الفصل الأول _ حب علي حافة المرض
الفصل الأول " لأول مرة "
طالعتهُ ببندقيتها بألم متسائلة : ليه !!
ألم دافئ ذلك الذي رآه بعينيها وكأنها تتألم بطريقة عجيبة .. بمفردها بدون حقد .. نعم هي لم تكن حاقدة كالحاقدة التي آلمتها وتسببت في حزن عينيها ،، هي فقط متسائلة ..
لماذا ؟ آه لو تعرف لماذا ؟ فقط لماذا ؟ .
تاه في بندقيتها اللامعه وكالغريق شعر بها كمحيط عميق دافئ يشُده للداخل وعجباً شعر بنفسه ينتمي لهنا ،، لهذا المكان بجوارها ،، شعر بألمها وكأنها جزءاً منهُ يتألم لمجرد رؤيا آلمها والشعور به ،، فحدثها بدفئ بنبرة حملت بحة غريبه في صوته لأول مرة يتعرف عليها حتي مع حبيبته لم يكن يعرفها : حقك عندي وهتاخديه .
نظرت لهُ بشرود وهي تغمض عينيها متذكرة هذا اليوم الصادم الذي اتي بها أمام هذا البحر الشاسع لتفرغ حزنها في هدوئه ويشاركها هو بمحض الصدفة نفس المكان ،، ليعدها بالحق الذي سيسترجعهُ لها لتتنهد بعمق مستنشقة كم هائل من الأكسجين قبل أن تزفره بنفس العمق كذلك ،، فمن غيره سيأخذ حقها وهو الوحيد الذي بيدهِ أن يفعل !!
flashback ..
كان نهاراً صافياً ،، صوت العصافير الرائع يصدر من بلكونها حيث تتجمهر علي خضرتها النقية يومياً وهي لا تكل ولا تمل ،، تسقيهم يومياً حباً في ذلك النقاء الأخضر فدائماً ما كانت بلكونها خلوتها الهادئة والتي إفترشتها بذروع عديدة بكافة الألوان التي تداخلت مع الجزع الأخضر لترسل لها هدوء محبب لراحتها حين تحتاج إلي ذلك .
إستيقظت مبتسمة علي صوت منبهها لتنهض من فراشها وهي تزيح غطائها لتتسلل رعشات خفيةً إلي جسدها فتضم ذاتها بذراعيها وهي تتجه للحمام متمته بـ " بسم الله " كما اعتادت أن تستقبل يومها ..
بعد حوالي نصف ساعه كانت إنتهت من صلاتها وقراءة ورد بسيط من القرآن الكريم وشرعت كذلك في إرتداء ملابسها للذهاب للعمل إرتدت بنطال خفيف باللون الأسود ضيق يعلوه كنزة طويلةفضفاضة بعض الشئ حتي ركبتيها و ارتدت جواربها .. ثم وقفت أمام المرآه تعدل من هندامها و تجمله حيث مشطت شعرها الطويل البرتقالي اللون الداكن بطبيعته ثم لفت كوفية سوداء حول رقبتها ووضعت الباليه خاصتها علي شعرها لتغطي بهِ أذنيها .. فتتنهد بضيق ،، جميلة هي وتوقن ذلك جيداً ولكن طفولية بعض الشئ فملامحها رقيقة للغاية كنسمة هشة كطفلة بجسد أنثي ولكن تنهدها بضيق كان سببه كونها لم ترتدي الحجاب حتي الأن فهي ملتزمة لا ينقص غيره فقط ،، وهي تشعر بهذا اليوم قريب التي ستقتنع فيه تماماً بضرورة تغطية شعرها عن الأنظار وإراتداء حجاباً سيزين وجهها وسيزيد من فطرتها النقية الجميلة .
خرجت من غرفتها لتتطلع للجو الهادئ حولها وهي تتوجه للمطبخ فوالدها في عمله وأخيها في مدرسته بينما والدتها نائمة فهي تستيقظ باكراً مع والدها وأخيها لتحضر لهم فطورهم وتترك لإبنتها فطورها التي ماتنفك أن تذكرها بهِ يومياً كي لا تتعب في قول بسيط تستقبله هي بضحك وحب " مفيش نزول من غير فطار " كالعاده إتجهت للطعام لتلتقط لقيمات قليلة جداً جداً علي قدر شهيتها الصباحية والتي لا تحبذ تناول الطعام في ذلك الوقت أبداً ثم توجهت للباب لتنتعل حذائها الجلدي الاسود الطويل وتلتقط حقيبتها بلونها الأصفر فكانت الحقيبة والساعة التي تزين معصمها ما يكسر من حدة الاسود التي تحب هي إرتدائه .
لم يكن شارعهم البسيط مكتظ بالناس في ذلك الوقت فالساعه لم تتعدي التاسعه صباحاً بعد بينما تلقي هي السلام علي كل من تراه صباحاً وتعرفه في تلك المنطقة العشوائية البسيطة وهي تتجه للمترو الذي هو وسيلتها لعالمها الأخر حيث مكان عملها في شركة " .......... " ،، فبطلتنا خريجة هندسة معمارية ،، كانت تعشق كونها مهندسة وهذا اللقب المحبب لقلبها أصبح من نصيبها حتي دخلت تلك الشركة التي تقدمت بطلب وظيفة بها كمهندسة وغيرها من الشركات الأخري التي وبكل تأكيد رفضت لكونها لا تحمل من الخبرة شئ وفي عرف بعض الشركات كانت نكرة لا تليق بالعمل في شركة ضخمة .. حتي وافها الرد من شركة " ........ " الشركة التي تعمل بها حالياً بالرفض أيضاً والعلة كانت خبرتها المنعدمة أيضاً وكأنها لم تدرس ما ستعمل بهِ وكأنها لا يجب أن يكون لها نقطة بداية تبدأ بها ما ستكتسبه من خبره ولكن جاء مع رفض العمل كمهندسة عرض عمل أخر ولكن في الشئون القانونية للشركة فوافقت و ذهبت وبدأت عملها في مكتب صغير ما زال كما هو منذ عامين تنهي بعض المعاملات قبل إرسالها لخارج الشركة أو العكس قبل صعودها لطابق المدير ،، حيث عملها لا يمس للهندسة بأي صلة ولكن رغم ذلك لم تيأس كانت تستفسر عن المشاريع المطالب بها مهندسون الشركة وكانت في منزلها مساءاً تعمل عليهم ثم تسلهم لمهندسة كانت هي سبيلها الوحيد لوصول تصاميمها للمدير فهي رغم عملها لعامين لم تلتقي مديرها ولو صدفة حتي ،، دائماً ما يأتي باكراً ويذهب بعد الجميع ،، لا تعرف غير ان اسمه " كرم " في عز شبابه يعمل مكان ابيه الذي تقاعد عن العمل ،، تسمع عن كونه جاد في عمله لا يقبل المزاح وحاد في تصرافته حين يرتبط أي أمر بالعمل ،، ولكن خيبة الأمل كانت تصيبها واحدة تلو الأخري و رفضه لتصاميمها يأتيها واحداً تلو الأخر حتي توقفت منذ بضعة أشهر مقتنعه أنها ليس لديها الكفاءه العالية لتحمل منصب كمهندسة وأن الله أعطاها وظيفة مقبولة في شركة كبيرة وكان الحمد صديق لسانها فلم تجعل اليأس يحتلها و استمرت في عملها أكثر من راضية .
حتي جاء هذا اليوم الصادم لها ،، حيث انهت بعض الأوراق المهمة التي يجب أخذها للمدير فوراً ،، فإتجهت تبحث عن العامل المسئول عن إرسال تلك الأوراق للأعلي حيث ما يعلو هذا الطابق بثمان أضعافه ولكنها لم تجده فإضطرت أن تصعد بنفسها لتسليمهم لسكرتيرتهُ ،، وفي الأعلي طرقت مكتب السكرتيرة الخاصة بالمدير لتدخل يإبتسامة مهذبة علي محياها متحدثة بهدوء يناسب الجو العملي حولهم : الأوراق ديه لكرم بيه .
قطبت السكرتيرة حاجبيها من كونها لم تتعرف علي هذه الفتاة لتحدثها بحيرة متسائلة : إنتِ بتشتغلي معانا هنا .
أومأت بهدوء مبتسمة ومجيبة : أه ، في الشئون القانونية تحت .
أجابتها الأخري بإبتسامة مريحة لها : أول مرة أشوفك ،، دايماً مصطفي هو اللي بيطلعلنا الأوراق .
ردت عليها بتلقائية : أيوة منا عارفة بس انا مش لقياه ،، تقريباً هو مشغول في حاجة تانية عشان كدي إضطريت أطلع بنفسي .
أومأت السكرتيرة وهي تمد يديها : طيب ممكن أشوف الورق .
ناولتها إياهم وهي تتحدث : أه طبعاً إتفضلي ،، هستأذن أنا .
وقبل أن تلتفت نادتها الأخري بسرعه : استني استني ..
وحين انتبهت لها تابعت : انا عندي اوراق مهمة ولازم اسلمها كمان ساعتين ممكن تاخد الاوراق انتِ لمستر كرم .
ذهلت هي وتلعثمت في شعور غريب إجتاحها فهي لم تري مديرها هذا من قبل ،، لا تريد مقابلة الصارم الذي رفض كل مشاريعها التي أضاعت وقتاً ثميناً فيهم ليأتي هو برفضة القاطع ويزرع خيبة أمل تلو الأخري في قلبها الطفولي ،، ولكن لم تمهلها الأخري فرصة وهي تتابع : معلش هتعبك معايا ،، مكتب مستر كرم المكتب الكبير اللي جنبي علي طول ،، وأهو ممكن يمضي الأوراق ديه وتاخديها معاكي تاني تكملي شغلك .
إلتقطت الأوراق منها بيدين تثلجو فوراً بطبيعيتها ثم خرجت متجهة لمكتبه ،، وقفت أمامه تهدئ من تنفسها المضطرب والذي ألم صدرها ودقت الباب لتسمع صوته الذي أرسل قشعريرة شديدة في جسدها فإنتفضت برعشة في مكانها يأذن لها بالدخول ،، ودخلت .. !! ولم تكن تعلم أن الدخول لمكتبه سيكون محور تغيير شاسع في حياتها التي إعتادتها بحمد الله .
دخلت بهدوء عكس الإضطراب بداخلها ليقع نظرها علي مكتبه الخالي منه لتقطب حاجبيها وما لبست أن سمعت حمحمته لتنظر لهُ حيث كان يمسك بمنشفة ما يسمح بها وجهه ويديه المبتلين ،، فبدا عليه أنه لتوه خرج من الحمام ،، كانت تتأمله وهو يلقي بالمنشفة علي حامل معدني ثم يتجه إلي مكتبه بدون أن يرمقها بنظرة واحدة ،، طويل اسمر اللون ،، لديه طلة شرقية ساحرة حيث كانت يرتدي بنطال كحلي غامق يعلوه قميص كحلي ضيق فُتِح اول زرين منه فأظهروا صدره الاسمر بشعيراته كذلك ولم يحتاجوا لإيضاح عضلات صدره فتبينتهم هي من علي قميصه فكانو بارزين بشكل مخيف بينما كان شعره البني مصفف بعناية ،، كلهُ وكأنهُ طاقة حيوية مشعة تجذبها وتشتهيها ،، كانت تتأمله بوقاحة لا تعلم من أين أتتها حتي مر من أمامها فتوقف لتستعيد هي حواسها رافعة وجهها لهُ لتصدم بعينيهِ العسيلة التي زينت سمار بشرتهُ .
ظنها في البداية سكرتيرته أو ربما إبنة خالتهُ نسمة خطيبته الطائشة والتي تعمل كمهندسة معهُ فأذن لها بالدخول وبدون أن يلتفت لاي كانت منهم اتجه لمكتبه ولكن ما استوقفه رائحة غريبة لاول مرة يشتمها لم تكن رائحة نسمه خطيبته ولم تكن رائحة عطر سكرترته بل كانت مزيج بين الزعفران وشئ اخر لم يتبينه وكأنه عود ممزوج بعطر لاحدي الورود المميزة كانت رائحة خلابة سلبته عقله ليتوقف ويطالع تلك التي توقفت أمامه تنظر لهُ بهدوء لثوان معدودة نسي نفسه وأغمض عينيه يتنفس رائحتها بقوة وهو يقبض جبينه وحاجبية بشكل مريب بالنسبة لها فإبتلعت ريقها بإرتعاش وقبضت علي الملفات بين يديها بقوة وهي تراه في ثوان يستعيد رباطة جأشه ويتجه لمكتبه ليجلس علي كرسيه الضخم في نظرها والذي لم يعد يظهر منه شئ بعد جلوسه عليه فإقتربت خطوتين من مكتبه لتتحدث بخفوت : الملفات ديه لحضرتك ،، محتاجة توقيعك .
لم يستطيع التحدث فشعر بلسانه يلجم فأشاره لها بيده لتأتي بهم فإقتربت لتضعهم أمامه وفي أقل من ثانية وقبل أن تلمس الملفات مكتبه أمسك بمعصمها بقوة آنت منها خفية قليلاً متحدثاً وهو بالكاد يسيطر علي نفسه يشعر وكأنه سيرتكب خطأ فظيع فقلبه يدق بسرعة رهيبة مسبباً له آلم رهيب كذلك : إنتِ مين .
تلعثمت وحاولت سحب يدها إلا أنه لم يسمح وهو يطالعها بنظرات غريبة لم تعرف كيف تفسرها فجاوبتهُ بضيق : أنا رنيم ،، ممكن تسيب إيدي لو سمحت .
تركها ليأمرها قائلاً وهو يقبض كفه بقوة علي كرسيه : اعدي .
ارادت ان تتحدث فنظر لها بهدوء محاولاً التخفيف من حدة الموقف : اعدي لحد ما اراجع الاوراق وامضيها .
جلست بهدوء ليفتح معها هو حواره : إنتِ بتشتغلي هنا !
سؤال غبي وهو يعلم ولكنه سيجن إن لم تحدثه تلك الفتاه الأن عن كونها ومن هي : اه من سنتين يا فندم .
ارجع جسده للوراء في اهتمام متابعاً بجدية : بقالك سنتين بتشتغلي هنا ،، ياااه وازاي انا ملمحتكيش قبل كدي حتي .
رفعت كتفيها تعبيراً عن عدم معرفتعا وتحدثت : عادي يا كرم بيه .
عض علي شفتيه بقوة ما ان نطقت بإسمه ،، أعقل ما يحدث معه الأن من مشاعر رهيبة لا يتحملها ،، نظر لها وحمداً لله لم تكن تنظر لهُ فحملق في شعرها .. آآآه من شعرها وكم ود في لحظتها ان يمرغ وجهه فيه ليستنشقهُ قبل أن يلعن بخفوت ويعود ليستغفر ربه ،، فتدارك نفسه أخيراً وأخذ يراجع الاوراق ثم راح يحدثها بتلقائية : بتشتغلي ايه هنا .
أجابته بهدوء : في الشئون القانونية .
أومأ ليتسائل مجدداً : إنتِ خريجة إيه .
أشاحت بوجهها لتبتلع ريقها بمرارة كانت تناستها كما قررت وتابعها هو بفضول وهي تجيب بهدوء رغم الألم الذي ظهر واضحاً علي تقاسيمها : هندسة .
- هندسة !! : أعادها بدهشة وتابع : معماري ،، شغلنا يعني .
أومأت ليسأل بجدية : وليه شغاله في الشئون القانونية وإنتِ مهندسة .
نظرت لهُ بقوة ،، نظرة لم تعجبه وتحدثت : حضرتك سيد العارفين يعني اي شركة بتبقي عايزة خبرة .
أومأ برأشه مؤكداً وتحدث : مظبوط ،، بس إنتِ خلاص موظفة في الشركة إزاي متحاوليش .
تحدثت بدفاع عن نفسها بعد ان شعرت بنبرة اتهام او تأنيب : أنا حاولت بس حضرتك كنت بترفض .
قطب حاجبيه ليتسائل بحيرة : كنت برفض ايه بالظبط .
ولم تكن تعرف أنها تضع قدميها علي اول طريق صدمة ستصدمها لا محالة وهي تتابع : انا كنت بصمم شغل في البيت وكنت بجيبه لمهندسة هنا عشان تسلمه لحضرتك وكان عندي أمل إنك تلاقي في تصاميمي حاجة ناجحة لكن حضرتك دايماً كنت بترفض .
حملق في كلامها ذاهلاً وحدثها بحدة : معاكي نسخة من مشاريعك ديه .
أومأت وهي لا تفهم حالة الذهول التي إنتابته : أيوة بس علي اللابتوب بتاعي تحت .
أمرها قائلاً : إنزلي هاتيه فوراً ،، إسمها ايه المهندسة اللي إدتيها تصاميمك .
للحظة ساورها شك مؤلم وهاجس مخيف فإمتعضت ملامحها وهي تجيبه بريبه : المهندسة نسمة .
قبض كفيه بقوة وإنطلقت من عينيه شرارات أخافتها وهو يعيد : إنزلي هاتي اللاب بتاعك يلا .
وما إن خرجت متجهه لأسفل حتي ضغط هو علي ذر سكرتيرته ليحدثها بغضب : ابعتيلي المهندسة نسمة حالاً .
ويا ويلها منهُ إن كان ما يدور في خلدهِ صحيح .
#يتبع