الفصل الحادي عشر - رواية جسارة الإنتقام
- الفصل الحادي عشر -
أخبره المصور بإحترام ووقار:
- ألف مبروك يا جاسر بيه.. اتفضل دي النسخة الـ Soft .. والـ negative هسلمه لحضرتك مع الصور
أومأ له ببرود بعد أن أخذ منه النسخة فتركهما وغادر.. تريثا لبرهة، تبادلا النظرات.. عيناها الناريتان لا تستطيع التوقف عن إطلاق شرارات الغضب، بينما زرقاوتاه كادا يفتكا بذلك الجسد داخل الرداء الأحمر..
عقلها لا يستطيع نسيان اليوم بأكمله معه.. تصرفاته الفظة ونظرات عيناه المبهمه التي لا يوجد لها تفسير منطقي، أما عقله لا يزال يحاول أن يختبأ من شعاع ابتسامتها الدافئة التي رآها بغتة وهي تبتسم للمصور..
عيناه شاردتان تماما، هادئ هدوء مخيف بالنسبه له وغريب بالنسبة لها، صفاء سماء منتصف الصيف الذي بعيناه بعث بإشارات لقلبها بتلقائية حتى بدأت خفقاته في التزايد..
تسائلت وهي تنظر بعيناه الشاردتان متصنعه الجرأة:
- ايه عجبتك؟!
اجاب بعفوية دون أن يلاحظ:
- هه!..
عقد حاجباه متذكرا بسرعة تلك التي أمامه في غضب مزيف وما أخبرها به للتو:
حدثته بنبرة استفزازية:
- لا.. ده أنت واضح إنك مش هنا؟! لا بجد يكونش عجبتك وفجأة كده جاسر بيه ذوقه وصل للدرجادي.. تؤ تؤ تؤ!! مكنتش أتوقع كده منـ.. آآآه.. سيب ايدي يا حيوان..
توجعت بتلقائية عندما أوقفها عن الكلام ليدفعها من يدها أخذا خطوات نحوها حتى استقر ظهرها على احدى الأشجار بحديقة بيته الضخم، ولفح وجهها بأكمله أنفاسه الساخنة المحترقة غضباً فحدقت بعينا لتراه لأول مرة بتلك الهيئة الغريبة ليهسهس في غيظ:
- أنتي ايه! دبش دبش دبش، أنا هقطعلك لسانك ده، أنا هوريكي الويل، أنتي متعمليش معايا أنا كده، أنا جاسر اللي بيترمي تحت رجله ملكات جمال وبيدوسهم بجزمته، ايه القوة اللي فيكي دي، ايه الجبروت ده، ايه نظرة عنيكي دايما جامدة وكأنك مش فارق معاكي حاجة!
أنا مشفتش كده.. مبتزهقيش؟ مبتتعبيش؟ مبتخافيش أبداً؟! أنتي ست أنتي ولا بنت ولا أنتي كلك على بعضك ايه أصلاً؟ أنتي طلعتيلي منين؟ شوية تبقي شبه الواد اللي في ثانوي وشوية تمشي تتقصعي زي الست الشمال وحبة تبقي بنوته صغيرة ودلوقتي اللي يشوفك يقول موديل ولا مرات سفير، وحبة واثقة في نفسك زيادة عن اللزوم وبعدين تيجي تتكسري تحت ايديا، أنتي تعبان! أنتي بتتلوني كل شوية بلون وبتعمليهم عليا!
ظل ناظراً لها بغضب بينما هي اندهشت واختفت تلك النظرات الجريئة بعيناها لتتحول الجرأة لتفحص وتمعن شديد بتلك الفيروزيتان.. هو ليس غاضبا، ولكن هناك نظرة غريبة من نوعها سيطرت على عيناه بالكامل أوقعتها في حيرة وكم تمنت لو استطاعت تفسيرها ليتابع في حرقة:
- أنتي لسه متعرفنيش عشان كده مش خايفة مني، لسه مجربتيش نار جاسر، لسه يا حيلة ابوكي عشان كده عملالي راجل وفردالي صدرك اوي، مش أنا اللي أمه تسمع شتيمتها بودنها قصاد عينه وبعدين يسرح فيكي، مش هتهزي فيا شعره يا بنت هشام، أنتي حتة عيلة صغيرة لا راحت ولا جت، لازم تفهمي ده كويس، آه وطرطقي ودانك حلو كده، أنا مش هانسى أنتي بنت مين..
مش هانسى اللي أبوكي عمله فيا طول السنين دي مش هانسى اللي عمله فـ..
فجأة عادت نظرة الغضب ولكن ليس مثل قبل، غضب مخيف، مرعب، لقد ارتعدت أواصرها الآن وتريد أن تختفي من أمامه بأي شكل من الأشكال حتى لو ستدفع الثمن غالياً ولكنها لأول مرة تتمنى لو تنشق الأرض وتبلعها!
ود أن يقتلها أمامه، كيف لها أن تخرج مثل هذه الكلمات منه بمنتهى السهولة؟ كيف له أن يخبرها بما حدث هكذا وما حمله من عناء اخفاء هذا الأمر لمدة سنوات؟..
آمرها بهيمنة غريبة وكأنه يُجبر الكون بأكمله بالإذعان له:
- كلمة واحدة مش هتنيها وعلى الله أسمع كلمة منك.. أمشي أطلعي أوضتي فوق وأخفي من قدامي
ابتلعت في ارتباك لتتحدث بتلعثم:
- هي أو..
قاطعها في غضب ليس له مثيل لتشعر منه بالخوف:
- لا بقى ده أنتي ناوية موتك على يكون ايدي دلوقتي..
احاط عنقها بقبضتيه وعيناه المفزعتان تسلطا بأعينها ليتابع بالمزيد من الكلمات اللاذعة:
- أنتي عاوزة تعملي ايه تاني أكتر من كده، هاه؟ أنتي مش هتأثري فيا، ابقى عيل بريالة لو..
صرخت بكل ما أوتيت من قوة لتقاطعه عله يتوقف:
- أوضتك فين؟!
شعرت تلك المرة وأنها ستموت بالفعل ليتركها ونظر لها تلك النظرات المبهمه وقد هدئ تماما ليجيبها بأسنان ملتحمة:
- نفس أوضة نور آخر دور!
حاول محاولة بائسة لتهدئة غضبه غير المقروء بعيناه عاقدا قبضتاه بعنف حتى امتنعت الدماء عن الجريان بهما ليجد نظرات الدهشة تعتريها ثم فرت من أمامه في لمح البصر..
دلك عيناه بقوة وهو لا يصدق ما كاد أن يقر به أمامها ليتحدث لنفسه مُفكرًا:
- لأ لأ ده مكانش أنا! استحالة يكون أنا! هي البت ديه عملت فيا ايه أنا عمري ما كنت كده.. أنا بكون واقف قدامها ومش مركز ومبلم دايماً..
أنا زي ما أكون ببرر لنفسي والكلام طلع مني كده بغباء! أنا عمري ما كنت غبي، عمري ما كنت متخلف وأهبل أوي كده.. كلام أمي كان صح، ايوة كان صح! أنا سايب شغلي وتعبنا اللي حافظت هي عليه وأنا بعدها عشان اجري وراها في الشوارع، أنا، أنا سرحت فيها وهي لسه غلطانه في أمي قصاد عيني، أنا لازم أفوق، أنا متجوزها عشان أكسرها هي وأبوها، عشان أذلها وأخليها خدامة تحت رجلين أمي..
دي بنت الراجل الوسخ اللي حرق قلبي وبهدل أمي وخلاها عايشة مكسورة ومقهورة على شرفها طول السنين اللي فاتت ومنطقتش بكلمة غير ليا أنا بس! أنا جاسر شرف الدين، حتة بت لا راحت ولا جت هتعمل فيا أنا كده؟ ايه يعني عشان منمتش معاها مستهوياني اوي كده؟ عشان عامله فيها تقيلة ومحترمة دخلت عليا بالحركتين دول؟! عشان عمري ما حبيت وواخد الستات شهوة وجنس بس؟!
لا والله وبتلعبيها عليا صح عشان تلهفي فلوسنا يا حتة بت وسخة.. فاكرة بضحكتها وحركاتها هتدخل عليا!! عاملالي فيها بريئة أوي النهاردة، عملالي مختلفة عن الكل وهي بتجري زي العيال الصغيرة وبتسوق زي ماجيفر وبتغني بصوتها الحلو اوي عشان تلفت نظري..
لأ، مش هتلفتي نظري يا بنت هشام لأ!! مش هتيجي في احلامي تاني، مش هسرح فيكي ولا في عنيكي ولا شفايفك، اوعدك واوعد نفسي إني هاكسر نِفسك، هاكسرك صح يا حيلة أبوكي يا بنت الوسخ
زفر بحرقة والنيران تشتعل بصدره لخوفه مما قد يقع به، لتذكره كل المواقف التي مرت بهما اليوم وهو يشاهدها بعيناه، يحاول أن يعطي نفسه سبباً، ربما مبرراً.. يريد فقط أن يثني عقله عما بدأ يُفكر به صباحاً ومساءاً وعند كل نفساً يآخذه حتى بأحلامه..
خلع سترته رامياً اياها أرضاً بغرفة مكتبه لتتبعها ربطة عنقه وفتح ازرار أكمامه وأعلى قميصه وجلس أمام البيانو بيدان مترددتان
دلفت "نور" بعد أن رمقت مظهره والغرفة حوله لتحدثه:
- يا ساتر يارب.. جنان وضعف ومقاومة! وهدوم مرمية على الأرض.. لا مش جسور المحنتف اللي مرتب اوضته الجامد اللي أعرفه!
أخبرها بإقتضاب ناهيًا:
- بلاش جسور دي
لمحت الحزن بنبرته فجلست بجابه لتعانقه ثم همست له:
- بس وحشتني ووحشني صوتك، فاكر لما كنت بتغنيلي واحنا صغيرين!
ربت على رأسها في حنان وابتسامة باهتة وهمس:
- انتي كمان وحشتيني اوي
تصنعت عبوسا وسألته بقليل من المرح:
- طيب يا راجل يا بكاش مش تسأل على أختك؟!
رآته يتنهد بحرقة لتتحول ملامحها للقلق وتنظر له بتلهف ثم تسائلت في جدية:
- ايه مالك يا جاسر في ايه؟!
اجابها بإقتضاب:
- مفيش..
نظرت له ثم عانقته لتتوسد صدره وهمست له:
- مش عليا أنا.. احكيلي وفضفضلي.. كده بردو البت نور أختك حبيبتك تخبي عنها وأنت شاكلك شايل هموم الدنيا كلها لوحدك.. احكيلي بدل ما وربنا أعملك هاشتاج جسور على الفيسبوك وانستجرام وتويتر وكرامتك هتتبعزق
فجأة اجابها ليتحول لذلك الأخ المشاغب الذي اعتادت تلك الطريقة منه دائما:
- ده أنا أرزعك بلحة تخنفك
ضحكت في خفوت ثم اخبرته:
- وحشني البق ده.. هتحكي ولا هاشتاج، لا ومعاه صور من أيام ما كنت صغير وهتبقى فضيحة بجلاجل!
زفر في غيظ ليمازحها على مضض:
- اه يا جزمة.. ليكي بلحة على غفلة
نهضت فجأة لتمسك بهاتفها وحدثته في تحذير:
- ولا تقدر، هتحكي ولا ايه.. هو فين الموبيل اللي كان هنا
تأفف في ضيق ثم رد قائلًا في قلة حيلة:
- زنانة!! هحكي يا نيلة..
ابتسمت في انتصار ثم عقبت متحدثة:
- ناس متجيش إلا بالعين الحمرا صحيح!
حاول "مراد" تهدئتها بأي طريقة:
- هششش.. سيري اهدي يا حبيبتي مش كده..
تعالت شهقاتها بين دموعها التي كست وجهها بالكامل لتتلعثم بنبرة بالكاد استطاع فهمها:
- مش ههـقادرهه، مش عارفهه، أنا..
صاح بها لتستعيد سيطرتها على نفسها قليلا:
- أنا اول مرة أسمعك وانتي بتعيطي كده، واظن احسن نبطل عياط بقا عشان أقولك اللي فيها ولا هنفضل نعيط كده للصبح؟! يقول عليكي بقى خايبة وواقعة لو دخل عليكي فجأة؟!
سألته متعجبة وهي تحاول أن تسيطر على دموعها:
- كل ده معناه ايه يا مراد؟ هتجنن!! أنا آسفة لو بشتكيلك و..
قاطعها في ضيق:
- آسفة!! طب قوليها تاني وأنا أكسرلك راسك دي! ده أنا ولا رامز ما بنصدق تشتكيلنا ولا تحكيلنا حاجة
زفر بحيرة ثم تحدث لها بنبرة هادئة:
- بصي يا سيري، اللي أنا شوفته النهاردة من جاسر ده كانت غيره، آه صحيح فيه سبب منعرفهوش مخليه كارهك بس بيغير وبيغير اوي وكان هيتجنن عليكي، مش النهاردة بس، من ساعة امبارح لما فتح علينا باب الأوضة ولقانا قاعدين مع بعض.. أنا راجل زيه وفاهمه.. ولما كنا بنهزر النهاردة الصبح في الجنينه كان بيغلي قدامنا، زي ما يكون هيضربني بس مسك نفسه!
صاحت في انفعال ورفض تام:
- وهو يغير ليه؟ هو مصدق اني مراته بجد الأهبل الحيوان ده ولا ايه؟ وبعدين يعني ايه يغير ويغير من مين!! أخويا! أنت يا مراد يغير منك؟! لا يا عم أنا لو لقيت الهبل ده في راجل مش هاتجوز أصلاً!
تعالت قهقهاته دون توقف مما سمعه لتشعر بالغيظ ثم حدثته في خشونة وتوقفت عن البكاء:
- يا كلب بكلمك وأنت بتضحك، طب أنا غلطانة إني بكلمك.. أن هاقفل سلـ..
تحدث بصعوبه بين ضحكاته:
- أنتي .. متجوزة.. فعلاً.. يا هبله!
تحدث ثانية بضحك:
- ده جوزك يا هبله
زجرته بحدة وخشونة كما الرجال:
- جرا ايه ياض ما تتلم! تصدق إنك عيل عرة وأنا مش هعرفك تاني.. غور ياض
ابتسم في انتصار ثم حدثها في فخر:
- أيوة كده ارجع الشرس بتاعنا اللي أعرفه.. بطلي هبل وخلينا نتكلم جد، جاسر بيغير عليكي، والراجل مننا لما بيبتدي يحب بنت بيلاقي نفسه مع أول راجل يقرب منها بتضرب في نافوخه ماسورة متوصلة ببركان كده ومبيبقاش عارف هو بيعمل ايه
اطلقت زفرة متهكمة مصحوبة بصوت ساخر ثم قالت:
- يبتدي يحب ايه.. صلي على النبي يا اسطا، ده كسرلي ضلع وضاربني كام قلم وروني ألوان الطيف
تنهد في قلة حيلة ثم اخبرها:
- لسانك ده هو اللي جايبك ورا..
ازداد حنقها لتندم على التحدث معه:
- يووه بقا يا زفت أنت! مش هحكيلك حاجة تاني
رفع احدى حاجباه ليزجرها في مزاح:
- ده أنا أموتك فيها.. بصي هو شكله كده والله أعلم ولو أني مش مقتنع باللي هقوله بس شكله أول مرة يحب، أو ممرش بده مع واحدة زيك.. وأنتي ايه بسم الله ما شاء الله مفيش منك اتنين!
ضحكت متهكمة وردت:
- نحن نتميز عن الآخرون يا فالح!
انزعج من تلك الخشونة في حديثها التي لا تنتهي ابدًا وحدثها بجدية:
- لا بجد بقا.. الكلام اللي قالهولك كله ده زي ما يكون بيكدب نفسه أو عاوز يثبتلك عكس كل اللي بيظهره..
اطلقت ضحكة ساخرة متهكمة لتقول معقبة:
- يا سلام يا عم النفسواني!
تعجب من قولها ليتحدث لها:
- بت احنا مش كنا في مدرسة واحدة وتقريباً اتربينا مع بعض؟!
اجابته بإقتضاب:
- آآه..
سألها مجددًا:
- طب بتجيبي كلامك منين؟! اسمها نفساني يا تحفة!
شعرت بالإنزعاج لتزجره:
- لو شتمتني تاني لغاية آخر المكالمة مش هكلمك أبداً!
حدثها في مُزاح:
- والله ولا تقدري.. ده أنا عليا جوز غمزات جاسر بتاعك أبو عيون زرقا ده معندوش واحدة منهم..
زجرته في عفوية:
- اتلم ياض مالكش دعوة بيه..
همهم في اعجاب وقال:
- الله! ده احنا كمان بنغير!
زجرته مسرعًا بعد أن ادركت خطئها:
- لا.. لأ دي.. دي.. مش غيرة..
همهم من جديد وقال في مزاح:
- على بابا!!
تأففت ولم تدر ما عليها قوله:
- آفف بقا..
حاول من جديد معها ليُحدثها في جدية:
- طب بصي، أنتي كده كلك على بعضك جننتيه، بغض النظر عن انكوا متجوزين غصب وفيه حوار باباكي ده اللي كل شوية يلمح بيه بس هو ابتدى يقع..
تهكمت قائلة:
- لا واااضح اوي، لسانه بينقط غزل وكلام معسول، ولا يالهوي على مسكته لإيدي بتعلم فيا كده بتعملي ألوان، ولا لما بيقرب مني ويملس بإيده على وشي، بحس كده إن رقبتي سافرت أسوان ورجعت تاني، ما تقول كلام يتصدق بقا شوية!!
تهكم هو الآخر معقبًا:
- زي ما فيه ناس لسانها أطول منها وعايز القص فيه ناس بردو متخلفه ومش عارفة تبين ده.. وانتي لسانك ممكن يحبسك أصلا
سخرت منه بإمتعاض:
- ههه ههه خفة ياض
تنهد في محاولة أن يشرح لها:
- جاسر جامد ومفيش حد بيوقف قدامه وببساطة انتي بجرأتك وطريقتك وقعتيه.. تحبي أقول حاجة تاني؟!
اعترضت قائلة:
- لا والنبي بدليل فتاة الليل اللي جابها ونام معاها قدامي!
اسرع مُعقبًا:
- هو كان متعود على ده
صاحت به هذه المرة بجدية صارخة:
- أنت بتدافع عنه وبتديله مبررات.. جرا ايه يا مراد؟
رد في تفسير:
- لأ مش بدافع ولا بقول يعمل كده عادي ولا بقولك اجري عليه وخديه بالحضن.. إنما هي ديه كانت حياته، وبعدين ده بعد ما روحتو بساعتين تلاته.. مش حب من أول نظرة هو
تهكمت من جديد:
- على أساس أني معاه بقالي سنين!
شعر بالضيق فتنهد في قلة حيلة قائلًا:
- طب بصي.. اللي عندي قولتهولك
سألته في جدية:
- وانا بقا بقيت مش على بعضي ليه؟!
اجابها بما يراه ويظنه:
- عشان جاسر عاجبك وداخل دماغك!
صاحت به كما الرجال:
- تعرف لو أمك مكنتش ست محترمة كنت قولتلك يا ابن الكدابة وشوية حاجات تانية بالأم بردو بس أنا بحترم الست دي ومش هاغلط فيها!
نهاها مسرعًا:
- اغلطي فيها وأنا اعورك..
تنهدت في شرود وتفكير ثم قالت:
- فكرتني بأمه.. الست حرباية وعليها بصة مش مريحة أبداً.. وبجحة كده والمفروض انها سرقتنا زمان لكن تحس انها مش هتجيبها لبر أبداً والتاني مبيستحملش عليها الهوا الطاير.. أنا مش عارفة هي جايبة الجبروت ده كله منين..
حاول أن يشرح له اكثر:
- يا بنتي ده ابنها.. يعني انتي مثلاً بتخديه بالحضن لما يجيب سيرة باباكي؟
اجابته مسرعة:
- اكيد لأ.. بس الموضوع over عنده حبتين، ولو تشوفه كان واقف قدامها ازاي هتعرف اقصد ايه.. زي ما تكون بتسيطر عليه وممشياه على عجين ما يلخبطوش، الست دي مش مريحاني..
همهم في تفكير:
- ممم.. كلامك غريب.. تفتكري جاسر بيعمل كل ده ليه؟
زفرت بحيرة ولم تنجح في ايجاد سبب مقنع لكل هذا:
- مش عارفة بجد
فكر معها بصوت مسموع ليخبرها بحدسه:
- أكيد فيه حاجة هو وأمه بس اللي يعرفوها، بس يا خبر بفلوس
تأففت في امتعاض لتقول في سأم:
- انا لسه هستنى يعني.. بص رامز فرحه خلاص.. لازم نخلص الفرح من هنا وهوب موضوع بابا ده
حذرها في قلق من اجلها:
- طيب.. اهم حاجة بس عشان ملاقيكيش مكسورة تاني لمي لسانك لغاية ما نظبط كل حاجة وهو اهو متسحول في اللي عملناه فيه.. اهدي بقا كده لغاية ما نشوف حل!
وعدته ثم قررت ان تنهي المكالمة:
- حاضر يا اخويا.. أنا هنام
ودعها قائلًا:
- تصبحي على خير
أنهت مكالمتها التي عبثت بعقلها أكثر، لا تعلم أكان مراد صادقاً أم لا؛ ربما بعض تفسيراته منطقية ولكن الفكرة ككل تبدو جنونا تام لتمتم في امتعاض:
- شكلي كده داخله على أيام سودا
تنهدت في حيرة ثم ذهب عقلها لتلك الزرقاوتان حتى ذهبت في ثبات..
تنهدت بعد كل ما سمعته منه ثم قالت:
- يبقا بتحبها يا جاسر
تهرب من فيروزيتيها وهو ينكر ما يشعر به وقال في رفض:
- أنا مبحبش حد ولا زفت
سألته متعجبة:
- طب يبقا التتنيحة الي قدامها وكل اللي بتحكيلي عليه ده يبقا ايه؟
انكر بشدة قائلًا في محاولت للهروب من هذه الفكرة:
- بصي.. معرفش يبقا ليه بس أنا ممكن أحب اي واحدة في الدنيا ما عدا دي
تعجبت في استغراب:
- مالها سيرين يعني؟ حلوة وجامدة كده وبنت شكلها بمية راجل وتقدر تثق فيها.. حاسة أصلاً انكو فولة واتقسمت نصين..
تخدث بآلم وانفعال ظاهرين عليه ثم سكت من تلقاء نفسه:
- أنا شبه دي.. استحالة! وبعدين لو آخر واحدة في الدنيا لأ! مش هحبها ولا هاكمل حياتي معاها، كفاية ابوها الوسخ اللي اغـ..
سألته مرة أخرى:
- ماله باباها؟! راجل كويس ومحترم و..
قاطعها بغضب ممسكا اياها من ذراعيها:
- لو سمعتك بتقولي عليه كده تاني لا أنتي اختي ولا اعرفك.. سامعة؟
تحدثت بكلماتها التي حاولت أن تستفزه بها ويخبرها كل شيء وهي تجيبه:
- مع اني مشوفتش منه حاجة وحشة وشايفة كرهك ليه مالوش مبرر بس مش هاجيب سيرته قدامك تاني..
تكلم بنبرة غاضبة وهو ينهيها:
- أنا شوفت.. ولا تجيبي سيرته من قدامي ولا من ورايا.. ده واحد قذز وهبهدله لغاية ما يموت في ايدي!
تصنعت البراءة وسألته بعفوية لتجده يوجه لها ظهره:
- ليه هو عملك ايه؟
نهاها بتهربه منها وهو يقول:
- اطلعي نامي يا نور يالا تصبحي على خير.. أنا كمان هنام
همست هي لنفسها بعد أن غادرها:
- يعني بتحبها وهتموت عليها ومجنناك وماما مستغفلاك كل ده.. يا خوفي لما تعرف الحقيقة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صعد لغرفته ثم دخلها وهو يشعر بتعب شديد، كل ما حدث اليوم من اعترافات أمام نفسه واخته وما ادركه لتوه يزيد ذلك الثقل فوق كاهليه..
لمح جسدها الصغير راقداً أسفل الغطاء، بالرغم من غضبه الشديد تجاه نفسه وتصنعه كراهيتها ولكنه أقترب ليتطلع لوجهها النائم في سكون وهمس بصوته العميق وبتلقائية جلس جانبها وهو يعرف أنها لن تستيقظ في سهولة:
- يمكن لو مكنتيش بنته كان ينفع.. إنما دلوقتي خلاص!
تنهد وهو يرفع تلك الخصلات التي تمردت على جبينها وهمس بوهن وأخذ يطالع برائتها المتناهية عند النوم:
- غصب عني لازم تكرهيني زي ما بكرهك، وغصب عنك لازم تستحملي نتيجة اللي أبوكي عمله في أمي زمان!
زفر متآلماً ثم أقترب من وجهها ليطالع برائتها التي لا تظهر على وجهها سوى عندما تنام فقط وتكلم بحرقة بصوت خافت:
- لازم تستحملي ولا هتموتي تحت ايدي.. ما انتي لازم تستحملي وتجمدي للآخر وإلا واحد فينا هيموت
ظل نظره مسلطا على شفتاها حتى خارت قواه ولم يستطع المقاومة أكثر فدنا وقبل شفتاها لينهل منها خلسة وأوصد عينه في وله ثم تزايدت خفقات قلبه في اضطراب شديد وابتعد ناظرًا لها وهو لا يزال يشعر بذلك الشغف بداخله يدفعه لتقبيلها مرة أخرى ولكنه بالكاد نهض ومنع نفسه ليتمتم:
- احلى من الحلم بكتير.. امال لو كنتي صاحية كان هيحصلي ايه؟"
همس متوعدًا بنفسه:
- أنا مش هاسيبك.. راجعلك يا حيلة ابوكي.. أنا هاعرف اخلص نفسي منك ازاي..
سيطر عليه الغضب ثم توجه مغادراً الغرفة صافعاً الباب خلفه بعنف فاستيقظت هي لتتعجب من ذلك الصوت وتسللت لأنفاسها رائحة عطره ثم همست في نعاس:
- شكله كان هنا..
أحكمت الغطاء حولها جيدا ومن ثم ذهبت في ثبات تام ولم يُساعدها ثقل نومها المعتاد في الشعور بما حدث منذ ثوانٍ..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
هتف "معتز" في لهفة بهاتفه:
- ايه يا نور فيه ايه الساعة اتنين الصبح، انتي كويسة؟ جرالك حاجة؟
اجابته في هدوء:
- كويسة والله بـ..
قاطعها قبل أن يسمح لها بالحديث:
- طنط وجاسر كويسين؟
حاولت ان تجيبه مرة اخرى كي تُعلمه عن سبب حديثها:
- ايوة كله تمام بس كـ..
قاطعها مرة أخرى:
- طب مصحياني ليه في انصاص الليالي؟
تحدثت مجيبة في حدة:
- ما أنت لو تديني فرصة كنت عرفت.. عاوزة أشوفك بكرة وأتكلم معاك في حاجة ضروري ومفيش غيرك هيساعدني!
زفر في راحة بعد أن اطمئن ليحدثها قائلًا:
- طيب عدي عليا بكرة أنا وجاسر في الـ..
قاطعته هي مُسرعة:
- لا لا لأ!! جاسر لازم ميكونش موجود وكمان مش عاوزاه يعرف اننا بنتقابل.. الموضوع يخصه!
تعجب وشعر بالقلق وقال:
- ماشي اتفقنا.. هكلمك بكرة أول ما افضى
أخبرته بتحذير وهي تشدد على نطق الكلمات:
- ولا ماما ولا مامتك ولا رزان وحتى جاسر نفسه يا معتز، اوعى حد يعرف حاجة!
همهم في موافقة ثم همس في نعاس:
- متقلقيش بقا وسيبيني أنام!
تحدثت بتهكم وأنهت المكالمة قبل أن تدع له الفرصة لقول أي شيء آخر:
- نام.. نام.. نامت عليك حيطة!
تمتم متحدثاً بوعيد :
- ماشي يا نور.. هعلمك الأدب حاضر، أفضالك بس.. بتعملي فيا كل ده عشان بحبك، ماشي أنا وراكي والزمن طويل
تذكر فيروزيتاها وشرد بها بإبتسامة بلهاء حتى استطاع النوم أن يجافي عينيه مرة أخرى!
#يُتبع . . .