاتدور فيها على الطفل الصغير المستخفي جواك، هايخليك تعرف ازاي تحييه تاني بعد موته على أيد المجتمع وقيوده وأسواره العالية .. هايعلمك أزاي تخلص روحك خطوة بخطوة من العلاقات المسموة اللي بتسري في جسمنا مسرى الدم وبتسمم حياتنا لحد ما نصبح يوما ما مجرد نسخة باهتة متكررة من أهلنا وأباءنا ومجتمعات بأكملها.
عيسى الشواف، كان مثال حي لتجربة فعليه في كيفية العثور على روحك الضايعة منك .. داخل كل واحد طفل صغير، حر، مبدع، ما يعرفش سقف لطموحه وأحلامه، تلقائي، عفوي، غير مقيد بعادات أو تقاليد أو أعراف ابتدعها المجتمع .. جوانا طفل اتخلق وهو شايل كل الصفات الجميلة اللي ربنا أنعم عليه بيها، واللي بيتفنن المجتمع في أنه يقتلها جواك بحجة كبير ووهم أعظم اسمه (النضج) .. جريمة بيبرروا بيها قتلهم لكل شئ جميل فينا وبينبض بالحياة .. بيبرروا بيها الخوف اللي اتخلق جواهم لما كبروا واللي بالدور بيورثوا ليك انت كمان!!
وخلال رحلة عثور عيسي الكبير على عيسي الصغير جواه وسط كل العلاقات السامة اللي بتحاوطه، بدايتا من طليقته اللي بتحاول تنتقم منه، من اهله اللي بيحاولوا يفرضوا قيودهم عليهم من تاني، من اصدقاءه اللي خانوه، واخيرا من مرضه اللي متربص به .. بيعافر عيسى بكل جهده عشان يتخلص من السموم المترصخة جواه، واحنا كمان بنحاول معاه اننا نعرف ايه العلاقات المسمومه في حياتنا وبنتعلم ازاي نتعافى منها .. والأهم اننا بنتعلم ازاي نلاقي الطفل الصغير اللي جوانا ونلاقي حلمنا الضايع!!
تعالي دلوقتي معايا نعمل زي عيسى ما عمل وندور جوانا شوية .. غمض عنيك، وأسأل الطفل اللي جواك دلوقتي:
- كان نفسك تطلع ايه وانت صغير؟
(جاوب بصوت عالي من فضلك عشان أسمعك!!)
- ليه ما حققتش حلمك ده؟
(خد نفس عميق .. وزفير أفتكر بيه كل القيود اللي وقفتك وحطمت أحلامك)
- بقيت فين دلوقتي؟
(خد نفس تاني .. وزفير حاول تفتكر بيه ايه اللي وصلك لكده)
- مستني ايه عشان تحقق حلم الطفل الصغير اللي جواك؟
(إذما يعرف .. يجدني)
وبس كدة ..
خلصت حكاية النهاردة..