الجزأ الأول_ علي جنب يا عجلة
الجزأ الأول " حطام "
ما هي الفراشة ؟ هي ألوان مُبهجة تسحر الجميع بألوانها .. هي جناحين قادرين علي التحليق عالياً شُكلو بروعه .. هي كائن لهُ حرية حيث تطير بلا رقابة .. هي أشكال وألوان وأنواع منها المُبهج ومنها الساحر ومنها المُظلم ومنها المُشاكس .
وفراشتنا المشاكسة الساحرة اللبنانية كانت تعبر الطريق بعجلتها الوردية في طريقها للعمل التي تعملهُ علي هيئة الفراغ ليس إلا بينما لم تنتبه للإشارة التي أصبحت باللون الأخضر ... أي أنها يجب عليها الإنتظار للعبور للجهة الأخري بينما السيارات تعدو واحدة تلو الأخري .
وفي حين عبورها للطريق فرملت إحدي السيارات بقوة ليصدح في الهواء صوت إحتكاكها القوي مع الأرض قبل عدة خطوات من إصتدامها بها ليخرج هو رأسه من زجاج سيارته هاتفاً بها بنزق : أيتها المجنونة هل تريدين الموت .
وكعادتها المشاكسة العنيدة التي تفعل ما يحلو لها غير عابئة بمن حولها جعدت ملامحها لتخرج لهُ لسانها بتعبير مستهزء للغاية قبل أن تُكمل طريقها وكأن شئ لم يكن ومن لكنتهِ علمت عدم كونه لبناني .
وهو العابث الذي لن يضيع تلك الفرصة بالعبث مع عابثة شقراء ليلف عجلة القيادة ويطاردها بسرعه مما سبب لها الهلع وهي تُبدل علي عجلتها بسرعه وتضعها كذلك علي السرعة القسوة وهي تهتف بذهول بلكنتها اللبنانية : لك شو هل مجنون ( ما هذا المجنون ) .
بينما هو فقط يضحك بعبث في حين يراها تهرب منه كالفأر خوفاً من أن يصدمها حتي إختفي عن ناظريها فجأه لتتنهد وهي تصف عجلتها أمام الباب الخلفي لذلك المطعم والمؤدي للمطبخ .
صفت هي عجلتها بمكانها المعتاد ثم أخرجت جنزير صغير عبارة عن سلسلة من الحديد لفتها حول عجلة العجلة الخلفية وإحدي حديدات السلم لتغلقهم معاً بعد ذلك بقفل كبير .. فتلك العجلة روحها وهي كنزها الصغير في تلك الحياه التي تحياها بشغف .
دخلت مطبخ المطعم من الباب الخلفي لتلقي تحية الصباح علي الجميع بصوت مرتفع بحماس في حين رد عليها الجميع كذلك بسرور فهي ما إن تدخل مكان حتي تملئهُ بالبهجة والسرور والجو المفعم بالحياه .
توجهت للحمام لتغير ثيابها إلي ثياب " الجرسونة " فهي تعمل جرسونة في ذلك المطعم حباً في العمل ليس لإفتقارها المال أو ما شابه فهي إبنة لواء متقاعد وهي التواضع بحد ذاته ولكنها مرهفة الحس مشاكسة بمبالغه .. خرجت لتذهب للكاونتر الصغير الذي يحمل الطلبات لتُنَاوِلها صديقتها في العمل بعض المشروبات وأملت علي مسامعها كذلك رقم الطاولة لتلتقطهم هي بهدوء وتتجه لتتابع عملها حيث خرجت متجهة لتلك الطاولة بإبتسامة بشوشة كما يقول لهم المدير يومياً " إبتسمو للذبائن " وبين طبعها البشوش بعباراتها اللطيفة كانت تستطيع التمكن من قلب الزبون ليُفضل ذلك المطعم عن غيرهِ من المطاعم .
وإنتهي يومها بالعمل وهاهي جالسة علي إحدي كراسي الطاولات بالمطبخ بعد أن تم إغلاق المطعم لتتحدث بإرهاق : بدي نام .. كتير هلكانة ( أريد النوم فأنا متعبة بشدة ) .
وردت عليها إحدي العاملات معها : ومين مانو هلكان ( ومن منا ليس متعباً ) .
تنهدت للتتجه للحمام لتغير ثيابها وتخرج ومن ثم ودعت الجميع لتفتح باب المطعم الخلفي لتعود لمنزلها .. لتصرخ بصوت عالٍ وهي تري دراجتها حطام حيث لم تعد جزءاً واحداً متكاملاً بل أصبحت عدة أجزاء ليست إلا حطام .
وسمعها الجميع ليهرعوا لها بقلق وشهقات زملائها في العمل ملئت المكان بينما تحدث رجلاً ما : الله يكسر إيدو اللي عِمل هيك ( ربنا يكسر يد من فعل هذا ) .
نزلت دموعها وهي تري دراجتها حطام وهداها تفكيرها للإتصال باخيها فكيف ستعود للمنزل الأن وبالفعل أخرجت هاتفها لتحدث أخيها والذي أجابها فوراً والذي استمع لبكائها غير مستوعباً شئ ليحدثها : لك إهدي وفهميني ما عم بفهم شي ( اهدأي واخبريني ماذا حدث لا أفهم شئ ) .
حدثتهُ ببكاء : في مين خربلي دراجتي .. تعا خدني ( هناك من حطم دراجتي ، تعال لتأخذني ) .
وإستمر بكائها ليحدثها : ليكني چاي عشر دقايق وبكون عندك ( حاضر سأتي حالاً عشر دقائق وسأكون عندك ) .
وظلت هي تنتظره جالسه علي سُلم المطعم تنظر لدراجتها بحزن ودموعها لا تتوقف وعقلها لم يتوقف عن التفكير بذلك الذي طاردها نهاراً وأيقنت أنهُ هو الفاعل لا محالة ... حتي وصل اخيها تيم أخيراً ليحتضنها وهو يحدثها بمواساه : ما تحزني .. بنجيبلك غيرها .. يلا بنروح عالبيت ( لا تحزني ، نشترى لكِ أخرى ، هيا للمنزل ) .
حدثتهُ بوجه طفولي كجرو صغير : بدي أخِدها معي ( أريد أخذها معي ) .
هتف بزمجرة : كايلا .. شو بدك تعملي فيها وهي هيك ( كايلا ماذا ستفعلي بها وهي هكذا ) .
ضربت بقدميها الأرض وعاندت وأصرت وتحت إصرارها عرف أنها قد تبيت بجوار حطام عجلتها إن لم تأخذها معها فلملمهم لها ووضعهم بصندوق السيارة وقادها متجهاً لمنزلهم الذي يقبع في إحدي الأحياء الراقية بأهلها وسكانها حيث كانت أحياء بسيطة راقية في تصميمها حيث كانت المنازل تتميز بطابع تركي بألوان مبهجة بين الأخضر والأزرق والوردي والأبيض والبني .. وصل أخيها أخيراً إلي المنزل لتترجل من السيارة بحزن وفتحت صندوق السيارة لتلتقط خوذتها الوردية المحطمة ومقعدها الوردي كذلك وبدال عجلتها وأخذت تدق علي باب المنزل بقدميها بينما تمط شفتيها للأسفل بحزن وطبقة من الدموع تغلف عينيها وتضم حطام دراجتها لصدرها بقوة .
فتحت والدتها الباب لتشهق من هيئة طفلتها لتحدثها بعد أن دخلت خلفها للصالون : حبيبتي شو صار ( حبيبتي ماذا حدث ) .
إحتضنت والدتها وهتفت بحزن : في حدا خربلي دراجتي ( هناك شخص حطم لي دراجتي )
والدتها بذهول فمن فعل ذلك بطفلتها المحببة للجميع : مين عمل هيك .. ليش هالأذية ( من فعل هذا ، لماذا قد يؤذيكي أحدهم ) .
ودخل والدها حينها علي أصواتهم ليجد طفلتهُ كايلا محتضنه زوجتهُ ببكاء وتيم إبنهُ يجلس علي الأريكة متابعاً إياهم ليتحدث مستنبطاً الوضع بجدية : شو اللي صاير ليش عم تبكي حبيبتي .
شاورت كايلا بحزن علي دراجتها وتحدثت : شوفت شو عملو بدارجتي أبي ( رأيت ماذا فعلو بدراجتي يا أبي ) .
وكان تيم يتابع دراميتها بملل فهي ستظل هكذا لإسبوعين وربما مدي حياتها تندب علي دراجتها في حين تقدم منها والدها اللواء المتقاعد " جاسم " ليأخذها من حضن والدتها لحضنهِ ويتحدث : لا تبكي يا عمري بجيبلك غيرها .
ثم وجه حديثه لتيم متحدثاً بتساؤل : شو صار تيم .
تيم وهو يهز كتفيه تعبيراً عن عدم علمهِ بشئ : والله ما بعرف .
سألها جاسم : شو صار كايلا مين عمل هيك .
هزت كتفيها متحدثة بحزن درامي : ما بعرف خرجت من المطعم لقيتها هيك .. شوف كيفها حطام حتي عملية جراحية ما بتنفع معها .
ضحك تيم لينهرهُ والدهُ بنظراته فرفع يديهِ في الهواء بأسف ثم توقف ليتقدم منهم متحدثاً مادداً كفهُ لها : قومي قومي تعي معي ( تعالي معي ) .
حثها جاسم : روحي مع خيك ( اذهبي مع اخيكي ) .
وضعت كفها بكف تيم ليأخذها ويخرجوا من المنزل وراح يحاوطها بذراعهِ وهو يتمشي معها حتي وصلو للبحر ليجلسو سوياً علي أريكة خشبية تواجه البحر مباشرةً وضمها إليه متحدثاً بدرامية مستهزئاً بها : لولو .. فلتفكي وجه البوق هذا .. لا يليق بكي هذا الدور .
نظرت لهُ بإستياء فهي حقاً حزينة ولن يجدي معها سخريتهُ المازحة تلك لتحدثه بحدة : من وجه البوق يا وجه الخنزير .
حملق بها بذهول ليقف حاملاً إياها مقترباً من البحر لتتمسك بعنقه بقوة بينما تحرك قدميها بعصبية في الهواء محدثة إياه : لك نزلني بلا غلاظة ( أنزلني توقف عن المزاح ) .
هزها بضيق محدثاً إياها بنزق : مينو هاد وجه الخنزير يا بطاطا ها ( من هذا وجه الخنزير يا بطاطا أنتِ ) .
كايلا بتسلية مستفزة : كتيير حلو .. البطاطا كتير مسكرة وحلوة وإنتَ كتير بتحبها يا خنزير يا مسخ .
زعق بها بعنف وهو يلقيها أرضاً : كايلا بكفي ( كايلا يكفي ) .
تأوهت بخفوت وهي ترمقهُ بلوم وتأنيب وفي ذات اللحظة تقدم منهم قُصي الذي لمحهم من بعيد ليسرع نازلاً لمستواها متحدثاً بقلق : كايلا إنتِ منيحة حبيبتي ( كايلا أنتِ بخير حبيبتي ) .
نظرت هي لتيم بنزق ليلتف لهُ قصي محدثاً إياه بغضب : مو قلنا تبطل هالغشامة ( ألم نقل توقف عن هذا التخلف ) .
ثم ساعدها لتقف كما يساعدها دائماً فهو أخيها بالرضاعة يكبر عنها بسنتين فقط فوالدتهُ جارتهم أرضعتها وهي صغيرة حيث أصابت والدتها حمة شديدة كانت خطر عليها وعلي الطفلة الصغيرة ورويداً رويداً كبرَّ الصغيرين معاً " كايلا وقصي " وكرابطة بينهم هم أصدقاء في التفاهم وأخوات في الحقيقة وثالثهم كان تيم فثلاثتهم مثلث المحبة .. أخوات أصدقاء بتفاعل ومساندة ويد باليد ولا خائن ولا متطرف فيهم بفكر ولا معارض بوصول إلي الخصام فهم أخوات بقلب واحد .
#يتبع