-->

الفصل الرابع - شهاب قاتم




الفصل الرابع



"آسفة، أتأخرت عليك" ابتسمت له ليتناسى تماماً انها لم تأتي لتلك الأيام ولم تتحدث له، فقط رؤيتها تُمثل له كل شيء بتلك الحياة 
"لا خالص" بادلها الإبتسامة وهو ينظر إليها في عشق 
"معلش أصل الكام يوم اللي فاتوا كنت مع بابا وماما في فـ"
"غادة، مش لازم تعتذري، أنا مقدر" قاطعها لتتوسع ابتسامتها 
"بجد يا شهاب أنت جميل اوي، كل مرة تثبتلي إنك احسن مني" 
"مفيش حد في الدنيا دي كلها احسن منك" ابتسم إليها ونظرات الإعجاب الشديدة تنساب من عينيه إلى خاصتيها لتغتر هي أكثر بنفسها بعد أن سمعت كلماته "اتفضلي" أفسح لها الطريق لتدلف وهي تنظر تلك الغرفة التي يتشاركها مع احد ولكنها لا تعلم كيف يعيش شخصان بغرفة مقسمة لمطبخ وحمام وكذلك هناك سريران وكل ذلك بمساحة لا تقارب حتى غرفة نومها، بدون الحمام!
"ممم، كتفك عامل إيه دلوقتي؟ بقيت احسن؟" حمحمت بعد أن شعرت بالتقزز من ذلك المكان الذي لم تتصور أنها قد تتواجد به أبداً
"احسن من الأول" مالت رأسه يساراً قليلاً ولم يستطع سوى أن ينظر لها وهو يتفقد ملامحها التي يتمنى أن لا يرى سواها "تحبي تشربي حاجة؟" سألها بعد فترة من الصمت لتومأ له 
"ميرسي يا شهاب"
"مش عزومة مركبية على فكرة" ابتسم إليها لتبادله 
"عارفة، بس مش عايزة اتعبك" أقترب منها وهو ينظر لها ملياً ثم همس
"أنا مبسوط إني شوفتك النهاردة" نظرت له بعينين تتفحص داكنتيه وابتسمت له بدلال 
"كان لازم اجي علشان اشوفك واطمن عليك، وبردو مفيش حد احسن منك ممكن يلحقني في الإمتحان الجاي" 
"متقلقيش، هنخلص كل حاجة النهاردة" توسعت ابتسامته وقد راقه تملقها له ولكنه وقتها أخذها بمحمل آخر تماماً.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"آسفة، أتأخرت عليك" أخبرته بحيوية تفيض من عينتين تأكد تماماً انهما تشابه الزمرد بينما أنهى هو مكالمته الهاتفية دون أن يتفوه بكلمة لتتنهد فيروز وهي تنظر لملامحه الجامدة التي لم تستطع قراءة أية مشاعر بها "أصل، أنا لما بشوف الأطفال بنسى كل حاجة وبفضل قاعدة معاهم، وكان فيه بنت مامتها بتشتغل هنا و"
"اسمعيني كويس" أخبرها بتحذير مقاطعاً "أنا مش فاضي لشغل الهبل بتاعك ده، واتعلمي تاني مرة لما حد يسمحلك بوقته ويفضيلك نفسه إنك تحترميه، صلاة إيه وبنت إيه!" تهكم بجملته الأخيرة ولم يقصد الإستفسار ثم رمقها بتقزز والتفت ذاهباً لينفرج فمها رغماً عنه لتتبعه مسرعة 
"استنى" حدثته ولكنه لم يتوقف وأكمل طريقه نحو المائدة وشعرت بأن نبرتها احتدت قليلاً لتهدأ من نفسها وذكرت نفسها لماذا هي هنا، تريد أن تعالجه، وستتحمل ذلك، ولن يستعصى عليها الأمر. وجدته يجلس لتجلس امامه وشرع هو في تناول الطعام في هدوء 
"أنا آسفة مخدتش بالي من الوقت ولما خلصت صلاة كانت البنت بتعيط ومامتها مش عارفة تعمل معاها إيه" لم يلق لكلماتها بالاً لتتنهد هي واختلفت ملامحها "معلش اسمحلي اقولك يا شهاب بالذات اني هاتكلم في موضوع شخصي" رمقها بنظرة غير ودودة على الإطلاق ولكنها لم تكترث وتابعت 
"كان نفسي طول عمري يبقى عندي طفل، كان نفسي اسعد ماهر زي ما بيسعدني، الحب اللي شوفته منه طول السنين اللي فاتت من واحنا صغيرين وبعدين لما اتجوزنا وعرفنا ان الحمل صعب يحصل عندي  قرر يفضل جانبي وميسبنيش، شهاب أنا نقطة ضعفي الأطفال، زي، زي المدمنين اللي بيلاقوا الجرعة ومبيقدروش يمنعوا نفسهم عنها، عارفة انت لسه متعرفنيش وماليش حق أقول كل ده، بس أولاً أنا ارتاحت للكلام معاك، ثانياً لما تفهم وتحس بيا هتفهم قد ايه المشروع ده مهم بالنسبالي، ثالثاً اللي عملته كان غلط ومكانش ينفع اتأخر كل ده" 
بين عينيها المتسعتان تارة والمتوسلاتان ونبرتها تارة ولون عيناها الذي بدا لا يدري صفراء ام ما تلك اللعنة التي تحتويها بين جفنيها وجد نفسه يتوقف عن مضغ الطعام وجذبت انتباهه بطريقة ما ولكنه ادعى عدم الإكتراث ثانية وابتلع ما في فمه دفعة واحدة ثم أكمل تناول الطعام في هدوء
"شكلك كده سامحتني، واكيد انت بردو زيي بس بتحافظ على الرسميات شوية" ابتسمت وهي تتحدث له لتحصل منه على نظرة غاضبة لم تراها من قبل وحتى ولو باحدى السجناء أو هؤلاء المسجلون خطر لتبتلع ولكن دون أن يلاحظ 
"انتي جاية هنا عشان تتكلمي في شغل صح؟" أومأت له "طيب، مشروعك مرفوض، امشي" قد نفذ صبره من تلك المرأة التي لا يعلم من أين آتت لتفسد يومه بهذا الشكل، يستحيل أن يكون وراء خلف تلك الساذجة شيئاً يُثير ريبته!
رفعت احدى حاجباها ثم ضيقت عيناها وهي تنظر له لتبدو عيناها الآن صافية للغاية وقد تعجب، اهي تبدو رمادية اللون؟ لتذهب هي وعيناها لأي لعنة بعيداً عنه، فقط يريد التخلص منها ومن إزعاجها.
قررت بداخلها أن تحاول التحدث إليه من ناحية أخرى تماماً، ستعيد تركيزها عما آتت من أجله، فيبدو أنه حقاً مجرد من كل العواطف ولا يملك مثقال ذرة من مشاعر أو تأثُر.
"شهاب الدمنهوري، رجل الأعمال اللي عنده خمسة وتلاتين سنة، صاحب مستشفى كبيرة، عمل خيري، اسمه واسم شركاته محفورين عليها، ناس كتيرة بتدعمه، دعايا وإعلان لكل مشروعاتك تقريباً، اديني سبب واحد ترفض علشانه!" حدثته في إصرار ليلقى الشوكة في نفاذ صبر وهو لا يدري أحفظته تلك المرأة قبل أن تتحدث معه وتقابله أم ماذا؟
"بقولك إيه، الكلمتين اللي لاقيتيهم على جوجل دول مش هاينفعوكي، ابعدي عن طريقي احسن لك" نظر لها نظرة عرفتها جيداً عندما درست بأسبانيا لذلك الماجستير الذي لم تجده بمصر وقتها 
"التراخيص الطبية كلها أنا ممكن اخلصها في ثواني، كل المعدات عندي طرق اجيبها بأسعار مش هاتتخيلها، متأكد إن مشروع زي ده اللي تقدر شركاتك تبنيه بسهولة أنت مش عايزه؟ صورتك قدام منافسينك كلهم مش هتختلف ومش هيفيدك المشروع ده في حاجة؟" سألته مجدداً لتزداد نظراته الثاقبة لعينيها 
"امشي!" أخبرها مجدداً دون أن تتلاقى اهدابه بمنتهى الثبات والثقة 
"يبقى فعلاً كل الكلام اللي بيتقال صح، مفيش رجل أعمال بيهتم غير بمصلحته وفلوسه وبس، أنا كنت غلطانة لما فكرت إن إنسان زيك ممكن يهتم، أنا فعلاً غلطانة، ومش بس علشان مشروع خيري، كنت فاكراك ذكي وهتعرف تستغل فرصة إن حاجة زي دي عمرها ما اتنفذت في بلد زي بلدنا وهتكون أنت ساعتها صاحب المشروع ده"
نهضت ليتابعها بعيناه بينما لم تتناسى تماماً هدفها الكلي للوجود هنا، لقد عابت على ذكاءه للتو الذي يظن أنه ليس له مثيل، ولكنها تناست أيضاً أنها معالجة نفسية تصمم على تحدي كل من حولها بعلاجه، إهانته تلك لم تتقبلها جيداً، هو يطردها بمنتهى الوقاحة وهذا مالا تتحمله، لقد تحملت مرضى كثيرين ولكن على الأقل جميعهم يعلمون أنهم يتلقون العلاج ومذعنين أن هناك بهم خللاً ما، أما هذا الرجل فهو يستحيل أن تتحمله أكثر من هذا إلا لو شعرت ببادرة منه!
بحثت في حقيبتها عن حافظة نقودها لينظر لها شهاب بإستغراب عندما رآها تخرج النقود منها لتلقيها على المائدة أمامه ثم نظرت له لتزفر وكأنما تخلصت من ثقل ما لم يعي شهاب ما هو بينما هي وضعت حداً لذلك الإقتراح السخيف من بدر الدين وزوجته، لن تعالج هذا الرجل أبداً ولن تتحمله أبداً أبداً إلا عندما يستجيب هو لها، سترى ما الذي ستفعله النقود الملقاة أمامه به، هل سيشعر بالإهانة؟ لقد قص عليها الكثيرون علاقته الغريبة بالنقود وبذخه الذي لا يتوقف عنه.
"شكراً على وقتك" أخبرته في حنق ثم كادت أن تغادر لتوقفها كلماته
"على أساس إني مش هاقدر ادفع فلوس الأكل مثلاً؟" حسناً لقد طرق تصرفها على احدى أبوابه المخفية خلف تلك الستائر التي يحيط نفسه بها ولكنها لا تكترث لما قد يطرأ عليه من تغير حتى لو لم يقبل المشروع برمته واقتربت منه لتحدثه بثقة حتى لا يستمع إليها الناس حولهما
"لأ، على أساس إن حضرتك تنازلت مشكوراً وفضتلي نفسك وفي الآخر مقتنعتش بفكرتي ومافيش أي سبب ولا رابط يقول إنك تدفعلي فلوس أكلي" ضيقت حاجبيها في إنزعاج من كلماته 
"طيب شيلي الفلوس دي احسنلك" حدثها بلهجة آمرة ومهددة بنفس ذات الوقت لينفرج ثغرها وهي تنظر إليه في عدم تصديق وقد اكتفت من سخافته 
"ده أنت بتهددني، وبعدين إيه مشكلتك مع الفلوس أنا مش فاهمة؟ اي انسانة مسؤولة مع حد متعرفهوش هتدفع فلوسها" التفتت لتغادر ولكنها توقفت لتقترب منه قليلاً هامسة "أنا فعلاً غلطانة إني ضيعت وقتي مع حد زيك"  
"بس افتكري إنك مسمعتيش الكلام، متنسيش" 
لم تلاحظ ما الذي حدث عندما أقتربت منه وهي تظن أنها فقط تجعله يشعر بالإهانة مثلما فعل معها ونظرت إليه بتقزز ثم هزت رأسها في إنكار وتعجبت حقاً لتحملها تلك الساعتان مع ذلك الشخص، وللحظة فكرت بكلمات هبة، لقد كانت محقة للغاية، أتستسلم؟ فليذهب عنادها وإصرارها وتحملها وإرادتها للجحيم، لا تكترث له، ولا لكلماته، ولا حتى للأمر برمته، ستستمع لأي لعنة يتفوه بها بدرالدين عندما يعرف أنها ذهبت وتركته وعلى أتم استعداد على أن تتجادل معه، وستنسى قرابة الثلاث شهور الماضية التي حاولت أن تفهم بها شخصيته وذلك الأسبوع الذي قضته بشركته وستعود للعمل بالمدرسة، أو لن تعود! أهم شيء أن تتناسى هذا المختل كلياً. 
مشت في طريقها وهي تطلب احدى السيارات على التطبيق (أوبر) ثم زفرت زفرة طويلة بعد إدراكها أنها انتهت من ذلك البغيض وكادت أن تغادر ليوقفها رجال الأمن على البوابة 
"حضرتك بعد اذنك ممكن ثواني"
"افندم!" تحدثت إلي الرجل بهدوء
"معلش ممكن تتفضلي معانا في الأوضة دي" أشار لها الرجل
"أوضة إيه، أنا مش فاهمة حاجة"
"معلش يا فندم ارجوكي اتفضلي بهدوء ومن غير شوشرة لو سمحتي" رفعت حاجبيها في تعجب 
"أنت بأي حق تقولي اعمل إيه ومعملش إيه؟" حدثته بإنفعال
"معلش فيه حاجة ضايعة وكل الموجودين بيتفتشوا" انفرج ثغرها أيظنون أنها سارقة "بعد اذنك لو سمحتي" التفتت حولها بينما وجدت العديد يمرون من البوابة بشكل طبيعي
"ما الناس اهي بتخرج وتدخل عادي و"
"بعد اذن حضرتك اتفضلي معايا، بلاش شوشرة ارجوكي" هزت رأسها في إنكار وهي تلعن ذلك اليوم الذي تحمست فيه لملاقاة شهاب أو حتى لفكرة معالجته.
توجهت لداخل الغرفة على مضض بينما تركها رجل الأمن لبرهة لتهدأ من نفسها قليلاً، ثم سألت نفسها ما هذا الذي فعلته؟ هذا ليس ما قد يتبعه معالج نفسي محترف؛ لم تكن تظن أنها قد تفعل ما فعلته لو تخيلت الأمر.
لماذا انفعلت هكذا؟ نعم تبدو تلقائية ولكنها كانت على درجة كبيرة من السذاجة الشديدة! ولماذا لم يستفزه شيئاً سوى دفعها النقود؟ لقد قصت تلك القصة وظنت أنه سيسألها عنها! نعم تدرك أنها لم تتوقف عن استفزازه حتى وهي تغادره، تلك الطريقة التي حدثته بها واخباره بطريقة غير مباشرة العديد من الرسائل انها لا تكترث له، هل هذا ما دفعه لإحتجازها هنا؟ حسنا؛ سأعيد صياغة ذلك السؤال، هل هو وراء أنها تنتظر بتلك الغرفة؟
أخذت عدة أنفاس عميقة ثم نفثتها ببطء شديد وهي تحاول استعادة رباطة جأشها وظلت تردد بعقلها أن كل ما بدر منها ليس سوى لتلهفها الشديد لدفعه أن يقول أي شيء، والطيبة التي بالغت بها كانت من باب أن يصدقها فهو لم يتعرض من قبل لمثل تلك الشخصية، هي ليست سلمى ولا ميرال وبالطبع ليست غادة وكذلك هي بعيدة كل البعد عن زينة!
تلك هي الشخصيات النسائية التي استطاعت معرفتها ممن تعاملن معه؛ لماذا تركت تشخيص حالته حتى تلتقيه؟ أتخيلت أن كل ما رآته كان سيختلف عن حقيقة أنه سيكوباتي مجرد من المشاعر؟ أظنت أن ساديته قد تكون كسادية بدر الدين أو رجل تعرض للخيانة فحسب؟ 
ما يفعله بتلك النساء ليس فقط سادية، ما فعله بزينة لم يكن سوى خداع خالص وكذب صريح لا يشوبه شائبة للوصول لمعرفة ما يريده عن عمه كريم! لماذا حاولت بداخلها أن تظن أنه ربما يكون لديه أسباب؟ لماذا ظنت أنه قد يحمل بصيصاً من الخير بداخله ولو فقط شعاع منكسر من نور ولكنها كانت على خطأ تماماً! أذعنت لنفسها بأنها أخطأت واتبعت نهجاً سخيفاً ساذجاً للغاية!
لم يكترث أن يسألها عن تلك القصة التي قصتها للفتاة، لم يكترث لإظهار أية مشاعر تجاه ما حدث لها، مما جعلها تتأكد أن حالته المرضية شديدة وقد تفاقمت عن حدها! حقاً قد اخطأت كثيراً عندما انتظرت لبادرة خير منه، ولأول مرة منذ سنوات تشعر وكأنما تزعزت كل معرفتها وكل ما تصدق به عن الشخصيات وحتى ظنت أنها فقدت الثقة في تلك الدراسة التي أفنت عليها أكثر من عشرة سنوات!
"ماهر، أنت ليه دايماً بتساعدني إني اتعامل مع مسجونين وافهم حالتهم النفسية ومرضهم، وبتحارب وبتجبلي تصريحات ادخل السجون وبتستحمل كل الدوشة دي، وانت عارف كويس ان كل ده تطوع اكتر منه مصلحة مادية، مع إن واحد زيك من كل اللي بيعرفه عن الناس دي ممكن بسهولة يقولي كفاية شغلك في المدرسة وخلاص، بدافع الخوف أو زي ما بيقولوا من باب درء المفاسد، ايه اللي بيخليك تعمل كل ده؟" سألته بينما التفت ناظراً إليها بإبتسامة ثم أعاد نظره على الطريق وهو يستكمل قيادة السيارة
"شوفي يا حبيبتي، أنا اللي بيخليني اعمل ده هو حاجتين، الحاجة الأولانية إنك مهووسة بإنك تتعرفي على شخصيات وقصص وبتحبي إن حد يتغير على ايدك وبمساعدتك وتطبقي كل اللي انتي درستيه عليه، أنا عمري ما هانسى اول حالة اتعاملتي معاها ولما بدأت تستجيب للعلاج شكلك كان عامل ازاي، زي ما يكون قريبك او اخوكي اللي فرحانة بيه، وأنا عمري ما هابطل اساعدك علشان افضل اشوف الفرحة دي في عنيكي، وكمان الحماس اللي بشوفه ظاهر عليكي لما بتفضلي تدوري على حلول، هدوءك اللي مبيظهرش غير قدام المرضى، بصي انتي package كده جميلة على بعضها وحتى لو السبب هو شغلك ومجال دراستك اللي بتحبيه فأنا مش هابطل اساعدك على ده" 
"طب والحاجة التانية؟" سألته بعد أن ابتسمت وهي تنظر له بفخر شديد وعشق خالص
"الحاجة التانية بقى، إني دايماً مؤمن بأن كل حاجة ليها سبب، وكل إنسان زي ما جواه الشر جواه الخير، يعني أنا مثلاً اهو شغلي في الجيش بيخليني احارب إرهابيين واقبض عليهم او حتى اقتلهم لو ده الحل الوحيد قدامي، بس اغلبهم زي ما الظاهر عليهم الشر والفتنة وتخويف الناس، منهم كتير لما بنتكلم معاهم وبيقعوا تحت أيدينا بيبقى جواهم أسباب تخليهم يعملوا اللي همّ بيعملوه وخير بردو، المشكلة بس في الفهم الغلط، والمشكلة الأكبر إن مبيكونش فيه حد يفهمهم الصح من الغلط، كتير بيصعب عليا بيوتهم اللي بتتهد وأولادهم ومراتتهم وفي الآخر علشان مجرد فهم غلط مش اكتر" التفت إليها متنهداً وهو ينظر لها بابتسامة مقتضبة ثم تابع

"تخيلي بقى الناس دي بكل الصدمات والأسباب اللي خليتهم يكونوا بالشكل ده، لو بس لقوا حد زيك، يعرفهم الصح من الغلط وازاي يتعاملوا مع مشاكلهم اللي اغلبها بتكون نفسية، لو كانوا على درجة من الوعي إن اللي بيعملوه ده عمره ما كان حل، مش كانت حاجات كتيرة اختلفت؟!"

تذكرت ذلك الحديث مع زوجها الراحل لتأخذ شهيقاً ملئت به رئتيها ثم أطلقته ببطء وكأن ماهر حتى بعد رحيله كلماته لا تزال تدعمها وتهدئ من تلك الأفكار عن الإستسلام والإقلاع عما تحبه وعن شغفها بهذه الحياة، لا يزال هو الوحيد الذي يستطيع أن يعيدها إلي مسارها الصحيح الذي اختارته منذ صغرها.
يا ليته كان هنا لتقص عليه حالة مثل حالة شهاب، فقط سمات الشخصية دون معلومات، دون أسماء، دون ذكر تفاصيل، أين هو الآن ليزودها بتلك الثقة التي لطالما كان يزودها بها دون مجهود يُذكر؟
فتحت عينيها عندما وجدت الباب يُفتح عليها لينتشلها ذلك الصوت من تذكر تلك الذكرى ونظرت لتجد إمرأة ترتدي زياً يدل على أنها تعمل بقسم الأمن التابع لذلك المكان
"بعد إذنك افتحي الشنطة!"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
كان عليه أن يفعل ما فعله، شعر بأن هناك آمراً بتلك المرأة وعليه أن يعرف ما وراءها، كان عليه أن يجبرها على انتظاره، وتلك النقود التي ألقت بها أمامه أتظن أنها أفضل منه أم ماذا؟!
من تلك المرأة؟ هل يكون السبب مثلاً أن زوجها قد مات أثناء احدى عمليات نقل الأسلحة بسببه؟ ألهذا السبب تظن أنها بسذاجتها آتت لتنتقم منه؟ 
لا، يستحيل أن يكون هناك إمرأة بإرث مثل الذي تتحدث عنه تريد فقط الانتقام والثأر من أجل زوجها، جميعهن يكترثن للمال، لا تهتم إمرأة على وجه الأرض سوى بمّ تريده من أجل نفسها هي فقط، يستحيل أن يكون دافعها لملاقته هو عشق زوجها كما تزعم.
ولكن إلي أن يتبين السبب الحقيقي وراء معرفتها به سيحاول الإيقاع بها كي تكون فريسته الجديدة، وقتها الانتقام منها سيكون ممتع للغاية، وسيخرجه هذا من حالة الملل تلك، كما أنه يستطيع بسهولة أن يأخذ تلك الأرض ليصبح الأمر له وحده تماماً دونها! أين أوراق تلك الأرض التي تتحدث عنها على كل حال، هو لم يراها بعد!
عليه أولاً معرفة تفاصيل كيف مات زوجها، ثانياً فكرة مشروع خيري في هذا الوقت ملائمة للغاية ولكن عليه أن يختلق قصة فريدة من نوعها تلقى تعاطف الجميع، لقد كسب العديد ممن يستطيعون تسهيل العديد من المصاعب له في هذه الدولة، الرشاوي أصبحت سهلة للغاية، ولكن أن يجذب الناس إليه، هذا ما يريد العمل عليه جيداً بالأيام المُقبلة! 
لم يكن له أخوة، والدته ماتت عندما كان صغيراً وهي تلده، وقتها لن تستطيع والدته التحدث وحتى لو تحدثت يستطيع أن يوقفها بسهولة، وعندما يُحقق غايته بهذا المشروع سيكسب الكثير من خلف ذلك، وقتها لن يستطيع بدر الدين أن يُمسك عليه عدة تسجيلات مصورة، قد حتى يعتقد البعض أنها مُلفقة! 
سيقوي علاقاته، عليه أن يكون ذو أهمية طاغية بالنسبة للجميع، فهؤلاء ذو المراكز الحساسة بالدولة يستطيع أن يفضحهم بعد أن سجل عليهم تلك الرشاوي، سيجذب المزيد منهم بنفس الطريقة، وبعد أن يُهددهم يستطيعون بسهولة أن ينفذوا له كل ما قد يعيق انتقامه من بدر الدين وأسرته بأكملها! 
وإذا حاول هؤلاء الرجال الإيقاع به فسيكون وقتها بطلاً شعبياً تعشقه الناس وتُجله على اعماله الخيرية، الرجل الذي يفعل الخير، مثلما ظنت تلك الساذجة، ظنت أنه رجل ذو قلب يشعر بالفقراء، يشعر بالموظفين لديه في شركاته، فماذا سيظن الناس وقتها عندما يكون رجل ذو عمل خيري ضخم كهذا؟! وقد يتوسع لأكثر من عمل خيري واحد!
هز رأسه في اقتناع ثم نهض ليترك كعادته نقوداً إضافية مبالغ بها فوق المائدة ثم تحدث مجدداً لواحداً من هؤلاء الذين يتخذون الطرق الملتوية لمعرفة الأمر بأكمله عن زوجها علّ الأمر كله مجرد خدعة ساذجة تظن هي أنها تستطيع إيقاعه بها وإلا ربما هي مجرد رغبة في شُهرة على حساب اسمه او استغلالاً لمنصب أو نفوذ، سيرى! عليه فقط أن يتأكد مما تريديه هذه المرأة أولاً. 
وقف أمام الباب في انتظار حيث أنه قد عرف أنها بالداخل وتقوم إدارة الأمن بالبحث عن ساعته معها، أهي حقاً لم تلاحظ أنه قد القاها بحقيبة يدها عندما اقتربت منه، يا لها من ساذجة! 
خرجت تلك المرأة التي يبدو أنها تعمل بقسم الأمن من زيها لتنظر له بآسف شديد بينما لم يعطها أية تعابير تستطيع المرأة فهمها لتحمحم ثم تحدثت
"احنا فعلاً لقينا الساعة معاها، بنعتذر جداً لحضرتك ولو حابب نتخذ أي إجراء رسمي احنا تحت أمرك" أخبرته برسمية ثم أعطت له الساعة
"متشكر، وملوش لزوم إجراءات أو أي حاجة، أنا هاتكلم معاها واحل معاها الموضوع بشكل ودي" تناول الساعة منها ثم تابع "دي ساعة يعني، أنا بس كنت مضايق ان واحدة من موظفة عندي اتصرفت بالشكل ده"
"شكراً لتفهم حضرتك، واحنا آسفين مرة تانية" ابتسم لها بإقتضاب ثم دلف الغرفة ليجدها مولية ظهرها إليه ولم يرى ملامحها ليبتسم بمكر ثم وضع يداه بجيباه 
"مكنش ليه لزوم تاخدي الساعة، ومشروع، وجوزي مات، كنتي قصري الطريق على نفسك وقولي إنك محتاجة فلوس وهساعدك!" تحدث بهدوء متهكماً بينما تجول بالغرفة لتلتفت هي بملامح لم يستطع قراءتها بسهولة لتدفعه للإستغراب
"معلش، عادة قديمة ومش عارفة اخلص منها" اندهش من تلك الجُملة التي تفوهت بها وكاد ذلك أن ينعكس على ملامحه ولكنه سيطر على الأمر فهو يعلم أنه من فعلها وتريث حيث رآها سوف تُكمل حديثها "عموماً أنت خلاص اخدت ساعتك ومش مضطر تشوفني تاني، عن اذنك" أخبرته وأخذت خطواتها نحو الباب لتغادر ليحول بينها وبين الباب وأوقفها متحدثاً
"حلو اوي الـ show ده، فين بقى الأرض اللي بتتكلمي عنها دي؟"
"أنت مش قولت إن المشروع اللي عرضته عليك مرفوض، وعلى ما أظن قولتلي امشي، إيه لازمة سؤالك ده؟ غيرت رأيك؟" سألته لينظر لها قالباً شفتاه ثم هز كتفاه في تعجب
"أنا مقولتش كده، أنتي جبتي الكلام ده منين؟" استطاع تزييف ملامح صادقة ببراعة لتتقبل هي ذلك بهدوء وجعلته يظن أنها تحاول تذكر ما حدث منذ دقائق بينما كانت تعلم أن كذبه مجرد علامة اخرى من علامات حالته المرضية التي يعاني منها!
"لأ بس أنت قولتلي امشي، أنا فاكرة كويس إنك قولـ"
"بقولك إيه أنا معنديش وقت اضيعه في الكلام الفاضي ده" قاطعها متحدثاً بثقة مُدعياً السأم أمّا هي فقد أدركت أنه يحاول أن يُلقي الكرة بملعبها هذه المرة 
"تمام، بكرة الساعة عشرة الصبح يناسبك تروح تشوفها؟" ادعت هي الأخرى نسيان أنه قد كذب عليها منذ قليل بل جعلها تشك في نفسها وفيما حدث لتتركه يعتقد أن كذباته تُصدقها هي بمنتهى السهولة
"وليه مش دلوقتي؟" ضيق عينيه ناظراً لها 
"الأرض بعد العاشر من رمضان بخمسين كيلو، احنا دلوقتي في أكتوبر، أنت متخيل هناخد وقت في الطريق قد إيه؟! ده غير طبعاً إن المغرب قدامه ساعة ونص، فيه مهندس كبير زيك بردو هيروح يشوف أرض في الضلمة؟" استمع لكلماتها التي بدت منطقية ولكنه انزعج من تهكمها
"بكرة الصبح تجيلي وتـ"
"لا أنا مش باجي لحد، بكرة الصبح أنت اللي هتجيلي!" حدثته بغرور وهي تقاطعه ليشعر وكأنه يريد أن يلكمها بوجهها من تلك الطريقة التي تحدثت له بها للتو وكاد أن يتحدث ولكنها تحولت في ثوانٍ من تلك الواثقة إلي أخرى متوسلة "عربيتي بايظة، معلش بقى، ومش هاخد أنا أوبر لغاية هناك! يا ريت تيجي تاخدني بكرة لو مش هيضايقك، يا إمّا ممكن تستنى للجمعة علشان عربية بابا بياخدها معاه كل يوم وماما بردو بتروح الشغل بعربيتها و"
"خلاص" هز رأسه في ملل من كلماتها ثم أخرج حافظة نقوده ليُخرج منها عدة ورقات مالية وكانت أكثر مما تركته هي أمامه على المائدة "فلوسك، ومتعمليهاش تاني" قدم يده الممسكة بالأموال لترمقه بنظرة رفض ثم اكملت طريقها نحو الباب ليمد هو يده بجرأة وأمسك بذراعها ليوقفها ولكنها أدهشته بإمساكها بيده ثم ثنت ذراعه في لمح البصر خلف ظهره بعدما توجهت لتقف خلفه ليقدم يده الأخرى محاولاً الإمساك بها ولكنها فعلت بها مثل ما فعلت بذراعه الأخرى وثبتته بقوة جيداً 
"خليني اوضحلك حاجة" وقفت على أصابع أقدامها كي تحصل على مزيداً من السنتيمترات التي تفرق بين طوليهما وهي تحافظ على مسافة ألا تلمس ظهره ولكن كلماتها المُحذرة انطلقت نحو أذنيه مباشرة "مشروع أو مش مشروع يا ريت متحاولش تلمسني تاني بأي طريقة وتحترم نفسك!"
"متنساش معادنا بكرة وعنواني في الـ CV اللي ادتهولك ورقمي كمان موجود فيه، ده لو كنت عايز تشوف الأرض فعلاً" أخبرته بنبرة جامدة ثم دفعته ليأخذ خطوتان للأمام ولكنه حافظ على توازنه وبنفس الوقت توجهت للخارج مسرعة قبل أن تترك له الفرصة بالتحدث بالمزيد!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"لا لا، متقلقش، كله تحت السيطرة يا فندم!" تحدثت بثقة ونبرة مرحة 
"يا مسهل" 
"اكيد ربنا هيوقف جانبنا علشان احنا قصدنا خير، وبعدين أكيد يا عمو يعني مش بعد ما تدفع الفلوس دي كلها في الأرض والإجراءات هاسيب الموضوع يبوظ من ايدي، اديني اهو النهاردة اتفقت على معاد لبكرة وربنا يسهلها بالباقي إن شاء الله" أخبرته لتستمع لتنهيدة بدر الدين على الطرف الآخر من المكالمة 
"عارفة يا فيروز، أنا تخيلت إن سليم مكانه، من دور ابني في الاول وفي الاخر، معاناة زي اللي عايشها وبتديله اسباب إنه يعمل كل اللي بيعمله ده اكيد صعبة اوي عليه، فعلاً نفسي الموضوع ينفع، غير طبعاً إني خايف على كل ولادنا منه"
"هاينفع، اطمن" 
"أنا واثق فيكي وعارف إنك شاطرة وذكية"
"ميرسي يا عمو بجد، هو ممكن الموضوع يبقى ماشي ببطئ شوية بس أكيد شهاب هيكون احسن" 
"يارب.." همس ونبرته امتلئت بالتمني لتبتسم فيروز لوجود رجل يٌفكر بمثل تلك الطريقة التي يٌفكر بها بدر الدين "يالا بقى علشان تلحقي معاد الصبح ومتنسيش تبقي تحكيلي بكرة حصل إيه"
"أكيد متقلقش، تصبح على خير"
"وأنتي من أهله يا حبيبتي" 
أنهى بدر الدين المكالمة بملامح مشدودة جامدة وقد ذهب تفكيره في أمر شهاب من جديد ولكن أفزعته نورسين التي وجد يدها تُمسك بأذنه 
"حبيبتك مين يا بدر؟" صاحت به وملامحها جدية للغاية 
"يا نورسين انتي اتجننتي ولا إيـ"
"بتقول لمين يا حبيبتي؟!" قاطعته بإنفعال لتظهر ملامح التوجع على وجهه 
"يا مجنونة اعقلي، دي كانت فيروز"
"فيروز! ماشي يا بدر، تصبح على خير" رمقته بغضب ثم تركته لينهض تابعاً إياها
"استني يا نورسين" صاح منادياً ليزفر في ضيق "دي اضايقت بجد ولا إيه! ده شغل جنان ده الظاهر كده على المسا" تمتم وهو في طريقه خلفها وهو يعلم جيداً أنه سيبدأ في سيناريو من التوسل الشديد لليلة بأكملها!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"يا زوزا نامي بقى علشان متناميش بكرة في العربية" همس سليم بإرهاق
"مش جايلي نوم" أخبرته بسأم "وبعدين أنت زهقت مني ولا إيه؟" 
"وأنا أقدر!" تنهد ثم ازاد من إحاطة خصره لها ودفن وجهه بعنقها أكثر "بس هاموت وأنام"
"بقيت رخم يا سولي على فكرة، بفكرأفكس لحوار الهوني مون ده كله وأسافر أنا مع أدهم وسيدرا"
"نامي يا حبيبتي وهنسافر أنا وانتي مع سيدرا بس ومتجبيش سيرة حوار أدهم ده تاني!" تحدث بين أسنانه المطبقة في إنزعاج ونبرته كانت محذرة ولكن بلطف عندما شعرت بإبتسامته المغتاظة التي ارتسمت على شفتاه بمجرد التحدث عن الأمر
"فاكر لما جيتلي في ألمانيا يا سولي؟" ادعت عدم الإكتراث لما قاله 
"فاكر"
"بجد دي أحلى مفاجأة حصلتلي في حياتي، بس، مخوفتش لو كنت مثلاً صديتك أو فهمتك غلط؟" 
"مكنتش هسيبك تفهميني غلط، وبعدين أنا من زمان وأنا عارف إنك حبيبتي وهتسمعي كلامي"
"يا سلام! إيه الثقة دي كلها؟" 
"يا بنتي أنا شوفتك من وانتي عندك سنتين، وكبرتي قدامي سنتي سنتي، وحبيتك وقولت استحالة أتجوز غيرك، وأهو حصل" أخبرها بنبرة ناعسة 
"بجد يا سليم الحب اللي من واحنا صغيرين ده ولما نكبر نحققه بيبقى حلو اوي" 
"حبيبتي احنا مافيش زينا"
"لأ فيه.. أدهم وسيدرا بيحبوا بعض تقريباً من يوم ما اتولدوا" 
"هو أنتي ناوية تنكدي ليه يا حبيبتي، ما تسيبك بقى من موضوع سفرهم معانا ده" زفر بإنزعاج لتنهض هي جالسة وامسكت بيده 
"علشان خاطري يا سولي، سيب أدهم يسافر مع سيدرا، وأحنا هنبقى معاهم يعني مفيش حاجة هتحصل، وبعدين لما أنا وأنت كنا بعيد عن دوشة الأخوات والقرايب قضينا يومين حلوين اوي، علشان خاطري وافق" توسلته في دلال 
"بدر لو عرف هـ"
"مش هايعرف" قاطعته "وافق بقى، سيدرا هتتبسط اوي" توسلته مجدداً
"طيب بكرة نشوف" 
"يعني وافقت؟" سألته بحماس 
"ربنا يسهل"
"لأ قولي وافقت ولا لأ!"
"يا زينة نامي الله يخليكي وكفاية بقى هري من الصبح في الحوار ده"
"عشان خاطري يا سولي، لو كنت بتحبني" توسلته مرة أخرى ليزفر هو في إنزعاج
"ماشي" أخبرها بإقتضاب 
"بجد!" توسعت ابتسامتها ثم أقتربت منه لتقبله قبلة طويلة "بحبك، بجد أنت أحسن حاجة حصلت في حياتي" 
"وأنا كمان بحبك يا مغلباني، نامي بقى" جذبها ليعانقها مرة أخرى لتشعر هي بالسعادة وتوسدت صدره وصمتت لما يقارب دقيقة ولكنها زفرت في ملل 
"سولي.. أنا مش جايلي نوم" أخفض رأسه لينظر لها مطولاً وهي تتوسد صدره "إيه بتبصلي كده ليه؟" 
"بحاول أفكر أنيمك ازاي" 
"ولقيت حل؟" رفعت حاجبيها بإبتسامة ليدفعها على السرير ثم اعتلاها 
"تقريباً.. بس لو متهدتيش بعد الفرتكة اللي هتحصل ونمتي هطردك برا الشاليه"
"موافقة" ابتسمت له بدلال ثم حاوطت عنقه وهي تقربه إليها وبادلته تلك القُبلة التي علمت أنه سيبدأها هو ولن تنتهي قبل وقت بعيد!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"10 - 8 - 2019
كنت محتاجة وجود ماهر اوي النهاردة معايا، عمري ما احتاجت وجوده جانبي زي اللحظة اللي كنت تايهة فيها قدام حالة! بجد؟ أنا وصلت للدرجة دي؟ مبقتش عارفة اتعامل خلاص؟!
ايه اللي خلاني ساذجة وهبلة وعبيطة اوي كده؟ مش معقول علشان بقالي سنة متعاملتش مع حد غير زينة اتغير اوي بالشكل ده! ولا نظرية ماهر في الخير والشر لسه مأثرة عليا علشان كده كنت بفكر طول اليوم في كلامه اللي قاله ليا زمان؟ ولا سذاجتي دخلت عليه؟ حقيقي مش عارفة!
هافكر نفسي إن الموضوع محتاج صبر، معافرة، هدوء، وذكاء! هافكر إني اللي عملته لما قفلت على نفسي كان اكبر غلط! 
قاعدة بفضفض مع نفسي بكلمتين؟! بجد! دكتورة فيروز مش عارفة تكتب تقرير عن الحالة ولا إيه؟! حالة، لا مش حالة، ده تحايل على الحالة! أنا محتاجة اعمل لنفسي Refresh، لازم ارجع فيروز بتاعة زمان!
حالة زي شهاب مش ممكن تتعالج بين يوم وليلة، الواضح إنه مش مجرد حصله مواقف وصلته للي هو عليه لأ ده واضح إنه مولود عنده استعداد لحاجة زي دي.. وده استحالة يتحل بسرعة أبداً.
كدبه النهاردة اللي عملت نفسي مصدقاه مش ممكن يوصل للدرجة دي بسهولة، أكيد اتعود سنين كتيرة يكدب لغاية ما وصل إنه يصدق نفسه بأنه ممكن يقنع حد بأي حاجة هو عايزها، الثقة اللي اتكلم بيها دي النهاردة بتوضح قد إيه هو عنده استعداد يفضل سنين يقنع اللي قدامه بحاجة عكس الحقيقة عشان أي غرض هو عايز يوصله، أنا عملت نفسي مقتنعة علشان اشوفه هو عايز يوصل لإيه، بس ده بردو مبانش بسهولة، وشكله كده مش هيبان قريب!
يمكن من ساعة موضوع الساعة ده وأنا مسكت نفسي شوية وعرفت اتعامل معاه، عملتله شوية لخبطة خليته يجيب سيرة الأرض تاني والمشروع، ده يُعتبر إنجاز النهاردة، هاشوفه تاني بكرة! 
لما فكر يقرب مني وعرف إنه استحالة يقدر عليا زي ما بيعمل مع ستات كتير ده هيخليني قدامه زي اللغز، مش عارف أنا ازاي كده ولا أنا فعلاً كل نيتي مشروع ولا فيه حاجة تانية ورايا!
بس آخر اليوم لما ابتدى يتغير معايا واتحول خالص ده معناه إنه عايز يخدعني علشان حاجة أو عايز يعرف حاجة أو يمكن مش مصدق ولا أي حاجة من اللي قولتها! 
لغاية بقى ما اعرف إيه الحاجة دي مقداميش حل غير إني افكر نفسي أنا مين، وهو مفيش قدامه حل غير إنه يتعالج ويتغير، لأني مش هاسيبه!"
توقفت عن الكتابة عندما استمعت لصوت هاتفها لتجد أن هبة تتصل بها وأدركت أنها لن تتركها دون أن تقص عليها كل ما حدث اليوم مع شهاب، تناولت شهيقاً عميقاً ثم أطلقته واجابت الهاتف 
"أكيد مش هسيبك تنامي غير لما أعرف كل اللي حصل النهاردة بالتفصيل!" تحدثت هبة قبل أن تتكلم فيروز 
"متبقيش هبة دويدار إلا لما تزني وتكلميني" 
"احكيلي بقى عامل ازاي، وعمل معاكي إيه؟ وصدق الحوار ولا لأ؟"
"عامل ازاي! إنسان وليه عنين وودن وبُق وايدين و"
"يا رخمة!" قاطعتها بإنزعاج 
"يا بنتي ده أخوكي، أكيد شوفتيه يعني"
"أنا عمري ما شوفته غير يوم عزا باباه أصلاً" تحدثت بآسى لتلاحظ فيروز اختلاف نبرتها 
"بصي، هو شكله كده دخل عليه الحوار لأنه هيعدي عليا بكرة الصبح نروح نشوف الأرض" حاولت العودة لأصل الموضوع حتى لا تطنب هبة بحزنها 
"طيب والتفاصيل التانية؟" سألتها بحماس
"انتي عارفة إني مش هاقولك حاجة، صح؟" 
"والنبي والنبي تحكيلي، فتفوتة بس، مش يمكن في يوم اتعامل معاه و"
"هبة! تشخيصنا المبدئي طلع صح، أكتر من كده مش هاتعرفي توصلي لحاجة، وبعدين يا بنتي أنا لحقت، دول كانوا ساعتين زمن" قاطعتها قبل أغنية طويلة من الإلحاح شرعت هبة بها منذ ثوان 
"تصدقي إنك سخيفة!"
"تصدقي إنك مسهراني وأنا معادي معاه بكرة عشرة الصبح، ولسه بقى على ما اخلص طقوس الفطار معاهم ومش بعيد فريدة تنزل الصبح معايا علشان تدفع مصاريف السنة الجديدة وهتقولي أطلبلها أوبر من عندي ولازم افهمها إن شهاب ميعرفش اننا نعرفه علشن لو شافوا بعض صدفة وقصة طويلة حضرتك" 
"جات يعني على مكالمة قرمط الغلبان!" 
"معلش، أنتي عرفاني لما بتشد لحالة ببقى عاملة ازاي"
"هتقاطعيني يعني ومش هتكلميني وتختفي ولا ناوية على إيه؟"
"أكيد لأ طبعاً، بس قوليلي عاملة إيه في الحمل؟" 
"أنا مش عارفة أنام يا فيروز، وباكل زي البقرة، وخلاص هتجنن" 
"معلش يا حبيبتي، بكرة أول ما تشوفي البيبي هتنسي كل ده" 
"أنا حاسة إني هافضل حامل طول حياتي أصلاً" ضحكت فيروز على حديثها 
"ربنا يقومك بالسلامة يا بوبو ونفرح بيكي وبالنونو، لسه معرفتيش ولد ولا بنت؟" 
"لأ! لسه البيه مش موافق وبيقولي سيبيها تيجي زي ما تيجي، يعني مش عارفة أنا اجيب هدوم بنوتة ولا ولد ولا اعمل إيه!"
"خلاص بقى متزعليهوش، يعني أول ما بيتولدوا مش هيشاركوا في عرض أزياء مثلاً" تنهدت هبة بسأم 
"ادي آخرة اللي تتجوز واحد سخيف"
"حرام عليكي ده أنتوا بتموتوا في بعض"
"ماشي بنموت في بعض بس بارد وسخيف"
"دي هرمونات حمل مش كده؟!" 
"معرفش بقى" 
"فين أيام مكونتيش بتطيقي عليه الهوا الطاير" 
"بقولك إيه، قومي نامي وأنا هاقوم أشوفلي حاجة أكلها"
"تاني!! يخربيتك بطلي على الولادة مش هيلاقوا سرير مقاسك" 
"تصبحي على خير يا رخمة"
"وانتي من أهله"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ما هو مبقاش يصح رجوعك كل يوم والتاني وش الصبح، بلبسك القصير والمحزق والملزق، أنتي فاكرة إنك عايشة في الدنيا لواحدك ولا إيه؟ مالكيش بيت؟ مفيش حواليكي ناس هتتكلم؟" صاحت بها والدتها لتنظر لها لميس بإنزعاج 
"وهو كان فين البيت ده من اكتر من عشرين سنة؟ وكانت فين الناس وأنتي رامياني في المستشفى وخايفة لا مديرتك تسمعني بعيط؟ تولع الناس وبالنسبة بقى للبيت فهو مش هاينفعني في حاجة، كل يوم والتاني نفس الخناق لما طهقتيني في عيشتي، حرام عليكي بقى!" صرخت بها ابنتها لتنتعش الذكريات المريرة بعقلها مجدداً ونظرت لها بحزن 
"يا لميس يا حبيبتي انتي يادوب بتنامي ومن صباحيتها لمساها انتي برا البيت، شغلك ربنا يباركلك فيه بس متخليهوش يجي على حياتك، انتي كل يوم تنزلي الساعة تسعة وبتيجي وش الصبح، انتي صعبانة عليا يا حبيبتي، نفسي أشوفك عندك حياة ولو الشغل ده صعب سيبيه وشوفي غيره" حاولت أن تخبرها بحقيقة ثورتها عليها فهي بالنهاية مثلها كمثل أي أم تشعر بالخوف على ابنتها 
"حياة! حياة إيه؟ شغلي ده اللي بيأكلني وبيلبسني وبيصرف على البيت ومركبني عربية، شغلي اللي شايفاه وحش اوي هو حلم بالنسبة لأي حد في سني، تقدري تقوليلي لو سيبته هنعمل إيه؟ بعد ما فضلت سنين اتمرمط لغاية ما وصلت في شركتي للي أنا فيه عايزاني اسيبه، يا ترى بقى ساعتها مدام هيام هتقدر تعيشنا وتصرف علينا بالمرتب اللي بترميهولك المستشفى؟ ولا هتاخدي نبطشيات زيادة ميكملوش آلف جنيه على بعض؟!" أخبرتها في تهكم 
"يا بنتي والله لو بإيدي اعمل حاجة كنت عملتها" أخبرتها في آسى وقلة حيلة
"وأنا مبطلبش حاجة، ومش عايزة اتعبك زيادة، وقولتلك حتى لو عايزة تسيبي الشغل وتقعدي في البيت أنا هاتكفل بمصاريفه" 
"يا بنتي انتي ليه مش عايزة تفهميني، أنا مبقولكيش أصرفي عليا ولا على البيت ولا حتى سيبي شغلك خالص، أنا بس نفسي أفرح بيكي، نفسي أشوفلك حتة عيل قبل ما أموت وافرح بيه، زيي زي أي أم نفسها تشوف بنتها عروسة وتفرح بعدلها، شوفي سنك بقى كام دلوقتي وكل اللي قدك معاهم عيالهم ماشين جانبهم"
"لا والله، ومفكرتيش بقى في العريس بالمرة؟" سألتها متهكمة "ولا يا ترى هتروحي تجبيلي واحد شوفتي صورته عند الخاطبة اللي بتشتغل معاكي عشان أصرف عليه هو وأهله!!" ابتسمت بإستهزاء "ماما بصي متكلمنيش في الموضوع ده تاني ومتجيبيش سيرته علشان بجد المرة الجاية هامشي من البيت وساعتها تبقي ارتاحتي من وجع الدماغ اللي بعملهولك!" احتدت نبرتها بشدة
"ليه يا بنتي بتقولي كده! ده يعني جزاتي علشان عايزة أفرح بيكي"
"لا، جزاتك إنك مفكرتيش صح، جزاتك إنك روحتي اتجوزتي واحد وخلفتيني منه ورماكي بعدها وراح اتجوز واحدة معاها فلوس والتاني رمالك ورقة عرفي ومعرفتيش هو فين لغاية دلوقتي! حلو الجواز مش كده؟!" رمقتها بلوم وتهكم امتزجا على وجهها الغاضب ثم تركتها لتشعر هيام للمرة المليون أنها أخطأت بكل شيء تجاه ابنتها وتجاه نفسها!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"آه" أطلق آنة وهو يدلك عنقه وبالكاد أستطاع الرؤية أمامه فترك ذلك التصميم الذي يعمل عليه منذ أسبوع ونهض متناولاً هاتفه ثم تفقد الوقت به ليجد الساعة قاربت على السابعة صباحاً ليتنهد في إرهاق، هو لم ينم منذ يومان وأمامه اليوم العديد من الأشياء عليه فعلها!
توجه لمطبخه ليصنع بعض القهوة التي يتمنى أنها ستساعده، نظر لتلك العُلبة التي تحتوي مسحوق القهوة وهو يقرأ عليها تحذيراً أنها تسبب الأرق ليبتسم ابتسامة جانبية مُتهكمة، هو حتى لا يثق بحبات البن المطحونة!
وضع القهوة بماكينة تحضيرها وانتظر حتى تنضج بينما ذهب نحو المبرد ليخرج احدى مشروبات الطاقة ويتناوله، رغبته في النوم شديدة للغاية وليس أمامه حلاً آخر سوى ما يفعله، فهو لديه الكثير حتى ينتهي منه ولا عزاء لجهازه العصبي الذي إذا استمر على هذا المنوال سيتدمر لا محالة!
تفقد جدول مواعيده للغد وها هو قد وقعت عيناه للتو على أكثر ما كان يحاول تجنبه منذ مغادرتها إياه ولكنه أستسلم في النهاية بالتفكير بالأمر مرة أخرى!
لقد تأكد أنه هو ووليد ليس لهما علاقة بموت زوجها، إذن ما الذي تريده تلك المرأة ذات الحدقتان اللاتي لا يعلم ما لونهما حقاً؟ لماذا كذبت عليه بأنها قد سرقت ساعته؟ هل هذا يعني أن هناك أمراً ما تود التعرف عليه من خلاله أو تريد إستغلاله بأي طريقة من الطرق لذا أخبرته أنها قامت بسرقة ساعته دون أن تُدافع عن نفسها؟ لولا أنه من وضع الساعة بحقيبة يدها دون أن تلاحظ لكان صدق أنها قد سرقت الساعة عن قصد!
وكيف لها أن تفعل ما فعلته به؟ أين لها بتلك القوة الجسدية؟، بالرغم أن قوامها نحيل لتستطيع التغلب عليه هكذا بمنتهى السهولة، لوهلة ابتسم متهكما لو أن تلك المرأة معه يوماً ما ستتحول الليلة لحلبة من المصارعة العنيفة! 
إذن، هناك شيئاً وراءها، لا يستطيع تقبل أن هناك إمرأة على وجه الأرض كل ما تريده هو مشروع خيري من أجل زوجها السابق، ربما تبدو تلك المرأة غريبة للغاية عليه، ولم يتعامل مع مثلها من قبل ولكن هناك نوعاً من الحماس يتملكه كلما طرأ نوعاً جديداً من النساء على حياته، البعض منهن يتخيلن أنفسهن على نفس مقدار ذكاءه، البعض منهن يريدن قضاء الوقت معه، بعضهن تود علاقة جنسية جامحة، وأخريات يتصورن أن شهاب الدمنهوري قد يُصبح زوجاً لهن، هناك غادة، وزينة، وغيرهن، لكن تلك المرأة من نوعاً آخر لم يتعرف عليه بعد، ولكن قد راقه الأمر وسيرى ما نوعها هي الأخرى!
ملامحها التي تختلف، المرأة بمكتبه، غير المرأة التي جلست لتتناول الطعام، وبالطبع هي ليست تلك المرأة التي تقص قصة لفتاة صغيرة بطلها هو نفسه، هي المرأة التي تعلم أنه يوقع بالنساء ويكرههن، تعرف عنه شيئاً أو آخر، حسناً ليرى ما الذي تعرفه، تلك المرأة التي غادرته بمنتهى الثقة وملامح الإنتصار سترى رجل لم تتعرف عليه بعد، ليرى هو إلي أين ستصل تلك الحركات الدفاعية عندما يتحول هو الآخر من شخص رسمي عملي إلي رجل لم تره أمس بتاتاً، كما تحولت هي من ساذجة إلي غبية بإعتقادها أنها تعاملت معه بذكاء.. لقد راقته تلك اللعبة السخيفة ولن يترك هذه المرأة حتى يتحول مصيرها إلي نفس مصير تلك النساء اللاتي سبقنها!
لا تكترث بما يملكه من أموال، أذعنت بالسرقة، تتظاهر بذلك المشروع الخيري الذي يتأكد أنه مجرد سراب وكل ما تريده هو أمر آخر تماماً ولكنها لا تعلم أن شهاب الدمنهوري لا يكون خاسراً أبداً، شهاب دائماً ينتهي بمكسب من كل شيء، أتنتقم لزوجها؟ هل احدى صديقاتها ضحية من ضحاياه؟ أهناك سبباً وراء محاولاتها ومثابرتها بأن تلتقيه سوى فكرة ذلك المشروع؟ سيعرف كل شيء في غضون سويعات.. لم يتبقى الكثير على كل حال!
ارتشف من قهوته التي حملها بيده وهو يتوجه حيث غرفة الملابس الخاصة به ليقوم بإختيار ما سيرتديه اليوم عند مقابلتها وبعدها توجه ليستحم، فكر قليلاً بملامح تهكمية كست وجهه، أيقولون أن الإنطباعات الأولى تدوم؟ حسناً.. سيعمل اليوم على ترك إنطباعاً فريداً من نوعه لأن كل ما حدث أمس بينهما سيمحيه من ذاكرة كلاً منهما للأبد! 
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"إيه ده إياد، جاي بدري أوي يا حبيبي" حدثته هديل بهدوء وملامح بدا عليها الأرق والإرهاق 
"صباح الخير يا ماما"
"صباح الخير يا حبيبي، عامل إيه؟" 
"تمام" تنهد إياد وهو ينظر لوالدته هديل ليتفقدها في حُزن "مش ناوية تسيبي المستشفى بقى وترجعي البيت؟" 
"وأسيب أختك كده، مش هاقدر" حدثته بآسى ليزفر هو في ضيق على حالتها
"يا ماما بس أنتي مش بترتاحي وبتنامي على الكنبة طول الليل و"
"متقلقش عليا، أنا كويسة والله، امبارح بس مجاليش نوم" قاطعته بإبتسامة ثم نهضت وتوجهت نحوه لتُمسك بذراعه "ما تيجي كده تعزمني على كوباية نسكافيه حلوة واحكيلي أنت وأسما عاملين إيه؟" 
"تمام يا ماما، الحمد لله" أخبرها بينما دفعته هي ليتوجها نحو باب الغرفة التي تمكث بها أروى منذ شهور
"شاهي مدلعاك مش كده" ابتسمت في وهن وهي تحاول أن تمازحه ولكن ملامحها الحزينة التي حاولت أن تُخفيها كانت واضحة للغاية وقد أدرك إياد أن والدته منذ ذلك اليوم يبدو أنها قد تغيرت للأبد! 
تشعر وكأن رأسها تتهشم، وما الذي سمعته ذلك، ما الذي يفعله إياد مع أسما؟ وما الذي تقصده والدتها هديل بذلك الحديث عن خالتها شاهندة؟ ومنذ متى وهديل لا تصرخ بإياد؟ لقد كانت تمازحه للتو!
فتحت عيناها لتشعر وكأنها لم ترى الضوء من قبل في حياتها ليزداد وجع رأسها أكثر وحاولت التركيز بصعوبة في محتويات الغرفة حولها لتدرك أخيراً أنها بالمشفى، منذ متى وهي بالمشفى؟ يوماً أم اثنان؟! ولماذا تشعر بالآلم الشديد في جسدها؟ ولماذا عقلها مشوش للغاية؟ ما الذي حدث منذ أمس؟
أين سليم؟ أحقاً ذهب لزينة ليخلصها من السجن بالنهاية؟ أشهاب هو من أحضرها إلي هنا بعد أن القاها بتلك الطريقة أمس؟ هذا الحقير لن تتركه دون أن تنتقم منه على كل ما فعله معها! هي تتذكر لقد سقطت من على ذلك الجسر! ولكن ما الذي حدث بعدها؟! أخذ الصداع يزداد برأسها إلي طريقة لا تستطيع تحملها لتجد الدموع تتساقط من عيناها وحاولت التحرك بسريرها لتجد هديل تدلف بنفس الوقت ولكن لم تنظر إليها فالآلم الذي تشعر به كان أكبر من كل ما يحدث حولها واستمعت لصوت هديل يصرخ بشيء ما وهناك شيئاً ربما ارتطم بالأرض ولكن كل ما تريده هو أن يتوقف ذلك الآلم بأي طريقة ممكنة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يُتبع