-->

الفصل الثاني - شهاب قاتم



الفصل الثاني





بعد مرور أسبوع..

ابتسم سليم لزينة المُقبلة نحوه بالرغم من تلك الرسالة التي لا يستطيع نسيانها ولا معرفة الغرض منها ولا حتى معناها ولقد أخبر والده كذلك وآخذا يتوقعا ما قد يفعله شهاب ولكنهما باءا بالفشل.

لقد حاول استنتاج ما قد يضمره من خلف تلك الرسالة الغريبة عندما تحدث إلي بدر الدين هذا إن أستطاع التخفي من زينة فهي إلي الآن لا تعلم شيء عنها، لا يُصدق أن توقعات بدر الدين صائبة، فهو يؤمن تماماً بأن تلك الرسالة كل غرضها هو مجرد إزعاج ليس إلا والمزيد من التوعدات الهاوية التي لن تسبب له هو وزينة سوى الإنزعاج والقلق!

"سولي، ما تيجي نخرج نتعشا برا النهاردة" أقترحت زينة بإبتسامة 

"طب ما نخلي العشا هنا وأعملهولك بنفسي، ولا نسيت يا جميل السندويتشات الحلوة اللي كنت بعملهالك زمان" أخبرها بمكر وهو يقترب منها متفحصاً زرقاويتيها 

"أنت بُق!" تأتأت ثم ضيقت ما بين حاجبيها ثم شردت بعيداً بعد أن تركته خلفها وذهبت مبتعدة 

"بُق!" كرر كلمتها في تعجب "وأنا من امتى مكنتش قد كلمتي يا ست زوزا؟" 

زفرت زينة بعمق ثم التفتت إليه لتتفحصة بعناية شديدة مضيقة عينيها وتريثت قبل أن تشرع في الحديث فهي لا تود أن تفتعل عراكاً في أيامهما الأولى سوياً فتناولت نفساً مطولاً مرة ثانية 

"يااه! للدرجاي الحوار كبير ولا إيه؟" رمقها سائلاً في إستغراب لتقترب منه 

"سليم أنت مش طبيعي بقالك كام يوم، زي ما تكون معايا ومش معايا، سرحان ومش مركز حتى في أغلب كلامي، أقولك نخرج ألاقيك كل مرة تتحجج بحاجة، أقولك نغير المكان هنا ترفض، حتى لما بنكون مع بعض مش زي زمان، وسألتك آلف مرة فيه حاجة مضايقاك بردو بتقولي لأ! بقولك حاجة حصلت لا قدر الله لخالو أو حد في البيت بتقول لأ، زودت الحراسة بشكل مبالغ فيه وأنا عديتها كأني مشوفتش حاجة، أنا بحاول أكلمك بالمحسوس الكام يوم اللي فاتوا علشان مش عايزة أننا نتخانق أو نشد مع بعض، بس من حقي أعرف أنت ليه متغير بالشكل ده!" 
أطلقت الهواء التي حبسته برئتيها قبل شروعها في الحديث لينظر لها سليم بعينيتن أكتظتا بالحيرة الشديدة فهو لا يُريد أن يوترها ولا يريد أن يطرق القلق والخوف باب حياتهما التي للتو بدآها سوياً
"يا زوزا بدر ونوري وحشوني بردو، قدري شوية يعني" حاول أن يحدثها بمزاح وابتسم ثم اقترب منها أكثر فحاوطت هي وجنته لتلامسه في حنان وتوسلته بعينيها 
"سليم يا حبيبي أنت مخبي عليا إيه؟" سألته ليضيق عيناه وقد أستسلم فهذه ليست أول مرة تحدثه بالأمر
"مش عايز أخرج ولا أروح في حتة علشان خايف عليكي، شهاب مش ساكت يا زينة وبعتلي رسالة من أسبوع ومش عارف آخرتها معاه إيه!" أطلق زفيراً حبسه وشعر بالراحة لإخبارها تلك الكلمات لتنظر له زينة في وابتسمت بإقتضاب ابتسامة رقيقة ليتطلعها هو في عشق وكأنه نسيَ تماماً أمر شهاب برمته 
"هو أنا مش كنت معاه أكتر من مرة ولوحدنا؟ وكنت قدامه بدل المرة مليون؟ اشمعنى دلوقتي اللي ممكن يعملي حاجة؟" سألته ليعقد حاجباه في إنزعاج 
"الإنسان ده قذر وعمري ما هاطمن من ناحيته أبداً" أخبرها بإقتضاب وازداد إنفعاله
"أنت ليك حق تقول كده بس لو كان عايز يعمل حاجة كان عملها، وبعدين يعني هو شهاب هيقعدنا في بيوتنا ولا إيه؟ ولا هنخرج ولا هنشتغل ولا هنشوف حياتنا علشان خاطره مثلاً؟" رفعت احدى حاجبيها في تمرد "حبيبي احنا داخلين على عشر أيام متجوزين، تفتكر هيستنى أننا نخرج علشان يعمل حاجة؟ وبعدين ما أحنا معانا gaurds كتير ولو كنت بس فهمتني كنت هاقولك يجو معانا لو هنخرج" 
"زينة قبل الجواز حاجة ودلوقتي حاجة تانية، هو كان مسافر الفترة اللي فاتت دي كلها ولسه جاي من كام يوم، واحد زيه عمره ما هيعدي كل اللي عملناه فيه بالساهل، ده زي ما يكون كان داخل ما بينا بس علشان ينتقم من اللي عملناه فيهم زمان و" 
توقف من تلقاء نفسه عندما أدرك تلك الكلمات التي تغادر شفتاه التي كادت أن تُبين حقيقة مصير والدها بينما نظرت له هي في استغراب لما سمعته ليعاود هو مجدداً التحدث بكلمات حاول أن ينتقيها بعناية عله يُنسيها ما قاله
"حبيبتي موضوع القضية ده أنا عارف إنه كان وراه، وكان هيضرك فيها، يمكن زمان كان فاكر إنه هيفضل قريب من عيلتنا علشان موضوع خطوبتكو ده بس لما بعدتي عنه أظنك فاكرة كويس هو عمل إيه ووريتك كل حاجة تثبت اللي حصل" أخبرها ليجدها أقتربت منه لتعانقه وحاوطت خصره بكلتا ذراعيها فعانقها هو الآخر 
"أنا عارفة إنك خايف عليا، بس أنا متأكدة إن مافيش حاجة هتحصل طول ما أنت جانبي ومعايا، وبعدين أنا بجد زعلانة منك علشان فضلت مخبي عليا الموضوع ده" همست بين عناقهما 
"يعني كنتي عايزاني أقولك على كل ده وأخليكي تضايقي واحنا المفروض في أحلى أيام في حياتنا" 
"أولاً أنا مضايقتش، ثانياً أنت بوظت الأيام دي لما خبيت عليا الكام يوم دول، ثالثاً بقا" أبتعدت عنه قليلاً لتنظر له نظرة مُحذرة "لو خبيت عليا حاجة تاني يا سليم يا ابن بدر أنا مش هاسكت! يكون في علمك يعني"
"ابن بدر! ده أنتي أخدتي عليا أنا والسيد الوالد أوي على فكرة، وبعدين ده تهديد بقا ولا إيه؟" رفع حاجباه في اندهاش مُبتسماً لها 
"آه يا حبيبي، مش بقيت الحكومة ولا إيه!" أخبرته لتعقد ذراعيها وبادلته الإبتسامة ورفعت أحدى حاجباها 
"بس هو فيه حكومة مُزة أوي كده" غمز لها مازحاً ليعاود الإقتراب منها مرة ثانية ففهمت ما يعنيه فأوقفته بيدها التي وضعتها على صدره 
"لا يا سولي يا روحي، نخرج الأول ونسهر سهرة حلوة وبعدين لما نرجع نبقى نشوف سوا الحكومة مُزة ولا مش مُزة" زفر وهو ينظر لها وقد أزعجته كلماتها "عشان خاطري، هناخد كل الحراسة معانا في العربيات لو حابب، بس والله أتخانقت يا سليم ونفسي أغير جو، وبعدين أنا أتجوزت راجل فرفوش وفراك وبيحب الخروج، ولا أخدت بضاعة مضروبة؟!" سألته لتتغير ملامحه في تعجب وابتسم بإقتضاب
"بضاعة مضروبة! خشي ألبسي يا زينة علشان نخرج يا حبيبتي بدل ما أخليكي تعايني البضاعة بالغصب دلوقتي" تحدث بين أسنانه في غيظ وملامحه أشتدت قليلاً لتمازحه هي
"يا أخواتي أموت أنا في الراجل الشديد الحِمش" أخبرته هامسة بإغراء وهي تبتعد متجهة نحو غرفتهما لتبدل ملابسها ليبتسم هو وهو يتابعها بعينيه غير مصدقاً لكلماتها 
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"يووه يا بدر كنت خليني أكلمه!" تحدثت نورسين بحزن عندما أنهى بدر الدين المكالمة مع سليم 
"خارج، واخد عروسته وخارج، سيبيهم يتهوا شوية، ولا هتخنقي الواد وشغل الحموات هيشتغل من أول أسبوعين ولا إيه؟" ضيق عيناه وهو يقصد أن يُغضبها ممازحاً لينطلق الشرار من زرقاويتيها 
"هخنق الواد! تصدق إنك بايخ، أنا غلطانة إني جاية أقعد معاك، تصبح على خير" أخبرته لتُشارف على النهوض من الكرسي بجانبه بينما أوقفها 
"بهزر معاكي يا نوري، إيه يا حبيبتي مبتهزريش" 
"لا هزارك بايخ، سيبني أقوم لو سمحت" 
"كل ده علشان قولت شغل حموات، مش القمر بقت حمى ولا إيه؟ وقريب هتكوني تيتا، ولا أنا غلطان في حاجة" أخبرها بعد أن غمز بأحدى سوداويتيه 
"تيتا! هي زينة حامل من أول عشر أيام ولا إيه السرعة دي؟" سألته في تعجب 
"نمس زي أبوه" أخبرها بفخر وهو يعتدل بجلسته "مش هذا الشبل من ذاك الأسد ولا مننفعش يا نورسين يا حبيبتي؟" 
"بدر الدين!! أنت بتتكلم جد ولا بتهزر؟" ضيقت زرقاويتيها وهي تتفحص ملامحه 
"بهزر يا ستي بهزر! وبعدين شغل الحموات ده مش لايق عليكي" هز رأسه بإبتسامة ماكرة لتعبس ملامحها مجدداً
"تاني بردو" 
"لسه زي القمر لما بتضايقي" ابتسم لها ولكن تلك المرة 
"ما أنت لو مقدر إن القمر قاعد معاك بدل ما يسيبك سهران لواحدك ما كنتش قولت الكلام ده"
"خلاص حقك عليا، أنا قولت أنكشك كده شوية، وبعدين أنا أطول يعني تقعدي معايا ده أنا ليا الشرف والله"
"طبعاً طبعاً" هزت رأسها بتفاخر وتصنعت الشرود 
"يا سلام! إيه التناكة دي كلها؟" 
"إذا كان عاجبك"
"والله! طب اتمسي وقومي نامي بقا، أنا غلطان إني كنت هحكيلك اللي حصل مع فيروز النهاردة"
"بقا كده؟!" نهضت وهي تنظر له في غيظ "هتلف هتلف يا بدر وهتيجي تحكيلي، وهتشوف!" ألتفت لتغادره بينما نهض هو مسرعاً ليلحق بها 
"خلاص يا نوري يا حبيبتي، احنا في آخر اليوم ومبقاش فيا حيل للف والفرهدة، هاحكيلك هاحكيلك متقلقيش، وبعدين أنا ليا غيرك يعني؟" أوقفها ثم حدثها في توسل
"جرا إيه يا بدور، العضمة كبرت ولا إيه؟" أخبرته في مُزاح لتتحول ملامحه 
"طب ما تيجي الأول أطمنك على العضمة وبعدين أحكيلك"
"لا تحكيلي الأول!" عقدت ذراعيها بتحفز ليزفر هو بعد أن رمق ملامحها وتمعن بها ليُدرك أنها مُصممة على المعرفة أولاً 
"ماشي يا ستي" زفر مطولاً ثم أمسك بيدها "تعالي طيب أحكيلك في أوضتنا بدل الواقفة دي" 
"أنجز يا بدر!" 
"يا ساتر عليكي!" أخبرها متأففاً "خليت أختها تروح تودي ورق الأرض في شقتها، يمكن يحصل أي حاجة تحصل ويحس إن الموضوع كله وراه حكاية"
"وهتفرق في إيه يعني؟" هزت كتفيها في تعجب 
"يعني بذمتك منين واحدة بتحب جوزها وميتة في دباديبة ومن يوم ما مات مراحتش شقتهم ومنين هيكون الورق معاها في بيت أهلها؟"
"هي مراحتش ولا مرة شقتها من يوم ما أتجوزت؟" سألته في تعجب ليومأ لها بالإنكار 
"خليت أختها تودي الورق وتنزل بشنطة كأنها بتجيب لفيروز هدوم مثلاً" 
"بس فعلاً واضح إنها بتحبه جداً" همست في حزن ليتوقفا كليهما عن الحديث لبرهة 
"هو أنا لو حصللي حاجة هفرق معاكي أوي كده؟" همس سائلاً لتنظر هي له بصدمة 
"متقولش كده تاني! أنت فاهم؟!" صاحت به ثم التفتت لتغادره فأوقفها لينظر لها ليجد عينتيها تأسران الدموع 
"لا ده أنتي شكلك بتحبيني أوي بقا، كلمتين يا نوري وطلعوا غلط، حقك عليا" همس لها بإبتسامة لتعانقه 
"بعد الشر عليك يا بدر، أوعى تقول كده تاني" همست ليربت على ظهرها برفق 
"حاضر يا نوري، ينقطع لساني لو جبت السيرة دي تاني" 
"هو شهاب مبعتلكش حاجة تاني أنت أو سليم من يومها؟" رفعت رأسها لتنظر له في تساؤل 
"خايفة على ابنك ونسيتي إني كنت هاموت من شوية" أخبرها متصنعاً العبوس 
"مش قولت متقولش الكلام ده! أنت بجد سخيف أوي، فيه إيه يا بدر مالك النهاردة؟" تأففت وهي تنظر له في إنزعاج
"مش عارف، طالبة معايا أنكشك" ضحك بخفوت وهو يتفقد ملامحها المنزعجة بإستمتاع
"أنا قولت إني غلطانة إني جاية أقعد معاك"
"قال يعني وراكي الوزارة" حدثها بتهكم 
"تصبح على خير" أخبرته بإقتضاب
"استني بس رايحة فين" أوقفها مجدداً بعد أن قاربت على مغادرته "رجعتي في كلامك ولا إيه؟ مش قولتي هاقولك على اللي حصل مع فيروز وبعدين فيه قلة أدب، ولا بتعشميني وبتخلي بيا؟"
"لما تبطل سخافة نبقى نشوف قلة الأدب، تصبح على خير" أخبرته والتفتت لتغادر فظل يتبعها إلي أن وصلا لغرفتهما واتجهت هي نحو السرير وهي تتصنع عدم إكتراثها بملاحقته لها وقبل أن تجذب الغطاء على جسدها أوقفها ثم أعتلاها مسرعاً 
"مش بدر الدين اللي يتضحك عليه يا حبيبتي" همس أمام شفتيها ثم أقترب ليقبلها بينما حاولت هي دفعه بعيداً وكالعادة لم تستطع ليفرق هو قبلتهما ببطء 
"أنا متضايقة منك، ابعد!" أخبرته بملامح عابسة 
"ملعون أبو اللي يزعلك، وبعدين أنا هصالحك حالاً، اديني فرصتي بس" همس بجانب أذنها بينما بدأت يداه في العبث أسفل ملابسها كما شرع في توزيع قبلات دافئة على عنقها 
"طب، طب، استنى الـ."
"هششش، ولا كلمة يا نوري" همس وهو يقبلها ليعود لشفتيها مرة أخرى وقبلها من جديد وكالعادة لم تلبث سوى ثوانٍ لتشعر بالإرادة الشديدة له واحتياجها إليه مثلما فعلت دائماً وتناست كل كلماته معها منذ قليل.
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ظلام الغرفة الدامس الذي تمكث به منذ ساعتان لم يساعدها على النوم، وللمرة المائة تقلبت في سريرها وهي تُفكر أن غداً هو فرصتها الأخيرة وليكن ما يكون!
لن تنتظر أكثر ولن تتراجع عن تلك الخطة البديلة التي أعدتها منذ البداية، ستتشاجر مع موظفة الإستقبال تلك فقط بمجرد رؤيته يمر من أمامهما، لن تتحمل المزيد من الأيام التي ذهبت لتمكث بها بالقرب من مكتبه لتنتظر موعداً معه! 
لماذا كل شيء يصعب عليها هذه المرة؟ لماذا كل شيء يتعلق بهذا الرجل صعب على كل حال؟ حتى مجرد فكرة الوصول إليه صعبة للغاية ولا تستطيع فعلها بسهولة! 
حسناً، سيكون عليها أن تجذب إنتباهه بأي طريقة غداً، ستصرخ بالفتاة! لا فقط ستتحدث بلباقة ولكن بصوت مرتفع حتى يتعجب هو، عليها أن تفعل هذا بمجرد رؤيته يعبر للمصعد قبل أن يغادر،  عليها أن تدفعه للتدخل في الأمر بأي طريقة ممكنة ولن تتراجع، ولكن متى وكيف وهو دائماً ما يغادر دون موعد ولطالما كان يمشي بخطوات مُسرعة وكذلك يبدو منشغلاً طوال الوقت!
زفرت في إرهاق وهي حتى لا تدري هل سيذهب لشركته غداً أم لا! لقد لاحظت بتلك الأيام المنصرمة أنه لا يتواجد كل يوم، ولكن عليها المحاولة قليلاً بعد، ثلاثة أيام، إن لم تصل له خلالها ستنسى أمره تماماً وكأن شيئاً لم يكن! 
أهي تستسلم؟! 
سألت نفسها هذا السؤال لتشعر بالإنزعاج نحو نفسها، منذ متى وفيروز تستسلم أمام أمر؟ هي لم تستسلم ولو لمرة واحدة في حياتها منذ نعومة أظافرها.
لقد أختارت هذا المجال بالرغم من خوف والدها من أن تواجه هؤلاء المرضى وحدها، لقد أدركت تَبِعات مجال كهذا منذ سنوات ولكن أتستسلم الآن؟! كيف تستسلم وهي وجدت الشيء الوحيد بعد ما يقارب من عام لينتشلها من بؤرة الإنعزال التي أنطوت بها منذ رحيل ماهر؟ هل اندثرت بداخلها الرغبة على المثابرة والإستمرارية؟ هل انطفأت بداخلها تلك الشعلة التي لطالما ميزتها عن الآخرين أم ماذا يحدث لها؟
"يعني خلاص، آداب علم نفس؟" سألها والدها وهو ينظر إليها ملياً
"آه إن شاء الله" أومأت له بإبتسامة 
"بس يا حبيبتي أنتي جايبة مجموع ما شاء الله ممكن يدخلك أي حاجة تانية أنتي تختاريها، أشمعنى علم النفس يعني؟" حدثها سائلاً في هدوء
"إيه يا دكتور مش عايزني أبقى زيك ولا إيه؟"
"ده الشرف ليا، بس مش صعب الموضوع شوية؟ يعني أربع سنين جامعة، إكلينيكي، ماجيستير، تمهيدي، دكتوراة، ترخيص مزاولة، مش هتتعبي شوية والطريق هيكون طويل عليكي؟"
"بابا يا حبيبي أنت حببتني في علم النفس، وبعدين أنا هيبقى معايا أحسن دكتور في الدنيا وهو اللي هيوجهني ويقولي أعمل إيه ومعملش إيه وهتعلمني حاجات كتيرة، ولا مش عايز منافسين؟" زفر والدها في إرهاق بعد رؤية التصميم على وجهها ثم تريث برهة قبل أن يجيبها فهو يعلم كم أن فيروز عنيدة منذ أن كانت طفلة صغيرة ولطالما تمسكت بإختياراتها ولا تتنازل عنها أبداً
"أنا خايف عليكي مش أكتر ومش عايزك تتعبي، المجال ده هتشوفي فيه كتير أوي!"
"لا يا دكتور أنا حابة التعب ده، وكمان أنت معودنا نختار بنفسنا اللي احنا عايزينه دايماً، وده اختياري خلاص وبكرة هكتبها الرغبة الأولى"
"خلاص يا فيروز يا حبيبتي ربنا يوفقك وأنا معاكي في أي حاجة تحتاجيها"
"ده العشم بردو يا دكتور" نهضت لتعانقه وعلى وجهها ابتسامة ليبادلها العناق "هنافسك وبكرة هتشوف" همست وهي تعانقه 
"هتكوني أحسن معالجة نفسية في البلد كلها وبكرة هتشوفي" 
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"خلاص، اختارتي اللي أنتي عايزاه؟" أومأت إليه بإبتسامة "طب فين؟" سألها بعد أن تعجب، فلقد أخبرته أنها ستذهب اليوم لشراء بعض الملابس فوافق على الذهاب معها فقط لرؤيتها وقد ظن أنه قد يبتاع لها شيئاً ولكنه يراها قد بدلت العديد من الثياب ولم تُحضر شيئاً بيدها فظن أنها لم يُعجبها شيء
"اللي جانبك ده!" ابتسمت إليه مجدداً ليصدح هاتفها بالرنين فاجابته بينما نظر شهاب لما يشابه تل من الملابس ليبتلع في توتر وهو لا يدري كيف سيسدد مبالغ تلك الملابس بأكملها، لم يتوقع هذا أبداً 
"آلو، لا ممكن بليل عادي مفيش مشكلة، تمام، طب ثواني" التفتت إليه "هدخل أغير الهدوم دي واجي" أخبرته ليومأ هو لها بينما نهض مسرعاً في ارتباك وهو لا يُصدق أن هناك من قد يبتاع كل تلك الملابس!
دفعه ذلك لتذكر ما كان والده يفعله معه، فهو بالكاد ابتاع له الزي المدرسي مرة كل ثلاثة سنوات، ولكن لقد تغيرت الأمور الآن، لن يكون نفس الفتى الصغير الذي ينتظر شيئاً من والده، هو يعلم جيداً كيف سيحصل على الأموال.
سيكون كما خطط مهندساً ناجحاً، يضع هذا الأمر صوب عيناه، سيحصل على العديد من الأموال ولكن  خلال سنوات الجامعة فهو يعلم كيف سيحصل على الأموال خلالها، لم يعد عمله بجانب الدراسة كافياً! 
"أنا موافق، هاكمل شغل معاك" حدثه ما أن أجاب وليد الهاتف "بس الفلوس اللي دفعتها دي شوية، مش كده ولا إيه؟" تحدث لوليد بعد أن توجه مسرعاً لأقرب هاتف فهذا هو الحل الوحيد في الوقت الراهن!
يا لها من ذكري بغيضة كريهة لا يتوقف عن تذكرها بالآونة الأخيرة،  لا يدري لماذا ولكنه كذلك لا يكترث للأسباب، يدرك أنه كثيراً ما يتذكر العديد من المواقف التي حدثت بالماضي ولكن بقرارة نفسه يعلم أن كل ما يتذكره ما هو إلا دافع للأستمرار والمثابرة على أن يكون الأفضل من الجميع، الأفضل من هيثم، زوج غادة، الأفضل من زوج والدته وأبناءها، الأفضل من وليد، وأخيراً سيكون أفضل من عائلة الخولي بأكملها!
نعم هو يتذكر فقط للإستمرار، ويُذكر نفسه ليروي ذلك الدافع بداخله ويقويه ليكون الأفضل، وسيتذكر المزيد!
ابتسم عندما تذكر ضحكاتها اليوم، سعادتها عندما قضت معه الوقت، ربما تطور العلاقة بينهما تمر ببطئ ولكنه يشعر بالفرحة بمجرد تذكر ملامحها وهي تبتسم له، تنهد وتوسعت ابتسامته عندما تذكر تلك اللمسة العابرة بين كفيهما، لربما قد يحدث ذلك بين أي زميلان وهو قد صافح العديد من الفتيات ولكن كل شيء معها مختلف عن أي فتاة أخرى بهذا الكون بأكمله. 
تلك السعادة التي لم يشعر بها أبداً، خفقات قلبه كلما رآها، الإبتسامة التي لا تفارقه كلما فكر بها، يريد المزيد من تلك المشاعر التي لم يختبرها قط، سيفعل أي شيء وكل شيء فقط لأجلها ومن أجل أن يتحسن مستواه المادي ليرى تلك الإبتسامة دائماً على وجهها.
جلس على مكتب صغير مُلحق بأحدى زوايا المخزن الذي عمل به منذ أن آتى للدراسة هنا، كان عملاً جيداً ومناسباً بالنسبة لطالب مثله، كان فقط يستقبل البضائع أو يُسلمها بتصريح رسمي من المسئولين من الشركة التابع لها ذلك المخزن، وسوى ذلك كان يجد الوقت بأكمله ليدرس لساعات، ولكن بعد أن بدأت الأمور للتطور بينه وبين غادة لن يكون العمل بالمخزن وحده كافياً. 
ما عرضه وليد عليه كان صفقة ناجحة، المزيد من الأموال التي يحتاجها، وهو يفعل نفس الشيء، يستقبل البضائع، يُسلمها بعد أن يحتفظ بها ليوم أو أحياناً عدة ساعات، ثم يستكمل دراسته. 
لم يلق بالاً للأمر، لم يملك ولو ذرة تأنيب ضمير أنه بدأ أن يستغل ذلك المخزن لعمل خاص به وكل عائده له وحده، فلطالما لم يكترث سوى لتحقيق ما يريده وسيحقق كل ما تمناه يوماً فقط يريد المزيد من الوقت. 
سلط تركيزه على ما أمامه ولم يترك أي تفكير ليسيطر على تركيزه سوى ابتسامتها هي، سيكون الأفضل من أجلها، وكما تعود سيتفوق هذه السنة أيضاً ولن يقبل سوى أن يكون بالمركز الأول على جميع أقرانه، كما أنه عليه أن يُسرع فهو يعلم أن غادة بعد فترة ستأتي لتسأله العديد من الأسئلة عن هذه المادة فهي تكرهها كثيراً، وهو الوحيد من سيقدم لها يد العون! 
فرك عيناه ثم تثاءب وقد سيطر عليه النعاس وتفقد الوقت ليجد الساعة أصبحت الثالثة فجراً، لقد تفلت الوقت ولكن لا يزال هناك ثلاثة ساعات متبقية في دوامه، فهو يعمل من السادسة مساءاً حتى السادسة صباحاً، يتناول قليل من النوم ثم يستيقظ للتواجد بالجامعة، ربما عليه أن يحصل على بعض النوم لساعة واحدة قبل أن يأتي هؤلاء الذين يعملون مع وليد لنقل تلك الصناديق التي تركها بالمخزن!
 سمع تحركات ليستيقظ، لقد كانت دقائق أغمض بها عيناه مستنداً على يده فوق ذلك المكتب، لم يطنب بالنوم، تفقد الساعة ليجدها الثالثة والنصف، ثم نهض في نعاس ليتفقد ما كانت تلك التحركات، هو متأكد أنه سمع شيئاً ما.
بدأ في السير بين تلك الأرفف بالمخزن وهو يتفقد ما إن كان هناك أحد ولكن المكان بأكمله كان خاوياً، فكر بأن يتفقد ذلك الركن الذي وضع به صناديق وليد ليسير بإتجاهها ثم بدأ في التعجب فتلك الصناديق تبدو وكأنها تغيرت عما كانت عليه، أقترب أكثر ليتفقدها فهو متأكد أنها لم تكن بتلك الكمية، أهناك صناديق أختفت أم ماذا؟
أقترب أكثر وبدأ في تسليط تركيزه على تلك الصناديق ليسير بين صفوفها ليشعر بحركة قريبة فذهب ليتفقد من هناك لينتهي الصف فتوجه ليمشي بين صفان آخران ولم يجد أحد كذلك فظن أنه ربما يتخيل كل شيء وكاد أن يعود لمكتبه ولكنه سمع صوتاً وكأنما هناك شيء قد سقط على الأرض فعاد مرة أخرى ليتفقد ما إن كان هناك شخص وسارع بخطواته ليتفقد كل الصفوف بعناية ومشى بتلك الممرات بينها ولكنه التفت بغتة ليجد خيال أحد فأرتاب أكثر 
"من هناك؟" صاح بإيطالية أستطاع تعلمها بسرعة منذ بدأدراسته هنا "هل هناك أحداً؟" صاح مرة أخرى ليعقد حاجباه ثم ابتعد قليلاً ليُمسك بأي شيء يستطيع الدفاع به عن نفسه فقد بدأ في الإرتياب.
أمسك بعصا حديدية كانت مُلقاة بأحدى الأركان وهو يراقب عن كثب تلك الصناديق ثم أقترب مرة أخرى ليلاحظ تحرك أحداً ما ليأخذ خطوات نحوه ولكنه توقف عندما أستمع لتحركات خلفه فعاد مرة أخرى ليبدأ في التأكد بوجود أحد هنا سواه فأخذ يسير وهو يبحث عن الذي يتواجد هنا ليخرج أحدى الرجال وأخذ يعدو نحو أحدى الأبواب التي يدرك شهاب أنها لا تستخدم أبداً فبدأ هو بملاحقته فتعثر الرجل بأحدى الصناديق ليسقط فاستطاع شهاب الإقتراب منه أكثر ولكنه لم يتعرف على ملامحه فهو لم يرى هذا الرجل من قبل
"ماذا تفعل هنا؟ وماذا تريد؟" حدثه بالإيطالية بينما نظر له الرجل بكراهية "تحدث، ما الذي آتى بك هنا؟" صاح به في إنفعال ولكن الرجل لا يزال صامتاً ولاحظ شهاب أن يده تمتد نحو ما ظن أنه سلاح ناري مُعلق بخصره لتتوسع عيناه ليرفع العصا وكاد أن يصيب يد الرجل المُلقى أمامه ولكن سقط ما كان يُمسك به ليصيح في آلم شديد ليدرك أنه للتو قد تلقى عيار ناري بكتفه وقبل أن يلاحظ قد نهض الرجل الذي أمامه وأمسك بتلك العصا الحديدية ليتلقى ضربة منه على رأسه ليسقط هو فاقداً وعيه تماماً.
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"يا بنتي حرام عليكي، راجعة البيت الساعة تلاتة الفجر!" حدثتها والدتها بحزن وكأنها ستكترث ولكنها لن تستسلم فإبنتها هي الوحيدة المتبقية لها بهذه الدنيا
"كنت في شغل! إيه أسيب شغلي يعني واجي أقعد جانبك عشان تتبسطي!" امتعضت ملامحها بنبرة مستنكرة
"شغل إيه اللي لغاية وش الصبح ده، وازاي لابسة الفستان ده في الشغل يا لميس، هافضل لغاية امتى اقهمك إن اللي بتعمليه ده ما ينفعش" 
"أف! انتي مش هتبطلي الأسطوانة بتاعة كل يوم دي! قولتلك مليون مرة إني شغلي بيفرض عليا أحضر عشا مع صاحب الشركة ولازم أحافظ على مظهري" أخبرتها في تأفف
"يا بنتي بس الناس مش هتفهم كده وهتقول و"
"بقولك إيه بقا! ارحميني" صاحت بنبرة حادة قاطعتها بها "ناس إيه؟ ناس إيه اللي هيفرقوا معايا ولا شاغلة بالك بيهم ما يولعوا وبتحرقوا بجاز!" صرخت بوالدتها "كانوا فين الناس؟ جابولك حقك من اللي رمالك ورقة عُرفي ولا كانوا صرفوا عليا وعليكي، بدل ما أنتي قاعدة كده وأنتي عمالة تاخدي في شفتات زيادة في المستشفى عشان الفلوس روحي دوري على اللي رماكي وخدي حقك منه!" نظرت لها بإمتعاض "وبطلي بقا تقوليلي أعمل إيه وماعملش إيه! قال يعني أنتي اللي ملاك نازل من السما" حدثتها بإستهزاء ثم دلفت غرفتها لتصفع الباب خلفها
"آخرتها معاكي إيه يا لميس! آخرتها معاكي إيه يا بنتي!" همست والدتها متنهدة في حزن على حال ابنتها وغرقت بالمزيد من الحزن فهي لم تعد تستطيع التعامل معها بالآونة الأخيرة!
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"مامي احنا هنروح شركة بابي بكرة؟ وهنشوف شهاب مش كده؟" سألها ذلك الصغير لتومأ هي له بإبتسامة تصنعتها 
"آه يا حبيبي، يالا نام بقا علشان نصحى من بدري" 
"هو شهاب أخويا كبير أوي ولا ممكن يلعب معايا ويروح معايا النادي ونبقا أصحاب وكده؟" زفرت في ملل 
"أكيد هو لما يعرفك هيحبك وهيروح معاك في كل حتة، بس لازم تنام بقا علشان نصحى من بدري" 
"حاضر يا مامي، Good night" 
"أنا نيمته بالعافية" زفرت سارة في إرهاق وهي تتحدث لأختها على الهاتف
"أنتي فعلاً ناوية تروحي بكرة؟" سألتها أختها في تعجب 
"لأ! مش دلوقتي! هبقا أجيب حازم عندك في يوم وهابقى أروح أنا لوحدي"
"ما خلاص بقا يا سارة سيبك من اللي في دماغك ده، أنتي جوزك الله يرحمه مقصرش معاكي في حاجة أنتي وحازم، وسايبلوكوا اللي يكفيكوا وزيادة، الفيلا اللي هنا وشاليهين الساحل وحسابات في البنك"
"حقي وحق ابني وهاخده تالت متلت، هو شهاب ده هياخد الجمل بما حمل، ولا حازم ده مش أخوه وليه نفس الحق" 
"يا حبيبتي أنتي عارفة جوزك كان حاكيلك إن شهاب هو اللي ساعده وكان بيبعتله الفلوس، يُعتبر شريكه كمان مش ابنه وبس" حاولت أن تُثنيها عن ما قررته 
"بس ده حق ابني الشرعي وحقي أنا كمان، امال فاكراني كده كنت متجوزة راجل أكبر مني على الفاضي، ده أنا استحملته عشر سنين، والفلوس اللي سايبهالي أنا وحازم بكرة تخلص، ليه ميكونش لينا حق في شركاته، ده شركتهم أشهر من النار على العلم" 
"بس أنتي حكيتيلي إنه كان مفهمك إن كل ورثكوا هتاخدوه على حياة عينه وكان قد كلمته ومقصـ.."
"لا بقولك إيه متخلنيش أندم إني بحكيلك حاجة، وأنا بتكلم في حقي وحق ابني، ولو يا سمية قولتي الكلام ده تاني والله ما أكلمك أبداً" قاطعتها بحدة 
"طيب يا ستي خلاص اهدي، ربنا ييسر الحال إن شاء الله" تريثت لبرهة "وناوية تروحيله امتى؟" 
"لما الاقي محامي كويس، وبعدين المحامي بتاعه شكله مريحنيش كده، وأكيد طبعاً هيقفلها في وشي بما إنه يعرف ابنه الكبير"
"ربنا معاكي، وخدي بالك من نفسك يا سارة"
"يالا أنا يادوب أنام، خلاص بقينا وش الصبح"
"ماشي، تصبحي على خير" 
أنهت حديثها لأختها ثم امتعضت ملامحها، بالطبع إمرأة مثلها بتفكيرها المحدود الذي لا يُفكر سوى بالأبناء وزوجها لن تفهمها، لن تفهم ما تريده لها ولابنها الوحيد، لن تدرك معنى أن تنتظر الزوج الثري المناسب لسنوات لتودع ذلك الفقر الذي لطالما عاشت به بصحبة والدها وأختها، أتظن أنها ستترك شهاب ليحصل على التركة بأكملها دون أن تشاركه بها هي وابنه لأنه ترك بعض الأموال لهم وعدة ممتلكات متفرقة؟ أتظن أن هذا كل ما أرادت أن تحصل عليه؟ غبية! لم يكن عليها التحدث لها بشيء أبداً.
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
في صباح اليوم التالي..
زفرت فيروز في تأفف وهي تنتظر بالردهة الشاسعة بذلك الدور الذي به مكتب شهاب وأخذت تراقب الوقت وهو يمر شيئاً فشيئاً لتنهض مجدداً وذهبت نحو موظفة الإستقبال.
"طب بعد إذنك دخليني عند مكتب الـ assistant عشـ"
"أنا قولت لحضرتك ما ينفعش، و Mr شهاب هو اللي بيقولنا لو فيه مواعيد أو حد بيقابله، وبلغت زي ما حضرتك قولتي إنك عايزاه في موضوع مهم ومجاليش رد، كمان أنا مش هاينفع أسيب حضرتك كده تيجي كل يوم وتفضلي قاعدة، للأسف هاخلي الـ security يتدخلوا المرة الجاية" قاطعتها الفتاة بنبرة حادة لترفع هي حاجبيها في دهشة.
"طيب! متشكرة اوي" أخبرتها بإقتضاب لتشعر فيروز بالمزيد من الإستهزاء الذي تلقته بتلك الشركة فقط لتحصل على موعد معه ثم توجهت للخارج وأخذت تبحث عن مكان الحمام ولقد قررت أنها لن تستسلم أبداً.
دلفت الحمام لتجد أحدى عاملات النظافة وقد لاحظت أنها متقدمة في السن قليلاً لتبتسم لها فيروز ثم أقتربت من المرأة ودست بيدها مبلغاً من المال
"كل سنة وأنتي طيبة يا ماما" 
"ربنا يكرمك يا بنتي، بس ملوش لزوم" حدثتها المرأة بإمتنان 
"لا ازاي أشوف الوش الحلو ده ومصبحش عليه، وبعدين ادعيلي بقا ربنا يكرمني احسن الدنيا معايا مش ماشية تمام اليومين دول وكل يوم باجي على الفاضي" 
"ربنا يعدلهالك يا بنتي ويوفقك ويكرمك أنتي وكل اللي زيك قادر يا كريم"
"يارب" تنهدت فيروز وادعت أنها ترتب مظهرها بالمرآة "إلا قوليلي يا ماما، هو الناس هنا في الشركة ليه بيتعاملوا كده، يعني بحسهم متنكين اوي، همّ كلهم كده هنا؟" 
"لا يا بنتي والله الناس هنا كويسين واحسن من اماكن كتيرة اشتغلت فيها، كفاية المكافآت اللي بتنزلنا، بصراحة صاحب الشركة باين بياخد باله من الغلابة" 
"صاحب الشركة!" تحدثت بتهكم وهي تلتفت لها "أهو ده سبب كل اللي أنا فيه، بحاول اخد معاد بقالي يجي أسبوع ويقولولي يا مش موجود ودلوقتي بيقولوا مش هاينفع أصلاً" 
"هو أنا معرفش انتي عايزاه ليه بس هو فعلاً مبيجيش ودايماً مسافر، ده اللي اسمعه يعني" همهمت لها فيروز بتفهم 
"طب متعرفيش هو جه النهاردة ولا لأ؟"
"باين جه، أصل شكل الكل مشدود اليومين دول من ساعة ما رجع من السفر"
"طب الله يكرمك متعرفيش بيركن فين ولا هايمشي امتى؟ أصل أنا محتاجاه في موضوع مهم اوي" توسلتها فيروز
"لا والله يا بنتي" نظرت لها المرأة بتردد "طيب اديني كده سكة عشر دقايق هاشوف عم مدبولي مشرف البوفيه وهارجعلك"
"بجد؟ ربنا يخليكي يا ماما" ابتسمت لها فيروز 
"خير يا بنتي إن شاء الله" ابتسمت المرأة لها ثم نهضت لتغادر الحمام لتزفر هي في تردد ولن تدري هل ستستطيع تلك المرأة مساعدتها أم لا.
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
رمق تلك الصورة التي وضعتها زينة بصحبة ذلك الفتى المزعج على احدى تطبيقات التواصل الإجتماعي الشهيرة ليبتسم متهكماً وهو يتخيل ما سيحدث إذا علمت زينة تلك التي تبتسم بسعادة مع المسمى بزوجها أن والدها حي يُرزق، وأن خالها هو السبب في كل ما حدث له، وأما زوجها الذي تعشقه فقد أخفى عليها حقيقة الأمر! يا له من مشهد عندما تعلم زينة الحقيقة!
دلفت مساعدته الشخصية لتضع له القهوة ليومأ لها بإقتضاب وقد نحى هاتفه جانباً وتصنع بالإنشغال بينما هو لا يُفكر سوى في كيفية دمار تلك العائلة بأكملها والتفوق عليهم بكل الطرق والأشكال الممكنة.
هو لم يعد له علاقة بتلك الصفقات المشبوهة، تخلص من وليد، وعليه الإستمرار كرجل أعمال ناجح، ليس فقط في هذا المجال، عليه أن يضم العديد من المجالات وينمي تلك الشركات إلي مالا نهاية حتى يبدأ في الحصول على نفوذ لن يملكه بدر الدين ولا عائلته!
"حضرتك تحب أطلب الغدا أو" أومأ لها بالنفي بعد أن انتشلته من أفكاره 
"لا هتغدا برا وكلها شوية وهامشي" 
"تمام، حضرتك الورق اتمضى؟" أومأ لها بالموافقة لتتناول دفتر التوقيعات "بعد اذنك" تركته وغادرت برسمية شديدة كما اعتاد أن يتعامل مع الجميع 
"عم مدبولي شيل الكوبايات دي وأعملي النسكافيه احسن مصدعة مش قادرة" اشارت له نحو مكتبها 
"طيب يا بنتي لو تعبانة والدنيا هادية ومفيش شغل ممكن تستأذني وتروحي" 
"آه شكلها كده، الشغل اليومين اللي فاتوا كان كتير اوي، وبعدين هو أصلاً قال هيشرب القهوة وهيمشي وبعدها أنا هامشي بقا" أخبرته في إرهاق وهي تجلس على الكرسي الخاص بها
"تحبي أجيبلك مسكن؟" 
"لا بلاش، أنا هاشرب النسكافيه وخلاص، متشكرة ربنا يخليك"
"العفو يا بنتي" 
توجه ليجمع الأكواب أمامها وكذلك الصينية التي استخدمتها لتقديم القهوة، فهو الرجل المسئول عن قسم المشروبات بالشركة، يعمل هنا منذ سنوات وهو الوحيد المسموح له أن يعمل بهذا الدور فهو كان لشهاب ووالده كرم فقط والمساعدين الخاصين بهما، وتوجه للخارج على مهل لتُقبل عليه العاملة التي تحدثت إليها فيروز من قليل 
"ها، قاعد ولا ماشي ولا إيه؟ وبلغت أستاذة رضوى إن البنت عايزة تقابله ولا لأ؟"
"جرا إيه يا كاملة ما بالراحة، احنا كمان هنطلع أسرار الشغل، ولا مبلغتهاش تعبانة وهتمشي أصلاً" همس لها بنبرة خافتة 
"ده الآنسة اللي جوا بتجيله بقالها أسبوع علشان عايزاه في شغل ورافضين يدخلوها وشكلها بنت ناس ومحترمة"
"يا ساتر عليكي، كلها شوية وماشي، ارتاحتي! اديني قولتلك اهو، بس حسك عينك تجيبي سيرة إنك عرفتي مني بدل ما أنا وانتي نروح في داهية"
"كده بردو يا عم مدبولي! مش عارف كاملة ولا إيه، عيب تقول الكلام ده بعد العشرة دي كلها" 
"ماشي يا ستي يالا بقا كل واحد على شغله مش ناقصين تلقيح كلام" تركها لتتوجه هي للحمام مرة أخرى لتجد فيروز بإنتظارها فنظرت لها المرأة بملامح متهللة  
"ها، عرفتي حاجة؟" سألتها فيروز في لهفة لتومأ لها
"كلها شوية وماشي، استنيه بقا وحاولي تتكلمي معاه" 
"ربنا يخليكي وبجد ليكي عندي هدية لو وصلت للي أنا عايزاه، ده رقمي وكلميني في أي وقت تحتاجي فيه لحاجة" أخرجت ورقة وكتبت لها الرقم مسرعة ثم توجهت حيث ردهة الإستقبال الموجودة في الدور الخاص به. 
أنتظرت أمام الباب فهي لا تريد أن تظهر أمام تلك الفتاة ووقفت تترقب خروجه في أي وقت على مقربة وبداخلها ثقة شديدة أنها ستستطيع أن تلفت انتباهه بسهولة. 
زفرت في تأفف وهي تراقب مرور الوقت شيئاً فشيئاً كما أنها تحاول ألا يراها أي من العاملين بالشركة فرآته أخيراً بعد أن أنتظرت حوالي عشرون دقيقة لتدلف هي بسرعة شديدة وكأنها لا تعلم من هو 
"لو سمحتي بلغي حالاً إني لازم أقابل Mr شهاب" حدثت الفتاة بثقة وبنبرة مرتفعة وقصدت أن تنطق بإسمه حتى تلفت انتباهه ولم تنظر نحوه أبداً فهي يُفترض أنها لا تعرفه إلي الآن
"قولت لحضرتك ما ينفعش و"
"يعني إيه اجي أسبوع بحاله وأفضل قاعدة نفس القاعدة، مفيش أي اهتمام بالناس" صاحت بها لينظر شهاب نظرة جانبية في هدوء وهو بإنتظار المصعد 
"أنا غلطانة إني مخلتش الأمن يتدخل وأنا هاكلمـ."
"قولت عايزاه في موضوع مهم وهو الوحيد اللي يقدر يقرر، بعد إذنك ما ينفعش اللي بيحصل ده، كل اللي طالباه هو معاد مع Mr شهاب، إيه مش فاضي يعني عشر دقايق؟" صاحت لتقاطعها بنبرة ارتفعت عن نبرتها السابقة لتتوقف الفتاة وحمحمت "بعد إذنك دخليني أتكلم مع الـ assistant بتاعته" هدأت نبرتها قليلاً بينما لاحظت التوتر على ملامح الفتاة التي ابتلعت بإرتباك ثم أشارت خلف فيروز لتدرك هي ما تعنيه الفتاة فالتفتت حتى تتبين ما كانت تشير إليه الفتاة لتجده يقف خلفها
"إيه بقا الموضوع المهم أوي اللي عايزاني فيه؟" سألها بنبرة هادئة واضعاً يداه بجيبي بنطاله وقد فهمت تلك النظرات المتمعنة التي ينظر لها بها لتحاول إنتقاء كلماتها التي ستتفوه بها فهي لن تستطيع أن تقص عليه الأمر بأكمله أمام أعين الجميع هكذا ولكنها لن تستسلم أبداً!
 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يتبع