الفصل السابع - جسارة الإنتقام
- الفصل السابع -
نظر لها كلًا منهما بدهشة وتعجب مما استمعا له بشأن وفاة والدها والتزم ثلاثتهما الصمت للحظة فخلل "مراد" شعره بانفعال بينما ظل "رامز" متيبسًا على كرسيه لم ينطق احدهما بحرف واكتفيا بالنظر بإستغراب وتساؤل وبعد عدة رمقات من عسليتيه في تردد تسائل في النهاية "مراد":
- يموت ازاي.. انتي عارفه انه بيخطط يموتـ..
صدح صوت "رامز" مقاطعًا بعد تفكير منه بنظرة أعمق للأمر:
- يا بنت اللعيبة يا سوسو!! بس ازاي دي؟!
نظر له "مراد" بصدمة ثم نظر نحو "سيرين" كي يحصل منها على تفسيرًا لما أدركه كلاهما ولم يدركه هو فتحدثت هي:
- بص يا رامز، أنت عيلتك ايدها طايلة، ليك معارفك وأمن دولة وتعرف ناس في كذا سفارة وبلاوي سودا، بابا هيتخدر هنا في البيت وهو بياكل معانا ومن غير ما حد يعرف هيسافر معزز مكرم بعيد في اي مكان ميخطرش على بال، عايزاه يختفي من عنين جاسر، أنا لما فكرت شوية كده عرفت إنه شركاته في أمريكا وأوروبا..
بابا بقى ممكن نوديه الهند، أي قرية فيها محدوفة بعيد خالص، مظنش دماغه توديه انه يدور هناك، لازم يكون عليه حراسة واللي يخدموه كمان، لازم نبعد عن ايده أي موبايل أو أي وسيلة اتصال عموماً، وأنتو الاتنين استحالة حد يروحله، كمان هنجيب أرقام نطمن عليها منه ونغيرها كل شوية.. ممكن في آخر الأسبوع نقول ان بابا مات ونعلن موته نكون لحقنا نتصرف في الكام حاجة اللي بأسمي وظبطناها، واللي لسه بأسم بابا هورثه أنا ونخليه سيولة في البنك بأسمي وكل حاجة هتمشي تمام، هو ساعتها كمان هيكون مشغول بشوية البلبلة اللي هنعملهاله، مع موت ابويا وكام حركة مني هشغله وهعرف اتصرف معاه بطريقتي وأصلا هنكون بنخربله في شغله فهنكسب وقت!
صاح "رامز" بانفعال في رفض قاطع:
- تتصرفي ايه!! ده مبهدلك.. لولا إنك رافضة كنت طلعت عين أمه الوسخ ده!
زمت شفتاها ثم تنهدت وردت في اصرار:
- ارجوكم سيبهولي، لازم أضمن أنه مش هيتعرض لحد فيكم وأشغله بيا وبموت أبويا وبس..
تريثت لبرهة ثم أكملت:
- أنا وأنتوا لسه صغيرين، قدامنا العمر لسه، لكن بابا!! بابا آخر حد فاضلي من أهلي.. حتى خالي مبقاش يسأل فينا من زمان، من يوم ما بابا اتجوز ماما غصب عنه وعن جدي وهو خلاص اتبرى مننا للأبد، بغض النظر عن ان ماما وبابا يبقوا ولاد عم بس بجد أنا ماليش حد فاضل غير بابا! مش هقدر استحمل اشوفه بيتبهدل قدام عنيا.. لازم يبعد عن الصورة بطريقة جاسر يقتنع بيها، مقدمناش حل غير ده!
تحدث "مراد" غاضبا في قلق شديد:
- يا سيرين خطر، خطر عليكي، أنتي مش شايفه فرق جسمك من جسمه، ده مش عيل صغير هترنيه علقه وتجبريه يصالح صاحبه عشان تقولي سيبهولي، ده جاسر شرف الدين ومش هيقتنع بسهولة، أنا أصلاً حاسس اننا متراقبين ولا ممكن يكون ناويلك على نية سودا ازاي تقولي نسيبهولك
زفرت ما برئتيها في تأفف وتحدثت بلهجة لن تقبل بعدها أية نقاشات:
- أنا شوفت وعرفت حاجات في بيته عنه محدش يتخيلها، هعرف أعامله وألاعبه كويس اوي، بابا لما يموت وهو أصلاً عمال يقولي هاكسرك انتي وابوكي يبقى هيشغل باله بيا أنا، ويا يطلقني واخد حقي منه، يا إما هفضل أطلع في عينه كده، وأوعدكم إني هوصلكم وهستنجد بيكم لو جرالي حاجة منه أنا مش عارفه أتعامل معاها!
نظرا لها وكأنهما قبِلا مصيرهما ولكن على مضض ليتحدث "رامز" في إذعان لها:
- هاكلم عمي الصبح وأشوف أقدر يعمل ايه
نظرت "سيرين" نحو "مراد" ثم أخبرته في جدية:
- وانت يا مراد الشركات تعرف تفاصيل كل كبيرة وصغيرة وتبتدي تعرض للبيع كل شركاتنا اللي برا أو تشوف اللي يشتريها ويساهم معانا ونديرها احنا من الباطن
أومأ لها بالموافقة ليعود من جديد وهو يهتف بها في خوف وملامحه تصرخ بالقلق:
سيرين أنا خايف عليكي! لو جرالك حاجة أنا هموته، إن شالله يبقى فيها موتي
تأققت من جديد ثم حدثته كي تُطمئنه:
- متخافش.. أنا بمية راجل، وصدقوني لو أحتاجت لحاجة مش هاخبي عنكم..
أطنب "رامز" بالمزيد من الحديث الجدي حول تلك الخُطة وقال:
- سيرين بصي أنا بفكر كده مينفعش أي فلوس تتكتب بإسمنا وكفاية الشركات اللي هنمسكها، لازم كام وديعة محترمة تكون بإسمك وإلا كل ده هيتكشف..
أومأت له في تفهم وقالت:
- ماشي يا رامز أنا موافقة
نهض "مراد" وهو يهز رأسه في قلة حيلة على تلك الخُطة المجنونة ليتحدث في آسى وهو قد استسلم مُسبقًا لما تريده:
- أنا ماشي وهجيلك الصبح، لازم اروح أطمن على ماما، تصبحي على خير
تبع "رامز" كذلك لينهض وهو يتحدث لهما:
- خدني معاك، تصبحي على خير وخدي بالك من نفسك
نظرت لهما بنظرات مودعة ثم اخبرتهما:
- وأنتو من أهله
غادراها لتتوجه هي لغرفة ملابسها وبالكاد أستطاعت تبديل ما ترتديه ثم ألقت بنفسها على السرير واعادت مراجعة خطتها مرارا وتكرارا بعقلها لتهمس بداخلها:
- يارب.. أنصفني، أنا مش عايزة أذية لحد، أنا مليش ذنب في كل ده وأبويا وأمي اللي ماتت ملهومش ذنب، تغولر في داهية الفلوس وطموحاتي تستنى، أنا لسه عيلة عندي 24 سنة.. لما أخلص من جاسر هقدر أقف على رجلي تاني
تذكرت منذ أن وقعت عسليتاها على فيروزيتاه بالمصعد وبعدها تذكرت غطرسته اللانهائية وما فعله من العديد من التصرفات الحقيرة معها ليصرخ عقلها مُتسائلًا في انزعاج:
انفجرت التساؤلات والمحاولات منها لتتهادى لتفسير منطقي ولكنها لم تجده بتاتا، أوصدت عيناها تعتصرها بعنف لتجد صورته أمامها ففتحتهما ولكنها لازالت تتذكره..
كلما نظر إليها وهي تعض على شفتاها، نظراته عندما كانا بتلك الغرفة المليئة بملابس النساء، لا تنسى كيف كان يُحدق بها عند خروجها من صالون التجميل قبل أن يأخذها لمنزل عائلته، ليلة أمس عندما اعتلاها وحدق بعيناها وظل يتفرسها بأعينه التي تشعر بالإضطراب منهما..
أغمها ذلك من جديد أن تتسائل بداخلها:
- يعني هو مثلاً شايفني حلوة بس بيحاول يكسرني بكلامه؟ فاكر لما يقولي شكلك مقرف ومفكيش ريحة الأنوثة أنا كده هجري أعيط مثلاً؟ مش ممكن ثقته الجامدة أوي دي في نفسه، استحالة كده يكون شايف إن أي ست تتمنى يقرب منها.. وحتى لو هو حلو وواد مقطع السمكة وديلها وآه مش هانكر إني ساعات ببقى عايزه ابصله وماحركش عيني من عليه بس الإنسان ده مش طبيعي، فيه حاجة قوية جواه بتديله الدافع إنه يعمل كل ده..
وبعدين ليه كل ما بيقرب مني بحس اني مش على بعضي، لولا اني بعرف اتحكم كويس في اعصابي ومبظهرلوش ده كان ممكن حاجات كتيرة تحصل بس بردو ليه بيعرف يتحكم فيا كده؟ عمري ما شدني راجل زيه، زي ما يكون بيعرف يوصل لكل حاجة هو عاوزها.. أف.. يا ربي ايه ده!!
ظلت تستعيد الكثير من المواقف التي مرت عليهما معا لينتشلها التعجب مرة والتقزز مرات ثم يندفع الإستغراب إلي عقلها وتعود لتسأل نفسها أسئلة لا تملك اجابتها حتى استسلمت للنوم..
صرخت "هناء" غير مُصدقة لما تخبرها به أُختها:
- وأنتي ازاي تقبلي كده بسهولة؟ ازاي يا هويدا ازاي؟!
صرخت هي الأخرى بحرقة متحدثة لأختها باكية في آسى:
- أعمل ايه؟! عاوزاني أخسر كل حاجة؟! عاوزاني أرفض شرف الدين وهو بيقولي إن أخيراً هشام شجعه إنه يقولي.. هشام طلع مش حاسس بيا، طلع بيقربنا لبعض، كان عارف إن شرف بيحبني من أيام الكلية.. خمس سنين وأنا مخدوعة!
رمقتها في انفعال بنظرات لوم شديدة ثم أنبتها:
- قولتلك لازم تكوني متأكدة، كنت خايفة توصلي للي أنتي فيه دلوقتي، كنت خايفة تكوني عايشة في حلم، وأهو جالك كلامي..
صاحت بها في إنزعاج شديد ونحيبها لم يتوقف:
- اسكتي بقا كفاية اللي أنا فيه!
حدثتها في هدوء وهي تحاول أن تنهاها عما تفعله:
- بس مش قادرة أصدق إنك قبلتي تتجوزيه، ازاي وده صاحب هشام! يعني مش بعيد يفضل قصاد عينك كل يوم وكل ساعة ده غير إنك بتشوفيه في الشركة.. أنتي كنتي لازم تبعدي!
نظرت لها بأعين تحمل الدموع والصدمة وقالت:
"أبعد!! بالسهولة دي أبعد؟ بعد ما عيني بقت بتشوفه كل يوم وهو بيضحك وهو مضايق وهو بياكل وهو بيكلمني تقوليلي أبعد؟ أنا يمكن قبلت أتجوز شرف عشان هشام هيكون في حياتنا، عشان هيبقى جنبي، معايا كل يوم، مش هيبـ..
قاطعتها في رفض قاطع وحدة ثم صاحت بها:
- أنتي اتجننتي!! ايه اللي بتقوليه ده؟ ازاي تفكيرك يصورلك ده، عارفة يعني ايه عذاب ست متجوزة وهي بتبص لراجل تاني؟ ومش أي راجل، ده صاحبه، ده أخوه، أنتي متخيلة إنك في يوم تبقى ولادك وجوزك جنبك وأنتي بتفكري في راجل تاني؟!
نظرت لها في انتظار لقرار منطقي مُتعقل منها بينما وجدت لمعان غريب يعتري أعين "هويدا" الفيروزية وهي تهمس كالمهووسة:
- وجوده جنبي بالدنيا وما فيها.. اتجوز شرف الدين وماله! بس هشام هيبقى تحت عنيا، أنا الموت أهونلي من أنه يبعد عني لو حتى لحظة.. حتى لو عندي ولادي وجوزي بس أهم حاجة هشام، أنا روحي تطلع ولا إنه يبعد أبداً!
توقفت عن البكاء لتبتسم في تحفز:
- شرف هيجي هو وهشام ومامت شرف عشان يتقدمولي، هيبقى قاعد قصاد بابا يقوله طالبين القرب منك، هشام هينطقها بلسانه، يمكن مش ليه بس في يوم من الأيام هيكون ليه.. هتشوفي يا هناء، أنا استحالة أسيب هشام يضيع من ايدي!
نظرت لها بفيروزيتين معاتبتين ثم حدثتها في لوم:
- بس بردو يا رزان مكنش ينفع طريقتك ديه مع سيرين، كنتي مفضوحة أوي
أشارت بكلتا يداها ثم تحدثت في قلة حيلة:
- أعمل ايه يعني يا نور، ما انتي الوحيدة اللي مبخبيش عنك حاجة.. أنا كان نفسي جاسر يحس بيا، واتفاجئت بموضوع جوازه ده، وكفاية لما بصيتلها، ده انا أحلى منها مليون مرة
زفرت في عدم تصديق ولكنها تابعت الحديث لها علها تتعقل قليلًا:
- كلنا اتفاجئنا.. بس بردو هي ملهاش ذنب تعامليها وحش..
تأففت حانقة ثم قالت في انفعال:
- يووه بقا، يعني ماما تقولي مينفعنيش، وانتي تقوليلي ملهاش ذنب، وأخوكي مش حاسس بيا، بتتعبوني معاكم ليه، أقوم يعني اروح بيتنا الساعادي عشان ترتاحي!
زمت شفتاها في شفقة على حالها ثم حاوت أن تحدثها بمنطقية علها تستفق من أحلام يقظتها تلك:
- رزان يا حبيبتي افهمي، جاسر شخصية صعبة، انتي عمرك ما هتتبسطي معاه، انتي بجد غلبانة اوي وفرضاً مثلاً لو كنتوا اتجوزتوا كنتي هتعيشي في نكد ليل نهار
قلبت شفتاها في امتعاض ثم تسائلت في تهكم:
- يعني هي تتجوزه بين يوم وليلة والسنين اللي أنا فيها جنبه وهو مش حاسس بيا تروح كده خلاص في ثانية؟!
تأففت من جديد وحاولت أن تُثنيها عن التفكير بتلك الطريقة:
- بطلي غيرة بنات هبلة بقا، بقولك كنتي هتعيشي في قرف.. وبعدين أنا هريحك، سيرين أولاً شكلها شخصية جامدة وهتعرف تتعامل معاه، ثانياً هكيلك كل اللي أعرفه بالحرف بس متجبيش سيرة لماما لحسن أول ما بتسمع سيرة سيرين وباباها بتتعفرت!
تنهدت في قلة حيلة لتقول:
- احكي يا ستي..
عقد حاجباه في استغراب ثم تسائل في جدية:
- طب وأنت هتعمل إيه؟
زفر في إرهاق ثم تحدث في بنبرة متعبة:
- مش عارف يا معتز.. حاسس إن كل حاجة فوق راسي، ماما مبقتش زي زمان وتقدر على الشغل، نور عمرها ما كانت مهتمه بالشركة وبتحب شغلها والهدوم والتصميم، بابا كمان من يوم ما تعب وأنا حاسس إني في دوامة مش قادر أخرج منها.. لولا وجودك ومتابعتك لكـ..
قاطعه "معتز" مسرعًا:
- عيب يا جاسر متقولش كده احنا أخوات يا ابني!
نظر له بفم التوى في مرارة ثم سأله بجدية مُغيرًا مجرى الحديث:
- هو الشغل عامل ايه الكام يوم دول؟
حمحم وهو يحاول أن يتظاهر أن كل شيء بخير:
- مصانع الأسمنت تمام.. الشغل ماشي والشحنات اللي بتتصدر زي الفل، إنما فيه مصنع حديد فيه كده شوية مشاكل، الفحم مقصر شوية بس متقلقش
انزعجت ملامحه قليلًا مما استمع له ثم قال:
- يا عم ما نتصرف يعني، شوية فحم مش هنقدر نجيبهم!
أومأ له في تفهم ثم حاول أن يُطمئنه:
- سيبها عليا دي
همهم ثم سأله من جديد:
- أخبار المشاريع الجديدة ايه؟!
اجابه بنبرة حماسية في البداية ثم تفلتت بقية الكلمات منه في عفوية:
- المناقصة اللي أنت لهفتها من المستثمر الأجنبي ده الدنيا ماشية فيها ولعه والرسومات تمام ومطابقة، إنما فاكر المشروع اللي في ستة أكتوبر معصلجين في التراخيص ولاد الكلب..
صرخ به في غضب لاذع:
- حتة ترخيص يا معتز!! هو فيه ايه.. حقيقي شغلنا بيوقف على فحم وتراخيص! ده من امتى؟!
أدرك فداحة ما ارتكبه عندما ألقى على مسامعه تلك الكلمات ولكنه حاول أن يتدارك الموقف:
- يا عم بس اهدى، السوق اليومين دول مولع، أنا شامم ريحة حد بيحاول يقف قصادنا في السوق، حاسس إن فيه ملعوب وسخ بس هاوصله!
أطرق برأسه إلي احدى الجوانب وهو يرفع حاجباه في تهكم ليصيح به:
- أ** يعني! أنا هستنى يعني أما توصل للملعوب! أحنا متعودين نقضي عليه من البداية، جرا يا معتز احنا عيال!!
ابتلع من رؤية ذلك الغضب على ملامحه وحاول أن ينقذ ما يُمكن إنقاذه بعدة كلمات:
- اهدى بس وبراحة كده، أنا مش ساكت والله!
اعتراه المزيد من القلق بسبب غضب "جاسر" الظاهر عليه والذي لا يأمنه أبدا ليراه قد نهض وهو يجوب غرفة مكتبه كالأسد الضاري فقرر أن يُغير مجرى الحديث ليسأله عله يُصرف انتباهه عن مجريات العمل:
- وهتعمل ايه مع سيرين؟!
ازداد إنفعاله ليصرخ به في شدة:
- يوووه بقا! هو أنت نازل عليا سخن كده ليه من ساعة ما شوفتك؟
تابعه "معتز" بعينيه وهو متجهًا لبار مكتبه وأدرك أنه غاضب لدرجة أنه أراد أن يثمل، كما أنه تعجب من ازدياد غضبه بهذا الشكل فحاول أن يعتذر عله يهدأ قليلًا:
- يا عم حقك عليا، أنا غلطان!
شعر "جاسر" أنه كان لاذعًا للغاية بغضبه تجاه "معتز" ليتنهد في إرهاق ثم حدثه:
- بص يا معتز أنا مش فايقلها اليومين دول، فيه إعلام وراثة وشغل كتير، لازم اخد بالي كويس من تعب وشقى أبويا، وهويدا الأنصاري استحالة تقبل إن مستوانا يقل بسبب موت شرف بيه!
زفر بحرقة وتابع بنبرة مُنكسرة:
- كل حاجة اترمت على راسي خلاص، مع إني بقالي سنين شايل كل حاجة بس يمكن موت أبويا حسسني بالمسئولية أكتر، وجوده كان بيفرق، كان بيفرق اوي!
همس جملته الأخيرة بحزن وازدرد كأنما سكاكين تمر بحلقه وحتى "معتز" لم يستطع أن يواسيه خاصة وأنه يدرك جيدا ما يعنيه فتمتم له "جاسر" بنبرة منهكة:
- سيبني لوحدي شوية يا معتز!
هز "معتز" رأسه بالموافقة ليودعه:
- ماشي .. تصبح على خير!
توجه للخارج وما إن سمع صوت إغلاق باب منزله حتى بدأ أن يتجرع الخمر من كأسه في شراهة تامة..
همس متحدثًا بصوت خافتًا اتضح عليه الحزن والإنكسار:
- ليه دلوقتي؟ ليه كده كل حاجة بتحصل ورا بعض ورا بعض.. مبرتحش أبداً، مبتسبونيش ارتاح، خناقات وأنا صغير، الوسخ ده يغتصب أمي وأفضل عايش بالجرح ده من وأنا عيل عنده ستاشر سنة لسه ببدأ حياتي، ليه أدخل كلية مبحبهاش عشان أرضيك، أحافظ على مظاهر ومكانة إجتماعية مش عاوزها عشان أرضيها،
ايه.. بتحملوني فوق طاقتي ليه! محسسني اني عندي ستين سنة مش اربعة وتلاتين! حد حاسس بيا وأنا بقالي تمن سنين شايل الهم لوحدي، من وأنا عندي ستة وعشرين سنة كل واحد يحملني ويحملني لغاية ما تعبت! زهقت! ليه تموت وتسبني دلوقتي؟ ليه تجوزني غصب عني بالطريقة دي وبنت الراجل اللي بهدل أمي..
كنت اديني فرصة، أنا واقف جنبك وشايل شغلك ومرضك طول التمن سنين دول، كنت حتى سيبني اخلص من الجرح اللي جوايا بسبب أمي اللي حملتني مسئوليته، كنت خليك جنبي شوية؟ مستنتش ليه يا شرف الدين؟ للدرجادي شايفني حاجة كبيرة عشان تسيبني دلوقتي؟!
أنا عيل، وعيل اوي، كنت محتاجك تستنى شوية كمان، أنا عمري ما شبعت منك وأنت فيه حاجة دايماً وخداك مني، يا الشغل بيبعدنا، يا خناقاتك أنت وأمي بتبعدنا، يا بتدلع في نور وفي الآخر تتعب وتستسلم للمرض وأشيل أنا كل حاجة عشان تكون مطمن.. وأنا.. أنا كنت فين من حياتك؟!
انعكس صوته في سكون الغرفة بينما قارب على إنهاء نصف الزجاجة التي بيده وهو يخرج خلال تلك الكلمات التي نطق بها آلام قد حملها منذ سنوات عدة وحده ليعود من جديد ثم همس وكأنما النيران تتآكل دمائه:
- رايح تجبلي بنت هشام عشان أحس إني قدامها قليل وصغير، جبتها منين؟ جبتلي الجبروت ده عشان يهدني؟ عشان تحرقني أكتر كل يوم! ليه كده؟ ليه كل ده.. أنا عملت فيكم ايه! مفيش حد بيرحمني ليه، بنته دي ازاي كده؟
أنا عمري ما وقفت قدام واحدة وأنا عاجز ومهزوز زي قدامها، مفيش ست تستحمل اللي عملته فيها وكل ده طلعته مني في يومين بس، ليه يا شرف بيه عملت فيا كده، أنا كنت بعدت عن الطريق ده من زمان، كنت اتهديت بس هي بتصحي فيا شياطيني، لو طلعت عليها موتها هيكون على ايدي، كان ممكن ادوس على هشام بجزمتي، بآمر مني كنت ممكن انسفله الكام شركة اللي فرحانلي بيهم وانهيه من على وش الأرض، لكن ليه تدخل بنته في حساباتي..
أنهى الزجاجة بأكملها ثم أخرج أخرى وأشعل احدى سجائره ولم يكترث لمسح وجهه الذي كسته الدموع التي لم يشعر بها تنهمر على وجهه ثم فجأة ابتسم ابتسامة لا تليق إلا بشيطان
-عارف يا شرف بيه أنا هاعمل فيها ايه؟ عارف لما أفوقلها هخليها ازاي؟ عارف أنت صحيت جوايا مين؟! صحيت جاسر اللي كان خلاص قرب يموت، جاسر الشيطان اللي مبيحسش، اللي بيتبسط لما بيشوف الستات تحت رجليه بيترجوه يرحمهم، اللي ممكن عادي يموت أي ست تحته عشان مزاجه، أنت السبب يا شرف الدين، أنت اللي سيبتني، أنت اللي بعدت وأنا محتاجك جنبي..
عايزك تكون مرتاح في تربتك واتفرج عليا وملي عينك مني كويس واتبسط باللي هيحصل، جاسر بتاع زمان رجع خلاص!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .