-->

المشهد السادس والأخير - مروان ورحيق .




المشهد السادس والأخير " لأجلها " 

دخلت محل المجوهرات القابع بهذا الحي ،، بيديها صندوق صغير من خشب الصندل حملت بهِ بعض أغراضها وبعض الملابس التي قد تحتاجها والأهم حملت بهِ ذلك الكيس الصغير الذي حوي علي بعض مجوهراتها وليس كُلها .. أخرجته حينها من الصندوق متسائلة بتردد للرجل الذي حياها بحيرة فهوة أول مرة يراها بحيهم : 
" معي بعض مجوهراتي وأحتاج بيعها ،، أحتاج للأموال " . 

كان معها أموال ولكن ليست أموال كافية بالتاكيد لتنفيذ ما عزمت عليه بقلب مفتور ،، أجابها الرجل : 
" بالطبع أريني المجوهرات وعقود الشراء وسأشتري ما أستطيع " . 

توترت ملامحها الصغيرة قائلة وهي تقبض عليهم بارتعاش : 
" ولكنهم كانوا هدايا ليس معي عقود شراء " . 

همهم الرجل بتفهم قائلاً وهو يخرج عدسته وبعض أدواته : 
" حسناً دعيني أفحصهم " . 

أخرجت له بعض القطع التي قررت بيعها أولاً حتي تحتاج لبيع غيرها بوقت أخر : 
" تفضل " . 

راقبت ملامحه المبهمة وهو يقلب القطع بين كفيه قبل أن تعلو شفتيه بسمة لم تفهم معناها قائلاً باستفسار وهو يفحصهم ولم يكن بحاجة لفحصهم فهو من صنعهم بيديه لإحدي الزبائن الثقال أو لزبونه الوحيد الثقيل الذي لا يطلب إلا قطع نادرة : 
" من أين حصلتي علي تلكَ القطع إنها نادرة " . 

أجابته بجدية صادقة وكلها مهموماً لتخليها عنهم : 
" أخبرتك أنها هدايا " . 

همهم الرجل قائلاً فجأة وهو يقف : 
" انهم حقيقيين يبقي وزنهم ولكن الميزان معطل عندي اسمحي لي ببعض الوقت سأذهب لمحلي الأخر بنهاية الحي لآزنهم وأتي ،، انتظريني هنا " . 

توترت بعدم استيعاب للموقف قائلة بشك :
" ولكن .. " . 

ضحك الرجل الكبير برفق قائلاً : 
" لن أسرقهم لا تقلقي سأؤمنكِ علي محلي بأكمله حتي أعود " . 

ثم تركها راحلاً من المحل الصغير بثوانٍ ولم يكن بيدها شئ غير انتظاره بوهن علي إحدي المقاعد .. سترحل !! 
نعم قررت الرحيل ستذهب للميناء مباشرةً وسترحل لأي مكان أخر تحت حكمه ولكن ليس هنا ،، صوت الطبول الذي يتعالي بكل مكان يُدمرها لقد احتملته لثلاثة أيام بقلب ينزف بصعوبة جامة حتي لم تعد تطيق السماع واليوم يوم عرسه وشعبه يُهلل بكل مكان والأمر فقط يزداد سوءاً وخراباً بداخلها . 
آني له أن يفعل بها كل هذا إذا فمن حقها الرحيل حتي تداوي نفسها رغم أنه يقينة بعجزها الدام عن الشفاء منه فهو منذ زمن أحكم علي حبالها بعشقه بكونه هو مروان دوناً عن غيره . 

مسحت الدموع التي كانت تتسابق علي خديها بصمت دون وعي منها حين رأت الرجل يدخل المحل مجدداً ولكن ليس بمفرده كان ولصدمتها مروان خلفه يرتدي ثياب العامة الذي يسير بها بين شعبه . 

توسعت عينيه وهو كذلك وهو يرمقها بصدمة كونها هي ،، منذ قليل كان يسير هنا بين الأزقة لعله يراها قبل تلكَ الليلة ولمعرفته بصاحب المحل فقد مر عليه محيياً إياه أخذاً منه عقد ذهبي نادر كان طلبه منه من قبل وفوجئ به منذ لحظات يتعقب طريقه حتي وصل له قاطعاً الأنفاس مخبراً إياه أن يوحد فتاة بمحله تملك المجهورات الذي كان يشتريها منه لرحيق تريد بيعها .. لم يهديه تفكيره أن تكون هي وكل ما فكر بهِ بقلق أنها تعرضت للسرقة مجدداً . 

قطع تواصلهم البصري المصدوم صوت الرجل الكبير يقول : 
" كان لا بد أن تكوني أكثر وعياً حين تأتين لصاحب المجهورات الوحيد بالمدينة فهو علي معرفة تامة بكل قطعة تخرجها يداه ومن صاحبها " . 

وما أدراها وما أدراها أنه الوحيد بالمدينة ،، أي ورطة هي بها الأن خاصةً حين رفع مروان كفهِ بوجهه ليجعله يصمت قبل أن يسألها بغضب : 
" ماذا تظنين نفسك فاعلة ؟ " . 

وقفت بتخبط لا تعرف بما تجيبه ليرحل فقط من أمامها لن تتحمل رؤيته بهذا اليوم خاصةً وبخصوصاً مع معاملته الغير معهودة لها بصعوبة همست بوهن : 
" ليسَ لكَ دخل بي " . 

تعجب الرجل قائلاً : 
" هل تعرفها أيها السيد أليست سا.. " . 

وقبل أن يكمل قاطعه مروان : 
" لا إنها صاحبة الأغراض ،، شكراً لإخباري بال.. " .

وقبل أن يُكمل حديثه كانت هي تسحب كيس مجوهراتها من بينهم علي غفلةٍ منهم وتعدو خارجاً بهرب نحو الساحل بعد أن استمعت لمزيد من الطبول التي كرهتها وصمت أذنيها بعذاب ،، ستضع نفسها بأي سفينة وستتركه لم تأبه بصراخه باسمها و عدوه خلفها هو ورجاله حتي وصلت للمنازل التي تطل علي الساحل ومراكبه واضطرت أن ترفع فستانها لتنزل السلالم الضيقة بحذر بين كل منزلين لتكون بهذا الساحل الذي يقبع خلف المنازل لأسفل ،، رآها فاستقل سلماً أخر لأسفل وكان أسرع منها فانتظرها بنهايته حتي مرت من أمامه فجذبها من خصرها محاصراً إياها بين جسده وبين المنزل من خلفها مطبقاً علي فاهها الذي صرخ بعد أن اختضت .
كان عنيفاً وهو يحاوط جسدها بغضبه الأعمي ويلصقها بالحائط في قوة تألم جسدها الصغير منها فشرعت بالبكاء وهي تحاول الإفلات من بين يديه حتي همس لها بأعصابه المنفلتة : 
" أقسم إن لم تسكني يا رحيق لأصفعكِ صفعة تفقدك وعيك ليومين " . 

سكنت بين ذراعيه كما رغب ولكن كان سكون جسدي ظاهري فقط فأنفاسها الشاهقة لم تسكن وبكائها الذي أغرق كفهِ لم يسكن ،، أمسك كلتا ذراعيها يقربها لجسده متسائلاً بصدمته .. صدمته في كونه كان سيفقدها وللأبد إن لم يتصرف هذا الرجل ويلحق به ،، كيف تريد أن تسافر وتهجر كل شئ : 
" تريدين الرحيل حقاً هذا ما آلت إليه حالتك " . 

قالت من بين شهقاتها : 
" لا أحتمل دعني أرحل " . 

هتف بجدية مطبقاً علي فاههِ بحدة : 
" بأحلامكِ فقط " . 

ثم حملها أعلي كتفه قالباً رأسها لأسفل صاعداً تلكَ الدرجات مجدداً لعربته التي وقفت بالأعلي منتظرة صعوده ،، لتشهق شاعرة بدوار رهيب وبرخو قدميها فقالت بانسياب أعصابها : 
" اتركني أرجوك " . 

ولم يفعل وهو يضعها بالعربة ثم يستقلها جوارها حتي قصره ،، ومن باب خلفي لقصره كان يحملها بسراديب يبدو أنه يخرج منها مُتخفياً حين يرغب حتي جناحه وهي كانت مُستسلمة بوهن يسيطر علي أجزائها ،، وضعها علي سريره بصمت لتجلس مراقبة الجناح باشتياق لا تنكر اشتياقها ولكنها تمقته لأنه لم يعد يحق لها التواجد به وتواجدها هنا خطأ كبير بحقها الأن .. زمت شفتيها كالأطفال وهي تعاود البكاء ما إن تعلق نظرها بعباءة زفافه الذهبية الواقفة بشموخ علي عامود خشبي مخصص لها لتخفي وجهها بعيداً عنه بين طيات سريره .. استمعت لصوت دق الباب وتحركه تجاهها قبل أن يلمس كفيها ليجذب انتباهها قائلاً بتحذير : 
" ادخلي الشرفة ولا تصدري صوتاً " . 

دخلتها جالسة علي الأرضية جوار بابها ولم تكن تنوي حقاً استرقاق السمع ولكن صوتهم وصل لها دون عناء منها أولاً كان حارسه يستأذن دخول السنيورة وثانياً السنيورة تتغنج مسروة تخبره : 
" سلطاني اليوم زفافنا ولم أراك أبداً لذا جئت لأراكَ قبل الزفاف " . 

إجابته كانت ناعمة : 
" سترينني كثيراً بعد ذلك لا تكوني علي عجلة من آمرك " . 

تنهدت وهي تجيبه مُتيمة بسحره : 
" معكَ حق ولكن أنتَ تعلم بحبي الكبير لك ولم أطق انتظاراً حتي موعد الزفاف " . 

أومئ لها ببسمة وثقل ملوكي لا يليق إلا به وهو يصرفها باحترام متعللاً بأنها يجب أن تأخذ وقتها لتتجهز ورحلت مطيعة إياه قبل أن يزفر بسأم متوجهاً للشرفة وقبل أن يخطوها كانت هي تخطوها للداخل مندفعة تضرب صدره قائلة بهياج : 
" أخرجني من هنا أخرجني لن أبقي هنا مجدداً ،، هنيئاً لكَ ستتزوج من تليق بك ولن تبقي مضطراً أن تبقي مجرد لقيطة مثلي جوارك ،، ولكن والله عيب عليك يا مولاي ،، عيب أن تتسلي بي طوال حياتي ثم تلقيني هكذا ولكن من يلوم سلطاننا العظيم علي أفعاله " . 

صمتت متنفسة بسرعة لتقابل جموده المستفز وهو يتسائل : 
" انتهيتي أم ما زلتِ بصدد تسديد المذيد من الإهانات لسلطانك " . 

تقهقرت ملامحها مع زمها لشفتيها بقول : 
" أنا لا أقصد إهانتك يا مولاي ،، كل ما أريده أن أرحل من هنا " . 

نفي رغبتها قائلاً : 
" لن ترحلي يا رحيق مكانك هنا وستبقين هنا للأبد " . 

نفت ببسمة ساخرة متؤلمة وهي تصرخ : 
" لا يمكنني هل تحسب أنني سأرتضي أن أكون جاريتك حقاً " . 

وأمام رفضه وصمته التام هددته بصياح : 
" سألقي بنفسي هذه المرة من الشرفة حقاً إن لم تخرجني من هنا " . 

شرع يجهز نفسه متجاهلاً كونها تصرخ وتصرخ لتتجه للشرفة بتهديد حقيقي ولكنه لحقها بغضب وهو يرفعها عن الأرض ملقياً إياها بعد ذلك علي سريره بضيق قائلاً وهو يتجه لمكتبه مخرجاً حبلاً غليظاً منه : 
" كوني عاقلة " . 

اقترب منها يسحب ذراعها لحافة السرير ووقعت دون قصد منه أو منها أرضاً علي ركبتيها ،، تنهد وهو يقيد معصميها معاً حول عامود سريره الملكي لتقول هي برجاء : 
" لا تفعل هذا لا تتركني هنا هكذا أرجوك " . 

بعد وقت طويل كانت تدس وجهها بهِ بين أغطية الفراش بين ذراعيها مخفية عينيها عن رؤيته وهو يرتدي ثيابه وحليه من أجل مراسم زفافه ولكن لم تمنع نفسها من أن تهتف ببؤس : 
" لم أعهدك بهذه القسوة لتجعلني أشاهدك وأنتَ تتجهز لزفافك " . 

لم يُجيبها لتعاود الهتاف وكأنها تحدث نفسها بنبرة مكتومة بين طيات فراشه : 
" أنتَ السلطان لا بد أن تمتلك من القسوة ما يكفي كي تحكم دولتك " . 

أجابها حينها برفق : 
" نعم يتحتم عليّ ذلك " . 

شعرت بهِ يحاوط رأسها بعد أن انتهي تقريباً ليلفها محذراً : 
" لا أريد لأنفاسك أن تنكتم " . 

ظلت علي وضعها كما أدار رأسها لتسأله بصياح مفزوع : 
" أستتركني هنا ماذا أستجعلني أشاهد ليلتك مع زوجتك أيضاً " . 

خرج من غرفته متنهداً آمراً حراسه الذي آزاد عددهم علي الغرفة : 
" ممنوع دخول أي أحد مهما كان غيري للغرفة " . 

تنهد وهو يسير ومن خلفه حارسيه ضخام الجسد حتي قاعة الزفاف الملكية وقبل ان يدخلها كان داوود يُسارع إليه بقول يكاد يجن من السعادة : 
" تم يا مولاي ،، جنودك الأبطال البواسل سيطرو علي الولاية الفرنسية بأكملها لقد وصل المكتوب للتو " . 

نظر مروان للسماء بحمد مُتنهداً براحة ثم نظر لتلكَ القاعة بشر راغباً بقتل الجميع والعودة ليدسها داخل أحضانه معتذراً بغير ندم ! . 

رفع كفيه يربت به علي كتف داوود بسرور قبل أن يهتف وهو يدخل القاعة : 
" لننهي هذا الأمر الأن ،، لينال كل معتد لئيم حقه " . 

دخل القاعة ليقف الجميع له باحترام منحنين لسلطانهم حتي ملك الولاية الفرنسية وقف باحترام مزيف . 
" هذا الملك الذي ظن أنه سيدخل دولته بجيشه علي فترات متباعدة قبل أن يبعث برسله طالباً منه السلم والتجارة معاً ،، كان مروان ذكياً ليدرك هو وأركان دولته الشامخة بأن غريبي الجنسية الذين يأتون لدولته علي فترات متباعدة بتوافد مستمر بهم أمر مشكوك ،، جائو بحجة لاجئين ولكنه وضعهم تحت عدة اختبارات خفية لقد اختبر بنيتهم الحربية بنفسه ذات مرة وهو يفتعل شجاراً مع أحدهم بين أزقة دولته ولقد تأكد حينها أنهم جنود فرنسيين خاصةً بعد أن جند إحداهم لصالحه وجعله يسرد عليه خطتهم الذي رآها مروان عبقرية بالبداية ولكن كل من سار بطريق الأخُذَ غدراً وجُبناً وخُبثاً لم يكن ليفلح أبداً .. 
كانت خطتهم كالتالي بتلكَ الليلة الذي سيتزوح مروان بها السنيورة ومع انشغال الجميع ستكون الجنود المندسة بين مدينته بكل مكان استولت علي الدولة تماماً " الجنود الذي لقوا حتفهم تماماً بتلك اللحظة " ،، بعد ذلك سيتم قتل الملك أو آسره وإعلان موته للجميع وبذلك تكون السنيورة الملكة زوجة الملك المتوفي هي صاحبة الحكم هي ووالدها الملك الفرنسي الذي كان سيتوج ذاته علي العرش بحكم السلم واختلاط الأنساب الذي تم بينهم بعد قتل جميع أفراد عائلته .. 
الجزء الأهم في خطتهم هو إضعاف الملك عن طريق قتل الأقرب لقلبه وتلكَ كانت مهمة السنيورة الذي يمقتها منذ فترة تواجدها بالقصر .. معرفة إن كان يمتلك أحد عزيز علي قلبه لذا كان عدم تواجد عمهِ وزوجته بالقصر مناسباً لحمايتهم وداوود تولي مهمة حماية أخته جيداً ولكن هؤلاء لم يكن يهموهم بالفعل فنسله كانو سيقضون عليه شائو أم أبو بعد الاستيلاء علي الدولة .. كانو أذكياء ليفكرو بقلبهِ تماماً لأنه أكثر شئ سوف يضعفه ويشتت تركيزه عن خطتهم أو الإحساس بها لذا كان نزع كل صلاحيات رحيق منها ومعاملتها كجارية عادية بقصره كان الحل الأمثل له ،، لم يكن ليخاطر أن يخرجها من القصر والجميع يعلم أنها أميرته ومالكة قلبه ،، كانو ليحاولو اغتيالها وإن أنقذها مرة لم يكن ليفلح بالأخري .. الأمر كان خارجاً عن سيطرته كان ينقذ دولته كاملة .. حياة جيشه وحياة شعبه وحياتها والأهم الحفاظ علي حياته كي لاينهار كل شئ من بعده . 
كان ليستغل وجود السنيورة وحجزها والضغط علي والدها بها ولكن لم يكن يأمن شر جنوده من الإندلاع كالحريق بأركان مملكته وكان له خطة أخري وهو يذرع خلف كل واحداً منهم اثنين من جنوده أطرحوهم جميعاً أرضاً بالموت الأن في هذه اللحظة هذا غير استغلال فترة قدوم الملك الفرنسي لدولته من أجل مراسم الزفاف منذ فترة وإرسال واليين بجيوشهم إلي ولاية ذلك الملك عن طريق أخر مستوليين عليها وهذا ما نجحو بهِ بالفعل والأن ظلت له مهمة واحدة وهي شق عنق هؤلاء الأعداء بين الجميع ليكونو عبرة تعتبر لكل من يتجرأ عليه وعلي دولته مجدداً " . 

وبينما يتلو الشيخ مراسم الزفاف علي الطريقة الشرعية كان إجابة مروان علي سؤاله بالرفض التام الذي جعل أعين هؤلاء الأعداء تجحظ بفجاعة مما استمعو له عكس مخططهم الدنئ تماما لتذدرد السنيورة ريقها بخوف ناظرة لوالدها بتردد ليقف وتقف جواره بهلع وهو ينظر لها ثم لوالدها الملك قائلاً بصوت جهوري أمام الجميع من والين وبشوات وحكام وذوات أعلي المناصب بالدولة : 
" يُخيل لأعدائي أنني سأناسب عرقهم الدنيئ وأخلط دمي بدمائهم القذر " . 

كان واضحاً الأن أن مروان له خطط أخري بالنسبة لهم لذا بدون وعي أخرجت تلكَ السنيورة سكيناً من أسفل فستانها عاقدة العزم علي قتله ولكنه تدارك الموقف سريعا وهو ينهر قبضتها الممسكة بالسكين ويصفعها صفعة طرحتها أرضاً بعد أن تدحرجت بذل علي سلالم المنصة الملكية التي كانت تقف عليها منذ قليل كملكة مستقبلية لتلكَ الدولة الشامخة . 

بعد هذا انقلبت القاعة لساحة صغيرة قُتل بها هذا الملك والجنود الباشاوات المحيطين به من أتباعه بعد صدمتهم بفشل مخططهم ثم ذاعت الصيحات المهنئة والداعية للملك مروان بالصحة والقوة والنصر علي أعدائه بأركان القاعة وبين سعادة الجميع هتف آمراً بإرتياح : 
" نظفو تلكَ الفوضي حالما أُحضر عروسي وملكتكم الحقيقية ". 

خلع العباءة الملطخة بالدماء عنه قبل أن يدخل جناحه سامحاً لمشاعره وتقطع نياط قلبه أخيراً بالظهور علي ملامحه الخشنة .. يقسم أن الأمر كان صعباً للغاية عليه تماماً كما عليها هي كانت تحمل ألم حبها وهو كان يحمل ألمها ، ألم شعبه ، ألم الغدر و ألم الخوف وألمها كان أصعب ما استطاع تحمله ولكن أن تكون بين ذراعيه وأمام عينيه متألمة لفترة أفضل من أن تذهب للأبد وتختفي عن عالمه الذي يعتبر هي فقط . 

وجدها مثلما تركها لم تحرك ساكناً أو إنشاً واحداً بجسدها ،، رأسها مستكين علي جانبه كحال ما فعلته يداه وعينيها كانت شاخصة تنظر لنقطة لا تعلم ماهيتها .. عينان بيضاء لامعتين وكأنهن أثلج مثلجة تتوسطهن زمردتين داكنتين يُمثلان روعة للناظر كل هذا غير شعرها بلونه البُنيّ المُحمر العجيب فلا هو أحمر ولا هو برتقالي يفترش السرير بهوجاء مع رأسها حاجبيها الكثيفين كانو نفس اللون .. كانت جمالاً ساحراً حزيناً للغاية متمثلاً بها . 

جلس أرضاً أمامها لترمش بصمت وهي تنظر له لعيناه تحديداً ،، مُتعجبه من الدفئ التي تعرفه وقد عاد يحتل حدقتيه السوداء بين رموشه الكثيفة ،، فك قيد معصمها ثم وضع كفهِ بين طيات شعرها مداعباً رأسها بكل حنان قائلا بمرح دافئ : 
" يحتاج الزفاف لعروس هل تودين المجيئ " . 

رفرفت بأهدابها البنية بلا استيعاب وسقطت ماسة حزينة من عينيها وهي تجيبه بتوسل : 
" لا تسخر مني أرجوك " . 

جذبها فجأة بسرعة لصدره ليحتضنها ممسداً رأسها بقوة ومقبلاً إياها ثم انتقلت يديه لأعلي صدرها حيث يعلم أنه يؤلمها بكل تأكيد فهو تماماً يتألم بنفس الطريقة وأخذ يمسده بلطف ناشراً سحره الشافي حوله وهو يخبرها بتأكيد : 
" لؤلؤتي ، حبيبتي و عمري انتهي هذا الكابوس ، انتهي يا أميرتي الصغيرة " . 

لم تصدق أذنيها ولكن صدقت يديه التي كانت تتحرك لتخفف ألمها وبتردد احتضنت جزعه بهدوء أول الأمر وحين لم يمنعها أزادت من ضغط يديها وهي تحشر نفسها بأحضانه متنفسه بآآآه عالية قبل أن تبدأ بالبكاء محررة كل أحزانها بصدره متسائلة بوجع : 
" لماذا ، لماذا حدث كل هذا " . 

أجابها ومازالت يديه تعبث بشعرها برفق : 
" سأخبركِ كل شئ ولكن الأن أريد لعروسي أن تتجهز لزفافها الملكي " . 

رفعت رأسها عن صدره لتواجه وجهه قائلة بخوف : 
" أنتَ لا تمزح صحيح " . 

نفي منحنياً بوجهه ليقبل شفتيها برقة قبل أن يؤكد لها : 
" اليوم ستكونين ملكة قلبي قبل ان تكوني ملكة دولتي " . 

وقف بعد ذلك حاملاً إياها حتي باب غرفته وأنزلها ليفتح الباب مُسلماً إياها لوصيفتيها المخلصتين لتنظر لهم بترقب في حين قال هو بأمر محبب : 
" معكم ساعة واحدة لتجهيز ملكتكم للزفاف " . 

انحنتا له اثنتيهن بسعادة وقالت إحداهن : 
" تحت أمرك مولاي " . 

كانت متعلقة بذراعه فحثها علي الذهاب معهم قائلاً بهمس بعد أن قربها منه : 
" افرحي يا رحيقي لقد انتهي الحزن ،، سأراكِ بعد ساعة " . 

 دخلت الحمام مع وصيفتيها لا تصدق أنهم يجهزوها للزواج من مروان ،، هذا الحمام المعبق بالورود ساعدها للغاية علي الاسترخاء وركن كل أحزانها السابقة بجزء اللاوعي السُفلي بعقلها وكأنها أخري أرادت أن تبكي من السعادة وهما يطلون أظافرها ويجففون شعرها ويصففونه خلف رأسها ويساعدونها بإرتداء هذا الفستان الأبيض الواسع المخيط بالذهب الخالص ،، أرادت أن تبكي سعادةً كانت تتمناها وتتحقق الأن وهي تري مروان يُطالعها بكل فخر .. فخر يخبرها أن كل كلامها منذ قليل لم يكن له معني هي أبداً ليست لقيطة بنظره بل هي كل شئ .. هي من اختارها ليتوجها ملكة علي عرشه وقد أبدل ثيابه بأخري بيضاء مخيطة بالذهب كفستانها ،، كان مادداً كفيه لها لتضع كلتا كفيها بهم ثم قبلهم برفق قبل أن يتخذ مكانه جوارها قائداً إياها لقاعة زفافهم الملكية لتتحدث هي قبل دخولهم بقلب يرتجف : 
" مولاي هل هذا حقيقي " . 

قطب جبينه مُتسائلاً بعبث متؤلم : 
" مولاي ما هذا اللقب الغريب الذي اسمعه من شفتيكِ يا رحيق " . 

تنهدت وهي تقول بتعلق كطفلة : 
" نعم وأنا لا أعلم يا مروان ،، مروان يا إلهي لقد كرهت كلمة مولاي حقاً " . 

ضحك وهو يسير معها حتي تلك المنصة التي تضحرجت عليها عروس فرنسية منذ قليل والأن تطئها قدم لقيطة لتتوج ملكة بالفعل .. 
لا دعونا نعيد صياغة الأمر .. سار مروان مع رحيقه حتي تلكَ المنصة التي تضحرجت عليها منذ قليل عدوة معتدة كانت ستقتل زوجها بعد لحظات والأن تطئها قدم حبيبة السلطان الحقيقية ، رفيقته وأميرته ، ابنة عمه حتي لو لم تكن كذلك بالحقيقة والأن وبعد أن همست بحبور أنها موافقة علي الزواج وهو كذلك تم تتويجها ملكة علي عرش السلطان مروان .. 
ابتسم مروان وهو يتناول التاج الذهبي من يدي وصيفاتها ويضعهُ علي رأسها بكل فخر ثم يقبل رأسها بقول هامس : 
" مُبارك يا زوجتي " . 

ثم بصوت صائح بفخره : 
" رحبو بزوجة ملككم وملكتكم رحيق " . 

علت التصفيقات والصياحات بعد أن انحني الجميع لها أولاً باحترام ، التقط كفها بعد ذلك ليخرج معها للشرفة الواسعة التي تطل علي شعبه رفع ذراعه مُحيياً إياهم وحثها علي الفعل المثل . 
كان يوماً غير مُبهجاً ببدايته ولكنه انتهي ببهجة رائعة سرت قلبها وبددت حزنها بسعادتها الأبدية التي كانت واثقة من حدوثها . 

عقب انتهاء الزفاف الملكي خرجا معاً من القصر بثياب زفافهم ،، ساعدها لتركب بالعربة ثم ركب جوارها لتسأله وهي تحتضنه عابثة من هذا الفستان الذي يقيض حركتها ويقيض احتكاكها به : 
" مروان إلي أين نحن ذاهبون " . 

ورغم تفاعلها معه آلا أن نبرتها مازالت شجية تحمل من شجن الأيام الماضية تعباً ووهناً وملامح لم ترتاح للغاية بعد ،، داعب وجهها المستكين علي صدره وهو يجيبها : 
" سنذهب لقصر علي الساحل حيث نكون بمفردنا أكثر من القصر الملكي " . 

تنهدت شاهقة وهي تردف بتردد باسمه فقط : 
" مروان " . 

همهم لها بينما يمسد علي وجهها وكانت هي تستكين فقط لسحره يديه فهمت مجدداً وهي تشهق : 
" مروان " . 

نظر لها بتعجب كانت تنام وتردد باسمه بينما تغفو بين ذراعيه ونامت بالفعل كما لم تفعل بهدوء منذ زمن ولكن شهقاتها باسمه بين نومها قطعت قلبه ،، وكأنها ما زالت لم تصدق .. ابقاها بأحضانه نائمة حتي وصولهم لوجهتهم فأيقظها برفق لتنزل معه أمام هذا القصر الجديد علي رؤيتها فسألته بإرهاق : 
" منذ متي لديك هذا القصر " . 

أجابها برفق : 
" إنه جديد " . 

قادها لغرفتهم الشاسعة والتي تطل شرفتها علي البحر مباشرةً ودت لو تظل واقفة بتلكَ الشرفة ولكنه أخبرها بحنان : 
" دعينا نغير ثيابنا أولاً كي تكوني مرتاحة " . 

أومأت له بعيون مبتسمة وهي تطلب كطفلة : 
" هل أستطيع نزع سترتك ؟ " . 

غمز لها بموافقة وهو يقف أمامها لتشرع في فك أزاره الطويلة بهيام وهي تسأل بدون النظر لعينيه : 
" ألن تخبرني لماذا كنت تعاملني هكذا " . 

قال بجدية وهو يقربها منه ليتولي مهمة فك شرائط فستانها : 
" دعيني أنسيكي الأن كل شئ ثم سأخبرك بكل تأكيد " . 

أخبرته بزفرة حارة شاهقة : 
" أنا أثق بكَ يا مروان ،، كنتُ واثقة أن هذا سينتهي ولكن كنت أحتضر يا مروان ،، الهواء صدقني كان يُؤلمني أنتَ كل شئ بالنسبة لي أنتَ الهواء الذي أتنفسه صدقني أنا أتنفسك أنتَ " . 

وضعت وجهها بين كفيها لتبكي ليجذب وجهها من كفيها قسراً لتنظر له بشفتيها المذمومة ليخبرها : 
" وأنتِ يا رحيقي من قال أنكِ لستِ هوائي ومن قال أنني لم أتألم من تنفس الهواء المسموم حولي دونك يا لؤلؤتي ،، ومن قال أنه كان سهل عليّ ما أفعله بكِ ولكنني كنتُ مجبراً علي ذلك يا ملكتي لأجل حمايتك " . 

تعلقت عينيها بهِ بترقب ليسرد علي مسامعها كل شئ حتي انتهي لتشهق : 
" هل تزوجتني بقاعة قتلت بها العشرات قبل ساعات " . 

خبط رأسها بكفهِ هامساً بلا استيعاب : 
" هل هذا ما لفت انتباهك بالقصة " . 

ضحكت وهي تحتضنه ولم تعلم متي نُزع عنها فستانها بينما هو يسرد كل شئ ومتي أصبحا معاً بسريره تحت الدثار لتخبره بعمق : 
" أسفة أضحك لأنني كنت علي حق لم أظن أن سعادتي ستشاب معكَ يوماً حتي وأنتَ تعاملني بتلكَ الطريقة كنتُ أعلم أن هناكَ شئ خاطئ وأنني سأستيقظ لأجد نفسي بين ذراعيك هكذا لم أكن أعلم بل كنت واثقة لأنني تربية يديك لم يكن سهلاً أن أصدق عيني وأصدق أذني رغم كل ما تفعله .. لقد صدقت قلبي وقلبك وكذبتهم وإذ بي علي حق " . 

نظر لها بأعين لامعة فخراً قبل أن يُقبلها بشغف هامساً : 
" آآآآه يا رحيقي متي كبرتِ هكذا يا صغيرة " . 

عبست وهي تخبره : 
" لن أكبر أبداً سأظل للأبد صغيرتك " . 

وافقها وهو يحاول بثها عاطفته لتتمنع بعتاب : 
" ولكن كان من الممكن أن تخبرني وأنا كنت سأتظاهر معك بدلاً عن عذابي هذا أيها القاسي " . 

ضحك بشدة لتنظر له بغيظ قبل أن ينظر لها قائلاً بجدية : 
" لن أحاسبك علي نعتي بالقاسي إن اعترفتي الأن أنكِ كنتِ ستفتضحين أمرنا بغيرتك الهوجاء وطفوليتك ،، وأنكِ لو كنتِ رأيتني بأي مكان بالقصر لكنتِ تعلقتِ برقبتي متناسية بسبب غيظك كل شئ " . 

مطت شفتيها بيأس حسناً هو محق ولكنها فجأة تذكرت أمراً لتخبره بكل جدية : 
" لم أكن لأفعل لأن الأمر لا يتعلق بحياتي وحدي بل بحياتك أيضاً وأنا أيضاً لم أكن لأخاطر بحياتك حتي لو علي حساب تعاستي " . 

تنهد مرغماً وهو يحتضنها بعاطفته قبل أن ينسجم بها معها : 
" حسناً هذه نقطة لصالحك ،، سأدعك تنتقمين لتعاستك فيما بعد والأن لأحصل علي ملكتي الحُلوة ". 

في صباح ثانِ يوم كانت رحيق تجلس محتضنة إياه علي أرضية الحديقة الزراعية والبحر أمامهم ،، استند هو علي شجرة من خلفه وجلست هي علي قدميه بتملك وسعادة ، تحدثا بكثير من المواضيع حتي تطرقا لنقطة جعلتها تفكر بألم : 
" لم يعاملني أحدهم بطيب تلكَ الفترة الجميع أظهر حقده الحقيقي الكامن خلف أقنعتهم الودية المزيفة ". 

تذكرت صفعة أخته لتخبره : 
" حتي روان لقد استغلت الموقف و .. " . 

وضع أصابعه علي شفتيها مخبراً إياها : 
" بالنسبة لموضوع روان فأنا لم أخبرها أن توزع أغراضك علي الجواري هي فعلت ذلك من تلقاء نفسها ولقد وبختها علي هذا لأنها بهذا كانت لتفتح أعين الجميع عليكِ " . 

نظرت له ببسمة محببة هامسة : 
" ألم تفعل حقاً " . 

نفي مُكملاً :
" أقول لم أفعل يا رحيق وبالنسبة للجواري أنتِ أصبحتِ ملكتهم والمسئولة عنهم يُمكنكِ أخذ حقك بالطريقة المناسبة " . 

همست بتساؤل متشوقة لإجابته : 
" أنتَ لن تمس إحداهن يوماً فلماذا نبقيهن بالقصر " . 

نظر لها بعبث يقول أفهم ما تُلمحين له فرشقته بعناد غيورة ليضحك وهو يخبرها : 
" إنها العادات يا رحيقي ولكني بصدد تغيريها إن أردتِ " . 

همهمت تفكر حتي قالت بغيظ متذكرة ما فعلوه معها : 
" لا اتركهم بالقصر مثل البيت الوقف هكذا " . 

قطب جبينه متسائلاً بحيرة : 
" مثل ماذا ،، ما هذا التعبير الغريب من أين حصلتِ عليه " . 

قالت بخجل كطفلة مذنبة : 
" من الكتب التي تحضرها لي من تلكَ البلاد التي تسافر إليها " .

رفع حاجبيه بتلكَ الحركة التي تبهرها لتنظر له بترقب وهو يتساؤل بفضول : 
" وأنتِ ترددين الكلام ،، هل يصح أن تقول ملكة ذلكَ التعبير الغير لبق ،، ماذا يوجد أيضاً بتلكَ الكتب " . 

تخصرت بيد وهي تقف علي ركبتيها واليد الأخري رفعتها لجبهتها لتلمسها بإصبع قبل أن تقول ماططة حروفها برقة وهي تميل وتسحب كفها من علي جبهتها بهدوء مايع : 
" ياا جدع " . 

توسعت عينيه بصدمة من ميوعتها الذي رآها بذيئة قبل أن يجذبها له مجدداً لتسقط بين ذراعيه لتصمت هي ويردف هو بجدية أمام عينيها لتومئ له صاغرة طائعة ضاحكة : 
" سأشرف بنفسي علي حرق تلكَ الكتب ومحو كل تعبير مشابه من عقلك " . 

#تمت