-->

الفصل الرابع والثلاثون - بنات حورية



الفصل الرابع والثلاثون


غاصت بأعماق المياه معه ليلاً قبل أن يرتفع بها رغماً عن إرادتها حاضناً خصرها ،، شهقت كما شهق هو ،، تتنفس وهي تزيح خصلاتها الملتصقة عن عينيها لتنظر له بهذا الظلام متلمسة وجهه قائلة بعشق : لا أصدق أننا نفعل ذلك منذ قليل فقط رغبت بذلك بشدة ولكن لأن ماما معنا لم أستطع .
أجابها يُطالعها بكل شوقه لتلكَ اللحظة : أعلم هذا دعيني الأن أُخبركِ سري معكِ .
قطبت حاجبيها بشقاوة فهو لا ينفك أن يفاجئها مُتسائلة بحيرة : سِرك معي ! ،، كيف هذا ؟ .
تسائل وهو يحثها علي الصعود رافعاً إياها علي الصخور : هل سأخبركِ هنا هكذا .
اعتدلت جالسة علي الصخور وخرج هو من المياه بعدها برشاقة ثم أحضر المنشفة الكبيرة محاوطاً جسدها بها لتسأله : مجهزاً لكل شئ كيف عرفت أنني سأطلب أن ننزل البحر الأن .
جلس حاشراً نفسه جوارها أسفل نفس المنشفة الكبيرة ليجذب خصرها له محاوطاً إياها لصدره قائلاً بشغف : هذا سري ،، حقيقةً لم تكن أول مرة أراكِ بها بعيد ميلاد شقيقتي ،، ولكن منذ سنوات أربعة بالتحديد وأنا بدأت ألاحظك كل عام بنفس الوقت من مكاننا هذا وأنتِ تجلسين مع أخواتك قبل أن تسبحين بمفردك .
ثم غمغم بعبث أمام عينيها اللامعة المحرجة : صراحةً كنت أراقبك بتعمد وبالكاميرا أيضاً .
سعلت وهي تضرب صدره مبتسمة بخجل ،، أبداً لم تكن تظن أن أحدهم يراقبها وهي تسبح ليلاً خاصةً وأنه يقبع بمكان بعيد عنهم فلم تكن لتراه بهذا الظلام المحيط فهي لم تكن لتري والدتها وأخواتها من هنا إلا بسبب الأنوار المحيطة بالبرجولة الخشبية .
داعب أنفها مترقباً : لا تصمتي يا خجولة تحدثي هيا .
أخبرته بخجل : ماذا أقول لو كنت علمت أنك تراقبني لما كنت سبحت أبداً بهذا الوقت .
ضحك يخبرها بعبث : جيد إذاً أنكِ لم تعلمي لأن المراقبة كانت ممتعة بحق .
سألته بطفولة مراهقة : هل نسبح مرة أخري .
ضحك وهو يقف حاملاً إياها بنفي : لا كفي بهذا الوقت كي لا تمرضي غداً نفعل كل ما تريدين .
تعلقت بعنقه هامسة بخجل : أنزلني سأسير معك ثم أين نذهب .
تجاهل ما طلبته مُجيباً : لنخبر والدتك أنكِ ستبقين معي طوال الليل .
ابتسمت مُتسائلة : من المفترض أنها عطلة فتيات سأكون خجولة منهم حقاً ! .
غير مساره لمنزلهم قائلاً بمرح لتضحك : حسناً لنذهب للمنزل ونخبر والدتك بالهاتف كي لا تكون الفتاة حبيبتي خجولة .
■■■

بعد منتصف الليل فتحت حورية باب الشاليه لديم بقلب فرح .. راقبته بتسلية وهو يتنحنح بحرج مُتأسفاً لها : أسف لو كنت أيقظتك بهذا الوقت يا أمي ،، في الحقيقة اتصلت بلورين ولكنها لم تجب .
همهمت بعينين لامعتين وأجابته : نعم لأنها نائمة بالفعل ولكن يبدو أنك لم تستطع النوم حتي الأن ولهذا أنتَ واقفاً هنا أمامي .
تلاعب بعنقه وهو يجيبها بعشق : أرأيتي الخائنة أنا أقطع كل هذا الطريق من أجلها وهي نائمة بهناء .
ضحكت حورية لتدعو لهم : ليزيد الله محبتكم يا بني ،، تعال لأدلك علي غرفتها .
رحلت لغرفتها بعد أن تركته بداخل غرفة ابنتها تدعو وتدعو أن تُقر عينيها برؤية سعادتهن فقط قبل رحيلها هي الأخري وكأنهن مسئولية كبيرة وزاد حملهن بعد وفاة دياب فكيف كان هو يرعاهن كلهن بكل حب .. حبه الذي وسعهن وأكثر فشمل أمانهن وراحتهن .. والأن وبعد أن سلمت كل من طفلتها لأخر يتحكم بخيوطها تتمني أن تجدن كل واحدة منهم دياب أخر معها .
دخل ديم الغرفة المظلمة إلا من نور ضئيل جوار سريرها ،، كانت نائمة علي ظهرها بهناء .. هادئة وكلتا كفيها علي معدتها وكأنها تحتضن صغيرها الذي ينمو بداخلها .. وقف جوار السرير يخلع بقدميه حذاءه ثم نزع كنزته الصيفية وألحقهم بساعته .. وأفرغ بنطاله من هاتفه ومحفظته قبل أن ينخفض السرير قليلاً من ثقله جوارها وهو يقترب منها بكل هدوء مستنداً علي ذراعهِ وبالأخري داعب وجهها وخصلاتها قبل أن يندس بين تجويف عنقها مقبلاً إياها بكل هدوء ويعلم أن نومها خفيف ورغم هدوءه شعرت به وبذراعه التي جذبت خصرها ليقربها من صدره فهمست بتشوش : ديم
استنشق رائحتها قائلاً بهيامه بها : اشتقت لكِ يا روح الديم .
اعتدلت لتندس داخل ذراعيه كطفلة وكم افتقدت دفئه ودفئ سريره حين وجدت نفسها بنهاية الليل بمفردها بغرفة مُظلمة وحدها مُجيبة إياه : وأنا أيضاً يا حبيبي المجنون ماذا تفعل هنا بهذه الساعة .
احتضن جسدها ليُغمض عينيه براحة قائلاً : لقد وافقت علي سفرك ولكن لم أخبرك أنني سأعتاد النوم بدونك صحيح ! .
ابتسمت وهي تحتضنه كما فعل مُجيبة إياه بهمس ممتنة له ولحبه ولتملكه ولكل شئ يفعله من أجلها وكونه هنا الأن بعد أن نامت بصعوبة بدونه : شكراً .
■■■

بعد انتهاء عشائهم وبنهاية الفيلم الذي شاهداه معاً وهو ينام علي قدميها كطفل تائه وجد والدته أخيراً ،، اعتدل رافعاً جسده قليلاً لأسفل معدتها مُحاوطاً خصرها ومخبراً إياها :
أود التحدث معكِ يا سبأ ليلاً ونهاراً وبكل وقت ،، أود معرفة كل تفصيلة صغيرة وكبيرة عنكِ وأود بشدة أن تعرفينني كذلك .. تعرفين حقيقتي التي تاهت مني لفترة فأذيتكِ وأذيتُ غيرك .
انخفضت نبرته بندم ذنبه بالنهاية لتبدأ بالعبث بخصلاته البُنية متنهدة بقوة قبل أن تُجيبه برفق : تحدث إذاً أنا أسمعك .
ابتسم بألم لتنظر له باستفسار فيجيب تساؤل عينيها : حين تقولين هذا بكل طيب قلبك أتعذب ،، حين تقولين سأستمع لهمك بكل صدر رحب رغم ما فعلته بي أعرف كم أننى شخص ..
وضعت أناملها علي فاهه تمنعه من الاسترسال في ذم نفسه قائلة بهدوء : سفيااااان أنا قررت مُسامحتك لذا لن أكون شخص طيب لو لم أُساعدك بمُسامحة نفسك أيضاً ،، ألم تقل لي أنكَ تُغير من نفسك لأُسامحك وأنا لو لم ألمس هذا التغيير لما كنت سامحتك لذا توقف عن تذكر كل شئ ..
ثم مزحت معه بصبر : أساساً من المفترض أن تقول أنتَ هذا الكلام لي وألا تجعلني أتذكر شئ ولكن ..
اعتدل رافعاً جسده مواجهاً إياها بعينيه الدامعة لتقطب شفتيها بحزن من حالته وهو يحيط وجهها بحنان مقاطعاً حديثها :
ولكن أنتِ ملاكي ونوري التي أنارت حياتي وشعلة إيماني الجديد و ..
تهدجت أنفاسها حين قرب وجهه منها مُتابعاً بطلب يائس : وأود أن أقبلك الأن هل تسمحين .
بالكاد حركت أهدابها بصمت وقلبها الذي يُحبه يذوب نبضاً ليقترب بتردد وبهدوء مُتغلغلاً بين نعومتها من جديد ، ذائباً بين ثنايا قلبها اللين الحنون وواجداً ذاته المفقودة بين أضلعها الصامدة بقوة بعد أن أعطته شرف الفرصة من جديد .
■■■

أي صباح رائع هذا ،، تتذكر كيف دخل لفراشها ليلاً فأدفئه بعد أن كان بارداً ،، دارت حول نفسها بالزي الأصفر الربيعي التي ترتديه وهي تدندن بخفة وتنتظره أن يتجهز لينزلا للشاطئ معاً .
ما إن خرج حتي دارت حول نفسها حتي وصلت له لتسمح لنفسها بالوقوع بين ذراعيه ليضحك معها مُتأملاً جمالها خاطفاً ثغرها بترحاب في الصباح قبل أن يبعدها عنه ناظراً لثوبها الذي لاحظ به أشياء وليس شئ واحد ليتأكد بتجهم مما لاحظه فتابعت بتوتر تجهمه هذا لتسأل بحيرة :
لا تقل أنه يُغضبك ! .
تجهمه كان مُضاعف وهو يسأل : ما الذي سيغضبني تماما يا سيدة لورين ،، الثوب أم أنكِ كنت سترتدينه وأنا غير موجود .
حركت رموشها ورفعت حاجبيها تعبيراً عن امتعاضها وحيرتها لتسأل بخفوت : ما بهِ ثوبي يا ديم حقاً سأمت .. سأمت من مشكلتك معي .
جذب ذراعيها له يتسائل بصبر : مشكلتي معك ! مشكلتي مع ثيابك يا لورين هل هو غير واضح ما أقوله لا ترتدي شيئ يظهر جسدك هل هذا غير وااااضح .
علت نبرته بالنهاية رغماً عنه لتبتعد عنه قائلة بهدوء عقلاني :
لا يا ديم مشكلتك معي وليست مع الثياب ،، أنتَ تزوجتني هكذا ،، ولكن المشكلة بك وبتحكمك ،، أنتَ ترضي نفسك وتملكك بقول ارتدي هذا ولا ترتدي هذا ولكن بالحقيقة أنتَ تريد أن تضعني بمنزلك ولا تخرجني منه أبداً وهذه هي المشكلة .
ابتسم بشراسة وهو يجذبها مقبلاً ثغرها بقوة وكأنه يعاقبها علي ما تفوهت به ليقل بعدها مُعيداً لذكرياتها تلكَ الليلة : غيري ثوبك ولا تغضبيني بدلاً من أن تحدث مشاكل ،، لا تجعليني أذكرك بأخر مرة غضبت بها يا لورين .
امتعض وجهها بألم من الذكري ومن حديثه لتدفعه عنها قائلة بتحدي وعينيها تلمع بقوة متمردة : حقاً هل ستجرأ علي تذكيري بها مجدداً أنا حقاً متشوقة لذلك أفعلها هيا لأننى لن أغير ثوبي .
مسح على وجهه مهدأ نفسه وهو ينظر لها بضيق ،، هو يستحيل أن يعيد تلكَ الليلة مرة أخري ،، مستحيل أن يؤلمها هكذا مجدداً فهمس  برفق : لما لن تغيريه أي رأي يُهمك غير رأيي بمظهرك .
شاورت على نفسها لتجيبه بحده نابعة من تذكيره لها بتلك الليلة ولا تعلم كيف تجرأ وهددها بهذا مرة أخري : أنا يُهمني أنا وما أريده أنا يا ديم .
رفع كفيه يتلاعب بهم مهدأً ذاته قبل أن يجذب رأسها بخشونة قليلاً أمام وجهه قائلاً : كم مرة أيضاً سأخبرك صوتك لا يرتفع ونحن نتحدث .
صرخت به وهي تحاول دفعه عنها : بماذا أنا أتحدث  وبماذا أنتَ تتحدث ،، هذا ما يُهمك تماماً ،، أنتَ ونفسك وتملكك وأنانيتك فقط . 
صرخت وكفيه يقبضان علي شعرها بقسوة يهزان رأسها بنفاذ صبره : أنا أغار ،، أغار عليكِ .. لا أريد لمخلوق أن يري أصابعك حتي .. شعرك .. قدميك .. يديكِ كلهم ملكي فقط .
تابع غير واعياً لخيبة أملها وعيونها المُتألمة :  تعلمين إنها فكرة رائعة إبقائك في المنزل لي وحدى كى لا أرتكب جريمة يوماً ما .
لا تعرف كيف طلبت منه بهدوء رغم دموعها الصامتة ولكنها طبيعتها ستتغلب عليها الأن،، لقد طمست طبيعتها تلك كثيراً منذ يوم زواجهم ، هي نسخة أبيها الثانية بعد جيلان لن ترتضي بتملكه هذا بعد اليوم : اترك شعري .
وكأنه وعي لذاته فترك شعرها دون ترك رأسها ،، متفحصاً بعينيه وجهها وملامحها ونظرة عينيها الجديدة ترشق صدره بألم قبل أن يجذب رأسها لصدره قائلاً برفق : لم أقصد أن أؤلمك ..
قاطعته وهي تتملص من بين ذراعيه قائلة بجدية : بلي قصدت يا ديم ولكن الحق ليس عليك بل الحق علي أنا ،، لقد أهنتني وأذللتنى مرة وأنا صمتت وكأنه كان حقك أن تفعل بي أكثر من ذلك ولكن الأن لن أسمح بهذا مرة أخري .
ثم تركته ورحلت متجاهلة همسه باسمها وظل عاجزا ليومين لا يستطيع التحدث معها حتى لحين عودتهم جميعاً فاجئته أمام الجميع بقولها أسفل بناية والدتها : أنا سأبقي هنا لن أعود معك للمنزل .
وتركت سيارته تاركة إياه لنظرات حورية المُطالبة بتفسير ! لينزل هو الأخر منها مُسرعاً يلاحقها ،، أوقفها قبل دخول البناية مُمسكاً بذراعها قائلاً برجاء : لورين خاصميني كما تشائين ولكن بمنزلنا يا عزيزتي ،، تعالي معي وسنتحدث بهدوء .
فاجئته بقولها الصامد بكل هدوء : لن أنتظر الصفعة القادمة يا ديم .
توسعت عينيه للحظات بألم وهو يخبرها برفق :
لم أقصد صدقيني لقد غضبت و ...
نزعت يديها قائلة بإصرار قبل أن تتركه وترحل بكل جدية أنذرته أنها لن تستسلم لرغبته :
حين تصل لتواصل مع غضبك أولاً نجلس ونتحدث .
■■■

ليلاً جلست لورين مع حورية ورسيل وسبأ بعد أن طلبت من والدتها أن ترتاح أولاً قبل أن تُجيب استفساراتهم ،، وبعد أن ارتاحوا كلهن نزلت سبأ من شقتها لتجمع أغراضها مجدداً بمساعدة رسيل ولورين وحورية صنعت لهن بعض البسكويت لأن ثلاثتهن يحبونه .
وضعته أمامهن وجلست تتوسطهن لتحتضن كفي سبأ مُتسائلة برفق : هل أنتِ مرتاحة يا حبيبتي .
أومأت سبأ بخجل قائلة : نعم لقد تغير سفيان بالفعل ،، إنه الأن شخصاً أخر تماماً ،، شخصاً كما تخيلته تماماً .
ثم تنهدت مُتابعة برجاء : أتمني فقط ألا أندم علي تلك الفرصة ولكنني مرتاحة جداً يا حبيبتي لا تقلقي .
دعت لها حورية برجاء من ربها لطفلتها : بإذن الله لن تندمي يا حبيبتي ، ليهدأ الله سركم .
ابتسمت لها وهي تنظر معها للورين لأن الدور عليها ،، لتخبرهن الأن لما هي بينهن رغم علمهن بأن ديم لا ينام ليلة بدونها وبرغم اتصالاته المتكررة وكأنه يتقلب علي نيران حارقة دونها .. تنهدت لتبدأ حديثها بألم : لا أعلم إذا كنت مخطئة أو لا ولكن ما أعلمه أنني منذ زواجنا أنا وديم وأنا سلمت له نفسي ، عقلي ، قلبي ، روحي ، تفكيري ، وكل شئ بحياتي لقد جعلت من نفسي أخري لا أعرفها فقط لأرضيه وأرضي تحكماته وما اكتشفته مؤخراً أنني كلما رضخت له كلما زاد تملكه وكأنني قطعة من الماس يخشي عليها كل شئ لدرجة أن ..
صمتت متنهدة ماسحة وجهها بضيق صدرها لتسألها حورية بهدوء : كيف تحكماته تخقنك هكذا وكيف تقولين أنه يُعاملكِ كالألماس .
أجابتها رسيل بحنق وكأنهاا باتت عدوة كل الرجال : كالألماس يا أمي يعني وكأنه يضعها بخزانة مظلمة سوداء لا يخرجها منها لأنه يخشي أن تنكسر والحال الظاهر للجميع يقول أنه يُحاوطها بقماش ناعم كالحرير حتي لا يُصيبها مكروه ولكن عينيه لا تري الظلام الذي يضعها به .
نظرت حورية لها بأسي علي حالها هي وليس علي حال لورين وسألتها برفق ويكفيها أنها باتت تتجاوب معهم حتي لو كانت حانقة هكذا : وبتلك الحالة برأيك ما الحل .
نظرت رسيل للورين الهادئة تنتظر إجابتها والحال أنها فكرت بكل كلمة قالتها رسيل وكأنها وصفت احساسها تماماً ،، بالبداية كان هذا التحكم يعجبها وتراه اهتماماً بالغاً حتي بدأ يخنقها ويخنقها ولكن كلمات رسيل التالية صدمتها قليلاً : الحل يقع علي الطرفين في حالة وعلي طرف واحد في حالة .. يقع علي عاقبيهم هما الاثنان إذا كان اسلوب التحكم هذا يضر بكِ يا لورين ومن صمتك هذا بعد أن وضحت كلامك فأنا أقول أنه يُضرك .. ولو لم يكن كذلك ،، أي لو أنه فقط يطلب منكِ شيئاً بكل حب بينكم ويود أن تُطيعه فعليكِ طاعته .. لأن طاعته واجبة عليكِ يا لورين .
صمتت لورين ناظرة لعينيها بقوة ،، عينين رسيل كانت تخبرها لو يؤذيكي فقولي لأقطعه بأسناني وعينين لورين كانت تقول كيف تعلمين كل شئ هكذا لتسأل رسيل بترقب : يؤذيكي صحيح .
انتفخ قلب لورين ألما وتضرجت وجنتاها بحمرة مشتعلة وهي تنظر أرضاً لتقف حورية مُتجهة لها محتضنة وجهها قائلة بأسي : ماذا يا صغيرتي لا تؤلمي قلبي أرجوكي قولي لي كل شئ وأنا معك بأي شئ تريدينه أنا هنا من أجلك ،، أنا هنا من أجلكن جميعاً ومن بعدي سيبقي هذا البيت لكن جميعاً .
احتضنتها لورين قائلة : بعد الشر عنكِ ،، لا تقولي هذا يا ماما أرجوكي .
ابتسمت حورية تجيبها : الموت ليس شر يا ابنتي وهذا اليوم سيأتي كما أتي يوم والدكن لذا كل ما أرغب به أن أطمئن عليكن حتي لو بدون رجل معكِ ،، ربما حياتي كانت متعلقة بوالدك ،، فدياب كان محور عالمي كله ولكن هذا ليس دليلاً أن محور الحياة رجل وهذا ليس تشجيعاً مني أيضاً لتتخلي عن زوجك لأنه يؤلمك ولكن كي تخبريني بكل شئ ،، لا تخجلي ولا تخبئي شيئاً لأن رؤيتي للأمر ستكون غير رؤيتك له .
نظرت للأرض تخبرها وهي خجلة بالفعل ،، خجلة من تهاونها بألم مع الموقف حتي تمادي هو وكان سيفعله مرة أخري : لقد ضربني مرة .
وضعت سبأ كفها علي فاهها تعض علي شفتيها بألم كحال عيناها وقبل أن تسأل لماذا صاحت رسيل :
كنت أعلم وسألتكِ من قبل ولكن لم تخبريني ،، لم أتفاجئ حقيقةً إنه حقير أخر من الحقراء الذي تزوجناهم .
نظرت حورية لها بغضب عينيها لتزجرها قائلة كلمة الحق : ومن قال أنكِ تزوجتي بحقير إنه أفضل ابن أدخلته بيتي حتي الأن لذا لا تجعليني أتحدث .
تقهقرت عينين رسيل بصدمة من موقف أمها ،، هي لم يُخفي عليها تعامل والدتها الغير راضٍ مع موضوعها ولكن هذه أول مرة تتحدث معها هكذا ،، كما لم يُخفي علي حورية التغير الغريب بها كلها شخصيتها وتفكيرها وكل شئ وكأنها ليست ابنتها ولا تعرفها ،، وقفت رسيل تقول مبتلعة صدمتها :
حسناً تصبحون علي خير .
والحال أيضاً أنها تهرب هكذا كلما تحسست من أي شئ ولكن حورية هتفت بحدة : اجلسي مكانك لم ننهي حديثنا .
عادت تجلس بوجه محتقن وهي ترجوها : أريد أن أنسي لذا لا تفتحي الموضوع أرجوكِ .
سألتها بجدية : ما الذي تريدين نسيانه ،، طفلك !! ولن تنسيه أبداً سيظل ذكراه معكِ دائماً لأنه أول فرحتك ،، بالنسبة لزوجك المريض ماذا !! هل ستنسيه هو الأخر .
أومأت رسيل بدموع : نعم سأفعل سأتطلق منه .
أومأت حورية بانصياع : كما ترغبين ستتحدثون وتنهون الأمر سوياً عاجلاً أم أجلاً .
تنهدت سبأ والتوتر الذي يعم المكان يحزنها حتي تذكرت لورين لتسألها بضيق : ما سبب ضرب ديم لكِ وكيف ضريك يعني .
أخبرتهم وقد خيم الحزن علي تلكَ الليلة : أنا استفززته ولكنه من قبلها هو استفزني و ..
قصت لهم الحادثة لتتسائل رسيل بتوتر ،، تريد أن تُنهي تلكَ الجلسة لأنها تتألم وتريد الإختلاء بذاتها : إن تحجبتي هل يتوقف ديم عن تصرفاته ! .
نظرت لورين لها بحيرة قائلة : لا أعلم لا أظن هذا .
تحدثت حورية بألم " كيف تذهب الأن وتخبره لما ضربت ابنتي من أكثر من اسبوعان " بعد أن سامحته ابنتها : انظري أنا أري أن الأمر يتعلق بثايبك فقط وغضبه فقط لأن كل مشاكلكم تصب بالنهاية عليهم لهذا يجب أن يتنازل كلاً منكم وبالنهاية بكل طريق إما فرصة وأخري كما فعلت أختك سبأ أو النهاية كما تريد رسيل وأنا لا أظن أنكِ تريدين الانفصال عن زوجك صحيح .
ارتعش جسدها نافياً مع نفسه ما تقوله والدتها ،، أي انفصال هي لا تريد الانفصال ولكنها همست بارهاق : ديم لم يسمح لي بالإبتعاد ولو قليلاً أبداً وأنا كل ما أرغب به ان أعود لورين التي تعرفونها ،، أن ابتعد عنه لبعض الوقت ،، أريده أن يشعر أنه يُخطئ بحقي أيضاً ،، أريده أن يسيطر علي غضبه ،، أريد أن نكون نحن ديم ولورين لا هو فقط ! .
■■■

جابت حورية غرفتها ذهاباً وإياباً بعد صعود سبأ لشقتها ودلوف كل من رسيل ولورين لغرفهن ،، تُفكر وتُفكر ،، يؤلمها كيف قست علي رسيل ويجافي النوم عيونها بسبب ذلك ،، كيف تنام وقد أحزنتها هكذا .. كيف تخرجها من حالتها لا تعلم .
خرجت مُتَجهة لغرفتها ،، فتحت بابها ليستقبلها الظلام الا من نور ضئيل جوار السرير الذي استكان جسد رسيل عليه فأغلقت الباب خلفها واتجهت لها ،، جلست جوارها من الجهة الصغيرة لتداعب وجهها وهي تهمس بحنان : رسيل ابنتي .
فتحت رسيل عينيها تنظر لوالدتها فتقبل حورية جبينها وهي تخبرها : ساامحيني يا صغيرتي .
احتضنتها رسيل وهي تشرع ببكاء أصبح دائماً علي حافة عينيها فتقول حورية بألم : ماذا أفعل لتعودي كما كنتِ ،، أدفع عمري كله لكِ يا عمري وتعودي مشرقة مجدداً .
لم تتوقف عن البكاء وهي تخبرها : لا أعرف يا أمي أي شئ لا أعرف صدقيني هناك جرح فظيع بقلبي لا أعرف كيف أخرجه .
تنفست حورية بحدة وهي تخبرها بلطف : لما لا تسمحي لزوجك بمداواته صدقيني كل ما تحتاجينه أن تكوني معه .
نفت رسيل بشدة والواضح أن عقلها هو الذي ينفي لذلك قلبها يهوي بالهاوية لأسفل وأسفل دون رادع ،، فأومأت حورية لها وهي تمسد علي رأسها وشعرها وظهرها : حسنا كما تريدين هيا يا حبيبتي انسي كل شئ علي صدري ونامي .
شهقت رسيل هادئة بعد مدة وحورية ترقيها بآيات قرآنية حتي نامت ونامت هي جوارها مبتلعة ما في جوفها من الحديث حين رأت حالتها التي لا تتقبل شئ .
■■■

غاضباً وعصبياً ،، تلكَ كانت حالته منذ أن أتي للعمل خاصةً ولورين لم تأتي وهو الذي كان بانتظارها بعد أن انفلق اتصالاً بها ولا تجيبه إلا برسالة جامدة وبارده : أريد الابتعاد قليلا لا تتصل لأنني لن أجيب .
كيف تلظي طوال الليل بدون رؤيتها جواره ،، هو يتنفسها ،، يعشقها عشق فاق قلبه حتي علي شملهِ ،، هي لا تعلم كم يُبذل مجهود وهو يتحمل رؤية هذا ونظرات هؤلاء لها وفقط يُقنع نفسه بثيابها الواسعة التي لا تظهر شيئاً ولكنها تبقي جميلة .. جميلة فوق الوصف .. كم يتمني لو يأخذها لأي مكان وحدهم ويحيي حياته معها دون عمل .. فقط يُحبها وتحبه .. يعشقها وتعشقه .. حتي طفله القادم يغار منه عليها .
استمع لهاتف مساعدته يرن فأجاب بغضب :
ماذا ألم أقل لا أريد مكالمات .
قالت برعب من فضبه بتوتر : أستاذ سفيان هنا يقول أنه من العائلة .
توسعت عينين ديم للحظات وهو يقف قائلاً بسرعة :
ادخليه فوراً .
ترك مكتبه متوجها لسفيان الذي دخل بتجهم ملامحه ليتسائل ديم بلهفة وقلق : هل لورين بخير .
نظر لهُ سفيان بملامحه الوسيمة التي تحمل لمحة غربية مُتأصلة من حياته هناك ولكن تلكَ الملامح كانت غاضبة بطريقة جديدة .. غضب جديد هو بذاته لأول مرة يكتشفه وسبأ تُخبره بحالة لورين بعد أن ألح عليها وقد رأي حزنها وقلقها الواضح .. نيران اشتعلت بداخله .. غيرة أخوية أثارت غريزة رجولته ليجد نفسه أمام شركته والأن أمامه يُطالعه بتذمت قبل أن يُعالجه بلكمة تركت أثرها بوجهه ثم يتجه لمكتبه جالساً علي الكرسي بضيق .
قبض ديم فكه متشنجاً بغضب وهو يجبر جسده علي الجلوس أمامه فتحدث سفيان بضيق : هذا لأجل لورين كي لا تظن أن لا أحد خلفها أنا أخاهم جميعاً وإن تجرأ أحد علي ابنة من بنات عمي سيجدني بوجهه .
مسد ديم علي جانب عينيه قائلاً بحدة تنفسه : هل هذا ما تريده لورين .
أرجع سفيان ظهره للخلف ليخبره : لا تعرف أنني هنا حتي ولم تخبرني شئ ،، سبأ من أخبرتني أنكَ ضربتها من قبل .
سأله وقد هدأ قليلاً : وهل أخبرتك ماذا فعلت .
ضيق سفيان عينيه وهو يخبره بحدة : لا يُهمني ما فعلت بعد ما فعلته أنتَ ،، انها امرأة لا حول ولا قوة لها أمامك لذا ليست رجولة أن تستقوي بعضلاتك عليها ،، هذا ليس حلاً لأي مشكلة . 
أغمض ديم عينيه وقلبه يدق بألم مُتذكراً إياها وهي أسفل جسده الضخم تتوسل باعتذار ليقل باهتزاز عضلات وجهه : أعلم أنني أخطأت حينها .
أومأ سفيان برضا من اعترافه بالخطأ ليخبره : وأنا لست أفضل انسان بالكون لأحاسبك وأنا ارتكبت العديد من الأخطاء التي تجعلني غير آهل لذلك ولكن أنا مع أخواتي دائماً هل تفهم هذا .
أومأ ديم مُبتسماً بضيق قائلاً : أساساً لم أتمادي هكذا لأنني اعتبرها وحيدة وبدون سند ،، أنا فقط لا أري أمامي أحياناً حين أكون غاضب بشدة .. لذلك شكراً لك ولكن أنا سندها أيضاً بتلكَ الحياة ولن أفعل هذا مُجدداً بإذن الله .
أومأ سفيان وهو يقف باعتذار : دعني أذهب إذاً ،، أظن أن الباقي ستحله أنتَ . 
ابتسم ديم مُمتنناً وكأن سفيان ولكمته أفاقته قليلاً ،، يعلم أن يديه أقسي من يدين سُفيان فكيف تحملت لورين .. أغمض عينيه بغضب وهو يضرب الطاولة الصغيرة بقدميه بعد ذهاب سفيان غير مُحتملاً كل هذا الوقت دون رؤيتها لذا أخذ أشيائه وغادر مُتجهاً لمنزل حماتهِ .
■■■

وقف أسفل البناية يعيد الاتصال بها وطوال الطريق يتصل ويتصل ولا تجيب ،، يبتسم لأنها لم تُغلق هاتفها ،، تحتاج أن تشعر باهتمامه رفم خصامها له ،، أرسل رسالة محركاً قدميه باهتزاز منتظراً :
" أنا بالأسفل هل أصعد أم تنزلين قليلاً !! " .
بدا له أنها تستنكر حديثه ولا تصدقه وهي تراسله :
" قليلاً !! " .
أيد لها الأمر بصدق لتخبره أنها ستنزل ،، كان واقفاً بسيارته بالجهة الأخري من الطريق ،، وقفت تنظر لسيارته بهدوء وعينين مرهقة من الليلة التي لم تنم بها من كثرة التفكير .. كيف لم تلمس تملكه لكل ما هو ثمين وسيارته العجيبة وحدها تساوي ثروة .. نظرت للطريق وقبل أن تخطو للجهة الأخري وجدته يُمسك بكفها لتشهق بذهول .. متي نزل من سيارته وجاء لها ولكن لمس قلبها بحركته الحنونة وهو يحاوطها ليقطع معها الطريقين حتي سيارته ،، تجاهلت الباب الذي فتحه وهي تتجه للمقاعد المواجهة للنيل وتجلس عليها .
تبعها يُخبرها برفق وشوق : تعالي نجلس بالسيارة لن أختطفك ،، سأدعكِ تنزلين مجدداً صدقيني .
هي تشك به ولكن ليس بكلمته طالما قال هكذا فلن يأخذها عنوة بالفعل ولكنها هتفت رغم ذلك : لا يوجد فرق هنا مثل هناك .
ابتسم بعبث وهو يقول بتحدي : إذاً تعالي .
تأففت وهي تقف لتركب بسيارته وحين ركب جوارها قالت بجدية حانقة : تفضل ماذا تريد ؟ .
كان يود تقبيلها بشدة ولكنه شعر بها بعيدة عنه رغم هذا القرب وتوقف الحديث بحلقه وهو يسند رأسه للخلف بإرهاق ويكفي أنه رآها ،، نظرت له بحيرة تسأله : ألن تتحدث !! .
أغمض عينيه وهو يخبرها بصدق : لا أعرف ماذا أقول وكنت أريد رؤيتك .
تحركت تفتح بابها وهي تقول : حسناً سأصعد للمنزل .
جذب جسدها وأغلق الباب ليهتف بنزق : ما هذا العناد .
أخبرته بحدة خافتة : رغبت برؤيتي ورأيتني سأذهب إذاً .
تنهد وهو ينظر لعينيها : أود تقبيلك ولكن تلكَ النظرة بعينيكِ تمنعني ،، وكأنني لا أعرفك .
أغمضت عينيها للحظات عنه ليقطب حاجبيه بتفكير فيما تُفكر به حتي هتفت بضيق : هل جئت لتقول هذا فقط .
صمت لتعرف جوابه ،، لقد أتي بدون تفكير ،، لا يري المشكلة أساسا ولا يظن أنها تنتظر إعتذاراً أو محادثة ناضجة ،، لذا أخذت صمته كتأييد لأفكارها وهي تنزل من سيارته دون اعتراض منه تلكَ المرة واتجهت للمنزل ،، لقد وضعته باختبار اليوم دون وعي منه .. ثيابها كانت فستان واسع ربيعي قصير بالكاد يصل لركبتيها وأكمامه تصل لنصف ذراعيها ويبدو أنه لم يري ماذا كانت ترتدى أساساً لأنه لم يعقب !! .
لذا هي بالطريق الصحيح ،، لقد سأمت ضعفها له رغم حبها لذا ليعرف كلاً منهم ما يريده أولاً .
■■■

والحبيب في انقلابه مُتعذباً .. خاوياً ..
وخالي الوفاض من حنان ينتمي لها وغضباً مُتشعباً بداخله منها !!
بعد ثلاثة أشهر
وقف صهيب جوار أخيه أمام الدار الكبيرة الذي ترعرع بها حتي ضاقت حول أنفاسه فتركها طائراً راغباً بالحرية وبحياة ذات نكهة أخري ولكن أبت والدته تركهِ يهنئ بتلك الحياة ،، واليوم يعود لهذا الدار لسبب كان لزاماً عليه أن ينفذه منذ زمن بعيد .. منذ كانت الشكوك تنهشه وينفيها هو بيأس وصبر حتي تأكدت وأصبحت يقين مُعذباً لروحهِ الملكومة .
وقف جوار أخيه الذي قاد الطريق الطويل من القاهرة لهنا يجيبه علي تساؤله إن كان يرغب أن يدخل معه لجده ووالدته ويكون جواره فيُجيبه صهيب : لا يا أخي ذلكَ أمري وحدي اذهب أنت لتُنهي أعمالك سريعاً كي نعود بأسرع وقت .. لا أود البقاء هنا لفترة كبيرة .
أومأ أخيه مُتفهماً وهو يتركه راحلاً ففي الثلاثة أشهر المنصرمة الماضية كان هو الأخر يواجه موجة تبعثر شديدة بين جده ووالدته وبين عائلته الصغيرة التي ربحت كفتهم وأصبح مُنشغلاً بالعمل علي استقرارهم وآمنهم فقط .
دخل صهيب المنزل الكبير مُتابعاً بشرود مؤلم غير مُصدق ترحيب والدته الحار بهِ .. كان جامداً بين ذراعيها وهي تحتضنه ،،  لم يعد يدرك  هل مشاعرها تلك مزيفة أم حقيقية ولكن كيف تكون حقيقية وحدث ما حدث ،، كيف تكون حقيقية وبين أضلع صدرهِ غرست سكينا تالماً ينحر عظامه ألماً .
من بعيد راقب ملامح جدهِ الجامدة كالعادة كصخر ولكن عينيه تلكَ المرة كانت وكأنها تتألم بحسرة علي فقدانه أولاده بحياة عينيه موتاً والأن فقدان أحفاده بُعداً .. حسرة علي الحياة التي هرم بها بطريقة خاطئة وكأنه الأن وهو ينظر لها من أولها لأخرها علم كم كان خاطئاً وكم أخطئ بحق الجميع ونفسه .
ارتفعت شفتي صهيب بسخرية وهو يُتابع نظراته الذي فهمها جيداً .. لطالما حذره هو ووالده من قبله أنه سيندم وسيكون ندمهِ مُتأخراً .. مُتأخراً جداً .
ابتعد عن ذراعي والدته بنفور حين أخبرته كم اشتاقته ليتحدث ضاغطاً أسنانه بقسوة : أحقاً اشتقتي لي ،، لما لا أصدقك يا أمى .
صمت قائلاً بوجعه علي طفله وهو يري ملامحها المنزعجة من قوله : أمي أقولها فقط لأجل الله ولكن والله ما فعلتي بي لا يرضي الله أبداً يا أُمى .
نزلت دموعه بعجز بنهاية حديثه ليتركهم غير عابئاً بهم مُكملاً بصدمة : ألم يُكفيكم ألم قلبي مرتين وأنا أدفن أخت وأخرج الأخري من قبر دفنتموها بهِ حية ،، ألم يُكفيكم يُتم حفيدكم مالك ،، ألم يُكفيكم لتجعلونني أدفن صغيري بيدي .
صرخ بوالدته : ما ذنبه ؟ طفل صغير لم يتم شهراً واحداً ما ذنبه !! من ستجعلونني أدفن أيضاً .
صرح جده بانهزام أمامه : لم يكن لي دخل بموت ابنك يا بني صدقني .
صرخ صهيب مُجدداً : إن لم يكن لكَ دخل بموت ابني فلكَ دخل بموت أختى وبموت زوجها وبيتم مالك وبكل من تخلصت منهم لأجل العادات والتقاليد المتخلفة .
قال الجد بجمود : أختك هربت من هنا مع رجل وأحنت رأسنا .
ضحك صهيب مُجيباً : هل ارتفع رأسك بموتهم .
تابع بقسوة : لا أعلم لما مازلت أراه مُنحنياً يا جدي .
توسعت عين الرجل الهرم من حديث صهيب ولكن صهيب أكمل : أتعجب لما لم تقتلنى أنا أيضاً ،، فأنا ساعدتها علي الهروب منكم وليس لأجل رجل كما تزعم .. أنا زوجتها وحدي لأخلِ مسئوليتها منكم ليس لأن تقتلوها وتحملونني ذنبها وذنب زوجها ،، أنا خرجت عن طوعك وأخذت أصغر أحفادك بعيداً عن يديك حتي لا يطالها ما طالنا ومع هذا لم تسلم منكم وأصبحتم كابوسها ،، أنا أحببت امرأه وانجبت منها طفلاً وكونت عائلة معها فسلبتموني تلكَ العائلة،، ماذا تريدون منا فقط أخبروني ماذا تريدون .
همست والدته برفق : صهيب ابني فلتهدأ و ..
قاطعها بعجز متوسلاً : لا تقولي ابني ،، لم أعد أصدق أن بداخلك ذرة حب واحدة لي أو لأحد ابناءك ،، لو كنت ابنك لما قتلتيني ودبحتيني بقتل ابني حتي لو كنتِ تكرهي زوجتي ولكن أنا أعلم ما يُهمك يا أمي ،، كل ما يُهمك هذا ..
شاور بيديه علي المنزل الكبير مُتابعاً : كل ما يُهمك الدار الكبير وإرث العائلة وسيادتك و العادات المتأصلة بدمك والتي من أجلها ضحيتي بنا جميعاً .
صمت مُتنفساً بقوة ، صدره يضيق ويضيق فلا يجد مُتسعاً للهواء بداخله وكلاهما أمامه يُتابعانه أحدهم ببعض الألم من بشاعة هيئته المؤلمة ومن ظل الموقف فقط دون ندم والأخر بحسرة لم تعد تفيد بشئ .. ظل صامتاً للحظات حتي استطاع التحدث مجدداً قائلاً بهدوء تعبه وهو يعطيهم الملف الذي كان بين يديه :
هذا تنازل عن إرثي لا أريد أي شئ منكم لا مال ولا صلة ولا أي شئ ،، فقط من أجل الله سأدعو لكم بالتوبة و سأكون موجوداً بعزاء كلاً منكم .
نظر لجده قائلاً بقسوة : حتي لا تنحني رأسك بعد موتك بقول الناس أي ظالم هذا حتي لم يحضر رجال عائلته عزاءه .
سقط جده ساقطاً وقد أصابه حديثه بمقتل ربما يكون بداية توبته قبل موته ولكن والدته إزدادت عينيها شراسة وهي تُهاجمه : كيف تتحدث مع والدتك هكذا ،،  يبدو أن ابنة مصر ال ** سممت عقلك حتي تقف أمامنا وتتمني موتنا ،، أنا المرأة التي انجبتك ..
توسعت عينيه بصدمة في بادئ الأمر قبل أن يُدرك أن والدته لم تحمل لهم حُباً يوماً حتي لو كان تلقائياً كونهم أبنائها ليتوسل مقاطعاً إياها موجهاً حديثه لجده بعد أن لمس ندمه :
حُباً بالله يا جدي ابتعدو عنا وتوقفو عن أذيتنا وإن رغبتم بتنازل بيسان عن إرثها أيضاً فهي مستعدة لهذا ولكن أخي أَفني ظهره هنا فلن أقدر علي سؤاله بالتخلي عن تعبه .
لا أقول حباً لي أو لأجل خاطري فلقد عرفت خاطري جيداً لديكم ولديكِ يا أمي خصيصاً ولكن أناشدكم لأجل الله ولأجل أخرتكم توقفو عن ارتكاب الجرائم بحق غيركم ،، اعملوا لأخرتكم فأنا والله يُعذبني حالكم قبل أفعالكم .
ثم أولاهم ظهره راحلاً تاركاً خلفه اثنين وأخته ثالثتهم ما لهم إلا مصير التوبة والذي يأمله منهم رغم كل شئ أو ليس لهم إلا عذاباً علي أفعالهم وحساباً وبالنهاية كل شئ مكتوب .. أجلهم مكتوب ونهايتهم كذلك مكتوبة .
رحل مُغلقاً تلكَ الصفحة ورغم ألم إغلاقها يتمني ألا تُفتح ثانيةً إلا لو كان خيرا له ولهم .
رحل تاركاً إياهم لله وما الله إلا عادلاً رحيماً .
■■■

لقد عادت لعملها .. زم شفتيه بسخرية و قسوة ملامحه الجديدة تحتله .. أصبحت الطبيبة قادرة علي مداواة جراح غيرها ،، إذاً فقد ضمدت جراحها جيداً وأصبحت الأن بصدد مواجهته .
لقد تركها بأخر حساباته بعد حادثته لأنها صاحبة الأهمية ولكن قلبه المتؤلم كان يهفو لرؤيتها بمحنته ،، كان كطفلاً ينتظر والدته بالحساء وهو مريضاً .. ضرب باب سيارته بقسوة بعد أن ترجل منها أسفل عيادتها مُلتقطاً عكازه الذي ما زال يستند عليه ،، وترجل أخيه من جهة السائق مُتسائلاً بجدية : هل أنت متأكد مما ستفعله .
أومأ صهيب له قائلاً : نعم خذ السيارة وعد وأنا سأتي معها .
قاطعه أخيه : لأنتظرك حتي إذا رفضت تعود معي .
ابتسم صهيب بسخرية قائلاً قبل أن يوليه ظهره ويصعد لها : ليس لديها ترفيه كهذا هي ستعود معي اذهب أنت .
كان موعد غلق عيادتها أساساً لذلك بعد أن طلب من مساعدتها عدم إخبارها أنه هنا جلس ينتظر خروجها بملامح جامدة .. ملامح مُتزنة تُداري لهفة وشوق وعتاب شديد وبات الوقت دهراً وكل ما يفصله عنها باب حتي خرجت ويا ليتها لم تفعل ،، هل ظن أنها تعافت وداوت جراحها منذ قليل .. هل يسب نفسه الأن وهو يري بقاياها المُهلَكة و المتشحة بالسواد بأكتاف طالما رآها شامخة والأن مُتهدلة بآسي .. بعينان كانت تلمعان كالزجاج باتت الأن غيوم غامقة حزينة ترمقه بصدمة بعد أن تسمرت محلها برؤيته .. لم يبدو أنها ستتخذ موقفاً وقد طال تحديقها هي الاخري بهِ وكأنها لم تتوقع أن تراه يوماً مرة أخري وكأن عقلها تكيف مع فكرة عدم وجوده والأن اختل توازن كل شئ صلبته هي بتشوه بثلاثة أشهر كئيبة في روحها الملكومة .
تحرك هو واقفاً بعد أن يأس من تحركها ليقل لمساعدتها بجدية :
يُمكنكِ الإنصراف أنا وزوجتي سنغلق العيادة ونحن ذاهبان .
نظرت الفتاة لرسيل التي أومأت لها بتشتت وثوانٍ قليلة وأصبحا بمفردهما ليقترب منها وهي تتابعه يستند علي تلك العصا الغليظة لرؤيتها كونه يتألم .. رفرفت بأهدابها حين وقف أمامها لترفع عينيها لعينيه و القسوة التي رأتها بعينيه جعلتها تتراجع للخلف ،، تبتعد عنه وكأن باستطاعتها ذلك بعد الأن ! كما أثبت لها بنفس اللحظة وهو يقبض علي ذراعها جاذباً إياها بتهور لمكانها مجدداً لتشهق وهي تسمعه يحدثها بنبرة تملكية :
لن أسمح لكِ بالإبتعاد بعد الأن لذا لتفكري مجرد التفكير بذلك وستجدي مني ما لا يرضيكي .
أبعدت كفهِ عن ذراعها ليتركها بسهولة متراجعاً وكأنها شئ لا يهمه .. كيف قال هذا وكيف تصرف هكذا لا تعلم حتي همست وما زال تأثيره يستحوذ علي تفكيرها : ماذا تفعل هنا ! ماذا تريد ؟ .
مسح بإصبعهِ السبابة أسفل شفتيه وكأنه يفكر قائلاً بنبرة متحدية بعد ذلك وكأنه يقول لها اعترضي إذا استطعتي :
ماذا أفعل هنا ؟ جئت لأخذ زوجتي ،، وماذا أريد ؟ أريد زوجتي .
أغمضت عينيها للحظات تحاول استيعاب نبرته واسلوبه قبل أن تفتحهم قائلة :
تفضل ادخل لنتحدث أولاً .
أخرج صوتاً معارضاً من شفتيه " تؤ تؤ تؤ تؤ " وهو يجذبها له مجددا بخشونة لتطالعه بذهول وهو يتحدث بعد ذلك : هل تحدثتي معي أولاً قبل ذهابك ،، هل قلتي لنتخطي الألم أولاً ثم أذهب ،، هل قلتي لأكون جوار زوجي بمحنته أولاً ثم لنتحدث فيما بعد .
ضغط علي ذراعها لتقطب عينيها بألم طفيف تتابعه وهو يُكمل : أنا أيضاً لم أتي للتحدث لأنه لم يعد يحق لكِ التحدث ،، جئت لأخذ زوجتي لذا بهدوء حركي قديمك أمامي هيا .
حاولت التملص من يدهِ وهي تتلعثم متحدثة :
ماذا .. ماذا .. تظن نفسك تفعل !! .
صرخ مقاطعاً بنهاية حديثها وهو يدفعها لتتقدمه : هيااااا .
انتفضت وقبل أن تدير ظهرها لتواجهه مجدداً شعرت بمقدمة عصاه تدفع ظهرها مرة تلو الأخري وهو يقول : هيا يا عزيزتي حركي قدميكِ لأنني كما ترين لن أستطيع حملك .
لم تكن بحالة جيدة أبداً ،، أرادت الصراخ والعويل وكل أعصابها تتخلي عنها وتستسلم لنوبة غضبه بارتعاش وانسياب ،، تحركت لمكتبة جانبية تسند عليها حقيبتها قبل أن تبحث بداخلها بأنامل ترتعش بقوة عن مفاتيح العيادة كي تغلق خلفها ولحظها العثر ما إن أخرجتهم حتي وقعو أرضاً منها فأوقفها هو عن التقاطهم رافعاً إياهم بمساعدة عصاه لتلقطهم منه وتخرج من المكان معه ،، أقفلت الباب وبارتعاش أدارت المفتاح أكثر من مرة لتغلق قفله فيخبرها بسخرية وهو يتابعها رغم أنه يتألم لحالها :
وفري الارتعاش لما بعد يا رسيل لأنكِ ستقودين بنا السيارة وأخشي أن تصيبينني بحادث أخر .
رفعت نظرها له بسرعة وبعينين غاضبتين سألته : ماذا تقصد ،، أتحملني مسئولية حادثتك .
ابتسم بألم وهو يتجاهلها مُتجهاً للمصعد فتعض شفتيها تمنع صرخة من أعماقها حتي ركبت سيارتها وركب جوارها لتسأل محاولة تخفيف ارتعاشها لتقود : إلي أين .
أجابها بهدوء وهو يتطلع للخارج : لمنزلنا .
ارتعش فكها لتجيبه بجدية رافضة : لا أود الذهاب لهناك .
حقاً لا تريد الذهاب لمكاناً قُتل طفلها فيه ولكنه صرخ بها : قلت قودى لمنزلنا .
طفرت الدموع من عينيها وهي تجيبه بصدق : لا أستطيع دخول ذلك المكان مرة أخري ،، لنذهب لمكان أخر .
ظل عازماً على رأيه لتهتف بهِ بغضب : اذهب وحدك إذا أنا لن أذهب لمكان قُتل بهِ طفلي .
جذبها له بقسوة محذراً لتتأوه وازدادت دموعها : أولاً يُسمى طفلنا ليس طفلك وحدك وثانياً لقد توفي وفاة طبيعة ولن أسمح لكِ مجدداً بتعذيبه وتعذيب نفسك بتلك الفكرة التى وضعتها برأسك هل فهمتى وثالثاً لا أريد سماع أي اعتراض لأن حديثي منذ قليل لم يكن مجرد حديث يا رسيل .
انصياعها له بصمت وهي تبدأ بقيادة السيارة أنذره أنها ليست بخير أبداً ،، لو كانت رسيل الذي يعرفها بخير لما فعلت شئ لا يرضيها أبداً ولما جعلته يصرخ بها كل هذا الصراخ الذي صرخه الليلة ولكنه سيكون صبوراً ليُعيد كل شئ لمساره الصحيح بشكل يُخفف الألم عن الجميع حتي لو كان سيحترق هو وحده بنار الحقيقة .
■■■

يُتبع