-->

الفصل الخامس والعشرون والأخير - عشق ناضج وعشق مجنون

 


الفصل الخامس والعشرون والأخير


"تفتكر زمانهم اتصالحو؟" سألته جيهان وهما يجلسان بشرفة غرفتهما 

"هتغلبوا شوية وهو هيتحايل عليها وهيرجعوا سمنة على عسل، متقلقيش.." أخبرها بثقة 

"ده إيه الثقة الجامدة دي كلها؟" رفعت احدى حاجباها في استفسار 

"صهيب بيحب لينا اوي، أنا متأكد من ده علشان عمري ما شوفته زي ما شوفته وأنا بس بجيب سيرتها قدامه، ولينا كمان بتحبه جداً، قريت ده بسهولة اوي في عينيها، وكل اللي حصل كان مجرد سوء تفاهم وهيعدي أكيد"

"لا أنا مش فاهمة حاجة، بلاش الألغاز دي واحكيلي، إيه اللي كان سوء تفاهم بالظبط؟" ضيقت ما بين حاجبيها في استفسار

"مفيش، هو ساعة ما الولد ده جالهم وعمل اللي عمله صهيب قالها هنروح، وهي فهمته غلط، صهيب كان متأكد إن حد زاقق الولد وكان بيفكر إنما هي افتكرت إنه صدقه، وكل واحد فيهم صمم على موقفه، لا هو شرحلها ولا هي ادته فرصة، يعني من الآخر مفيش تفاهم" أخبرها متحدثاً بهدوء لتتنهد جيهان في حيرة وزمت شفتاها وصمتت في تفكير للحظات مطولة 

"إيه! استغربتي من اللي حصل؟" 

"مش استغربت، أنا كنت أصلاً متوقعة إن مشاكل كتيرة ما بينهم هتحصل لأن همّ الاتنين مفيش تفاهم ما بينهم، لينا لسه صغيرة أوي وكمان صهيب صغير وأول مرة يكون في علاقة، الاتنين لازم في مرحلة هيتضغط على أعصابهم ويحسوا بالتشويش ومش هيعرفوا يتفاهموا" 

"هياخدوا وقت شكلهم كده لغاية ما يفهموا بعض ولغاية ما عنينا تطلع معاهم" نظر لها مازحاً لتلين شفتاها بإبتسامة رقيقة 

"أنا خايفة أوي على لينا" همست ثم شردت ليُربت أمجد على يدها بطمأنينة لتنظر هي له بعد أن شردت

"متقلقيش، كل الموضوع إن الاتنين لسه مفهموش يعني إيه تفاهم، يعني إيه هدوء وازاي يتصرفوا في المواضيع بعقل ومناقشة، عارفة.. أنا حاولت افهم صهيب يعني إيه يتعامل مع بنت، خصوصاً زي لينا في سنها الصغير، آه الحب موجود بس مبادئ التفاهم عندهم همّ الاتنين مش موجودة، يعني مثلاً آخر موقف ده زي اللي حصل ما بينهم ، صهيب أتصرف بعقله الذكوري من غير ما يفهم ويحسب حساب لينا فهمت إيه، الراجل مننا لما بيتعرض لموقف مخطرش على باله أو أتعرضله قبل كده أو حتى مشكلة بيحس إنه عايز يسكت، ويفضل يفكر في حلول، مبيبقاش عايز حلول من حد وبيبقى عايز يوصل للحل بنفسه، حتى المساعدة قليل أوي لما الراجل بيطلبها إلا إذا كان على درجة كبيرة من الوعي والفهم أو إذا قدامه مثل أعلى وقريب أوي ليه علشان ياخد برأيه ومشورته"

"وليه محكاش ليك على طول واتكلم معاك في الموضوع؟ عايز تفهمني يعني إنه مش شايفك قدوته!" سألته بملامح متعجبة بينما ابتسم لها وازاد من قوة ملامسته ليدها 

"حبيبتي، أنا وصهيب يمكن نبان اصحاب بس هو طول عمره وحيد، مالهوش أصحاب، يمكن في الآخر بعد ما اشتغل عرف أكرم، أنا حاولت أعوضه كتير، كنت جانبه ومعاه وياما شاركته بس هو شوية بيحب يستفرد بنفسه، ياخد قراراته مع نفسه، وأنا مرضتش أتعدى الخط ده واخنقه واحسسه إنه مش حر، كمان زي ما قولتلك موضوع إن الراجل ده يطلب حل من حد بيحسسه بالعجز، وعلشان صهيب لسه مكبرش بالشكل الكافي مش قادر يفرق بين النصيحة وإن حد يقدمله الحل بسهولة، نوعاً ما بتبقى تقيلة على الراجل، لسه معندوش الإدراك بإن الفضفضة والمشاركة اللي البنات والستات بتقدرها جداً وبتحترمها بعيدة كل البعد عن تقديم الحلول"

"فعلاً الرجالة غير الستات في الموضوع ده، يعني مثلاً إحنا لما بنكون في مشكلة بنبقى عايزين اللي نفضفضله واللي يطبطب علينا" أضافت جيهان ليبتسم لها أمجد وهز رأسه في تأكيد على كلماتها 

"بالظبط، واحنا عكسكوا خالص، بنبقى عايزين هدوء ووقت نفكر فيه في المشاكل اللي بتواجهنا لغاية ما نلاقي حل"

"طيب، بس أنت مش بتعمل كده" ضيقت ما بين حاجبيها وهي تتفحص ملامحه في إستغراب "أنت بتشاركني في كل حاجة تقريباً وبتحكي ليا على كل حاجة" عسليتاها المتسائلتان أجبراه على تنهيدة مطولة 

"علشان أنا فاهم ده، وعلشان أغلب الستات بتشوف إن سكوتنا وعدم مشاركتنا للي بنمر بيه خيانة عظمى بالنسبالهم، وعلشان مريت بكل المواقف دي في جوازي الأولاني" تريث لبرهة لتنظر له بالمزيد من التساؤل فأدرك أنها تستفسر عن ما حدث من قبل فتابع حديثه إليها 

"أنا يمكن وضحتلك كتير إننا كنا متفاهمين، وكان فيه إحترام وتقدير ما بيني وبينها، بس زي أي اتنين مرينا بمواقف اختلفنا فيها، بس عمر ما احترامنا لبعض اتغير.. يعني مثلاً أفتكر وأنا صغير كنت أتعينت في مكان ومكنتش مرتاح فيه وشبه اتخانقت مع مديري لأنه ببساطة كان بيعاملنا على أساس إننا عبيد مش بشر، كان عايزنا نشتغل كتير وشغلنا يكون رقم واحد في حياتنا بغض النظر بقى عندنا أسرة ولا لأ ولا حياتنا الشخصية محتاجة إيه، وبالرغم من إن المرتب ساعتها كان كويس إلا إني كنت رافض أكمل مع حد بيشتغل بالطريقة دي، ساعتها أخدت وقت كبير أوي وأنا بفكر في قرار الإستقالة وزي ما تقولي قفلت على نفسي وكلامنا قل جداً، وساعتها هي زعلت، أنا مكنتش فاهم أنا بعمل إيه ولا هي زعلانة ليه، بس بعد ما أتناقشنا فهمت شوية، وواحدة واحدة عرفت الستات عموماً بتحب إيه ومبتحبش إيه، ولما حكيت لبابا الله يرحمه فهمني هو كمان إن الستات غيرنا وكمان أكدلي إن قراري كان صعب حتى لو الموضوع وقف على الماديات" 

ساد الصمت بينهما لفترة وجيهان تحدق بعينتيه، لا تصدق إلي الآن أنها قد وقعت بالعشق مع رجل مثله يُفكر بمثل هذه الطريقة بل ويقدر شريكة حياته إلي هذا الحد.

"أنا محظوظة بيك بجد" أخبرته ليبتسم إليها ثم قرب يدها إلي شفتاه ليطبع عليها قُبلة دافئة 

"مش أكتر مني" بادلته الإبتسامة هي الأخرى وشردت به قليلاً ولكن عاد عقلها ليُفكر مرة أخرى بصهيب وابنتها لينا "طب وأنت فهمت صهيب الكلام ده؟" 

"حاولت على قد ما أقدر"

"وحسيته استجاب؟" سألته بنبرة تسللها القلق

"هو اه استجاب شوية، بس الموضوع هياخد وقت، لأنه عمره ما شافني وأنا بتعامل مع مامته الله يرحمها، ولا حس يعني إيه واحدة ست ولا عرف يتعامل، بس واحدة واحدة لو لينا ساعدته هيقدروا يتفاهموا بسهولة، أنا يا جي جي حاولت أربيه على الإحترام على قد ما قدرت وإنه ميفرضش رأيه وخلاص، وفهمته كتير إن أنا ووادته كنا متفاهمين وإن لازم الراجل يحترم الإنسانة اللي أختارها علشان تكون شريكة حياته، ووضحتله إن رد فعله ده مكنش سليم وإنه المفروض كان يوضحلها هو بيفكر إزاي"

"هو صحيح إيه اللي حصل؟! يعني، فعلاً كان فيه حد عامل الموضوع ده فيهم بجد؟" تسائلت بإهتمام عندما ذكر أمجد ما حدث مرة أخرى

"شغل ستات عبيطة" أخبرها لتنظر له في تحفز وعقدت حاجبيها ليضحك بخفوت على ملامحها "هاحكيلك وأنتي تحكمي.."

"أتفضل" أخبرته على مضض لتعقد ذراعيها في إنتظار بينما بدأ يقص عليها ما أخبره به صهيب منذ قليل..

❈-❈-❈

"يعني هترجعيله لو كلمك؟" صاحت رولا بنبرة حماسية

"يالا يا تافهة، أنا غلطانة إني حكيتلك" أخبرتها بنبرة حادة

"الله! تصدقي إنك بايخة، يعني أفهم إيه أنا يعني من كلامك مع جي جي؟" تحولت نبرتها للحزن

"أنا بفضفضلك يا رولا.. مش معنى كده إني هرجعله" أخبرتها هي الأخرى بحزن أثر تشوشها وترددها الذي تمر به 

"طيب يا ستي حقك عليا.. متزعليش مني أنا مكنتش أقصد" تنهدت وهي لم تعد تستطيع معرفة كيف عليها أن تخرج لينا من تلك الحلة التي باتت عليها "إيه ده، ده جرس الباب اللي سمعته ده؟" تحدثت بتساؤل في إستغراب

"آه، استني لما أشوف مين" تركت لينا الهاتف ثم توجهت نحو باب المنزل كي ترى من الطارق الذي قد آتى في وقت متأخر للغاية من الليل وتفقدت من ذلك الجزء المجوف لتجده صهيب فأختلفت ملامحها للغضب 


❈-❈-❈


"أمشي لو سمحت!" تحدثت بنبرة أدرك منها صهيب إنزعاجها الشديد ليحمحم هو وتحدث بهدوء

"لينا أفتحي هنتكلم بهدوء وهامشي بعدها" 

"ما فيش كلام، قولتلك أمشي" صاحت بنبرة قاطعة

"ماينفعش تسيبيني كده على الباب على فكرة، أفتحي!" بدأ هو الآخر في الإنزعاج ولكنه حاول التماسك

"لا ينفع وينفع أوي كمان، المفروض أصلاً واحد جايلي نص الليل مدخلهوش البيت!" حدثته بغضب ليزفر بغيظ وتمتم بخفوت 

"واحد!" ابتسم بإنزعاج بينما لينا تعجبت من ملامحه وابتسامته لتضيق ما بين حاجبيها وتفحصته من خلف باب المنزل "طيب أفتحي، هنتكلم شوية، لو معجبكيش الكلام هابقى أمشي"

"نتكلم! هتقول إيه يعني، إنك فهمت غلط؟ ندمان مثلاً على اللي عملته؟! هتتأسفلي وتعتذرلي! هي دي أقصى حاجة ممكن تعملها! وأنا علشان مضيعش وقتي ووقتك بقولك ملهاش لازمة وأمشي يا صهيب!" التقطت أنفاسها بعد أن تحدثت بتحفز شديد وعصبية مبالغ بها بينما تريث صهيب محاولاً البحث على رد ذكي 

"لا أنا مش هاعتذر على قد ما هاوضحلك حاجة بسيطة وبعدين أعملي اللي أنتي عايزاه" أخبرها في تماسك ونبرة هادئة ليجن جنونها 

"ده إيه البجاحة دي! غلطان وكمان مش عايز تعتذر!! أنا أصلاً غلطانة إني رديت عليك، كان المفروض أسيبك ولا أعبرك ولا لساني يخاطب لسانك أصلاً.." أحتد غضبها بينما ابتسم هو بسخرية 

"بصي، مش لازم تفتحي، أنا هاقولك اللي عندي وخلاص وبعدها أعملي اللي أنتي عايزاه" حمحم بعد أن تريث لثانية ثم عاد ليتابع "أنا مشكيتش فيكي لحظة، ولا واجهتك، ولا صدقت عليكي كلمة، أنا كل اللي عملته هو إني سكت، مرضتش أتكلم، قولتلك يومها يالا علشان نروح، لكن لو كنت صدقت حاجة زي دي مكنتش سكت، وعلى فكرة، من حقك إن يكون ليكي علاقة قبل كده، يعني مثلاً لو بعدنا عن بعض دلوقتي مش هامنعك تعرفي غيري، ولا أنتي هتمنعيني إني أرتبط بحد بعد منك، ده حقنا احنا الأتنين، وعمر أبداً ما يضايقني إرتباطي بواحدة ليها علاقة قبل مني لأن ليها الحق زيي زيها بالظبط، أنا كل اللي عملته هو إني كنت بفكر مين بس عايز يطلع صورتك كده قدامي، لأن الإنسان اللي جه وعمل المسرحية دي كلها قدامي أنا مصدقتهوش.. وأصلاً أنا من الأول عارف إنك معرفتيش حد قبلي، لو صدقتك ساعتها مش هاجي أشك فيكي بعديها وأظن أنا وأنتي مرينا بمواقف كتيرة وضحتيلي وحكتيلي فيها إنك مش على علاقة بحد.." تريث قليلاً بعد أن شعر بتحركها خلف الباب ليقترب هو من الجهة المقابلة أكثر 

"غلطتي إني متكلمتش معاكي كتير وقتها، إني موضحتلكيش، إنما أنتي غلطتك إنك شكيتي فيا، شكيتي إني ممكن صورتك تتهز في عيني بسبب حوار أهبل زي ده، مستنتيش عليا، فهمتي رد فعلي وسكوتي على مزاجك، مصبرتيش حتى إننا نتكلم بعدها، بمجرد سكوتي أنتي صدقتي اللي عايزة تصدقيه ومشيتي بكل سهولة و.."

"أنت كداب! أنت وقتها مدتنيش حتى فرصة أتكلم معاك، مقولتش أي حاجة وكنت مصمم إننا نمشي من غير ما نتكلم، عايزني أصدق إيه؟ أعرف أنا منين أنت بتفكر ازاي؟ أدخل يعني عقلك آخد فيه لفة وأشوفك بتفكر ازاي" فتحت الباب في عصبية ثم قاطعته لتتعلق فيروزيتيه بعسليتيها ثم أدرك كم اشتاق لتلك الملامح البريئة بتلك الأيام المنصرمة لتبادله هي النظرات المتطايرة من مقلتيها الغاضبتين وذهبت عيناه لتفقد بقية ملامحها لينفجر ضاحكاً "أنا فعلاً غلطانة إني فتحتلك الباب ولا سمعتك ولا حتى أتكلمت معاك" صاحب به غاضبة ليحاول هو تهدئة ضحكاته 

"يا بنتي سرحي شعرك زي الناس لمرة واحدة في حياتك.. إيه الزعرورة اللي أنتي عملاها دي" أخبرها لتضيق حاجبيها في إنزعاج من كلماته وامتعضت ملامحها 

"امشي يا صهيب!" أخبرته وحاولت أن توصد الباب بينما وضع يده لتحول بين غلق الباب وبين الوصول لداخل شقتها ودفع الباب برفق ولم تستطيع لينا تحمل قوته التي فاقت خاصتها بالطبع لتتقهقهر إلي الخلف قليلاً وقد نجح صهيب بالولوج داخل الشقة ليوصد الباب خلفه بهدوء 

"كان إيه لازمتها اللطعة اللي برا دي كلها" 

"تستاهلها وهاطردك دلوقتي حالاً" أخبرته بحاجب مرتفع يأبى الرضوخ ليقترب هو منها 

"مش كفاية خناق لغاية كده؟" سألها بنبرة سيطر عليها التوسل ونظر لها بمنتهى الصدق لتتفحصه هي بملامح عابسة 

"لأ مش كفاية، لما تبطل طريقتك الزفت دي نبقى نشوف ساعتها كفاية ولا مش كفاية!" أخبرته بإصرار ليتنهد هو في إرهاق 

"لينا، أنتي أخدتي في وشك وصممتي تمشي وأنا حتى ملحقتش أقول كلمتين على بعض وأصلاً أنتي فهمتي كل حاجة غلط!" 

"بالظبط! علشان مقولتش حاجة! علشان حتى متناقشتش معايا بهدوء" علت نبرتها في غضب

"أتناقش في إيه؟ أقولك أنا شاكك فيكي!!" احتدت نبرته هو الآخر ليعود كليهما من جديد إلي طريقتهما المهودة في شن الجدالات اللانهائية "ده موضوع تافه، اللي هيزعل من حاجة زي دي يبقى إنسان مجنون ومتخلف وأصلاً مبيثقش في اللي بيحبها ومش من حقه إنه يكمل معاها" 

"لا وأنت كان شكلك بيقول إنك مش مصدقه!" حدثته بسخرية "ده أنت كان ناقص تقولي روحي اتجوزيه، وشك لواحده كان مبين كل حاجة!"

"أنتي اتجننتي يا لينا؟! أنا برضو هصدق حوار تافه زي ده" تحول وجهه لحمرة الغضب وهو يحدثها بنبرة لازعة 

"والله ده اللي كان باين عليك يومها" هزت كتفيها وشردت بعسليتاها بعيداً عن عيناه ليبغض هو ردة فعلها وسخريته البادية على ملامحها ليقترب إليها 

"أنتي بتنجمي؟ بقولك مصدقتهوش! وكل اللي حصل هو إني أتضايقت واتعصبت من أياً كان اللي عامل فينا الحركة البايخة دي وفضلت ورا الموضوع لغاية ما عرفت مين السبب"

"وعرفت بقى؟!" سألته بإستنكار وهي ترمقه بطرف عينيها 

"آه عرفت!" أخبرها ثم حدق بملامحها لثونٍ وابتعد عنها مولياً ظهره إليها

"مستني أسألك مين؟ ولا هتتكلم وتحكيلي؟ ولا تكونش عايز تسكت المرة دي كمان!" حدثته بمزيد من السخرية ليلتفت إليها بعقدة حاجبان ولم يعد يطيق تلك الطريقة التي تحدثه هي بها ولكنه للحظة تذكر حديث أمجد معه ليتناول شهيقاً مطولاً وزفره بعدها محاولاً أن يهدأ من غضبه الشرس وبشتى الطرق حاول أن يتغلب عليه حتى لا يحتد النقاش مرة أخرى بينهما

"كانت سمر!" تغيرت ملامحه وعادت للهدوء

"وعرفت منين بقى إن شاء الله؟" تسائلت بحدة

"شكيت في الموضوع بعد ما قعدت أفكر بهدوء وفي الآخر لما هددتها وقولتلها إن ممكن أدخل شرطة في الحوار وإن ليا معارف أضطرت تعترفلي واتحايلت عليا في الآخر إني أنسى الموضوع وإنها مش هاتعمل كده تاني"

"يا سلام!" ابتسمت في سخرية ليقترب هو منها مرة أخرى 

"مش مصدقاني؟" سألها لتزفر هي ثم التفتت لتبتعد عنه ولم تجبه ليتناول هو يدها في رفق فأوقفها واتجه ليقف أمامها "أنا عرفت إن الولد اللي جه ده يقربلها، بمكالمة واحدة بس وأنا واقف قدامها عرفت ببساطة.. وساعتها أتغيرت معايا في الكلام وخافت إن الموضوع يوصل لمشكلة أكبر.. ولما فعلاً اتكلمت قدامها في الموبيل وحست إني بتكلم بجد عرفت إن ممكن اسمها يجي في تحقيق أو يبقى فيه محضر بجد!" زفر وهو يتفقد ملامحها وهي تفعل هي الأخرى "لينا، أنا لو كنت غلطان في حاجة فهي كانت إني مفهمتكيش أنا أتضايقت ليه، وده اللي بعتذرلك عليه فعلاً، أنا آسف" 

تريث لعدة ثوانٍ وهو يتفقد ملامحها بشغف بينما هي نظرت إليه في حُزن وتفقدته هي أيضاً بمثل الشغف الذي أنهال من عينيه إليها، فكل منهما قد أشتاق للآخر ولكن حمل كل منهما بداخله آلماً سببه الآخر، فلا هي أنتظرت ولا هو تحدث وقد توجه كل منهما ليفعل ما يريد دون إشراك الآخر فيما أدركه أو بمشاعره، تركا كل الأمر مشوشاً دون تفاهم مما أدى إلي المزيد من الجفاء والإبتعاد!

"لينا أنا.. أنا استحالة أصدق عليكي أي كلمة من حد وإلا مبقاش واثق فيكي، وأظنك تفتكري إن كل خناقتنا بسبب المواضيع دي علشان كنت بفهمك غلط وأنتي بتتكلمي مع رولا، لكن غير كده عمري في حياتي ما أصدق عليكي أي حاجة علشان خاطر واحد يجي ويقول كلمتين ويمشي، أنا واثق فيكي ولو مكوننتش واثق فيكي مكونتش أرتبطت بيكي من الأول أصلاً" هدأت نبرته للغاية وقد آتت متوسلة عكس نبرته السابقة لتنظر هي له بحزن ولكنها لم تتفوه بشيء ليزفر هو في قلة حيلة بعد أن رآى لمعان ذلك العناد بعينيتيها

"أنا أول مرة أحب، أول مرة أحس بالغيرة دي، أول مرة أتعامل مع بنت بالطريقة دي، عمري ما كنت قريب أوي لحد غيرك، حتى بابا عمري ما كنت قريب ليه كده، عمري ما حبيت أقضي وقتي كله مع شخص وحد زي ما بعمل معاكي، أنتي بالنسبالي إحساس جديد، مشاعر جديدة، أول حب في حياتي، حاجة كبيرة أوي وغالية أوي وخايف أتصرف أي تصرف أو أتعامل معاها بطريقة غلط فتبوظ.. مش هاكدب عليكي وأقولك إني فاهم كل حاجة وإني أكبر منك، بس أنا لسه مش عارف أتعامل معاكي، أنتي مش فهماني وأنا مش عارف حتى أخليكي تفهميني بس اللي واثق فيه هو إني بحبك، وعايز نكون متفاهمين مع بعض، مش بمجرد ما أي حاجة تحصل نبعد عن بعض ويبقى فيه بيني وبينك زعل!" 

توسلها بعينتيه الرماديتان الصافيتان للغاية لترمقه هي وقد تلاشى حزنها ليحل محله كلماته التي جعلت قلبها يستكين بمصاحبة وجوب تفاهمهما سوياً، فكلماته بدت منطقية للغاية ولربما هذا ما أرادته هي منذ البداية..

"أنا معرفش ازاي أتعامل مع أم أو أخت.. ولا حتى بنت بحبها، مشوفتش ده قدامي.. ويمكن تبان علاقتي بطنط جيهان كويسة من بعيد لكن لما تقربي هتلاقيني رسمي أوي معاها وبعاملها على قد ما أقدر بذوق، لكن إنها تكون صاحبتي أو إننا نقرب أنا مفهمش ده ومعرفش أعمله ازاي لأني ببساطة ملحقتش أتعامل مع أمي الله يرحمها.. أنا لسه متعلمتش أتعامل مع واحدة ست أو بنت قريبة مني" أخبرها هامساً وقد رآت تلك الصعوبة تندلع على ملامحه بمنتهى الصدق..

"طيب" همست له لينا فوجدته يقترب منها مقطباً جبهته في إندهاش 

"يعني بكلمك عن الحنية اللي ملقتهاش وبقولك أصعب كلام قولته في حياتي وأنتي تردي وتقوليلي طيب! ده أنتي قاسية أوي يعني" أخبرها بقليل من الحنق الذي تصنعه 

 "بص.. هو أنت صعبت عليا وأنا مقدرة، وفهمت رد فعلك ساعتها بس" تنهدت وعسليتاها ينظران إيه بقليل من الغضب "أنا بصراحة لسه مضايقة منك" 

"بعد كل ده ومتضايقة؟!" زفر بحنق "طيب عايزاني أعمل إيه علشان نتصالح ونرجع كويسين؟" سألها بجدية لتنظر هي بعينيها لأحد أركان الغرفة في تفكير ثم عادت لتنظر إليه ليبتسم بداخله على ملامحها الطفولية 

"يا صهيب مش المشكلة إنك تعملي إيه ولا نتصالح إزاي، هو مش موضوع وهيعدي، المشكلة إن كل الخناقات اللي حصلت بيننا متتكررش، إن كل واحد فينا بيفهم عن التاني حاجة من وجهة نظره هو ومش بيسيب للتاني فرصة يشرح هو فهم إيه، مفيش ما بيني وبينك تفاهم، مفيش هدوء ومناقشة بجد من غير خناق، وأنا بصراحة مش هاقدر أكمل بالأسلوب ده لأن لو فضلنا كده حياتنا ببساطة هتبوظ ومش هتكون ناجحة، بحبك وبتحبني بس وبعدين؟ هنفضل نتخانق كده لغاية امتى على كل كبيرة وصغيرة؟"  تحدثت بمنتهى الجدية ليقابلها هو بإبتسامة ملئتها العذوبة 

"حلوة بحبك دي، قوليها تاني علشان خاطري" توسعت ابتسامته ليقترب إليها أكثر 

"شوف أنا بتكلم في إيه وأنت بتقول إيه!" نظرت له حانقة ليُمسك بكلتا يديها وتفحص عسليتيها لوهلة وهو لا يزال يبتسم لها 

"وحشتيني.. أعمل إيه يعني" همس بنبرته الرجولية الهادئة التي جعلتها تدرك كم أشتاقت لذلك الدفئ ببحته التي يتحدث بها عندما يقترب منها للغاية هكذا

"صهيب أرجوك متحولش الموضوع لهزار وأنا بتكلم بجد" نظرت له بتوسل ليتنهد هو في إستسلام 

"طيب بصي يلا عشان نخلص الموضوع ده انت حاولي تديني وقت وانا احاول اشرح لك كل حاجة، هنحاول ثاني مع بعض ومش هنزهق، هنحاول نفهم بعض أكتر وهندي لبعض وقت، أنا كمان هحاول متسرعش، ساعديني يا لينا علشان أنا مش عايز أخسر أول إنسانة قلبي حبها وحس بيها.. مش عايز أخسر أول بنت قلبي أتعلق بيها.. أحنا الأتنين غلطنا، وأحنا الأتنين مع بعض في كل حاجة، يبقى لازم أحنا الأتنين نحل كل حاجة.. نفتح صفحة جديدة سوا، ننسى كل اللي فات ونتعلم منه ونحاول على قد ما نقدر منكررش الغلط تاني ولا نصلحه بغلط أكبر.. اتفقنا؟" 

نظر لها بصدق لتتريث لينا قبل النطق بكلمات مراوغة وقبل إنفعالها عليه وهي تبادله النظرات في صمت وتفكر، هل هذا الهدوء والتحدث بروية هو بدايه للنضوج والتفاهم بينهما أم أنه سيؤدي الى مشادة كلامية أخرى لا تنتهي..

 "لينا صدقيني بجد؛ المرة دي غير أي مرة فاتت!"  أخبرها بصدق متوسلاً بعد الرفض في عينيها  ليرى تحول رفضها التام لنظرة حماسية متأهبة

 "ماشي هصدقك بس اثبت لي!"  حدثته بإصرار ولهجة منتصرة وكأنها ستهزمه وستفوز هي هذه المرة ليتنهد تنهيدة طويلة

"بس اوعديني مش هتتريقي" أخبرها بسماويتين ظهر بهما الخجل لتبتسم هي لملامحه الوسيمة التي أفسدت تركيزها للحظات

"ماشي.. أوعدك"

"المرة دي غير أي مرة علشان أول مرة في حياتي أضطر أراجع نفسي في كل حاجة، أول مرة أسهر وأنام متأخر وأنا بعرف إيه هو الواتباد ده ومين بدر ومين شهاب.. أول مرة أروح لواحدة علشان تصالحني على صاحبتها بأي طريقة و.."

" ايه ده ثواني انت رحت لرولا من ورايا؟" قاطعته في تساؤل ليومأ لها بنعم ليرى الإزعاج بادياً على ملامحها

"كنتي عايزاني أسيبك كده ومعرفش عنك حاجة وطنط جيهان كانت بتنقطني بكلمتين كل فين وفين"

"وكمان ماما!!" صاحت بإنفعال وتحفز

"شوفتي!! أهو ده اللي عمالين نتكلم فيه من الصبح" زفر في إرهاق وعاد مجدداً لينظر إليها بتوسل "لينا أنا بحبك، مامتك ورولا بيحبوكي، وهمّ الإتنين عارفين إني بحبك.. أرجوكي كفاية خناق واهدي وفكري بالراحة وبهدوء، مستنية إيه من واحد بيحبك غير إنه يعمل كده علشان يطمن عليكي؟!" نظر لها بإستفسار لتبادله هي الأخرى وقد أدركت أنها عادت ثانية للإنفعال بينما لم تجد كلمات لتجيبه

"أعتبري كل القديم ده ماضي ونفتح صفحة جديدة، وأنا آسف على كل اللي عملته وأوعدك إني هحاول أكون أحسن معاكي، أنا كنت غلط في حاجات كتير وناوي أصلح كل الغلط ده، هتساعديني؟" سألها بملامحه التي استعطفتها لتنظر هي له ملياً وزمت شفتاها في إصرار 

"هجرب أساعدك وأشوف" أخبرته بأنفة لتتوسع عيناه في تعجب

"ده اللي هو ازاي بالظبط؟"

"يعني هديك فترة اختبار" حدثته بثقة شديدة ليبتسم هو في غير تصديق

"أنتي بتهزري مش كده؟" سألها بإستنكار وحملت نبرته بحة ضحكته التي لا تصدق ما سمعه منها 

"لا بتكلم جد جداً.. أنا مش بهزر ولا أي حاجة، وأظن ده من حقي ومن حقك كمان، مش يمكن أكون أنا اللي مش عارفة أفهمك؟" نظرت له بجدية ليطلق زفرة امتلئت بالملل

"لينا.. كفاية عِند"

"أنا مش بعند وبناقشك بمنتهى الجدية"

"طيب وآخرة النقاش؟!"

"آخرته إننا نجرب.. يا نفعنا لبعض يا منفعناش.. يا قدرنا نفهم بعض يا إما لأ!" بحث بزرقاوتيه في وجهها عن أية ملامح قد ترضخ للمزيد من محاولات الصلح ولكنها بدت جادة للغاية 

"حاضر.. هنجرب" 

"اتفقنا" 

"تمام"

"طيب .. ماشي .. أظن إنك ممكن تمشي دلوقتي" ابتعدت عنه قليلاً ليبتسم هو في استنكار

"ادخلي يا لينا حضري شنطتك علشان ترجعي معايا البيت" تحولت ملامحه للجدية لترفع احدى حاجبيها 

"لا طبعاً مش هرجع دلوقتي ومش هانزل معاك في وقت متأخر زي كده من البيت.. الناس تقول عليا ايه؟!" حدثته برفض تام لينظر لها بإندهاش 

"بقى أنتي اللي بتقولي كده.. غريبة.. مع إن مامتك قالتلي إن مش بيفرق معاكي كلام الناس خالص.. ولا نسيتي قولتلها إيه لما جت تاخد رأيك في جوازها من بابا؟" باغتها بما قاله لتصمت تماماً عن الكلام ونظرت له ملياً وعلت أنفاسها في إنفعال

"طيب مش نازلة يا صهيب"

"رجعنا للعند تاني.. طيب بصي.. أنا مش حابب إنك تقعدي لوحد أظن لما أنا وبابا وطنط جيهان نكون معاكي غير قعدتك لواحدك.. كمان مامتك هتتبسط جداً لما ترجعي" حدثها بجدية ثم ثريث وتفحص ملامحها واختلفت نبرة صوته ليُكمل "ووحشتيني أوي يا لينا.. أرجوكي أرجعي وصدقيني كل حاجة هتتغير" 

نظرت له لتحاول تبين الحقيقة، هل سيعود مجدداً لما كان عليه وإنفعاله دون إبداء أسباب أم سيتغير هذه المرة!

"بس أوعدني إن لو رجعت صهيب القديم اللي مبتفاهمش مش هاتقف قدام أي قرار هاخده" أخبرته بنبرة هادئة جلى فيها خوفها الشديد الذي رآه بعينيها كذلك من أن تعود مجدداً لعلاقة افتقر كلا طرفيها للتفاهم

"أوعدك" أخبرها بصدق لتأخذ هي نفساً طويلاً ثم زفرته في تريث 

"أستنى.. أنا داخلة أحضر الشنط، مش هتأخر"

تحركت بخفة في ثوانٍ بينما زفر في راحة شديدة وهو يتابعها بعينيه ثم جلس على كرسي قريب وأقسم بداخله أن يتغير، سينظر للأمور نظرة ثانية، سيأخذ بنصيحة والده التي نصحه بها، شعر بالمسئولية الشديدة تجاه الأمر.. هو يعشقها، يريد أن يراها سعيدة وهي مسئوليته أن يُسعدها ولا يريد رؤية مثل هذا التردد والخوف بعينيها..

لوهلة ابتسم على تلك العلاقات السابقة وطريقة صديقه أكرم في التعامل مع الفتيات، كيف أنه لم يرَ تلك المسئولية تجاه الفتاة التي يعشقها أو حتى يُغازلها.. أدرك كم كان على قدر عظيم من الجهل لمفهوم الحب، الحب وحده لا يصنع العلاقات، بل النضج، الإتفاق والتفاهم أهم من الحب وحده لإستمرارية العلاقات..

ابتسم وهو يتذكر العديد من المواقف عندما رأى والده يتعامل مع جيهان، منذ عدة أيام لم يكن صهيب ليفعل مثل تلك الأشياء التي يفعلها والده، كان يرى أنها مجرد رومانسية زائدة ليس أكثر ولا أقل.. بينما الآن أدرك أن لُب الإستمرار في علاقة، وأن بٌرهان الحب والمشاعر هو التفاهم وحل الأمور بنضج تام!

أدرك في النهاية أن الرجل الناضج هو من يستطيع مواجهة العديد من الصعاب في العلاقات، والرجل الناضج أيضاً هو من يحتوي المرأة أمامه التي إذا فقط أعطى لها الفرصة قد يجدها تفكر هي بطريقة لا تريد بها إلا الإصلاح التام..

تأكد أن الجنون هو ليس سوى حالة يمر بها البعض ويجب التنازل عنها عند وقت ما حتى تستمر الحياة ولابد من أن يحل محلها النضج ليكن أفضل برهان على العشق..


تمت