الفصل الثالث - شهاب قاتم
الفصل الثالث
موعد الفصل القادم السبت على مدونة رواية وحكاية
فتح عيناه بصعوبة وهو يشعر بالآلام تفتك بجسده بأكمله بين صداع لعين ولكنه لا يستطيع تحريك كتفه كذلك. انبعث ذلك الضوء لعينيه ليشعر بالانزعاج ولكنه حاول أن يتبين أين هو وماذا حدث له منذ أن وجد ذلك الرجل بالمخزن، هل كانا اثنان أم رجلاً واحداً؟
رمق المكان حوله سريعاً ولم يلبث حتى أدرك أنه بالمشفى كما أنه لاحظ وجود وليد الذي نظر إليه بإبتسامة ليشعر شهاب بالضيق وقد ذلك على ملامحه بسهولة شديدة قرأها وليد.
"حمد الله على السلامة" تحدث وليد إلي شهاب الذي نظر في غير اتجاه وليد وكأنه يريد التخلص منه "صحيح، اسمها إيه دي اللي بلاقيك معاها دايماً، غادة، أفتكرت! غادة وشوية من أصحابك كانوا هنا علشان يطمنوا عليك" تأفف شهاب بينما نهض وليد ليقترب منه
"بس غادة دي مناخيرها في السما اوي وكانت مش طايقة نفسها ويادوب قعدت دقيقتين ومشيت، شكلها مضايقة إن الإسعاف جابتك مستشفى مش قد مقام الهانم يعني، ما تفكك منها احسنلك" أخبره ليلتفت شهاب ناظراً له
"عايز إيه يا وليد؟" أخبره متأففاً
"مين اللي عمل فيك كده؟" تحولت ملامحه للجدية بينما أومأ له على كتفه
"معرفش!" أعاد وليد رأسه للخلف وعقد حاجباه وهو ينظر له بتساؤل شديد "معرفش، الدنيا كانت ضلمة وملامحه معرفتهاش، أول مرة أشوفه"
"ماشي" هز وليد رأسه بعد أن تأكد أن شهاب لم يرتاب بالأمر
"المخزن!" صاح شهاب في دهشة
"متقلقش، الناس سمعت الطلقة واللي كان موجود مشي"
"فيه حاجة اتاخدت او حـ"
"ملحقش" تحدث له وليد بعد أن قاطعه ليزفر شهاب بإرتياح "بس كده اتعرف إنه معانا! ده في حد ذاته حوار!" تحدث وليد إلي نفسه
"والحاجات بتاعتك حد عرف إنها عندي أو ليا علاقة بيها؟" توسعت عيناه في قلق ليومأ وليد
"لا، اخدتها أول ما سمعت باللي حصل"
"وأنت عرفت ازاي؟" تعجب سائلاً عاقداً حاجباه
"لا متقلقش، أنا بعرف كل حاجة" ابتسم له بإقتضاب وقبل أن يبادر شهاب بأي أسئلة أخرى "اديني اطمنت عليك، هابقى اجيلك تاني" التفت مسرعاً ليغادره ليزفر شهاب وهو لا يدري لماذا حدث ما حدث له ولماذا سأله وليد عن من فعل به ذلك؟
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"مش عارفة يا أدهم بابي هيوافق ولا لأ، ممكن أقول لماما وهي بقى تقنعه" تحدثت سيدرا في هاتفها لأدهم
"مش واثقة أصلاً، لو كان سليم هنا هو اللي كان ممكن يخليه يوافق على حاجة زي دي، بس بصراحة مكسوفة أكلمه وهو شكله نسي خالص"
"ماشي، هاشوف وأقولك، باي دلوقتي" أنهت مكالمتها لتجد يداً توضع على كتفيها لتلتفت ثم توسعت عينيها التي شابهت عيمتي والدتها في ارتباك "بابي"
"روح بابي" ابتسم لها بدر الدين وهو يتفحصها جيداً وقد استمع للمكالمة بأكملها فحمحمت سيدرا في توتر "مش هوافق بقى على إيه؟" ابتلعت سيدرا وازداد توترها وهي تنظر لها بملامح وجلة
"أصل، أصل" حمحمت مجدداً
"ها، هتطلع اهي، عايزاني أوافق على إيه؟"
"أصل، يعني، من كام شهر كده كان فيه، كان فيه"
"كان فيه إيه؟ وبعدين مالك خايفة كده ليه؟ ولا أدهم احسن مني تحكيله وأنا لأ؟" ضيق عيناه في مُزاح ناظراً إليها
"لا طبعاً يا بابي بس، بس أصل، كان فيه رحلة لمدة شهر و، وأنا، وأنا كنت قولت لسليم عليها وهو" تحدثت بإرتباك أكثر
"رحلة إيه اللي شهر دي يا حبيبتي؟"
"يعني عندنا في الجامعة قالوا عليها من تاني سيمستر في السنة والمفروض كانت تبقى في شهر ستة واتأجلت" اختلفت ملامح بدر الدين لتتابع هي "أنا كنت حكيت لسليم" توسعت عيناها وهي تحاول أن تُقنعه "وهو قال لي لو فاضي هيجي بس" توقفت عن الحديث وهي تنظر له "بس هو طبعاً في الهوني مون، ويعني، الرحلة كمان أسبوع" حمحمت مرة أخرى "يعني ممكن أدهم يجي مـ"
"أدهم!" رفع حاجباه وهو يبتسم ابتسامة لم تلامس عيناه يحاول أن يكظم غيظه عن طريقها
"آآه، أصل، أصل أدهم هو الوحيد اللي فاضي و"
"وهي الرحلة دي فين؟"
"فرنسا وأسبانيا وإيطاليا" همست في خوف
"شهر، فرنسا وأسبانيا وإيطاليا، أدهم، ولوحدكوا" قهقه بدر الدين في خفوت ليتفاقم خوف سيدرا
"بابي هيكون معانا زمايلي وكذا دكتور في الجامعة و"
"وهتمشي من قدامي الساعادي قبل ما أولع فيكي أنتي وأدهم بتاعك ده" لا يزال محافظاً على ابتسامته
"بس يا بابي"
"سيدرا يا حبيبتي، متعصبينيش، ارجوكي"
"عشان خاطـ"
"سيدرا!" علت نبرته في تحذير لتتحول ملامحها للعبوس ثم تركته وغادرت والحزن يتغلب عليها
"قال أدهم قال! والله وكبرت يا ابن شاهندة" تمتم بدر الدين وهو يحاول أن يتغلب على غضبه "وفين سليم الزفت ده كمان، ازاي يوافقها على حاجة زي دي"
أخرج هاتفه ليتصل به وبداخله بركان يغلي فهو ولو بأسوأ كوابيسه لن يتخيل أن تكون سيدرا بصحبة أدهم وحدهما، هو حتى لم يتخيلها متزوجة إليه بعد، شهراً! كاملاً! معه وحدها! هي تحلم بالتأكيد!
"ما ترد يا حيلة أمك أنت كمان!" تمتم حانقاً وظل يعاود الإتصال به بينما لم يجبه أبداً.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"آه" تركت تلك الآنة شفتاه فهو لم يعد يتحمل ما تفعله هي به "زينة بطلي تـ، آه" لم يستطع أن يوقفها ليُخفض رأسه قليلاً للأسفل وهو يلمحها في استمتاع شديد عاقداً حاجباه بينما هي تداعب أسفل خصره
"رد يا سليم يمكن تكون حاجة مهمة" همست بصعوبة وهي تلتقط أنفاسها ثم جففت فمها بيدها بطريقة أججت شهوته فهو لم يكن يتخيل أنها ستثيره اليوم لتلك الدرجة
"يولع اللي بيتصل" همس بأعين سيطر عليها الشبق ليجذبها إليه
"استنى بس" أخبرته لتلتفت جالسة وبيدها جذبت هاتف سليم الذي نهض ثم جلس خلفها لتقابل قدماه الأرضية ليصبح ظهرها في مقابلة صدره
"تؤ" همس وأخذ يُقبل ظهرها في نعومة ليشعر بضحكاتها الخافتة التي تحاول أن تُسيطر عليها
"شوفت، اهو طلع خالو اهو، ومكلمك كذا مرة كمان"
"بعدين، بعدين" همس بين تلثيماته وحاوط خصرها بيداه يجذبها إليه
"كلمه بس يا سليم وبعدين نبقى نكمل اللي بنعمله ده، ولا مشبعتش سفالة لغاية دلوقتي؟" التفتت إليه ليهمس هو أمام شفتيها
"عمري ما اشبع منك أبداً" التهم شفتيها بنهم وكأنه يُقبلها لأول مرة لتبتسم هي بين قبلتهما وبادلته إلى أن ابتعد قليلاً ليلتقطا أنفاسهما "لو سبتيني كده تاني حتى لو علشان حاجة مهمة أنا هـ"
"مش هاسيبك كده تاني، بس شوف خالو عايز إيه المرادي وأوعدك مش هاعملها تاني" همست له في توسل ثم ناولته هاتفه لينظر لها بضيق
"ماشي يا زينة! حاضر! هاشوف بدر عايز إيه!" انتزع الهاتف منها على مضض لتبتسم هي على ما يفعله ثم توجه للخلف واستند على الوسادة خلفه ليتصل بوالده
"سنة يا حيلة أمك على ما ترد"
"عريس، عريس يا جدعان، عريس يا عالم، عريس يا بشر، خير يا بدر؟ قول!" حدثه بحنق ولكن لم يهتم بدر الدين
"من امتى يا حيلتها وأنت عارف إن سيدرا مسافرة رحلة؟"
"رحلة إيه دي؟"
"هي كمان مقالتلكش عليها" تحدث بغضب استطاع سليم الشعور به
"استنى بس، رحلة إيه دي، يمكن قالتلي وأنا نسيت"
"أنت بتدافع عنها ليه! علشان عارف إنها بتحور وعايزة تروح مع اللزج ابن شاهندة مش كده؟" صاح بإنزعاج
"يا بابا بس اهدى وفهمني، رحلة إيه دي ولفين؟"
"بتقول فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وكانت قايلالك عليها من بدري" تريث سليم لبُرهة وهو يحاول التذكر
"آه كلامها صح فعلاً، حتى اديتلها فلوسها من بدري"
"واد يا سليم! أنت بتكدب علشانها؟"
"لا يا بدر وهاكدب ليه بس؟" تحدث سليم بعفوية لتلاحظ زينة اختلاف ملامحه للجدية الشديدة فتعجبت بمّ يتحدثان
"ماهي ربايتك، دلع دلع وآخرتها عايزة تروح مع ابن شاهندة"
"يا عم اهدى مش هتروح مع حد غير معايا" زفر سليم في ضيق
"أنت هتستعبط يا روح أمك؟ هتسيب عروستك يعني وتسافر مع أختك"
"هي بقا فيها عروسة" تمتم بتهكم ليتعجب بدر الدين "أنا هاتصرف متقلقش ومش هاسيب حد"
"ورحمة أبويا يا سليم الكلب لو عرفت إنها راحت مع اللزج ده من ورايا لا هنكد عليك عيشتك"
"يا بدوور بقى روق والله ما هتروح مع حد غيري، قولتلك أنا هاتصرف" ابتسمت زينة ثم شعرت بأن الأمر انتهى على ما يرام لتستكمل ما كانت تفعله منذ قليل لتتوسع عينا سليم وهو يتابعها بعيناه
"لما نشوف آخرتها يا حيلتها" بدأ سليم في الشعور بالإثارة مجدداً وتناسى تماماً أنه يحدث والده على الهاتف "وأنت وزينة عاملين إيه؟"
"انا، انا مبسوط اوي" همس سليم وبدأت أنفاسه في التعالي وكل تركيزه مسلطاً على زينة وعلى ما تفعله
"ربنا يسعدك يا حيلتها" تحدث بدر الدين ولكنه تعجب من نبرة سليم التي بدت مختلفة لتتعالى أنفاس سليم
"زينة" همس بأنفاس تعالت أكثر
"مالها زينة يا سليم؟" هز سليم رأسه في تشويش فلم يتوقع استماع صوت والده الآن بتاتاً ولكنه أدرك أنه لا يزال يتحدث له على الهاتف
"بتنده عليا، هاكلمك تاني، سلام" أنهى المكالمة بينما جذب زينة ليوقفها عما تفعله فنهضت جالسة على ركبتيها
"إيه!" همست وهي تهمس له وابتسمت في إغراء ليبتسم هو لها ويهز رأسه في عدم تصديق
"انتي اللي إيه؟ الرحمة بقى، بكلم الراجل مش كده" توسعت ابتسامتها وهي تنظر له في انتصار رافعة احدى حاجبيها ليشعر هو بالغيظ ليدفعها أمامه لتسقط على السرير
"آه، فيه إيه يا سليم بالراحة"
"بالراحة، ده أنتي هتتفرتكي دلوقتي!"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تفقدها ببنيتيه الداكنتين وهو يُقيمها سريعاً فهي ليست من تلك الفتيات اللاتي يضعن مساحيق التجميل التي تخفي ملامحهن ولا هي أيضاً من تلك الفتيات اللاتي يظهرن أكثر مما يخفين بملابسها الرسمية المحتشمة!
طويلة أكثر من اللازم بهذا الحذاء الذي يلامس الأرض تماماً وليس به ولو سنتيمتراً واحداً مرتفعاً عن الأرض. أحقاً صنعت جديلة جانبية وهي تأتي لتقابل صاحب شركات مثل شركاته؟! تبدو غريبة للغاية!
للحظة ذكرته ملابسها السوداء بأكملها بزينة عندما رآها أول مرة ليبتسم متهكماً داخله، يبدو أن تلك العائلة قد احتلت عقله بالكامل وعليه أن يتخلص منهم جميعاً بأقرب وقت حتى يشعر بالراحة بعد أن يُحقق إنتقامه منهم جميعاً.
"حضرتك لو سمحت مش هاينفع نتكلم كده هنا، ممكن عشر دقايق بس" نظر لها متفحصاً عينتيها التي لم يستطيع تبين لونهما أهي عسلية أم خضراء، ربما رمادية اللون! لكنه ترك ذلك بعيداً وعقد حاجباه في انزعاج فملامحها تبدو غريبة للغاية كما مظهرها ولكنه أشار بيده أن تتقدم للأمام فأدركت أنه قد سمح بالإستماع إليها وتقدمت ليخطو بجانبها نحو مكتبه فسارت معه إلي أن دلفا المكتب.
حمحمت بعد أن أومأ لها بأن تجلس على الكرسي وهو يشير بيده مجدداً وتوسلت هي بداخلها ألا يلاحظ نظراتها التي تتلاحق لمحاولة تجميع تلك الخيوط لمعرفة من هذا الرجل حقاً.
"خير!" تحدث بنبرته الرجولية
"أولاً شكراً إنك هتسمعني و"
"همّ عشر دقايق مش أكتر عشان عندي مواعيد" قاطعها وقد لاحظت غروره، بالرغم من الرسمية والهدوء الشديد ولكن ها هي أولى الأشياء التي تلاحظها عنه رجل يتسم بالرسمية، الوقار، والغرور!
"تمام" حمحمت ثم وضعت واحداً من الملفات أمامه "أنا اسمي فيروز أحمد عبد الحي، معالجة نفسية وعندي تسعة وعشرين سنة، واللي قدام حضرتك ده اعتبره الـ CV بتاعي فيه كل حاجة عني" تحدثت بثقة لتلاحظ الإستغراب الطفيف البادي على ملامحه فتابعت أكثر "أنا دورت وعملت research عن أفضل شركات في مجال المباني وملقتش أي شركة احسن من DRE في التعامل مع موظفينها والمكافآت والحوافز وطبعاً مشاريعها المشهورة سواء سكنية أو إدارية، وأنا جاية لحضرتك بخصوص مشروع خيري"
ظن أنه يتحكم في إخفاء مشاعره ببراعة ولكنه لم يعلم أنها لاحظت الملل الذي شعر هو به من طريقة تحركاته وكذلك نظرات عيناه، يحاول التخفي بالرسمية المبالغ بها ولكنها قرآت ذلك بسهولة أو ربما لأن زينة وسليم وبدر الدين وكذلك إياد قد أخبروها بطريقته التي يبدو بها للجميع شخص مسالم، هادئ ورسمي!
"أنا عندي أرض كبيرة، ورثي من جوزي الله يرحمه" لا تدري لماذا شعرت بالإنزعاج لجعل ماهر جزءاً من خطتها لتحمحم مجدداً ثم تابعت "هو لسه متوفي من حوالي سنة، وكانت الأرض دي ناويين أنا وهو نسيبها لأولادنا، يعني كنوع من أنواع الأمان ليهم أو استثمار بس للأسف، أنا ابني مات وانا حامل فيه لما عرفت موت خبر جوزي" حدثته وقد اتضح الحزن على نبرتها لينظر لها ملياً بنظراته الثاقبة التي تحاول أن تتبين مدى مصداقيتها
"أنا فضلت أربع سنين بحاول اكون حامل وبصعوبة حصل، ويوم ما حصل للأسف حملي مكملش و" حمحمت وهي تحاول التغلب على بكاءها فالنطق بتلك الكلمات لم يكن هيناً عليها أبداً وبالرغم من انها تحدثت كثيراً بينها وبين نفسها بتلك الكلمات التي تنطق بها الآن ولكن أن تخبر شخصاً لا تعرفه خاصةً شخصاً مثله لم يكن بتلك السهولة أبداً
"وأخدت قرار إني أحول الأرض دي لمشروع خيري، مستشفى مجانية بتساعد أي ست عندها مشاكل في الحمل أو الولادة وكنت عايزة أعرض الموضوع على حضرتك لو ممكن توافق"
"بس أحنا مش بنـ"
"دي دراسة جدوى بالتفصيل عملتها في أتنين من أكبر مكاتب المحاسبة والختم موجود عليهم والملخص في أول ورقتين" قاطعته وهي تضع الملف الثاني أمامه لتلاحظ إنزعاجه الشديد الذي لم يظهر سوى بعينيه فقط ولم تتأثر به ملامحه ولكنها لن تتركه يرفض أبداً كل ما خططت له
"أولاً هيكون فيه هامش ربح بس بعد كذا سنة بما إنه مشروع خيري، ثانياً هتبقى فرصة كويسة جداً ودعاية لشركات حضرتك بمجرد ما يتحط اسم المجموعة عليها، حتى ممكن نسمي المستشفى بنفس الإسم" رمقها بنظرة مطولة بينما تريثت هي لتجده ينظر في الأوراق أمامه بتركيز حقيقي استطاعت تبينه
"أنا دورت كتير ومرضتش أعرض الفكرة على حد قبل حضرتك" أخبرته بعد مرور دقيقتان قد قرأ بهما شهاب ما أمامه بسرعة لينظر مجدداً تجاهها لتنظر له هي الأخرى بعينيه بمنتهى الثقة والرسمية لتلاحظ أنه لا يزال يرفض الفكرة لتتابع مسرعة قبل أن تعطيه الفرصة
"سألت على الوضع المالي، وسألت الموظفين هنا كلهم بيشكروا في حضرتك، يعني من ناحية المرتبات والمكافآت، حتى لو حاجة خيرية وبالرغم من أن الربح هيكون قليل بس أنتو الشركة الوحيدة اللي شوفتها بتهتم بحالة الناس المادية وأكيد حضرتك مش هترفض إنك تساعد ناس محتاجة، وكمان هتكون فرصة دعاية هايلة، وحضرتك عارف بمجرد ما حاجة زي دي بتتعمل هيتعمل ضجة كبيرة جداً ومش بعيد تلاقي ناس كتيرة مشهورة بتدعم المشروع وممكن يتعمل صندوق تبرعات ومع الوقت المشروع هيصرف على نفسه، وكمان قدام شوية ممكن يكون ليها فرع تاني، لكن المهم في الأول إن الناس تشوف فعلاً بداية حقيقية لكل ده"
توقفت لبرهة للتنفس لتلاحظ تغير ملامحه، حسناً، التملق يؤتي بثماره سريعاً معه، هل لديه بعض السمات النرجسية؟! هذا مبكر للغاية، عموماً هي ترى القبول بدأ يتضح بعينيه ولكن لا يزال هناك بصيص من الرفض، لاحظت تخليه عن الهدوء ليصاحب جسده عدة تحركات وتململه في مقعده، ينظر ليتفقد الوقت، هذا ليس بجيد أبداً.
"أظن كده العشر دقايق خلصوا وقاطعتي وقت غدايا، هبقى أكلمـ"
"لو مش هيضايق حضرتك ممكن نكمل كلامنا على الغدا" قاطعته مسرعة، لن تتركه قبل الموافقة على لقاء آخر أبداً ورؤية الإقتناع التام بعينيه!
أطلق ضحكة خافتة متهكمة بداخله وهو ينظر إليها ثم ادعى انشغاله بهاتفه وهو يُفكر، أهي حقا تبحث عن علاقة معه وآتت لتبدأها من هنا؟ من مقر شركته؟! بدأتها بالحديث عن مشروع خيري! حسنا طريقة جديدة نوعاً ما. كما أنه لا يعرف من هي بعد، أتظن فتاة مثلها بمظهرها هذا قد تلفت انتباهه، يا لها من غبية!
مر الكثير من الوقت الذي لم يحصل على فتاة مثلها؛ فتاة تظن أنها تستطيع الإيقاع له، بل ضحية جديدة لأغراض استمتاع ببعضاً من الذل والعنف والهوان الذي يجعل تلك الآلام بداخله تتلاشى مؤقتاً. ليتسلى معها ببعض الوقت، سيتركها تظن أنه انخدع بتلك القصة السخيفة التي قصتها منذ قليل؛ ولاحقاً سيجعلها تُفكر آلف مرة قبل أن تلتقيه ولو صدفة!
"تمام؛ بس بعد الغدا عندي اجتماع"
"أوك" ابتسمت ابتسامة رسمية ثم نهضت لتتبعه فظن أنها فقط تتبعه لتستخدم المصعد ليس إلا فخرجا سوياً ومرا أمام تلك الموظفة لترمقها بإنتصار وهي تتبعه وقد شعرت فيروز بالسعادة لإنتصارها عليها.
ظلت ترمقه لأكثر من مرة وقد لاحظها شهاب فهو يظن أنها معجبة به بطريقة ما، أو ربما هي تريد شيئاً، لا يُصدق تلك القصة بأكملها، مشفى ومشروع خيري! حقاً، لا يصدقها أبداً.
"هو المكان اللي بتتغدا فيه بعيد عن هنا؟" سألته بعد أن دلفا للمصعد سوياً ليومأ لها بالإنكار "طيب ممكن تقولي العنوان؟" التفت إليها ناظراً لها بإستغراب وقد لاحظت الإنزعاج بعينيه "أصلي عربيتي، من يوم ما ماهر أتوفى وأنا، يعني، محتاجة تروح التوكيل وهو اللي كان بيعمل كل ده فجيت بأوبر" همست ثم ابتسمت له بإقتضاب ليرفع احدى حاجباه في تهكم
"أوبر!" هز رأسه في عدم تصديق وتذكر زينة مجدداً، أهي نسخة منها ولكن أطول قليلاً دون ذلك الحلق بأنفها
"ممكن العنوان علشـ"
"هتركبي معايا، خلاص!" قاطعها لتحاول السيطرة على رقصة انتصار كاد أن ينصاع لها جسدها فهذا ما كانت تريده منذ الصباح
"شكراً بس مالوش لزوم إنك يعـ"
"قولت خلاص!" أحقاً يقاطعها، هو لا يعلم من هي بعد! حسناً ستُريه!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"هتموتيني انتي أنا عارف" همس بين لهاثه لتصدح هي بضحكتها ثم عانقته
"اختلفت عن أيام كتب الكتاب؟" رمقته بإنتصار بينما بدأت أنفاسه في الهدوء
"اختلفتي بس! زينة يا حبيبتي أنا بدأت اخاف منك، لولا انك بنت عمتي وعارف عنك كل حاجة كنت قولت انك يعني"
"كنت قولت إيه يا سليم!" تحولت ملامحها للجدية وهي تقاطعه
"لبخت أنا مش كده؟" امتعضت ملامحه وهو ينظر لها متوسلاً بعد إدراكه فداحة ما تفوه به
"اوي" أخبرته ثم نظرت إليه في ضيق وكادت أن تغادر ليوقفها
"ما انتي اللي بقيتي خبرة زيادة عن اللزوم! اعمل إيه يعني" جذبها إليه ليعانقها رغماً عنها
"ونسيت كنا بنعمل إيه أيام كتب الكتاب، حاسب كده وابعد عني علشان ضايقتني بجد"
"ما خلاص بقى، حقك عليا أنا آسف" رآت الصدق بكلماته بوضوح وشعرت بها لتنظر إليه
"سليم، مش معنى إني عايزة ابسط جوزي في السرير ابقى واحدة مش كويسة، ولعلمك أنا عمر ما حد قرب ليا غيرك، وعلى فكرة ناس كتيرة حاولت بس عمري ما حد باسني حتى غيرك مع إن ده كان سهل اوي وانا عايشة في المانيا لوحدي وماكنش فيه حد يمنعني!" نظرت له بجدية
"أنا عارف، آسف متزعليش مني"
"إياك تقول كده تاني" نظرت له بحزن ثم دفعته لتحاول الإبتعاد بينما لم يتركها هو
"والله مقصدتش، أنا كنت عايز اهزر بس لبخت ووسعت مني" توسلها لتنظر له بينما جذب يدها برفق ليُقبلها
"أنا علشان عارفة إنك بتهزر لسه بكلمك، إنما لو كنت قاصدها بجد كنت سيبتك ومشيت ومعرفتكش تاني"
"لا يا حبيبتي، game over، اتجوزنا خلاص"
"عادي ممكن اسيبك واتجوز بقى حد شايفني محترمة" رمقته بإنتصار رافعة احدى حاجبيها لتتحول ملامحه للجدية
"زينة! خلاص" حدثها بجدية
"مضايق مش كده؟" ابتسمت له بإنتصار ثم التفتت لتغادره وقد تركها "أنت اللي بدأت، تستاهل!" توسعت ابتسامتها بينما توجهت لتستحم فتبعها بعد دقيقتان وقد علمت أنه سيأتي "عايز إيه؟" ضيقت عيناها ناظرة له
"الناس بتيجي الحمام ليه تفتكري؟" ضيق هو الآخر عيناه
"مش مقنع على فكرة"
"زعلانة؟"
"ممم، هافكر!" تنهد هو في ارهاق على عنادها الصلب
"أنا آسف" أخبرها لتتفحص عيناه بزرقاويتيها لتومأ له
"ماشي، زي بعضه" أقتربت لتعانقه ليبادلها
"اتبليت على فكرة" همس بأذنها وهو يبادلها العناق
"أنت محتاج shower كده كده" جذبته خلفها ليستحما سوياً وقبل أن يبدأ في مداعباته أوقفته "خالو كان بيقولك إيه؟"
"لا ده كان حوار كده مع سيدرا، رحلة كانت عايزة تطلعها ونسيت موضوعها خالص"
"رحلة!" همست في استغراب
"آه قالتلي، بس أنا نسيت، قالتلي لما أنتي كنتي لسه راجعة من ألمانيا، فاكرة لما خرجنا كلنا مع بعض في النادي؟ لما كان آسر هنا؟"
"آه، افتكرت، يوم ما شوفت شهاب" اجابته بعفوية
"شهاب! حقيقي مش فاكرة اليوم ده غير بشهاب؟" توسعت عيناها ثم هزت كتفيها بعفوية
"اللي جه في بالي، عادي يعني" همهم ناظراً لها بغيظ "أنت عارف إن غصب عني وعنك وعننا كلنا هو جزء من حياتنا مش كده؟"
"كان! كان جزء من حياتنا"
"ماشي، كان! ومش هايرجع تاني أبداً" تنهد سليم هاززاً رأسه
"بقولك إيه، سيبك من القذر ده وقوليلي، تسافري؟ إيطاليا ، أسبانيا ، فرنسا!" توسعت عيناه وملامحه المقترحة في حماس دفعتها للإبتسام
"عشان سيدو متزعلش" توسعت ابتسامتها "أسافر! وأهو بالمرة شهاب رجع واحنا نسافر من هنا، نبقى بعيد حتى"
"مش هتضايقي اننا في هوني مون وهنسافر مع سيدرا؟" سألها بجدية وهو يُمسك بكلتا يداها لتومأ له بالإنكار
"مش هتضايق، بس على شرط!" ضيق عيناه في تساؤل قد أدركته هي جيداً "أدهم يجي معانا" ابتسمت له لتتحول ملامحه للغضب
"أدهم! طب إيه رأيك بقى، مفيش سفر لا ليكي ولا ليها"
"هنسافر يا سولي يا حبيبي وأدهم هيجي معانا وأنا وأنت اهو" رفع احدى حاجباه لتجذبه هي في عناق
"مش هاغير رأيي على فكرة" همس إليها وهو لا يبادلها العناق لتجبر يده على الإلتفاف حول خصرها
"هتشوف" همست بثقة ثم بدأت في تقبيله وهو يتصنع عدم الإكتراث! ولكنه لم يظل هكذا سوى لثوانٍ على كل حال.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ازيك عامل إيه؟" ابتسمت بعذوبة لذلك النادل ليبادلها بإحترام
"تمام يا فندم الحمد لله"
"قولي بقى، اتغدى إيه، وسيبك من المنيو"
"الكوردن بلو عندنا حلو اوي، لو حضرتك بتحبيه وكمان فريش، وممكن عصير معاه، احنا كل العصاير هنا فريش"
"تمام" أخبرته بإبتسامة "كوردن بلو وممكن عصير فراولة، بس يكون سموزي"
"حاضر يا فندم" ابتسمت له مجدداً في ود ليبادلها الرجل بإحترام ثم التفت لشهاب وقبل أن يسأله
"زي كل مرة" أومأ له بإقتضاب ليومأ له النادل كذلك
"تمام، بعد إذن حضرتك" ابتسم بدماثة ثم غادر لتتنهد فيروز وهي تتابعه بعينيها
"أنا عارفة إن ده مش موضوعنا بس، أنا بيصعب عليا اوي الناس دي، لازم تضحك في وش كل الناس وتستحمل الواقفة طول الشفت بتاعها، بغض النظر همّ حياتهم عاملة إيه أو متضايقين ولا لأ، بحترمهم اوي بصراحة" قصدت أن تُغاير موقف ميرال لينظر لها شهاب وأومأ لها بإقتضاب بينما لم تكن تتوقع ذلك منه وانظهر بالإنشغال بهاتفه.
لا لن يفعل بها ذلك مجدداً، يكفي تلك الدقائق بالسيارة فلقد تحدث كثيراً بأمر عملٍ ما، لم ينتبه لها أبداً، ولكن الآن لن تتركه ليستحوذ على الوقت بأكمله.
"وأنت إيه رأيك؟ معايا في الموضوع ده؟" سألته ليرفع نظره من هاتفه ثم تفحصها لبرهة
"أظن إن كل شغل ليه مميزاته وعيوبه" أخبرها ثم أعاد نظره لهاتفه
"طيب لو حضرتك مشغول اوي كنت ممكن تقولي إن مش هاينفع اجي ونـ"
"أولاً، أنتي اللي اختارتي تيجي تكلميني وقت غدايا، ثانياً مكنش ليكي معاد أصلاً، ثالثاً التفاهات اللي بتتكلمي فيها دي ملهاش أي لازمة عندي، رابعاً لما تتكلمي بخصوص الموضوع اللي أنتي جاية علشانه ابقى ارد عليكي" قاطعها بنبرة هادئة لتصفعها إهاناته واحدة تلو الأخرى ثم سلط تركيزه على هاتفه مرة أخرى.
حسناً لقد كان محقاً بشأن كل شيء، عدا أنها لا تتحدث بتفاهات، حسناً ايها "الرجل الغامض"، سأراك قريباً عارياً مجرداً دون كل تلك الأغطية التي تلتحف بها حولك!
"معاك حق، أنا آسفة، يا ترى حضرتك تحب تشوف الأرض امتى؟" حدثته برسمية مجدداً نظر لها بتمعن "بكرة يناسبك؟" وجدته يعقد حاجباه ونظر لها مطولاً بإبتسامة جانبية وكاد أن يخبرها بشيء ولكنها نظرت بساعتها "ازاي نسيت" تمتمت ثم رفعت رأسها لتنظر إليه "أنا مصلتش العصر، بعد اذنك عشر دقايق وجاية" ابتسمت له بإقتضاب لترى ملامح الإستغراب تندلع على ملامحه ولكنها تركته وذهبت!
صلاة! حقاً! من تلك الفتاة؟ كل النساء، جميعهن، بداية بوالدته ومروراً بغادة ونهاية بتلك العاهرات اللاتي يعاشرهن يريدن شيئاً ما، لابد وأن هذه المرأة أم الفتاة خلفها شيئاً ما، أحقاً كل ما تريده هو مجرد مشروع خيري، هل حقاً معرفتها به بتلك السذاجة التي تبدو عليها؟
سيتبين ذلك عاجلاً أم آجلاً! لا بل عاجلاً للغاية! أخرج احدى الأرقام على هاتفه ليتصل به ليتبين ما خلف تلك المرأة حقاً، لا يُصدق زواجها المزعوم ذلك، فهي تبدو يافعة للغاية
"فيروز أحمد عبد الحي، ساكنة في شارع نهرو في مصر الجديدة، عمارة رقم ...، قولي هتعرف عنها إيه! وبسرعة!" أنهى حديثه ليزفر في حنق فيما ورط نفسه به، لقد ظن أنها مجرد فتاة مثل تلك الفتيات اللاتي يلهثن خلفه، ولكن اختلافها هذا لا يطمئنه أبداً، لابد من أن هناك شيئاً خلفها! ربما هي مجرد أكثر من علاقة عابرة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"لميس يا سعاد مش عايزة تجيبها لبر أبداً" همست هيام في آسى
"قولتلك جوزيها واخلصي أنتي اللي مش عايزة"
"تاني يا سعاد، هنعيده تاني! ما اديكي شوفتي آخرة الجواز وآخرة مثل ضل راجل ولا ضل حيطة"
"مش لازم تبقى زيك يا هيام ياختي، بنتك متعلمة ومعاها شهادة عالية وزي القمر وآلف واحد يتمنى بس تبصله" لحت عليها صديقتها في الحديث لتتابع "انتي بس لو تسمعي مني وتسيبيني أشوفلها عريس لقطة زي ما شوفت لبنت نعمة واهي اتسترت وجوازة مرتاحة وحامل وفي الخامس، حاولي انتي بس تليني دماغها وأنا اجيبلها واحد يكون سند ليكو بدل ما انتي ياختي انتي وهي ولايا كده لوحدكوا"
"جبتلها مرة سيرة الموضوع قفلتها في وشي" همست في قلة حيلة
"الزن على الودان يا حبيبتي أمر من السحر، بكرة بس هي لما تجيلها شبكتها كده وتشوف راجل عليه القيمة دماغها هتلين"
"تفتكري؟" نظرت لها بطيبة وقد فقدت الأمل تماماً في أن تستجيب ابنتها لها
"جربي تاني وتالت ورابع، مش هاتخسري حاجة، وبكرة لما تشوفيها مع عدلها ومتستتة في بيتها مع راجل يسعدها هتتبسطي وتقولي إن كان معايا حق"
"ماشي يا سعاد، هحاول"
"طيب يا حبيبتي، أنا يادوبك أغير واروح، محتاجة حاجة؟"
"لا تسلميلي يا حبيبتي"
"أشوفك بكرة بقى، وكفياكي نبطشيات يا هيام ياختي محدش واخد منها حاجة"
أومأت لها وهي تحدق بأرضية غرفة الممرضات المخصصة لهن وذهب عقلها ليُفكر بكلمات لميس المعترضة دائماً وصراخها المتواصل وقد يأست بالفعل من مجرد التفكير بالأمر!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"طبعاً ده حقه الشرعي، ليه كل حاجة بالنص مع أخوه الكبير" تحدث المحامي الذي رمق سارة في وقار
"أنا عارفة، بس يعني مفيش حاجة تمنع؟" ضيقت عيناها ناظرة له
"مفيش، إلا لو هو سايب وصية بتقول إن حضرتك يا مدام أو حازم يتحرم من الميراث" أخبرها بعفوية لتتريث وهي تتفقده جيداً
"طيب، ولو سايب وصية زي دي، تقدر تساعدني؟" سألته وهي تتفحصه بعينتاها الماكرتان ليهز الرجل رأسه وتوقف عن الكلام وهو يتبادل معها النظرات
"وهو ليه يسيب وصية زي دي أو يـ"
"احنا بنقول لو، مش حاجة مؤكدة يعني!" قاطعته بينما ارتشفت من فنجان القهوة أمامها "أنا لازم بردو اضمن حق ابني وهو لسه صغير وأظن حضرتك على علم بالوضع كله" زفرالرجل وهو ينظر إليها ملياً
"لو على حق ابن حضرتك فهو هيجي هيجي، متقلقيش إن شاء الله، بس!" توقف الرجل عن الحديث وقد تغيرت نظرته
"تحت أمرك، كل أتعابك هتاخدها وزيادة!" أدركت جيداً ما يعنيه
"خمسة وعشرين في المية!"
"خمسة في المية!" أخبرته ليبتسم الرجل
"لا بعيدة، نخليها عشرين!"
"عشرة في المية وأظن أنت عارف عشرة في المية هتكون كام من ثروة مرات وابن كرم الدمنهوري"
"يبقا اتفقنا" ابتسم لها الرجل بحماس
"أشرب القهوة لا تبرد" ابتسمت له ابتسامة امتلئت بالخبث بينما علمت أن عليها أن تجد خطة بديلة ما إن كان ذلك المحامي يتلاعب بها!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"حيوانة!" تمتم شهاب وهو يرمق ساعته، أتحتاج إلي عشرون دقيقة لتصلي، أهناك مؤامرة ما خلف تلك المرأة، لربما هي تتحدث لشخص عنه أو ربما تريد أن ترد له تلك الإهانة التي تلقتها منه منذ قليل.
أشار للنادل التي آتى مسرعاً عندما رآه يشير إليه فهو لا يستطيع إلا أن يقدم أفضل خدمة له خاصة بعد تلك الإكراميات الضخمة التي يتركها بعد أن يذهب.
"تحت أمر حضرتك" انحنى الرجل في وقار
"هو اللي عايز يصلي هنا بيروح فين؟" لوهلة لمح التعجب والإستغراب على وجه الرجل فهو لطالما يأتي هنا ولم يسأل عن مكان الصلاة أبداً
"حضرتك هتنزل الدور اللي تحت، أول شمال في تاني يمين"
"وده مكان كبير يعني سيدات ورجالة"
"آه يا فندم، مصلى السيدات على اليمين والرجال على الشمال" اجابه وأومأ بإحترام "لو حضرتك تحب أوري حضرتك الطريق اتفضل"
"لا تمام" أومأ له الرجل ثم استأذن بلباقة
"بعد اذنك" تركه النادل وغادر ليطنب شهاب بالتفكير بينما لم يصله بعد أي خبر عن تلك المسماة بفيروز ليتعجب وأخذ يتحرك بسأم في مقعده ولم يلاحظ أنه للتو تخلى عن ستاراً من تلك الستائر التي يختفي خلفها دائماً، لقد تخلى عن هدوءه المزيف!
خلل شعره في ارتباك، أشهاب الدمنهوري الآن سيذهب ليتفقد حال إمرأة؟ إمرأة غريبة إذا جاز التعبير! ولكن لربما هي تدبر له أمراً ما!
رمق هاتفه وفكر بالإتصال بالرجل مرة أخرى ولكنه منع نفسه بكل ما أوتي من قوة، ينهض إذن ليتفقد أين هي وماذا تفعل، لقد مرت نصف ساعة بأكملها، لا، يغادر ولا يتحدث معها مجدداً، بل ينتظر ليجد أن هناك كذبة ما ليعاقبها عليها!
زفر في ضيق ثم أخذ قراره لينهض وهو يذهب نحو ذلك المكان الذي وصفه له الرجل واقنع نفسه أنه سيتفقد الأمر من على مقربة دون أن تراه هي!
توقف بالقرب من المكان الذي يُفترض أنها متواجدة به ثم استرق السمع، فلربما هي تتحدث لشخص ما أو تعطيه أخباراً عنه، لربما هناك أيضاً سبباً خفياً وراء قصتها السخيفة!
"قولنا ماما مشغولة، مش عايزة تقعدي معايا يعني شوية، ولا أنا وحشة اوي كده؟" استمع إليها وهو لا يُصدق اذناه بينما استمع لصوت بُكاء طفلة
"لا مش وحشة بس أنا عايزة ماما"
"ماما راحت تكلم مديرها وزمانها جاية، مش ماما هي اللي بتشتغل وبتجبلنا الهدوم الحلوة دي، يبقى لازم نساعدها في شغلها ونستناها ونستحمل شوية علشان ماما بتحبك وبتتعب في شغلها علشانك" تحدثت فيروز إليها ليشعر شهاب بسخافة شديدة، أتركته منتظراً من أجل طفلة!
"طيب هي هتيجي امتى؟" تحدثت بنبرة باكية
"على ما نحكي الحدوتة"
"حدوتة إيه؟"
"لا أنا مش هاحكيلك علشان انتي مش عايزة تقعدي معايا ولا عايزة تبطلي عياط"
"لا خلاص هاقعد ومش هاعيط"
"طيب أنتي اسمك إيه؟"
"جني"
"وأنا فيروز" حمحمت ثم ابتسمت إليها وبدأت تقص عليها القصة "كان يا مكان، كان فيه ولد شرير اسمه شهاب" امتعضت ملامح الفتاة بينما كاد شهاب أن يقتلها على تلك السخافة التي سمعها، أحقاً تلك القصة بطلها يُسمى بشهاب؟ "الولد ده كان شاطر اوي، بس كان دايماً مش بيحب زمايله البنات وبيتخانق معاهم وبيخبي حاجتهم وبيفضل يقول للولاد اصحابه يعملوا زيه"
"في مرة شهاب تعب اوي، ومراحش المدرسة كذا يوم وكان عنده امتحان، وماكنش عارف ازاي هايمتحن الامتحان وهو ميعرفش اخدوا مواد ايه في المدرسة" حسناً، شهاب والمرض ليست ذكرى محببة إليه أبداً! سيؤلم تلك المرأة لا محالة!
"لكن كان فيه بنوتة جميلة اسمها بسنت، وبسنت كانت ساكنة مع شهاب في نفس العمارة، بس هو مكنش بيحبها زي باقي البنات، فضل يفكر يفكر لغاية ما قال خلاص، أنا لازم اطلب منها تساعدني" سكتت قليلاً لترى ما إن كانت الفتاة مهتمة بسماع بقية القصة
"وبعدين"
"وبعدين يا جنى يا جميلة راح شهاب وخبط على الباب وفتحتله مامة بسنت وندهت بسنت وقالتلها شهاب بيسأل عليكي، وأخيراً طلب منها تساعده" اللعنة عليها وعلى بسنت وعلى النساء أكملهن، لن يذهب لإمرأة أبداً بحياته!
"وساعدته فعلاً وقالتله همّ اخدوا ايه في الأيام اللي كان تعبان فيها، وبقوا أصحاب على طول وبطل شهاب يكره البنات زمايله، إيه رأيك بقى حلوة الحدوتة؟"
"لا مش حلوة" نظرت إليها متصنعة الحزن ليبتسم شهاب قليلاً
"احسن!" تمتم في انتصار
"لا حلوة، علشان المفروض شهاب ميكرهش حد من غير سبب ويحب الناس كلها، والمفروض إننا نتعلم من بسنت إننا نساعد أي حد يمكن يكون كويس ومحتاج فعلاً للمساعدة، وبردو الصح إننا يوم ما نبقى في مشكلة نطلب المساعدة من اللي يعرف أكتر مننا" اختفى شهاب مبتعداً قليلاً عندما استمع لخطوات قريبة
"متشكرة أوي ربنا يخليكي مش عارفة أقولك إيه، زمانها غلبتك أنا عارفة" تحدث صوت نسائي ليصدر هاتف شهاب إهتزازاً بنفس الوقت
"لا ازاي دي جنى ما شاء الله عليها، هادية وبتسمع الكلام ومعيطتش خالص" ابتسمت لها فيروز بينما غمزت في مزاح للطفلة الصغيرة "يالا بعد اذنك" توجهت للخارج لتتوقف وتوسعت عيناها عندما رآت شهاب أمامها
"هي دكتورة نفسية، ووالدها كمان، جوزها مات من حوالي سنة، كان ظابط في الجيش ومات في عملية إرهابية في سينا، والبيت ده بيت أهلها اللي قاعدة فيه من يوم ما جوزها ما مات، كانت شغالة في مدرسة وأحياناً كانت بتروح مصحات، ده اللي قدرت أعرفه عنها" تلاقت أعينهما بينما لم تتلاقى أهدابه لتنظر له فيروز في تساؤل أمّا هو فقد فهم الأمر بطريقة خاطئة تماماً!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
يُتبع