الفصل السابع والثلاثون ( جزأ ثانٍ ) _ بنات حورية
الفصل السابع والثلاثون ( جزأ ثانٍ )
لم تعلم هل لكونه لديه عم قاضٍ من قضاة الدولة فذلك من حسن حظها أم من سوءه ،، لقد هاتفها طالباً رؤيتها بمنزل عمهِ هذا ولا تعلم ما الذي ستجنيه اليوم مُجدداً من خلف ندائه هذا لها .. لذا كانت تأخذ والدتها وسفيان معها متجهة لموعدها معه ومع عمهِ تاركة الطفلتان لسبأ لتعتني بهم.
جلست جوار والدتها علي أريكة مقابلة لأخري يجلس عليها هو وعمهِ القاضي وعمه الأخر والد دوروك، تنظر له باشتياق طفولي بينما هو لم يكلف خاطره بمجرد نظرة، تود لو ينظر لعينيها حتي يري الألم الذي يُسببه لها وهو الذي وعدها يوماً أنه لن يكون إلا حنوناً مُتفهماً لا قاسياً متزعزعاً هكذا وهو ظهرها وسندها.
انقبض قلبها بوجل وهي تسمع عمه القاضي يقول: راكان تسرع ورفع قضية الحضانة دون معرفة عواقب هذا الأمر لذا كان لا بد أن أنبهه لما سيحدث تالياً إن لم يتراجع عن هذا القرار .
بدا هذا أملاً بالنسبة لها وهي تتابعه بتعلق عينيها المُبتهج قليلاً ليُكمل هو: لقد أخبرته أن المحكمة ستطالب طبعاً بسبب ليكون هو أحق بالحضانة خاصةً وأن حضانة الأطفال من حقك يا ابنتي، وإن تم عرض السبب الحقيقي وراء تلكَ القضية كقاضٍ كان علي أن أخبره أنه سيتم تحويلك لقضية أخري، قضية جنائية لإثبات إذا كان لكِ دخل بالشروع في قتل والدته أم لا وسيتم إصدار قرار باحتجازك وقتها.
تبدد الأمل واختفي وحل محمله خوف غير طبيعي وراحت تنظر لسفيان الذي هبَّ واقفاً بعصبية: أي هراء هذا ما تلكَ الحقارة؟، كيف تعرض والدة طفلتيك لموقف كهذا؟ حتي لو تطلقتم.
قال القاضي هذا بصرامة: لن تُحل المشكلة هكذا نحن هنا لنجد حلاً.
قال راكان حينها وهو يُجاهد ليُخرج تلكَ الحروف وقد رفع رأسه ليُطالع هلعها: لن يحدث أي شئ من هذا ولكن في المقابل أنا سأخذ الطفلتان ويُمكنك رؤيتهم وقتما تشائي.
نظرت لداخل عينيهِ تُخبره بصدق مُجدداً تود لو يري صدقها الذي يحفظه جيداً: ذنبي الوحيد أنني صدقت تلكَ المرأة ولكنني لم أتفق معها أبداً علي والدتك.
صدح صوت والد درورك حينها قائلاً: وهنا نأتي لنقطة أخري أخبرينا من تلكَ المرأة وكيف حدث كل هذا الأمر من البداية.
قالت حورية بضيق: لم ننهي نقطة الحوار الأول لننتقل لغيره.
ثم نظرت لراكان بشراسة عينيها: كيف تريد أخذ طفلتين صغيرتين من والدتهم لا أفهم وإن كنت تظن أنها لن تعتني بهم فهي ليست بمفردها كلنا معها، أخبرني أنتَ متي وكيف ستعتني بهم!، أم ستتركهم لخدم منزلك بدلاً من والدتهم.
ضيق فكه يقول بتروي مُحترماً تلكَ السيدة الوقورة التي لا تستحق إلا الإحترام: والدتي كانت تموت أمام عيني وإذ بها هي السب، ما الذي تنتظروه مني وهي لا تريد إعطائنا ما يُفيد لنجد المرأة الحقيرة، بقصدها أو بدون لن أعرض أطفالي لاستهتارها هذا لذا هذا أخر ما لدي، سآتي لآخذ طفلتاي غداً.
ثم تركهم راحلاً لأبعد نقطة يستطيع أن يكون وحده بها ليصرخ دون أن يسمعه أحد ولكن سفيان تبعه عازماً علي قول كلمتين له، لذا ناداه قبل أن يصعد سيارته ليقف راكان بتحفز له فتحدث سفيان:
لا أعلم إن كنت مُصدقاً لما تفوهت بهِ أم لا لأنني في وقت ما كنت أقول حديث لا أعرف صحته من خطأه.
لا أعلم إن كنت مُصدقاً لما تفوهت بهِ أم لا لأنني في وقت ما كنت أقول حديث لا أعرف صحته من خطأه.
نظر راكان له بتذمت عضلات وجهه ليُكمل سُفيان: لقد ضعت لفترة من عمري فترة قصيرة للغاية ولكن ضعت بها بالفعل وكأنني مُشرداً من ملجأ ما دون عائلة وذلك فقط حين ظننت أن بإمكاني التخلي عن من أحب .. لا تخطئ مثلي فتندم كما ندمت أرجو أن تحكم قلبك وعقلك معاً فيما تفعله .. لأنه صدقني أنا كنت وغداً حقيراً ولم أدرك هذا إلا بعد فوات الأوان ولكن الله أعطاني فرصة جديدة وأخشي أن ليس للجميع تلكَ الفرصة لذا سأنصحك نصيحة .. أنتَ تحتاج إلي الإختلاء بنفسك بعيداً والتفكير جيداً لأنني أدرك تماماً كيف هي ضجة عقلك الحالية .
ونعم تذكر .. تذكر كيف كان عقله يُخبره أنه سيطلق سبأ ويعود للميا وتعود الحياة كما كانت لولا حبها الذي كان يحاول كسر أقفال قلبه حتي نجح ليتحرر ناهراً إياه بقسوة بعد فوات الأوان..
■■■
بدت في موقف المُتهم الذي يتم استجوابه بعد أن سآلاها عماه مجدداً عن تلكَ المرأة، لذا هتفت بآسي غاضبة ناقمة عليهِ لأبعد الحدود لأنه عصف بحياتها هكذا وإن كان الذنب ذنب تلكَ المرأة المجهولة: لقد أخبرته من قبل كل شئ.
تنهد الرجل ليقل برفق: أخبرينا أي شئ عنها، كيف شكلها، عنوان، أي شئ تعرفينه عنها، فراكان يتصرف بمفرده لا يُخبرنا أي شئ.
ضغطت راما علي كفي والدتها التي تحتضنها وقالت مُتذكرة: ليس معي غير هاتفها الذي مع راكان، قالت أن اسمها فيروز وهي امرأة طويلة قليلاً كطول راكان وشعرها بني مائل للذهبي وعيناها بُنية ولكن كنت دائماً ألاحظ أسفلهم دائرة خضراء وكأنها ترتدي عدسات.
نظر الأخوين لبعضهم ووقف والد دوروك مُبتعداً يجذب شعره برفق للخلف للحظات، وظلت راما تراقبهم بحيرة حتي هتفت حورية بتجهم: هل تعرفون المرأة.
ومع عودة سفيان وترقب حورية وراما كان أحدهم يقول بشك: نعم أظن ذلك إنها والدة راكان.
شهقت راما ساعلة بقوة ليناولها الجميع كوب ماء، أخذت تتتفس بصعوبة وبغير فهم: مذا يعني والدته لا أفهم.
قال العم القاضي بتجهم: هذه أسرار عمكِ رؤوف ونحن لا نستطيع إفشاءها كل ما في يدنا الأن انتظاره حتي يعود من سفره وهو بالتأكيد سيحل كل شئ.
تنفست راما بسرعة وكأنها تعدو لأميال وفكرت بصعوبة كيف سيواجه راكان هذا الأمر لتسألهم بترقب: هل راكان يعلم.
نفي أحدهم لتقل حورية بغيظ: ماذا يعني لم تخبرونا شئ حتي يأتي والد راكان من السفر، لو تعرفون شئ قد يبرء من صورة ابنتي أمام راكان فلتقولوه.
نظر الأخوان لبعضهما قبل أن يتحدث هذا القاضي بجدية: ولكن الأمر ليس بيدينا يجب أن يعلم راكان من والده ما أخفاه عنه وليس منا.
قالت راما بآسي واقعة بين نارين فقدان طفلتيها من جهة وعذابه هو من جهة أخري لتقل: حتي لو كان حديثكم لن يُبعد لارا ويارا عني.
صمت كلاهما لتفجر هي قنبلتها بصمت مزيدة من عذاب ضميرهم بتلكَ اللحظة: إذا لأخبركم أنا أيضاً سراً ولن يعلم بهِ راكان إلا حينما أرغب بذلك أنا حامل بطفله الثالث.
فغر الإثنين شفتيهم ليقل القاضي حينها بغموض: حسناً إنه حقك يا ابنتي ويبدو أن ابن أخي سيدفع ثمن ما يفعله كثيراً.
■■■
في طريق العودة اقترحت حورية : هل نذهب لوالدك .
نفت راما بسرعة قائلة : لا .
قطبت حورية حاجبيها برفق تتسائل عن سبب رفضها لتخبرها رامي بأسي : لقد كنت أذهب دائما مع راكان وأشكر أبي علي النسخة الثانية الذي تركها لي منه ولكن الأن أخشي أن أذهب بهذا الحزن فتحزن روح أبي .. لن أذهب حتي تصطلح كل الأمور كي لا يكون الأمر وكأنني أشتكِ له منه بسبب اختيار راكان لي.
تنهدت حورية وهي تبتسم علي عقل الصغيرة، حديثها بهِ كم من الطفولة والنضج متساويان، ربتت علي كفها برفق لتنظر لها راما فتطالعها حورية بحنان وهي تخبرها: لم يكن راكان اختيار والدك أو اختيارك حتي بل هو اختيار الله،، الله اختاركما لبعض وليس ما تمري بهِ إلا من عند الله أيضاً لذا يا حبيبتي كم أنا فخورة بصبرك علي ابتلاءك هذا لقد أوضحتي لي أنكِ أعقل من رسيل حقاً .
ضحكت راما من داخلها بصدق لتحاوط جسد والدتها ويُكمل سفيان طريقه للمنزل مُبتسماً.
■■■
قاد سيارته حتي طريق خالي،، كان يحتاح لمزمار واسع أمامه يجوبه ويلفه أكثر من مرة حتي يهدأ الغضب بداخله وبدت الفكرة لامعة تماماً في عقله لذا حاول مهاتفة دوروك ليُساعده بهذا الأمر ولكنه ما لبس أن ألقي بالهاتف بغضب مُستشعراً غباء الفكرة ومُتذكراً ترك دوروك لكل تلكَ المزمارات بعد زواجه.. ولكن ماذا عن قلبه، ماذا عن النيران المستعرة بداخله، ماذا عن وقوفه وحيداً بطريق بدأ ولا يعرف له نهاية فتلكَ المرأة الحقيرة ليس لها وجود وعقله بدأ يصور له أن راما تُخبئها بشكل جيد ثم يعود ويكره نفسه علي هذا التفكير ويكره أنهم وصلو لهذا الحد.. ويعود يفكر في تلكَ المرأة التي تريد لوالدته الموت وأي سلطة لها وكيف يَحمي والدته الأن.
ضرب المقود بقهر كالعاجز، قبل أن يقف بسيارتهِ جانباً ويُرجع رأسه للخلف بارتخاء أعصابه بآسي مُفكراً في الخطأ والصواب فيما يفعله.
أغمض عينيهِ يبحث عن بعض الراحة حتي وجدها.. راحته في مشاهد لها لتفاحته ذات العيون الخضراء!
عجباً كيف أنه تذكر بعض اللحظات لهم معاً ليهدأ صراع روحه ويذهب بثبات في قلب سيارته بهذا الطريق الخالي.
■■■
دق جرس المنزل ووقف ينتظرها ويبدو أنها تعمدت جعله ينتظر حتي فتحت الباب بوجه متجهم وعينيها محمرة ومنتفخة من أثر البكاء طوال الليل.
نظر لها بعمق ولم تُفسر نظرته ولكنها قابلت نظراته تلك بغضب تسأله بحنق: متي استطيع أن أراهم.
قال بضيق متعجلاً: لآخذهم أولاً ونتحدث فيما بعد عن هذا.
أغلقت الباب بوجهه ووقفت خلفه للحظات لتنزل دموعها بعجز لن تسامحه، لن تسامحه علي ما يفعله بها أبداً، راقبت لارا وهي تحمل حقيبة ظهرها تخرج من الغرفة وتقول: ماما هل سنذهب.
أومأت راما لتنزل لمستواها قائلة: نعم ولكن ستذهبين أنتِ ويارا مع بابا وأنا سأبقي هنا قليلاً.
قالت الصغيرة بحيرة: لماذا؟.
تنهدت راما وهي تجيبها بكذب: لأن جدتك متعبة قليلا وأنا سأبقي معها.
ثم وقفت تفتح الباب مُجدداً لتطالع وجهه المقفهر،، ونظرت له بلمحة من كره الموقف وليس من كرهه هو فراما مستحيل أن تكرهه ولكم لكمته نظراتها في منتصف قلبه تماماً.. نظرات تشتكي منه إليه لعله يأتي بحقها منه.
■■■
صعدت سبأ بالمصعد حتي طابق والدتها بعد أن عادت من عملها،، ستمر عليها وعلي راما قليلاً قبل أن تصعد لشقتها ولكن سُفيان الذي كان ينتظرها بشغف مُراقباً المصعد والأرقام المُتتالية عليه تنهد بحنق وهو يفهم كونها ستقضي حوالي ساعة أخري بالأسفل ليقف علي السلالم مُنادياً إياها دون خجل: سبأ.
لم تكد ترن جرس منزلها بعد حين استمعت لصوته لتقطب جبينها من تواجده الأن هنا وليس بمطعمه لتنظر له بترقب وحيرة ليخبرها بجدية: اصعدي.
صعدت درجات هذا الدور سريعاً له مُتسائلة ما إن رأته: ماذا ما الأمر لما أنتَ هنا.
أصمتها بيديهِ وهو يحملها فجأة ليدخل بها شقتهم المظلمة،، لتشهق بخفوت قائلة: ما بكَ سُفيان هل جننت الجيران ماذا إن رآنا أحداً.
قبل أنفها بسرعة قائلاً: ومنذ متي أهتم لغيرك.
ضحكت بخفة لتقل بتساؤل: حسناً أنزلني، ولماذا المكان مظلم هكذا لماذا تخطط؟.
أنزلها ليحاوط خصرها له فالتصق ظهرها بصدرهِ ليهمس بأذنيه: ما اليوم!.
أرجعت رأسها للخلف لتسقطها بين تجويف كتفه ورأسه قائلة بأسف مُتذكرة للتو فقط: هل ستضايق إن أخبرتك أنني نسيت.
عاد يُقبل انفها ثم شفتيها ليقل بحنانه: وهل يعقل أن أتضايق منكِ أبداً.
التفتت لتحتضنه ليفعل المثل وبقوة ترضيها وتبلسم قلبها لتُخبره بحب: أنتَ أفضل زوج وحبيب.
ضحك ليُخبرها بصدق: هذا ما تستحقينه يا سلطانة قلبي.
ثم بحماس قال: هيا المفاجئة.
ضحكت لتقل بمعرفة لهذا المفاجأة تغيظه: ماذا ستكون غير عشاء من طهوك.
نهرها بلطف: لا تُفسدي اللحظة يا مُزعجة.
ابتسمت بصمت مانعة ضحكتها بصعوبة وهي تتبعه حتي غرفتهم بهذا الظلام ليتركها بغرفتهم قائلاً: هيا تجهزي واستحمي إن أردتي وغيري ثيابك ثم انزلي.
قالت بأعين لامعة: حسناً.
وبعد نصف ساعة كانت تجلس معه علي طاولة رومانسية يتناولان طعامهم ويتبادلون حديث مُريح لكلاهما حتي سألت هي: لا حفلة إذاً تلكَ السنة.
نظر لها بحزن مصطنع قائلاً: وهل يُعقل ألا احتفل بكِ مع الجميع.
نظرت له بجدية قائلة: لا تمزح لا يُمكنك إقامة حفلة لعيد زواجنا بظروف كهذه من أجل راما.
أومأ بتفهم قائلاً ليوضح فكرة نظره: نعم معكِ حق لهذا كان لا بد أن من هذا الإحتفال الصغير بيني وبينك لأن الإحتفال الكبير سيكون من أجل راما سأعزم راكان ليأتي مع الطفلتان ويجلسان معاً لربما يحدث ما هو خير.
نظرت له بأعين فخورة تزداد يوماً بعد يوم، هذا السفيان الذي أصبح مصدراً للحنان والعطاء بحياتها ومهما قالت أن يتوقف لم ولن يفعل فهو حتي الأن لا يري أنه كفر عن اثمه بحقها ويُحاول جاهداً أن تري سفيان الحقيقي تماماً وهي لا تقصر في أن تشعره بحبها له وأنها لم تعد تتذكر أي شى مما قد حدث وأنها لا تُحب غيره ولا تريد غيره وأن تصرفاته كلها تجعلها فخورة بشدة.
وقفت تتجه له بعد أن مسحت فاهها وأنهت طعامها لتجلس جواره محتضنه جسده قائلة: أخبرتك اليوم انك أفضل زوج أليس كذلك.
ضحك لتضحك علي ضحكته وأجابها هو بتخمة: وأفضل حبيب كذلك.
قبلت وجهه تُجيبه: نعم نعم.
احتضن خصرها ليقربها له قائلاً بمزاح: كم هرمنا من أجل تلكَ اللحظات.
ثم قبل شفتيها مع قوله: يا سلطانة قلبي.
ثم قبل أنفها مُتابعاً: يا روحي.
ثم عينيها بتروي حامداً: يا حياة سفيان أنتِ.
أغرقت عينيها بالدموع متذكرة مرة أخبرته فيها منذ أربع سنوات أن تلكَ الكلمة تأخرت كثيراً وكم انتظرتها منن ليكون جوابه" أمامنا الحياة بأكملها يا سبأي لا أرانا تأخرنا أبداً، فأنا لا أري شعيراتك البيضاء أو تجاعيد وجهك، أدامك الله لي يا عمري"
وكان مُحق رغم أنها لا تكتفي ولكنها منتشية لأبعد حد من كلامه منذ أربع سنوات حتي الأن وهو لا ينفك يذكرها بحبه ليلاً ونهاراً قولاً وفعلاً كما يفعل الرجال،، دنت منه لتقبل وجهه بلهفة وكل ما تطاله شفتيها ليبعدها عنه لتتذمر فيُخبرها: أنتِ من يجب أن تُقبَّلين هكذا، أنتِ من يجب الإسراع لكِ بلهفة، أنتِ تستحقين كل العشق والدلال يا سلطانة.
أي امرأة تريد أكثر من هذا، رجلاً يُقدرها ويعرف قدرها وقيمتها، يُحبها ويدللها وأمام حبه هذا هي كانت ضعيفة لذا شهقت ببكاء وهي تتعلق برقبته: أنا أحبك.
وهي امرأة تختزن كل العشق والحب لواحداً فقط وهو المحظوظ الذي ناله كله، ورغم ما مر بهم، كلاً منهم يري أن الأخر كثير.. كثير جداً عليه والرضا بداخلهم كلما يزداد يوماً بعد يوم.
ظنت أن مفاجئته انتهت وأنهم سيعيشان عاطفتهم معاً الأن ولكن همس بحماس من تهدج روحه: لأعطيكِ هديتكِ الأن.
ما زال يوجد هدية..! حسناً إنه لن يتوقف عن خلف توقعاتها ومفاجآته أبداً إلي الأبد وإلي الأفضل دائماً.
■■■
نظر لطفلتيه أحدهما باكية والأخري تجلس بصمت حزينة.. كان يستطيع هدهدة الصغيرة فتكف بكاءاً تتضحك معه بسهولة إلا أنها كانت تستيقظ ليلاً تبحث عن والدتها ببكاء وكان يحتويها هو حتي تنام مجدداً..
ولكن لارا كانت تشعر بكل شئ،، سألته أنها تريد والدتها مرة فأخبرها برفق حينها أن والدتها ستبقي عن جدتها لفترة طويلة.
لتوه أغلق الخط مع سفيان الذي أخبره بحفل الغد مُخبراً إياه برجاء: لو تأتي مع يارا ولارا ليروا راما قليلاً.
وكان عليه أن يوافق بعد حزن صغيرتيه هكذا،، بعد ان أغلق الهاتف مع سفيان اتجه للتلفاز يشعل الموسيقي الخاصة بلارا وبإرهاق حاول اسعادها: تعالي لنرقص يا روحي.
نظرت له ومازالت علي حالتها شفتيها مزمومة كوالدتها تماما ويديها أمام صدرها برفض وهي تتسائل: ومامي!
تتسائل أين والدتها أيضاً لترقص معهم!!
لذا أجابها برفق: سنذهب لمامي غداً حسناً.
لذا أجابها برفق: سنذهب لمامي غداً حسناً.
لمعت عينين الصغيرة مُتسائلة بحماس: حقاً.
أومأ لها لتقفز من مكانها بسرور وترقص معه وحملها هو يراقصها بحركات تُبلسم روحه كما كان محرد تواجدهم مع راما تبلسم روحها كذلك والحال أن الصغيرتين دواء لكلاهما،، لذا كان عليهم أن يتنقلو بينهم هكذا حتي الوصول للطريق الصحيح.
■■■
دخل راكان مكان الاحتفال يحمل صغيرته يارا ولارا تمشي بجواره مُتمسكة بكفهِ وعينيها تبحث عن والدتها بكل مكان حتي وجدتها فتركت ذراع أبيها قائلة بحماس: مامي.
راقبها وهي تتجه لوالدتها.. والدتها التي جذبته ما إن دخل لها وكأنها وحدها بالمكان، لم تبذل عينيه جهد حتي يجدها لأن قلبهِ دله فوراً، كانت تجلس وحدها علي إحدي الطاولات غير متفاعلة مع الاحتفال من حولها، ترتدي فستان وردي شاحب وحجاب بنفس اللون.
ظل واقفاً يراقب دهشتها من رؤية ابنتها جوارها فجأةً هكذا قبل أن تحملها لقدميها وتقبل وجنتها وتتحدث معها بما لم يسمعه بالتأكيد من مكانه البعيد عنها حتي رآي لارا تشاور عليه ورفعت هي عينيها لتتعلق بهِ، فاقترب منهم يسمع تهليل يارا التي رأت راما ما إن اقترب منها وهي تكاد تقفز من ذراعيهِ لذراع والدتها.. ابتسم بإرهاق وهو يتركها بين ذراعين راما لتتعلق برقبتها طوال الحفل دون نظرة واحدة منها لوالدها مُجدداً، جلس راكان جوارهم مُتسائلاً: كيف حالك.
نظرت له بصدمة للحظات، هل يسألها عن حالها! عجيب ولكنها أجابته بهمس خافت: بخير.
ثم ترائي لعقلها أنه عرف بحملها لذا يسألها عن حالها فتوترت باختناق ورعب، لن تريده أن يعلم عن هذا الطفل شيئاً حتي يكتشف كل شئ وتثبت حياتهم علي وضع واضح وليس ذلك التشتت فهي لن تخاطر بالصغير القادم أيضاً.
■■■
بنهاية الحفل تعلقت يارب برقبة والدتها هامسة ببراءة: ماما ماما.
ونفت الصغيرة الأخري وهي تتعلق بيد والدتها ورفضت الذهاب مع راكان لتتعلق عينيها هي بهِ تتوسله بصمت في استعطاف ليبعد بوجهه عنهم وهو يتذكر بكاء طفلتاه طلباً لوجود راما معهم والذي كان يخترق قلبه كسهام سامة ولكنه لم يعد يعرف ما الذي أصابه أهو يعاقبها أم يعاقب طفلتاه أم يعاقب نفسه، لذا انصاع للمنطق وحكم عقله وليس قلبه المشتعل بنار تكويه من فعلتها المشينة وجلس علي ركبتيه بجوار كرسيها ليتحدث بخفة مخاطبا طفلتيه بنبرة حزينة مصطنهة: أتريدون ترك والدك ينام وحده.
استشعرت بصيص الأمل في نبرته وجاء الرد من الطفلتان بالرفض مجددا ليقل بمرح ليفرح وردتيه: حسنا سأنام وحدي الليلة وسأصطحبكم عند ماما حسنا.
شهقة خرجت من فاهها مع صياح لارا التي فهمت كلمات والدها بينما ظلت يارا علي حالتها مختبئة داخل أحضان والدتها التي اشتاقتها،، تمتمت راما بشكر خافت ليتغافل عنه مُتحدثاً بصلابة يدعيها: بعد الاحتفال لكِ وسأتي لأخذهم غداً.
أومئت وهي تُلاعب صغيرتها والإحتفال اليوم اثنين فهي ستنام وبأحضانها طفلتيها وستذوق النعيم الليلة مجدداً والتي لولا الطفل القابع بين أحشائها لما صبرت علي فراقهم أبداً وانتهي الحفل ورفضت الصغيرة أن تركب مع راكان ظناً منها أنه سيأخذها من والدتها وظلت متعلقة برقبة راما وراما تحاوط جسدها الصغير لصدرها ليتحدث راكان بصدق: سنذهب لمنزل راما.
وكأن الصغيرة تفهمه ظل يحاول اقناعها بصدق ويهدهدها وهز يقترب برأسه من رأسها أكثر حتي بات علي مقربة قد تجعل راما تنهار ولكنها وقفت ثابتة تحتضن طفلتها بهدوء مهدءة من قلبها المرتعش النازف في تلكَ اللحظة فما أقربه وما أبعده في حين!.
حضرت سبأ حينها لتقل بهدوء ذا مغزي: ألا تري أنكَ قريب بزيادة.
وحينما استمع لكلماتها رفع نظره من فوق كتفه من وجه الصغيرة لوجه والدتها وتوقف العالم حينها والزمن المؤلم الذي عصفَّ بعلاقتهم، عيناها الخضراء التي كانت تلمع فيما قبل شاحبة تماماً الأن ويتخيل بياضها المحيط شعيرات قليلة حمراء تكاد لا تُري ولكنه رآها بوضوح ليعلم أنها نتيجة بكائها بينما هي ابتعدت برفق عنه وهي تري نظراته المُثبتة بضياع وتخيل لها الشوق بهم لتتحدث له وهي تُطبطب علي الصغيرة لتهدئها فعينيها أنزرت بالدموع وبدأت بالنشيج وهي تظن أن والدها سيأخذها: سآخذهم أنا معي وسأطمئنكَ عليهم حين وصولنا.
هتف بسرعة وغضب مما يحدث بداخله: لا تعالي معنا وأنا سأوصلكم للمنزل، لم يكن يجب أن أحضرهم لكِ.
حسناً هذا كان غباء قاسٍ ولكنها رغماً عنها ابتسمت بعد وقوعه بلسانهِ دون انتباه أنه من البداية أحضرهم لها، تبعته بعد أن أعلمت سبأ ليرحلو هما وهي ستأتي خلفهم معه وركبت بالخلف واضعة الصغيرة علي قدميها وجلس هو وهو يحمل لارا النائمة ليضعها جواره ولكن راما تتحدثت وهي تترك يارا جوارها: أعطني لارا.
حمل الطفلة برفق مجدداً وأعطاها إياها بهدوء لتنيمها جوارها وتجعل من قدميها وسادة لرأسها ثم عادت لتحمل يارا لأحضانها مجدداً واستكانت الصغيرة أخيراً وراحت تعبث مع والدتها براحة وأخذت تُحاول فك حجاب والدتها راغبة كعادتها باللعب في شعرها حتي قوست شفتيها مُعلنة عن فشلها لتضحك راما بهدوء مُراقبة محاولاتها المستميتة في ذلك، وفي حين ذلك كان راكان يُتابعهم بشغف مُتذكراً مشاركة يارا إياه بالتلاعب في شعر زوجته قبل أن يدُرك الفراق حياتهم والمعاناة والمأساه قلوبهم وتعجب لها ولقوتها رغم هذا الشحوب الذي هي به، وصل أخيراً أسفل منزلها ليُلقي نظرة عليهم.. علي عائلته الصغيرة والنائمة الأن بسلام بعد أن نامت يارا بين ذراعين راما وتبعتها راما بنوم مريح، رأي كيف كانت تحتضتن يارا بذراع وتحتضن جسد لارا بالذراع الأخر حتي لا تقع.. طال تأمله يريد الإقتراب الذي حرمه علي نفسه، إشتاق إشتاق الطفلة الثالثة بهجة حياته قبل أن تُصبح عتمتها المظلمة.. وبدون شعور منه كان يجلس معهم بالخلف يُشَّبع نظره برؤيتها بعينان تبدلت فيهم النظرة الجامدة لأخري مُحتاجة واقترب منها وإن لم يقترب سيسقط!
سيقترب فقط قليلاً ثم سيبتعد.. عجيب كيف يشعر بالسقوط دونها وكيف يشعر أن مجرد اقترابه للحظات سيحول دون ذلك!، وهو الذي ظن أنه دائماً يدعمها ويقويها.. فآلا وهو كان صامداً بسببها.. وآلا وهي مصدر قوته.
سيقترب فقط قليلاً ثم سيبتعد.. عجيب كيف يشعر بالسقوط دونها وكيف يشعر أن مجرد اقترابه للحظات سيحول دون ذلك!، وهو الذي ظن أنه دائماً يدعمها ويقويها.. فآلا وهو كان صامداً بسببها.. وآلا وهي مصدر قوته.
رفع قدم لارا علي قدميهِ ليقترب أكثراً دافناً وجهه بعنقها وأخذ يستنشق أريجها بقوة وقد ملئ عبقها رئتيه وكم ود كحال يارا لو تتخلل يديه بين شعرها من أسفل حجابها لتتحرك يديهِ في انصياع لعقله وما إن لامس رقبتها حتي استيقظت وكان الاستيقاظ مفزع لها ومُخرب لراحته للحظات فقط انطفئت نيران قلبه.
فزعت لرؤيته بهذا القرب الغير مُباح ولم تستطع التحرك بسبب الطفلتين لتستنجد بالحديث فتحدثه بتهدج ورائحته تسللت لأنفها لتشل حواسها تماماً: راكان ماذا تفعل.
وصوتها نزعهُ من غفوته في استرجاع ذكرياتهم ولكنه لم ينتزعه من لين قلبه الحالي ليتحدث بتهدج هو الأخر: فرحة، فرحة بما وصلنا إليه.
ولم ينزع وجهه من عنقها بل زاد من ضغطه علي رقبتها ليقربها له أكثر لتتحدث هي وقد راحت تعاتبه بمرارة: أنتَ من طلقتني، أنا بم أطلب منكَ الطلاق.
وعادت نبرته لقسوتها وانتقلت يديه لفكها يدير وجهها له بقسوة ليقابل عينيها التائهة بعينيه الذين تشبعوا بحسرته وبحديثه الذي لم يخلو من صلابته قال: ولماذا طلقتك، أنتِ ماذا فعلتي.
نظرت له بدموع طفلة تائهة أصابته في أعماق روحه لتزداد قوة يديهِ علي وجهها وهو يهتف بجنون: تحدثي ما الذي استفدتيه، أيعجبك كل هذا، رؤية طفلتيكِ ضائعتين هكذا.
ثم شهق بقوة وكأنه يُعاني خطب ما في رئتيه لتقطب جبينها بقلق وهي تراه مُجدداً يُعاود اللين ليستكين بين كتفها ووجهها مُجدداً ليقل بصوت مُتعب: أيُعجبكِ حالي، أنا أموت.
همست بخوف: راكان أنتَ تُخيفني هل أنتَ بخير.
وعاود النقيض لينظر لها بشراسة صائحاً بغضب: تحدثي واللعنة ماذا استفدتي؟.
تململت إحدي الصغيرتين ليبتعد هو مُنتبهاً لذلك، وضع رأسه بين كفيه يشد علي شعره ويتنفس بغضب ،، نظرت له تستمع لصوت أنفاسه بنشيجه الخاف لتتحدث بنبرتها المُعاتبة الصائحة بألم وإن كانت خافتة لأجل طفلتيها: أنتَ ظلمتني ومازلت تظلمني، أقسم لك بحياة بناتي ليست لي صلة بهذه المرأة ولم تكن نيتي أبداً سيئة وأنا أخبرتك كل شئ من البداية وطلبت منكَ تحاليل والدتك وأنتَ بنفسك أعطيتني إياها، أعلم أنني مخطئة لأنه كان يجب أن نتواصل مع طبيبها أولاً هذا ذنبي الوحيد أنني تصرفت بتسرع، حسناً أنا مذنبة ولكن ليس لي علاقة بالمرأة، ليس لدرجة أن تتهمني بقتل والدتك، أنتَ تعرف جيداً ممن كنت متزوج، أنتَ تعلم أنني لست كاذبة كذلك ولكنك تُنكر الأمر.
ثم قالت بآسي: صحيح أنت تعلم!.
شهقت بنهاية حديثها تستمد قوتها من طفلتيها، هم قوتها ونقطة ضعفها بتلكَ الحياة وزاد هو من ضغط رأسه بين كفيهِ، يُريد تصديقها .. قلبه يُخبره بأي غباء وإثم يقترفه بحقها وأنها طفلته النقية كما عرفها تماماً ولكن عقله لا يري غير والدته الملقاة بتشنج أرضاً وتلكَ الرسائل التي تُدينها علي هاتفها وبين ذاك وذاكَ تفتت شمل عائلته الدافئة وفي عز صراعه وضعت يارا بينها وبين الباب وأسندتها جيداً وراحت تقترب منه يدون يأس لتلمس كتفهِ في تردد،، ثوانٍ قبضت بيديها علي ذراعه ليتشنج تحت لمستها فتسحبها سريعاً مُتحدثة بطفولة بالغة: أنظر في عيني يا بابا.
ونظر والنظرة جعلته يتخبط قبل الإتزان الذي يبعد عنه خطوة واحدة وتابعت بنفس النبرة: أتري طفلتك كاذبة يا بابا.
وإتزن وفقد السيطرة بسبب صدق نبرتها وعاطفة هوجاء اجتاحته واقترب اقتراب خطير يُحاوط وجهها مُتحدثاً بالقرب من شفتيها: بابا يُصدقك، بابا يُريد أن يُصدقك ولكن أعطيني دليل لأرتاح، دليل واحد لأتمكن من النسيان والمضي قدماً.
ابتعدت عن يديه وهي تشعر بخطورة الاقتراب وتحدثت ببراءة طالما تميزت بها: إذاً أنا سأظل هنا أنتظر بابا حتي يكتشف الحقيقة.
ابتعد مُتنهداً باستسلام وحتي يتأكد من نفس سموم عقله البعد بينهم محبب الأن حتي لا يؤذيها سهواً بواحداً أظهرته من جديد بعد أن قمعته منذ سنوات بحب نفي بريئ خالي من الشئوب وحمل صغيرته وحثها علي للنزول لتحمل هي الأخري وتنزل معه وأمام باب البيت قبل طفلتيه وذهب وهي كالحورية نامت معهم قريرة العين براحة لم تذرها طويلاً،، ورغماً عن حورية كانت تُتابع بريق ابنتها بتلكَ الليلة بسعادة.. ابنتها التي صبرت علي هذا الإبتلاء المؤلم ولكن بصيص الأمل عاد يُحلق فوقها مُجدداً بعد تلكَ الليلة التي فضحت الكثير من المشاعر المختبئة خلف قناع العقل والمنطق.
#يتبع..