-->

المشهد الثالث - مروان ورحيق


المشهد الثالث " إنها أغراضي "


" أريد رؤية السلطان " قالت لحارسه بشغف منتظرة أن تراه ككل ليلة وبعد قليل كانت تدور حول نفسها ما إن أغلق الحارس الباب خلفها حتي وقعت بين ذراعيه متسائلة كالأطفال وهي تتعلق بعنقه : 
" ما رأيك بفستاني ،، هل لاق بي " 

أحاط جسدها ليرفعها عن الأرض مُكملاً دورانها معاً لتضحك وهو يخبرها : 
" أنا لا أري غير صاحبة الفستان " . 

كعادتها ظهرت تعابير سعادتها علي ملامحها الصغيرة لتخبره بعشقها : 
" وأنا لا أري غيرك مروان " . 

هددها بمكر وهو ينظر لعينيها بثبات : 
" تجرأي وانظري لغيري لأقطع لكِ رأسك " . 

ابتلعت ريقها بتذمر مصطنع قائلة وهي تحاوط عنقها : 
" حرام عليكَ حبيبي والله هذه الرأس حرام أن تقطع " . 

ضحك مهمهماً ليسألها وهو يداعب عنقها : 
" لماذا حرام يعني " . 

ضربت صدره قائلة بإقرار صارم : 
" لأنكَ تحبني " 

فاقت من شرودها في لحظاتهم معاً علي دخول اخت السلطان _ روان _  تذمرت ملامحها لوجودها بالقصر بالتأكيد لن تفوت تلكَ الفرصة لتتشفي بها فهي أساساً لا تطيقها منذ الصغر بسبب اهتمام مروان الزائد بها أكثر منها ،، تألمت وهي تري نظراتها التي ترشقها بها بحقد دون عناء لتخفيها خجلاً من الأخريات ورغماً عنها وقفت مع الجميع لتنحني لها باحترام معهن وأبعدت نظرها عنها ولكن صوتها استرعي فضولها وهي تخبر الجميع : 
" السلطان مروان أمر بتوزيع تلكَ الأغراض علي جواري الحرملك " . 

ثم نظرت لرحيق قائلة ببسمة مستلذة : 
" لأنها لم تعد تخص شخصاً بعينه " . 

قطبت رحيق حاجبيها مقتربة مثل الجميع لتري الأغراض الموضوعة بصندوقين خشبين وشهقت متوسعة عينيها وهي تري أغراضها .. هدايا مروان لها مستحيل أن تسمح لهم بمساس تلك الأغراض . 

رأت تهاتف الجميع علي أغراضها لتصرخ صائحة بهن بقهر ليتوقفن : 
" توقفن هذه أغراضي ،، لا يحق لأحد أن يأخذها " .

ضحكت روان قائلة بحدة : 
" ألم تسمعيني حين قلت أنها أوامر السلطان من أنتِ لتعترضي عليها " . 

صرخت رحيق وهي تغلق الصناديق بعنف : 
" هذه هدايا مروان لي ،، قلت لا يحق لأحد أخذها " . 

شهق الجميع وتلكَ الصفعة تتردد صداها بين جدران المكان وصمتت رحيق متلمسة وجنتها التي توهجت بدموع وهي تنظر لروان التي فعلت هذا أخيراً كما تمنت أن تفعله من قبل وهي تخبرها : 
" أولاً الجاريات لا يرتفع صوتهن بحرملك السلطان ،، وثانياً تحترم الجارية أسيادها أين احترامك للسلطان وأنتِ تقولين اسمه علي لسانك بدون احترام لمكانته هكذا ،، ثالثاً اعتراضك مرفوض لأن تلكَ الأغراض لم تعد أغراضك إنها لحريم السلطان الأن .. هيا يا فتيات كل واحدة تأخذ ما تريده " . 

اقفهرت ملامح رحيق وزمت شفتيها في حركتها المعتادة كطفلة وهي تبتعد عنهم ناظرة لتمتع الجميع بأغراضها .. أغراضها الثمينة ولكل قطعة ذكري أثمن لها مع مروان .. ثبتت نظرها علي العقد الذى ارتدته إحداهن وكان الأغلي علي قلبها عقد يحتوي علي ثلاثة قلوب شفافة بداخلهم ورود طبيعية .. عقد رقيق للغاية كان أخر هدية من مروان لها وحين سألته قائلة حينها : 
" مروان لماذا ثلاثة قلوب " . 

أخبرها حينها بتلذذ مستمتعاً بوجودها بين ذراعيه : 
" لأنكِ سرقتي قلبي ثلاثة مرات حتي الأن " . 

تسائلت بشقاوة وهي تعطيه عنقها ليلبسها إياها : 
" أنا أعرف أول مرة مولاى ،، ما هما إذا الاثنين الأخرين " . 

أغلق القفل ليقبل عنقها قبل أن يداعب بوجهه شعرها البني المحمر الذي ينافي سواد شعره الفحمي مخبراً إياها : 
" أول مرة حين وجدتك بين وريقات الشجر نائمة علي الأرض بتلكَ الغابة " . 

أومأت له بلمعان عينيها والذكري لم تؤلمها أبداً فهي هانئة بحياتها وليست ناقمة لكونها لقيطة ليكمل : 
" ثاني مرة حين فتحتي عيونك هنا بالقصر لأري الزمرد الداكن بعيناكي " . 

تأففت بتذمر قائلة وهي تختصر جالسة علي ركبتيها أمامه : 
" هذين يعتبرا مرة واحدة أنتَ تضحك علي إنهم بنفس اليوم كيف أسرق قلبك مرتين بنفس اليوم " . 

ضحك بقوة وهو يستمع لها ثم جذبها لتقع مجدداً بين ذراعيه قائلاً وهو يداعب العقد :  
" انظري أول قلب يحمل وردة بلون شعرك الجميل وثاني قلب يحمل وردة بلون عيونك الجميلة أيضاً والثالث .. " . 

صمت قليلاً لتسأله هي بفضول : 
" الوردة باللون الأحمر ماذا يعني هذا " . 

فاجئها بقوله : 
" احمرار عينيكِ بليلة خروجي لحملتي الوحيدة حتي الأن ،، لم أنسي حالتك حينها وكأنني ذاهب لموتي بالفعل " . 

نفخت بضجر متسائلة : 
" هوووف لما تذكرني بهذه الأيام " . 

أخبرها بجدية : 
" لأنكِ سرقتي قلبي حينها يا رحيق ،، حمداً لله أنك سرقتي قلبي فقط لأنه لو سرقتي عقلي أيضاً لكنت لم أعد فعلاً " . 

احتضنته بقوة مقبلة وجهه ورأسه قائلة برفق : 
" لا تقل هذا حبيبي أنا فقط لا أستطيع تحمل فكرة أن تبتعد عني أو أن يصيبك مكروه " . 

ثم عادت تخبره واثقة بنزق : 
" ولكنك سلطان بحق تستطيع أن تفصل بين عقلك وقلبك بدون نقاش حتي أحسدك علي هذا حقاً " . 

ضحك ليخبرها بعقلانية : 
" لا بد أن أفعل هذا لأدير دولتي وشعبي يا لؤلؤتي " .

قطبت جبينها حينها وهذا الحوار الذي تذكرته يعبث بعقلها ،، مروان يستطيع التفرقة بين عقله وقلبه بكل حكمة بدون شك أحد بالأمر .. أعادت نظرها لتلكَ الجارية بحقد وهي تري عقدها يزين رقبتها قبل أن تقف بغيظ غير محتملة خارجة من الحرملك متجهة لجناحه .
كانت تجري بالطرقات حتي وصلت لجناحه ووجدت حينها الباشا داوود يخرج من عنده _ زوج روان اخته وصديقه المقرب كذلك وصديقها أيضاً _ لحقت به قبل أن يذهب قائلة بسرعة بعد أن رآها ووقف ينظر لها بتعاطف : 
" أريد رؤية السلطان يا باشا ،، هل هو بالداخل " . 

نظر داوود لإحمرار وجهها المنفعل ليجيبها ويسألها : 
" السلطان ليس متفرغاً الأن يا رحيق ،، ما بالك عزيزتي هل أنتِ بخير " . 

حركت قدميها بعصبية وهي تقول برجاء : 
" أليس بالداخل سأراه للحظات فقط " . 

ثم نظرت للحارس قائلة : 
" أخبر السلطان " . 

اقترب داوود ليمسك ذراعها قائلاً برفق : 
" رحيق عزيزتي السلطان ليس بمفرده إنه يعمل تعالي نذهب الأن وفيما بعد تريه " . 

سحبت ذراعها منه بانهيار صائحة : 
" لا أنا سأراه يجب أن أراه ،، يجب أن يفسر لي " . 

فُتح الباب فجأة بقوة من قبل مروان وهو يصيح بحدة : 
" ما تلكَ الضجة أمام الجناح " . 

ارتجفت أوصالها وكأن العالم من حولها توقف ،، كل ما تريده أن ترتمي بين ذراعيه لتتنفس ولكن بعد خشونة صوته ونظراته الصارمة الذي يرشقها بهم انتفض داخلها وهي تطلب منه بهدوء : 
" مولاي أرجوك اسمعني قليلاً ،، دعني أتحدث م.. " . 

ابتلعت ريقها بصدمة وتلك السنيورينة تقاطع حديثها بعد أن خرجت من الغرفة خلفه متسائلة وهي تنظر لها بحيرة : 
" سلطاني ماذا يحدث " . 

ابتعدت رحيق خطوة للخلف وهي تقبض كلا كفيها ببعضهم وقلبها يهوي لأسفل بألم لتسمع تساؤل مروان بعد ذلك : 
" ماذا يحدث هنا " . 

تدخل داوود قائلاً برفق : 
" لا شئ مولاى رحيق كانت تريد أمر ما وأنا سأحله لا تشغل بالك " . 

أومأ مروان الذي لا ينظر لها أساساً وكان سيعود لغرفته ولكن صوت السنيورينة أوقفه وهي تسأل رحيق : 
" عزيزتي ما به وجهك هل وقعتي " . 

التفت مروان ينظر لها الأن مدققاً النظر بالأحمرار الذي يغزو نصف وجهها وراقبت عينيه الجامدة التي لم ترمش حتي قبل أن يقول بضيق : 
" أين السيدة كلثوم أليس عملها الإهتمام بهؤلاء " . 

هؤلاء يقصد جواريه وهي أصبحت إحداهن _ شعرت برغبتها بالموت _ وهو يقسو عليها هكذا .. هذا الشعور كان أسوأ ما شعرت به يوماً ما وهي تترجاه بعذاب _ ستموت قهراً إن لم تتحدث معه بعد هذا : 
" مولاي أعطني خمس دقائق من وقتك أرجوك " . 

تأفف مروان ممتعضاً وهو يخبر داوود بجدية : 
" داوود باشا اهتم بالأمر أنا لست متفرغاً لتفاهات الحرملك " . 

ثم ببسمة لطيفة أمسك ذراع السنيورينة ليدعوها للداخل مجدداً فدخلت معه وأغلق الباب أمام وجه رحيق وأخر ما رآته كفه الذي حاوط كفها أمام أعينها ،، نظرت لكل مكان حولها بتشتت وهي تشعر بالضياع قبل أن تترك لقدميها العنان لتعدو بعد أن قالت لداوود بصراخ : 
" أخبره أنني سألقي نفسي من شرفة القصر " . 


#يتبع .