الفصل الرابع والعشرون - عشق ناضج وعشق مجنون
الفصل الرابع والعشرون
ابتسم صهيب إليها ثم دلف ووضع كلتا يداه بجيبيه ليسمع ارتطام باب شقتها ليدرك أنها لا تمانع التواجد معه وحدهما فهي كالعادة لا تزال لا تكترث سوى لما تريده فقط!
"اتفضل" آتت لتقف أمامه ثم أشارت إلي احدى الأرائك ليجلس صهيب وهو يحاول بمجهود لم تدركه هي أن يتحكم بملامح وجهه ليبدو تلقائياً
"إيه الغيبة الطويلة دي؟ مبتسأليش يعني من يوم ما مشيتي، مش كنت أنا أقرب واحد ليكي؟" سألها وهو يتفقدها بعناية بينما كان يتهكم بداخله
"معلش اتشغلت شوية" ابتسمت له تلك الإبتسامة التي يكرهها بينما قد يجدها العديد من الرجال ساحرة للغاية
"هو انتي سيبتي البنك ليه صحيح؟" سألها وهو يدعي عدم المعرفة
"يعني.. جالي فُرصة احسن" توسعت ابتسامتها مجدداً ليدرك صهيب كذبها الصريح "بجد أنا مبسوطة أوي إني شوفتك، وده نساني أسألك، تشرب إيه؟" بالطبع لن تقابله بجدال أو عراك كلامي فهذا كل مالا تريده أن يحدث معه ولن تأتي بذكر الأمر أمامه أبداً فهي تريد استغلال كل فرصة للتقرب منه
"لا مالوش لزوم" بادلها الإبتسامة ليجاريها بتلك اللعبة السخيفة لقليل من الوقت "أنا بصراحة جايلك علشان اخد رأيك كده في حاجة"
"حاجة! حاجة إيه؟" هزت كتفيها بتلقائية
"إيه رأيك في لينا؟" قطبت جبينها بعدما رُفعا حاجبيها بتلقائية من ذلك السؤال ليطنب صهيب بالمزيد "يعني، أنتي تقريباً صاحبتي البنت الوحيدة اللي ممكن أكلمها بمنتهى الصراحة في الموضوع ده، وغير إنك من ساعة ما مشيتي حصل حاجات كتيرة والمشاكل زادت ما بيننا" توقف من تلقاء نفسه مُدعي النسيان "آه نسيت أقولك، أنا خطبتها ولسه سايبين بعض من كام يوم" ادعى الحزن لتظهر ملامح التعجب على وجه سمر
"ممم، مش عارفة أقولك مبروك ولا معلش" ادعت التظاهر بينما هي من اعدت لكل ما يحدث الآن ولكن لم يكن بحسبانها أن ما فعلته قد يأتي بصهيب إلي منزلها ليجلس أمامها الآن
"ازاي أنا غبي كده، أكيد عرفتي من الفيسبوك" تظاهر بالتشتت
"لا مخدتش بالي بصراحة" ادعت هي الأخرى أنها لا تعلم شيئاً عن الأمر
"المهم اتخطبنا، لأن ده كان لازم يحصل بما إننا قاعدين في بيت واحد، ومفيش اسبوع من الخطوبة لقيتها كانت على علاقة بواحد تاني مكنتش قايلالي عليه، ودلوقتي بتقول إن ده محصلش، بصراحة مش عارف اصدقها ولا أصدق الإنسان اللي جه وواجهها قدامي، حاسس إني متلخبط وأنتي عارفة إن أنا وأكرم اصحاب، لما اخدت رأيه بيقول إن مفيش حد هيعمل كده إلا لو فعلاً كانوا يعرفوا بعض، أنتي رأيك إيه؟، يعني، أنتي عارفة إنك انتي وأكرم اكتر اتنين باتكلم معاهم!" ادعى الحيرة لتبتلع سمر وشعرت أنها بموقف غريب وانتقت كلماتها بعناية ليلاحظ صهيب توترها
"بصراحة، أنا اخاف أقولك حاجة وتتصرف على أساسها، يعني لو قولتلك أكيد الشخص ده كداب ممكن أكون بظلمه ولو قولتلك كلامه صح يبقى بظلم لينا، أنت فاهمني يا صهيب؟" سألته ثم نهضت لتجلس بجانبه على الأريكة ولم يتحرك هو بينما تابعها برماديتيه "هو إيه اللي حصل بالظبط؟" ادعت الإهتمام الزائف وتأثرت ملامحها بينما بداخلها انفجرت من السعادة لمعرفة أنهما ليس بخير
"مفيش" ابتلع في تردد ثم عقد حاجباه "كنا قاعدين سوا، خارجين يعني وفجأة جه واحد اسمه تامر وكان مصور كلام ما بينهم وفضل يعاتبها بالكلام وكان بيحذرني منها" تظاهر بالإنزعاج لتبدو هي الأخرى متأثرة
"غريبة اوي الحكاية دي، بس، مين يعني اللي هيفبرك كلام، وبعدين" حمحمت وهي تبعد احدى خصلاتها خلف اذنها "هيكون إيه مصلحته إنه يحطها قدامك في موقف زي ده إلا لو" حمحمت مجدداً في تردد زائف لينظر إليها صهيب في إدراك لما لم تتفوه به
"تقصدي تقولي إنهم يعني كانوا بيحبوا بعض وهي مخبية عليا؟"
"بصراحة آه" أومأت له ولكنها أرادت أن تبدو هي الأفضل من لينا وكذلك لتبعد الشك عن عقل صهيب "بس يعني يا صهيب لو هي بتحبك وسابته يبقى خلاص يعني، وبعدين هي صغيرة وأكيد مختارتش صح من الأول" تظاهر بالغضب
"ازاي يعني، وازاي تخبي عليا، أنا سألتها كذا مرة عن الموضوع ده وهي قالت إن مكنش فيه حد قبلي" حدثها بإنفعال ليجدها تتلمس ذراعه في تعاطف زيفته ببراعة
"اهدى يا صهيب، بلاش تتعصب، مالوش لزوم"
"ازاي يعني مش عايزاني اتعصب، هو إيه أنتي وأكرم كده عايزيني اخد الموضوع عادي وكأن مفيش حاجة حصلت؟" حدثها بمزيد من الإنزعاج الذي زيفه لتقترب هي منه أكثر
"أكيد طبعاً لأ، بس لو هي اختارت تخبي عليك حاجة زي دي تبقى متستاهلش حد زيك" بدأت أناملها تتحرك على ذراعه بتلك الطريقة المُقززة التي يبدو أنها لن تتوقف عنها أبداً "صهيب أنت آلف واحدة تتمناك، وتستحق حد احسن منها، واديك شوفت اهو بالصدفة عرفت كل حاجة، يمكن نصيبك مع حد غيرها، حد بيحبك بجد وبيقدرك وعمره ما هيخبي عليك حاجة" همست إليه وهي تتفقد ملامحه التي حُفرت بعقلها ولا تتركه أبداً وبداخلها تتمنى أن يُصبح صهيب لها لتُفرض مشاعرها السيطرة على الموقف وهو قريب للغاية منها هكذا
"أنا لاحظت إن فيه حاجة بينكو وبين بعض لما جيتلك البيت قبل الترقية بتاعتك، بصراحة حسيتها صغيرة اوي ومش عاقلة وحسيت إنك تستاهل اللي احسن منها، بس مرضتش ادخل أو اتكلم علشان متفهمنيش غلط" أخبرته وبدأ ذلك الهوس في التحكم بها "بص حواليك، هتلاقي اللي يستحقك وبيحبك بجد يا صهيب، والمفروض متزعلش أبداً إن ده حصل بالعكس، المفروض تقول كويس إن ده حصل علشان عرفت الحقيقة اللي خبتها عليك وكويس إن الموضوع موصلش لجواز" أخذت عيناها تتفقد ملامحه وشعرت أن كل ما تريده هو احتضانه لتشعر بدفء صدره، إن كانت تدرك أنه سيكون حزيناً هكذا لما كانت فعلتها، للحظة شعرت بتأنيب الضمير لما وصل له الآن ولكنها ستفعل أي شيء حتى يُصبح لها وحدها
"عندك حق يا سمر" همس في إدراك وكأنه صدق كلماتها وأومأ برأسه في تفهم ثم نهض "شكراً إنك خلتيني افهم الموضوع أكتر، واضح إني غبي وكنت مشدود ليها زيادة عن اللزوم" أخبرها ليجدها تنهض هي الأخرى
"أكيد ربنا هيعوضك بالأحسن منها" تفقدته ليبتسم هو بإقتضاب وعينتيها تصرخ بألا يذهب
"إن شاء الله.. بس عارفة، حاسس إن فيه حاجة غلط، عايز أتأكد بردو، فيه حاجة من جوايا مش مريحاني، زي ما يكون فيه حاجة جوايا بتقولي الموضوع ده كله حوار أصلاً" ثبطت كلماته ذلك الشعور المتوهج بداخلها لتتنهد هي بملل وعادت مجدداً لحالتها الطبيعية بعد أن سيطرت عليها مشاعرها منذ وهلة
"تتأكد من إيه بالظبط؟" سألته وهي تريد أن تعرف ما يخطط إليه
"يعني أتأكد مين الشاب ده وعلاقتهم ببعض إيه ويعرفوا بعض من امتى" حدثها وهو يدعي التلقائية لترفع هي احدى حاجبيها ولم تلاحظ أن غضبها بات يسيطر عليها
"وهتتأكد ازاي يعني؟" حاولت أن تتحكم في هذا الغضب ولكن لاحظه صهيب
"انتي عارفة إن أكرم خطيبته وأهلها ليهم معارف يعني في الشرطة وكده، ممكن يعرفوا كل حاجة عنه بسهولة ومظنش أكرم هيرفض يساعدني، وممكن ساعتها أعرف إذا كان بيتكلم جد ولا لأ" أخبرها دون ملامح واضحة على وجهه لترتبك ولكنها حاولت أن تتحكم في انفعلاتها
"شرطة!" تمتمت في تعقيب على كلماته "الموضوع يعني مش مستاهل كل ده يا صهيب، ممكن تـ" تحدثت ببطء بينما لم يُعطها صهيب فرصة لإكمال حديثها
"أنا بقا هاعرف إذا كان الكلام ده بجد ولا مين اللي وراه" تحدث بإنزعاج ولكنه اراد أن يهددها ليس أكثر "ساعتها لو كلام الشخص اللزج ده طلع غلط مش هاسيب اللي عمل كده في حاله" ابتلعت هي في توتر وحاولت التفكير بسرعة في أي شيء لتخبره إياه عساه أن يعود عمّا برأسه!
❈-❈-❈
"أنتي صعبانة عليا كده والله، وقولتلك لو حابة ممكن اقعد معاكي انتي ولينا كام يوم في البيت بدل ما انتي يوم هنا ويوم هناك" حدثها أمجد وهو ينظر نحوها بتعاطف وحنان لتتنهد جيهان
"لا متقلقش، أنا تمام وقادرة اروح واجي كل يوم وده بيتي وده بيتي وكلها فترة وهتعدي إن شاء الله"
"يارب يا جي جي، أنا مش حابب أشوف صهيب ولينا كده" تأثرت ملامحه لتبتسم إليه جيهان بإقتضاب
"بُكرة يتصالحو" أخبرته ثم ربتت على يده في تأكيد
"هو فيه حاجة أنا مش عارفها ولا إيه؟" عقد حاجباه بإستفسار
"بصراحة أنا كلمت صهيب" أخبرته بالنهاية فلقد كان آبياً لمجرد فكرة التحدث معه
"بردو عملتي كده!" أخبرها بنبرة تحمل القليل من اللوم
"ما هو يا أمجد ما ينفعش تسمع لينا بس ومتسمعش صهيب"
"أنا قررت إني مش هاكلمه ولا أسأله عن الموضوع غير لما يجي هو ويفهمني كل حاجة، وكمان اللي عمله ميبينش غير حاجة واحدة واللي هي إنه مصدق على لينا كل الكلام اللي اتقاله" امتعضت ملامحه بالنهاية وظهر عليه الإنزعاج بوضوح لتحمحم جيهان في تردد
"معلش علشان خاطري حاول تديله فرصة وتفهم الموضوع من وجهة نظره هو، يمكن يكون معاه حق" همست إليه بهدوء ليتفقدها مٌفكراً وبالرغم من أنه غاضب من صهيب إلا أن شعوره بإبنه الوحيد وذلك الجفاء الذي بات بينهما مؤخراً كان يبغضه للغاية
"قالك إيه يا جيهان؟" سألها لترى ذلك الشوق في عيناه لمعرفة ما قد يظنه صهيب ليلاحظ تلك النظرة التي تنظر إليه بها "انسي، لو مقولتليش مش هاروح علشان أعرف منه! يا تقوليلي انتي يا إما خلاص مش عايز أعرف حاجة!"
"لينا فهمته غلط" أخبرته ليعقد حاجباه في تعجب "هو بعد كل اللي سمعه قالها هنروح، صهيب كان عايز يعرف مين اللي ورا كل اللي حصل ومين اللي بيعمل كده، هو غلط لما سكت طبعاً وموضحش هو فاهم إيه وهي اتسرعت وبعدت وقفلت على نفسها، بصراحة، أنا شايفة إن صهيب محتاجك جانبه، بلاش تاخد موقف عدائي معاه" أخبرته ليشعر أمجد بالحيرة بينما تابعت لتؤكد على كلماتها
"صهيب يا أمجد صغير، ولينا أصغر منه، الاتنين أنا متأكدة إنهم بيحبوا بعض، بس لسه موصلوش لدرجة النضوج والتفكير بهدوء ولسه مبيعرفوش يتفاهموا، معلش بس لينا بنتي خبرتها في الحياة وفي العلاقات تكاد تكون معدومة، أكتر من الروايات اللي بتقراها دي متعرفش أي حاجة عن علاقة الراجل والست، مشافتنيش مثلاً وأنا بتعامل مع باباها الله يرحمه، ولا عندها أخت كبيرة تتعلم منها، ونفس الكلام صهيب، تقريباً عمره ما كان بيحب بنت بجد غيرها ومعرفش حد وقربله غيرها.. همّ بس الاتنين محتاجين يعقلوا، والحمد لله إني أنا وأنت موجودين جانبهم، يعني، كلمتين مني وكلمتين منك يمكن كل واحد يفهم غلطه"
انتهت من حديثها لتنظر له بعسليتان مترقبتان مستفسرتان، هل استجاب لذلك الإقتراح أم لا، وهل سيكون عليها الإطناب بالمزيد أم أن أمجد قد تقبل الأمر!
"أنتي عندك حق، كلامك صح" ابتسمت إليه وهي تزفر في راحة
"صهيب مالهوش غيرك، مش معنى إني قربت منه وبقدر اتكلم معاه يبقى أنت تبعد عنه، وصدقني هو محتاج كلمتين منك يفهموه حاجات كتيرة أوي ويفتحوا عينه وعقله وحتى يبدأ يعرف ازاي يتصرف مع كل اللي بيحصل" تنهد أمجد وشعر بقليل من اللوم تجاه نفسه ولكنه نظر يتفقدها بتقدير شديد ليقترب مُقبلاً جبهتها في رقة وأطال قُبلته
"أنا بحبك اوي"
"طب ما أنا عارفة" أخبرته في دلال وهزت احدى كتفيها بينما امتلئت نبرتها بالثقة "مش هاتروح بقى تتكلم معاه وتلحقه قبل ما ينام؟"
"طب هتكلمي لينا؟" أومأت إليه بالموافقة "وهتقنعيها ترجعله؟"
"هي حرة، أنا بس هحاول اوضحلها كام حاجة مش واخدة بالها منها، أنا عموماً كنت سايباها تهدى شوية وتجرب تبعد عنه، بس بنتي اللي اعرفها ومربياها شكلها مش تمام ومش طبيعية أبداً، بتحبه وهي مش شايفة ده"
"ويا ترى بتحبه زي ما انتي بتحبيني ولا أكتر شوية؟" سألها بنبرة مازحة ثم غمز لها ليقترب إليها وأدركت أنه شارف على تقبيلها
"أمشي يا أمجد روح شوف صهيب" دفعته بلطف لتتوسع ابتسامته
"ماشي، وانتي كلمي لينا، ومتناميش غير لما اخلص معاه"
"يا سلام! اشمعنى يعني؟" تصنعت عدم الإدراك
"علشان أعرف قولتي للينا إيه بالظبط" غمز لها مرة أخرى
"أمشي يا أمجد وسيب اللي في دماغك ده لبعدين" ابتسمت إليه "أنا رايحة أكلم لينا" غادرته مسرعة دون أن تعطيه الفرصة للتحدث بينما استمعت لزفرته خلفها لتذهب بإبتسامة لم تغادر شفتاها حتى تتحدث لإبنتها..
❈-❈-❈
"اسكتي.. مش نزل جزء جديد من رواية شهاب؟" حدثتها رولا بحماس شديد
"بجد.. هبقى اقراه" زفرت رولا في إرهاق
"يا لينا أنا عملالك قرد بقالي كام يوم، وانتي بردو لسه زعلانة"
"هفك، اديني شوية بس"
"يعني ايه يعني، هتبقي كئيبة علشان سي صهيب ده"
"رولا بقى ماخلاص" زفرت في سأم بينما استمعت كليهما لصوت مكالمة تقطع مكالمتهما "طيب بقولك ماما بتكلمني.. هاخلص معاكي واكلمك"
"ماشي هستناكي"
"أيوة يا ماما"
"حبيبتي عاملة إيه النهاردة؟"
"تمام" حدثتها بإقتضاب
"والدنيا كانت حلوة النهاردة في الجامعة؟"
"العادي يعني يا ماما" اخبرتها بسأم
"يعني مفيش خناقة مع دكتور مثلاً، حوار مع واحدة صاحبتك على ولد، جواب فصل من الكلية لمدة اسبوعين ولا حاجة" اخبرتها بنبرة حماسية مازحة
"لا اطمني مفيش"
"عيشي سنك يا بنتي، المفروض اليومين دول بتوع البلاوي، مش مستنية منك تكوني مثالية"
"بلاوي! ما خلاص جبتلك البلاوي وكل واحدة مننا في بيت" تحدثت بنبرة حزينة لا تتوافق مع مزاح والدتها
"لا، أنا بجيلك يوم وعند أمجد يوم، مش كل واحدة مننا في بيت ولا حاجة، وبعدين انتي مديتلهوش فرصة إنه يشرحلك الـ"
"ماما لو سمحتي!" قاطعتها بإنزعاج "مش كل شوية بقى حد هيكلمني على اللي حصل، أنا خلاص الموضوع ده بالنسبالي انتهى وصفحة وقلبتها وخلصنا، مش هافضل كل شوية تجيبيلي سيرة اللي حصل وسيرته هو كمان" تحدثت بإنفعال لتتنهد جيهان في آسى
"لينا يا حبيبتي انتو مفيش ما بينكم تفاهم، أنتي اخدتي في وشك وروحتي علشان بس قالك هنروح البيت، وهو كمان مفسرش ولا شرح ولا بَين هو فهم ايه او حس بإيه، أنا شايفة من وجهة نظري يعني إنكو لازم تتكلموا مرة تانية"
"ماما أنا مش هادي فرص تاني، كفاية أوي اللي كان واضح عليه، كان بيبصلي زي ما أكون خونته مثلاً أو خبيت عليه بجد، والموضوع أصلاً كله حوار، فأنا بقى مبقاش عندي استعداد ولا قدرة تحمل أكتر من كده"
"لي لي، انتي عارفة إني مش بحب اضغط عليكي في حاجة وبحترم كل قراراتك واختياراتك، لما جيتي قولتيلي إنك حاسة بحاجة من ناحية صهيب أنا وافقتك، ولما قولتيلي إنك مش ممانعة الخطوبة أنا وافقتك، ولو شايفة إنه مش مناسب ليكي، أنا بردو هوافقك ما دام ده قرارك ودي خُلاصة تفكيرك وإنك فعلاً مش قادرة تستحملي أكتر من كده، بس أنا هقولك رأيي وخبرتي في الدنيا دي لأني معنديش حد اعز منك أقوله الكلام ده" تريثت لبرهة لترى ما إن كانت لينا ستتجادل مجدداً أم لا ولكن وجدتها مُصغية
"صهيب أتسرع ورد فعله مكانش واضح، وأنتي اتسرعتي ومديتيش فرصة ليه وقطعتي كل فرصة ممكن تجمعكوا مع بعض، ده بالنسبة للي حصل، وبالنسبة لكل مشاكلكوا يا لينا هي واقفة على عدم التفاهم وعدم التفكير، انتو الاتنين متسرعين ومش بتاخدوا وقت تفهموا بعض، رأيي إنكوا تاخدوا فرصة مع بعض، وقبل ما ترفضي أو تقبلي افتكري إن ده مجرد رأيي، ممكن تختلفي معايا أو تتفقي معايا بس في الأول وفي الآخر القرار ليكي ومحدش هيجبرك على حاجة، وأنا مش صفه ولا في صفك، أنا بعز صهيب وانتي عندي اغلى حاجة في حياتي، وقدام بعد سنين لما تتأكدي إنك بعدتي عنه بسبب إن مفيش بينكم تفاهم وتحسي إنه كان موضوع تافه وعبيط اوي وشوية كلام كانوا ممكن يرجعوكوا لبعض تاني ممكن تندمي لأن يا لينا الحب الأول في حياة أي حد بيسيب علامة عمرها ما بتروح"
توقفت عن الحديث بينما شردت لينا بعدما استمعت لكلمات والدتها في تأني وقد أدركت من نبرتها أنها لا تسترضيها، لا تُفضل شخص على آخر، ليس فقط لأنها ابنتها وليس لأنها تريد أن تُزوجها، تلك الطريقة ليست طريقة تفكيرها على كل حال، ولكن ملامحه الغاضبة، كلماته المقتضبة، رماديتاه وهي تتفقد تلك الأوراق المطبوع بها تلك المحادثة، كلماته التي لا يُفكر بها قبل أن يتفوه بها ويلقيها في وجهها دون إكتراث لمعناها الحقيقي او أثرها عليها، هل حقاً عليها المحاولة معه مرة أخرى أم أن كل ما فعله لا يستحق منها أية فرص؟
"لينا" نادتها جيهان من على الطرف الآخر
"أيوة يا ماما معاكي"
"إيه، كلامي ضايقك؟" سألتها لتحاول تبين هل غيرت كلماتها شيئاً ما أم لا يزال موقفها لم يتغير
"لا مضايقنيش ولا حاجة، أنا بس حاسة إني" توقفت من تلقاء نفسها
"متلخبطة!" اجابت جيهان بدلاً عنها
"الفكرة إني مش متلخبطة وبس، الفكرة إني عايزة اخد موقف منه علشان مينفعش نفضل في خناق وعدم تفاهم سنين جاية كتير ده إذا كان ناوي يتناقش ويعتذر ويفهم غلطه وميكررهوش" أطلقت جيهان نفساً كانت تسجنه ولكن عندما سمعتها تتحدث هكذا اطمئنت قليلاً
"يعني هتـ"
"سيبيني يا ماما اخد وقتي واشوف هو هيتصرف ازاي ساعتها ممكن ابقى ادي الموضوع فرصة تانية، بس بردو بعد ما احس إن فيه تغير من ناحيته وبعد ما اشوف التغير ده وكمان يوريني هيعمل إيه لو لسه عايز الموضوع أصلاً" قاطعتها بنبرة لن تتقبل المزيد من النقاش
"تمام، فكري براحتك وخدي كل الوقت اللي انتي عايزاه ومحدش أكيد هيجبرك على حاجة"
"شكراً يا جي جي"
"شكراً يا جي جي" حدثتها بتهكم وهي تقلد نبرتها "أنتي هبلة يا بنتي؟"
"هي بس افكرة إني، صهيب، يعني، هو تفكيره غريب بصراحة ومعندوش اي صبر وبيتسرع و"
"وانتي كمان بتتسرعي وأنا وانتي عارفين كده" قاطعتها لتتنهد لينا في سأم لتصديقها كلمات والدتها ولكن شعرت مرة أخرى بالإندفاعية
"بس هو يا ماما انتي لو شوفتيه وهو بيسمع الولد اللي جه ده ولا لما بيصدق عليا أي حاجة زي الاهبل كده من غير تفكير هتقولي استحالة اكمل معاه لحظة واحدة!"
"يبقى الحل إنكو تتكلموا بهدوء وتشوفوا الأمور ما بينكم هتطور لإيه يا حصل تغير يا محصلش، ولازم تتفقوا بمنتهى الصراحة لغة الحوار ما بينكم هتبقى ازاي علشان لما أي موقف يحصل في المستقبل متبعدوش عن بعض وتتخانقوا زي كل مرة، وبعدين لسه قدامك فترة كبيرة تحددي فيها إذا كنتوا هتكملوا سوا ولا لأ، أظن على الأقل تلت سنين"
"ماشي، بس لعلمك بقى المرادي غير المرات اللي فاتت، وهنكد عليه، وهلففه ورايا لغاية ما يعرف غلطته" حدثتها بتحفز وتحولت نبرتها لآخرى منفعلة
"وأنا معاكي، بس بعقل وبطلي جنان"
"على فكرة مغلطتش، هو اللي ابتدى، هو دايماً اللي بيبتدي وبيفهم كل حاجة غلط" أخبرتها بتحدي
"اللي مش فاهم نفهمه يا مجنناني"
"يا سلام! ما انا كلمته أكتر من مرة بس هو اللي مفيش فايدة في دماغه الجزمة"
"وبعدين! آخرة الخناقة دي ايه بقى؟ هنفضل نزعق ونصوت كتير كده ونرجع لنقطة البداية تاني؟!" استمعت لزفرة لينا من على الطرف الآخر "أنتي لو مكنتيش لسه بتحبيه وعايزة ترجعيله مكنتيش سكتي، مكنتيش سمعتيني أصلاً، صح ولا أنا غلطانة؟"
استمعت إليها لينا وبالرغم من أن جيهان تتحدث بالحقيقة إلا إنها لا يزال بداخلها ذلك الجزء الرافض كل الرفض للإستسلام السريع لفكرة أن تتحدث له مرة أخرى وأن يعودا سوياً وكأن شيئاً لم يكن
"ماشي، ربنا يسهل!" أخبرتها في النهاية بإقتضاب
"هتنامي؟"
"لا يا جي جي النهاردة الخميس وبكرة أجازة وعايزة أسهر شوية"
"ماشي يا ستي، بس متطوليش في السهر أوي لا نومك يتقلب"
"حاضر، باي"
"باي يا حبيبتي"
أنهت المكالمة لتطلق زفيراً مطولاً وأستغرقت في التفكير وأعادت كل كلمات والدتها برأسها مرة أخرى وهي بالرغم من شوقها إليه ويومها الذي بات غريباً دون وجود صهيب به إلا أنها لن تستطيع التعامل معه طالما يُفكر ويأخذ قرارات غريبة لا تفهمها هي، إما عليهما الوصول إلي نقطة من التفاهم وإلا لن تكون بينهما علاقة أبداً!
❈-❈-❈
"صاحي؟" تحدث أمجد مستفسراً بعدما طرق باب غرفة صهيب وقد أتاه صوت الأخير بالسماح بالدخول
"أيوة يا بابا أتفضل"
"هتفضل بقى مشغل mode مائة عام من العزلة ده لغاية امتى؟" تنهد صهيب في إرهاق ثم شرد بالفراغ
"ولا mode ولا حاجة، أنا عادي اهو"
"عادي!" كرر أمجد كلمته بقليل من الإندهاش "طيب هصدقك، قولي بقى ناوي تعمل إيه مع لـ"
"بابا لو سمحت أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده" قاطعه قبل أن يُكمل سؤاله
"آه ما هو واضح إن بقالك فترة مش عايز تتكلم في الموضوع، وبعدين؟! ناوي تتكلم امتى؟" زفر صهيب في تآفف وهو لا يريد من كلمات أمجد والده أن تزيد تلك الأفكار المتضاربة برأسه، فهو بالرغم من إرادته بالتحدث بالأمر إلا أنه في نفس الوقت يشعر بأن تصرفه كان خاطئاً ولكنه بقرارة نفسه لم يقصد شيئاً، كل ما أراده هو السكوت والتفكير بالأمر ليس إلا بينما لينا أخذت كل ذلك على محمل آخر تماماً
"يعني خلاص أنت ولينا فركش فعلاً؟ لو حد يحب يتقدملها أقابـ"
"بابا الله يكرمك متنرفزنيش!" قاطعه بحنق ليبتسم أمجد في هدوء وهو يتفقد ملامحه التي تحولت للغضب من غيرته الشديدة
"واتضايقت اوي كده ليه؟" سأله بهدوء مستفز لتمتعض ملامح صهيب أكثر وينفجر بنبرة غاضبة وعقدة حاجبان تبرهن غضبه
"علشان محدش فاهمني، محدش فاهم ولا عارف إيه اللي حصل وكلكوا حكمتوا عليا خلاص إني شكيت فيها، بس كلكوا غلط"
"طب ما تفهمني بدل ما أنت ساكت كده" استفزه هدوء والده ليرمقه بمزيد من العصبية
"أنا أستحالة أشك إن لينا كانت تعرف حد، وحتى لو كانت تعرف فده من حقها يعني لينا طول عمرها اللي فات من الطبيعي إنها تتعرف على حد، وكانت هي ممكن تقولي أو حتى طنط جيهان كانت هتقولي وتصارحني بكل حاجة لأنها من يوم ما عرفت إحساسي من ناحية بنتها صارحتني بكل حاجة، أنا كل اللي عملته إني سكت، وكل اللي قولته يومها يالا علشان نروح، أنا كل تفكيري راح في إن مين اللي ممكن يعمل كده، ومين اللي عايزها تنزل من نظري بالشكل ده، ومتوقعتش منها ردة الفعل اللي هي عملتها فده صعب الموضوع عليا، كل اللي كنت محتاجه هو شوية وقت، لكن هي بوظت كل حاجة باللي عملته، وكلكوا حكمتوا عليا إني غلطان وأنا أصلاً مقولتلهاش ولو كلمة"
انتهى من حديثه لوالده بأنفاس متسارعة ولا يزال غضبه مصاحباً إياه وهو ينظر لوالده بأعين صارخة ببراءته من هذا الإعتقاد وكل تلك الظنون التي سارع بها الجميع وهم يحكمون عليه بها ليرمقه والده بإبتسامة هادئة وتفحصه ليتعلى غضب صهيب
"أنت بتضحك يا بابا؟!" سأله بعدم تصديق واعتلت ملامحه الدهشة
"آه بضحك يا عبيط يا أهبل، بضحك عليك علشان أنت سايبها كده ومفهمتهاش كل ده، مع إن لو كنت قولتلها الكلمتين دول وقتها كنت ممكن بمنتهى السهولة تعدي الموضوع بضحك وهزار" عاد صهيب ليعقد حاجباه مجدداً مرة أخرى
"صهيب يا حبيبي، الستات والبنات مبينفعش معاهم الأسلوب ده، مش بيفهموا بُعدنا أو سكوتنا بالذات في المواقف الحساسة اللي زي دي، يعني لو كنت قولتلها يا لينا أنا واثق فيكي وكل الكلام اللي سمعته ده مهزش صورتك في عنيا وأنتي عندي زي ما أنتي وبحبك كان الموضوع خلص، وبعدها بقى كنت روح دور براحتك وشوف مين اللي عمل كده" انهى أمجد كلماته ليزفر صهيب بقلة حيلة وشعر بكم هو صغير للغاية أمام والده بل وأمام لينا نفسها
"أهو اللي حصل بقى، بس أنا مكنتش أقصد اللي هي فهمته ده، أنا بس كنت عايز أعرف مين اللي ورا كل ده" تحدث بنبرة هادئة مستسلمة للغاية عاكست نبرته الغاضبة منذ قليل
"طب ويا ترى المحقق كونان عرف مين اللي عمل الحركة التافهة دي؟!"
"كونان!!" تحدث معقباً على كلماته بسخرية "طبعاً عرفت" أخبره بإنتصار
"طب ما تحكي، ولا ناوي تسكت برضو المرادي؟"
"لا هاحكيلك"
يُتبع..
ابتسم صهيب إليها ثم دلف ووضع كلتا يداه بجيبيه ليسمع ارتطام باب شقتها ليدرك أنها لا تمانع التواجد معه وحدهما فهي كالعادة لا تزال لا تكترث سوى لما تريده فقط!
"اتفضل" آتت لتقف أمامه ثم أشارت إلي احدى الأرائك ليجلس صهيب وهو يحاول بمجهود لم تدركه هي أن يتحكم بملامح وجهه ليبدو تلقائياً
"إيه الغيبة الطويلة دي؟ مبتسأليش يعني من يوم ما مشيتي، مش كنت أنا أقرب واحد ليكي؟" سألها وهو يتفقدها بعناية بينما كان يتهكم بداخله
"معلش اتشغلت شوية" ابتسمت له تلك الإبتسامة التي يكرهها بينما قد يجدها العديد من الرجال ساحرة للغاية
"هو انتي سيبتي البنك ليه صحيح؟" سألها وهو يدعي عدم المعرفة
"يعني.. جالي فُرصة احسن" توسعت ابتسامتها مجدداً ليدرك صهيب كذبها الصريح "بجد أنا مبسوطة أوي إني شوفتك، وده نساني أسألك، تشرب إيه؟" بالطبع لن تقابله بجدال أو عراك كلامي فهذا كل مالا تريده أن يحدث معه ولن تأتي بذكر الأمر أمامه أبداً فهي تريد استغلال كل فرصة للتقرب منه
"لا مالوش لزوم" بادلها الإبتسامة ليجاريها بتلك اللعبة السخيفة لقليل من الوقت "أنا بصراحة جايلك علشان اخد رأيك كده في حاجة"
"حاجة! حاجة إيه؟" هزت كتفيها بتلقائية
"إيه رأيك في لينا؟" قطبت جبينها بعدما رُفعا حاجبيها بتلقائية من ذلك السؤال ليطنب صهيب بالمزيد "يعني، أنتي تقريباً صاحبتي البنت الوحيدة اللي ممكن أكلمها بمنتهى الصراحة في الموضوع ده، وغير إنك من ساعة ما مشيتي حصل حاجات كتيرة والمشاكل زادت ما بيننا" توقف من تلقاء نفسه مُدعي النسيان "آه نسيت أقولك، أنا خطبتها ولسه سايبين بعض من كام يوم" ادعى الحزن لتظهر ملامح التعجب على وجه سمر
"ممم، مش عارفة أقولك مبروك ولا معلش" ادعت التظاهر بينما هي من اعدت لكل ما يحدث الآن ولكن لم يكن بحسبانها أن ما فعلته قد يأتي بصهيب إلي منزلها ليجلس أمامها الآن
"ازاي أنا غبي كده، أكيد عرفتي من الفيسبوك" تظاهر بالتشتت
"لا مخدتش بالي بصراحة" ادعت هي الأخرى أنها لا تعلم شيئاً عن الأمر
"المهم اتخطبنا، لأن ده كان لازم يحصل بما إننا قاعدين في بيت واحد، ومفيش اسبوع من الخطوبة لقيتها كانت على علاقة بواحد تاني مكنتش قايلالي عليه، ودلوقتي بتقول إن ده محصلش، بصراحة مش عارف اصدقها ولا أصدق الإنسان اللي جه وواجهها قدامي، حاسس إني متلخبط وأنتي عارفة إن أنا وأكرم اصحاب، لما اخدت رأيه بيقول إن مفيش حد هيعمل كده إلا لو فعلاً كانوا يعرفوا بعض، أنتي رأيك إيه؟، يعني، أنتي عارفة إنك انتي وأكرم اكتر اتنين باتكلم معاهم!" ادعى الحيرة لتبتلع سمر وشعرت أنها بموقف غريب وانتقت كلماتها بعناية ليلاحظ صهيب توترها
"بصراحة، أنا اخاف أقولك حاجة وتتصرف على أساسها، يعني لو قولتلك أكيد الشخص ده كداب ممكن أكون بظلمه ولو قولتلك كلامه صح يبقى بظلم لينا، أنت فاهمني يا صهيب؟" سألته ثم نهضت لتجلس بجانبه على الأريكة ولم يتحرك هو بينما تابعها برماديتيه "هو إيه اللي حصل بالظبط؟" ادعت الإهتمام الزائف وتأثرت ملامحها بينما بداخلها انفجرت من السعادة لمعرفة أنهما ليس بخير
"مفيش" ابتلع في تردد ثم عقد حاجباه "كنا قاعدين سوا، خارجين يعني وفجأة جه واحد اسمه تامر وكان مصور كلام ما بينهم وفضل يعاتبها بالكلام وكان بيحذرني منها" تظاهر بالإنزعاج لتبدو هي الأخرى متأثرة
"غريبة اوي الحكاية دي، بس، مين يعني اللي هيفبرك كلام، وبعدين" حمحمت وهي تبعد احدى خصلاتها خلف اذنها "هيكون إيه مصلحته إنه يحطها قدامك في موقف زي ده إلا لو" حمحمت مجدداً في تردد زائف لينظر إليها صهيب في إدراك لما لم تتفوه به
"تقصدي تقولي إنهم يعني كانوا بيحبوا بعض وهي مخبية عليا؟"
"بصراحة آه" أومأت له ولكنها أرادت أن تبدو هي الأفضل من لينا وكذلك لتبعد الشك عن عقل صهيب "بس يعني يا صهيب لو هي بتحبك وسابته يبقى خلاص يعني، وبعدين هي صغيرة وأكيد مختارتش صح من الأول" تظاهر بالغضب
"ازاي يعني، وازاي تخبي عليا، أنا سألتها كذا مرة عن الموضوع ده وهي قالت إن مكنش فيه حد قبلي" حدثها بإنفعال ليجدها تتلمس ذراعه في تعاطف زيفته ببراعة
"اهدى يا صهيب، بلاش تتعصب، مالوش لزوم"
"ازاي يعني مش عايزاني اتعصب، هو إيه أنتي وأكرم كده عايزيني اخد الموضوع عادي وكأن مفيش حاجة حصلت؟" حدثها بمزيد من الإنزعاج الذي زيفه لتقترب هي منه أكثر
"أكيد طبعاً لأ، بس لو هي اختارت تخبي عليك حاجة زي دي تبقى متستاهلش حد زيك" بدأت أناملها تتحرك على ذراعه بتلك الطريقة المُقززة التي يبدو أنها لن تتوقف عنها أبداً "صهيب أنت آلف واحدة تتمناك، وتستحق حد احسن منها، واديك شوفت اهو بالصدفة عرفت كل حاجة، يمكن نصيبك مع حد غيرها، حد بيحبك بجد وبيقدرك وعمره ما هيخبي عليك حاجة" همست إليه وهي تتفقد ملامحه التي حُفرت بعقلها ولا تتركه أبداً وبداخلها تتمنى أن يُصبح صهيب لها لتُفرض مشاعرها السيطرة على الموقف وهو قريب للغاية منها هكذا
"أنا لاحظت إن فيه حاجة بينكو وبين بعض لما جيتلك البيت قبل الترقية بتاعتك، بصراحة حسيتها صغيرة اوي ومش عاقلة وحسيت إنك تستاهل اللي احسن منها، بس مرضتش ادخل أو اتكلم علشان متفهمنيش غلط" أخبرته وبدأ ذلك الهوس في التحكم بها "بص حواليك، هتلاقي اللي يستحقك وبيحبك بجد يا صهيب، والمفروض متزعلش أبداً إن ده حصل بالعكس، المفروض تقول كويس إن ده حصل علشان عرفت الحقيقة اللي خبتها عليك وكويس إن الموضوع موصلش لجواز" أخذت عيناها تتفقد ملامحه وشعرت أن كل ما تريده هو احتضانه لتشعر بدفء صدره، إن كانت تدرك أنه سيكون حزيناً هكذا لما كانت فعلتها، للحظة شعرت بتأنيب الضمير لما وصل له الآن ولكنها ستفعل أي شيء حتى يُصبح لها وحدها
"عندك حق يا سمر" همس في إدراك وكأنه صدق كلماتها وأومأ برأسه في تفهم ثم نهض "شكراً إنك خلتيني افهم الموضوع أكتر، واضح إني غبي وكنت مشدود ليها زيادة عن اللزوم" أخبرها ليجدها تنهض هي الأخرى
"أكيد ربنا هيعوضك بالأحسن منها" تفقدته ليبتسم هو بإقتضاب وعينتيها تصرخ بألا يذهب
"إن شاء الله.. بس عارفة، حاسس إن فيه حاجة غلط، عايز أتأكد بردو، فيه حاجة من جوايا مش مريحاني، زي ما يكون فيه حاجة جوايا بتقولي الموضوع ده كله حوار أصلاً" ثبطت كلماته ذلك الشعور المتوهج بداخلها لتتنهد هي بملل وعادت مجدداً لحالتها الطبيعية بعد أن سيطرت عليها مشاعرها منذ وهلة
"تتأكد من إيه بالظبط؟" سألته وهي تريد أن تعرف ما يخطط إليه
"يعني أتأكد مين الشاب ده وعلاقتهم ببعض إيه ويعرفوا بعض من امتى" حدثها وهو يدعي التلقائية لترفع هي احدى حاجبيها ولم تلاحظ أن غضبها بات يسيطر عليها
"وهتتأكد ازاي يعني؟" حاولت أن تتحكم في هذا الغضب ولكن لاحظه صهيب
"انتي عارفة إن أكرم خطيبته وأهلها ليهم معارف يعني في الشرطة وكده، ممكن يعرفوا كل حاجة عنه بسهولة ومظنش أكرم هيرفض يساعدني، وممكن ساعتها أعرف إذا كان بيتكلم جد ولا لأ" أخبرها دون ملامح واضحة على وجهه لترتبك ولكنها حاولت أن تتحكم في انفعلاتها
"شرطة!" تمتمت في تعقيب على كلماته "الموضوع يعني مش مستاهل كل ده يا صهيب، ممكن تـ" تحدثت ببطء بينما لم يُعطها صهيب فرصة لإكمال حديثها
"أنا بقا هاعرف إذا كان الكلام ده بجد ولا مين اللي وراه" تحدث بإنزعاج ولكنه اراد أن يهددها ليس أكثر "ساعتها لو كلام الشخص اللزج ده طلع غلط مش هاسيب اللي عمل كده في حاله" ابتلعت هي في توتر وحاولت التفكير بسرعة في أي شيء لتخبره إياه عساه أن يعود عمّا برأسه!
❈-❈-❈
"أنتي صعبانة عليا كده والله، وقولتلك لو حابة ممكن اقعد معاكي انتي ولينا كام يوم في البيت بدل ما انتي يوم هنا ويوم هناك" حدثها أمجد وهو ينظر نحوها بتعاطف وحنان لتتنهد جيهان
"لا متقلقش، أنا تمام وقادرة اروح واجي كل يوم وده بيتي وده بيتي وكلها فترة وهتعدي إن شاء الله"
"يارب يا جي جي، أنا مش حابب أشوف صهيب ولينا كده" تأثرت ملامحه لتبتسم إليه جيهان بإقتضاب
"بُكرة يتصالحو" أخبرته ثم ربتت على يده في تأكيد
"هو فيه حاجة أنا مش عارفها ولا إيه؟" عقد حاجباه بإستفسار
"بصراحة أنا كلمت صهيب" أخبرته بالنهاية فلقد كان آبياً لمجرد فكرة التحدث معه
"بردو عملتي كده!" أخبرها بنبرة تحمل القليل من اللوم
"ما هو يا أمجد ما ينفعش تسمع لينا بس ومتسمعش صهيب"
"أنا قررت إني مش هاكلمه ولا أسأله عن الموضوع غير لما يجي هو ويفهمني كل حاجة، وكمان اللي عمله ميبينش غير حاجة واحدة واللي هي إنه مصدق على لينا كل الكلام اللي اتقاله" امتعضت ملامحه بالنهاية وظهر عليه الإنزعاج بوضوح لتحمحم جيهان في تردد
"معلش علشان خاطري حاول تديله فرصة وتفهم الموضوع من وجهة نظره هو، يمكن يكون معاه حق" همست إليه بهدوء ليتفقدها مٌفكراً وبالرغم من أنه غاضب من صهيب إلا أن شعوره بإبنه الوحيد وذلك الجفاء الذي بات بينهما مؤخراً كان يبغضه للغاية
"قالك إيه يا جيهان؟" سألها لترى ذلك الشوق في عيناه لمعرفة ما قد يظنه صهيب ليلاحظ تلك النظرة التي تنظر إليه بها "انسي، لو مقولتليش مش هاروح علشان أعرف منه! يا تقوليلي انتي يا إما خلاص مش عايز أعرف حاجة!"
"لينا فهمته غلط" أخبرته ليعقد حاجباه في تعجب "هو بعد كل اللي سمعه قالها هنروح، صهيب كان عايز يعرف مين اللي ورا كل اللي حصل ومين اللي بيعمل كده، هو غلط لما سكت طبعاً وموضحش هو فاهم إيه وهي اتسرعت وبعدت وقفلت على نفسها، بصراحة، أنا شايفة إن صهيب محتاجك جانبه، بلاش تاخد موقف عدائي معاه" أخبرته ليشعر أمجد بالحيرة بينما تابعت لتؤكد على كلماتها
"صهيب يا أمجد صغير، ولينا أصغر منه، الاتنين أنا متأكدة إنهم بيحبوا بعض، بس لسه موصلوش لدرجة النضوج والتفكير بهدوء ولسه مبيعرفوش يتفاهموا، معلش بس لينا بنتي خبرتها في الحياة وفي العلاقات تكاد تكون معدومة، أكتر من الروايات اللي بتقراها دي متعرفش أي حاجة عن علاقة الراجل والست، مشافتنيش مثلاً وأنا بتعامل مع باباها الله يرحمه، ولا عندها أخت كبيرة تتعلم منها، ونفس الكلام صهيب، تقريباً عمره ما كان بيحب بنت بجد غيرها ومعرفش حد وقربله غيرها.. همّ بس الاتنين محتاجين يعقلوا، والحمد لله إني أنا وأنت موجودين جانبهم، يعني، كلمتين مني وكلمتين منك يمكن كل واحد يفهم غلطه"
انتهت من حديثها لتنظر له بعسليتان مترقبتان مستفسرتان، هل استجاب لذلك الإقتراح أم لا، وهل سيكون عليها الإطناب بالمزيد أم أن أمجد قد تقبل الأمر!
"أنتي عندك حق، كلامك صح" ابتسمت إليه وهي تزفر في راحة
"صهيب مالهوش غيرك، مش معنى إني قربت منه وبقدر اتكلم معاه يبقى أنت تبعد عنه، وصدقني هو محتاج كلمتين منك يفهموه حاجات كتيرة أوي ويفتحوا عينه وعقله وحتى يبدأ يعرف ازاي يتصرف مع كل اللي بيحصل" تنهد أمجد وشعر بقليل من اللوم تجاه نفسه ولكنه نظر يتفقدها بتقدير شديد ليقترب مُقبلاً جبهتها في رقة وأطال قُبلته
"أنا بحبك اوي"
"طب ما أنا عارفة" أخبرته في دلال وهزت احدى كتفيها بينما امتلئت نبرتها بالثقة "مش هاتروح بقى تتكلم معاه وتلحقه قبل ما ينام؟"
"طب هتكلمي لينا؟" أومأت إليه بالموافقة "وهتقنعيها ترجعله؟"
"هي حرة، أنا بس هحاول اوضحلها كام حاجة مش واخدة بالها منها، أنا عموماً كنت سايباها تهدى شوية وتجرب تبعد عنه، بس بنتي اللي اعرفها ومربياها شكلها مش تمام ومش طبيعية أبداً، بتحبه وهي مش شايفة ده"
"ويا ترى بتحبه زي ما انتي بتحبيني ولا أكتر شوية؟" سألها بنبرة مازحة ثم غمز لها ليقترب إليها وأدركت أنه شارف على تقبيلها
"أمشي يا أمجد روح شوف صهيب" دفعته بلطف لتتوسع ابتسامته
"ماشي، وانتي كلمي لينا، ومتناميش غير لما اخلص معاه"
"يا سلام! اشمعنى يعني؟" تصنعت عدم الإدراك
"علشان أعرف قولتي للينا إيه بالظبط" غمز لها مرة أخرى
"أمشي يا أمجد وسيب اللي في دماغك ده لبعدين" ابتسمت إليه "أنا رايحة أكلم لينا" غادرته مسرعة دون أن تعطيه الفرصة للتحدث بينما استمعت لزفرته خلفها لتذهب بإبتسامة لم تغادر شفتاها حتى تتحدث لإبنتها..
❈-❈-❈
"اسكتي.. مش نزل جزء جديد من رواية شهاب؟" حدثتها رولا بحماس شديد
"بجد.. هبقى اقراه" زفرت رولا في إرهاق
"يا لينا أنا عملالك قرد بقالي كام يوم، وانتي بردو لسه زعلانة"
"هفك، اديني شوية بس"
"يعني ايه يعني، هتبقي كئيبة علشان سي صهيب ده"
"رولا بقى ماخلاص" زفرت في سأم بينما استمعت كليهما لصوت مكالمة تقطع مكالمتهما "طيب بقولك ماما بتكلمني.. هاخلص معاكي واكلمك"
"ماشي هستناكي"
"أيوة يا ماما"
"حبيبتي عاملة إيه النهاردة؟"
"تمام" حدثتها بإقتضاب
"والدنيا كانت حلوة النهاردة في الجامعة؟"
"العادي يعني يا ماما" اخبرتها بسأم
"يعني مفيش خناقة مع دكتور مثلاً، حوار مع واحدة صاحبتك على ولد، جواب فصل من الكلية لمدة اسبوعين ولا حاجة" اخبرتها بنبرة حماسية مازحة
"لا اطمني مفيش"
"عيشي سنك يا بنتي، المفروض اليومين دول بتوع البلاوي، مش مستنية منك تكوني مثالية"
"بلاوي! ما خلاص جبتلك البلاوي وكل واحدة مننا في بيت" تحدثت بنبرة حزينة لا تتوافق مع مزاح والدتها
"لا، أنا بجيلك يوم وعند أمجد يوم، مش كل واحدة مننا في بيت ولا حاجة، وبعدين انتي مديتلهوش فرصة إنه يشرحلك الـ"
"ماما لو سمحتي!" قاطعتها بإنزعاج "مش كل شوية بقى حد هيكلمني على اللي حصل، أنا خلاص الموضوع ده بالنسبالي انتهى وصفحة وقلبتها وخلصنا، مش هافضل كل شوية تجيبيلي سيرة اللي حصل وسيرته هو كمان" تحدثت بإنفعال لتتنهد جيهان في آسى
"لينا يا حبيبتي انتو مفيش ما بينكم تفاهم، أنتي اخدتي في وشك وروحتي علشان بس قالك هنروح البيت، وهو كمان مفسرش ولا شرح ولا بَين هو فهم ايه او حس بإيه، أنا شايفة من وجهة نظري يعني إنكو لازم تتكلموا مرة تانية"
"ماما أنا مش هادي فرص تاني، كفاية أوي اللي كان واضح عليه، كان بيبصلي زي ما أكون خونته مثلاً أو خبيت عليه بجد، والموضوع أصلاً كله حوار، فأنا بقى مبقاش عندي استعداد ولا قدرة تحمل أكتر من كده"
"لي لي، انتي عارفة إني مش بحب اضغط عليكي في حاجة وبحترم كل قراراتك واختياراتك، لما جيتي قولتيلي إنك حاسة بحاجة من ناحية صهيب أنا وافقتك، ولما قولتيلي إنك مش ممانعة الخطوبة أنا وافقتك، ولو شايفة إنه مش مناسب ليكي، أنا بردو هوافقك ما دام ده قرارك ودي خُلاصة تفكيرك وإنك فعلاً مش قادرة تستحملي أكتر من كده، بس أنا هقولك رأيي وخبرتي في الدنيا دي لأني معنديش حد اعز منك أقوله الكلام ده" تريثت لبرهة لترى ما إن كانت لينا ستتجادل مجدداً أم لا ولكن وجدتها مُصغية
"صهيب أتسرع ورد فعله مكانش واضح، وأنتي اتسرعتي ومديتيش فرصة ليه وقطعتي كل فرصة ممكن تجمعكوا مع بعض، ده بالنسبة للي حصل، وبالنسبة لكل مشاكلكوا يا لينا هي واقفة على عدم التفاهم وعدم التفكير، انتو الاتنين متسرعين ومش بتاخدوا وقت تفهموا بعض، رأيي إنكوا تاخدوا فرصة مع بعض، وقبل ما ترفضي أو تقبلي افتكري إن ده مجرد رأيي، ممكن تختلفي معايا أو تتفقي معايا بس في الأول وفي الآخر القرار ليكي ومحدش هيجبرك على حاجة، وأنا مش صفه ولا في صفك، أنا بعز صهيب وانتي عندي اغلى حاجة في حياتي، وقدام بعد سنين لما تتأكدي إنك بعدتي عنه بسبب إن مفيش بينكم تفاهم وتحسي إنه كان موضوع تافه وعبيط اوي وشوية كلام كانوا ممكن يرجعوكوا لبعض تاني ممكن تندمي لأن يا لينا الحب الأول في حياة أي حد بيسيب علامة عمرها ما بتروح"
توقفت عن الحديث بينما شردت لينا بعدما استمعت لكلمات والدتها في تأني وقد أدركت من نبرتها أنها لا تسترضيها، لا تُفضل شخص على آخر، ليس فقط لأنها ابنتها وليس لأنها تريد أن تُزوجها، تلك الطريقة ليست طريقة تفكيرها على كل حال، ولكن ملامحه الغاضبة، كلماته المقتضبة، رماديتاه وهي تتفقد تلك الأوراق المطبوع بها تلك المحادثة، كلماته التي لا يُفكر بها قبل أن يتفوه بها ويلقيها في وجهها دون إكتراث لمعناها الحقيقي او أثرها عليها، هل حقاً عليها المحاولة معه مرة أخرى أم أن كل ما فعله لا يستحق منها أية فرص؟
"لينا" نادتها جيهان من على الطرف الآخر
"أيوة يا ماما معاكي"
"إيه، كلامي ضايقك؟" سألتها لتحاول تبين هل غيرت كلماتها شيئاً ما أم لا يزال موقفها لم يتغير
"لا مضايقنيش ولا حاجة، أنا بس حاسة إني" توقفت من تلقاء نفسها
"متلخبطة!" اجابت جيهان بدلاً عنها
"الفكرة إني مش متلخبطة وبس، الفكرة إني عايزة اخد موقف منه علشان مينفعش نفضل في خناق وعدم تفاهم سنين جاية كتير ده إذا كان ناوي يتناقش ويعتذر ويفهم غلطه وميكررهوش" أطلقت جيهان نفساً كانت تسجنه ولكن عندما سمعتها تتحدث هكذا اطمئنت قليلاً
"يعني هتـ"
"سيبيني يا ماما اخد وقتي واشوف هو هيتصرف ازاي ساعتها ممكن ابقى ادي الموضوع فرصة تانية، بس بردو بعد ما احس إن فيه تغير من ناحيته وبعد ما اشوف التغير ده وكمان يوريني هيعمل إيه لو لسه عايز الموضوع أصلاً" قاطعتها بنبرة لن تتقبل المزيد من النقاش
"تمام، فكري براحتك وخدي كل الوقت اللي انتي عايزاه ومحدش أكيد هيجبرك على حاجة"
"شكراً يا جي جي"
"شكراً يا جي جي" حدثتها بتهكم وهي تقلد نبرتها "أنتي هبلة يا بنتي؟"
"هي بس افكرة إني، صهيب، يعني، هو تفكيره غريب بصراحة ومعندوش اي صبر وبيتسرع و"
"وانتي كمان بتتسرعي وأنا وانتي عارفين كده" قاطعتها لتتنهد لينا في سأم لتصديقها كلمات والدتها ولكن شعرت مرة أخرى بالإندفاعية
"بس هو يا ماما انتي لو شوفتيه وهو بيسمع الولد اللي جه ده ولا لما بيصدق عليا أي حاجة زي الاهبل كده من غير تفكير هتقولي استحالة اكمل معاه لحظة واحدة!"
"يبقى الحل إنكو تتكلموا بهدوء وتشوفوا الأمور ما بينكم هتطور لإيه يا حصل تغير يا محصلش، ولازم تتفقوا بمنتهى الصراحة لغة الحوار ما بينكم هتبقى ازاي علشان لما أي موقف يحصل في المستقبل متبعدوش عن بعض وتتخانقوا زي كل مرة، وبعدين لسه قدامك فترة كبيرة تحددي فيها إذا كنتوا هتكملوا سوا ولا لأ، أظن على الأقل تلت سنين"
"ماشي، بس لعلمك بقى المرادي غير المرات اللي فاتت، وهنكد عليه، وهلففه ورايا لغاية ما يعرف غلطته" حدثتها بتحفز وتحولت نبرتها لآخرى منفعلة
"وأنا معاكي، بس بعقل وبطلي جنان"
"على فكرة مغلطتش، هو اللي ابتدى، هو دايماً اللي بيبتدي وبيفهم كل حاجة غلط" أخبرتها بتحدي
"اللي مش فاهم نفهمه يا مجنناني"
"يا سلام! ما انا كلمته أكتر من مرة بس هو اللي مفيش فايدة في دماغه الجزمة"
"وبعدين! آخرة الخناقة دي ايه بقى؟ هنفضل نزعق ونصوت كتير كده ونرجع لنقطة البداية تاني؟!" استمعت لزفرة لينا من على الطرف الآخر "أنتي لو مكنتيش لسه بتحبيه وعايزة ترجعيله مكنتيش سكتي، مكنتيش سمعتيني أصلاً، صح ولا أنا غلطانة؟"
استمعت إليها لينا وبالرغم من أن جيهان تتحدث بالحقيقة إلا إنها لا يزال بداخلها ذلك الجزء الرافض كل الرفض للإستسلام السريع لفكرة أن تتحدث له مرة أخرى وأن يعودا سوياً وكأن شيئاً لم يكن
"ماشي، ربنا يسهل!" أخبرتها في النهاية بإقتضاب
"هتنامي؟"
"لا يا جي جي النهاردة الخميس وبكرة أجازة وعايزة أسهر شوية"
"ماشي يا ستي، بس متطوليش في السهر أوي لا نومك يتقلب"
"حاضر، باي"
"باي يا حبيبتي"
أنهت المكالمة لتطلق زفيراً مطولاً وأستغرقت في التفكير وأعادت كل كلمات والدتها برأسها مرة أخرى وهي بالرغم من شوقها إليه ويومها الذي بات غريباً دون وجود صهيب به إلا أنها لن تستطيع التعامل معه طالما يُفكر ويأخذ قرارات غريبة لا تفهمها هي، إما عليهما الوصول إلي نقطة من التفاهم وإلا لن تكون بينهما علاقة أبداً!
❈-❈-❈
"صاحي؟" تحدث أمجد مستفسراً بعدما طرق باب غرفة صهيب وقد أتاه صوت الأخير بالسماح بالدخول
"أيوة يا بابا أتفضل"
"هتفضل بقى مشغل mode مائة عام من العزلة ده لغاية امتى؟" تنهد صهيب في إرهاق ثم شرد بالفراغ
"ولا mode ولا حاجة، أنا عادي اهو"
"عادي!" كرر أمجد كلمته بقليل من الإندهاش "طيب هصدقك، قولي بقى ناوي تعمل إيه مع لـ"
"بابا لو سمحت أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده" قاطعه قبل أن يُكمل سؤاله
"آه ما هو واضح إن بقالك فترة مش عايز تتكلم في الموضوع، وبعدين؟! ناوي تتكلم امتى؟" زفر صهيب في تآفف وهو لا يريد من كلمات أمجد والده أن تزيد تلك الأفكار المتضاربة برأسه، فهو بالرغم من إرادته بالتحدث بالأمر إلا أنه في نفس الوقت يشعر بأن تصرفه كان خاطئاً ولكنه بقرارة نفسه لم يقصد شيئاً، كل ما أراده هو السكوت والتفكير بالأمر ليس إلا بينما لينا أخذت كل ذلك على محمل آخر تماماً
"يعني خلاص أنت ولينا فركش فعلاً؟ لو حد يحب يتقدملها أقابـ"
"بابا الله يكرمك متنرفزنيش!" قاطعه بحنق ليبتسم أمجد في هدوء وهو يتفقد ملامحه التي تحولت للغضب من غيرته الشديدة
"واتضايقت اوي كده ليه؟" سأله بهدوء مستفز لتمتعض ملامح صهيب أكثر وينفجر بنبرة غاضبة وعقدة حاجبان تبرهن غضبه
"علشان محدش فاهمني، محدش فاهم ولا عارف إيه اللي حصل وكلكوا حكمتوا عليا خلاص إني شكيت فيها، بس كلكوا غلط"
"طب ما تفهمني بدل ما أنت ساكت كده" استفزه هدوء والده ليرمقه بمزيد من العصبية
"أنا أستحالة أشك إن لينا كانت تعرف حد، وحتى لو كانت تعرف فده من حقها يعني لينا طول عمرها اللي فات من الطبيعي إنها تتعرف على حد، وكانت هي ممكن تقولي أو حتى طنط جيهان كانت هتقولي وتصارحني بكل حاجة لأنها من يوم ما عرفت إحساسي من ناحية بنتها صارحتني بكل حاجة، أنا كل اللي عملته إني سكت، وكل اللي قولته يومها يالا علشان نروح، أنا كل تفكيري راح في إن مين اللي ممكن يعمل كده، ومين اللي عايزها تنزل من نظري بالشكل ده، ومتوقعتش منها ردة الفعل اللي هي عملتها فده صعب الموضوع عليا، كل اللي كنت محتاجه هو شوية وقت، لكن هي بوظت كل حاجة باللي عملته، وكلكوا حكمتوا عليا إني غلطان وأنا أصلاً مقولتلهاش ولو كلمة"
انتهى من حديثه لوالده بأنفاس متسارعة ولا يزال غضبه مصاحباً إياه وهو ينظر لوالده بأعين صارخة ببراءته من هذا الإعتقاد وكل تلك الظنون التي سارع بها الجميع وهم يحكمون عليه بها ليرمقه والده بإبتسامة هادئة وتفحصه ليتعلى غضب صهيب
"أنت بتضحك يا بابا؟!" سأله بعدم تصديق واعتلت ملامحه الدهشة
"آه بضحك يا عبيط يا أهبل، بضحك عليك علشان أنت سايبها كده ومفهمتهاش كل ده، مع إن لو كنت قولتلها الكلمتين دول وقتها كنت ممكن بمنتهى السهولة تعدي الموضوع بضحك وهزار" عاد صهيب ليعقد حاجباه مجدداً مرة أخرى
"صهيب يا حبيبي، الستات والبنات مبينفعش معاهم الأسلوب ده، مش بيفهموا بُعدنا أو سكوتنا بالذات في المواقف الحساسة اللي زي دي، يعني لو كنت قولتلها يا لينا أنا واثق فيكي وكل الكلام اللي سمعته ده مهزش صورتك في عنيا وأنتي عندي زي ما أنتي وبحبك كان الموضوع خلص، وبعدها بقى كنت روح دور براحتك وشوف مين اللي عمل كده" انهى أمجد كلماته ليزفر صهيب بقلة حيلة وشعر بكم هو صغير للغاية أمام والده بل وأمام لينا نفسها
"أهو اللي حصل بقى، بس أنا مكنتش أقصد اللي هي فهمته ده، أنا بس كنت عايز أعرف مين اللي ورا كل ده" تحدث بنبرة هادئة مستسلمة للغاية عاكست نبرته الغاضبة منذ قليل
"طب ويا ترى المحقق كونان عرف مين اللي عمل الحركة التافهة دي؟!"
"كونان!!" تحدث معقباً على كلماته بسخرية "طبعاً عرفت" أخبره بإنتصار
"طب ما تحكي، ولا ناوي تسكت برضو المرادي؟"
"لا هاحكيلك"
يُتبع..