الفصل العاشر - جسارة الإنتقام
التفت رامقًا اياها بنظرة جانبية رافعًا احدى حاجباه مما اكسب ملامحه شراسة ثم هدر بصوته العميق:
- تسوقي.. تسوقي ايه؟ انجري قدامي على العربية بدل ما ابهدلـ..
قاطعته بصرامة وألقت بكلماتها الغاضبة عليه بمنتهى الجرأة ولم تعطي له الفرصة لإكمال حديثه:
- بص بقا أنا قرفت منك ومن أسلوب تهديدك ده اللي ولا بياكل معايا! مش سيرين اللي تتهدد! وبعدين أنت اللي جي برجليك لغاية عندي ولسه تلت أيام والاسبوع يخلص.. مش هتفرض عليا حاجة، سيبني اعمل اللي عاوزاه واعقل كده وبطل شغل الأطفال ده، ولو على الصور الزفت اللي عاوزني اخدها معاك ابقا اتنيل بليل وتعالى ونبقا نتزفت نتصور..
عاوز فستان و make up وشغل النسوان الهايفة ده ماشي، قولتلك هاتصور عشان اخلص من زنك.. لكن أكتر من كده وملكش حاجة عندي.. وبعدين فارق معاك اوي حد يشوفني ماشية مع رجالة ولا لأ ولسه محدش يعرف اننا متجوزين، انت اهبل يا ابني؟ بس برضو ماشي عاوز تيجي اتفضل وانا معنديش حاجة اخبيها؛ مش سيرين منصور اللي تستخبى ولا تعمل حاجة في الضلمة..
دلفت سيارتها وهي تتنهد في راحة أن انتهت من احدى المعارك الكلامية معه ثم تمتمت وأشعلت محرك السيارة:
- آف.. يا ساتر! مش معقول البني آدم ده.. طلعلي منين بس!
كادت أن تتحرك بالسيارة لتجده يُمسك بحاسوبه دالفا بجانبها على المقعد المقابل لمقعد السائق تحت أنظارها المندهشة وهو يتحدث عبر هاتفه:
- وحياة أمي لأطربقها فوق دماغهم وأقفلهم الجرنال اللي فرحانينلي بيه واشردهم.. المحاجر هتشتغل النهاردة.. خليك بس وراهم.. المحامي قالك كده؟.. طيب ماشي.. لا مش جاي.. هابقا اكلمك تاني.. سلام
رمقها بفيروزيتيه الباردتين ثم حدثها في تهكم قائلًا:
- سوقي يا حيلة ابوكي..
نظرت له بجرأة وهي تحاول أن تتحكم في غضبها فلجأت لبعض الأغاني ثم أنطلقت لتلحق بـ "مراد" حتى لا تتأخر أكثر من هذا..
دنت على مقربة منه عندما وجدته لا يزال مستيقظًا ثم تحدثت بإبتسامة سائلة:
- لسه صاحي لغاية دلوقتي؟
تنهد وأومأ لها ثم اجابها بإبتسامة:
- مش جايلي نوم.. مبسوط.. سعيد اوي والدنيا مش سايعاني
اتسعت ابتسامتها له لتتحول لتلك الإبتسامة الساحرة بينما اقترحت عليه:
- طب ما تيجي نتمشى شوية، الجو حلو اوي.. ايه رأيك؟
نهض معها ليتمشيا سويا بجانب البحر ليلا وتعجبت من جديد:
- احكيلي بقا.. ايه سر السعادة دي كلها؟
ابتسم لها في سعادة ليتنهد ثم اجابها:
- بصراحة كنت ناوي اقولك أنتي وشرف الدين بكرة بس أنتي سبقتي.. سلوى أخيراً حامل.. والحمل احتمال يثبت المرادي والدكتور طمنا..
تآكلها الغضب وهي لا تدري ماذا تفعل! لتنظر حولهما وادركت أنهما ابتعدا بمسافة لن يلاحظ احد هيئتهما خلالها فأخبرته بإقتضاب:
- مبروك
ظهرت ملامحها غير السعيدة بهذا الخبر وغيرت اتجاهها نحو احدى الشاليهات المظلمة التي بدا وكأنها فارغة ومهجورة تماما فتبعها بتلقائية وعفوية ثم رد مُعقبًا:
- الله يبارك فيكي يا هويدا.. أخيراً هجبلكم ابن عم صغير عشان يتربى مع اخواته جاسر ونور.. كان نفسي اوي ولادنا يتربوا مع بعض.. بس بردو حكمة ربنا، عشان جاسر ونور ياخدوا بالهم منه ويبقوا سنده، أو سندها..
ابتسم لها ثم تفحصها بعناية ولاحظ اختلاف ملامحها فسألها متعجبًا في عفوية:
- مالك؟ شكلك مضايقة، هو شرف الدين مزعلك في حاجة؟
أكملا سيرهما سويا ولم يلحظ إلي أين هما متجهان لتجيبه هي بملامح اتضح بها الحزن:
- مش شرف الدين اللي مزعلني!
تسائل يتفحصها بقلق خوفا من أي شيء قد يحدث لها فهي بالنهاية زوجة أخيه وبمثابة أخته:
- امال بس فيه ايه؟ جاسر ونور كويسين؟
نظرت له لتجيبه بنبرة غاضبة وصوت يدل على حرقتها التي تكنها له من زمن:
- كلهم كويسين.. أنا اللي مش كويسة.. بتسأل على ايه اللي مضايقني؟ ماشي هقولك.. أنت يا هشام! أنت اللي مضايقني.. ومن زمان أوي
توقف خلفه الجدار لينظر لها بدهشة وتعجب عاقداً حاجباه مما استمع له:
- أنا آسف يا هويدا بس هو أنا ضايقتك في ايه؟ أنا عملت حاجة مخدتش بالي منها؟
انفجرت بنبرة حادة بالإجابة:
- عملت.. وعملت كتير اوي.. عمرك ما حسيت بيا وأنا قدام عنيك، استنيت كتير اوي، قولت يمكن لما نخلص جامعة، طب لما الشركة تقف على رجليها، طب هيغير من شرف في يوم ويقربلي، طب بكرة يبعد عن سلوى، اديتك وقت كبير ومبررات كتير وأنت أنت مش حاسس بيا"
حدق بها بدهشة ثم همس مصدومًا:
- أنتي ايه اللي بتقوليه؟ تقصدي ايـ..
قاطعته هامسة بوهن وهي تقترب منه:
- أنا بحبك يا هشام، من زمان اوي، عمري ما حبيت شرف ولا حسيت معاه زي ما بحس معاك.. أنا بحبك أنت
فجأة اقتربت تجاهه اكثر ثم قبلته رغما عنه وهو مندهشا تماما مما تفعله والصدمة كست جوارحه بالكامل، ولم يخرجه من تيبس جسده غير شفتيها المتمردتان التي تداعب شفتاه فدفعها في قوة وصاح بها:
- أنتي اتجننتي.. ايه اللي بتقوليه ده؟! أنتي أختي ومرات أخويا!! انتـ..
قاطعته مرة أخرى هامسة في تلهف:
- عمرك ما كنت أخويا يا هشام، طول عمري شايفاك راجل، راجلي أنا، أنا بحبك، أنا أولى بيك بعد كل ده.. سيب سلوى، ابعد عنها وأنا هطلق في ثواني، هبقا ليك أنت وبس، صابر عليها كل السنين ديه ليه.. مش شايفني جنبك، مش حاسس بحبي ليك كل ده؟!
عبثت بيدها على عنقه وصدره لتشعر بغضب ملامحه مُمسكا بيدها ودفعها للخلف زاجرًا اياها في حدة:
- أعقلي يا هويدا! أنسي كل اللي حصل ده وبطلي جنان.. أنا هنسى الكلام ده ولا كأنه حصل.. لأن شرف الدين أخويا، وأنا بحب سلوى وعمري ما هبعد عنها، وهعتبر إن كلام الليل مدهون بزبدة وكأنه كابوس وعدى.. تصبحي على خير
توجه وتركها لتبكي بحرقة خلفه مصدوما بما فعلته منذ ثوانٍ لتفكر بنفسها ودموعها تنهمر في حزن وغضب بآن واحد:
- أعقل وأنسى؟ أنسى ايه ولا ايه؟ ليه مش حاسس بيا؟ أعملك ايه أكتر من كده.. جاي تقولي بتحبها يا هشام!! ماشي.. ابقى وريني بقا هتعيش انت والسنيورة وابنكم ازاي!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صاحت "هناء" بها غاضبة:
- أنتي اتجننتي؟ ازاي تعملي كده؟ ممكن جوزك يعرف.. ولادك ممكن تعرف! انتـ..
قاطعتها باكية في حرقة:
- تعبت يا هناء، مقدرتش أمسك نفسي، أنا لسه بحبه، بحبه زي زمان وأكتر هو ليه مش قادر يحس بيا
هزت رأسها في إنكار لتزجرها وقد بائت باليأس منها:
- لأ بصي أنا بجد تعبت منك، من خمستاشر سنة وأنتي عايشة في وهمك.. كدبتي على نفسك كدبة ولسه متمادية فيها، فوقي بقا فوقي، لو شرف الدين عرف تفتكري هيعمل فيكي ايه؟ هو هشام نفسه تفتكري مش هيقول لشرف؟ أنتي ازاي تخاطري بحياتك وولادك وجوزك اللي بيحبك عشان شوية مشاعر كدابة و..
قاطعتها بحقد كسا ملامحها لتتحدث بنبرة غريبة:
- ارحميني بقا.. مشاعري لهشام عمرها ما كانت كدابة.. جاية تلوميني على حبي ليه؟ خايفة على شرف اللي عمره ما حس بيا؟! متخافيش يا هناء يا مثالية يا زوجة يا مُضحية.. متقلقيش.. شرف مش هيعرف حاجة، والكسرة اللي كسرهالي هشام هكسرهاله، وهردله القلم بعشرة، ما دام هو بيحبها أوي ومتمسك بيها..
أنا خلاص مش هستنى حاجة من حد، هاخد بالي كويس اوي من نفسي ومن بيتي وولادي وجوزي زي ما أنتي عاوزه، هبعد هشام عن حياتنا كلنا وهكسره هو ومراته وابنه اللي لسه مشرفش..
شعرت بالريبة من تلك الكلمات التي استمعت لها لتسألها متفحصة ذلك اللمعان بعيناها:
- أنتي هتعملي ايه؟!
همست مجيبة بإنتصار والشر ينهمر من عينيها:
- أبداً.. هندمه على الفرصة اللي كانت في ايديه وهضيعها.. هندمه انه محبنيش.. يبقا يخلي سلوى ولا حتى شرف ينفعوه!! أنا هويدا الأنصاري اللي اترمى تحت رجليا كتير وعمري ما بصتلهم، هعرفه كويس اوي مقامه ايه.. هخليه تحت رجلي ومش دلوقتي وبس.. انتقامي منه هيدوم لسنين، زي السنين اللي ضيعتها في حبي ليه!
ازدردت في خوف من ملامحها التي بعثت الريبة في قلبها، بل وفزعت مما قد تفعله اختها تجاه "هشام" وقد يُفسد هذا حياتها أو حياة زوجها بأكملها..
اجاب هاتفه الذي لم يكف عن الرنين في برود:
- ايه يا نور فيه ايه.. خلاص أنا جاي .. مسافة السكة.. سلام!
رمقها بنظرة جانبية بينما تحدث بلهجة آمرة في جمود:
- اطلعي على بيتنا، بيت العيلة مش شقتي
صاحت به بإنفعال بينما أطلقت مكابح السيارة بعنف:
- بيتنا ده ايه أنا مروحة! وبعدين فاكرني الشوفير اللي جابتهولك هويدا هانم!
هدر صوته بها زاجرًا في وقاحة:
- لمي نفسك يا حيوانة ونفذي اللي بقولك عليه! مش اتزفتنا خلصنا اليوم، برم برم لما زهقت منك انتي والألاضيش بتوعك
اتسعت عينيها في تعجب لتزجره بخشونة هي الأخرى:
- ما تلم لسانك الزبالة ده، وبعدين محدش ضربك على ايدك
صرخ بها جاذباً شعرها بعنف وفيروزيتاه بدت مرعبة:
- بقولك ايه، وحشتك علقة تانية ولا هتتلمي في ليلتك دي
لم تُظهر تأثرها ثم حدقت بعسليتاها الجريئتان بفيروزيتيه في جسارة لتهمس له في استفزاز:
- ماشي يا جاسر بيه.. هنروح بيتك، بس اوعى تفتكرني خايفة لأ!! أصلي عجباني اللعبة أوي وهكمل للآخر.. يا قاتل يا مقتول!
غيرت اتجاه الطريق وشرعت في القيادة ببرود وهي تقسم أنها تكاد تسمع غليان دمائه! فما فعلته به منذ الصباح كان كثيرا عليه.. مزاحها مع اصدقائها ومعاملته وكأنه غير متواجد وكأنه قطعة جماد.. وكلما انشغل باحدى مكالماته تركته وذهبت وكأنه شفاف مثل الهواء..
ابتسمت فجأة وهي تُفكر أنه لطالما كان أسفل عينيها وهو يتلقى تلك الصفعات والعراقيل في عمله سيكون افضل ان تستمع إلي نتائج خطتها أولًا بأول وخطوة بخطوة..
تسربت انغام أغنية تُحبها كثيرا من احدى الإذاعات بالسيارة وكأنها قد صُنعت خصيصاً له فرفعت صوتها ثم أخذت تغني بها مع المُغنية
رمقها بنظرة مميتة وهي تُغني تلك الأغنية، كلماتها موجهه له في الصميم، ماذا تعني؟ هل ظهر عليه كل شيء؟ لربما كل ذلك عندما أعتلاها صباحا ليتمتم في غضب داخل عقله:
- غبي! غبي ومتخلف ومش هاعملها تاني.. مش فاهمه انها زيها زي أي لعبة، أنا شوية وأنام معاكي زي الكلبة وهادوسك برجلي بعد أما أزهق منك.. بكرة تشوفي بنفسك يا بنت الكلب!
لازالت تبتسم ابتسامة استفزازية وكأنها أنتصرت اليوم عليه بكل شيء ليزيد من توعده إليها داخل نفسه.. فهي لا ترى أن اليوم لم ينته بعد..
صرخت "هويدا" بمجرد دخولهما في غضب جم:
- طبعاً.. أسأل معتز عليك يقولي مع الهانم!! خلاص هي دي آخرتها؟ بقيت بتتسرمح مع الأشكال دي..
نظرت إلي "سيرين" بفيروزيتاها التي انهمرا منها الكراهية الخالصة فبادلاتها نظرة كبرياء ثم أشاحت بنظرها بعيدا بينما تحدث هو في وقار محاولًا استرضاءها:
- ماما اهدي.. أنا كنت بخلص حاجات الشغل أول بأول، ومينفعش بردو مرات جاسر شرف الدين حد يشوفها مع أصحابها فكنت معاهم.. لكن طول النهار متابع معتز و..
قاطعته بمزيد من الصراخ ونبرة متهكمة رافضة لتلك الفتاة التي لا تكره اكثر منها ولا تقبلها كزوجة ابنها:
- لا يا حنين!! ده بدل ما تربيها؟ رايح تساعدها تتصرمح مع الرجالة؟ جرالك ايه؟ هتسيبها تمسخر بسمعتك الأرض لأ وتعطل أشغالنا عشان خاطرها.. وكمان سايبها براحتها وهي ولا دارية باللي بيجرالنا والمصايب فوق نفوخنا، صحيح ما أنت رايح تتجوز واحدة مش محترمة وتربيـ..
إلي هنا ولم تستطع "سيرين" السكوت عندما اهانتها بمثل هذه الطريقة وزجرتها في تعجب:
- هي مين دي اللي مش محترمة.. ما تحترمي نفسك وتتلمي جتـ..
لن يقبل أبدًا أن تتحدث أي إمرأة إلي والدته هكذا فأوقفتها صفعة قوية من "جاسر" بيده الضخمة بالنسبة لها ولجسدها الضئيل حتى تهاوت وقد رآت "نور" ما حدث فور سماعها صوت والدتها الصارخ لتتدخلبسرعة هاتفة:
- جرا ايه يا جاسر ايه اللي أنت بتعمله ده مينفعش!
حالت بينه وبين "سيرين" التي بالكاد حافظت على توازنها ألا تسقط ثم دفعت "سيرين" جرأتها التطلع له بأعين متمردة لتتحدث في تهكم وأنفاس متسارعة:
- لا سيبيه، اللي بيعمله ينفع اوي، أخوكي الراجل مبقاش وراه حاجة غير يستقوى على السـتـ..
أوقفها عن استمرارها بكلماتها ليصرخ بغضب وتحول بياض عيناه للإحمرار الشديد وارتجفت أطرافه غضبا:
- نور خديها من وشي الساعادي، لبسيها عشان فيه ناس هتيجي تصورنا عشان خبر جوازي المهبب، لحسن ورحمة أبويا اللي لسه مارتحش في تربته أكون مموتها بإيدي ولا هيهمني حد ولا حاجة
علمت "نور" أن أخيها الآن قد يفعل حقا ما لا تُحمد عقباه بتلك الملامح التي لا تراها به إلا نادرًا، فأمسكتها ناظرة لها بتحذير وتوسل لتغادرا في صمت..
صاحت له بحزن زائف واستدعت الدموع بمقلتيها:
- شوفت.. بنت هشام بتقولي اني مش محترمة.. أمك مش محترمة يا جاسر.. خلاص كده، بدل ما أفرح بيك وبخلفتك في آخر أيامي تجيبلي اللي تهزقني وسط بيتي؟! متشكرة يا ابني.. متشكرة اوي..
حاول التقاط أنفاسه الغاضبة وتهدئة نفسه ساحقا أسنانه ببعضهم البعض ثم حمحم ليحدثها في وقار:
- يا أمي أنا مسكتها بهدلتها قدامك.. ولما بس أتصور معاها عشان خبر جوازنا ينزل يلهي الناس شوية عن مشاكل الشغل همسخر بكرامتها الأرض
بالكاد تحدث ناطقًا بالكلمات وهو لا يزال يحاول السيطرة على غضبه مما رآه منذ قليل ولكن هذا لم يُكفيها لتنفجر ببكاء زائف:
- هو القلم ده اللي هيربيها.. نعرف احنا مين هي أصلاً؟ ولا تربيتها شكلها ايه؟.. نسيت ابوها عمل فيا ايه نسيت انه اغتصبني وبهدلني وأنا أتحملت، أتحملت عشانكم، عشانك انت واختك، لو كان شرف عرف لا كان هيبقا فيه شركة ولا حياة لينا..
ليه يا ابني، ليه توافق تتجوزها، أكيد انسانة مش شريفة، ديه تربية هشام.. طلقها يا حبيبي وحاول تحل كل حاجة بالمحامي
احتضنها بصدره مصدقًا كلماتها الخادعة وصدق أنها فقط تشعر بالحزن من انتهاكها بالسابق بينما هي تبكي بحرقة على ضياع "هشام" من يديها وكل ما ارادته هو تطليق ابنته بعد أيام قليلة من زواج ابنها منها حتى تكون فضيحة أمام الجميع!
أخبرها بلين بعد أن هدأت قليلا ليمسح دموعها وينظر لها بحب:
- مبقاش راجل إن مجبتلكيش حقك.. بس افهميني يا أمي..لازم جوازنا قصاد الناس يبان طبيعي.. عشان في يوم لو جينا اطلقنا بعد وصية بابا اللي سايبها مع المحامي كل تعبنا ده ميضعش، لازم في الأول كده..
وبعدين يا ست الكل أنا مطلع عينها هي واللي خلفوها، مجيتش جنبها ولا لمستها ومخليها زي البيت الوقف، ومرمطت بكرامتها الأرض وجبتلك حقك في ساعتها قدامك، اصبري بس عليا وكل اللي انتي عاوزاه هيكون..
احنا حتى اهو لسه مكملناش اسبوعين جواز وموت بابا والمشاكل اللي في الشركة كله فوق دماغي.. أخلص بس حاجة حاجة وإن ماجبتلكيش حقك ونسفتهم من على وش الأرض مبقاش جاسر ابنك حبيبك..
ابتسم لها ابتسامة انكسار ثم قبل يدها ورأسها وهمس لها متوسلًا:
- اوعي أشوف دموعك تاني بسبب الوسخ ده هو أو بنته
تمتمت على مضض وهي تشرد في تلك الخطة التي ستجعل ابنته تتنازل عن كل شيء من أجلها وأجل ابنها او تطليقها.. أيهما اقرب:
- ماشي يا ابني.. ماشي
تحدثت لها "نور" متأسفة ونبرتها نادمة على ما حدث لها:
- أنا آسفة يا سيرين على اللي حصل لو بس كنت دخلت بدري كنت منعته عنك
اشاحت برأسها دون اكتراث:
- ولا متمنعيهوش.. عادي بقا!"
تعجبت مما استمعت له وأخذت تتفحصها بذلك اللون الأزرق الذي بدأت حقاً في أن تكرهه لتسألها:
- هو ايه اللي عادي؟ هو جاسر مد ايده عليكي قبل كده؟!
لم تجبها ثم واجهتها بظهرها فتبعتها الأخرى وسألتها مجددًا:
- ردي عليا يا سيرين! جاسر ضربك قبل كده؟!
تأففت واجابت دون اكتراث يُذكر:
- صدقيني مش فارق ضرب ولا مضربش.. مش فارق متجوزني غصب ولا عشان حقه ميضعش.. أنا كل اللي فارق معايا انه دايماً يقولي يا حيلة ابوكي وبنت هشام وزي ما يكون عاوز ينتقـ..
سكتت من تلقاء نفسها بعدما شعرت أنها تفوهت بالكثير فواجهتها "نور" متائلة بإبتسامة مقتضبة:
- أنتي لسه مش واثقة فيا مش كده؟!
لم تجبها مرة ثانية فتابعت:
- عندك حق.. أخت جاسر وبنت هويدا هانم هتبقا ايه غير واحدة شبههم! بس صدقيني يا سيرين طول ما انتي في العيلة دي هتلاقيني في ضهرك وسنداكي.. وبكرة الأيام تثبتلك، وحتى لو مش مقتنعة بكلامي أنتي كده كده وصية بابا ليا قبل ما يموت ودايما هحافظ عليكي عشان خاطره هو وبس..
أخبرتها لتتنهد "سيرين" في حيرة فحتى الآن تشعر نحو "نور" شعور جيد ولكنها لن تستطع أن تثق بها بسرعة..
تركتها نور وأحضرت احدى الفساتين وبعض الإكسسوارات وحذاء نسائي يلائم الفستان لتبتسم لها ثم حدثتها بقليل من المرح:
- ماما غيرانة منك عشان مش لاقية جاسر جنبها.. أصل هما الاتنين روحهم في بعض، وكمان عاوزة تولعي جاسر جيبي سيرة ماما قدامه بحاجة مش كويسة هتلاقيه بقا عامل زي الفك المفترس..
ابتسمت لها لتتفرس "سيرين" ملامحها فتابعت حديثها الذي تحاول خلاله انتشالها مما حدث منذ قليل:
- بس صراحة الواد جاسر مع انه حلو والبنات بتجري وراه، إنما بردو هو وقع واقف.. شكلك هتجننيه
اندفعت بحرقة متوعدة:
- هطلع عينه!!
ضحكت الأخرى لها ثم بدأ هاتف "نور" في الرنين لتجيب:
- ازيك يا طنط.. لا ولا يهمك.. ماما من الصبح مش ساكتة وهدت الدنيا.. ياريت لحسن محدش عارف يعمل معاها حاجة.. خلاص هستناكي..باي..
انهت المكالمة بينما توجهت مرة أخرى نحو "سيرين" بالحديث:
- يالا بقا خشي كده خدي شاور حلو وألبسي ده عشان الناس اللي جاية تصوركوا
تأتأت في رفض ثم قالت في صلابة:
- لا مش هالبس يا نور، ولو سمحتي أنا ما بحبـ..
قاطعتها بعينتان لن تقبلا الرفض وابتسامة عذبة:
- ده آخر تصميم ليا.. ويارب يعجبك
شعرت "سيرين" بالحرج فتلك الفتاة ليس لها ذنب بكل ما يحدث فتنهدت ثم تمتمت في امتنان:
- هيعجبني أكيد.. شكراً يا نور..
أخبرتها بإبتسامة مجددا في طيبة:
- متشكرنيش ويالا علشان نلحق نخلص قبل ما الناس تيجي..
ذهبت للحمام لتستحم بينما خارت ابتسامة "نور" لتتمتم متذكرة حديث "سيرين" لها:
- يا ترى ايه اللي بينه وبين انكل هشام عشان يعمل كل ده!!
وقف بشموخه وغطرسته منتظرا اياها مرتديا واحدة من بزاته الفخمة ويدخن احدى سجائره وهو يفكر أن ربما نشر صوره قد تلفت الأنظار عن المشكلات بعمله بالرغم من أنه يعرف أنها مجرد حيلة ولكن قد تجذب الأنظار بالنهاية..
ظل شاردا في العديد من الحلول بخصوص العمل وتلك القضايا ولم يخرجه من شروده غير صوت كعب حذائها على الدرج لينظر لها بوله تام!
ذلك الفستان الأحمر الذي لائم قوامها الصغير وشعرها الفحمي منسدلاً على ظهرها يعكس أنوثتها وعيناها العسليتان برزتا أكثر بسبب مساحيق التجميل البسيطة التي كادت أن تكون منعدمة ليجعل كل هذا مظهرها راقي للغاية، وأما شفتيها الورديتان بعثا تلك الرغبة أسفل خصره مجدداً خاصة عندما رآها تعض على السفلى منها بتلك الطريقة..
استعاد بروده وتصرفاته اللاذعة نحوها ليحدثها زاجرًا:
- سنة عشان تخلصي!
حدثته بغضب وهي لم تنس بعد صفعته التي صفعها بها منذ قليل:
- احمد ربنا إني رضيت أصلاً.. اتلم في ليلتك اللي مش فايته على خير وخليني اتنيل اروح!
رمقها بإحتقار وكاد أن يتجادلا مجددا ولكن قاطعهما المصور في وقار:
- تحب حضرتك هنا ولا في الجنينة؟
لاحظت أن هذا المصور اختلف عن ذلك الرجل الذي آتى أول مرة بمنزله ليجيبه بإقتضاب وغطرسة:
- أظن الجنينة أحسن!
أخبره ثم تركها خلفه لتتبعه على مضض ومن ثم تبعهما المصور لإلتقاط الصور..
صاحت "هناء" ما إن وقعت عيناها على "هويدا" عندما دخلت منزل اختها للتو:
- مالك يا هويدا فيه ايه، بتخانقي دبان وشك ليه؟!
اجابتها سائله بتهكم:
- بنت أبوها اديتك الإخبارية خلاص؟
زفرت في ضيق ثم هتفت بها:
- الله! هو يعني عشان نور قالتلي إنك متضايقة وجيتلك يبقا ده جزاتها! ما هي بنتك هي كمان وبتخاف عليكي..
لوت شفتاها في آسى تصنعته ببراعة:
- بلا بنتي بلا ابني.. أنا خلاص مبقاش ليا حكم عليهم!
همهمت في تفهم لتسألها:
- ما دام قولتي الكلمتين دول يبقا جاسر مزعلك.. عملك ايه؟
التفتت لها بزرقاويتان متعجبتان واجابتها في انفعال:
- انتي مش شايفة أخبانا في الجرايد عاملة ازاي، والبيه سايبني ورايح يجري ورا السنيورة مراته وقال ايه خارج معاها هي وأصحابها! ازعل ولا مزعلش؟!
تنهدت ثم حاولت أن تلفت نظرها في هدوء:
- معلش يعني واحد لسه متجوز جديد وابوه مات تاني يوم جوازه، أكيد هيبقا عاوز يعوضها ويكون جنبها
نظرت لها في تهكم والحقد يتآكلها لتتكلم في سخرية واستياء:
- لا.. مش ناقص تقوليلي كمان بالمرة يسافروا ويقضوا honeymoon
اتسعت عيناها وهي لا تصدق اختها وما استمعته منها وانبتها:
- طب وفيها ايه يا هويدا عريس وعروسته لما يقضوا شهر عسل.. مش كفاية اتجوزا كده ولا فرح ولا حاجة، سُكيتي خالص!
نهضت لتصرخ بها غاضبة:
- طلعت روحها! دي بنت هشام منصور، فاهمه يعني ايه؟!
آتت "نور" على صوتها الغاضب ولكنها توقفت ما إن بدأت خالتها في الكلام:
- تاني هشام منصور! يا هويدا احنا كبرنا وبقينا النهاردة موجودين يا عالم بكرة نبقى فين، انسي بقا، انسي وسيبي ابنك يعيش حياته، مالها البنت.. البنت كويسة وحلوة وصغيرة وأبوها انسان محترم وكويس وبنت ناس كويسين وبعـ..
قاطعتها في غضب متصاعد ادى للهاث:
- جاسر استحالة يكمل حياته معاها! مش هتيجي سلوى تخطف مني هشام وبنتها تخطف مني جاسر..
حقًا لا تصدق أنها كذبت على نفسها إلي أن وصلت لتلك الحالة لتصيح بها:
- أولاً سلوى مخطفتهوش منك وأنا وأنتي عارفين كويس انه عمره ما حبك.. ثانياً ليه بتقولي جاسر استحالة يكمل حياته معاها؟ مش يمكن يحبها؟ مش يمكن يـ..
قاطعتها مجددا بنظرة انتصار وتشفي وهدأت نبرتها:
- عشان جاسر يعرف اللي قولتهوله هو وبس.. جاسر يعرف إن هشام أغتصبني..
شهقت "هناء" في صدمة بينما تيبس جسد "نور" من هول ما سمعته لتهتف بها:
- يا نهار أسود يا هويدا ايه اللي بتقوليه ده؟ بتتبلي على الراجل، حرام عليكي، انتي عارفة جاسر ممكن يعمل فيه ايه؟ بقا هشام منصور اللي عرضتي نفسك عليه ورفضك هيروح يغتصبك!! انتي مش بني آدمه بجد.. أنا استحالة أعرفك تاني.. أنتي شيطانة.. رايحة تسممي عقل ابنك عشان يبهدل إنسان محترم والله أعلم بيعامل بنته ازاي! أنا مشفتش أم كده بجد..
عادت لتتابع حديثها من جديد:
- هو جاسر اللي هيجبلي حقي من واحـ..
صاحت بها منفعلة لتقاطعها مرة أخرى:
- حق!! حق إيه.. حق بالإفترا والكذب.. أنتي فعلاً من اللي عملتيه النهاردة ده لا أنتي أختي ولا أعرفها.. ولو بموت يا هويدا مش عاوزة أشوف وشك تاني!
تركتها لتغادر بينما اختبئت "نور" جيدا حتى لا يراها أحد منهما وتمتمت بينها وبين نفسها:
- اتاري جاسر شايل ومعبي وابن أمه! اتاريها بتكدب عليه كل ده؛ دلوقتي أنا فهمت كل حاجة بس هفهمه ازاي.. ده مبيطقش النسمة عليها..