-->

الفصل الخامس والثلاثون - شهاب قاتم

    


الفصل الخامس والثلاثون


تنويه : موعد الفصل السادس والثلاثون سيكون بتاريخ الخميس 5 نوفمبر على مدونة رواية وحكاية في تمام الساعة التاسعة مساءا وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرون ساعة على موقع واتباد

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢


ذكر لنا الراحل أنيس منصور في كتابه إنتهى زمن الفرص الضائعة أسطورة إغريقية تقول..

عند الإغريق أسطورة تقول : إن "شاباً" حبسوه في إحدى "المتاهات". ولكن حبيبته قد وضعت فى جيبه خيطا طويلا يتركه وراءه يتدلى لعلها تهتدى إلى انقاذه بعد ذلك. وهذا ما فعله الشاب الحبيس. وهكذا أنقذته حبيبته الفتاة " أريان".

هذا "الخيط الهادي" دخل التاريخ تحت اسم " خيط أريان" الذي يهدي من السجن إلى الحرية ، ومن الظلام إلى النور، ومن الظلم إلى العدل..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

أطرق برأسه إلي أحد الجوانب وهو يرمقها بنظرة جعلت خفقات قلبها تتسارع في خوف من تحول ملامحه، اللعنة على سيكوباتية ذلك الرجل، متي سينتهي منها؟ الخوف الآن يجب أن تتخلص منه، أو على الأقل عليها أن تترك ذلك الخوف بعيدا وتنتبه وتواجهه وتتحمل نتيجة خطأها بالبوح له! على كل حال، لن تستسلم حتى تُغير كل ما هو عليه!

"عرفتي منين؟" ثقبتها داكنتيه لتبتلع بينما لم تجبه فأقترب هو منها وهو يتفقد ملامحها، بدا كقاتل مأجور كأحدى هؤلاء السجناء المختلين الذين رآتهم يوما ما، لن تنكر هذا الأمر

"قولت عرفتي منين؟" اكتسبت نبرته السائلة الهامسة فيما سبق الحدة والشراسة وآتت بصياح عكس همسه منذ لحظات 

"شهاب، متخلنيش أندم إني قولتـ.."

"ما تنجزي وتردي على السؤال، عرفتي منين؟" صاح بها بمزيدا من الشراسة وملامح الغضب امتزجت مع ملامح القاتل المأجور وهو يقترب منها بهذا الشكل

"ازاي أنا غبي أوي كده.. اكيد عرفتي هنا من البيت لما كنت نايم!!" 

ابتسم بتهكم ابتسامة جعلته يبدو مُرعبا ليبتعد عنها بخطوات سريعة واتجه نحو الباب لتجري هي مسرعة وحالت بينه وبين الخروج لتقف ناظرة له مستندة على الباب خلفها واضعة كلتا يداها خلف ظهرها لينظر هو لها في ترقب بطريقة مُرعبة لتبتلع هي وهي تحاول السيطرة على تأثير ملامحه المُهيبة عليها وقبل أن يعاود هو الحديث بادرت هي

"شهاب اسمعني.. أنا لما عرفت جيت قولتلك.. أرجوك.. إن كان ليا خاطر عندك.. بلاش تعمل أي حاجة فيها تهور، أنا هقولك كل حاجة بس نتكلم بهدوء.. لو اتصرفت دلوقتي أي تصرف بعصبية هتبوظ كل اللي احنا بنعمله، هتخلي علاجك ملهوش أي لازمة، ارجوك اهدى واسمعني" تحدثت إليه بشجاعة خالفت ملامحها الخائفة 

"أنتي عايزة إيه؟" همس بين أسنانه المطبقة ولهيب غضبه انعكس كأنفاس لاهثة شعرت هي بها تتصادم بوجهها

"عايزاني اتغير بين يوم وليلة ليه؟" أقترب منها أكثر وأمسك بذراعها وداكنتيه تتغلغل عينيه بنظرة قاسية فارغة من المشاعر 

"مش كفاية بقى كل اللي بتعمليه فيا ده.. عايزة مني إيه تاني؟" عاود الحديث بين أسنانه وقبضته على ذراعها آلمتها بحق فهمت منه هي شيئا مخالف لما قصده هو، عذابها إليه بات فوق تحمله، لم يعد يستطيع مجابهة كل هذا!!

"شهاب، احنا فيه ما بيننا ثقة وصراحة، أرجوك متهدش كل حاجة.. أنا هساعدك بكل اللي أعرفه.. بس اهدى.." همست إليه وهي تنظر مباشرة لعينيه وتلمست يده على ذراعها بهدوء وأومأت له

"هنوصل لعمك، وهاحكيلك كل حاجة، بس علشان خاطر نفسك وعلشان خاطري اهدى، بلاش اندفاعية وعصبية" همست من جديد في توسل وهي تتلمس يده عله يتركها ويهدأ وملامحه تلك تعود للهدوء 

تبادلا النظرات في صمت لوهلة، يكز هو أسنانه في محاولة للنهاية من كل هذا العذاب التي تقسو به هي عليه، متى له النهاية من كل ذلك؟ ألا ترى تغيره الشديد معها؟ ألا تشعر به؟ ماذا تريد بعد كل ما يفعله لها؟ ومن أجلها؟ ألا يكفي ظلمها إليه بتلك النظرات والملامح وحتى نبرة الصوت تلك اللعينة التي بات لا يهدأ سوى بسببها.. 

"ماشي يا فيروز" زفر في حنق شديد "حاضر.. هاهدى.. اتفضلي قوليلي عرفتي منين وازاي هي بتيجي وسط الحراسة دي كلها.. مين اللي ساعدها ومين اللي قالك!! جاوبيني بسرعة علشان مهدش البيت ده على اللي فيه!!" تحدث بين أسنانه المطبقة 

"ممكن طيب تسيب دراعي" أتطلب منه بتوسل هذه المرة؟! ألا ترى أنها حتى تغيرت معه في مثل تلك الأشياء؟ ألا يكفيها إعطاءه مبررات بسبب ما يعانيه من مرض تغلغل بداخله حتى دمر هذا الرجل؟! 

"اتفضلي" أخبرها غاضبا ليُلقي بذراعها في عنف وأطاح به هو ويدها التي كانت تتلمس يده ثم ابتعد عنها محاولا التنفس في هدوء بينما خلل شعره موليا اياها ظهره ووضع يده الأخرى على خصره وأوصد عينياه في انتظار فيروز أن تبدأ بالحديث 

"أرجوك اهدى واقعد علشان أعرفك كل حاجة، العصبية مش هتنفع يا شهاب" همست إليه وهي تقف خلفه ليلتفت إليها وملامح الغضب ترتسم على وجهه ليُلقي بجسده بأحدى الكراسي بمكتبه ثم استند بكلتا ساعديه على ساقيه وشابك أصابعه صانعا قبضة يحاول خلاله كبح جماح غضبه 

"انجزي!! عرفتي منين وازاي؟" تحدث بإقتضاب بين أسنانه المُطبقة لتجلس فيروز أمامه وهي تتفقده مليا 

"أنا حسيت إن مدام عنايات مخبية حاجة هي وحازم و.."

"بقى هي كدبت عليا.. ماشي" قاطعها ونهض متجها من جديد نحو الباب لتهرول خلفه ثم اوقفته 

"مش أنت وعدتني اننا هنتكلم بهدوء" أمسكت بذراعه ليلتفت لها بنفس الملامح الغاضبة 

"أرجوك متخلنيش أندم، صدقني لو محستش إنك بتتغير وبتتحكم في تصرفاتك مرة مع التانية هاحس إني فاشلة ومقدرتش أساعدك وإنك كمان بتخلف بوعدك ليا" 

رفع كلتا يداه للأعلى وهو يُخلل شعره، صوتها وتفاصيلها ولمساتها التي تزداد لا تسهل الأمر عليه، هي فقط لا تعرف كيف يشعر وهو غاضب، لقد اعتاد الإتيان بالنساء ليُعذبهن ويعاشرهن بعنف في مثل تلك الأوقات العصيبة، عليها التوقف بأي طريقة كانت، لم يعد قادرا على تحمل إقترابها منه بتلك الأريحية، عليه الهدوء والسيطرة على نفسه بأي شكل وإلا سيفعلها معها.. 

لم يكن يلاحظ أن مرضه يُخرجه بمنتهى الخطأ بمجرد مضاجعة خالية من المشاعر، يا لها من عادة بشعة!! إدمانه للعنف بتلك الطريقة المرضية لا يساعده أبدا، بل يُفسد كل ما تبقى لديه من إنسانية ومشاعر فطرية خلقها الله! وكأنه أعتاد أن يُلقي بنفسه في براثن التهلكة إلي أن أصبح حطام رجل حي!

توجه نحو المكتب ليفتح احدى أدراجه وهو يبحث عله ترك أي سجائر هنا قبلا فوجدها وبسرعة أشعل احدى سجائره وشرع في تدخينها وفيروز تراقبه على حذر ولكنها لم ترى ملامحه لإصراره بأن يوليها ظهره كمن يريد الإبتعاد عن عينيها متعمدا.. كادت هي أن تتحدث وهي تأخذ خطوة نحوه ليأتيها نبرته الرجولية بم لم تتوقعه 

"اطلعي برا وسيبيني لواحدي شوية" تحدث بصوت خافت بينما لن تفعلها كل مرة، عليه أن يواجه كل ما يحدث ويتحمل المسئولية، لن تتركه هي ليواجه ذلك كل مرة 

"شهاب أنت مش هاينفع كل مرة تـ.." 

"انتي مبتسمعيش الكلام ليه! ليه بتقاوحي معايا.. قولت اطلعي برا.." قاطعها وهو ينظر إليها بغضب وعادت أنفاسه المختلطة باللهيب من جديد ليرى أنها تحاول أن تحدثه فوضع سيجارته بالمنفضة ثم ركل مكتبه بقدمه وهو يهز رأسه في إنكار صاررا أسنانه 

"بصي.. بلا علاج بلا كل مرة ومتجبليش سيرة الكلام ده.. انتي لسه متعرفيش أنا ممكن اعمل فيكي إيه دلوقتي حالا" ابتلع ثم أخذ يقترب منها لتتحول ملامحها للإندهاش رافعة حاجبيها وهي تنظر له بعدم تصديق لتعود ملامحه وتتغير من جديد وهو يقترب منها بينما حاولت هي الإبتعاد 

"امشي وسيبيني بدل ما اعمل فيكي زي ما بعمل في اي واحدة وأنا متعصب!! سيبيني اهدى وانا اللي هجيلك بنفسي.. متقاوحيش! بلاش دلوقتي وأنا متعصب كده! سامعة؟!" نطق بكلماته بمنتهى البطئ الشديد بنظرة اخافتها لتبتلع هي في ارتباك ثم خرجت وتركته..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

جلست في شرود وتعجب وهي تشعر بمشاعر مختلطة، تعقد ذراعيها وهي تمرر احدى كفيها على ذراعها الآخر، لا تُصدق ما استمعته منه وهو يُقر به بلسانه.. هل يُمكن أن يفعلها معها؟ ولكن لا بالطبع ستدافع عن نفسها..

لم يأت بتخيلاتها سوى تلك التسجيلات التي حصلت عليها من بدر الدين، لم تره سوى وهو يعتدي عليها مثل تلك النساء، لن تُنكر أنها شعرت بخوف شديد..

حاولت الإستفاقة من صدمتها كي تفكر في الأمر جيدا، لقد طلب منها بنفسه أن تتركه، أن تبتعد كي لا يفعل بها ذلك، هذا يبدو تغير على كل، لو أنه لا يزال مثل السابق كان حتى تحدث بأية تُراهات مثل تلك الليلة بالفندق مثلما فعل معها، هو يتغير، هي تلمس ذلك من أفعاله وحتى من حديثه..

شعرت بالمزيد من برودة الجو في مثل تلك الساعة لتنتبه وتفقدت ساعة يدها لتجدها قبيل الثانية عشر بقليل لتتنهد والتفتت كي تغادر فوجدته واقفا خلفها واضعا يداه بجيبيه فتوقفت وهي تتبادل النظرات معه لوهلة بينما عقد هو حاجباه، لم يكن يريد أن تنتشله من مراقبته اياها بتلك السرعة فهو لم يأت سوى من دقيقتان

"فيروز، أنا لما بواجه حاجة صعبة ومبعرفش اتصرف فيها بنام مع ستات بطريقة بشعة، مبعرفش اسيطر على نفسي.." أيُخبرها حقا بتلك الصراحة الشديدة، يبدو صادقا للغاية.. لا تصدق أنه بات يحدثها بصراحة بكل ما يشعر به هكذا

"مش بوس وأحضان.. حاجات تانية وبطريقة عنيفة اوي وبشعة.. انتي فهماني اقصد إيه؟" تحدث بصوت خافت وهو يتجرع وحده صعوبة النطق بتلك الكلمات ونظر إليها بتمعن لتومأ هي له بإقتضاب ثم نظرت في غير اتجاه عينيه ليلاحظ هو ملامحها المتقززة والرافضة للأمر فأقترب منها

"فيروز متخافيش ويا ريت نظرتك متختلفش ليا، انا عمري ما ما اقدر اعمل كده معاكي، اولا علشان انتي بعيد اوي عن الستات اللي بعمل معاها كده.. ثانيا، زي ما شوفتي، أنا عمري ما اسمح لنفسي إني أأذيكي أو اتصرف معاكي تصرف مش كويس"

أخبرها هامسا لترفع هي نظرها إليه وأخذا يتبادلا النظرات للحظات قليلة لتتنهد هي من جديد ولا تدري لماذا تشعر بالإرتباك منه هذه الليلة أكثر من أي وقت مضى..

"شكرا يا شهاب.. أنا يادوب أروح.. تصبح على خير" أخبرته وكادت أن تذهب ليوقفها بنبرة ممازحة

"لا احنا متفقناش على كده.. بتغدري بيا ولا إيه؟" حدثها وهو يبتسم إليها لتنظر له مضيقة ما بين حاجبيها في استفسار وتعجب

"قولتلك هاهدى وهنكمل كلامنا.. مش ده كان اتفاقنا؟" نظر إليها لتتذكر هي كيف بدأت تلك الليلة الغريبة معه لتتحول ملامحه للتعجب وهو ينظر إليها

"انتي ازاي عينيكي عسلي.. أنا شايفها حالا رمادي" تحدث لها ممعنا النظر لعينيها

"سيبك من عيني لونها إيه.." زفرت في ضيق وهي تعقد ذراعيها "أنت وصلت لإسم صاحب الرقم اللي كلمك؟" حدثته بجدية لينزعج هو بينما أومأ لها

"واحد من جوا شركة الإتصالات بيقول إنه واحد بيشتغل في شركة حراسة" مط شفتاه في تأزم جلي

"شهاب أنا لما فكرت في اللي قولتهولي على موضوع الورث ده، وإن مرات باباك كانت بتيجي هنا، يعني.. لو فعلا صاحب الخط خطف راجل كبير في السن، وهو مجرد راجل بسيط مثلا، كان طلب خمسة مليون ولا عشرة مليون، مش تلتمية.. اللي طالب المبلغ عارف كويس أنت تقدر على إيه!" رمقها وهي تعقد ذراعيها أكثر وقد شعر أنها تنزعج من البرودة

"تعالي ندخل جوا بدل ما انتي سقعانة كده" أخبرها مشيرا برأسه على ذراعيها لتومأ له بإقتضاب وتوجها للداخل من جديد حيث غرفة مكتبه

"عرفتي ازاي الأول موضوع سارة؟!" سألها بينما جلس على احدى الكراسي لتجلس هي على أريكة بالقرب من نفس الكرسي

"اتكلمت مع عنايات وعرفت إن مامة حازم كانت بتيجي لابسة نقاب وهي قالت انها مربية حازم، الحراس اتعودوا خلاص انها بتيجي ومكنش حد بيشك فيها" أومأ لها وهو يتفقدها مليا بينما مرر سبابته اسفل شفتاه وقد فهم الآن أنها تتخفى في الملابس لذا الرجال الذين يراقبوها لم يرتابوا بأمرها وهي تخرج وتدلف منزل والدها

"بس في نفس الوقت، بقول ازاي مامة حازم تعمل كده، الأولى من الفلوس إنها كانت تاخد حازم.. أنا يا شهاب مش بتهم حد، أنا بس بفكر بصوت عالي معاك وبحاول اساعد مش اكتر"

ابتسم لها ابتسامة صادقة ولكنها كانت مقتضبة وهو يتفقد ملامحها التي باتت أكثر ما يبقيه حيا بتلك الحياة وهز رأسه في إنكار لما استمع إليه ثم نهض وتوجه ليُدخن مرة أخرى

"اللي زي سارة مبيفرقش معاها غير الفلوس!!" حدثها بنبرة اتضح عليها الآلم

"عموما أنا هاعرف اتصرف معاها، بكرة الصبح أنا هافكرها كويس مين شهاب الدمنهوري.. ولو طلعت ورا كل اللي حصل ده أنا مش هاسيبها"

كم له من غبيا لينطق بتلك الكلمات التي يُفكر بها بمنتهى السهولة هكذا وفيروز تستمع له، لقد تخلى عن عقله تماما كلما أصبح معها، كان عليه التفكير جيدا قبل قول تلك الكلمات!

"هايل.." همست في سخرية وهي تنهض وتتجه نحوه "هتعمل ايه؟ هتهددها؟ ولا هتحرمها من ايه تاني اكتر من ابنها؟" التفت ليتبادلا النظرات بينما نفث دخانه بعيدا عن وجهها

"انتي فكرك اللي زي دول هيفرق معاهم ابن ولا بنت.." لوى شفتاه في سخرية "الظاهر من كتر ما انتي حلوة اوي شايفة الناس زيك" أخبرها ثم عاد ليستنشق من سيجارته مرة أخرى وابتعد عنها قليلا

"انت اسلوبك معاها من البداية كان غلط، كنت ممكن تقولها ان باباك سايبلك الورث كله، ولا كنت اخدت حازم منها ولا حاجة.." تنهدت وهو موليا ظهره إليها

"وبعدين انت ازاي خليتها تسيبهولك كده وانـ.."

"خدرتها، وجبت رجالة ناموا معاها، واقنعت حازم إن أمه مش عايزاه، ورميتها عريانة في وسط الحارة اللي كنا فيها زمان"

التفت إليها ناظرا لها بنظرة فارغة من المشاعر بعد أن قاطعها لتنظر هي له بإستغراب شديد ورعب مما استمعت له بالرغم من معرفتها كل ذلك من بدر الدين ومد يده ليلقي سيجارته بالمنفضة لتبتعد هي بخطوة للوراء بتلقائية شديدة

"نظرتك هتتغير ليا دلوقتي مش كده؟" نظر لها وكأنه تعرض للخيانة للتو ورمقها في خيبة أمل ثم توجه خارج مكتبه للحديقة المتبوعة للمنزل بينما أدركت هي للتو فداحة ما فعلته ولم تكن تقصد أبدا أن تجعله يشعر بهذا

"شهاب" نادته بعد أن تبعته للخارج

"أنا آسفة، أنا مقصدش أي حاجة" حدثته بينما لا يزال موليها ظهره "معلش يا شهاب بس اللي أنت عملته ده كان صعـ.."

"مُتخيلة إيه من واحد قالك إنه قتل، واغتصب؟" قاطعها ملتفتا إليها هامسًا لها لتنظر هي إليه في ندم من فعلتها بصدودها غير المقصود له

"متخيلة تعرفي إيه عني؟ ها؟! متخيلة إني هيصعب عليا بنت الكلب دي، ولا ابنها، ولا حتى أي حد.. ده أنا ممكن أقتلها بدم بارد، هي حتى ولا ابنها، والعيل ده.. مش ابن نفس الراجل اللي كنت ابنه برضو.. بيلبس احسن لبس، بياكل احسن أكل، خروج وفسح ولعب وحياة أنا كنت اتمنى واحد في المية منها.. لا مضطر يشتغل، ولا يصرف على نفسه ولا يمشي خايف ومرعوب من الناس اللي بتتريق عليه واغـ.."

توقف من تلقاء نفسه عندما أوشك بالإعتراف لها بأسوأ ما تعرض له في حياته وملامحه تصرخ بآلم غاضب صاحب صراخه بتلك الحرقة الشديدة وذلك الرعد الذي صدع بسماء الليل فجأة بينما رمقته هي في تعاطف بل وتألمت من أجله.. تناول عدة أنفاس يحاول عن طريقها تهدئة نفسه والتغلب على تلك الغصة التي تخلفت بحلقه

"طبيعي إني أشوف النظرة دي في عينيكي ليا.. واضح إني كنت غبي لما في يوم من الأيام صدقت إن فيه حد ممكن يقبلني بكل اللي فيا" همس لها بإنكسار ثم التفت ليتركها خلفه لتومأهي في انكار وتوقفت لتكون أمامه في مواجهته

"لو أنا مقبلتكش، كان زماني قاعدة معاك في بيتك بعد ما الساعة عدت اتناشر علشان نتكلم، لو أنا مقلبتكش كنت لغيت كل حاجة في يومي من شغل واصحاب وقعدت معاك؟ استجبت حتى لأنانيتك في إن أولويتك إنك تتعالج ومعاك اهو كل يوم علشان اساعدك.. أنت هتفضل لغاية امتى فاكر إني مستحقش الثقة ولغاية امتى هتشوف نفسك متستحقش؟ امتى هتفضل حاكم على نفسك إنك تسمع صوت دماغك اللي بيقولك تتصرف غلط؟ وبإعتبار إنك بتتصرف كل ده بدافع إن اللي حصلك في حياتك وشوفته مكنش سهل وأنا مقدراه كله.. إيه ذنب طفل زي حازم؟ طفل ملوش ذنب أبوه مين ولا أمه بتعمل إيه ولا أخوه عاش ازاي.. طفل عنده تمن سنين.. ليه تدمره؟ ليه تُحكم عليه بأسوأ ذكرى ممكن يفضل يفتكرها لغاية ما يكون في يوم راجل قدك.. ده أنت لو كنت اتجوزت بدري شوية كان زمان ابنك ولا بنتك أكبر منه!

فاكرني علشان بعدت عنك وأنا مخضوضة من اللي عملته في الست اللي اسمها سارة يبقى مش بقبلك؟ لا أنا قبلتك من زمان.. ومع كل دراستي وخبراتي والتحذير البشع اللي بنحذره للناس من التعامل مع السيكوباتي أنا بمنتهى البساطة اديتك ثقتي مرة واتنين وتلاتة!! أنا بعدت علشان خوفت منك!!"

صرخت بوجهه في منتهى العصبية، تناست العلاج، تناست من هي، تناست من هو، بمنتهى المشاعر الجياشة التي انحدرت في عنف لاذع شديد من أعلى جبال العشق المخفي دون توقف منها بتلقائية انغمست بها في علاقة، علاقة سامة، وسوف تؤدي لقتل أحدهما يوما ما بالإستمرار بها!!

متى ستتدرك أنها تتعامل معه وكأنه رجلها الوحيد الذي تريد رؤيته أفضل؟ هي تعاتبه وتلومه.. هي تريد أن تراه أفضل ليس لأنه حالتها ولا صديقها.. بل هي تشعر بالفخر به بمجرد لمح تغير يطرأ عليه!! حتى ولو تغير ليس له جذور ثابتة، لا تلاحظ أن تغير السيكوباتي لطالما كان واهيا في البداية.. وهي لا تشعر بكل ذلك!

"أنا خوفت على طفل ملهوش ذنب، خوفت أكون بضيع وقتي، ووقتك يا شهاب.. خايفة بكون عمالة أديك في أمل وهو أصلا مش هيحصل، خايفة انك تبقى بتنتقم من طفل ملهوش ذنب علشان تعيشه نفس اللي انت عيشته، خوفت عليك، خوفت من عقلك وأفكارك اللي مش بتتحكم فيهم وبتسيبهم يدمروك.. لو مش فاهم خوفي ورعبي عليك أنت قبل أي حد وكل حاجة، عمرك ما هتتغير ولا تتعالج وهتفضل محلك سر مش هتتقدم خطوة.. لو مش واثق في إني بحبك وبخاف عليك كصاحبي اللي عايزة أشوفه في احسن حالة عمرك ما هتتغير، لو مصدقتنيش إني قبلاك بكل عيوبك ووثقت فيا هتفضل مبتتحركش، هتختفي جوا القوقعة اللي قفلتها على نفسك من سنين ولسه عايز تفضل جواها وهتفضل عايش في الضلمة وعمرك ما هتشوف نور أبدا"

صاحت بحرقة شديدة إليه لتتركه وهي تتجه مبتعدة عنه، وعن تلك الأصوات الرعدية المُهيبة التي صاحبت كلمات كل منهما للآخر، وعن ما قالته، وعن كل ما يحدث لها، لماذا هي متعاطفة معه لتلك الدرجة؟ لماذا لا تراه سوى الطفل الصغير؟ حتى بعد كل ما استمعت إليه ورآته منه، لا يزال بداخلها ذلك الحاجز الذي يحثها على تقبله بكل ما به من عيوب ومرض شديد السيطرة عليه!

"فيروز استني" هرول خلفها وهو يجذبها من ذراعها لتلتفت ناظرة له ليرى عينيها تمتلئ بالدموع ولا يدري أذلك بسبب الأمطار التي انهمرت كالسيل فجأة أم هي تبكي من أجله بالفعل

"أنا آسف، مكنتش أقصد.. أنا.. أنا بس.." تلعثم وهو لا يزال ممسكا بها لتنظر هي له بقلة حيلة وقد أُرهقت من كثرة تقلباته ومقاومته الشديدة في أن يُصبح رجل أفضل

"أنا مش سهل اتعود يا فيروز.. أنا خايف منك.. لو اتعودت عليكي وقولتلك على كل حاجة أنا بعملها، تفتكري هتفضلي زي ما انتي معايا.. خايف تبعدي.. أنا المرة الوحيدة اللي اخترت فيها إنسانة وسمحتلها تقرب مني.. سابتني.. سابتني واتريقت عليا.. أنا خايف أعملها تاني ورد فعلي المرادي يبقى أصعب من الأول!"

صاح بها وقد فسد شعره ليتلمس جبينه بفعل تلك الأمطار ودمعت عينيه قهرا عند تذكر غادة وعادت كلماتها إلي مسامعه من جديد وكأنه يتحدث إلي فيروز بينما كلمات غادة تصيح في الخلفية بصحبة تلك الأمطار الكريهة التي لا يكره أكثر من صوتها..

نظرت إليه بين تلك المياة التي حجبت بين كليهما ومن جديد استشعرت صدقه لها، هي تعلم أنه لا يكذب، ولكنها لا ترى أنها باتت تسمح له بتلمسها، لا ترى أنها كل مرة باتت تنتظره، تستمع له، توافق على كل ما يقول، تتعاطف معه أكثر وأكثر وتنجرف مشاعرها دون ملاحظة إليه وتهرول كل مشاعرها له دون توقف ولا حذر..

"انتي جسمك بيترعش.. تعالي ندخل جوا" جذبها أكثر من ذراعها لتأخذ خطوات معه للداخل وبالكاد انتبهت لإبتلال ملابسها ولشعورها بالبرودة الشديدة واتجه هو معها بخطوات سريعة حتى وجدت نفسها في غرفة ملابسه وهو يحيطها برداء استحمام له ولكنه جاف لتُكمل هي إغلاقه على جسدها وهي تجفف وجهها بيديها ثم اتجه ليبحث لها عن ملابس قد تلائمها..

أقترب منها بعد أن أمسك بملابس له وناولها اياها وكذلك منشفة صغيرة وأشار لها بها كي تجفف شعرها فتناولتها منه وتبادلا النظرات لوهلة وبالرغم من عدم رؤية إمرأة شهية في حياته بأكملها مثلما يراها الآن كان يجب أن يتراجع حتى لا يفعل معها أمرا قد يندم عليه لاحقا..

"تشربي قهوة ولا حاجة دافية على ذوقي؟" ابتسم لها ابتسامة صغيرة ولكنها كانت غاية في اللطف واللباقة

"اي حاجة.. شكرا يا شهاب" همست إليها ليومأ لها

"غيري على ما أجيلك.." أخبرها ثم توجه للخارج وتركها وأغلق الباب خلفه كي يُعطيها الخصوصية لتبدل ملابسها..

نظرت حولها بعد أن بدأ جسدها في الشعور بالدفء لتجد نفسها محاطة بجميع ملابسه.. تسللت لأنفسها رائحة عطره التي امتزجت بذلك الهواء الذي يمر لرئيتيها، وجدت نفسها ولأول مرة تشعر بحالة غريبة لم تكن بها يوما ما..

نظرت لتلك الملابس المُمسكة بها ثم للمنشفة التي بيدها الأخرى ونظرت لنفسها بالمرآة وهي برداء استحمامه وشعرت بإبتلال ثوبها لتتيقظ ثم شرعت في تبديل ملابسها لخاصته ولكن بنطاله المنزلي كان لا يلائمها بتاتا لتذهب وتناولت بنطالا رياضيا ذو رباط تستطيع عقده على خصرها لتجده طويلا قليلا فرفعته في ثنيتان كي لا تتعثر به وتناولت قميصا لترتديه فوق ذلك القميص القطني المريح ذو الأكمام القصيرة وبالكاد فرغت لتستمع لطرقات على باب غرفة ملابسه فعلمت أنه هو..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

استند برأسه على ساعده بينما القى بجسده على السرير شاردا بداكنتيه في كل ما حدث منذ قليل، لا يستطيع أن يُحارب تلك الإبتسامة التي ارتسمت على شفتاه منذ أن رآها في ملابسه بتلك الهيئة وكأنها حملته لتحلق به في السماء السابعة حيث السعادة الأبدية وهو يراها كأنها أصبحت جزءا منه.. 

بساطتها، حُسنها التلقائي الآخاذ، عينيها ووجنتيها وشعرها وعنقها، كل أنملة بها بتفاصيلها التي لا تقاسمها بها أي إمرأة وكأنها حصرية عليها فقط  جعلته يدرك أنها أكثر إمرأة حُسنا وأجمل من رآى طوال سنين حياته، بل جمالها خيل له أنها أجمل من تكون على وجه الأرض بأكملها!

"يعني خلاص، كلام رجالة؟!.. هتكلم الراجل ده ولو سارة تعرفه هتتفاهم معاها بالراحة؟!" همست إليه وهي تتناول تلك القهوة منزوعة الكافيين 

"كلام رجالة" زفر من جديد عاقدا حاجباه 

"شهاب.. أنت وعدتني؟" توسعت عينيها لتتأكد من مصداقيته ليومأ لها وقد استسلم أمام تلك العسليتان 

"حاضر يا فيروز.. حاضر"

لم يعد يستطيع قضاء يوم واحد دونها، دون الإستماع لنبرتها الرقيقة الهادئة وهي تحدثه وكأنها تنتشله من براثن الحرب إلي عناق السلام، لماذا لم يقع بالعشق بها قبل غادة؟ لماذا لم تتقاطع طرقهما قبل أن يجدها زوجها العاهر الذي لا يكره بالحياة أكثر منه؟ 

زفر في إرهاق ثم اخفض رأسه على تلك الوسادة كي يذهب للنوم بعد أن غسل لها ثوبها وجففه بالمجفف، لقد أُرهق كثيرا اليوم، كما أنه أمامه غدا يوما يتمنى أن يكون كما تخيله، يتمنى أن يتوصل لحل مع سارة بطريقة ترضيها، يتمنى أن يمر اليوم بسلام غدا مع حازم وعنايات مثلما طلبت منه ألا يتعرض لها وأن يحاول الإقتراب من أخيه أكثر، ولكن أيا كان ما سيواجه غدا، هو يشعر بالراحة الشديدة والسعادة الهنيئة بمجرد وجود جدار وحيد فقط يفصل بينهما!

لقد كان نزار قباني مُحقا للغاية عندما قال يحتاج الرجل إلى دقيقة واحدة ليعشق المرأة ، ويحتاج إلى عصور لنسيانها!!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

لا يزال صدى ضحكته الرجولية بنبرته المميزة العميقة ينساب إلي أذنيها عندما رآها بملابسه الواسعة عليها، يا له من رائع، يستطيع أن يضحك حتى تدمع عينيه، يبدو جذابا، بدا كشاب سعيد بعيدا كل البُعد عن الأمراض والمعاناة.. لو فقط تصل معه لبر الأمان، شهاب الدمنهوري سيكون واحدا من أفضل الرجال الذين عرفتهم يوما ما.. 

يستطيع أن يكون لطيفا، لبقا، هادئا، ذكاءه الحاد هذا لو استخدمه وطوعه كي يُشفى مما هو فيه ستشعر حينها وكأنها امتلكت الدنيا بأكملها، ستشعر بمذاق نجاح لم يتذوقه سواها بالحياة وكأنها تتذوق أكسيرا جديدا طيب المذاق صنع بالجنة من أجلها لتشربه هي دون سائر البشر ليروي تعطشها للنجاح من جديد..

تتمنى أن يكون يوم غد ناجح، دون غضب، دون انزعاج، تتمنى الحصول على مزيد من ثقته بالرغم من صراحته المُرعبة التي يواجهها ويُحدثها بها ولكنها باتت تلمس ذلك التغير الشديد به، هذا تقدم معه على كل حال..

"والله لو ما بطلت ضحك، هلبس الفستان المبلول تاني" أخبرته بتحذير وهو يستمر في القهقهة الشديدة بينما هي تراقصت الإبتسامة على شفتيها ولا تدري أنها تبتسم لرؤيته بمثل هذه الطريقة..

"خدي خدي بدل ما يوقع مني" همس إليها وهو يناولها كوب القهوة بينما امتزج حديثه ببقايا قهقهاته وهو ينظر إليها في عدم تصديق 

"بطل ضحك بجد يا شهاب، متحسسنيش إن شكلي وحش اوي كده" أخبرته في توسل ليهدأ هو من تلك النوبة الشديدة ثم تفقدها متفحصا بعينيه التي حملت آثار دموع الضحك 

"انتي عمر ما كان شكلك وحش ابدا.. بس بجد شكلك cute جدا.. انتي جميلة يا فيروز" همس لها وهو يشرد بملامحها في وله تام 

"بتعاكسني على فكرة وأنا لا أقبل!" رفعت احدى حاجبيها في تحذير بإبتسامة جعلته يتنهد من كثرة جمالها وهو ينجرف بسرعة الضوء للمزيد من العشق

"صاحبك وبيقولك إنك جميلة!! وبعدين يعني انتي بطل مش جميلة وبس!" غمز لها لتتباعد شفتاها في دهشة

"شهاب!!" زجرته بنبرة جادة وتوسعت عيناها في مزيد من التحذير

"بصراحة بحب ارخم عليكي ودي الحاجة الوحيدة اللي بعرف ارخم عليكي فيها" أخبرها بمزاح لتزفر هي مضيقة ما بين حاجبيها في غضب "Decaff على فكرة" أشار للكوب الذي اعطاه إليها 

"شكرا" همست إليه بإمتنان ليومأ لها لتتنهد هي 

"علشان تنامي كويس ومتسهريش" أخبرها مبتسما لتومأ له بإمتنان مرة ثانية

"محتاج تغير، هدومك كلها مبلولة" أخبرته وهي تشير نحوه برأسها فأومأ هو لها دون اكتراث "صحيح، أنت هتعمل إيه في موضوع عمك؟" سألته بعينين مستفسؤتين بينما لا يزال في غرفته

"مش عارف" هز كتفاه بتلقائية وهو يقلب شفتاه "هاتلكم مع الراجل اللي لقينا الخط متسجل بإسمه وهنشوف.." 

"ماشي.. وهتتفاهم بالراحة ولا!" امالت رأسها لأحدى الجوانب ليزفر هو في ضيق 

"حاضر! هاتكلم بهدوء"

"يعني خلاص، كلام رجالة؟!.. هتكلم الراجل ده ولو سارة تعرفه هتتفاهم معاها بالراحة؟!" همست إليه وهي تتناول تلك القهوة منزوعة الكافيين 

"شهاب.. أنت وعدتني؟" توسعت عينيها لتتأكد من مصداقيته ليومأ لها وقد استسلم أمام تلك العسليتان

"حاضر يا فيروز.. حاضر"

"يالا.. أنا يادوب امشي علشان الوقت اتأخر" أخبرته وهي تضع كوب القهوة على منضدة بغرفته

"لا انتي هاتكملي قهوتك وانتي في السرير.. وتمشي ازاي الساعة قربت على اتنين!" حدثها بلهجة لا تحتمل النقاش

"بس يا شهاب أنا مش هاينفـ.."

"ولا ينفع ولا مينفعش، عندك بدل الأوضة عشرة، وأظن فيه مليون حد غيري وغيرك في البيت.. مش زي ما سافرنا متقلقيش"

 ضيق عينيه إليها ناظرا لها في تمعن بعد أن قاطع حديثها لتتنهد هي ثم رمقت الساعة لتجد أن الوقت تأخر بالفعل وكذلك لا تملك سيارة، ولن يكون جيدا أن تطلب احدى السيارات في هذا الوقت لتقلها من مدينة السادس من أكتوبر إلي منزلها بالتجمع الأول!

"ماشي ، بس على شرط!" رمقته بعينين متسعتين ليهمهم لها بأن تتابع 

"أولا متجيش جنب عنايات لأنها محتاجة الشغل واتصرفت بحنية مع حازم، وثانيا بكرة اليوم كله تقضيه مع حازم، بيحبك اوي على فكرة، انت بالنسباله حاجة كبيرة جدا، وصدقني مفيش حاجة في الدنيا اكتر من حب طفل pure في السن ده.. شايفك زي قدوة ليه، بيحب يقضي معاك الوقت كله.. خليه ياخد اجازة من المدرسة واقعد معاه أو اخرجوا.. هو هيتبسط ولو فتحتله قلبك انت كمان هتتبسط، أنا متأكدة من كلامي!" 

رمقها لبرهة من الزمن وهو يتفحصها بنظرات التردد، ولكن ما الذي يتفقده وما الذي يُفكر به، هو ينصاع لكل ما تريده هي في النهاية دائما..

"ماشي.." أخبرها موافقا لتتوسع ابتسامتها له ثم امسكت بالكوب 

"تصبح على خير" أخبرته وهي تتجه خارج غرفته 

"الأوضة اللي جنبي فيها احلى سرير في البيت على فكرة، بعد بتاعي طبعا" أخبرها لتلتفت له فغمز إليها لتقلب عيناها متمتمة 

"مش هيبطل وقاحة أبدا!" 

"وانتي من أهله يا حبيبتي" همس بعد أن تركته بإبتسامة لم تكن ترتسم على شفتاه أبدا إلا عندما أقر لنفسه بوقوعه بعشقها..

ذلك الحديث، والأحاديث السابقة له وتلك الأيام هي تغير جذري، هي تشعر بذلك، وجود حازم سيساعده حتما.. أمالت رأسها على الوسادة وخلعت قميصه لتنم دون إعاقة المزيد من الملابس لها فيكفي ما ترتديه على كل حال وهي تتمنى أن يمر الغد بسلام وبمزيد من الإنجازات معه بعد أن طاردت هذا المراوغ لكثير من الوقت.. ولكنه مراوغ لطيف على كل حال، خصوصا بتلك الإبتسامة التي لم تلاحظها على شفتاها..

أتراني طلبت ما ليس يطلب ؟ أخبريني من أنت ؟ إن شعوري كشعور الذي يطارد أرنب .. أنت أحلى خرافة في حياتي والذي يتبع الخرافات يتعب. معك كل الحق عزيزي نزار ولكنها لا تدرك هذا بعد!! تطالب سيكوباتي بالتغير بين ليلة وضحاها، تتبع خرافة أسطورية ليس لها وجود تلهث خلف أرنب شقي مُتعب ولا تعي فداحة ما ترتكبه!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

صباح يوم 24 أكتوبر عام 2019..

فركت عينيها عندما استيقظت وهي تتململ في السرير ثم نظرت للساعة المُعلقة على الجدار.. أتشير الساعة للعاشرة صباحا؟ هل نامت لكل هذا الوقت؟ أين هاتفها وحقيبتها على كل حال.. عليها أن تهاتف عملها بسرعة كي تعتذر عن عدم المجيء!

نهضت مسرعة وهي تنظر حولها بينما لا تزال تعاني من آثار النوم لتجد ثوبها الذي ارتدته بالأمس متواجد على احدى الأرائك وبجانبه هاتفها وكذلك حقيبتها لتتوجه مسرعة لتجري مكالمة للإعتذار بعملها عن عدم الحضور.. 

انتهت ثم خللت شعرها بأصابعها وهي تحاول الإستفاقة فأمسكت بالثوب لتجده مجفف ورائحته عطرة منعشة فأدركت أن هناك من قام بتنظيفه وإحضاره لها وتوجهت إلي الحمام كي تستعد لمغادرة هذه الغرفة، وكذلك ذلك المنزل الذي تعجبت متى ستتوقف عن القدوم إليه.. 

فرغت ثم اتجهت للخارج وهي تبحث بعينيها عن الجميع فوجدت غرفة شهاب فارغة فعلمت أنه نهض قبل منها فتوجهت لغرفة حازم فلم تجده أيضا، فقررت أن تسأل أول من يقابلها 

"صباح الخير يا مدام عنايات" 

"صباح الخير.. تحبي حضرتك احضرلك الفطار؟" ابتسمت لها عنايات برسمية بينما لاحظت فيروز ارتباكها الذي أدركت أن سببه حديث أمس

"من غير حضرتك أرجوكي.." ابتسمت إليها ثم تابعت "همّ حازم وشهاب فين؟"

"في الـ pool بقالهم فترة.. فطروا في الجنينة الصبح ومن ساعتها قاعدين هناك" ابتسمت لها بود عندما حاولت فيروز أن تُطمئنها بملامحها وابتسامتها الهادئة

"تمام.. أنا هاروحلهم" 

"طيب مش هتفطري؟" سألتها عنايات من جديد

"ممكن أي ساندوتش وقهوة بعد اذنك" أخبرتها لتومأ لها عنايات وتبادلا ابتسامة ممتنة وتوجهت فيروز حيث حمام السباحة..

توقفت وملامحها مشدوهة، أهذا الرجل هو نفسه الذي يعذب النساء؟ رجل المافيا، المختل السيكوباتي.. يلاعب أخيه الأصغر بمثل هذا الحماس وتلك الضحكات الرنانة من كليهما بحمام السباحة وكأنهما يعرفا بعضهما البعض منذ سنوات.. متى سيتوقف عن مفاجأتها بمثل تلك الطريقة؟ هذا تغير جذري بشكل يخيف..

"يالا.. خد بالك بقى المرادي" رغما عنها ارتسمت الإبتسامة على شفتيها عندما تحدث شهاب إلي حازم الذي وقف على منكبيه ليمسكه الآخر من قدميه وهو مستعدا للقفز بالمياة 

"يالا.. 1,2,3" حدثه شهاب من جديد ليقفز حازم مسرعا بالمياة وما إن ظهر جسده مرة أخرى حتى توجه لشهاب وهو يعانقه بإبتسامة وحماس طفولي ليبادله شهاب العناق 

"أنت كمان.. you have to jump like me.. we had a deal" حدثه حازم بلهفة 

"ماشي.. بس المرة اللي بعد مني هتطلع فوق وتنط زيي" 

"أوك اتفقنا" أخبره حازم بينما ذهب شهاب بحماس لا تصدق فيروز أنها تراه يسيطر على شهاب ليبدو تماما مثل حازم الطفل الصغير وكأنهما يستمتعان سويا فيما بينهما كصديقان 

"استنى هاطلع زيك أنا كمان" صاح حازم في حماس مجددا ما إن فرغ شهاب من القفز ولكنه لاحظ وجود فيروز فاندفع نحوها مهرولا

"تعالي تعالي.. شهاب علمني انط زيه.." جذبها من يدها في حماس لتتبعه فيروز بينما لاحظها شهاب لينظر إليها بإبتسامة رائعة 

"صباح الخير" 

"صباح النور" بادلته بإبتسامة هادئة 

"فيروز بصي" ناداها حازم في لهفة من على مسافة لينبهها أن تنظر له بدلا من تركيزها مع شهاب فنظرت نحوه ليقفز بالمياة واتجه نحوه شهاب سابحا 

"مش كفاية كده بقى نخرج" حدثه بصوت لم تستمع إليه فيروز من تلك المسافة فتوجهت لتجلس بينما آتت احدى المساعدات لتقدم لها صحنا مليئًا بالعديد من الشطائر وكذلك قهوتها 

"وهتقضي معايا باقي اليوم ولا هتمشي؟" توسعت عينا حازم في قلق وبراءة 

"متقلقش النهاردة قاعد طول اليوم معاك" أخبره بإبتسامة ليتعلق حازم بعنقه في عناق واتجها خارج المسبح ليظل حازم معانقا اياه

توجها بالقرب من فيروز ليُجلس شهاب اخيه على احدى تلك المنامات وهي تراقب كليهما في استمتاع شديد بذلك التغير الذي بينهما وأمسك شهاب برداء ليساعد اخيه في ارتداءه كي يجف جسده بينما فعل هو الآخر وسعل دون أن يلاحظ هو بتلقائية بينما لاحظت فيروز ذلك..

"يالا قوم خد shower وغير هدومك وتعالى" أخبره بينما جلس بجانبه لينظر له حازم 

"هتستنى مش هاتمشي؟" سأله في قلق من جديد في خوف أن يتركه 

"يا عم قولتلك مش هامشي النهاردة" أخبره ليومأ حازم بالموافقة ثم نهض ليقبله ويعانقه "يالا روح وأنا كمان هاغير واجيلك" أخبره ليتركه حازم في النهاية لينظر هو لفيروز وهو يتفقدها ليجد عينيها العسليتان يتشربا بصفرة غريبة وتحاول هي أن تضمها في مواجهة هذا الضوء الذي حولها 

"حلو اللي بتعمله مع حازم ده" أخبرته بإبتسامة ليومأ لها

"مش قولنا كلام رجالة؟" أخبرها بإبتسامة مضيقا عينيه إليها ثم القى بجسده ليتوسد تلك المنامة التي تخص حمامات السباحة وسعل من جديد 

"بس الـ pool في الوقت ده ممكن يجيلكم برد، انت عمال تكح اهو، وحازم صغير" حدثته بإهتمام بينما ارتشفت من قهوتها 

"أولا المياة دافية وسخنتها شوية قبل ما ننزل، ثانيا الـ pool كله متقفل زي ما انتي شايفة، ثالثا خايفة عليا ولا إيه؟" رمقها بنظرة لعوب لتزفر هي في ضيق

"لا خايفة على حازم" حدثته نافية وملامحها تتصف بالسماجة 

"وأنا اللي قولت قلبك حنين.." تنهد مازحا "عموما ده تلاقيني بكح علشان شربت سجاير كتير امبارح" أخبرها ثم زفر وأطلق همهمة وهو ينهض 

"الراجل اللي الخط بإسمه خلاص على وصول، حابة تيجي؟" أخبرها وهو ينظر لها مخفضا رأسه إليها على مقعدها 

"ماشي.. في أوضة المكتب مش كده؟" سألته وهي ترفع رأسها إليه 

"اه"

"طيب، ادخل غير وأنا هاجيلك"

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢


لاحظت هي أن الحوار يحتد بينهما والرجل لا يزال مصمما على إنكاره للأمر وأنه لم يبتع أي خطا هاتفيا منذ سنوات ولا يملك سوى هذا الرقم الذي يحمله معه، وهو لا يعلم أي إمرأة يتحدثوا عنها، بل ولم يقابلها قط، بينما لاحظت غضب شهاب كذلك وطريقته في عقد قبضتيه بمزيدا من الإنزعاج كمن يكبح نفسه كي لا يُهشم وجه من أمامه!!

"طيب معلش، هو حضرتك فاكر إنك طلعت بطاقتك واديتها لأي حد؟" تدخلت فيروز سائلة بنبرة هادئة وهي تنظر للرجل الذي بدا كمن يحاول التذكر 

"احنا بنطلع بطايقنا دايما عادي لما بنروح أي بيت جديد أو شركة أو أي مكان لو محتاجين أفراد أمن.. يمكن حصلت تلت اربع مرات في كذا مكان بعتتنا الشركة عندهم" 

"طيب ممكن تحاول تفتكر أماكن البيوت دي معلش لو هتعبك أو أي أماكن تانية زي شركات مثلا؟" سألته هي بهدوء عندما استشعرت صدق الرجل الذي زفر وهو يحاول التذكر في شرود للحظة ثم نظر لفيروز فلم يُعجب شهاب بالأمر

"ما تنجز وتخلص ولا هتفضل طول اليوم بتفتكر، قول فين الأماكن دي؟" صاح به في إنزعاج بينما رمقته فيروز في تحذير وتأنيب ونظر له الرجل بتقزز ولكنه شعر بالخوف من ملامح شهاب كما أنه أدرك أن رجل كهذا قد يدمر حياته بأكملها بما يملكه

"الأسبوع ده أنا مروحتش مكان جديد.. الأسبوع اللي فات روحت فيلا في كومباوند .... في التجمع بس أصلا مختارونيش.. لكن من حوالي تلت أسابيع كان فيه بيت واحدة ست في أكتوبر، بس معرفش اسمها، الشركة قالتلنا انها عايزة افراد أمن.. كان شكلها معاها فلوس كتيرة اويي وبيتها كبير.. بس رفضتني بعد ما شافت البطاقة معرفش ليه.. و.."

"فين البيت ده بالظبط؟" هنا صاح شهاب لعلمه بأين تقطن سارة بذلك المنزل الذي بالطبع ابتاعه لها والده قبل موته لينظر له الرجل بإستغراب 

"في كومباوند .... اللي كله فلل ده" هنا تأكدت كل شكوك شهاب لينهض بملامح تصرخ بالغضب لتدرك فيروز أنه تيقن أنها سارة فحمحمت لتشكر الرجل 

"متشكرة جدا.. حضرتك ساعدتنا.. معلش استأذنك.." نهضت لينهض الرجل كذلك عندما فهم أنها تخبره بأن يرحل ولكن بطريقة رسمية فاتجه نحو باب المكتب 

"العفو" 

"سيب عنوان بيتك برا" تحدث شهاب وهو يكز أسنانه في غضب بينما استغرب كلا منهما ولكن أومأ الرجل في خوف فهو يعلم أن هؤلاء القوم قد يدمروه تماما 

"شهاب.. ممكن تهدى وتـ.."

"تاني يا فيروز هتقولي اهدى بعد ما عرفت إن الواطية دي ورا كل اللي بيحصل" قاطعها وهو ينظر لها في لوم ولكنه حدثها بين أسنانه الملتحمة

"هنتكلم معاها، وبعدين أنا عندي فكرة.. ممكن تساومها بالورث بمنتهى الهدوء.. وأظن الورث والشركات والأسهم هيبقوا احسنلها من الفلوس، وبعد ما عمك يرجعلك ممكن تواجهها بالميراث إللي باباك سايبه.. هنحل الموضوع بهدوء متقلقش" 

حدثته بتلك النبرة الهادئة التي باتت كمسكن قوي المفعول لتُلم بسائر براكين الغضب المشتعلة بداخله لتبارح مشاعره في شكل زفرة مطولة كمن يشعر براحة أبدية فقط بفعل بضعة كلمات غادرت شفتيها وبوجودها بجانبه وهي تحاول دعمه بل وحل تلك المصائب التي لا ترفق به أبدا.. 

"ماشي.. كويس الإقتراح ده" همس وهو ينظر إليها بإمتنان لا تدرك هي بعد أنه إمتنان لوجودها بحياته، ولكنها ابتسمت له بعذوبة على كل حال

  "طيب أنت المفروض قالت هتكلمك تاني امتى؟" حدثته لتمتعض ملامحه من جديد 

"قالت من ساعة المكالمة قدامي تلت أيام!" تفاقمت عقدة حاجباه بينما سعل بتلقائية لترمقه فيروز في استغراب 

"ماشي لسه معانا وقت.. لما تكلمك تقول إنك عرفت إنها سارة، وقولها إنك موافق تديها الورث في مقابل ترجعلك عمك" 

"أنا هتصرف معاها متقلقيش.." حدثها لتنظر هي له بإهتمام

"محتاج تاخد دوا للكحة دي.."

"ماشي ماشي.. روحي خلي حازم يغير وأنا هاصلي الضهر علشان هنروح لهبة.. كلميها وقوليلها إني أنا اللي هاعمل الأكل وإن حازم هيروح معانا" أخبرها لتنظر له في إندهاش ولم تستطع مقاومة تلك الإبتسامة السعيدة على شفتاها وهي تتفقده في غير تصديق 

"يووه يا فيروز.. خليكي بقى مش مصدقة!" أخبرها ثم اتجه نحو الحمام التابع لغرفة المكتب وتركها خلفه كي يتوضأ!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

حدث كل ما كانت ترتعب منه، لقد وقعا في عشق بعضهما البعض، لا تُنكر أنه منذ أن آتى وهو يحاول أن يُمازحها تارة ويحتضن جميلة تارة، بل وكذلك يُحدث هاشم ليُخبره بضرورة المجيء، ومعاملته المقتضبة لوالدته التي ليست أفضل على الإطلاق ولكن على الأقل تغيرت، فهو يُحدثها وكأنها غريبة عنه تماما وبإقتضاب شديد!.. ولكن يبدو أن كل شيء تغير من أجل فيروز وحدها.. 

لقد فهمت تلك النظرات، ترى تلك الإبتسامات المتبادلة بينهما، كيف لها أن تنقذ صديقتها من كل ما يحدث أمامها اليوم؟ لن تستطيع أن تجذبها من يدها كي تصرخ بها بأن ذلك السيكوباتي يعشقها ولكن عشقه سيكون زائفا بالنهاية وأن عليها الإبتعاد كي لا يقوم بإستغلال آخر ما تبقى بداخلها من مشاعر ومقدرة على الحب بل والإستمرار في الحياة!!

تعلم أن فيروز عندما تعشق تلتمع عينيها بتلك الطريقة، رآت تلك الإبتسامات لماهر زوجها يوما ما، رآت ذلك التوتر الذي يسيطر عليها كلما أقترب منها ماهر، ها هي نفس العلامات تظهر من جديد.. ولكن إن عشقته وتعرضت لخداعه ستفقد كل شيء، مشاعرها، توازنها، بل وعملها!! فيروز بالبساطة إن لم تنجح في علاج شهاب ستشعر وكأنها فقدت نفسها بالكامل!

من تلك التفاصيل التي قصتها فيروز عليها ومن تلك النظرات منه إليها أدركت أنه يستحوذ على وقتها بالكامل، على أتم استعداد أن يفعل أي شيء، سواء الإقتراب من عائلته، الإقتراب من اخيه، فعل ما لا يخطر على بال، فقط من أجلها هي وحدها.. كيف لا تلاحظ هي كل ذلك؟ كيف اغرقت نفسها في هذا المرض؟ وكيف لها النجاة؟ هل ستستمع لها وقتها أم أنه قد أحكم تلك الشباك حولها وقام بإصطيادها كالفريسة؟!

تراقب المزيد، منذ أن آتى سالم وهاشم وفرغا من عملهما وجلس معهم شهاب يحدثهم بمنتهى الإهتمام ولا يخلو حديثه من المزاح، تراه كلما تقبله أحدهما يُطنب بالمزيد والمزيد من الأحاديث الجذابة حتى قاربت هي الأخرى على تصديقه!! لا تُصدق كل ما يحدث حولها، ذلك السيكوباتي يوقع بالجميع في شباكه، وارتعبت هي خوفا من تدمير كل ما يحيط بهم شفقة قلبها! 

بالطبع لو نبهت فيروز بأحاديثهم المعهودة لن تستمع لها، تعلم كم هي صعبة المراس، ولكن كيف لها أن تمنعها عن التمادي في تلك العلاقة الغريبة، هي لا تنفك عن تشبيهه بأصدقائها طوال الوقت.. لا تنفك عن الإدلاء بكم تريد مساعدته.. كيف لها أن تُخرجها من ذلك الوهم الذي باتت تحيا به بكل قناعة؟!

لا تُصدق كذلك أنه أدلى إليها بأنه يريد الإحتفال بيوم مولد فيروز وتوسلها ألا تخبرها، أقر لها أنها ساعدته بالكثير من الأشياء وبكلمات ذكية للغاية ومخفية خلف حقيقة أنه يعشقها أقنعها بأنها ساهمت في تطوير عمله وعلاقته بها وبهاشم وبأخيه.. هل حقا يعشقها هو الآخر؟ ولكن ماذا بعد العشق؟ بعد كل تلك السنوات من الدراسة تعلم عن ظهر قلب أن العلاج لابد أن يقتنع به المرء نفسه ويقدم عليه بكامل اختياره .. ليس من أجل علاقة ولا غيرها!! 

يا لها من ورطة عويصة.. كيف لها التصرف الآن؟! عليها سريعا أن تتدخل ولكن اليوم بكل من حولهما من أشخاص ليس بمناسب تماما!!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"أنا اتبسطت اوي يا شهاب فعلا النهاردة.. يا ريتك كمان كنت روحت مع حازم بدل ما خليت السواق يجي ياخده.. كان هيتبسط اكتر" أخبرته وهي تودعه أمام بيتها 

"معلش.. انا لازم اقعد اشتغل زي ما قولتلك، بقالي كتير جدا معرفش الشغل فيه إيه، القاعدة مع حازم هتشغلني اوي و.." فجأة توقف عندما عطس رغما عنه لتنظر له فيروز بإهتمام 

"'شهاب انت محتاج دوا للبرد.. شكلك جالك دور برد شديد.." أخبرته في اهتمام حقيقي ليومأ لها 

"ماشي، وأنا مروح هاعدي اجيب دوا.." أخبرها وقد اختلفت نبرته لتستمع لحشرجتها الغريبة ثم سعل بعدها

"بس احسن كمان لو تروح لدكتور بكرة، أنت مينفعش تهمل الموضوع.. علشان الدوا ميتفاعلش مع الدوا اللي بتاخده ويأثر عليك" 

"الوقت أتأخر، بكرة هاشوف موضوع الدكتور ده" أخبرها لتومأ هي له 

"تصبح على خير" ودعته بإبتسامة هادئة ليبادلها إبتسامة في إرهاق شديد بدأ أن يظهر عليه 

"وانتي من أهله" 

شرع في قيادة سيارته وكم امتن أنه بات يمكث بالقرب من بيتها لأنه بالكاد استطاع الرؤية أمامه ولأول مرة منذ كثير من الوقت يشعر بالمرض التام! 

توجه ما إن صف السيارة بالمرأب لداخل منزله وقد طاحت كل أفكاره بالعمل بعيدا عندما شعر بالإعياء يشتد عليه وهرع نحو غرفة نومه وهو يشعر ببرودة غريبة تسري بجسده بأكمله ليدلف أسفل الغطاء في ثبات تام..

لا يدري كم مر بعض الوقت عندما شعر بجفاف شديد بحلقه وحاجة لشرب المياة وتمنى لو كان بجانبه شربة ماء ولكن عظام جسده اللعين بأكملها تؤلمه، لماذا يرتجف جسده هكذا؟ ولكنه كذلك يشعر بسخونة بجسده ولكنه يفتقر للدفء بشدة..

حاول بصعوبة أن يبحث عن هاتفه، لقد آتى به إلي سريره، كان يود التحدث لفيروز الليلة أيضًا ولكنه لم يستطع، هل ستغضب منه؟ لم ينم منذ الكثير على كل حال، سيهاتفها الآن ربما لم تنم بعد.. حقا لم يشعر بالوقت الذي تفلت منه بتأثير تلك الحمى الشديدة عليه..

"آلو" همست بنبرة ناعسة دون حتى أن تفتح عينيها

"فيروز" همس بتعب فتنحنحت هي ثم رمقت الساعة بصعوبة في هاتفها

"خير يا شهاب الساعة أربعة الصبح فيه إيه؟" حدثته بإنزعاج بعد أن أدركت أنه قام بإيقاظها في مثل هذا الوقت 

"أنا تعبان، هاتيلي دكتور" بالكاد تحدث لتنهض هي جالسة في قلق

"طيب مالك حاسس بإيه؟" تركها النعاس في ثوانٍ ما إن استمعت جيدا لنبرته 

"سخن، عطشان، جسمي بيترعش و.. مش قادر ابلع.. و.."

"دي حمى.. هاجيلك.. مسافة السكة بس" قاطعته مسرعة ثم أنهت المكالمة وتناولت سريعا احدى ثيابها غير الرسمية وكنزة خفيفة وهرعت للخارج ممسكة بحقيبتها التي دست بها هاتفها على عجالة وأمسكت بمفاتيح سيارته وهي تحاول أن تتذكر أقرب صيدلية إليها..

توقفت أمام منزله بعد أن وجدت احدى الصيدليات وشرحت حالته لطبيبا بها فهذا كان الحل الأسرع أمامها وتيقنت أن ما أحضرته لن يتفاعل مع الدواء الذي وصفته له بالسابق، ووقعت في حالة من الإرتباك، لا تدري هل تقرع الباب أم عليها أن تهاتفه أولا.. أم ما هذا الجهاز الغريب أمامها؟ لقد رآته بأحدى منازله من قبل، هل يمكن طبع شيفرة عليه لتمر إلي داخل المنزل

"شهاب افتحلي انا بـ.." تحدثت بهاتفها بعد عدة لحظات ليقاطعها هو مسرعا 

"الكود 18620" أخبرها لتنهي المكالمة ثم تفقدت سريعا المنزل في تلك الأضواء الخافتة لتلاحظ الدرج المؤدي للأعلى فتسلقته وهي تمر برواق به عدة غرف حتى وجدته 

توسعت عيناها في هلع لمظهره المتعب وتوجهت نحوه ثم وضعت يدها في لهفة على جبينه لتجد حرارة جسده مبالغ بها وتعرقه شديد للغاية فأخرجت سريعا جهاز قياس للحرارة وهي تحاول أن تمرره بين شفتاه

"شهاب، ركز معايا، حاول تحطه بس تحت لسانك تلت دقايق" حدثته ليفتح عينيه بصعوبة شديدة بينما تساقطت قطرات العرق على عينيه ليغلقها في تآلم من ملوحتها فتلمست أسفل ذقنه لتوصد فمه ثم أخرجت من حقيبتها احدى المحارم الورقية لتجفف عرقه الغزير الذي لا يتوقف ولكنها كانت على علم أن تلك المحارم لن تُفيد 

توجهت بسرعة لإحضار ماء ليس بشديد البرودة وبعض المناشف الصغيرة القطنية من حمام غرفته ثم عادت لتجد أن حرارته قد قاربت من 41 مئوية لتجحظ عيناها في قلق شديد فوضعت الكمادات سريعا على جبينه بينما شرعت في تحضير حقنة كي تخفض من حرارته بسرعة.. 

شعر هو بها بجانبه وهو ينظر إليها وقد قارب أن يدخل في حالة من الهذيان ولكنه شعر بالرعب من إن رآى تلك الحقنة التي تُمسك بها، يستحيل أن يتناولها سوى بالوريد وحسب!! أيا كانت ما تُفكر به لن يحدث، حتى ولو أدى الأمر لموته!

ابتلع بصعوبة شديدة بينما أقتربت هي منه وهي تبدل له الكمادات ثم وحاول أن يتحدث لها وهو ينظر في ذعر شديد من أن تطالبه بحقنه وارتفعت خفقات قلبه في وجل ولكنه تنفس في النهاية عندما شعر ببرودة المطهر بمنتصف ساعده ليدرك أنه سيتناول الحقنة بالوريد!

انتهت ثم عادت لتتفقد تلك الكمادات لتبدلها وهي لا تصدق أنه وصل لتلك الدرجة من الحمى بسبب اليوم صباحا عندما حذرته!! نعم.. هي تتذكر الآن، المطر الذي تعرضا له ولم يبدل ملابسه وقتها!! عندما فضلها هو عن نفسه.. شعرت بأنها الذنب في كل ما يحدث له لتبتلع بمرارة على ما وقع به.. 

اقتربت منه لتخلع عنه قميصه المبتل بعرقه الغزير الذي أدركت أنه لم يبدله منذ أن أوصلها وبأنامل مترددة حلت أزرار القميص وهي تنظر لملامحه المتعبة  ثم بدلت الوسادة خلفه بأخرى جافة وأراحت جسده عليها برفق!

تناول أنفاسه بصعوبة شديدة وهو يشعر بحرارة لا تنتهي كلما أغلق عينيه ثم عاد من جديد لينظر لها وهي تعتني به وتقترب منه وتتلمسه بهذه الطريقة ليمتن لها بداخله وود لو نطق بالعديد من الكلمات ولكنه يواجه صعوبة بالغة ولا يستطيع التحدث 

"فيروز.." همس بتعب شاق عليه 

"ايوة محتاج حاجة اجيبهالك؟" همست إيه وهي تتفقده بإهتمام حقيقي بل وخوف شديد عليه لم يترجمه عقلها سوى بأنها متعاطفة معه بإنسانية فقط بينما صرخت ملامحها بالخوف على الرجل الذي تعشقه!

"عايز اشرب" همس إليها وهي ترى معاناته بالإبتلاع واختلاف نبرته لتنهض وهي تعتذر له في هرجلة شديدة

"أنا نسيت خالص، أنا آسفة" أخبرته ثم أحضرت بعض المياة له وناولته الزجاجة الصغيرة بينما رآت أنه يشق عليه التحرك فاقتربت منه لتضع يدها خلف عنقه في رفق وساعدته بتناول مقدارا من المياة وشعرت هي بعودة رأسه للخلف كإشارة لها على أنه اكتفى فجذبت يدها بهدوء ليُلقي هو برأسه على الوسادة وهو يتابعها بداكنتيه..

"المفروض الحقنة هتبدأ تعمل مفعول، أنت حاسس إنك احسن؟" همست سائلة وهي تتفقده وقامت بتغير الكمادات ثم آتت بمنشفة لتجفف عنقه بها فأومأ لها بالإنكار 

"طب حاسس بصداع؟" سألته ليشير لها بالموافقة فاتجهت لتلك الحقيبة البلاستيكية لتُخرج منها مسكنا قوي المفعول وقربت قرص الدواء من شفتاه لتضعه بفمه ثم من جديد ساعدته على تناول المياة وهو لا يصدق أنها من تعتني به وتفعل له كل ذلك.. 

لوهلة تذكر عندما مر بحمى مشابهة وهو صغير، بعد يوم عمل شاق، في منتصف فصل الصيف، لم يجد والده يومها لسهره بالعمل الإضافي الذي كان يذهب له، لم يجد أي احد وقتها، لم يكن معه سوى صوت أنفاسه التي تناولها بصعوبة وتحركات ارتجافة جسده التي لا يزال يشعر بإنعكاساتها إلي الآن..

اكتظت الدموع فوق حدقتيه ثم تفلتت بغتة لتنهمر على وجهه لتنظر له فيروز في فزع ولاحظت ارتجاف جسده يزداد، مم يبكِ؟ هل تألم للغاية هكذا؟!

"شهاب.. فيه إيه؟ أنت كويس.. تحب نروح المستشفى؟" حدثته في خوف على حاله وارتعبت ملامحها لبكاءه وامتدت يداها لتجفف دموعه ولم تلاحظ قلبها الذي خفق بعنف لأجله وهي تنظر له بحدقتين مالتا للرمادية الخالصة!

"شكرا على اللي بتعمليه و.." ابتلع أو حاول أن يفعل وهو يشعر وكأنه قارب على النحيب 

"متتكلمش بس لو مش قادر أرجوك" همست له في قلق ثم ابدلت كماداته على جبينه 

"هو.. هو.. ممكن .. طلب؟" توسلها بإنكسار شديد وتلعثم بنبرة لم تستمعها تغادر حنجرته قط وهي لا تدري ما الدافع لكل ذلك بينما عادت احدى دموعه 

"قول.. عايز اوديك المستشفى؟" أومأ لها بالنفي بينما تناولت هي أنفاسها المتسارعة خوفًا عليه بصعوبة وهي تحاول أن تلاحقها 

"أرجوكي مترفضيش.." مزيدا من التوسل صرخ بنبرته لتومأ له وتحدثت ناسية كل معنى للمنطق والعقلانية، هي فقط تكره أن تراه بتلك الحالة المُريبة التي لم تتوقع أن تراه بها يوما ما 

"مش هارفض.. فيه إيه محتاج إيه وأنا اعمله.." أخبرته بلهفة ولا تزال خفقات قلبها تتسارع من أنفاسها في قلق شديد 

"ممكن تنامي جنبي وتحضنيني" سقطت احدى دموعه في إستغاثة وتضرع لتبتلع هي وتيبس جسدها وهي تنظر إليه غير مُصدقة لطلبه 

"مش هاعمل حاجة، أنا بس.." تلعثم لتتناول هي شهيقا في ارتباك وهي تراه يبكي أمامها بتلك الطريقة ولكنه سُجن بداخل رئيتيها وكاد أن يتحدث من جديد بين بكاءه لتشير له ليتوقف 

"حاضر.. خلاص متعيطش" همست إليه وهي تطلق زفرة مطولة ثم ابعدت كمادات رأسه وأعادت التِرمومِتر الطبي لتتبين كم أصبحت حرارته وظلت تنظر إليه وهو يبادلها النظرات ثم انهمرت احدى دموعه مرة أخرى لتجففها بأناملها 

"أرجوك بلاش تعيط طيب علشان متتعبش اكتر" همست في توسل وهي تنظر له بينما تفقدها في احتياج هائل لتبتلع تلك الغصة بحلقها وهي لم تتخيل يوما أن تراه بمثل تلك الحالة 

جذبت جهاز قياس الحرارة لتجد أنها انخفضت قليلا لتتنفس الصعداء ثم وضعته جانبا ولم تصدق حقا أنها توشك على عناق رجل غريب بفراشه.. لقد فقدت عقلها حتما!! 

اقتربت لتدلف أسفل الغطاء وهي تقترب منه في رعب مما تفعله، هي نعم تُشفق عليه، تكترث له، تهتم به كصديق، يؤلمها رؤيته مريضا هكذا، ولكن أن تعانقه بمثل هذه الطريقة لم تستطع أن تُفسر لماذا أقدمت على فعلتها!

"اول مرة اتعب والاقي حد جنبي كده" همس بينما احتضنته هي ليتوسد صدرها كالملهوف بالرغم من أن كل أنملة يتحركها تؤلم عظام جسده بأكملها وتحدث بصعوبة شديدة بنبرة مهتزة بالغة الغرابة!

"شهاب أرجوك حاول تنام علشـ.."

"لأ.. انتي.." قاطعها محاولا الحديث "من ساعة ما ماما سابتني وأنا لوحدي، حتى غادة مكنتش بتحبني.. انتي اول حد يبقى جنبي من زمان اوي" 

أخبرها بينما ربتت على ظهره ونبرته اذابت قلبها آلما في عنف هائل لكل ما مر على ذلك الطفل الصغير، هذا الذي تعانقه الآن ليس برجل بالغ ابدا، يبدو كمن يتشبث بها كما الطفل المرعوب من شيء ما وكأنها هي أمله الوحيد للنجاة ولكن مم هو خائف هكذا؟

لم يشعر بحياته بتلك الراحة من قبل، حتى في عناق والدته الذي قد نسيه، تيقن أنه على أتم استعداد أن يفني كل ما جمعه في حياته من أموال، وأدرك أنه سيفعل أي شيء تريده هي لتظل تعانقه طوال حياته بنفس الطريقة التي تحتضنه بها الآن حتى ولو كان عليه إلقاء نفسه بالجحيم، سيفعلها ولكن فقط كل ما يريده أن تبقى ولا تغادره أبدا!

"متبعديش عني.. اخر مرة ماما بعدت عني أنا اتعذبت يا فيروز.. انا كنت بحبها وهي سابتني.. سابتني ليه؟" أيذكرها بـ "ماما" الآن، هل هو يهذي أم ماذا؟ 

"عارفة بعد لما سابتني.. أنا فضلوا يشتموني ويضربوني و.." تحشرج صوته وأجهش بالبكاء بطريقة جعلتها تشعر وكأنها تتحطم بالكامل وشعرت وكأنها على أتم استعداد أن تفعل ما لا يخطر على عقل بشر كي يتوقف وألا يستمر بتلك الطريقة 

"بهدلوني.. أنا معملتش لحد حاجة.. انا مكنتش كده" همس ببكاء مرير لتضمه هي إليها أكثر وتربت على ظهره وشعرت بحرارة جسده الملتهبة كالجحيم التي انتقلت من نصفه العلوي العاري لجسدها لتحس هي الأخرى بتلك الحمى البشعة التي يواجهها!

"يوم الزلزال، يوم اتناشر، انا بكره الزلازل وبكره اليوم ده" قاربت على الصراخ به أن يكف، لأول مرة لا تستطيع تحمل بكاء من أمامها، لم يشابه هذا الأمر احدى الحالات التي قامت بعلاجها ولا بإعترافات مسجون قد قتل بلا رحمة ثم تيقظ بعد فوات الأوان، الأمر كان أشبه بآلام تنتقل إلي قلبها مباشرة بقربهما الشديد هذا 

"أنا والله ما ضايقت حد، بس.. بس.." اهتز جسديهما معا من شدة نحيبه ورجفات جسده التي لا تتوقف من بكاءه المرير فحسمت أمرها بالتدخل الآن ليفاجئها هو بالمزيد صارخا بحرقة لم يصرخ بها أبدا بحياته بأكملها

"ليه اغتصبوني يومها؟ ليه عملوا فيا كده.. ليه يا فيروز ماما سابتني علشان يؤذوني كده؟ ماما هي السبب، اغتصبوني بسببها! بقيت عايش بالعقدة دي لغاية النهاردة.. ليه حصلي كده؟ ليه؟!" 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يُتبع . . .


ملحوظة : الفصل 8000 كلمة

تنويه : موعد الفصل السادس والثلاثون سيكون بتاريخ الخميس 5 نوفمبر على مدونة رواية وحكاية في تمام الساعة التاسعة مساءا وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرون ساعة على موقع واتباد..


شكرا للمتابعة..