-->

المشهد الخامس - مروان ورحيق


المشهد الخامس " هديته القاتلة " 

لقد توقفت عن عد الليالي بعد الليلة الرابعة وحدها بذلك المنزل ،، كل ما لديها ذكريات وآمال ،، كل ما لديها ذرات هواء تؤلم صدرها كلما تنفست وكأن الهواد مسموماً دونه ،، تلوم ذاتها لتعود لجدران قصره لتراه حتي دون أن تقربه ولكن بهذا الوضع هي تحتضر .. تحتاجه بشدة ،، علتها هو ودوائها هو . 

سحبت شالها الكبير لتضعه علي جسدها وتثبته علي صدرها بتلكَ الفراشة التي بقيت معها بوفاء ،، ثم سحبت غطاء رأسها من خلف ظهرها لتضعه علي رأسها والتقطت مفاتيح منزلها الصغير مغادرة إياه . 

خطت بقدميها حدود تلكَ الغابة حتي وصلت لمكانهم المفضل حيث كان يأخذها مروان لنزهة ربيعية بها .. جلست مفترشة الأرضية المملوءة بوريقات الشجر ووريقات الورود المتناثرة تشاهد من موقعها قصره الشاهق تتخيله بهذا الوقت عائداً من ديوانه ليغير ثيابه لأخري غير ملكية ليخرج من قصره ويجوب الطرقات بين شعبه وحين تذكرت أن هذا ما يفعله بهذا الوقت شهقت وهي تقف بسرعة متمنيه أن تراه ،، قادت خطواتها لتخرج من تلكَ الغابة ولكن اثنين ملثمين من العدم ظهرا أمامها واتخذ واحداً علي غفلة منها مكاناً خلفها ليحاوط جسدها بقوة مكبلاً إياها بيد وبالأخري ملس علي وجهها قائلاً وهو يرفع وجهه لها : 
" انظر لهذا الجمال يا رفيق " . 

انتفضت بين ذراعيه محاولة الإفلات منه بصراخ قائلة بخوف : 
" لا تلمسني أيها القذر اتركني " . 

ضحك لسبابها واقترب الأخر منها ساحباً فراشتها اللؤلؤية من أعلي صدرها قائلاً : 
" انظر لصيدنا الثمين اليوم " . 

صرخت وهي تتحرك بعنف بين ذراعين هذا الوضيع : 
" ليست حقيقية سيعاقبكم السلطان اتركاني ستدفعان ثمن هذا " . 

ضحك أحدهم قائلاً : 
" ومن أنتِ ليعاقبنا السلطان من أجلك أساساً إن بقي منكِ شئيا حلوة اشتكي حينها " . 

دب الذعر بأوصالها من كلماته وقبل أن يرفعها عن الأرض تسلل لمسامعها صهيل فرس وصوت عربة ليدفعها هذا الممسك بها لتسقط أرضاً علي وجهها صارخة وهو يقول : 
" إنها عربة ملكية لنهرب " . 

تنفست براحة ما إن سمعت كلماته شاعرة بوجود مروان بالمكان رغم أنها لا تري شئ بعد وقوعها علي وجهها وبسرعة رفعت ذراعيها تمسك قدم هذا الذي أخذ فراشتها قبل فرارهم فسقط وسقطت فراشتها ولكنه ليهرب دفعها بقدمه في وجهها ووقف هارباً مع صوت مروان الذي صدح بالمكان : 
" أنتَ توقف مكانك " . 

تأوهت مغلقة عينيها وشعرت بسائل دافئ يتدفق من فاهها وبثانية قررت استغلال الموقف وهي تدعي فقدانها لوعيها ،، سمعت الخطوات تقترب منها حتي توقفت جوارها وسمعت صوته يقول بهدوء متضايقاً وكأنها لا تعنيه : 
" داوود الحق بهؤلاء " . 

شعرت بخرفشة وريقتات الشجر جوارها وكأن أحدهم جلس أرضاً وشعرت بيدين ترفع جسدها قبل أن تقابل أشعة الشمس عينيها لتسمع شهقته المصدومة : 
" رحيق " . 

كم ودت تقبيل كفيه الذان هرعا يجوبان وجهها في تلهف خائف وإبعاد شعرها عن وجهها وهو يهمس : 
" رحيق يا صغيرة يا حبيبتي افتحي عينيكِ " . 
ثم همس بشر قبل أن يخرج منديله ماسحاً دماء أنفها : 
" سأقتل هؤلاء أعدك سأقتلهم " . 

تنفست بعلو بشكل كان ليلحظه لو لم يكن خائفاً عليها وتهادي لعقلها سؤال واحد ، لماذا إذاً ؟ لماذا يفعل هذا ؟ وقبل أن تقرر فتح عينيها استمعت لصوت تبغضه جعلها ترغب بفقدان وعيها حقاً وقد كان صوت تلكَ السنيورينة _ لقد كان بنزهة معها _ بمكانهم المفضل : 
" سلطان مروان ماذا يحدث هنا " . 

شعرت برأسها الذي جذبها لخصره وكأنه يُخفي ملامحها عنها _ ماذا ألا يريدها أن تحزن تلكَ الحقيرة باهتمامه بها _ وسمعت صوتها مجدداً : 
" ماذا حدث لتلكَ الفتاة هل هي حية " . 

أجابها برفق مضغوط : 
" لا أعلم يبدو أنها تعرضت لقطاع طرق عودى للعربة عند الحراس كي تكوني بأمان ،، سأوافيكي بعد قليل " . 

سمعت طاعتها له وابتعادها عنهم ثم عودة داوود ورجاله وبين ذراعيهم الرجلين فاقدين وعيهم ليتحدث مروان بحدة : 
" داوود اجعلهم يأخذونهم للقصر أريدهم أحياء " . 

قطب داوود جبينه قائلاً بطاعة : 
" أمرك مولاي ، هل الفتاة بخير " . 

أم مروان أحدهم : 
" أحضر لي مياه من العربة " . 

ثم التفت لداوود مخبراً إياه : 
" إنها رحيق أين الحراسة اللعينة التي تحرسها " . 

شعرت بقطرات المياه علي وجهها لترفرف بأهدابها لتسمع زفرته المستريحة مع صوت داوود الذي أجابه : 
" لا بد أنها خرجت بلحظة تبديل مناوبتهم " . 

رشقه مروان بشر قائلاً بتقرير صرم : 
" لا يهمني هذا الحديث سيتحاسب الجميع علي تقصيره " . 

نظر لها مجدداً ليجدها تتطلع له ساهمة بنظراتها في رجولته وملامحها الخائفة عليها لتهمس ببسمة : 
" مروان " . 

زفر بضيق مرتاحاً ليخبر داوود : 
" خذوها لمنزلها واحرصوا علي سلامتها " . 

همست وهي تنظر حولها بترقب : 
" فراشتي " . 

قطب مروان جبينه وهو ينظر حولهم مثلها حتي رأي اللمعان الذهبي علي الأرضية لتلكَ الفراشة فالتقطها ليقلبها بين يديه للحظات قبل أن يلقيها لها مجدداً قائلاً بغيظ ،، فبالتأكيد كانت تتمسك بقدم هذا الرجل من أجل فراشتها ولو لم تفعل لما ضربها بهذا الشكل : 
" اللعنة عليكِ وعلي فراشتك " . 

وقف مُعدلاً من ثيابه ليخبر داوود : 
" اهتم بها يجب أن أذهب " . 

راقبت بحزن جفاءه الذي ظهر ما إن فتحت عينيها لم يسألها إن كانت بخير حتي لذا همست له من خلف ظهره بعتاب وهي تلتقط فراشتها وتعتدل : 
" أنا بخير مولاي شكراً لسؤالك " . 

لم تنظر له ولكنها سمعت خطواته التي توقفت للحظات قبل أن يُكمل طريقه بغضب ،، نظرت لداوود الذي سألها عن حالتها بحدة متحدثة : 
" ليس لكَ دخل بي يا باشا ،، اذهب ونزه السنيورة مع مولاك " . 

ثم تركته لتعدو لطريق منزلها ولكنه أوقفها وهو يعدو خلفها قائلاً بقلق : 
" رويدك يا رحيق كي لا تقعي ،  انتظري أنا قادم " . 

وقفت تخبره بجدية بقهر : 
" لا أريد حراستكم شكراً أعرف طريق المنزل " . 

رحلت من أمامه كفراشة حزينة ليأمر هو حارسين بالذهاب خلفها حتي تصل لمنزلها بخير ووقف ينظر بأسي لها من جهة ولعربة الملك البعيدة من الجهة الأخري قائلاً بدعاء : 
" أخرجنا من هذا علي خير يا الله " . 

دخلت منزلها لتغلق الباب وتخلع شالها بغضب ،، اتعصرت رأسها لتتذكر شيئاً صغيرا فعلته ليغضبه منها كي يعاقبها هكذا .. أصابت بضجيج حاد برأسها من كثرة التفكير ولم تجد شئ ،، هل هي إذاً _ السنيورة _ هل أحبها ،، هل قرر استبدالها بها ،، هل لأنها من ستليق به كملك هل لأنها أميرة حقاً وليست لقيطة أعطاها لقب أميرة لأنه أحبها . 

حركت رأسها بعصبية تنفي تلكَ الفكرة وهي تتحرك ذهاباً وإياباً بالمنزل لن تجعل تلكَ الفكرة تسيطر عليها وإلا ماتت من حرقة قلبها وبلحظة توقف نظرها علي هذا الصندوق الخشبي الكبير .. صندوق هي تعرفه جيداً ولكن متي أتي لهنا ومن أدخله . 

فتحت الصندوق لتشهق بسعادة وهي تري أغراضها ،، كل هدايا مروان لها بحثت بسرور علي عقدها الغالي حتي وجدته فقبلته بحب .. مجنونة هي صحيح ! نعم بجنون حبه الذي لم يقل ذرة حتي الأن بقلبها وكيف لأنه مجدداً ليس الشخص الذي تحبه فقط بل كان قبل ذلك أخيها بمرحلة من حياتها ثم صديقها بمرحلة أخري والفتاة رغم غدر الأخوات لا يقل حبها لهم ولا يزور كرههم لقلبها حتي .. وبعد ذلكَ أصبح حبيب ليصبح حبيباً مُنكهاً بأجمل وأدفئ الصفات صفات أمان الإخوة وحنان الأصدقاء . 

وبين سعادتها بإرساله تلكَ الأغراض وتذكر لفظ حبيبتي من شفتيه اليوم وهو خائف عليها استمعت لصوت الطبول العالية التي تدق بالشوارع لتطلع من نافذتها بفضول ظناً منها أنها أجواء جديدة عليها بطرقات ذلك الحي ، فضول قسم وعيها بعدم استيعاب ،، فضول جعلها مجنونة وهي نضحك بجنون ناظرة لتلكَ الهدية مجدداً هل كانت تلكَ هديته القاتلة ،، هل أرسلهم لأنه يُخرجها بكل ما تملك من حياته حقاً ،، عاد هذا الصوت يمزق أذنيها وأقدامها المرتجفة لم تتحمل الأمر فسقطت شاهقة ببكاء كالأطفال : 
" الحاضر يُعلن الغائب زواج السلطان مروان بعد ثلاثة أيام " . 

#يُتبع.