-->

الفصل الخامس - جسارة الإنتقام

  



                   - الفصل الخامس -  


صُدم "حسام" الذي قد انتهى للتو من فحص حالتها ونظر لها مشدوهًا وهي تبدو وكأنها دُمرت أسفل قطار وما أندهش له هو هدوء "جاسر" المبالغ به ليزفر حانقًا من عدم إكتراثه المعتاد ليتمتم سائلًا في تعجب:

- إيه ده يا جاسر؟ أنت.. أنت عملت كده فيها؟!

لم يأته دًا لسؤاله مما جعل غضبه يتعالى ليصيح به بنبرة حادة من جديد في تساؤل: 

- أنا بسألك يا جاسر رد عليا!

صدح صوته العميق بهمهمات تدل على الموافقة وهو ينفث دخانه بملامح غاب عنها التعبيرات بينما توسعت عيني "حسام" مشدوهًا في قلق ما إن كان عاد لسابق عهده ثم صاح به:

- أنت أتجننت؟ مش قولتلي إنك مش هترجع للمواضيع ديه تاني؟ آخر مرة البنت اللي جالها كسر في الحوض.. أتفقنا إنك هتبطل وبعدين أنت بقالك سنين معملتش كده في واحدة وكمـ..

وجه سؤاله بإستخفاف وقاطعه ببرود شديد:

- ما تنجز يا حسام.. ايه ماتت يعني؟ 

رمقه بغير تصديق خصوصًا وأنها لا يظهر عليها ما يدل على ممارسة علاقة معها مثل ما يفعل "جاسر" مع النساء فابتلع واجابه بمرارة بنبرة حزينة ولكنه كان مضطرًا:

- لا مماتتش.. بس احتمال يكون ضلوعها اتكسرت او جالها ارتجاج في الجمجمة أو فقدان ذاكرة.. أنت مش شايف عملت فيها ايه، أنا أول عيني ما وقعت عليها من كتر الدم على وشها قولت ديه ماتت.. فضلت أحمد ربنا انه جرح في راسها

همهم بنفس استخفافه السابق ثم سأله ببرود:

-  يعني وشها سليم؟

لم يعد يتحمل طريقته التي تتسم بالهوان تجاه تلك الفتاة وما فعله بها ليصيح به بحرقة:

- جرا ايه يا جاسر أنت بتتكلم كده ليه؟ مين البنت دي؟ ده لو أهلها عرفوا هيـ..

قاطعه لينظر له "حسام" مشدوها بما سمعه وانفرج فمه بينما لاحظ بريق غريب بزرقة عيناه وهو يجيب سؤاله: 

- دي مراتي.. وهاعمل فيها كل اللي أنا عاوزه" 

لا يزال ناظرًا له في صدمة بينما شرد "جاسر" وأكشر عن أنيابه بإبتسامة متشفية ولا يعلم حقًا لماذا تظهر تلك الملامح عليه ليهمس في تعجب:

- أنت أتجوزت؟ عُرفي يا جاسر.. أكيد مش طريقتك.. قولي إنك بتهزر!

أطلق زفرة مصحوبة بضحكة خافتة ثم حدثه بغطرسة:

- لا مبهزرش واتجوزتها رسمي..

حمحم وهو يحاول أن يفهم ما حدث كي تصل زوجه المزعومة إلي تلك الحالة فسأله مرة أخرى:

- أنت اجبرتها تنام معاك وهي موافقتش علشان كده عملت فيها كل ده؟

تقززت ملامحه بينما اجابه ببرود:

- بذمتك ده ذوقي ولا منظر اللي بنام معاهم.. ما أنت راسي على اللي فيها

تنهد في قلة حيلة ليهتف به في توسل:

- طيب فهمني ايه اللي حصل.. منين مراتك ومتجوزها رسمي ومنين كل ده حصلها!

أشاح برأسه دون اكتراث بينما حدثه بجمود متسائلًا:

- هفهمك بعدين، قولي هتفوق امتى؟

هز رأسه في آسى وقلة حيلة من طريقته التي لن تتغير أبدًا ثم اجابه:

- يعني ساعتين زمن مثلا.. بس لازم نعمل شوية اشاعات ضرورية وخد بالك مش اي مستشفى هترضـ..

 قاطعه ليشعر "حسام" بالاستفزاز من عدم ادراكه لفداحة ما فعله:

- يعني عادي هتقدر تتحرك؟

نفذ صبره من اهتمام ذلك البارد الشديد بمتى ستستيقظ دون اكتراث حتى لحالتها ليصرخ به زاجرًا:

- يا ابني أنت مش شايف منظرك من منظرها.. جسمها ضعيف جداً وممكن تـ.. 

قاطعه للمرة الآلف دون إبداء أي اهتمام ليتفاجئ الآخر بما استمع له:

- حسام متنرفزنيش.. أبويا مات ولازم أتزفت اخدها معايا، تقدر تتحرك ولا لأ؟

هدأ قليلًا وقدر أن ربما هذه هي طريقته في مواجهة صدمة فقدان والده ليهمس له في تأثر:

- شرف بيه مات.. البقية في حياتك يا جاسر..

تأفف بقلة إكتراث لتعزيته ثم حدثه ببرود:

- شوف بقوله ايه وبيقولي ايه.. حياتك الباقية.. ها بقى هتتحرك ولا لأ؟

رمقه بإنزعاج لبروده الذي لا ينتهي ثم اجابه متمتمًا:

- مش هقدر أعرف غير لما تفوق..

     


 ابتسمت تلك الشقراء له بعذوبة ولمعان بتلك الفيروزيتان وهي بداخلها سعادة عارمة بعد أن أخذت القرار بالتعرف عليه أخيرًا والذهاب لتحدثه فيكفي مراقبته لكثير من الوقت من على بُعد ثم شرعت في الكلام:

- أنا هويدا، وأنت؟

ابتسم لها بتهذيب ولباقة وهو يجيبها ثم أضاف سائلًا:

- أنا هشام منصور.. ويا ترى يا آنسة هويدا أنتي معانا هنا في كلية الهندسة؟

ابتسمت وهي تجيبه:

لأ.. أنا في كلية التجارة..

 شردت به، كم كان وسيما، ملامحه الرجولية الجذابة وابتسامته الخلابة التي لطالما تمنت لو تشاهدها عن قرب بدلًا من تلك المراقبة من بعيد التي أرهقتها لشهور.. لباقته وتهذيبه مع الجميع سحراها، لم تستطع إلا أن تأتي له بالنهاية لتتعرف عليه بنفسها، الجامعة بأكملها تعلم من هو، تفوقه وحديثه الذي يجذب الجميع أوقعاها له، بالرغم من إطراء الجميع من الرجال والنساء على جمالها الساحر ولكن هو الوحيد الذي لفت نظرها..

فاقت من شرودها به على صوته الرخيم ونبرته التي ازادته جاذبية بعينيها وهو يتجاذب معها أطراف الحديث:

- آآه.. على فكرة أنا بحب مجال التجارة جدا وخاصة التسويق مهتم بيه وبحب اقرا كتير عنه

توسعت ابتسامتها له وشعرت بالحماس لملاحظة أنه يتوغل أكثر بالحديث معها لتفعل هي كذلك المثل: 

- أنا بفضل المحاسبة أكتر..

لاحظت عيناه تتجولان خلفها لتنظر بإتجاه ما ينظر له لتجد شاب آتٍ بإتجاهم بينما حدثه "هشام" بنبرة ودودة: 

حمد الله على السلامة يا بطل.. عملت إيه مع دكتور المادة؟

هز "شرف الدين" كتفاه واجابه بصوت متردد ثم أضاف سائلًا:

- أبداً، شرحلي الجزء اللي مفهمتوش.. تفتكر هنخلص؟

ابتسم له ثم اخبره بلهجة هادئة وهو يحاول أن يُطمئنه:

- ساهلة متقلقش، هنسهر نذاكر سوا وهنلحق نخلص، تعالى أعرفك.. هويدا، زميلتنا في كلية التجارة

تقدم منها "شرف الدين" مقدما يده إليها كي يصافحها بينما أكمل "هشام" حديثه ليعرفهما على بعضهما البعض: 

شرف الدين، صاحبي وأكتر من أخويا، متربين سوا

تصافحا ليشرد "شرف الدين" في تلك الفيروزيتان الناريتان، تلك الأناقة الظاهرة عليها، وثغرها الوردي المرسوم بطريقة عجزت الكلمات حتى عن وصفه، لم يظن أن هناك من تضاهيها جمالا ورقة.. خلبت عقله منذ أول نظرة، لم يتقابلا جفناه، لم يعد يستمع للأصوات من حوله وكأنما توقف الكون حوله عن الحركة..

     

أصدرت آنة من بين شفتيها الورديتان ثم رفعت يدها لتضعها على رأسها من شدة الآلم وفتحت رموشها لتجد شخصا غريبا لم تتعرف عنه ثم همست بوهن في تساؤل لتجد انفجارًا هائلًا من الصداع برأسها بعد أن تحدثت:

- أنت مين؟

نهض ليقترب منها وهو يتفحص عينيها مسرعًا ثم اجابها:

- دكتور حسام.. أنتي كويسة.. حاسة بإيه؟

ردت بصوت يكاد يكون مسموع:

- صداع.. جسمي كله مكسر وبيوجعني

سألها ليتأكد من سلامة عقلها بعد ذلك الجرح الذي وجده برأسها وخشيته من أن يكون هناك ارتجاجًا قد حدث لها:

- أنتي فاكرة اللي حصل؟ عارفة أنتي فين؟

امتعضت ملامحها وابتسمت بسخرية بالرغم من تلك الأوجاع المُهلكة التي تفتك بجسدها:

- فاكرة.. واللي عمله يتنسي بردو، ولا يا ترى خبى عليك؟

مط شفتاه في آسى على حالها ثم اخبرها:

- طيب أستأذنك أكشف عليكي عشان اتأكد إنك كويسة..

تنهدت في آلم ثم ردت قائلة:

- اتفضل..

تأكد من تذكرها لكل شيء وطلب منها أن تؤدي بعض الحركات بيدها ليتيقن من أن رأسها بخير، ولكنه كذلك اخبرها بأن عليها أن تجري بعض الأشعة لتجنب أية أضرار قد تكون غير ظاهرة في كشفه.. 

مقت نفسه أكثر واشمئز مما يراه كلما أكتشف بجسدها كدمة أو أثر لما فعله "جاسر" بها وخصوصًا عندما تأكد أن هناك ضلعا قد كُسر بالإضافة لبعض الكدمات بذراعها اليُسرى ليبتلع في مرارة وتعالى غضبه ثم توجه إليه ليُحدثه بنبرة لا تحمل سوى المقت تجاه هذا الفعل الإجرامي الذي فعله بهذه الفتاة الهشة ثم كلمه بإقتضاب وهو يُملي التعليمات عليه:

- جاسر، لازم تروح المستشفى وتعمل اشاعات، عندها ضلع مكسور لازمله تجبير وشوية كدمات والجرح اللي في راسها أنا خيطته خلاص، بس فاكرة كل حاجة، واديتها مُسكنات لأنها لازم ترتاح شوية

 لم يردف سوى بهمهمات باردة دون أن ينظر له ليتعالى غضب الآخر وصاح به في نفاذ صبر:

- أيه يا جاسر، أنت عملت فيها كل ده ليه؟ أنا مش فاهم إيه بس اللي يخليك تعمل كده فيها!

أطلق هينمات مصحوبة بتأفف ليرمي كلماته في ضيق:

- ادخل خليها تجهز، خليني اخلص.. ولا أقولك.. 

تريث ليتعجب له "حسام" ولا يدري لماذا حتى يُساعد هذا المجنون إلي الآن ليُردف الأول من جديد: 

- امشي أنت وأنا هاتصرف واجيلك على المستشفى

ابتسم بسخرية وشر خبيث اعتلى ملامح وجهه ليزجره بسرعة:

- اياك تعملها حاجة لحسن فعلا مُجهدة جدا ويادوبك هنلصمها عشان تتحرك..

أومأ له ببرود ثم توجه إليها تاركًا "حسام" خلفه دون إكتراث ليهتف به مناديًا وهو يتوسله بجدية:

- جاسر.. أوعدني انك مش هتعملها حاجة وهي بالمنظر ده.. مش هاتستحمل بجد المرة الجاية!

توقف والتفت له ثم زفر وأخبره بحنق:

- اوعدك يا حسام.. يالا اسبقني وهاجي وراك، مسافة السكة..

توجه بطريقه مرة ثانية للأعلى ثم دلف إلي الغرفة التي تمكث بها ليراها على السرير ونظرت له بكراهية واحتقار بينما رمقها هو بسخرية ثم حدثها وهو يتوجه نحوها:

- لا بس تستحملي..

حدثته هي الأخرى بلهجة منتصرة وكأن لم يُصبها شيء ليتعجب مما يستمع له ولكن لم تظهر على ملامحه تعابير تُذكر:

- شوفت بقا، نصيبك وقعك فيا، وبعدين داخل ليه؟ عاوز ايه مني؟ 

أقترب منها ثم تفحص وجهها وآثار كفه المرسوم على وجهها ومن ثم تفحص ضمادة رأسها، تلمس وجهها بأصابعه لتنظر له ببغضاء وصرخت به: 

- ابعد ايدك عني وغور في ستين داهية بقا.. مش مكفيك اللي حصلي عاوز تعمل ايه تاني؟

رمقها للحظات وبداخله كاد أن يُشل من مدى جسارتها الشديدة ليُخبرها في النهاية متوعدًا:

- وحياة أمي لا هوريكي الويل يا بنت هشام.. بس صبرك عليا.. 

تناول نفسًا مطولًا ثم زفره وهو يرمق مظهرها بتشفي مما فعله بها وبداخل رأسه لا يقتنع سوى بأن هذا هو ما تستحقه ابنة مغتصب والدته ليُحثها من جديد في تحذير:

- اسمعيني كويس.. واعملي اللي هاقولك عليه بالحرف الواحد بدل ما هكسرك صح وهتعرفي ان كل اللي شوفتيه مني ده كان ولا حاجة، خليكي شاطرة كده وعدي اليومين الجايين دول على خير لغاية ما اخلص من اللي ورايا يمكن لو اتعدلتي أخف عنك شوية

 نظرت له بحاجب متأبي ولكنها عضت شفتاها في غيظ من غطرسته الفارغة ورفعت رأسها له عاقدة حاجباها ولكنها قررت أن تستغل الوضع لصالحها بذكاء حتى تجد نهاية لذلك الوقح المغرور فحدثته بنبرة حماس كمن تعرض له صفقة:

- ولو اتفقنا هرجع بيتي اسبوع بحاله.. أنا اتعدل معاك وبعدها ارجع البيت واهو كل واحد يخلص من وش التاني

 رمقها متفاجئًا بجرأتها التي لا تتوافق مع حالتها نهائيا التي تُظهرها كجسد لتوه نجا من حادثة مُريعة وتلاقت عسليتاها بتلك الفيروزيتان ليُهدأ من تفاجأه ثم رمقها بنظرة ثاقبة واضعا يداه بجيبيه وقد فهم أنها تود التفاوض معه ليستغل هو كذلك الأمر لصالحه ثم همس بغطرسة:

- مش بالسهولة دي

تفحصها دون أن تغادر زرقته تلك العسليتان الناريتان ثم أردف وهي تنظر له بجرأة شديدة في انتظار كلماته لتستمع لنبرته الباردة وهو يتحدث إليها:

- أبويا مات، أبوكي أتصل بيا يجي من أربع ساعات، الكل فاكر اننا مسافرين وهنيجي على أول طيارة.. كنا في ايطاليا والمفروض اننا هنرجع بكرة الصبح، دلوقتي هتقومي تستحمي بنفسك على ما أكون جبتلك هدوم، هنلبس وهنروح على المستشفى وهنعمل اشاعات وجبيرة لضلعك اللي اتكسر.. وطبعاً باقي ضلوعك هتتكسر لو جبتي سيرة لحد باللي حصل، والمرة الجاية اوعدك راسك هتتكسر مش ضلوعك بس!

ابتسمت له بإستفزاز قدر ما استطاعت الفرار من تلك الأوجاع التي تشعر بها وحدثته بنفس طريقته السخيفة لتقول ببرود بنبرة استفهامية:

- خلصت!! 

لم يقدر على منع حاجباه من التعالي في دهشة لردة فعلها ولكنه بذل مجهود شديد كي يُخفي دهشته وتابع الحديث في نفس الغطرسة الشديدة وكأنه يُحدث احدى العاملين لديه وليس زوجته على الإطلاق:

- هتقفي في العزا وقدام الناس وأهلي وحسك عينك ألاحظ بس انك اشتكيتي لحد.. هتلبسي اللي أقول عليه وتتصرفي بمزاجي ومن غير ما تقاوحي إلا وحياة أمي ها..

همست بهدوء بلهجة آمرة وقاطعته لينظر لها بتعجب وتوسعت تلك الفيروزيتان من تلك القوة الغريبة التي يلمحها بعينيها:

- أقعد يا جاسر.. 

لم يعد يتحمل ذلك القدر من استفزازها له، لقد قيدها مرة، آتى بإحدى النساء وضاجعها أمامها، ولتوه قد سبب لها أوجاعًا فتكت بجسدها.. ما الذي عليه فعله بعد مع تلك الفتاة؟

ابتلع وتعالت أنفاسه ليصيح بها:

- مش جاي ارغي أنا معاكي ولا طايق أبص في خلقتـ..

تحدثت بكبرياء لتقاطعه مرة ثانية وكأنها لا تكترث لمعاملته الوحشية ولا حتى لأوجاعها خاصة أنه رآها تحاول أن تغير جلستها وكاد أن يساعدها ولمحة من الشفقة لمست قلبه ولكن ذلك الجبروت الذي بها لم يراه بأي إمرأة أخرى:

- أقعد عشان فيه كلام كتير عاوزه اقولهولك

 زفر متأففا بينما جلس بغطرسة ليرمقها بنظرات كره وتقزز وتمتم في حنق:

- اخلصي

تفحصته لوهلة وشعرت أنه كاد أن يتلفظ من جديد ببعض التراهات على أن يحثها على الحديث فشرعت هي في الكلام قائلة بمنتهى الهدوء:

- أنا وعيت على الدنيا من غير أم، اللبن اللي كبرني مكانش فيه حنية، معرفش أعمل ضفيرة ولا أمشي أتقصع زي الستات بتوعك، معرفش أعيط ولا حتى أقول بابا فين وماما فين، مكنتش بلاقي اللي يأكلني ولا اللي يخدمني، فاتأكد إني مش هاجري على حد وأقوله الحقني.. مراد ورامز دول أنا اللي معرفاهم على بعض من أيام ما كنا عيال، عارف ازاي، مسكتهم ضربتهم لأنهم كانوا دايماً يتخانقوا وبيجبولي صداع، واحد أكبر مني بسنتين والتاني أكبر مني بـتلاتة، وبالرغم من ده دايماً قلبي ميت عنهم.. 

تريثت لبرهة لتجد تأثير حديثها عليه من تلك الملامح المتعجبة فاستطردت:

- من أول ثانية اتعاملنا فيها مع بعض شايفاك شايل مني أنا وأبويا ومعبي أوي، مع إن اللي بيقوله بابا وباباك بيأكدلي اننا ملناش ذنب، بس أقولك حاجة..

توقفت لبرهة ثم ابتسمت له باستفزاز وأكملت بنبرة مليئة بالتحدي:

- أنا معاك.. ومعاك للآخر يا جاسر بيه، شوف بقا أنت خلاص دخلت دماغي، يا أنا يا أنت، ومتقلقش، عاوز الناس كلها تحس أن الدنيا ما بينا عادي مفيش مشكلة، عاوز نعلن جوازنا بردو مفيش مانع، هتكسرلي عضمي وتفتح راسي وتجبني من شعري، هتعالج وأقف على رجليا تاني، بردو حابب تجيب شوية الشـ***** بتوعك وتنام معاهم قدامي أنا موافقة.. ومتقلقش، وقعت واقف، مش أنا اللي هشتكي لحد وتجري وتقول الحقوني، بس أوعدك إني هخرج من الجوازة ديه يا قاتل يا مقتول.. انتقم بقا ولا أضرب ولا حتى لو موتني.. معاك للآخر.. وبعد الآخر بشوية

همست بالجملة الأخيرة لتعبث بأوتار استفزازه وتدع تلك الزوبعة تعصف بعقله ليسحق أسنانه ناظرا لها بتشنج عاقدا قبضتا يداه وعلت أنفاسه الغاضبة من محاولة تفسير كلماتها التي لا تدل سوى على عدم اهتزاز ول شعرة بداخلها من كل ما فعله بها وبأعجوبة منع نفسه ألا يصفعها فهو لا يريد أن يشوه المزيد من ملامحها مجددا فقط من أجل غدا ومظهرها أمام الناس ولكنه كذلك واجه صعوبة بالغة في أن يترك هذا الحديث في تقهقر كالمهزوم ليتوعدها هو الآخر بنبرة لا تحمل سوى الكراهية وقال: 

- وأنا وراكي لغاية أما أكسرك، وكده ولا كده أنتي المقتول وأنا القاتل يا بنت هشام 

ابتسمت له بالرغم من أن أوجاع جسدها عادت مجددا لتتألم أكثر بنما أوشك هو على أن يغادرها ولكن صوتها أوقفه وهي تسأله:

- ها.. قولت ايه؟ 

توقف عن أخذ الخطوات وأطرق برأسه نحوها في غل لتعود هي بنفس تلك اللهجة الواثقة وقالت: 

- هرجع بيتي الأسبوع ولا نخلص عزا ونطلع في روح بعض! 

ازدرد مبتلعا وعلا صدره وهبط بسرعة من كثرة الغضب الذي سيطر عليه والتفت لها بتلك الزرقاوتان وكأنما تنهال من عيناه نارا تحرقه وكادت أن تحرقها هي لأخرى ليُتمتم في غضب:

- غوري في ستين داهية تاخدك

غادر مسرعا لتضحك في خفوت ثم شعرت بإنفجار الآلم برأسها لتتمتم بصعوبة متوجعة:

- آآه.. وديني لا أوريك يعني ايه تربية يا ابن هويدا

     

صرخ "معتز" بمنتهى الغضب الشديد وهو يُحدث  "جاسر" الذي وصل إلي منزله للتو وعقله لم يعد يستطيع التعرف على ما مقصده من كل ما يفعله ابن خالته وتمنى لو وجد تفسيرًا أمامه لكل ما يطرأ من تصرفات على ذلك البارد صعب المراس:

- أنا عاوز أفهم بقا تصرفاتك الغريبة ديه! أبوك ميت مرمي في المستشفى ونور هتتجنن وأنت هنا وتقولي راجع من ايطاليا وهبل كده بيحصل!! فهمني حالاً يا جاسر احسن أنا على تكه من اللي بتعملوا فيا وقربت أفرقع في وشك..

رمقه بهدوء ثم تفوه ببردوه المعتاد زاجرًا:

- وطي صوتك زفتة نايمة وما صدقت أخلص من وشها..

ابتسم بتهكم ثم صاح منفعلا بأعينٍ مندهشة:

- خايف اوي على مشاعر الواد يا بت دي

زفر في نفاذ صبر ثم تشدق ناهرًا اياه:

- قدامي يا معتز على المكتب

 أوصد الباب خلفه ثم سأله بنفاذ صبر هو الآخر:

- احكيلي بقى وفهمني ايه اللي بيحصل بالظبط؟

تناول نفسًا مطولًا وهو يتفحصه جيدًا في تمعن ليزفر ذلك النفس في حرقة شديدة وهو يحاول ألا يتأثر بما تذكره من عذاب لوالدته التي لم تتحمل إمرأة مثلها ما تحملته هي لسنوات ثم همس بغضب سرعان ما تحول لحزن:

- بإختصار ومن غير ما اقولك اني ممكن ادبحك لو الكلام ده طلع برا، أبو الوسخة اللي فوق أغتصب أمي زمان، هي راحت أخدت كل فلوسه عشان تشوفه مذلول قدامها، لكن واضح ان دماغه كانت شغالة وعرف يقوم تاني، الراجل كان صاحب ابويا بس ميعرفش نواياه الزبالة، وافتكر أن أمي ظلمته وخلاص، أنا كنت ناوي أوقعله الكام شركة اللي فرحانلي بيهم دول بس لما بابا يموت

 تنهد وازداد حزنه وابتلع مرغمًا نفسه على المتابعة: 

- كده كده مرضه مكانش هينفعله علاج، احنا لفينا في كل حتة وكان استحالة يتعالج، معرفش ازاي ومين جابله الفكرة انه يرد فلوس للحيوان اللي اسمه هشام بالطريقة ديه وجواز وخلفة .. لما اتعصبت ومكنتش طايق نفسي وانت قولتلي لو شافت واحدة من اللي بقضي معاهم ساعتين ممكن تموت فيها، لما سمعتك جاتلي فكرة اني اتجوزها واكسرها زي ما ابوها كسر أمي، وكده أبقى أخدت حقي وزيادة!

رفع حاجباه مشدوهًا بما يستمع إليه ليسأله في تعجب بصوت مهزوز:

- استنى بس يا جاسر، هي ذنبها ايه؟ هشام روح موته وأنا هموته معاك، بس هي ليه تدخلها في الانتقام ما بينكم؟

تنهد بآلم شديد وأشاح برأسه بينما شردت زرقاوتاه ليهمس بإشمئزاز عكس تلك النيران التي تضطرم بداخله:

- اهو زي ما أنا بردو ذنبي ايه وانا أمي بتموت قدامي كل يوم ألف مرة، أبويا دايما كان يقولها أنها مفترية وينكد علينا بسبب موضوع هشام ده.. وعموما هي أوسخ منه، متختلفش عنه كتير.. نفس القذارة طالعة من مزبلة واحدة!

هز رأسه في إنكار وهو يعلم ما دام اقتنع "جاسر" بشيء كهذا لن يُثنيه أي أحد عما في رأسه ولو حتى بعد سنوات عدة فحاول إلهاءه عن أمر التحدث في تلك الكارثة فليس هذا بالوقت المناسب للتحدث عن واقعة الإغتصاب تلك التي وجدها "معتز" غريبة للغاية وقرر أن يسأله:

- وأنت من امبارح، يعني.. عملت ايه معاها؟

قلب شفتاه بعدم اكتراث وغابت ملامحه خلف قناع البرود خاصته ثم اجابه:

- أبدا.. كانت نورهان هنا قدام الواطية دي.. فضلت تتفرج علينا طول الليل، وبعدين بنت المرا جابت سيرة أمي.. مشفتش قدامي مسكتها كسرتها تحت ايدي وحسام جالي وبعدين روحت اخدتها وعملت جبيرة لضلعها وبكرة الصبح هاروح أخلص الدفنة وبعدين هتيجي معايا زي الكلبة العزا..

عقد حاجباه ولم يعد موافقًا على أفعاله تلك ليصيح به:

- أنت مجنون يا ابني؟ ده البت مش باينة من الأرض، ازاي توصلها لكده؟

التفت لينظر إليه بزرقاوتان غاضبتان ضج بهما لهيب الغضب ثم همس مُحذرًا:

- أمي خط أحمر يا معتز!

تنهد "معتز" من هول ما سمعه فهو يعلم جيدًا أن والدته بالنسبة له أكثر ما يحبه وأقرب شخص له فتوجه نحوه واضعاً يداه أعلى كتفاه وحدقا ببعضهما البعض بزوجان من اللون الفيروزي الخالص، ما ورثاه من أمهما وما يميزهما عن باقي النساء هو حسن جمالهن الآخاذ بملامحهن التي تبدو فريدة من نوعها على هذا البلد الشرقي..

ابتسم بمرارة لوم وظل ناظرًا له ليهمس سائلًا في عتاب:

- ازاي يا جاسر تشيل كل ده لوحدك طول السنين دي؟ مكنتش واثق فيا إني احافظ على السر ده؟

تمعن عيناه بمشاعر مختلطة من خيبة الأمل في عدم ثقته به طوال تلك السنوات ومن الشفقة الشديدة على حاله وما حدث كذلك إلي خالته ليبتلع "جاسر" بمرارة وكأنه يتجرع لهيبًا من نيران وطأة ما نطق به ولوى شفتاه عابسا وازدادت عقدة حاجباه ليتمتم بإقتضاب  بصوتا مختنقا:

- اديني قولتلك..

شيئًا لح عليه ألا يُصدق أن ذلك حدث منذ سنوات، يستحيل أن تكون هذه هي الحقيقة وظل كلًا من ابن خالته وخالته نفسها محتفظان بمثل هذا الأمر الشنيع دون مشاركة أي احد ليهمس له في تساؤل:

- أنت متأكد من كل اللي حصل ده، خد بالك يا جاسر الظلم وحش!

أطبق أسنانه في غل وحقد على عجزه وانتظاره كل تلك السنوات فقط لأجل والده ثم صاح مجيبًا وكأنما قلبه يحترق عاكسًا جحيم من آلام لم تخمد بصدره:

- متأكد من ١٨ سنة

نظر له "معتز" وهو يشعر به وأتجه نحوه واضعا يداه على كتفيه وأومأ له ثم كلمه في مؤازرة هائلة لكل ما يود فعله.. لن يستطيع أبدًا أن يتركه لو كانت تلك هي الحقيقة وقال:

- أنا معاك، شوف عاوزنا نعمل ايه وهنعمله، بس اياك تخبي حاجة تانية عليا

أخبره ثم عانقه فجأة ليتصلب جسد "جاسر" بين يداه ثم همس له: 

- عارف إنك من برا طوبة ومن جواك حاجة تانية، متزعلش يا جاسر، هو كده ارتاح بدل العذاب اللي كان فيه كل شوية، ربنا يرحمه.. أنا عارف قد ايه أنت بتحبه.. ولو على هشام شوف عايز إيه وأنا هاعمله 

ابتلع "جاسر" بمرارة وحسرة مستمعا لكلماته التي ود بداخله أن يسمعها من أي أحد ليواسيه على كل ما يتحمله وحده وتابع "معتز" من جديد: 

- يالا ادخل نام كفاية كده النهاردة عشان عندنا يوم طويل بكرة.. تصبح على خير

ربت على كتفه بقوة كمن ينقل له مشاعره ودعمه خلال تلك اللمسة ثم غادر إلي الخارج ليتمتم الآخر خلفه:

- وأنت من أهله..

هوى جالساً بثقل جسده أمام البيانو الذي لطالما عشق العزف عليه منذ أن كان صغيرا بمجرد مغادرة ابن خالته ثم أخذ يتذكر كم كان يحب الغناء والعزف، البيانو، القيثارة، ولكن لطالما منعه أبيه ورفض هوايته رفضا تاما ليجد نفسه رغما عنه بكلية الهندسة مثل أبيه مرغمًا أن يكون رجل أعمال يسير على نفس خطوات والده العظيم ليبتسم في سخرية على حاله!.. 

تذكر عندما أهدته أمه هذا البيانو الذي كلفها ثروة باهظة وقتها لتزداد ابتسامته في حسرة وشردت عينيه بينما جلس وعقله يستعيد الكثير من الذكريات الأخرى التي ارغمته بقسوة أن يُصبح "جاسر شرف الدين" الذي اصبح عليه اليوم!..

     

استيقظت تشعر بالظمأ والجوع بآن واحد وكأنها لم تتناول الطعام منذ أيام لتدرك أنها منذ أن آتت لمنزله لم تتذوق أي شيء سوى وقاحته وغضبه وكراهيته غير المبررة لها هي ووالدها..

شعرت بتحسن نسبي في جسدها قليلا ولم يعد الآلم مثل السابق عدا ذلك الضلع الملعون داخلها وطنت أنها قد تكون المسكنات أو لربما لياقتها التي اكتسبتها بسبب مداومتها على الذهاب للصالة الرياضية دائمًا اكسب جسدها بعض القدرة على التحمل وابتسمت في تشفي وشيك تتخيله ثم همست لنفسها: 

- ده أنا هاكسرك صح يا جاسر الكلب.. أفوقلك بس من قعدتي دي واخلص من وشك حاضر!! 

تفقدت الوقت لتجدها تسبق الثالثة صباحا بقليل وبعدها نهضت وتسللت دون أن ترتدي شيئا بقدماها ولا تزال مرتدية تلك الملابس التي جلبها لها بينما هي بالمشفى مع هذا الطبيب "حسام" التي أدركت أنهما هناك علاقة صداقة تجمعهما من طريقة تعاملهما سويًا وظلت تبحث عن المطبخ ثم تذكرت أنها لم تسنح الفرصة لها بالتجول بذلك المنزل..

أوقفها ذلك الصوت التي ظنت في البادئ أنها أغنية تهدر أنغامها من سماعات ما أو ربما احدى الأجهزة الإلكترونية لتتمتم: 

- ابن المجنونة! مشغل أغاني دلوقتي وأبوه لسه ميت من كام ساعة؟!" 

أخذت تستمع لتلك الأغنية ورغمًا عنها تبعت قدماها اللاتي قادها تلقائياً لمصدر الصوت ثم توقفت أمام ما يبدو أنها غرفة مكتبه لتنظر بعيناها العسليتان بفضول شديد لتجده يُغني بصوته العميق عازفا ببراعة لتراقبه في سكون وهي مشدوهة بما تراه أمامها..

I can turn it on
Be a good machine
I can hold the weight of worlds
If that's what you need
Be your everything
I can do it
I can do it
I'll get through it
But I'm only human
And I bleed when I fall down
I'm only human
And I crash and I break down
Your words in my head, knives in my heart
You build me up and then I fall apart
'Cause I'm only human, 
I'm only human
I'm only human
Just a little human
I can take so much
Until I've had enough

ما لم تصدقه عيناها هي تلك الطريقة التي غنى بها، وكأنه ينقل آلمه عندما نطق كل كلمة، وما صدمها هي تلك الدمعة التي تهاوت مارة على وجهه عندما صدح بآخر جملة ثم اختنق صوته بدموع عدة لتضيق ما بين حاجبيها ولقد صدقت حقًا أنه متألمًا بسبب موت والده عكس ما أظهره بالسابق وتمتمت في تهكم بخشونتها المعتادة:

- طلع بيحس اهو..

تنهدت وهي ترمقه لمرة أخيرة وقررت ألا تدع مظهره يؤثر بها بينما تابعت طريقها لتبحث عن المطبخ وما إن وجدته حتى شربت الكثير من الماء حتى ارتوت وانتهى ظمأها، ومن ثم أخذت تُفتش بالثلاجة حتى وجدت الكثير من الفاكهة التي تُحبها، ففكرت بإحضار احدى الأطباق ولكنها مُعلقة ولن تستطيع أن ترفع ذراعها للأعلى، كما أن قصر قامتها لن يساعدها على كل حال لتهمس إلي نفسها بإمتعاض ونبرة تفتقر للأنوثة تماما: 

- ماشي يا ابن المجنونة يا زرافة.. راعي إن فيه ناس أقصر منك، مشعلقهوملي مش هاكل أنا مثلا

وضعت بعض من الفراولة والتفاح بملابسها لعدم استطاعتها أن تصل لتلك الأطباق خصوصًا بعد تلك الأوجاع في جسدها لن تستطيع تسلق كرسيًا ما مثلًا ثم صعدت للغرفة مرة ثانية وأكلت حتى شعرت بالإمتلاء ثم تنهدت وتذكرت غناءه منذ قليل لتدرك أن حبه للغناء ربما هو الشيء الوحيد المشتركان به..

جلست مستندة على الوسادة خلفها ليجوب عقلها بتفاصيل اليوم بأكمله، ومن ثم ضحكت فجأة عندما تذكرت كيف بدت ملامحه المغتاظة عندما حدثته لتحدث نفسها وهي تشعر بالإنتصار:

- بس جبت من الآخر معاه!! أنا على وضعي قسماً بالله..

     


جفف وجهه من تلك الدموع التي طعنت رجولته، لم يبكِ من قبل بتلك الحرقة، ود كثيراً إن لم يكن وحده الآن، تمنى لو كان بجانب والدته ليبكي بعناق طويل تجمعه فيه بين ذراعيها.. يريد أن يطمئن عليها ولكن تلك اللعينة التي تزوج بها هي من تحول بينهما حتى يُصدق الجميع حيلة عودتهما من سفرهما!! 

تماسك في النهاية بصعوبة بالغة ومشقة ولكنه أخذ يتوعد لتلك الحقيرة ووالدها أن يأخذ حق كل ما فعلاه به هو ووالدته ومن جديد ارتدى قناع البرود والقسوة ثم توجه للأعلى بعد أن قاربت على الثالثة والنصف وإذا به يلاحظ نور الغرفة مضاء فمشى بهدوء بدون أن يحدث صوتاً ليسمع صوتها تُغني

Say what you wanna say
And let the words fall out
Honestly I wanna see you be brave

With what you want to say
And let the words fall out
Honestly I wanna see you be brave

Innocence, your history of silence
Won't do you any good
?Did you think it would
Let your words be anything but empty
?Why don't you tell them the truth

لم يلاحظ من قبل عذوبة صوتها، فقط تمنى لو يرى عيناها الآن، أستكون أيضا بذلك الجبروت والجمود أم ستتحلى بقليل من الأنوثة مثل ما يبدو صوتها العذب الذي لن تملكه سوى أنثى غاية في الفتنة والسحر؟ تنهد وهو يحاول ألا يُفكر في مثل تلك التراهات ثم فتح باب الغرفة دون أن يطرق الباب ولكنها حتى لم تنتهي ولم تكترث لتواجده ودخوله هكذا فجأة وتابعت ترديدها لكلمات تلك الأغنية..

Say what you wanna say
And let the words fall out
Honestly I wanna see you be brave

أكملت غنائها وتشدقت بالكلمات بصحبة نظراتها النارية الجريئة لينظر لها وشعر وكأنها توجه رسالة له، تتحداه، تصرخ عيناها بمعاني تلك الكلمات التي تطعنه بقسوة دون هوادة.. أتريد حقًا أن تراه يتحدث ويتحلى بالشجاعة مثل ما تتغنى؟! سيريها ولكن لاحقًا..

تدثرت أسفل الغطاء وهي لا زالت تتمتم بباقي الأغنية ليوصد النور ثم ذهب للسرير ورفع الغطاء ونام هو الآخر موجها ظهره لها لتحدثه بنبرة تخلت عن عذوبتها وعادت للصلابة والخشونة بمزيج من السخرية والتهكم وقالت: 

- بقى بيتك الطويل العريض يا جاسر بيه مفيهوش غير السرير ده

بالرغم من استفزازه الذي استطاعت إثارته في لمح البصر ببضع كلمات اخبرها هو بصوت مُرهق ونبرة لا تريد الجدال بالرغم من كلماته اللاذعة الباردة كعهده دائمًا:

- لا فيه، بس ده سريري، لو مش عاجبك غوري نامي في اي حتة تانية..

همهمت بمزيد من السخرية ثم تشدقت قائلة:

- أنا من يوم ما جيت وهو عاجبني، وبعدين هتستحمل تنام جنب وشي العكر ازاي!!

زفر متأففًا ثم صاح بها:

- اتلمي واتمسي بدل ما أكسرلك باقي ضلوعك.. ولا نسيتي بسرعة عملت فيكي إيه؟!

ضحكت في تهكم ثم همست بإستفزاز هازئة:

- مش قولتلك لمّا يتكسروا هتعالج!

في لحظه اعتلاها ليستقر جسدها أسفله بين ركبتاه رأسها بين كفاه المستندتان لتدعم ثقل جسده، فيروزيتاه غاضبتان ولكن يبدو بهما الإرهاق والحزن ثم صرخ بها غاضبا:

- طب اخرسي بدل ما أشرب من دمك في أم ليلتك اللي مش فايته..

شرد بعيناها بلونهما الذي لم يره من قبل في أي عينان أخرى بوجه إمرأة، تلك النظرة الصلدة وكأنها لن تنكسر أبدا، لا تخاف ولا تخشاه، جرأتها وقوتها تنبعث من عيناها بشكل مخيف.. تنقلت زرقاوتاه لرسمة تلك الشفتان الورديتان، لقد قبل العديد من النساء ولكنه فجأة شعر وكأنه يريد أن يتذوق خاصتها هي، يا تُرى، هل ستختلف عن البقية بمظهرها الغريب وملامحها التي تبدو جميلة وبنفس الوقت بمجرد تحدثها تتشبه بالرجال بطريقة لا تتلاءم مع مظهر ضعف جسدها كفتاة؟..

عبثت أنفاسه الساخنة بشفتاها حتى امتزجت بأنفاسها هي الأخرى ولاحظت تحول حدقتاه من الصفاء الفيروزي لعتمة سماء الليل، رآت الرغبة بعيناه، لن تكذب على نفسها، ملامحه الرجولية جذبتها للغاية ولكنها ليست من تضعف من أجل رجل لتنهي نفسها بسرعة عما تُفكر به وصاحت بمنتهى الاستفزاز وذلك الحاجب المرتفع دائما ليدرك أنه أطال النظر إليها والتحديق بها لوقت أكثر من اللازم:

- ايه.. كل ده فوق مني وقريب أوي ومقرفتش! منظري مقرف اوي مش كده؟ مفياش يا عيني ريحة الأنوثة!

لاحظ فعلته التي تنافت مع كل الكراهية والمقت الذي يكنه لها ثم صرخ به غاضبًا في تذمر من نفسه أولًا ثم منها:

- أتخمدي 

توجه مرة أخرى لجانبه وأعطاها ظهره لتبتسم بإنتصار لتتمتم بعقلها قبل أن توصد عيناها وتذهب في ثبات:

- إن ما جيبتك راكع مبقاش أنا بنت هشام.. يا.. يا ابن هويدا!

     

#يُتبع . . .