-->

الفصل الثامن والثلاثون والأخير_ بنات حورية


 

الفصل الثامن والثلاثون والأخير
( جزأ ثانٍ )


وقفت أمام هذا الحائط الزجاجي الكبير الذي يطل علي موقع رائع تراقب السماء الهادئة عكس هيجان صدرها تتذكر ما حدث بالأمس.. حين غط بالنوم أسفل لمسات كفها لجلد صدره ولاحظت ارتفاع حرارة جسده نتيجة تعرضه لهذا الضرب المبرح فشرعت باستخراج زجاجات المياه المثلجة من الثلاجة وتبليل جزأ من قماش حجابها لتضعها علي جبهته وظلت هكذا لوقت طويل حتي بدأ يفيق مجدداً هامساً باسمها: راما.

كانت حينها بالمطبخ تعد بعض الطعام مما وجدته متاح بهذا البيت الذي ينقصه الكثير والكثير من الأغراض.. حين سمعت نداءه أخذت الطعام وخرجت له لتقل بتوتر: هل استيقظت؟ كيف تشعر؟ هل بخير؟.

أومأ لها وهو يعتدل لتترك الطعام من يديها بسرعة وتهتف له بترقب: هل أساعدك؟.

نفي قائلاً: لا تعالي واجلسي هنا فقط.

جلست علي أريكة أخرى مجاورة له لتخبره: حضرت بعض الطعام هل تأكل؟.

نفي مُتسائلاً: لا أريد.. أحتاج لأن أتحدث معكِ فيما مضي.

تنهدت بحزن تنظر أرضاً لتجيبه بآسي علي حالهِ وحالها: لم أكن أعلم أنها والدتك.

قطب ملامح وجهه دون فهم ليتسائل بتفكير: ماذا تقولين؟ لم أفهم!.

ارتعش فكها برهبة وهو يوضح لها أن ليس له علم بأي شئ لتتسائل بملامح أقرب للقهر وقد تركت ما بيديها برعشة وسؤال واحد تردد بقلبها قبل عقلها: لما.. لما رددتني إليكَ إذاً.

لم تُفكَ عقدة ملامحه وهو يجيبها بدون تردد: لأنني تعبت، أموت دونك.

وقفت بصدمة تسأله: ولكنكَ لم تعرف الحقيقة، رددتني إليكَ بإجبار والدك أليس كذلك.

ثم شهقت وهي تضع كلا كفيها علي فاهها بصدمة، تجمعت الدموع بعينيها ليطالعها هو الأخر بحيرة مصدوماً من منحني تفكيرها وحالتها ليعتدل واقفاً ليحاول الوصول لها إلا أنها ابتعدت عن مرمي يديهِ التي رغبت بمحاوطتها وهي تطالعه بعتاب، تنهد بتأوه أضلعه ليهتف باسمها: راما.

صرخت بعذاب.. صرخة لم تخلو من نعومتها.. صرخة صامتة مقهورة منه: أنا ماذا فعلت لكَ؟

مجدداً هتف باسمها بعجز: راما.

ولسانه يعجز عن مناداتها بأي لفظ تحببي لأنها ستحتسبه منافقاً حينها ولكن سحقاً لتفكيرها وتفكيره، بصعوبة سحب جسدها ليكتم باقي عتابها التي لم تخرجه بعد بشفتاه ورغماً عنه وقع بها علي الأريكة جالساً.. لم تستطع إلا وهناً بين ذراعيه بخذي ولكن وخذات قلبها المقهورة منه آبت الانصياع فابتعدت عنه تستنشق الهواء من حولها وهي تنظر لجميع الاتجاهات إلا هو فناداها لتنظر له فأجابته: أنا ليس من حقي أن أخبرك، أظن أن عمي غداً سيخبرك كل شئ،، أنا سأنام.

تنهدت بحرقة وهي تلقي نظره عليهِ أثناء نومه ولا تعلم أنه يتظاهر بهذا النوم لتكن على راحتها قليلاً.. لقد ظنت أن والده أخبره بما أخبرهم لهذا ردها إليه.. وظنت أن ما حلَّ بهِ عقاباً وليس إجباراً ليردها.. كانت تعض علي كفيها بدموع وقلبها الوجل بنيران القهر خائف يحلق كعصفور بين قفص صدرها.. وكأنها لا تعلم أين هي وإلي أين هي ذاهبة.. لقد ردها انصياعاً لوالده فقط دون معرفة الحقيقة.. ماذا تغير إذا؟.. ماذا هي بنظره الأن؟.. صداع يفتك برأسها مع تداخل أفكارها المهولة خاصةً وقد ظنت أنه علم كل شئ وأنها ستتعامل مع صدمته عن حقيقة أن فيروز تلكَ هي والدته الحقيقية ولكنه لا يعلم أي شئ.. لا يعلم أنها بريئة حتي!!.
انتفضت علي رنين جرس المنزل لتعلم أن الوقت حان.. وقت مواجهة أبيه له.. نظرت لعينيهِ بأعين متسعة بتشتت قبل أن تتحرك بوعي لتفتح لعمها الذي أحضر أطفالهم معه.

■■■


بعد الفطور كان يجلس علي سريره مجددا يُكمل عملية راحة جسده بعد السفر الطويل لزيارة والدتة في الزيارة الشهرية.. دخلت رسيل تحمل كوبين من الشاي لها وله بعد أن تركت دياب ومالك معاً بالصالة.. لتخبره ببسمة: أحلي كوب شاي.


ابتسم لها وهو يساعدها بوضعهم جوار السرير قبل أن يلتقط كفيها ليُجلسها جواره فتسأله بحنان: كيف حالك.

تنهد بآسي يعلم أنها تتسائل دائماً علي حاله لأنها تتألم لأنه يتألم بسبب ما حل بعائلته أكملها وليس والدته فقط.. فأخته أيضاً بعد وفاة جدهم وجنون والدتهم لم يكن لها مكان تذهب إليه.. لديها أخين كالجبال نعم ولكن كان عليها أن تحسب حساب تلكَ الأيام المريرة التي قد تحتاج لهم بها قبل قتل ابن أحدهم فقبلت بالزواج من شخص لابد وأنه يذيقها الويل الأن.. شخص أرادها من قبل ورُفض منها ومن جدها بأخزي الطرق بسبب تدني مستواه من نظرهم... والحال أن هذا الشخص أصبح ملجئاً لها بعد ضياع لا يتخلله الندم!!.

نظر لها بألم لا يعلم لو أصرت علي قرارها فيما مضي ولم يأخذ هو هذا الموقف القاسي ضدها حتي يُعيدها له كيف كان تحمل ما يحدث الأن لعائلته دونها.. جذبها بغتةً من خصرها له ليضع رأسه علي صدرها الحنون لتحاوطه بدفئها وتتلاعب برأسه بدعم قائلة: هل تعلم أنني أحبك.

هز رأسه بهمهمة بسيطة بدت لها متغطرسة لتضرب علي ظهره بقبضتها قائلة: قل شئ أقول أحبك.

ابتعد عنها ليلتقط كوب الشاي عابثاً بحلاوة روحه معها: أعلم ما الجديد،، تموتين عشقاً بي أيضاً.

لم تمنع اتساع بسمتها عن نظراته وهي تقول بتهديد: لما لا تترك كوب الشاى يا عزيزي، آراكَ احتميتَ بهِ فوراً.

أصدر ضحكة خفيفة وهو يشرب من كوبه قائلاً بانكار: لا أنا أشربه فقط.. وهل أخاف منكِ يا بدري.

همهمت له بأعين متسلطة علي ملامحه لتخبره: تقول هدنة يعني،، ناولني كوبي إذاً.

ضحك مجدداً بعبث وجلس ينظر لها مُبتلعاً تزعزع مشاعره لكي يكون قادراً علي عطائها ومواكبة عطائها له كذلك.. فهي بدره المشع.. بهجة حياته ورفيقة الدرب كما يقولون ونعمَ الرفيقة أيضاً.. زوجته، مهُجته وروحه.

ما إن ترك الكوب من يديه حتي قابلته وسادتها بوجهه مباشرةً قبل أن تعتليه بمرح قائلة بتحذير: ماذا كنت تقول يا سيد صهيب.

بصعوبة استحوذ علي يديها التي تضربه بوسادتها ليقل بضحك: كنت أقول أحبك وأحبك و...

انفلتت إحدي يداها لتلتقط الوسادة مجدداً ضاربة وجهه بها ليصيح بها: توقفي يا فتاة.

أمسك بيدها المنفلتة مجدداً ليرفعهم جوار رأسها بعيداً عن رأسه لتسأله بتهديد: عندما أقول أحبك ماذا تقول يا روح زوجتك؟.

ضحك وهو يجبيها مستفزاً إياها: لم أفهم هل تقولين أنكِ تحبينني أم تُهدديني!.

نزلت بكوع ذراعيها بقوة علي معدته لينحني تاركاً إياها وهو يسعل ويضحك سابباً بخفوت من قوة يديها حتي انتبه أنها أعطته ظهرها تلتقط الوسادة الملقاه علي الأرض مجدداً فاعتدل سريعاً جاذباً جسدها لصدره ليكبلها تماماً مستمتعاً بشهقتها المتفاجأة قبل أن يهمس جوار أذنيها: لم تخبريني إلي أي مدي تُحبينني تماماً.

صرخت بهِ بغيظ وهي تتحرك يميناً ويساراً عبثاً: صهيب!!.

ضحك وهو يقبل وجنتها الظاهرة له كالأطفال تماماً بشدة قائلاً باستحواذ علي غيظها ولكي يحصل علي استكانة جسدها المُحب هذا: حسناً حسناً اهدأى يا بدري بالطبع يا زوجتي الجميلة.. يا رسيل قلبي..

وقبل أن يُكمل تركها متهدجة الأنفاس تستمع له بخضوع ليترك السرير مُتجهاً لباب الغرفة: بالطبع أعلم أنكِ تُحبيني.

ثم غمز لملامحها المصدومة قبل أن يخرج من الغرفة ضاحكاً بشدة وقد تغير مزاجه المُعكر تماماً.. في حين بقيت هي تنظر لها بدهشة قبل أن تضغط أسنانها بغيظ صارخة باسمه ومندفعة خلفه: صهيب.

■■■


كانت تجلس مع طفلتيها بإحدي الغرف تحرك قدميها بتوتر.. هدوء يحتل الخارج لا شجار ولا صراخ ولا تعرف كيف تئول حالة راكان الأن ماذا سيحدث بعد معرفة أن والدته الحقيقية هي فيروز..

المرآة التي تخلت عنه بشبابها حين أوشك ابيه علي الإفلاس إثر أزمة مالية شديدة فطلبت فوراً الانفصال منه لعدم احتمالها هذا الوضع المتذمت دون رغبتها بالتخلي عن حضانتها لطفلها ولكن رؤوف لم يكن ليتخلي عن طفله أبداً متزعزعاً كذلك بسبب موقفها الدنيئ معه ليُطلقها راغباً في ذلك قبل أن يكون هذا طلبها.. طالما تتخلي عنه بأصعب أوقاته لا يُريدها بأي وقت إذاً.. لا يُنكر أنه خاض معها العديد من المشاحنات حول طفلهم راكان ولكنه أبي اعطائها إياه حتي أخبرته أنها ستبقي معه ومع طفلها إذاً.. ولكن رؤوف كان يري ندمها السريع علي تفوهها بهذا وأنه لو خيرها مجدداً لتذهب بدون طفلها ستفعل.. لم يتحمل الحياة وسط أذمته المالية معها أبداً كانت جحيماً بسبب استنكارها وغضبها وتذمتها علي كل شئ لذلك طلقها.. طلقها وحرمها من طفلها كذلك بعد أن وافقت أن تتركه له وهي تصرخ بهذا وسط أخر شجار لهم.

لن يآمن مثلها علي طفله أبداً وكان علي رؤوف بالزواج فوراً بمن ترعاه وكانت من تزوجها خير الزوجة وخير الرفيقة أحبت راكان كطفلها تماماً.. احتملت أذمته التي فوراً تفككت العقدة من حولها وأصبح يتصاعد ويتصاعد في عالم الثراء وكأن تلكَ الأزمة كانت ليري معدن تلكَ الفيروز علي حقيقته.. ولكن لم يسمح بدخولها حياته مجدداً وتزعزع طفله بينها وبين زوجته لذا كان سهلاً عليه أن يخبرها بذلك أن تنسي أن لها ابن وتمتن لتلكَ المرأة التي ستكون والدته بعد ذلك.

لم يفعل هذا من فراغ.. فعله نتيجة لتصرفاتها.. ثلاثة أشهر استطاعت بهم البقاء بعيداً عن طفلها غير قادرة علي زيارته بالمكان الذي أطلقت عليهِ رثاً ولا يليق بها، وما إن انتهو الثلاثة أشهر كانت تتزوج بأخر ثري.. لم يري وجهها مُجدداً إلا بعدما عاد لمنزلهم القديم.. تلكَ الفيلا الذي يقطن بها الأن مع زوجته الذي يأكلها المرض وكأنه ابتلاء أخر من ربه وهو عليهِ التحمل.


محاولتها للحفاظ علي راكان بعد ذلك والمطالبة بحقها بهِ لم يستطع رؤوف تخمين هل من أجل ماله أم من أجل راكان ولكن تصرفاتها المهينة مع زوجته كانت تفقده عقله حتي علم أنها حاولت التخلص منها بإحدي المرات برشوة إحدي الخادمات التي كانت مخلصة له فأخبرته فوراً حتي فقد عقله بالفعل خاصة وقد أحب زوجته بشدة لذلك لا يعلم كيف كان بمنزلها مُهدداً إياها وهو يخنقها بكلتا يداه.. مُحذراً ومُعلناً أن لم يعد لها طفلاً يربطها به وأن تترك تلكَ البلد لأنها لا تتسع لهم معاً فيكفيه صدمةً وخزياً منها لن يحتمل أن تصبح قاتلة أيضاً... وبسهولة استطاع التأثير علي عمل زوجها لينقله دوله أخري ومن حينها لا يعرف عنها أي شئ ولم يجتهد ليعرف ولكن كان حذراً تماماً ومتيقظاً لها كي لا تختلط براكان بأي وقت من الأوقات لذا كانت كُلما تعود لمصر كان يراقبها جيداً حتي يُبعدها عن ابنه.. ولكن لا يعلم ما الخطأ الذي وقع الأن لتستطيع الوصول له.


استمعت لصوت باب المنزل بعد وقت طويل ينذرها أن والده علي الأغلب قد رحل.. 
نفخت بتوتر وهي لا تسمع همساً لراكان لا تعرف ما عليها فعله.. ويبدو أنها نقلت هذا التوتر لطفلتيها لتبدأ يارا الصغيرة ببكاء راغبة بأن تحملها راما لذا نزلت لمستواها لتحتضنها مهدهدة إياها وتحملها لتقف بها ولكن ظهرها أبي الانصياع لهذا مُؤلماً إياها بشدة لتضع صغيرتها علي السرير قائلة لبُكائها الرافض برجاء وقد شعرت برغبتها في البكاء مع طفلتها حقاً: يا صغيرتي والله ظهري يؤلمني،، لا تبكي. 


صمتت صغيرتها فجأة وعينيها تتعلق بهذا الذي وقف خلفهم لتلتفت راما له بسرعة مراقبة إياه بترقب متوتر وقد وقف بهيئة مزرية خلفها جعلتها تود أن تحتضنه لتخفف من ألمه ولكن عيناه القاسية رغم احمرارها جعلتها غير قادرة علي تحديد ماذا يُريد هو أو بماذا يشعر،، نظر لها فجأة لترمش عينيها وتتواصل معه ليسألها بحشرجة حلقه وهو يداعب صغيرته التي اندفعت له تتعلق بثيابه وهي واقفه علي الفراش: ما بهِ ظهركِ يا صغيرتي.

نظفت حلقها من هذا التوتر لتقل صادمة إياه بتلقائية: يؤلمني من الحمل،، إنه أمر طبيعي.

توسعت عينيه بدهشة وهي كذلك ما إن استوعبت ما نطقت بهِ لتسعل بشدة مع دموع عينيها التي تحولت لنشيج خافت ليهمس بعجز وهو ينظر لطفلتيه المتابعتين لهم: راما.

مسحت دموعها لتتركه وتخرج من الغرفة مسرعة للحمام.. غسلت وجهها وهدأت من روعها.. تعلم ما تحتاجه الأن حضنه الأبوي الذي يعوضها أحضان أبيها الراحل ووالدتها.. ولكنها تشعر بهِ شخص أخر غير الذي كانت ترتمي بين ذراعيه دون تفكير أو حساب.. ولكنه نجح، نجح بجعلها تفكر بكل خطوة قبل ان تخطوها ناحيته خاصةً وقد فهمت جيداً مشاعره التي ألقاها بوجهها منفجراً بعد أربع سنوات من كبته إياها.. ولكن لا بد أن تضع حداً لما يدور بداخله عنها هذا لكي يستمرا بالحياة معاً.. من أجهلم ومن أجل أطفالهم قبلهم!.

■■■


انتهي اليوم تقريباً بالنسبة لصغارها.. تشعر بهِ يكاد ينفجر من جمودها لباقي اليوم وتراه يراقبها ويراقب بروز معدتها الخفيف بشرود.. لقد خرجت من الحمام بوجه جامد.. اختفت نصف اليوم تقريباً بالمطبخ تحضر أي شئ.. تهتم بصغارها حتي أودعتهم بفراشهم ليلاً وخرجت من الغرفة مُتجهة له.. والحال أنه هو الأخر ينتظرها بفارغ الصبر.

جلست تنظر له ولتوتره الغريب هذا لتسأله بالبداية: هل أنتَ بخير.

نفي بصدق لتعض شفتيها... لا تعرف من يحب أن يواسي الأخر.. ومن عليه أن يتنازل الأن ليداوي الأخر.. ولكن هل الحب بهِ هذا النزاع الذي يدور بعقلها..
نطقت ببعض الكلمات لتخبره: أنا حامل بنهاية الشعر الرابع،، لا أظن أنكَ لاحظت هذا.

أومأ لها ليُجيبها بآسي وقد رأت عذاب عينيه: نعم لم ألاحظ سامحيني.

ارتعشت ملامحها متؤثرة لتخبره برفق وهي توقن أنه غير مستعد لأي نقاش بينهم.. حالته غريبة عليها تشعر أنه سيبكي بأي وقت.. وبالتأكيد لن يكون قادراً علي مجابهة ما يدور بداخلها أو إخراج ما يدور بداخله هو: راكان أنتَ مُتعب لنتحدث بوقت أخر.

نفي وهو يخبرها ببعض الحدة.. والحال كان أنه يحتاجها.. يحتاجها بقوة ويخجل من طلب هذا منها لذا ليتحدثا لعلها تُخرج كل ما يؤلمها منه من داخلها وتميل له مجدداً فتأخذه بأحضانها كما يحتاج فقط الأن: ولكنني أريد التحدث.

أومأت لحالته المعذبة لها لتسأله: حسناً بماذا؟ لو تود أن تتحدث عن ما أخبركَ بهِ أبيك..

قبل أن تُكمل قاطعها مُدهشاً إياها: لا تُهمني تلكَ المرأة أبداً.. كل ما يُهمني أنتِ.. أنتِ وما فعلته بكِ أنا.

توسعت عينيها وارتعش جسدها من قسوته قليلاً علي والداته.. ولكن لما تندهش من شابه أباه فما ظلم.. انتبهت له مجدداً وهو يخبرها: أنا  تصرفت مثل أبي تماماً.. كدت أخرجك من حياتي وحياة أطفالنا نهائياً.

نزلت دموعها بصمت لتسأله بعذاب: ولكن ولكن لم يَكن السبب الوحيد أنكَ ظننت أنني أردت قتل والدتك بالفعل.. أنتَ كنتَ تضمر بداخلكَ لي ضغينة كلما كانت تكبر مع الوقت.

مسحت دموعها وتنفست بعمق ليقل برجاء: لا تبكي.. صدقيني أنا الأن لا أحتمل أي شئ وخاصة ألمك الذي أنا سبب به.. لقد كان اختباراً وفشلت بهِ بجدارة.. لا تبكي أتوسل إليكِ.

وكأنه يقول ابكِ فقالت بانهيار: راكان أنتَ طلقتني لسبب أخر.. حسناً إن كان موضوع والدتك فقط فسأسامحك علي الرغم من ظلمك واتهامك لي.. علي الرغم من عدم تصديقك لي.. علي الرغم من أنكَ كان يجب أن تصدقني أنا وليس حفنة من الرسائل المدعية بكذب.

شهقت وهي تُكمل: أنتَ طلقتني لأنكَ تعبت.. تعبت من الزوجة الصغيرة، الطفلة المتعلقة بكَ والمتكأة عليكَ وكأنكَ والدها.. لا تصمت هكذا تحدث وأخبرني!.

تنهد وهو يخبرها بصدق: أنا فقدت حق أن أعاتبك بعد ما فعلته.

شهقت وسط نشيجها لتسأله: تُعاتبني بماذا هل لكونك تراني حتي الأن الصغيرة ذات الثمانية عشر عاماً التي تزوجتها بتهور.. لقد كان تهوراً صحيح.. وعلي رغم هذا لم أشك أنكَ ستندم علي هذا بتلكَ السرعة ولكن..

قاطعها وهو يقطب حاجبيهِ بنفي: راما...

أسكتته حينها لتتابع حديثها قائلة: ولكن أصبحت أشك الأن أنكَ كنت تراني زوجتك حتي..

نفي محاولاً: راما..

حاول مجدداً أن يتحدث لتقاطعه بحرقة وعي تبكي: أنا لا أري أن المشكلة بي،، أنا لا أري أنني قصرت في حقك بشئ ربما ببداية زواجنا حتي اعتدت عليكَ ولكن بعد ذلك.. أنا والله لم اكن أخرجكَ من تفكيري للحظة واحدة بيومي.. أنتَ كنتَ دائماً أول أولوياتي وفي أول القائمة دائماً وليس مثلما قلت أنك لست منهم أساساً.. لم أكن أعلم أن صعب إرضائك هكذا وأن كل ما أفعله ليس بكافٍ.

وضعت وجهها بين كفيها لتنهار.. داخلها يحترق من قسوته التي طالتها وأحرقت جزءاً بداخلها تذمر منه هو كثيراً ولن يعود مُجدداً فهنيئاً له!.

اقترب منها دون تردد وود لو تسمح أن يخفف عنها ولكن ما إن لمسها حتي ابتعدت عنه مُكملة: أنا زوجتك.. أنا أم أطفالك.. أنا أحمل المسئولية معكَ ولكن أنتَ لم تكن تري.. أنتَ أغلقت عقلك علي راما الصغيرة التي تزوجتها.. لم تراني وأنا أنضج جوارك.. وليس ذنبي أنكَ اخترتني بهذا العمر.. تحديتني وتحديت الجميع لتأخذني عروساً بالثامنة عشر.. ولكن لم تراني إلا طفلة متذمتة تحتاج للحنان دون مقابل ولكنني كنت أعطي وأتعلم منكَ كذلك.. كنت تستطيع أن تعاتبني وتخبرني ما يُضايقك مني بدلاً من صمتك الذي لا أجد له مُبرراً إلا أنكَ لم تري حتي الأن أنني أصبحت امرأة ناضحة وأكثر وعياً مما كنت عليه.. أنا ماذا احتجت منكَ غير أن تعوضني عن فراق أبي..
أنا احتاج أن تُخبرني مواقف شعرت بها أنني لا أعيرك أهمية.. أحتاج لأن عقلي يكاد ينفجر من التفكير منذ أن انفجرت بوجههي والنتيجة طلقتني.. ما الذي أشعرتكَ بهِ لدرجة أن تطلقني بل وتود أخذ طفلتاي مني أيضاً.. ما الاستهتار الذي رأيته مني لتقل أنني لن أدير بالي علي طفلتاي.

كانت تتنفس وتسعل بسرعة إثر حديثها الغير منقطع وبكائها فناولها الماء لتشرب وهو يتوسلها: هلا هدأتي من أجلكِ ومن أجل حملكِ.

نظرت له بأعين مترجية.. تنظر له بحرقة.. تؤنبه علي ما فعله بها ولم يستطع النظر كثيراً لداخلهم وقد هُزِمَ أمامهم وأمام تعريتها لأفكاره الحبيسة بداخله منذ أربع سنوات.. هل معها كل الحق!!.. نعم.
هل أغلق عقله أمام ما يُقدمه لها حتي لم يري أي شئ قدمته هي!!..نعم.
طال صمته لتسأله بحرقة: لا تصمت أجبني.. أحتاج لأجوبة.

نزلت دموع عينيه بعد أن تحامل علي نفسه ليخبأهم قائلاً بحرقة صدره: ليس لدي جواب معكِ كل الحق.. خسئت أنا وبئس ما فعلته بكِ.. معكِ كل الحق.

نظر لها فجأة بحزن ليرفع يديهِ مداعبه وجنتها بخصلات شعرها بحنان قائلاً بأعين سافرت بعيداً لتعلم أنه ليس بخير بالفعل: أنتِ كنتِ الأفضل دائماً.. أنا كنت أري احتضانك لي احتياجاً لمشاعر الأبوة ولم أكن أراه حباً أو اشتياقاً لي.. كنت أري اهتمامكِ بالصغيرتين وبعملكِ وأغار ولم أكن أري اتصالاتك إلا لتوافيني بتحركاتكم وليس لتطمئني علي.. كنت أود المزيد الاهتمام فلم أري اهتمامك أساساً.. أظن.. أظن أنني كنت أود أن أكون عالمك بأكمله أو.. أو..

لم يعرف كيف يعبر عما يجيش بهِ صدره ولكنه مُصدقاً الأن بكل تأكيد أنه مخطئاً.. مخطئاً حد طعن صدره النادم بحرقة.. لذا همس لها وهو يقبل جبهتها بتقدير: أسف.. لتسامحيني أرجوكي.

وقف لتتابعه بعينيها المتوسعة صمتاً وهو يقول بتوتر: سأري يارا ولارا.

ثم اختفي داخل غرفة طفلتاه لبعض الوقت القليل قبل أن يخرج لها مجدداً ليقترب من تمدد جسدها علي الأريكة بقلق.. راقب انتظام أنفاسها في نوم مرهق ولكنه راح يهتف باسمها برفق لعلها مستيقظة ولكن لم تجيبه.. جلس جوارها يهز قدميه بتوتر وترقب يخشي عليها النوم وهي بهذا الألم والقهر.. بالنسبة له فهو يريد أن يبحث عن أي مسكن للآلام لعله يُهدأ الألم الساكن بين ضلوعه فماذا بالنسبة لها.. ودون تفكير جلس جوار الأريكة أرضاً ليوقظها مُمسداً علي وجنتها: راما.. راما استيقظي.

فتحت عينيها بإرهاق تسأله بعد أن ابتعدت عن وجهه القريب منها هذا: ما الأمر. 

أجابها بخوف: أخشي عليكِ النوم.. لا تنامي.. ابقي مستيقظة أمامي.

همست دون استيعاب بتزمت: ماذا؟.

وقف ليخبرها بسرعة وهو يفرك عينيه الحارقة: قفي هيا قفي.

نظرت له قاطبة حاجبيها لتقف معه وقد حاوط كفها ليجذبها حتي المطبخ وقف أمام صنبور المياه ليجعلها تغسل وجهها: هيا اغسلي وجهكِ.

فعلت بانصياع وفعل هو أيضاً لتسأله مُجدداً بحيرة: هل أنتَ بخير.

أومأ لها وهو يتحرك للثلاجة مُخرجاً منها بعض الفواكه الذي وجدها ليضعهم أمامها قائلاً: هيا تناولي شيئاً.

ترددت وهي تخبره: لست جائعة صدقاً.

أومأ لها قائلاً بهدوء: ولا أنا ولكن كي لا يرتفع ضغطكِ.. أعلم أنه يرتفع حين تضايقين وحين حملك أيضاً هيا أرجوكي.

أومأت له وتناولت حبات العنب الحمراء لتتناول منها بهدوء قائلة بتساؤل: هل نجلس لأن ظهري يؤلمني.. وألن تأكل أنتَ أيضاً.

ألتقط الطبق ليعود معها لغرفة الجلوس.. جلست وجلس جواره مُحافظاً علي مسافة بينهم وضع الطبق بها.. وحثها علي أكل المزيد وتناول هو أيضاً وبقي الصمت صديقهم حتي قطعته هي: أعلم أنه كان يجب أن أنتظر علي حديثنا قليلاً خاصةً وقد تحدث عمي رؤوف معكَ اليوم.

تناول كفها ليداعبه برفق قائلاً بشرود: لا لا بأس.

تركت كفِها له يُداعبه كما يشاء.. تشعر بهِ يحتاج هذا بشدة وهي لن تقدر علي إعطائِه المزيد علي الأقل الأن.. عادت تسأله مُجدداً: هل تود أن تتحدث.

أومأ لها قائلاً: أود أن أتحدث معكِ نعم.. أود أن أستمع لصوتك ولكن لا أود الحديث عن تلكَ المرأة.. يكفي ما تسببت لنا به.

قطبت حاجبيها مُتسائلة: هل هذا يعني أنكَ لن تراها.. لن تسمعها.. وعمي رؤوف ما موقفكَ منه أنا لم اسمع لكم صوتاً معاً.

قست ملامحه وهو يتذكر حديث والده ليُجيبها: أبي لم يفعل إلا الصحيح وتلكَ المرأة لا أرغب برؤية وجهها حتي وأظن هذا عقاباً كافياً لها.

من شابه اباه فعلاً ما ظلم كما يقولون.. لقد ظنت أنه سيثور ويغضب لعدم علمهِ بهذا الأمر وإذا بهِ يُفاجئها بجموده التام حول الأمر.. قطبت ملامحها قليلاً وهي تجيبه: كيف صحيح ما فعله.. إنها أم كيف تحرم من طفلها هكذا..

نظر لها بغتتةً وتوقفت يديه عن مداعبة كفها لتُكمل بترقب: أنا لا أدافع عنها ولكن..

لحق بإجابتها بجمود: إنها قاتلة حاولت قتل والدتي مرتين.

تجمدت بمكانها.. تعلم هذا ولكن وهو يخبرها بهِ وكأنه يضغط علي جرحها المفتوح لتقل له بشرود: مثلي صحيح!.. أنا أيضاً كنت أستحق أن أحرم من طفلتاي.

باغتته بقولها ليفتح عينيهِ بحرقة متوسلاً إياها: راما لقد علمت الحقيقة.. أنتِ قلتي أنني كنت متزعزعاً بزيف أضمرته بداخلي لسنوات لولا هذا ما كنت أصدق أبداً صدقيني..

ثم فجأة تذكر شيئاً ليتمسك بهِ كطوق نجاة ليعود لسفينتها: ألم أقل لكِ بالسيارة أنني أصدقكك وأنني فقط أحتاج لدليل وسأبحث عنه.. وها قد آراني أبي الدليل وأثبتَ أنني وضيع ومتخلف تماماً كما قال.

تنهدت بعمق وبصوت مسموع تنهي الأمر: حسناً حسناً.

سألها برجاء وبدا لها خائفاً لأبعد الحدود من فقدانها: لقد قلتِ ستسامحيني علي هذا الأمر.

نظرت له بعجز.. لم تعتاد رؤيته هكذا.. ذلكَ يُعذبها أكثر من حالته وهو بقمة قسوته عليها لتومئ له بصمت وداخلها ود لو ينطق أن الأمر ليس بتلكَ السهولة.. ساد صمتاً لبعض الوقت كلاً منهم يسمع صوت أنفاس الأخر المتحشرجة حتي قال هو وما زال ممسكاً بكفها وكأنها ستطير من أمامه: أبي أنهي أمرها لا تقلقي.. لن تؤرق حياتنا ثانيةً.. لقد أعادها للمكان الذي أتت منه.. أظن أنها فهمت أن ليس لها أحداً هنا.

أومأت له مُجدداً.. كانت لتخفف عنه لو لمست منه ألماً ولكن الألم الطاغي الأن هو ألم ما وصلا إليهِ لذا عندما ينسحب أدرينالين هذا الألم سيبدأ بالتأكيد بمراجعة كل كلمة أخبره بها والده ليحتله ألم جديد.. ألم والدة لا يعرف هيئتها حتي تخلت عنه قبل أن ينطق أول أحرفه.. وسبحان الله قد يكون هذا جزءاً من عقابه علي طمس الطفلة بداخلها!!.

انتهت الليلة بغرابة.. ظل مُمسكاً بذراعها بين يديه وسقطت رأسه للخلف في تعب بينما هي تطالعه من بين عينيها بدموع صامتة..
بين الحين والأخر كان يفتح عينيهِ نصف فتحة ليتأكد من تواجدها جواره وكانت يديهِ تضغط علي ذراعها ويرفعها لشفتيه ليقبلها هامساً بأسف حتي يطمئن فيعاود لاستكانة نومه حتي أغلقت عينيها هي الأخري وهي تودع شيئاً كُسرَ بداخلها ونمي مكانه أخر أكثر تعقلاً وأكثر حكمة وسيكون أكثر عطاءاً كما يُريد هو ولكنه سيفتقد كثيراً طفلته الذي وئدها بيديهِ.

■■■


استيقظت صباحاً لتجد نفسها ممددة علي الأريكة وغطاء سميك فوقها يغطي جسدها.. نظرت لأشعة الشمس التي تنعكس من زجاج الحائط الزجاجي الكبير علي وجهها لتغمض عينيها بارتعاش.. ثم مشطت المكان بعينيها تبحث عن أثر له أو لطفلتيها ولم تجد ولكن صوتاً مرحاً استرعي حواسها وبدا صوتهم بعيداً لتقف متتبعة إياه حتي وصلت لهذا الحمام الذي يأتي صوتهم من خلفه.. فقطبت حاجبيها بشدة مُتسائلة ماذا يفعل راكان مع الصغار وبالحمام.. دقت الباب قبل أن تفتحه بترقب عليهم.. رأته جالساً أرضاً عارياً الصدر جوار البانيو الكبير الممتلئ بالمياه والصابون والتي تقبع الطفلتان بداخله يمرحان وكأنهما بالبحر.. وهو يبدو أنه كان منتعشاً للغاية ويمرح معهم كطفل وقد رأت تبدد حالته من أمس للأن..

كان هذا تخميناً من ضحكه معهم ولكن ما إن التفت برأسه لها مُنتبهاً لتواجدها حتي ازدردت ريقها بخفوت وهي تري ملامحه متغضنة بنفس الآلام وكأنه كبر عمراً علي عمره.. سألت برفق: ماذا تفعلون.. لماذا تحممهم لا يصح.

ابتسم وهو يخبرها برفق: يرتدون ثيابهم لا تقلقي.. كانو يريدون ولم أود أن أوقظك.

ثم وقف قائلاً: اكملي معهم وأنا سأحضر ثيابهم.

سارعت بقولها: أنا سأحضرهم لن تعرف أنتَ.

أومأ لها بتشتت وراقبها وهي تختفي من أمامه لبعض الوقت  الصغيرتين حتي أتت مجدداً وبثياب لها أيضاً لتتولي أمرهم وخرج هو قائلاً: سأحضر أنا الطعام حتي تنتهو.

نفت قائلة بسرعة: لا تتعب نفسك نحن لن نأخذ وقت وسأحضره أنا.

جذب رأسها ليقبل جبهتها وابتسم لها قائلاً: لا بأس لن يتعبني.

خرج بعد ذلك وسمحت هي حينها لجسدها أن يرتعش تأثراً قبل أن تنظر لطفلتيها بغيظ ضاحكة منهم وانهت استحمام كلاً منهما بسرعة وأخرجتهم من الحمام لوالدهم.. وبدأت هي باستحمامها المنعش.. لعله ينعش ألمها كما ينعش ألم الصداع الذي يحتل عينيها ورأسها.

خرجت لتراه أنهي الفطور بتلكَ السرعة أم هي التي غابت بالحمام لا تستطيع التأكد.. ولكنها وجدته يطعم بناته لتسأل بخجل: هل تأخرت أسفة.

ابتسم بنفي: لا ولكن يارا جائعة لذا أطعمهن أولاً ولكن أنا أنتظرك.

أومأت له وهي تلعب بأصابعها مرتبكة ليخبرها وهو يقف: تعالي اجلسي وأنا سأحضر أطباقنا.

هتفت سريعاً بنفي: لا لا بأس أنا سأحضرهم.

أسرعت للمطبخ لتخضر الأطباق.. لتقف هناك متهدجة الأنفاس وكأنها كانت تفكر كثيراً بقلبها وليس بعقلها.. لا تود أن يفعل أي شئ.. لا تود أن تكون غير مهتمة مجدداً بنظره.. ليس رغبةً منها ولكن هكذا تشعر.. تشعر أن مشكلةً ما ستخرج بأي وقت إن فعل هو شئ عليها هي أن تفعله.. أخذت الطبقين والتفتت لتخرج فوجدته خلفها.. نظرت له بترقب ليأخذ الطبقين مجدداً واضعاً إياهم خلفها مُحاصراً إياها بينهِ وبين الطاولة ليقل باحتياج: هل يُمكن أن..

احتضنها برفق خائفاً من ردة فعلها وهو يُكمل: أن احتضنك و..

قبل وجهها باشتياق هادئ مُكملاً: وأقبلك و..

أخذها بأحضانه بشدة بعد ذلك مُكملاً: وأقول صباح الخير يا تفاحتي الجميلة.

كانت تقف كبلهاء بين يديهِ بينما هو يتأوه من شوقه قائلاً: آآآه يا صغيرتي آآآه.

حاولت.. حاولت رفع يديها لتبادله عناقه .. حاولت أن تجعل رأسها يستكين علي أضلعه لتنسي تعبها ولكن لم تستطيع.. هناكَ شيئاً يخبرها أنه سيترجم هذا بطريقة عكسية أيضاً.. رغم أنها تحتاج لهذا بشدة ولكن هناكَ خوفاً منعها من ذلك لتبتعد عنه قائلة برجاء وشفتيه تحاول عبثاً الوصول لشفتيها: راكان أرجوك لا أستطيع.

بكت أمامه من عجزها لينظر لها بندم قائلا: حسناً لا تبكِ أسف أسف..

شهقت لتجيبه: لا أستطيع أن..

أومأ بعد صمتها ليخبرها بجدية: حسناً لن أقترب طالما لا تريدين.. راما لم أقصد مضايقتك يا صغيرتي.

صرخت بهِ وكلمتان أرهقتا أذنيها لتخبره بصدق: أنا لم أعد صغيرتك..أريد.. أريد قربك.. ولكن أخشي أن أقترب فتظنه احتياجاً كما قلت وليس حباً.. أنا خائفة.

ابتلع ريقه بصدمة ليقل بتلعثم: راما أقسم لكِ أنني علمت الخطأ الذي وقعت به، وعلمت أنه كان يجب أن أصارحك بكل الذي كان يؤرقني ويبعدني عنكِ، أنا مخطئ ونادم وأسف.. ضعي هذا برأسك لن أعيد التفكير بأي من تلكَ الأشياء مجدداً.. ولن أصمت مُجدداً علي أي شئ..ستجدينني أخبركِ بكل أمر يضايقني أو يسعدني أيضاً.. أرجوكِ لتُمحي القبح الذي فعلته بكِ من عقلكِ وقلبكِ..

ثم حاوط وجهها بترقب ليُخبرها: أنتِ حبيبتي.. أين راما التي أخبرتني أنها ستنتظر عثوري علي دليل.. لقد كنتِ حينها كملاك رقيق.. والأن كذلك أيضاً ولكن أرجوكِ لنمحي معاً هذا الخوف حسناً..

حثها مجدداً لتومئ له وتباشر بقول شئ له: لأخبركَ أمراً.

همهم بكل حواسه لتخبره بالبشارة: أنا أحمل صبياً.

انفرجت ملامحه بسعادة بين هذا الألم ليقبل كفيها بشغف قائلاً: لا أصدق أنني لم أنتبه لحملك أبداً.

نظفت حلقها من حشرجته الباكية لتخبره بضحك خافت: كيف ظننت أنكَ أعدتني لعصمتكَ إذاً وقد مر أكثر من ثلاثة أشهر بالفعل علي طلاقنا.

وكأنها باغتته بالسؤال ليضحك من قلبه مُجيباً إياها بجدية: لم أكن أحصي الأيام لأنها صدقاً كانت عذاباً.

انفرجت شفتيها بتنهيدة حزينة وهي تنظر لعينيهِ لعلها تجد ضالتها فترتاح وتعلم أن ضالتها ستكون هو دائماً وأبداً بعد الله.. فتح لها ذراعيهِ بتشجيع لتقترب منه واضعة جسدها بين دفئ أضلعه لبعض الجمود الذي سيخف تدريجياً حتي تعود لبعض ما كانت عليه.

■■■


بعد عدة أسابيع قاربت الشهرين..

تسوقت معه بالمول الكبير لشراء العديد من الأغراض الناقصة لمنزلهم الجديد.. شقة صغيرة كالتي ترعرعت بها مع والديها.. دافئة وناعمة ستحتوي طاقتها وأمومتها كذلك.. هي ممنونة لوالده في هذا الأمر.. أن يكون لهم بيتاً منفرداً.. هي وهو وصغارهم.

كان راكان يجر العربة وطفلتيه بداخلها جالستين بمرح.. بينما راما أمامه تنتقي ما تريد من أغراض وتضعها بالعربة.. كانت تمسك وسادات مصنوعة من الفايبر الناعم.. نظرت لراكان تلفت انتباهه عن لعبه مع طفلتيه بتساؤل: راكان مريحة صحيح لنشتري منها.

أمسك الوسادة معها متلاعباً بكفها الذي لامسه وبعبث أخبرها بهمس: نعم مريحة ولكن صدرك مريح لي أكثر يا تفاحة.

سحبت كفها سريعا مع توسع عينيها من وقاحته لتهتف بغيظ رغماً عنها: نعم يبدو هذا لهذا تنام مع طفلتيكَ يومياً.

رفع حاجبيه للحظة بصدمة قبل أن ينتعش داخله وهو يبتسم باتساع قائلاً بإعتذار: أسف يا تُفاحة ظننتك تكرهينني وتكرهين قربي ولكن سمعاً وطاعةً مولاتي.

قالت بجدية متذمتة: أنا لا أكرهك يا راكان.

أومأ ببسمة قائلاً بدفئ وكأنه طفلاً توقَ لسماع هذا بشدة: هذا شئ يُسعدني.

رفرفت أهدابها بخجل منه.. لم تكن تقصد حين أخبرته أنها لم تعد تحبه وهي تتشاجر معه منذ عادت له.. أي مجنونة هي لتقل هذا.. هي تعشقه وبجنون.. إنها تنظر لطفلتيه نهاراً لتري ملامحه فتروي شوقها له حتي يأتي للمنزل ليلاً فتبدأ رحلة أخري شاقة بتواجده أمامه وتباعده عنها وبرغبتها..
هتفت بغيظ منه: ولكن ما زلت لم أسامحك.

تغضن وجهه بالألم قبل أن يرسم بسمة عابثة كي لا يري ملامحها النادمة ليقل: حسناً سأنام مع أطفالي اليوم إذاً.

نظرت له بغيظ لتلتقط وسادتين واحدة حمراء وأخري صفراء لتخبره بجدية: سأخذ هؤلاء لأنني أعرف أنكَ تعشق هذين اللونين.

عبس لملامحه ليهتف: لن أنام علي وسادات حمراء وصفراء يا راما.

أخذت اثنين غيرهم لتضعهم بالعربة قائلة: بل ستنام يا راكان.

تركته وذهبت ليجر العربة خلفها قائلاً بآسي ماكر: لا تكوني عنيدة اعيديهم أرجوكي... ارتدي أنتِ الأحمر والأصفر وسأحبهم حينها.

كادت تقع وقد أفقدتها كلماته عقلها ليلحقها سريعاً مُمسكاً بذراعها قائلاً بحذر: انتبهي.

ضربت صدره بغيظ قائلة: كله بسببك.

ضحك ليشاكسها: أنتَ تتلككين بي والله.. أفكارك المنحرفة هي السبب.. أنا أقصد لنشتري لكِ وللصغار بيجامة صفراء أو حمراء أفضل من الوسادات بهذا اللون أكيد.

سايرته وهي تسخر بملامحها علي حديثه ليضحك مُجدداً وداخله يكاد يرقص من الفرح بسبب دعوتها له ولقلبه.. لا يُصدق أنها قالت هذا وأنها حقاً بدأت تتوق لقربه مثل ما يفعل هو.. لذا كان الطريق للمنزل رغم قربه من المول إلا أنه بدا له طويلاً للغاية حتي ينفرد بها..

كانت تودع صغيرتيها بفراشهم وترتب لها الفراش الملاصق لفراشهم والذي كان لها يوماً وله يوماً أخر.. حتي ضاق بهِ الانتظار فوجدته يدخل الغرفة بأمل.. مقترباً منها لحد خطير: راما.. يا زوجتي الجميلة.. ألا يكفي هجراناً.. هيا أشفقي علي زوجك المسكين وتعالي لغرفتنا.

علت وتيرة تنفسها لتجيبه بتلعثم وهي تشاور علي الفراش: لقد رتبت الفراش ولا أستطيع ترك يارا ولارا.. ستستيقظ يارا وتبكي بمنتصف الليل و..

أومأ لها وهو يقبل ثغرها بين كل كلمة وكلمة كانت تتفوه بها حتي صمتت مع قوله برجاء: حسناً.. حسناً.. اسمحي لي بالنوم جواركم هنا إذاً.

رفع الغطاء بعد أن أومأت له بموافقة لتتسطح حوار صغيرتها وهو جوارها.. أخذها بين أحضانه لتتجرأ وتندس بينهم بنشيج خافت بدأ يصدر منها فيُقول بتوسل: ترفقي بي.. ارحميني قليلاً.. ألا تلمسين تغيراً ولو قليلاً يُشفيكي.

أومأت له لِتُخبره بنفسٍ طويل: لقد اشتقت لوالدي.. أنا كنت أظن أنه يُمكنك تعويضي عنه.. لقد فعلت ذلك ولكن.. لقد أيقنت أن أبي لن يأخذ أحد مكانته أبداً.. أتعلم ربما كنت محق ببعض الأمور.. صدمتي بفقدان بابا جعلتني أودك أن تحتل مكانه قسراً.. لو تذكر من قبل وفاته كنت أكثر خجلاً وتباعداً لم اكن أحتمل أبدأ أن أكون بين ذراعيكَ هكذا كنت خائفة وطائشة وأخشاكَ كثيراً حتي توفي أبي فأصبحت أريدك هو.. وأصبحت أقترب منكَ دون أن تطلب.. دون خجل ودون الخوف الذي كنت أخشاه.. لأنني وضعتكَ بمكانتهِ ورغبت ألا أنفصل ذهنياً عن حنانه ودفئه وروحه الذي أعطيتني أنتَ إياهم.. ولكن هل تعلم أظن أنني ممنونة لما حدث بعض الشئ.. فأنا الأن بين ذراعيكَ طواعية.. لأنني أحبك ولأنني راغبة بشدة أن نكمل بعضنا البعض ونحيا تلكَ الحياة معاً.. لأنني استيقظت أخيراً من وهم أنكَ والدي.. رأيتكَ بالنهاية.. كان الأمر قاسياً نعم وأشعر أنني فقدت جزءاً من شخصيتي أمامك ولكن هذا أفضل فأنتَ زوجي ولكَ حقوق أنا كنت مقصرة بها بطفولتي ولكن لا تنكر أنكَ سبباً بهذا أيضاً بسبب دلالكَ المفرط لي.

مزحت بأخر حديثها لأن شهقاته بدأت بالارتفاع وأغرقت دموعه وجهها.. لقد كام يبكي بصدق.. يبكي تلكَ الناضجة، الرزينة والعاقلة.. زوجته، صغيرته؟ تفاحته وبسكويتته.. مسحت دموعه بأناملها الرقيقة والموقف لم يعد يحتمل حديثها من جهتها لذا استلم هو المشاعر المبعثرة ليخبرها: ولكنني أيضاً أخطأت.. أنا لست سعيداً الأن بفقدان شغفك تجاهي كطفلة أنا والدها.. أدللها وألاعبها كما أشاء.. لست سعيداً بنضجك الفكري هذا بسبب قسوة وصدمة أنا السبب بها.. وأنتِ محقة أنا السبب ولكن ليس لأنني دللتكِ بل لأنني لم أعلمكِ كيف تدلليلني كما أريد بدلاً من أخزن بداخلي غيظ من تصرفاتك.. أن السبب لأنني كنت مُتلهفاً زيادة لكِ وللتوغل بدواخلك دون مراعاة عمركِ وفرق العمر بيننا.. رغبتي بأطفال منكِ كانت أقوي من أن أري أنكِ ما زلتِ صغيرة لتحمل تلكَ المسئولية علي الرغم من كونكِ أثبتِ عكس ذلك وبجدارة.. أنا كنت السبب أيضاً حين حملتكِ مسئولية زواج وأطفال وعمل وحياة جديدة تماماً عليكِ كانت مصاحبة لوفاة والدكِ وكل هذا لم يُكفيني وكنت أريد اهتمامك بي أيضاً وكأن اهتمامكِ بمنزلي ليس اهتماما لي.. واهتمامك بطفلتينا وعملكِ وكأن كل هذا لم يكن لتجعليني فخوراً بكِ وبزوجتي الملكة.

قبل ثغرها بخفة ليصرح: أحبكِ وأفتخر بكِ ولن اتواني عن الصراخ بهذا بين العالم أجمع لو رغبتي... أنتِ كسراً للقواعد دائماً وأبداً وستظلين هكذا يا زوجتي التفاحة الجميلة.

ودت أن تخبره أن أفضل شئ حدث لها ولحياتها هو وطفلتاه فعن أي خطأ ارتكبه يتحدث ولكن مشاعرها المتخمة والمثقلة اكتفت لتلكَ الليلة حديثاً لتترك الباقي لغداً وبعد غد..
فالأيام قادمة لا محالة..
قادمة مُحملة برياح عاتية أو هادئة.. بابتلاء أخر أو اختبار أخر وأحياناً بالجزاء.. ولكن حتي الجزاء يكون اختباراً.. فإما شكراً ورضا وإما غروراً وتعالياً..
وتلكَ الدار دار اختبارات.. وحياو بنات حورية وحياتها هي كانت اختبارات.. يتخطاها المحمل بالإيمان والصبر..
وحورية زرعت إيماناً وثيقاً بداخل حورياتها.. إيماناً ساعدهن علي تخطي الآلام رغم ثقل وجعها..
إيماناً جعلهن يتحملن المسئوليات رغم صغر سنهن...
إيماناً جعلهن متفانيين ضد الإساءة.. ضدها للذي يحبهن بحق.. الحب النقي الخالص الذي رغم الإبتلاءات واقف دون اهتزاز.. إن اهتزت المشاعر فهو ثابت.. إن اهتزت الأفكار فهو ثابت.. إن اهتزت الثقة فهو ثابت.. إن اهتزت الحياة والأرض فهو ثابت.

دياب زرع بداخل حورياته الصفات.. القوة.. التحلي بالشجاعة والعزيمة... بينما زرعت حورية الإيمان.

تمت بحمد الله ~ 
#يُتبع بالخاتمة غداً إن شاء الله ♡

#بنات_حورية 
#عبير_ضياء
#بحبكن يا أفضل داعمات