المشهد الأول - مروان ورحيق
المشهد الأول " انقلابه "
" أنا أسفة يا مروان "
تأوهت من امساكه لمعصمها بهذا الشكل الهمجي القاسي وهو لم يفعلها من قبل و قالت بكل بؤس وحزن اجتمعا علي ملامحها الطفولية لقد تجاوزت حدودها ولكن متي لم تفعل .. متي وُضِعت تلكَ الحواجز بينهما ،، هي رحيقه وهو مروانها فلماذا مؤخراً بات يغضب من أقل الأشياء وكأنه يتصيد لها أخطائها ولم يعد يطيق قربها .
واليوم صفعته بغيظ لأنه أهانها وسخر منها ،، لم تكن تلكَ الصفعة القوية أو المؤلمة التي تجعل ملامحه تقفهر وتسود هكذا وهو يكاد يكسر لها أصابعها بين كفيه منادياً علي حارس جناحه الملكي الخاص آمراً وهو يدفعها عنه :
" خذوها لزنزانتي الخاصة " .
توسعت عينيها بدهشة من أمره كحال الخادم الذي ظن أنه سمع شيئاً خاطئاً ليتلجلج قائلاً :
" عفواً مولاي هل تقصد سمو الأميرة رحيق " .
نظر مروان لحارسه بغضب أشوس صائحاً :
" هل تجد غيرها هنا ،، أم أمازحك أنا " .
ابتلع الحارس ريقه وقال والصدمة مازالت تؤثر عليه :
" تفضلي معي سموكِ " .
تعلقت عينين رحيق بمروان تناشده أن ينظر لها لتري أنهُ جدي بما يقوله ،، هل يريد أن يسجنها وليس بأي زنزانة بل زنزانته الخاصة الذي يعذب بها أسوأ أشخاص الأرض _ أعداءه _ بنفسه ،، شهقت والحارس يلمس ذراعها لتنفضه عنها برعب وهي تقترب من مروان هامسة بتشتت خائف :
" مروان " .
نظر لها بشر قائلاً بتحذير :
" مولاكي هل تسمعين " .
تراجعت خطوة للخلف وهي ترفرف بأهدابها ثم تابعته وهو ينظر لحارسه مُحركاً رأسه في علامة أن يأخذها فينظر الحارس لها برفق أن ترأف به وبالموقف وتذهب معه كي لا تتسبب بمشكلة له ولا تعرف كيف حدث الباقي ولكنها فجأة وجدت نفسها بتلكَ الزنزانة المُظلمة البشعة وحدها وهي لأحلك تخيلاتها لم تتوقع أن تطئ قدميها هذا الجزء من القصر من قبل .
أحاطت قدميها بيديها المسلسلة بمعدن قاسِ ودموعها تتسابق بعدم تصديق ،، بحالة من اللاوعي تُحرك قدميها بعصبية لا تصدق أنه يُبقيها هنا ،، منذ مجيئ تلكَ السنيورينة الفرنسية وهو منقلباً لم تعد تستطيع رؤيته كالسابق فهو يقضي الكثير من الوقت معها بل ويأخذها بجولات خارج القصر أيضاً .. تكاد تجن من فكرة أنه ربما أعجب بها ولم يعد يريدها هي .. هي رحيق التي كبرت وترعرعت بين يديه فلم يعد لها بكل تلكَ الحياة غيره هو أخيها وصديقها وحبيبها .
ارتعش جسدها بترقب وهي تستمع لصوت المفتاح الذي يفتح الباب الحديدي قبل تنحي الحارس جانباً وظهوره هو أمامها .. دخل بصلابته وجمود ملامح لا تعرف كيف يرشقها به ،، أغلق الحارس الباب بعد دخوله ورأته يخلع سترته الطويلة وهو يتحدث بجدية :
" لقد ازدادت وقاحتك وتخطيتي حدودك كثيراً مؤخراً أليس كذلك يا رحيق " .
راقبته بوهن وهو يتحرك لطاولة ادواته التعذبيبة وبدون استيعاب تسائلت :
" أنا ماذا فعلت لكل هذا " .
صرخت وقد ألقي بالطاولة أرضاً قبل أن يقول ليدق قلبها بعنف داخل صدرها :
" تعلمين مكانتك يا رحيق لذا سأجعلكِ تختارين بنفسك " .
ثم شاور علي تلكَ الأسواط مُتسائلاً :
" أيهم تودين تجربته " .
ازدادت وتيرة تنفسها لتهمس بهلع :
" مروان أنتَ لن تضربني صحيح ،، أرجوك أنتَ تخيفني توقف " .
ضحك ليعد لها علي أصابعه :
" تنادينني مروان مجدداً رغم أنني حذرتك ،، تأمرينني أيضاً همممم " .
همهم قبل أن تخشن ملامحه مجدداً قائلاً :
" اختاري لأن اختياري لن يُعجبك " .
صمتت تُطالعه برجاء خالص ليُنهي ما يفعله بها ،، ومازالت مقتنعة أنه فقط يمزح معها ولكن حين صمتت اختار هو أداة رفيعة واقترب منها لتسأله بدموع عينيها :
" هل ستفعل هذا حقاً ،، مروان ألم تعد تريديني " .
نظر لها للحظات واجماً قبل أن يخبرها بدون شك :
" برأيك أريد المرأة التي أقيدها بهذا الشكل بسجني " .
شهقت وزُمت شفتيها بألم كالأطفال من قوله ثم صرخت وتلكَ العصاه تلسع مقدمة صدرها المكشوف من فستانها الملكي ومن بعده ذراعيها و ظهرها المكشوفان كذلك وكأنه رغب أن يخبر الجميع أنها لم تعد تُهمه ،، أن يظهر للجميع ما فعله بها أو حبسها بغرفتها حتي تذهب تلكَ العلامات ولكن كان له رأي أخر وهو ينادي الحارس ليفك قيدها ثم يأمرهم بأخذها لجناح الجاريات لتنظر له هامسة بدهشة :
" ماذا " .
أخبرها قبل أن يوليها ظهره ويرحل :
" من اليوم ستودعين غرفتك وتكونين بمكانك الصحيح " .
هوي قلبها أسفل قدميها مع رحيله وصدي الكلمة يتردد بأذنيها _ مكانها الصحيح _ هي لا تعرف مكان صحيح لها غير أحضانه وذراعيه .. هي لا تعرف غيره كيف يفعل بها كل هذا .
دخلت الحرملك الخاص به _ جناح الجاريات _ خلف المسئولة عنه السيدة " كلثوم " .. انتبه الجميع لها علي الفور .. بالطبع الأمر وصل لمسامعهن ولكن لم تصدق إحداهن أن يفعل الملك هذا برفيقته الوحيدة الذي يفضلها عن الجميع .
قطعت السيدة كلثوم الهمهمات الجانبية بين الجاريات لتقل بصرامة :
" صمتاً جميعاً من اليوم ستنضم رحيق لحرملك السلطان مروان " .
علت الهتافات المصدومة والمستنكرة والحاقدة المتشفية كذلك ،، أرشدت السيدة كلثوم رحيق التي تقف خلفها ناظرة للأرض بوجه حزين متؤلم وتحاول إخفاء تلكَ العلامات التي تلسعها بيديها لمكانها _ لذلك الفراش الأرضي _ الذي كان بنهاية الحرملك بمكان كان مكشوفاً جيداً لجلالة الملك .
استنكرت ما تسمعه من الجاريات التي لم تكن تعاملهم إلا بكل حب واحترام
" كنت متأكدة أن هذا سيحدث يوماً ما " .
" بالتأكيد ستعود لمكانها الطبيعي من هي أساساً ليميزها الملك عنا " .
" وضعت بمكانها الطبيعي " .
" مجرد لقيطة " .
زمت شفتيها تمنع بكائها وهي تتمدد علي فراشها بارتعاش .. نعم هي مجرد لقيطة وجدها جلالة الملك الراحل والد مروان بإحدي الطرقات حين خرج للصيد هو وولي عهده مروان .. مروان الذي فتحت عينيها الخضراء الداكنة بتلكَ الحياة علي ملامحه .. تربت وكبرت كرفيقة له بهذا القصر .. كان كل شئ لها وعاملها الباشا عمهِ كابنته لأنه لم ينجب هو وزجته .. وما إن تولي مروان الحكم بعد رحيل والده أعطاها لقب أميرة .
وضعت رأسها علي الوسادة غافلة عن مراقبته لجسدها الذي يستكين بتضاؤل وهي كلها واثقة أن ما يحدث هذا حلم .. مروان لم يتخلي عنها أبداً وستستيقظ لتجد نفسها بين ذراعيه في جناحه بكل تأكيد .
#يُتبع .