-->

الفصل الخامس _ حب علي حافة المرض


الفصل الخامس " تصرفها المرهون " 


كان هذا أفضل يوم بحياتها بعد أن نبض قلبها لأحدهم وخاصة لكرم ولكن أن ينتهي اليوم هكذا نهاية تلكَ كانت فاجعة لقلبها الرقيق!.

فبمكانٍ مظلم ظهر كقبو بالنسبة لها بهِ الكثير من الخردة البالية وإن كانت تلكَ الخردة جديدة تماماً أمام ناظرها،  جلست عنوة مقيدة ومكممة إلي كرسي خشبي، دموعها لم تتوقف وخوف غير طبيعي يتملكها فمن ذا الذي استطاع أخذها من وسط غفوتها بمنزل أهلها خاطفاً إياها بهذا الشكل.

وفقط جلست تترقب بتضرع ماذا سيحدث معها!!.

همهمات خافتة تهادت لمسامعها قبل أن ينفتح الباب داخلاً منه رجلين ضخمين الجثة بملابس رسمية وكأنهم حراس.. تبعتهم تلكَ المرأة التي تعرفت عليها جيداً لتشهق بصمت لم يسمعه أحد بسبب فاهها المكمم ولكن عينيها أوضحت تماما كم هي متفاجئة مما يحدث الأن.


وللعجب تلكَ المرأة والتي لم تكن سوي و
الدة كرم كانت ترتدي روب حريري علي قميص مشابهاً وكأنها بمنزلها... الكثير من الأفكار عصفت برأس رنيم لتريحها زهرة قائلة بجمود :
اهلاً يا رنيم يا حبيبتي ،، هتبقي حبيبتي طبعاً ومش هتخسري أي حاجة لو بقيتي مطيعة وأنا اللي بحبهم بيكسبو كتير.

ثم نظرت لداخل عينيها متابعة بنفس الجمود الشرس : أما بقي اللي مش بحبهم بيخسرو كل حاجة مش بيخسرو كتير فهماني يا.. يا ايه..


ثم ضحكت بابتذال متابعة : اه يا سكر.


أشارت لأحدهم عليها فاقترب منها ينزع تلكَ الكمامة عن فاهها لتنكمش رنيم متنفسة بغير استيعاب قبل أن تسأل بخوف : أنا مش فاهمة ايه اللي بيحصل.


ضحكت زهرة مجيبة : متدعيش الغباء يا رنيم أنا واثقة إنك فاهمة انتِ هنا ليه بالظبط بس أكيد مصدومة إن خطتك هتفشل من أول يوم كدي.
تلعثمت رنيم وهي تسألها قاطبة عينيها بعدم فهم : خطة إيه.


تأففت زهرة قائلة : بس بس أنا معنديش استعداد أسمع تمثيل تاني بعد التمثيل الرائع اللي مثلتيه انتِ وعيلتك الليلة بس ده طبعاً ينطلي علي كرم الغبي اللي مفكرة إنك هتلهفي فلوسه علي الجاهز كدي مش عليا أنا.


توسعت عينين رنيم لتقل بصدمة : فلوس!! 
فلوس إيه ديه أنا عمري ما بصيت لفلوس كرم.
أكملت زهرة بحدة : كرم بيه يا شاطرة،، و قولتلك تمثيلك ده مش هينطلي عليا فبسهولة كدي خلينا نتفاهم.. قدامك خيارين الأول هديكي مبلغ وتبعدي إنتِ وأهلك من هنا بس أنا عارفة كرم مش هيسيبك بسهولة وهيجيبك من أى مكان هتروحيه فعشان كدي أنا بفضل التاني واللي هو إنك هتنهي المهزلة ديه بنفسك وتفضلي في مكانك وشغلك بس ساعتها هتبقي اتقيتي شري يا سكر .

ترددت رنيم وهي تسألها باستخفاف : ما أظنش يا زهرة هانم إن احنا اللي كنا بنمثل الليلة ديه لا ده حضرتك اللي ممثلة شاطرة أوي ومثلتي علينا وعلي كرم إنك موافقة بجوازنا .


ضحكت زهرة بشدة قبل أن تستشرس نظراتها أكثر قائلة : لا عجبتيني بحب أنا الخصم المتعب عارفة ليه .


ثم نظرت لإحدي الرجال مشيرة لركن ما فتابعتهم رنيم بقلب يخفق حتي وضع ذلك الرجل المعدن اللامع بين يدين زهرة .. اقتربت زهرة من رنيم لتري رنيم بوضوح المقص التي تتلاعب بهِ بين أصابعها .. رأتها تقف خلفها تماماً لتفطن لما تريد فعله فدق قلبها بعنف خاصةً وهي تسمعها تردد بعد أن قربت رأسها من رأس رنيم من الخلف : عشان بحب أكسره وأعرفه ان تعبه ده علي الأرض .


وبلحظة وقبل أن تصرخ رنيم كان المقص يشق طريقه بشعرها .. شعرها التي حافظت عليهِ عمراً .. أتت تلكَ المرأة لتقصه دون أدني حق .. بكل جبروت وكره تحمله داخل صدرها المتحجر .. نزلت دموع رنيم وهي تخرج شهقة منكتمة بصدرها لتقل بهمس : مش من حقك ! .


ثم تابعت بهمس : ازاى ازاى عملتي كدي .


ثم صرخت بهياج : مين سمحلك انتِ مفكرة نفسك مي..


انكتم صوتها حين رُفعت الكمامة علي فاهها مُجدداً بفعل إحدي الرجلين ،، ألقت زهرة المقص أرضاً ليظل رنينه وصداه بأذني رنيم مُخلداً ذكري بشعة لن تُمحي من ذاكرتها أبداً ،، نظرت رنيم لها بشراسة وعينيها تحمل قهراً يبدو أنها ستشعر بهِ من اليوم كثيراً .. نفضت زهرة يديها من شعر رنيم وهي تقهقه بكل ثقة قبل أن تخبرها : كفاية عليكِ المرة ديه كدي يمكن عقلك يرجع لراسك وتعرفي مصلحتك وأما نشوف كرم بيه هيقل سحره بيكِ ولا لأ .


لم تقل شراسة عينين رنيم وهي تستمع لكلماتها باشمئزاز غاضب وسمعتها تخبرها لتقهرها أكثر : متفكريش بقي إنك هتروحي تعيطي لكرم والشويتين دول وإنه هيبديكي عليا .. كرم نايم في أوضته فوق .. تخيلي معايا كدي هو فوق وانتِ هنا تحت .. مكانك بالظبط تحت يا سكر .
تغضن قلب رنيم بالألم من تقليل قدرها واهانتها بهذا الشكل وقبل أن تستوعب أي شئ كانت تغيب عن الوعي بفعل المخدر التي استنشقته رغماً عنها ليتم إعادتها كما تم جلبها دون أن تشعر وبلمح البصر لفراشها.



■■■

تململت بفراشها علي رنين هاتفها المتصاعد بالغرفة، بتشوش مدت كفها تبحث عنه جوارها وفوراً أغلقته بوجه المتصل دون معرفة هويته ما إن ضرب نور الهاتف عينيها التي تحرقها بشدة .
لا تعلم لما تشعر بهذا الألم بمعصميها وكأن بهم حرق ما يُثير الحكة لديها،، كذلك تشعر بشعور سئ.. سئ للغاية وكأن ثقلاً من حجر يُجسم فوق قلبها المنقبض بألم.. ورويداً رويداً بدأت تتذكر.. حتي شهقت غير مستوعبة أنها تعرضت لكل هذا الشر وهي التي لم تتعرض لأكثر من نظرات حقودة مثلاً لأنها متفوقة دراسياً طوال حياتها البسيطة.


كيف يُعقل أن يكون هناك انسان بكل هذا الشر، كيف اختطفتها من وسط منزلها الذي يُمثل المكان الأكثر أماناً بالنسبة لها، كيف فعلت بها هذا دون خوف من ابنها القابع بنفس المنزل.. كيف كانت ستفسر له إن رأي كا يحدث.. ما هذا الشر الذي لا يستوعبه عقلها البريئ النقي.


أمسكت هاتفها مجدداً بعيونها الممتلئة بلمعان دموعها لتتبين أن الصوت كان يصدر من منبه هاتفها لتذهب للعمل .. وعند هذا الخاطر انتفضت واضعة يديها علي شعرها مُتلمسة خصلاتها الصغيرة وداخلها يود الصراخ، ودون إصدار صوت كانت تقف أمام المرآة لتري هيئتها  بشعرها الذي لامس أكتافها في تهدل متعرج، ودون تفكير كانت تُغلق باب غرفتها عليها وتنزوي مُجدداً أسفل غطاء سريرها متخذة إياه كدرعٍ واهٍ رغم حرارة الجو! .


■■■

مساءاً وبعد عودة كرم من عمله وتناولة الغداء مع والدته كان ينزل السلالم مُجدداً عازماً علي الخروج لتسأله زهرة باستعراب : رايح فين يا كرم ده أنتَ لسة جاي .


اتجه كرم ليجلس قبالتها قائلاً بعفوية : هروح أشوف رنيم يا ماما عشان تعبانة شوية .


قطبت زهرة حاجبيها تسأله بتفكير : تعبانة إزاي يعني .


تابع كرم يُجيبها : مش عارف يا ماما بس مجتش الشغل انهاردة ولما كلمتها مامتها ردت وقالتلي إنها تعبانة.


همهمت زهرة بسخرية قبل أن تصحح له وجهة نظره : وأنتَ بقي يا حبيبي زي الأهبل صدقت الكلمتين دول ورايح علي طول تزورها مش كفاية زيارة انبارح وكل اللي دخلت شايله عليهم ،، مش واخد بالك بيتصرفو إزاي من أول يوم هتفوق امتي بقي.


صُدم كرم من حديثها هذا المتواصل ولمنه لا يتوقع غير ذلك من والدته فهو يجبرها علي شئ لا تريده ولكنها حياته هو لا هي وهو لا يأبه برأيها لأنه لو كان رأيها ذلك صحيح لكان حتي أعطاها جزأ من تفكيره .. لذا هتف بضيق : إيه اللي بتقوليه ده بس يا ماما ،، أنا مش قولتلك تنسي كل اللي في عقلك ده عشاني أنا ولا أنتِ متهمكيش سعادتي يعني.


تأففت ملامحها قبل أن تبتسم له وتخبره: طبعاً سعادتك تهمني أكتر من أي حاجة عشان كدي بفتحلك عينيك، الأنسة المجتهدة اللي موقفتش شغل طول خمس شهور من أول ما كسبتك في جيبها بتدلع وبتقصر في شغلها من أول يوم.
وقف كرم زافراً بحدة قائلاً برجاء قبل أن يتركها ويذهب: ماما الله يخليكي شيلي من راسك كل الأفكار ديه أنا بحب رنيم وعايزها في حياتي وواثق من مشاعرها وأظن أنا مش عيل صغير وأعرف كويس أفرق بين واحد بتحبني وواحدة بتحب في فلوسي.


صرخت من خلف ظهره حينها: ونسمة بنت خالتك.


تنهد يُجيبها بهدوء: مالها نسمة يا ماما ،، أنتِ عارفة اني مش سايبها لوحدها وأنها متابعة مع دكتور نفسي وكل مدي بتبقي أفضل وبتتقبل حقيقة إنها شخص مهم والناس بتحبه، لو أنتِ وخالتي تتحسسوها بشوية حب مكانش كل ده حصل.


ضغطت زهرة فكها بغضب: مش هاخد منك حق ولا باطل يا كرم بيه وبرده مُصر إننا السبب في كل اللي حصل.


عاد يزفر ليخبرها بجدية: أومال مين السبب يا ماما من صغرها وأنتو الاتنين مبتدخلوش في راسها غير فكرة أنها لازم تتجوزني وتخليني أحبها وتخليني فخور بيها وتخليني انا وانا وانا لحد ما بقيت أنا محور حياتها غصب عنها من غير ما تشوف نفسها ولا حلمها ولا هدفها، أنتِ مش شايفة دلوقتي أنها بتتغير وبقت حد أحسن والضحكة بقت دايماً علي وشها بدل الخوف اللي كان دايماً مالي قلبها.


لم يبدو حديثه كله هذا أنه يؤثر بوالدته لذا حرك رأسها يميناً ويساراً قبل أن يغادر قائلا بلين: احنا اتكلمنا في الموضوع ده قبل كدي والكلام مفيش منه فايدة فمش كل شوية هنفتحه يا ماما ياريت نقفل موضوع نسمة وتسبيني أديها المكانة اللي تستحقها في حياتي وتلاقي هي الحب اللي تستحقه مع حد تاني، أنا خارج سلام مش محتاجة أي حاجة.


نفت زهرة علي مضض وهي تراقب خروجه بغضب وللأن مازالت الفرصة التي أعطتها لرنيم ممتدة لتري ما خطوة تلكَ الفتاة لتتحرك علي أساسها علماً أن تي خطوة ستتخذها رنيم لن تؤثر بها مُطلقاً.


قبل أن تُمسك إحدي المجلات رأت عودة كرم مرة أخري لتسأله بحيرة: خير رجعت ليه.


قال بتهذيب وهو يصعد درجات السلم سريعاً: نسيت تليفوني يا ماما هاخده.


هزت رأسها بهمهمة ضجرة وصعد كرم لغرفته، بحث عن هاتفه حتي وجده، فتحه ليتفحصه قبل أن ينزل مُجدداً فوجد رسالة من رنيم: ماما قالتلي إنك جاي مفيش داعي تتعب نفسك أنا هبقي كويسة وهاجي الشغل بكري بإذن الله وأسفة بجد إني غيبت من غير إذن أنا والله مش بتدلع.


ضحكَ بخفة علي كلاماتها الطفولية البريئة وتخيل هيئتها بأنف مُحمر من البرد وهي تخبره بهذا الحديث، ليراسلها هو الأخر وقد جلس مضجعاً علي ظهر سريره: طيب ردي عليا لو مش عايزاني أجي ما أنا مطمنتش عليكِ كدي بالرسالة ديه.


وافاه الرد بعد دقائق: أنا كويسة والله بكري هتشوفني.


قطع مراسلتها واتصل بها ولكنها أغلقت المكالمة ليعود مراسلاً إياها: طيب ردي يا رنيم طالما كويسة.


نظرت هي لفراغ الغرفة تقضم شفتيها بارتعاش لتكتب له: مش قادرة أتكلم يا كرم أنا بس عايزة ارتاح وهبقي كويسة لبكري.


أومأ وكأنها تراه يهز قدميه قبل أن يكتب لها: ماشي يا رنيم براحتك بس اعرفي إنك قلقتيني كدي أكتر، وألف سلامة عليكِ يا قلبي.


رأت رسالته فشهقت ببكاء وتركت الهاتف من يديها وعادت تغوص بسريرها وكأنها تود الاختفاء مع تلكَ الذكري البشعة التي تركتها والدته في عقلها.


■■■

صباح اليوم التالي وقفت أمام المرآة تهذب خصلاتها وتعصقهم للخلف وكم رأت أن ذلك الوقت المناسب لإرتداء حجابها، تشعر أن ذلك عقابها من الله لأنها أخرت تلكَ الخطوة كثيراً بتردد، ورغم الألم الذي يحتل صدرها بأكمله شعرت بقماش الحجاب وكأنه يُبلسم هذا الألم فيخف قدره كثيراً.


وجهها صغيراً للغاية داخل الحجاب، حجاباً وردياً مُتداخلاً مع ألوان أخري مبهجة كانت والدتها قد ابتاعته لها منذ زمن كوشاح حتي يهديها الله لترتديه حجاباً، رتدته علي فستاناً لم يكن اسوداً كعادتها بل كان أبيض تماماً كما أحب هو الأبيض أكثر عليها وكما رأت هي نفسها جميلة للغاية في عينيهِ بالأبيض فأحبت اللون التي لم تحب ارتدائه أبداً فقط من عينيهِ.


لن تتخلي عن حبها هي نعم طفلة خائفة ولكن لن تتخلي عن دقات قلبها ولن تتخلي عن اللهفة المرتعشة التي تنتابها كُلما كانت معه في مُحيطاً واحداً، ستُحبه وبحبه هو أيضاً سيتغلبا علي كل المشاكل.


خرجت رنيم من غرفتها أخيراً لتبرق عينين عائلتها انبهاراً من جمالها وتقول والدتها: عشان كدي كنتِ حابسة نفسكِ طول اليوم انبارح في الأوضة وتقوليلنا انك تعبانة.


قالت رنيم بإعتذار وهي تقبل يديها: أسفة يا ماما أنتِ عارفة إني لما باخد قرار ببقي مُكتئبة وعايزة أبقي لوحدي شوية.


أومأت والدتها تقول بمعرفة: عارفاكي وحفظاكي يابنتي مبتحبيش تشاركي همك لحد بس يا حبيبتي ايه اللي يخليكي تكتئبي في لبس الحجاب ده ماشاء الله مخليكي بدر منور.


ارتعشت رنيم تذم شفتيها وتسيطر علي انحدار دموعها كي لا تفزع والدتها وهي تخبرها: ما هو أنا يا ماما أكيد مش ده اللي مزعلني بس أنا عشان ألبس الحجاب كان لازم كان لازم يعني.


قطبت حاجبيها لتسألها: إيه يا رنيم كان لازم ايه.


أمسكت رنيم بيدها تقول بسرعة قبل أن تفر هاربة من أمامهم: هقولك يا ماما بس بلاش نقاش عشان أنا أساسا مش مستحملة قصيت شعري.

■■■

وصلت مكتبها بقلب وجل لقد هربت من عائلتها حتي يتقبلو الأمر وقبل أن تُفكر بأي شئ أخر كان كرم يدخل بعجلة لغرفتها بعد أن علم أنها وصلت الشركة.. نظرت له بخفقات قلبها المُتلهفة مُستغربة وجوده فهو يكون بالشركة بعد ساعتين من الأن كانت ستكون تأقلمت بهم حتي يأتي لتواجهه فلما تلكَ العجلة وذلكَ التلهف من قبله.

كان يهاتفها بتلكَ الجملة ببعض الحدة مُتصنعاً إياها وهو يدخل مكتبها: إيه بقي يا هانم عشان بقيتي حرم كرم بيه هنتدلع علي الشغل من أول يوم.


وقف بعد ذلك صامتاً مُتفاجئاً من هيئتها غير مُنتبهاً أنها لوهلة صدقت حديثه وهتفت ببراءة نافية: لا والله لا يا كرم.


اقترب منها مفتوناً بجمالها ليستند علي سطح المكتب جوار كرسيها كعادته وهو يتسائل وعينيه تأكل ملامح وجهها: هو إيه اللي لا يا روح كرم.
انكمشت بالكرسي كعادتها كلما يُجثم أمامها هكذا وكأن الإقتراب له مشروعاً وكأنها حلاله منذ دق قلبه لها وأجابته بخجل تحت نظراته: يعني أنا مش بتدلع والله عشان هبقي مراتك بس..
وقبل أن تُكمل قاطعها بهيامه: مين الحمار اللي قال كدي.


ضحكت ليبتسم لضحكتها قائلاً: بهزر معاكي يا حبيبتي أنتِ تدلعي براحتك الشغل وصاحب الشغل تحت أمرك.


ابتسمت له بامتنان ونظرت لعينيه بعشق ثم أعطته الفرصة ليقل: إيه الجمال اللي أنا شايفه ده.


لمعت عيناها من غزله وسألته بخجل: يعني لايق عليا.


أجابها وهو يتمني لو يداعب وجهها بإبهامهِ ليستكشف نعومة بشرتها ولكنه تنهد قائلاً وسحرها يسيطر عليه: مش لايق غير عليكِ يا قلبي.


همست برقة وخجل: شكراً.


رفع كفهِ من علي سطح المكتب لثوانٍ ثم أنزله مجدداً قبل أن يقف مُتجهاً ليجلس أمامها علي الكرسي ،، يُهدأ من رغبته بها وهو يتسائل: قوليلي يا حبيبتي أنتِ كويسة دلوقتي.


أومأت له وهي تنظر أرضاً قائلة بصدق: بص هو أنا مكنتش تعبانة جسدياً يعني بس..


ضيق جبينه قائلاً: كملي.


تنهدت تخبره تجد صعوبة بمشاركة أحد همومها ولكن عليها أن تكون صادقة معه ولو أنها ستُخفي بعض الحقائق كي لا تفسد علاقته بوالدته: بص كنت تعبانة يعني مش بكدب عليك بس نفسيتي اللي كانت تعبانة.


كرم بعقلانية: رنيم حبيبتي أنتِ متوترة ليه اهدي وكلميني بالراحة ولو مش عايزة تتكلمي خالص براحتك المهم تكوني مرتاحة.


ضغطت شفتيها برفق لتخبره: أنا بييجي وقت كدي وأبقي مُكتئبة من حاجة في الوقت ده مبعرفش أتعامل مع حد حتي أهلي مش بعرف أتعامل معاهم بفضل إني أبقي لوحدي لحد ما ارتاح وغالباً الوقت ده لما أكون باخد قرار مُعين أو حاجة مديقاني.


أومأ مُتفهماً ليُخبرها: طيب تمام إيه بقي اللي خلاكي تكتئبي ده احنا لسة قاريين الفاتحة أو انبارح.


قطب جبينه بعد ذلك مُفكراً هل لربما لوالدته علاقة بالأمر، هل قالت لها ما أزعجها مثلاً، خشي أن يسألها حقاً ويكون امر أخر فيلفت نظرها لرفض والدته لها لذا صمت مُنتظراً إجابتها وأجابته وهي تبتلع غصتها: مش هقدر أكلم أكتر من كدي بجد ممكن تعذرني.


تنهد مُتفهماً ليُحاول ممازحتها: خلاص يا ستي كل ده عشان جيت طلبت ايديكي من باباكِ خلاص نفضها سيرة من الأول كدي لو مش طيقاني،، أنا بقولك أهو إني راجل ديموقراطي جداً ومستحيل أسيبك تفلتي من ايدي.


ضحكت معه مُتناسية برغبتها لتخبره بصدق: يا كرم لا صدقني ملكش علاقة بالموضوع.


اومأ لها مُبتسماً قبل ان يتسائل بإدراك: قوليلي صح خبيتي شعرك كله ازاي تحت الطرحة ديه.
نظرت له بصدمة لوهلة وقد باغتها سؤاله لتتوتر ملامحها فينظر لها هو بترقب وجل من صمتها: رنيم.


أجابته بسرعة: قصيته قصيت شعري.


ارتفع صوته بغتتاً لتنتفض خلاياها تنظر للخارج وقد خشيت أن يجذب صوته الناس: عملتي إيه.
وقف من مكانه أيضاً بعصبية لتجيبه مجدداً:
قصيته عشان أعرف البس الحجاب.


بدا مصدوماً وعينيه توسعت حزناً أكثر منه
ا علي ما يبدو علي شعرها ليقل بضيق: مش من حقك تقصيه يا رنيم أنتِ هتبقي مراتي يعني كل حاجة تخصك تخصني.

ثم عاد يتحرك بعصبية أمامها بغير تصديق لتنظر هي للأرض بألم وهي تسمعه يقول مُتذكراً كم حلم أن يتلاعب بهذا الشعر كالعسل بين يديه: حرام عليكي يا رنيم قصيتي شعرك!.

ثم تركها ورحل تاركاً إياها تواجه موجه من خصامه وتجهمه طوال اليوم وكأنه هو من فقد شعره وليست هي حتي جاء موعد رحيلها كانت تُلملم أشيائها لترحل فدخل عليها لتنظر له بتلهف حزين ليُخبرها برفق: مستنيكي تحت في العربية عشان أوصلك.


وجادلته كعادتها: مفيش داعي تتعب نفسك هروح مواصلات زي كل يوم.


نفي ليخبرها بهدوء: هوصلك يا رنيم مستنيكي تحت بلاش عناد لو سمحتي.


أومأت له وسمعها تقول قبل أن يخرج بعد ان ظنها وافقت: طيب هكلم بابا اسأله.


وقف مجدداً يسألها: نعم.


أجابته برفق: يعني هسأل بابا ينفع أركب معاك ولا لا.


تنهد بضحك وهو يقل: يلا يارنيم ربنا يصبرني عليكي يلا يا حبيبتي وأنا اللي هكلم بابا استأذنه.
طأطأت رأسها تحمل حقيبتها وتتخطاه لتسير أمامه بخجل.



#يتبع