الفصل الرابع والثلاثون - شهاب قاتم
الفصل الرابع والثلاثون
تنويه : موعد الفصل الخامس والثلاثون سيكون بتاريخ 26 أكتوبر على مدونة رواية وحكاية في تمام الساعة التاسعة مساءا وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرون ساعة على موقع واتباد
ملحوظة : يتم نشر مسابقة بالمجموعة الخاصة على الفيسبوك (روايات بقلم بتول - Novels written by Batoul) ويتم إرسال جزء في حدود 200 : 400 كلمة من احداث الفصل التالي للفائز قبل الجميع عند الفوز بالمسابقة.. ستكون المسابقة غدا الحادية عشر مساءا بتوقيت مصر..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
(د. أحمد خالد توفيق - رحمه الله - أسطورة آخر الليل - سلسلة ما وراء الطبيعة)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
نظر لهاتفه الذي للتو غادرته تلك المكالمة الغريبة ثم رمق اسم فيروز الذي لا يزال متواجدا على شاشته ليشعر بإرهاق ذهني بشع ولكنه استعاد المكالمة ليعاود التحدث لها..
"انتي لسه معايا؟" حدثها سائلا بنبرة مشتتة حائرة لتهمهم هي له في نعاس شعر هو به "انتي نمتي؟" همس من جديد إليها وهو متأكد أنها ذهبت في النوم
"لا معاك.. كانت مكالمة مهـ.."
"خلاص نامي.. هنكمل بعدين.. تصبحي على خير يا حبيبتي" أنهى المكالمة سريعا فبالرغم من شدة احتياجه إليها ولكنه لا يريد أن يصيبها مكروها ابدا.. ولو حتى قلة النوم!!
خلل شعره بأصابعه وهو لا يدري لماذا يحدث له كل ذلك، ولماذا نامت وتركته ليواجه كل ذلك وحده؟ لماذا لا تستيقظ كي تتحدث معه بكل ما يود التحدث به؟!
شعر بالتشتت والتيه، لم يكن يريد تلك الحياة البائسة، كان يتمنى لو أن فقط كل شيء أسهل، لماذا عليه تحمل تلك المسئوليات وحده، لماذا لا يصرح له أن يكون مجرد رجل ناجح بلا أعداء، بلا مشاحنات، بلا هروب من والدته، بلا هروب من أُناس كرههم وعاش معهم أسوأ سنتان بحياته، بلا محاولات هروب من مافيا ثم هروب من والده قبل موته، وبعدها هروب من الجميع حتى يصل للهروب من نفسه التي لا يدري كيف يتعامل معها!
في الآونة الأخيرة لن يُنكر أنه بات غريبا بشكل لا يستطيع عقله مواكبته، هل هذا لتأثير فيروز نفسها عليه أم لإنسياقه وإنجرافه لها وقوعه في عشقها؟
لم يعد يريد الإنسياق وراء تلك الأفكار، يمنعها ويواجهها بكل ما أوتي من قوعه، لا يريد التفكير في أي شيء، هو فقط يود الحصول على عشقها كما فعلت هي به وجبرته بكل تفاصيلها على الوقوع لها، يريد أن يتصرف ويفعل كل شيء وفقا لما تمليه هي عليه، حتى ولو كان قتل نفسه حيا سيفعلها من أجلها..
زفر في تآفف كما الطفل الصغير، لا يدري ما الذي عليه فعله، ما الذي كانت ستفعله فيروز لو كانت هنا؟! فكر للحظات محاولا أن يكون مكانها، أن يُفكر مثلها.. ربما كانت ستنهض وستصل وتدعوا.. ليفعل هذا، سيكون مثلها حتى يحصل عليها عليه أن يتقرب ويتعلق بكل ما هي متعلقة به كي تجد نفسها واقعة في عشقه هي الأخرى..
أمّا عن أمر بدر الدين وعمه وتلك المكالمة فهو لم يعد يستطيع المثابرة أكثر من ذلك.. سيذهب إلي فيروز.. سيجلس أسفل منزلها.. وسينتظر رؤية وجهها الذي كلما أوصد عيناه رآه أمامه كي يُخبرها بكل شيء حدث له.. اشتياقه الجارف لن يتحمل الإنتظار للغد بعد أن تنتهي من أعمالها.. عليها أن تقضي كامل اليوم معه غدا..
ولكنه أولا عليه أن يعرف من مالك هذا الرقم والبحث خلفه حتى يستمع لكل المكالمات التي صدرت منه وعله يستطيع التوصل لمن قام بكل هذا ولن يرحمه وقتها!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صباح اليوم التالي.. تمام السادسة صباحا..
فركت وجهها بعد أن استيقظت على دقات هاتفها الذي لطالما هيئت اعدادها ليصدح بالرنين كل يوم في مثل هذا الوقت ولكنها وجدت هاتفها ملقى بجانبها على السرير لتحاول إزالة آثار النعاس وهي تتذكر ما الذي حدث ليلة أمس وكيف سقطت في النوم!
كانت تتحدث إلي شهاب، تذكرت الأن أثناء محاولتها النهوض وتدلت ساقيها على سريرها لتضع قدميها بالحذاء المنزلي ثم تثاءبت ونهضت لتُكمل طقوس بداية يومها بسرعة من استحمام وتناول فطورها وصلاة كي لا تتأخر عن الذهاب للمدرسة..
أخذت تُفكر بكل ما مر يوم أمس وقبل أمس، لن تُنكر أنها بدت تلمس تغير في تصرفاته، إستجابة غريبة من نوعها سريعة سرعة البرق على رجل مثله! ولكن ما السبب؟ أيُمكن أن يكون السبب كما يُخبرها بالفعل؟!
مجرد مشاعر صداقة وإهتمام وعدم إلحاح وتريث وهدوء ومحاولات شتى لبناء الثقة فيما بينهما جعلته يتغير هكذا.. أيُمكن أنه لفقده كل الأشخاص حوله تحول ليُصبح في اعتى درجات الإحتياج لعلاقة نقية كي يُكشف عما لم به من آلام وصدمات؟!
هي تعرف ما معنى الحب، الصداقة، الأمومة، الأبوة، الأخوة، الزمالة.. تعرف بقرارة نفسها أنها لولا كل تلك التجارب والإختبارات مع الناس الذين وجدت منهم كل الحب والإهتمام لم تكن لتسعد بحياتها أبدا.. هل يُمكن أن يكون شهاب فقط في حاجة لكل ذلك كي يصبح أفضل؟
نهت نفسها بشدة عما تُفكر به وزجرت نفسها، شهاب تتأصل به السيكوباتية البشعة، هي لا تتناسى كذبه ومراوغته، إنحرافه اللاذع الذي لا يزال يظهر بين طيات ذلك التغير الشديد الذي أصبح عليه، لن تأمن أبدا أنه يريد مجرد التغير لإقتناعه بأنهما باتا أصدقاء..
كل البدايات مشرقة، كبداية يوم ما في أول فصل الربيع، كبداية أول يوم عمل لك لتوك قُبلت به بمرتب لا يخطر على عقل تمنيت يوما أن تحصل عليه، كتلك النظرات والإبتسامات الأولى عندما تقع في العشق بإنسياق مشاعرك دون أن تدري.. ولكن استيقظ وانظر حولك، ألا تجد أن النهايات دائما تكون مؤلمة.. حقيقية.. وواقعية!!
هي لن ترفضه، وتشعر نحوه بتلك المشاعر الجميلة التي لم تشاركها لأحد من زمن، بين دوامة شهاب تلك لن تُنكر أن الحياة باتت أسهل قليلا، يوم أن يتغير ويصبح أفضل بتلقي العلاج ستكون فخورة بأن هذا الرجل هو صديقها.. لقد أشتاقت لتلك الأمسيات السريعة، المشاكل التي يتشاركها الأصدقاء، الدعم والتواجد بجانب صديق.. صديق جديد.. بعيد كل البعد عن الحياة السابقة..
هي لا تكرهه، لن تنكر أنه قد رآى العديد من الفجائع، لقد آسى كثيرا وعانى وحده طفلا ومراهقا كما أخبرها، ورجلا كما أخبرها بتلك المشاعر الرهيبة التي تبدده من نقص وعدم ثقة في النفس كلما تواجد بالقرب من هذه العائلة وشعور الإفتقار الشديد لعلاقة الأب وابنه كما بين سليم وبدر الدين أو علاقة الصداقة والمرح التي يترابطوا بها جميعا..
كل هذا الحقد والنقص والخوف لن يصلحه سوى تعديل وتصحيح أفكاره وبناءها من البداية نحو ثقته بنفسه وكيف يرى نفسه وما وصل إليه، عليها أن تساعده أن يُصحح تلك النظرة لنفسه ويبني ثقته بنفسه من البداية..
ولكن هل من فعل هذا بكريم؟ هل قام بدر الدين بتسليط أحدا عليه كي يفعل به كل ذلك؟ أحقا عرض عم شهاب لهذه البشاعة؟ ولكن لا، يستحيل وهو من دفعها لعلاج شهاب وود أن يساعده منذ البداية أن يكون هو وراء اختطاف عمه!! عليها أن تحدثه بأقرب فرصة لتتبين ما حدث لكريم!
تنهدت بعد أن تفقدت مظهرها بالمرآة، هي منذ كثير من الوقت لم ترتدِ ثوبا كهذا، نظرت جيدا لوجهها وهي تزيح شعرها للأعلى وواجهت نفسها بصراحة، هي تبدو اليوم أفضل بكثير من أيام سابقة، لا تدري هل هذا لبداية نجاحها مع حالة مثل شهاب، أم لعودة انتظامها بعملها.. لا تدرك أين المحرك الأساسي لذلك الوجه الذي تراه الآن.. ولكن على كل حال هي أفضل.. وهذا ما كانت تبحث عنه طوال الفترة الماضية..
توجهت للخارج وهي تُمسك بحقيبتها لتتوجه لتتناول مفاتيح المنزل لتُمسك بمفتاح السيارة التي دائما ما يُعطيها لها شهاب فأخذت نفسا مطولا ثم زفرته في تريث وهي تمعن التفكير به وبتصرفاته وهزت رأسها في إرهاق من كثرة محاولات استيعابها المضنية وفي النهاية توجهت للخارج وقد قاربت السابعة والنصف صباحا..
"شهاب!!" همست في النهاية بعد أن تباعدت شفتيها في دهشة ووجدته منتظرا نائما في سيارة أخرى تعيق طريق خروج السيارة التي أعطاها لها
"شهاب.. اصحى" صاحت وهي تطرق الزجاج كي يستيقظ لينظر إليها في فزع ولكنه ما إن رآها حتى تأهب مسرعا وخرج من السيارة وعلى ملامحه اجتمع كلا من الإرهاق والنعاس
"أنت.. أنت هنا من امتى وليه مستني.. فيه إيه حصل علشـ.."
"فيروز" همس ليقاطع ملامحها المندهشة بينما حمحم وهو يمسح على وجهه "أنا محتاجك، انا بجد مش عارف اتصرف ازاي والمكالمة اللي جاتلي واحنا بنتكلم امبارح" زفر في تعب وهو ينظر لها بعينين متوسلتين لترمقه هي بقليل من الإنزعاج ولكنها حاولت الهدوء وهي تعقد ذراعيها
"حد بيساومني على فلوس علشان يرجعلي عمي.. مش ممكن يكون ده بدر الدين بعد كل اللي حكيتلك عنه، مش كده؟" نظر لها وقد اتضح الإحتياج الشديد على ملامحه بينما هي حاولت أن تستجمع سيطرتها على مشاعرها المتضاربة منذ أن رآته لتتنهد وهي ترمقه في غير تصديق
"أنا مقدرة إن الموقف صعب، ومقدرة إننا لازم نقعد ونتكلم، وهنتكلم وهنفكر في كل حاجة، بس ممكن نخلي كلامنا على الموبايل طيب لأني لازم اروح الشغل دلوقتي؟" رمقها وكأنه تعرض للخيانة للتو لتحمحم هي بإقتضاب
"أنا آسفة يا شهاب.. أنا هاقضي باقي اليوم معاك.. همّ كام ساعة بس هاخلص المدرسة ومش مهم المصحة.. ممكن مروحش النهاردة.. وهنتكلم في كل حاجة على الموبايل متقلقش وإن شاء الله هنوصل لحل" نظرت إليه بدعم شديد ليقابل كل هذا بالرفض
"علشان خاطري خليكي معايا النهاردة.. أنا محتاج اتكلم معاكي!" لم تتوقع منه أن تستمع لتلك النبرة المليئة بالضعف لترفع هي شعرها بأصابعها وهي تزفر وترمقه بعينيها العسليتان الصافيتان
"حاضر!!" حسمت أمرها واتخذت قرارها بالبقاء معه.. ولم تكن تلاحظ فداحة ما ترتكب تجاه نفسها!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"صباح الخير" تحدثت منة بإبتسامة لطيفة بينما دلفت الغرفة على أروى
"صباح النور" زيفت أروى ابتسامة لها على مضض بداخلها
"النهاردة معاد الدكتور.. وأنا حابة اجي معاكي علشان اتابع" أخبرتها بإبتسامة هدأت قليلا
"لا ملوش لزوم، أنا كده كده أخويا وخطيبته هيودوني.. ممكن تستنيني هنا في البيت" حدثتها أروى لتحمحم منة وهي تنظر إليها
"أروى.. واسمحيلي أقولك اسمك كده علشان أنا زي اختك الكبيرة.. أنا جيت هنا علشانك، علشان نفضل مع بعض طول اليوم.. لازم ابتدي اعرف بتحبي إيه.. ولازم أعرف الدكاترة هيقولوا إيه.. متقلقيش احنا لما نتكلم مع بعض اكتر هتقدري تثقي فيا وتتعودي عليا.. يمكن علشان امبارح عدا بسرعة وفضلت اتعرف على كل الناس اللي هنا في البيت وأماكن الحاجة، يعني.. ده عدى اليوم بسرعة شوية، بس أوعدك إن الأيام الجاية هتكون احسن"
ابتسمت لها بلطف من جديد لتبادلها أروى إبتسامة خالفت ذلك المضض والضيق الذي بداخلها ثم أخذت تنظر لها مليا، تلك المرأة لا تبدو سهلة أبدا.. ويبدو أنها ستعاني معها كثيرا حتى تتخلص منها!!
"قوليلي بقى.. تحبي تلبسي إيه وانتي رايحة؟" سألتها بطريقة مرحة لتنظر لها أروى من جديد وبداخلها لم تكن تتوقع أنها ستقع في مثل هذه الورطة التي لم يكن سببها سوى خالها بدر الدين!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"شهاب احنا بقالنا ساعتين قاعدين نتكلم.. وأنت مش مركز وحتى كلامك كل شوية متشتت بين حاجة والتانية!!" همست هي بإرهاق بينما ابتسم هو ابتسامة جانبية في خيبة أمل لتطأطأ رأسها بين يديها ثم رفعت رأسها لتنظر إليه وهي تخلل شعرها لأعلى بتلقائية ليعود هو للعن تفاصيلها، وخاصة شعرها ذلك وتلك الحدقتان اللاتي لا يعلم ما لونهما
"بص، أنت محتاج تنام، واديك زي ما قولتلي موصلتش أصلا لصاحب الرقم لغاية دلوقتي.. قوم تعالى نروح البيت، نام شوية علشان تريح وبعدين اصحى هيكون حازم رجع من المدرسة ويمكن يكون جالك أخبار عن الموضوع.. وهانكمل كلامنا لما تصحى، أنا مش هاسيبك اهو وفضيالك النهاردة"
أخبرته ليتابعها بعينيه في صمت شديد بإنزعاج لإستمرارها العبث في شعرها هكذا ثم نظر في غير اتجاهها عاقدا حاجباه في غضب، تبدو اليوم شهية بطريقة غريبة، بسيطة للغاية في كل تفاصيلها ولكن تجذبه بطريقة لم تفعلها سواها، كل ما بها يدفعه للعديد من التخيلات التي لن تتقبلها هي أبدا.. لماذا ترتدي تلك اللعنة التي ترتديها اليوم؟ ثوب يجعلها في غاية الأنوثة والجمال مما جعله يتناسى كل ما يمر عليه من حياة واقعية مشوهة كريهة ويشرد في تلك الحاجة الهائلة بتملك تلك المرأة تحت أي مسمى وبأي ثمن كان..
"شهاب هو أنا كلامي ضايقك؟" همست في استفسار نظرا لما رآته على ملامحه
"يالا نقوم يالا.."
أخبرها وهو يخرج نقودا كالعادة مبالغا في مقدارها وتركها على المائدة التي جلسا عليها بأحدى المقاهي الراقية لتتوجه هي بجانبه للخارج وما إن اقتربت من السيارة التي تركاها في المرأب منذ ساعتان حتى تعثرت بخطواتها في ذلك الثوب وكادت أن تفقد توازنها ليحيطها هو مسرعا بذراعه حول خصرها ليجد نفسه يحدق في عينيها التي مالت للون الأخضر ولعن بداخله على قربه الشديد منها، كان يعلم أن هذا الثوب سيكون واحدا من أسباب الفتك برغبته في الإقتراب منها بأي طريقة..
"شكرا.." همست هي ثم بادلته النظرات لتجد عيناه تصرخ بالغضب بينما حمحمت في ارتباك لعدم تركه لخصرها "شهاب ممكن تبعد" أخبرته بينما لم يتركها لتبدأ هي في الشعور بالإنزعاج خاصةً من نظراته ورائحته الغريبة عليها، فلقد اعتادت تلك الرائحة القوية التي تصرخ بعطره القوي أمّا اليوم فرائحته تماثل تلك الرائحة التي استنشقتها بذلك اليوم عندما دلفت لغرفته أثناء سفرهما معا
"هو انتي مش قولتي إن عينيكي عسلي.. ليه لونها أخضر دلوقتي؟" همس وكأنه لم يستمع لما أخبرته به
"ابعد عني!!"
شددت على نطق تلك الكلمات ولاحظ إنزعاجها وعادتها بتلك الحدود الغبية التي تضعها دائما بينهما ليزفر في غضب من تلك المرأة التي سلبت عقله تماما لتنتقل لها أنفاسه الساخنة عبر زفيره وتركها وابتعد سريعا وسبقها بخطوات ليفتح لها باب السيارة لتتعجب من فعلته ونظرت له بإستغراب وهي تتجه نحو المقعد
"شهاب الدمنهوري بيفتح باب العربية ليا، لا ده كتير عليا صراحة" أخبرته ليهز رأسه في إنكار
"مش ناقص تتكعبلي تاني في الفستان اللي انتي لابساه ده" حدثها بعد أن دلف السيارة بجانبها ثم تابع دون أن ينظر إليها ولكن آتت نبرته منزعجة "مع إن شكلك فيه حلو بس شكلك مش واخدة إنك تلبسي الحاجات دي"
"لا على فكرة كنت بلبس فساتين كاجوال كتيرة، مش اول مرة يعني" لم تستقبل أنوثتها وثقتها بنفسها كلماته جيدا بينما التفت لها بنظرة عينان منزعجة
"عموما كده شكلك أحلى"
"شكرا يا بشمهندس.. وأنت كمان شكلك كويس.. بس محتاج تحلق دقنك دي" أخبرته لينظر لها بإستغراب أثناء قيادته وهو يُمرر يده على لحيته
"عندك حق!!" أحقا.. "كويس!!" أهذا أقصى مجاملة تستطيع أن تبادله بها؟! زفر وهو يتابع بعينيه الطريق أمامه وشعر بالتعب الشديد والتشتت من طريقه مع تلك المرأة التي بات عشقها يزلزل كيانه بأكمله!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"لا والله، وده بقى علاج، ولا صحوبية، ولا عقد إيجار لمجهودات الدكتورة فيروز غير محدود المدة؟!" حدثتها هبة التي علمت القليل للغاية بسبب عدم مصارحة فيروز لها بالكثير
"هبة أرجوكي، أنا ما صدقت إنه فعلا ابتدى يتكلم ويتغير.. مين كان يصدق إن واحد زيه يعرفني على أخوه وبيته ويدخلني في تفاصيله كده ويثق فيا؟ ده حتى قالي انه هيجيلك ومعندوش مشكلة في كده.. كل اللي بحكيهولك ده مش حاسة انه بقى غير الأول؟"
"بصي أنا مش راضية عن قربكم الـ over ده.. بس براحتك.." حدثتها بقليل من الضيق والإنزعاج
"هبة.. انتي عارفة احنا اللي ما بيننا كبير، ومظنش محتاجة اعرفك أنا بعتبرك إيه بالنسبالي، بس شهاب كمان بقى صاحبي، زيه زي هاشم بالظبط بالنسبالي.. تفتكري لو شوفت هاشم محتاج لحاجة هتأخر عنه؟" تنهدت لتندهش الأخرى على طرف المكالمة الآخر
"هاشم!! بتقارني واحد عرفتيه سنين بواحد زي شهاب!!" تنهدت وهي لم تعد تريد أن تُكمل هذه المكالمة بعد الآن التي استمرت لساعتان حتى وصلت لذلك الطريق المسدود "خلاص يا فيروز، ما دام انتي شايفاه حد كويس يبقى خلاص، انتي حُرة.."
أخبرتها بنبرة أدركت فيروز من خلفها أنها تأبى بشدة كل ما يحدث لتُفكر هي أنها لو فقط رآت تغير شهاب الجذري سوف تفهم جيدا أنه ليس بشخص سيء
"أنا عارفة إني متعاطفة، ده غلط والله أنا عارفة، بس مظنش إنه هيقدر يثق في أي حد بسهولة، ووالله أنا بعتبره صاحب ومحتاج مساعدة مش أكتر.. صدقيني لو شوفتيه هتحسي قد إيه هو ابتدى فعلا يتغير"
"ماشي يا حبيبتي، إن شاء الله، أنا مستنياكم.. شوفي هتحبوا تيجوا امتى لما تفضوا وابقي عرفيني" أخبرتها بمنتهى الإقتضاب بنبرة جادة أدركت الأخرى أنها لا تصدق الأمر "معلش يا فيروز هروح أشوف جميلة سايباها لماما من الصبح واعمل الغدا علشان سالم"
"أوك يا حبيبتي بوسيهالي وسلميلي على طنط.. باي"
أنهت المكالمة مع هبة لتشرد قليلا في الأمر، لقد أخطأت بتعاطفها هذا كله، ولكن هي تشعر بالشفقة الشديدة تجاهه، كما أنها تشعر بالإحتياج لمثل هذا الغريب الذي يجعلها تتحسن كثيرا عن السابق.. لا ضير من أن يعالج المرء صديقه، إذا لم نتواجد بجانب أصدقائنا من إذن سيتواجد بالقرب منهم؟!
زفرت ثم نهضت عن ذلك الكرسي الذي جلست تتحدث لهبة عليه بعد أن تركها شهاب ليتوجه كي ينال قسطا من الراحة، هي لم تأتِ هُنا سوى للتحدث مع عنايات، وكذلك رؤية حازم، لقد شعرت بالراحة فقط لوجودها بجانب طفل مثله، ولكنها أيضا عليها معرفة ما تخفيه عنايات، هي لم تغفل أبدا عما رآته أمس وهي تتحدث لشهاب..
"مدام عنايات ازي حضرتك عاملة إيه؟" أخبرتها بعد أن بحثت عنها ووجدتها
"أستاذة فيروز.. الحمد لله"
"أنا من دور بنتك يعني، ملهاش لازمة أستاذة دي خالص" أخبرتها بإبتسامة مريحة ربما قد تُشعرها بالإطمئنان لكسب ثقة تلك المرأة مما جعلت تقاسيم وجه عنايات التي اتصفت بالطيبة تتهلل بالفعل وتبتسم لها
"ملهاش لازمة الألقاب" أضافت فيروز لتومأ هي لها بالموافقة
"تمام.. فيروز.. محتاجة حاجة أقدر أساعد فيها؟" أخبرتها سائلة بإبتسامة
"بصي حضرتك.. امبارح لما كنتي بتكلمي شهاب.. أنا اخدت بالي إنك مخبية حاجة.. بس مرضتش اننا نتكلم قدامه علشان ميتعصبش.. ممكن أفهم فيه إيه بالظبط مخبياه؟" رآت عنايات تبتلع وهي تضيق ما بين حاجبيها وتلاقت أهدابها لأكثر من عشر مرات متتالية ليتفاقم التأكد بداخل فيروز
"أنا يا بنتي قولت كل اللي حصل بصراحة.. وانا هاخبي ليه؟" أجبرت ابتسامة ثم ابتلعت من جديد لتتنهد فيروز
"أنا مبتكلمش إنك خبيتي حاجة في تفاصيل اللي حصل.. أنا متأكدة إنك كنتي بتتكلمي بمنتهى الصراحة.. بس" تنهدت فيروز وهي تحدثها بنبرة هادئة وبإحترام شديد دون إنفعال
"بس أنا لاحظت إن حضرتك مخبية حاجة تانية، وكمان حضرتك يعني من دور والدتي.. أكيد مش هاحب أعمل مشاكل في شغلك.." نظرت لها عنايات بتجهم شديد
"حضرتك أنا أخصائية نفسية، دارسة وواخدة ماجيستير ودكتوراة، فاهمة كمان كويس لغة الجسد والحركات اللي الواحد بيعملها بطريقة لا إرادية غصب عنه وهو بيكدب أو بيخبي الحقيقة، أنا لو كان قصدي إني أعمل مشكلة كنت كلمت حضرتك قدام شهاب امبارح.. بس مرضتش أعمل كده.."
تنهدت فيروز بعد أن أخبرتها في هدوء وهي تحاول أن تعرف ما الذي تخفيه بطريقة سلسة دون مشاحنات أو احتاد كلامي وتحاول لأكثر من مرة أن تطمئنها خلال كلماتها
"صدقيني متقلقيش مفيش حاجة هتحصل لو قولتيلي.. ممكن أي حاجة تفيدنا في الموضوع، حضرتك شكلك إنسانة طيبة ومحترمة، وأنا استحالة أأذيكي في شغلك.. بس أي حاجة انتي مخبياها ممكن تفيدنا في الموضوع.. أرجوكي قوليلي.. ومتقلقيش مفيش أي حاجة هتحصل"
حاولت خلال مناقشة دامت لما يقارب من نصف ساعة كاملة أن تعلم ما الذي تخفيه عنايات لتكتشف أن سارة والدة حازم كانت تأتي متخفية في ملابس كإمرأة منتقبة وهي من سمحت لها أن تدلف بين الحراس متحملة كامل المسئولية بأنها تعرفها وهي إمرأة ذات ثقة لذا بدأ الحراس شيئا فشيئا بإعطاءها الثقة حتى اعتاد الجميع على اتيانها وذهابها وباتت كأنها احدى العاملين في المنزل..
"يا بنتي أنا أم في الأول وفي الآخر، حازم كان دايما بيعيط، وعنيد جدا ومحتاج اهتمام، وبعد كل اللي مدام سارة قالتهولي مكنش ينفع احرمها منه.. أنا ماليش دعوة لا بميراث ولا غيره.. دي أمه في الأول وفي الآخر.." أومأت لها فيروز في تفهم بعد أن فهمتها ودمعت عينيها
"أرجوكي، أنا مش عايزة أتأذي في شغلي بعد العمر ده كله وأنا بقالي مع كرم بيه من سنين وشغلي بعتمد عليه في مسئوليات كتيرة في حياتي، مش هاقدر أي مشكلة تحصلي بعد العمر ده وهيكون صعب جدا إني الاقي شغل!" همست عنايات متوسلة إليها لتومأ لها فيروز لتطمئنها
"متقلقيش، مفيش أي حاجة هتحصل وأنا هاضمنلك إن مفيش أي حاجة هيعرفها شهاب.. عمري ما هرضى إنك تتأذي في شغلك و.."
"فيروز انتي هنا" صاح حازم الذي قاطعهما لتحاول عنايات التماسك أمامهما بينما التفتت فيروز وهي تبتسم له بسعادة حتى ظهرت أسنانها
"مش قولتلك هجيلك تاني" عانقته ليبادلها سريعا في فرحة "عملت إيه النهاردة في المدرسة؟" همست سائلة وهو يحتضنها
"عادي the same.. بس i'm so happy that you're here"
"ده أنا اللي مبسوطة اكتر إننا هنقضي اليوم سوا.. بس يالا اطلع غير هدومك وصحي شهاب علشان نتغدا كلنا سوا.."
"هو هنا!!" صاح في غير تصديق بعينيت متسعتين لتومأ له فيروز
"ده نايم مخصوص وقال لما حازم يجي هاقضي معاه اليوم كله.. يالا بقى روح صحيه"
"أوك" توجه حازم مسرعا في هرولة ليتسلق الدرج لأعلى بملابسه المدرسية ثم توجه لغرفة شهاب الذي فتح بابها وهو يدلف في حماس نحوه ثم القى بحقيبته المدرسية على الأرض
"شهاب.. شهاب أنا جيت.. wake up" أخذ يهُز صدره العاري بيداه الصغيرتان "شهاب قوم" صاح بنبرة عالية في حماس ليفتح الآخر عينيه في نعاس عاقدا حاجباه ونظر له بإستغراب فهو لا يزال غير مدركا لما يحدث بينما عانقه حازم بكلتا ذراعيه الصغيرتان
"أنا مبسوط اوي إنك موجود.. يالا اصحى علشان نتغدا سوا.." همس له وهو يعانقه ليزفر شهاب ثم جذب جسده فجأة وعانقه هو الآخر "ومبسوط إن فيروز هنا.. يالا .. she's waiting down stairs" أخبره ليتنهد شهاب في نعاس لم ينتهي بعد وهو يحاول الإستفاقة
"مش اكتر مني" همس متمتما بينما لم يستمع حازم لما قاله
"يالا بقى يا شهاب قوم"
"بس أنا عايز أنام تاني" همس شهاب ثم التفت ليضجع على جانبه ولا يزال حازم معانقا اياه
"شهاب please يالا بقى" أخبره وهو ينظر إليه عابسا ببراءة ولا يزالا متعانقان
"ماشي.. هقوم احلق دقني واستحمى واجيلك.."
"أوك.. بس بسرعة، I'm going to change وهاجيلك تاني" فر مسرعا للخارج لينهض شهاب وهو يحاول أن يزيل آثار النُعاس لينظر لتلك الحقيبة المدرسية الملقاة على الأرض بإهمال ليتهكم بداخله، أخوان من صلب نفس الرجل ويا للحياة المختلفة التي يحياها كلا منهما!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"يوه بقى أنت لسه مخلصتش!" حدثه حازم الذي وجده بحمام غرفته ليرمقه شهاب بنظرة جانبية ثم نظر في المرآة وهو يشذب لحيته بعد أن فرغ من الإستحمام بعد أن رآى أنها تحتاج للمزيد من العناية ليتفقده حازم واجدا اياه مرتديا سروالا قصيرا منزلي وصل لركبتيه ولكنه لم يجبه
"هو أنا لما أكبر زيك هحلق كده؟" حدثه ليهمهم له بينما تفقده حازم لوهلة "طب أنا عايز احلق دلوقتي" أخبره بينما رمقه شهاب في تعجب
"بس كده.. بسيطة" أخبره ثم اتجه نحوه بآلة التشذيب الإلكترونية وأعلى هو من درجتها ليتغير صوتها ليتعجب حازم
"صوتها بقى عامل كده ليه؟" حدثه سائلا في تعجب بينما ابتعد عنه وشهاب يقترب منه
"مش عايز تحلق.. تعالى أحلقلك" أخبره وهو يتجه نحوه وابتسم في خبث ومكر من خوف هذا الصغير
"لا صوتها وحش اوي.. خلاص يا شهاب مش عايز"
"رجعت في كلامك؟!" أقترب أكثر نحوه بينما أخذ حازم في الهرولة مبتدا لخارج غرفته ليتبعه شهاب
"فيروز الحقيني شهاب عايز يحلقلي بالبتاعة اللي صوتها وحش دي" اختفى خلف فيروز التي كانت في طريقها إليهما كي تتفقد ما إن سيتناولا الطعام أم لا
"متخفش يا حبيبي دي shaving machine مش بتخوف" همست إليه وهي تنظر له وربتت على رأسه في ود ثم التفتت لتنظر إلي شهاب واقفا أمامها حافي القدمين لا يرتدي سوى ذلك السروال المنزلي القصير وشعره لا يزال مبتلا لتبتسم هي على مظهره
"شهاب ادخل البس هدومك ويالا علشان نتغدا.. هستناك تحت أنا وحازم" هزت رأسها في إنكار على طريقته الطفولية ثم التفتت لتهبط لأسفل بصحبة حازم وتركته خلفها لينظر لهما بقليل من الضيق بعد أن تركاه وكره بداخله استحواذ حازم عليها بهذه الطريقة!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"براحة علشان ميصحاش" همست فيروز وشهاب يضع حازم بسريره بينما أقتربت من حازم بعد أن تركه هو وقبلته على جبينه ليرمقها شهاب بإنزعاج لا تعلم فيروز من أين آتى ثم أوصدت النور الجانبي لسريره وتوجهت بصحبته للخارج..
"شهاب أنا كنت مستنية حازم ينام علشان نتكلم في كذا حاجة.. ممكن؟!" سألته ليومأ لها بالموافقة ثم اتجهت هي نحو احد غرف المكتب التي جلسا بها مسبقا بعد أن بدأت تحفظ القليل من طريق الغرف وما إن دلفا حتى أوصدت هي الباب ليتعجب شهاب
"اقعد.." همست إليه ليتجه جالسا على أريكة متواجدة بالغرفة بينما هى وقفت أمامه عاقدة لذراعيها وملامحها تحولت للجدية الشديدة
"مامة حازم فين يا شهاب؟!" سألته ليرفع حاجباه ثم مط شفتاه بعفوية ولم تتوقف هي عن تسليط النظرات الجادة إليه
"بصي من الآخر كده.. أنا خدته منها غصب.."
"ليه عملت كده؟!" سألته من جديد ليبدأ هو في التحرك والعبث بوجهه ولحيته وملابسه لتفهم أنه متوترا
"هي متستاهلش غير كده" في ثوان اختلفت ملامحه ناظرا نحوها بصرامة واعترت ملامحه القسوة لتتحول بُنيتاه من ذلك الرجل الذي تغير قليلا لأيام لآخر عرفته قبل ذلك
"شهاب.. إيه اللي خلاك تعمل كده؟!" حدثته بإستفسار مرة أخرى لنهض هو وهو يتجه نحوها
"اشمعنى بتسألي؟" رمقها بجدية وتلك النظرة المُخيفة لم تغادر داكنتيه
"علشان مينفعش لأي سبب من الأسباب تحرم أم من طفلها"
"على أساس إن دي أم أوي" ابتسم بتهكم ثم ولاها ظهره وابتعد عنها
"شهاب بصلي وأنا بكلمك وجاوبني ليه عملت كده؟" صاحت به بجدية لتستمع لزفرته الغاضبة من على مسافة
"علشان دي واطية وطماعة وقذرة.. متستحقش كل اللي هي فيه ده!!"
"وأنت بأي حق تحكم على أم و.."
"علشان دي اللي كلمتك عنها اللي كنا واخدين منهم أوضة فوق السطوح، علشان هي اللي فضلت تعايرني في الرايحة وفي الجاية، علشان بعدها بسنين راحت كلت عقل أبويا واتجوزته وبعد كل اللي سابهولها جاية بتكلمني على الورث وحقها هي وابنها في كل اللي بنيته في سنين بتعبي وبكل اللي أنا شوفته واستحملته وأنا لوحدي عايزة تاخده على الجاهز"
قاطعها متحدثا بغضب بينما تعالت أنفاسه بعد أن التفت لها وصرخت ملامحه بالإنفعال والجدية الشديدة ورآت كذلك الآلام تنفجر بتقاسيم وجهه
"طيب، الورث أنا عارفة إنه دايما بيعمل مشاكل و.."
"ورث إيه ده اللي يعملي مشاكل، أنتي فكراني أهبل يا فيروز ولا إيه؟" قاطعها مبتسما وتحولت ملامحه مجددا ليعتريها التهكم
"عارفة اللي بيقولك أنا في الفلوس معرفش أبويا.. اهو اللي حصل بالظبط.. أنا ممضيه من قبل ما يموت على كل حاجة.. طول ما هو عايش كنت بسيبه يعمل اللي هو عايزه في سبيل بس انه بنى معايا كل ده، كان بيشتغل هنا وابتدى صغير وأنا بين يوم وليلة عملت حاجة اسمها كرم الدمنهوري وأنا بره وبعيد.. إنما يروح يتجوز من ورايا ويسيب الستات كلها ويتجوز الوسخة دي وكمان جايا تكلمني على الورث بعد كل اللي بعزقه عليها.. ده لو ماتت قدامي مش هديها جنيه"
تابع كلماته لتبتلع هي وتفقدت ملامحه وهي تحاول ربط كلماته بما أخبرتها اياه عنايات وكذلك ما أخبرها بدر الدين عما فعله بزوجة أبيه وتماسكت لتحدثه بهدوء
"طيب أنت ليه مفهمتهاش إن باباك سابلك الورث كله وإن دي فلوسك أصلا؟" زفر واغلق عيناه بمزيد من الغضب ثم أعاد نظره إليها لينظر نحوها بجمود دون مشاعر
"علشان تستاهل تتبهدل زي ما بهدلتني زمان، الواطية راحت لولاد عمي قال إيه تستنجد بيهم من اللي عملته فيها.. ولعلمك هي متعرفش إني مضيته قبل ما يموت على كل حاجة"
"شهاب بس ده مش تصرف صح.. أنت لازم ترجع حازم لمامته وتـ.."
"انتي بقى كمان هتقوليلي أعمل إيه ومعملش إيه؟" قاطعها وهو يقترب منها لتلمح بملامحه ذلك الرجل الذي لا ينتهي معه الأمر دون أن تصفعه أو يتشاجرا
"مش أنت قولت إنك عايز تتغير وتتعالج وتبطل كل اللي بتعمله؟" نظرت إليه وهي تحاول أن تنبهه لمن يتحدث "أنا وثقت في كلامك يومها.. ولا الفكرة اتغيرت في دماغك؟" حدثته بتوسل وعينيها تترجاه ألا يكسر ثقتها به "أنا وثقت فيك يا شهاب، أرجوك بلاش تــ."
"اعمل إيه؟ عايزاني اعمل ايه وأنا اعمله؟ اعمل ايه لواحدة زبالة زيها أذتني بالكلام وبالأفعال وبالتريقة وأحيانا بالضرب!! عايزاني أنسى كل اللي حصلي بسببها؟ عايزاني أنسى بين يوم وليلة كل اللي حصلي من تحت راس آمال.. انتي بكل اللي عرفتيه ده مش هتتصوري أنا شوفت إيه، مهما اتكلمنا مش هتقدري تحسي أنا عشت بإيه أوسخ سنتين في حياتي"
صاح بحرقة شديدة وهو يرمقها بداكنتان صرختا بالآلم الشديد وهو يقاطعها ثم ابتلع غصة بحلقه محاولا منع نفسه بالتأثر كي لا يتذكر هذه الأيام
"أنا عايز اتغير اه، عايز أكون إنسان أحسن، بس ازاي؟ ازاي وأنا من يوم ما آمال سابتني وأنا بيحصلي مصايب بسببها؟" نظرت إليه بتعاطف شديد وهي تشعر بالتألم من أجله
"دي حتى مفكرتش تكلمني غير بعد سنين.. فين بقى بعد ما بقيت راجل ومعايا فلوس.. الفلوس اللي علشانها كل حاجة باظت زمان" حاول أن يتناول أنفاسا ولكن محاولته بدت كسكاكين تمر بحلقه نحو قلبه ليشعر بالآلم يتفاقم بينما نظرت هي نحوه بتأثر وتركته كي يتحدث عن كل ما يريد البوح به
"جاية تكلمني بعد ما اتعذبت بسببها، بعد ما بقى عادي أعيش من غيرها ومن غير أي حد.. اشمعنى مكلمتنيش زمان؟ اشمعنى اختارت راجل تاني وحياة تانية؟ علشان أم الفلوس!! فرطت فيا قصاد الفلوس مش كده؟ عمرها ما فكرت تكلمني ولا تطبطب عليا من يومها.. سبعة وعشرين سنة عايش بفتكر في كل لحظة معاها، سنين بحاول استحمل وأنا لواحدي كل اللي جرالي بسببها، ليه متصرفتش زي أي واحدة محترمة.. زي أي أم من اللي بسمع عنهم وكلمتني بالراحة.. ليه مكنتش جانبي وأنا محتاجها.. ليه مكنتش بتسمعني وتعرف كل حاجة عني.. أنا.." انهمرت احدى دموعه لتبتلع فيروز وهي تأسر شفتها السفلى بين فكيها في غضب لأجله
"أنا كان نفسي أشوفها حتى جانبي ليوم واحد.. عارفة.. زي ما شوفتك جنب حازم.. كانت دايما معايا وفجأة نسيتني.. فيه أيام كتير عدت عليا كان نفسي بس أروح البيت وأحكيلها على كل حاجة.. كان نفسي احضنها، أو اقولها أنا جعان، أو تعالي نيميني.. كانت فين هي؟"
تواترت الدموع من عينيه بالرغم من محاولته للتوقف ولكنه لم يستطع أبدا أن يفعلها وهو ينظر أمامه لفيروز بمنكبين انحنيا في ضعف وإنكسار
"كان نفسي اكلمها، كان نفسي بس احكيلها قد ايه أنا كنت بحبها ومحتاجلها واني مستحقش اتساب، مستحقش انها تبعد عني وهي الوحيدة اللي كانت حياتي بتوقف عليها.. عايزاني ازاي يا فيروز بعد كل اللي شوفته ده تقوليلي أرجع حازم لمامته.. اشمعنى هو وأنا لأ؟ اشمعنى ميعش نفس اللي أنا عيشته؟ ما هو أنا معاه اهو وبيت طويل عريض وناس وفلوس وكل اللي نفسه فيه بيتحققله، أنا اللي بعمله في حازم ده وفي الزبالة التانية ميجيش نقطة في بحر من اللي أنا عيشته.. وكله بسبب آمال.. أنا بقيت عايز أأذي كل الناس اللي أذوني، وبسببها هي.. "
توقف عن البكاء بينما جفف دموعه وهو يشعر بالخوف وعدم الراحة بعد أن اعترف لها بكل ذلك والتفت ليتوارى عن عينيها لتتنفس هي في هدوء شديد بينما فكرت في آمرا ربما قد يهون عليه كل ذلك قليلا
"شهاب" همست وهي تذهب نحوه بنبرة هادئة ثم حاولت الوقوف أمامه وهو يستمر في محاولات عدم النظر إليها لتُمسكه من ذراعه ثم أجبرته على النظر إليها
"لو كنا في وقت غير اللي احنا فيه، وفي ظروف غير اللي حصلت بينك وبين مامتك، لو مكنتش سابتك، ولقيتها دلوقتي قدامك.. ممكن تتكلم معاها وتحكيلها حاجات كتيرة؟" نظر لها بإستغراب عاقدا حاجباه
"خلاص يا فيروز، انسي كل اللي قولتهولك ارجوكي" حدثها بنبرة جامدة ولكنها لم تستسلم له
"شهاب اسمعني.. احنا ممكن نجرب حاجة، هتفرق معاك كتير اوي، بس أرجوك ركز معايا وركز في كلامي، لو مامتك كان حد بعدها عنك لسبب ما وهي مقدرتش توصلك وجالك فرصة بعد سنين إنك تحكيلها كل حاجة، كنت هتكلمها؟"
سألته ليرمقها في تردد وحيرة ثم تناول شهيقا مطولا وهو يزفره بصعوبة وفي النهاية أومأ لها بإقتضاب ليجدها تنظر حولها ليتعجب لما تفعله ثم أعادت نظرها إليه لتشير له نحو كرسيان في مقابلة بعضهما البعض
"روح اقعد على الكرسي ده، ممكن؟" مزيدا من النظرات المستفسرة نظر لها بها "معلش علشان خاطري اعمل اللي بقولك عليه" همست له في توسل ليزفر من جديد ثم فعل على مضض لتذهب هي خلفه في هدوء
"اديني قعدت.." حدثها بنبرة منزعجة بينما هي استجمعت كامل تركيزها
"عايزاك تركز كويس وتبص قدامك في الكرسي ده، عايزاك متفكرش غير في مامتك وتتخيلها قاعدة قدامك.." التفت ليرفع رأسه لها في تعجب "اسمع الكلام أرجوك.. ده جزء من العلاج.. طريقة اسمها سايكودراما.. هفهمك كل حاجة لما نخلص بس اعمل كل اللي هقولك عليه"
همست إليه وبعد مُدة من نظرات تبادلاها في صمت وعدم تقبل الأمر منه في البداية ولكن في النهاية أصبح ينصاع في إذعان لكل ما تخبره به..
تعجبت هي منذ بداية تلك الجلسة التي استمرت للكثير من الوقت بين غضبه وبكاءه وارتجاف جسده بطريقة مُرعبة والغوص بداخله كي يواجه احدى اكبر صدمات حياته بترك والدته له لما يعاني منه.. هو سيكوباتي.. ولكن أن يواجه مثل تلك الصدمة الهائلة بحياته ويقر هكذا بسهولة بكل ما عاناه لوالدته وحدثها بالكثير عن أيام ود لو أنها كانت معه وكم يحتاج إليها وحقيقة أنه لا يسامحها بل ويكرهها بشدة إلي الآن؛ كان كل ذلك مُدهشا بالنسبة لها.. دفع رأسها للتفكير بالرغم من خوفها أن تفشل بتلك الجلسة وتعرضه للتألم أكثر!! ولكنها لا، لن تخذله!!
عادت لتُفكر لو أن السوسيوباتية التي يتحدث البعض عنها بأنها مرض مختلف عن السيكوباتية بالرغم من عدم اعتراف الأطباء بها وعدم تفريقها عن السيكوباتية، هل حقا قد تُعالج بجعل المرء في مواجهة الصدمات التي تعرض لها يوما ما؟ هل هذا ما يعانيه؟! أم أن شهاب يعاني من درجة من درجات السيكوباتية ليست ببشعة مثل ما كانت تظن.. علمت أثناء الجلسة أنها عليها أن تعرضه لتشخيصا مُفصلا، ربما ستستخدم احدى القوائم أو النماذج الشهيرة لإضطراب الشخصية المعادية للمجتمع كي تصل معه لنتيجة بدلا من ذلك التشتت الذي أرهقت منه!
لا تدري هل عليها تصديق مجرد فرضيات ليست بكاملة؟ أم عليها الإلتزام بما تعرفه؟ فقط بعد أن تمر تلك الجلسة سترى ما الذي عليها فعله معه لاحقا!!
"حاسس إنك احسن؟!" همست في استفسار بإبتسامة صغيرة بعد أن هدأ وانتهت الجلسة وجلست هي أمامه وفتح عينيه بعد أن كان في حالة من السكون بعد ذلك الآلم الذي عاني منه طوال فترة حديثه لوالدته لينظر إليها بحيرة
"لو مش قادر تتكلم دلوقتي أنا هـ.."
"شكرا يا فيروز" همس إليها مُقاطعا بإرهاق شديد ولكن بُنيتاه صرختا بالإمتنان "أنا حاسس إني" حمحم وهو لا يدري كيف يصوغ كلماته "إن.. إني.. بصي هو أنا مرتاح عن الأول كتير.." همس من جديد لتومأ هي له بتفهم
لم تكن تظن أن تلك الجلسة قد تُشكل أي تغيير بالنسبة له ولكنها فعلتها على كل حال.. تلك الإتهامات التي وجهها إليها، إعترافه بعدم مسامحته لها عن كل ما فعلت به.. يا ليتها فعلتها منذ البداية!!
"شكلك حلو لما حلقت" أخبرته بإبتسامة لتنجح في تشتيته عن الأمر لترى عيناه المازحتان
"انتي بتتعدي حدود الصحوبية دلوقتي ولا إيه؟" أخبرها بإبتسامة جذابة، لن تنكر أبدا أنه دائما ما يبدو جذابا، ولكنه لا يتباطئ نهائيا عندما يجد فرصة جيدة للمغازلة بطريقته الوقحة!!
"طيب نتكلم جد بقى.. أنا عايزة أقولك على حاجة بس أرجوك حاول تكون هادي، متتعصبش، وافهمني بالراحة"
"فيه إيه يا فيروز؟" عقد حاجباه لتنهض هي ثم عقدت ذراعيها
"اوعدني إنك مش هاتتصرف بإندفاعية وعصبية وأنا أقولك" نظرت هي إليه لينهض هو الآخر واختلفت ملامحه
"اتكلمي" أشار نحوها برأسه لترمقه هي لثوان في تردد ولكنها علمت أنها إن لم تر تصرفه في مثل تلك المواقف لن تعرف إن كان تغير حقا أم لا..
"سارة كانت بتيجي لحازم هنا تشوفه.. وحاسة إن هي اللي ورا موضوع خطف عمك.."
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
تنويه : موعد الفصل الخامس والثلاثون سيكون بتاريخ 26 أكتوبر على مدونة رواية وحكاية في تمام الساعة التاسعة مساءا وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرون ساعة على موقع واتباد
ملحوظة : يتم نشر مسابقة بالمجموعة الخاصة على الفيسبوك (روايات بقلم بتول - Novels written by Batoul) ويتم إرسال جزء في حدود 200 : 400 كلمة من احداث الفصل التالي للفائز قبل الجميع عند الفوز بالمسابقة.. ستكون المسابقة غدا الحادية عشر مساءا بتوقيت مصر..