-->

الفصل الثاني والخمسون - شهاب قاتم

 


- الفصل الثاني والخمسون - 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

~ لا حد للظلام الذي أغوص فيه ولا حصر للوجوه التي تتكون من خلال ذراته، وجوه خيل لي أنني نسيتها وجروح اعتقدت أنها اندملت، ذلك الطفل المرتجف مازال موجودا، لا شىء يموت، كل شىء محفوظ فوق أرفف الظلمة..

(محمد المنسي قنديل)

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

العاشر من فبراير عام 2020..

هل شردت يومًا ما بواحدًا من تلك الأسئلة الوجودية أو الأسئلة الغريبة التي لا نهاية ولا إجابة معينة لها؟ هل سألت نفسك يومًا لماذا خلقنا الله؟ أو مثلًا؛ من آتى بالبداية البيضة أم الدجاجة؟ هل خطر على بالك يومًا ما الذي قد توصلك إليه المشاعر؟! هل تخيلت للحظة واحدة ما الذي قد يدفعك المرض النفسي لفعله؟! 

أحيانًا أنا نفسي أتسائل بكل تلك الأسئلة التي ليست هناك إجابات محددة ومباشرة لها، الأسئلة تتطاير بعقلي خلال جلسة طويلة أمام زرقة البحر وأمواجه المتلاطمة.. أو بطريق سفر طويل استمر لساعات.. وأحيانًا أخرى أسفل مياة ساخنة في منتصف ليلة شتوية قارصة البرودة.. 

اهتديت لبعضًا من الإجابات بقصة حياة النازي هتلر، يومًا ما حدث مدير أعماله قائلًا: 

- عقدت - حينئذ - العزم على ألا أبكي مرة أخرى عندما ينهال علي والدي بالسوط.. وبعد ذلك بأيام سنحت لي الفرصة كي أضع إرادتي موضع الاختبار.. أما والدتي فقد وقفت في رعب تحتمي وراء الباب.. أما أنا فأخذت أحصي في صمت عدد الضربات التي كانت تنهال على مؤخرتي.

مرعب أليس كذلك؟! مجرد التخيل أن هذا الطفل الذي يتعرض لعنف أُسري وعذاب على يد والده قتل أربعين مليون شخص!! هل يُمكن أن توصل إضطرابات نفسية طفل عشق والدته - كما قال البعض - أن يصبح رجل قاتل لملايين البشر؟! يبدو أن الإجابة هي ببساطة نعم!! 

بالرغم من بشاعة الإنتهاكات التي تتعرض لها الإنسانية على وجه العموم، نجد أنه بالنهاية يوجد سبب منطقي بأعين البعض لتلك الفجائع التي تحدث.. كما قالوا، لا يوجد دخانًا بلا نيران.. 

حالات من هوس هيستيري تدفع البعض للقتل والإنتقام، وإكتئاب يدفع للإنتحار، وصدمات توقعنا في حالة من إنكار لحقائق واضحة كوضوح الشمس.. 

هنيئًا لكل من اهتدى لإنتشال نفسه من مصيبة المرض.. وندم على فعلته..

 هكذا اهتدت مشاعر "بدر الدين" عندما فرغ من محادثته مع "فيروز" .. حصل على الأمل بسبب حديثه معها بعد ذلك الندم الذي يجلد به نفسه والإنكسار الذي يفتته كلما نظر بأعين أولاد اخته وابنته وربما العائلة بأكملها..

 بالرغم من تلمس العذر له بأنه وقتها كان مجرد رجل بالغ حزين يعاني نتائج طفولة قاسية؛  ولكنه في نفس الوقت بات يحس أن التعامل مع تأنيب الضمير أسهل وتجدد بداخله أملًا جديدًا في النجاة من حالة العصيان العائلي التي يواجهها..

مجرد علمه بأن أخيرًا قد استجاب "شهاب" للعلاج جعل الأمل يتجدد بداخله وأرغمه على ترسيخ فكرة أنه ليس هناك أساس لكلمة مستحيل.. 

ابتسم وهو يرمق "نورسين" من على مسافة.. كانت أولى من لمست قلبه ببراءة نقية شفافة لم يجدها سوى معها حتى ارغمته على الإذعان للعلاج وأخذ تلك الخطوة منذ سنوات كثيرة التي كان يخالجه كثيرا أخذها ولكن بعد فقدانه "ليلى" ظن أنه سيحيى بالظلام وآتت طفلة بريئة انتشلته منه بمجرد لمسات رقيقة لتجبره على التوقف عن فعل ما كان عليه أن يفعله دائمًا منذ سنوات.. هل يُمكن أن تتشابه القصص إلي هذا الحد؟ هل العشق والمرض ما جمع بين "فيروز" و "شهاب" ؟! 

تنهد بعمق وشعر بقليل من الراحة أن هناك شخصًا آخر قد تم انتشاله من الوقوع ببراثن الشر الضارية المُهلكة للنفس.. عل ما يحدث لذلك الرجل الذي هو بعمر ابنه يُنبهه الآن أن لا يزال هناك أملًا.. لن يبقى خائر القوى أمام تلك النظرات ويكفي انعزالًا.. تلك العادة القديمة! يا للسخرية! 

لقد تحسن الأمر قليلًا، ربما لن يعود كل شيء لسابق عهده، ولكن لا يزال الأمل موجود.. سيحاول ولن ييأس.. إذا نجح قاتلًا في الإستجابة من الممكن أن ينجح متعافي في إصلاح وترميم فداحة عمل إجرامي ارتكبه يومًا ما..

عليه إذن أن يحاول مع "زينة".. ستكون هذه هي البداية..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

وأخيرًا انتهت.. انتهت من ذلك الذنب وتأنيب الضمير الذي كانت تشعر به تجاه مساعدتها إياه كأخصائية نفسية وشعرت بالكثير من الراحة بعد أن صارحت "بدر الدين" بأمر خطبتها منه.. كان تكتمها على أمر الخطبة ليس إلا خوفًا من نظرة الجميع ولكنها الآن أفضل بكثير مما كانت عليه..

لقد وصلت بشق الأنفس إلي ما وصلت إليه اليوم.. أن يبدأ هو في تقبل التغيير.. أن تحاول هي العودة إلي ما كانت عليه يومًا ما.. أن تبدأ بالمواجهة وشعرت وكأنها تخلصت من ثقل كانت تحمله تلك الأشهر السبعة الماضية على عاتقها وحدها ولكن يكفي هربها من نفسها ومن الجميع..

لقد عشقته وانتهى الأمر، ليست بخائفة من مواجهة احد وهذا هو اختيارها.. بالرغم من مرضه وشخصيته وكل ما فعله من شنائع مرضية موجعة ولكنه قد توقف الآن وكل ما فعله سيندم عليه مع الوقت..

كل ما تخاف منه هو تسرعه وجموحه وتلك المشاعر المتبادلة بينهما دون عقل ولا منطق.. هي تتفهم احتياجه الشديد إليها وإلي تلك الحياة التي لطالما تمناها ولكن ماذا بعد أن يصل لتلك الحياة؟ 

أب سيكوباتي يؤذي أطفالها؟ زوج مريض سيمارس عليها ألاعيبه لتعيش حياة متأرجحة بين السماء والأرض بينما يستنزف مشاعرها؟ ما الذي سيحدث لو نمى إلي علمه كيفية معرفتها به؟ تلك الخُطة التي رسمتها مع "بدر الدين"، هل سيُصدق أن كل ما أرادته هي وهو أن يساعداه فقط فحسب؟! 

كان عليها الإسراع أكثر في تلك المواجهة مع نفسها.. كانت تتهرب من صعوبة الأمر كما تهربت من مشاعرها التي لم تستطع تجاوزها بعد رحيل "ماهر" وجنينها.. مثل ما تهربت تمامًا من البقاء بين كل من يعرفها كأُسرتها وصديقتها وقررت العودة لمنزلها هي وزوجها.. وبالطبع كانت تكرر نفس أسلوبها وطريقتها عندما تهربت سابقًا من مشاعرها التي ساقتها للوقوع في حب "شهاب"..

كان أكثر من كافيًا كل هذا الهروب، تعلم أنه لا يزال لديها الكثير للغاية.. العديد من الخطوات التي لابد وأن تكون مدروسة.. لن تستطيع أن تسبب له المزيد من الآلام وإلا قد تذهب بداية تقبله للعلاج نفسها هباءًا.. 

لن تقبل إلا أن تصارحه بحقيقة الأمر برُمتها، ستتحمل أيًا كان العواقب وستُخيره بأن يستمر معها أو يتركها للأبد.. ولكن قبل كل ذلك عليها أن تختار الوقت المناسب كي تخبره بالأمر! 

خوفها كله ألا يُكمل علاجه.. مجرد تخيل ما قد يفعله "شهاب" بأسرتها أو حتى بمن حوله بات ككابوس مُرعب تتخيله بعقلها.. هي لم تكن تفعل سوى الهروب دائمًا من هذه الفكرة ولكن وجب عليها المواجهة الآن.. 

هي ليست بفتاة صغيرة، هي إمرأة ناضجة وعليها تحمل عواقب اختيارتها جيدًا.. الأمر مُرعب ولكنها لن تقبل أبدًا بعلاقة وحياة وعشق ليتحولوا إلي زواج في النهاية قد بُني على الضلال والكذب.. لا تحتمل مجرد الفكرة في الأساس!

ربما بعد استمرار المزيد من الجلسات التي يذهب إليها.. ربما بمساعدته ببعض الدعم ومبادلته تلك المشاعر ستصنع ولو فارقًا بسيطًا معه كي يُهديه لتقبل الأمر الذي لا تظن أن سيتم بسهولة وقت مصارحته!! 

عبثت بهاتفها أثناء انتظارها إياه بمكتب استقبال تلك العيادة.. لقد فكرت في الأمر مرارًا وحسمت أمرها بمواجهته بالصراحة.. فعلى كلٍ أيًا كانت النتائج وقت مصارحته ستكون أهون بكثير من نتائج اكتشافه بحقيقة الأمر من أي أحد سواها هي..  

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

هذه المرة كانت الأصعب على الإطلاق، لماذا عليه مواجهة تلك الفجائع كل مرة تسوقه قدماه إلي تلك العيادة اللعينة وذلك الرجل ذو النظارة القبيحة؟ يقول دائمًا أنه لا يشعر بالندم وتأنيب الضمير وإنعدام المشاعر لديه.. حسنًا ايها الوغد.. أشعر الآن بما ضيعته وفقدته بالشهور الماضية.. رؤيتها أمامي وهي تُحدثني وتستمع إليك أفضل آلف مرة من الجلوس أمامك وأشعر بالندم على عدم استجابتي لها بالسابق!! عاهر آخر عليه تحمله.. ولكن لأجلها ولأجل أن تختفي تلك السيكوباتية اللعينة التي لا يدري من أين آتت وكيف أُصاب بها سيحاول..

عقد حاجباه في اشمئزاز من مجرد الفكرة بأن يزهد فيها يومًا ما، أو يتوقف عن عشقها أو الشعور بمشاعر مختلفة ورمق ذلك الرجل العجوز في امتعاض وأكمل استماعه إليه:

- علشان كده لازم قبل الخطوة دي تكمل علاج وتقيم مشاعرك كويس وتعرف انت بتحبها فعلًا ولا بتحب المشاعر اللي بتديهالك وهيبقى غرضك منها إنك دايمًا تجبرها بأساليبك على إنها تمدك بالمشاعر دي وتستغلها بكل الطرق علشان تعوض مشاعر مكنتش لاقيها..

أومأ له بالموافقة في تفكير عميق وأكمل استماعه لتلك التراهات، أو ليست تراهات؛ سيصيغها بأنها أفكار غريبة عليه تمامًا ولكنه سيعقتنها ويقتنع بها.. لا بأس من المحاولة.. 

الأمر بالنسبة له بات مُرعبًا أن يفقدها.. لذا سيحاول من أجلها.. يستحيل أن يؤذيها بالرغم من استمتاعه بأذى الآخرين ولكن هي؛ لقد جرب مرارًا أن يكون دونها.. جرب الإبتعاد.. ذهبت نساء وآتت "كلوديا" ويستطيع فعل الكثير ولكن هي بكل ما تجعله يشعر به يستحيل أن يفقدها أبدًا بسبب واحدة من نوبات غضبه أو حتى تصرفاته التي لا نهاية لها.. 

كان عليه من جديد التصريح بحادثة اغتصابه اليوم.. نفس الإنكسار الذي يشعر به من تلط الطفولة المتوحشة تجدد بداخله اليوم.. الأمر ليس بهين عليه، صعب ولكن مجرد اقراره به من جديد تقبله، أصبح شيء بالرغم من استحالته بالسابق، ممكن الحدوث الآن.. بالرغم من تغييره الأمر للتحدث عن علاقته هو و "فيروز" ولكنها خطوة كان سيأخذها عاجلًا أم آجلًا وكان عليه الإنتهاء منها..

انهى تلك الجلسة ثم توجه للخارج ليجدها في انتظاره بتلك الإبتسامة التي باتت جزءًا من يومه لا  يكتمل إلا بها.. ما الذي تفعله به تلك المرأة؟ 

هي ليست "كلوديا" التي كانت تسخر منه كلما رآته يدرس.. وليست "غادة" التي كانت لا تكترث إلا لنفسها.. وبالطبع ليست والدته التي لم تثابر من أجله!! مجرد وجودها بجانبه يُكفيه عن الدنيا بما فيها..

اقترب منها ولم يعد يكترث لقوانينها ولا لتلك النظرات التي ينظر لهما بها الناس وتلمس يدها وتحولت لمسته إلي تشبث قوي وهما يتوجها للخارج ولكن ملامحه حملت الكثير من التشتت والحيرة وحتى تلك الداكنتين التي باتت تلمح بها العشق الشديد لها عكستا حالة غريبة من الوقوع في تفكير شديد وغابت تلك التصرفات التي لطالما بادر بها وتلك الكلمات التي يمزح بها معها فسألته في اهتمام شديد:

- شهاب مالك؟ أنت كويس؟

رمقها بنفس تلك الملامح وتنهد وهو يشعر بتذبذب هائل ثم توجها للخارج ودخلا السيارة الخاصة به وهو يتجاهل ذلك الهاتف الذي يصدر اهتزازًا بجيبه وتابعته هي بعينيها بمزيد من الإهتمام وكادت أن تعاود سؤاله بينما أمسك بيدها مرة أخرى وشرع بالحديث في صعوبة هائلة وكأنما تخنقه الكلمات ليأتي سؤاله هامسًا:

- أنتي.. أنتي متأكدة إني بحبك مش كده؟ 

ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب لهذا السؤال ثم أومأت له واجابته في هدوء:

- عارفة ومتأكدة طبعًا

تناول نفسًا مطولًا ورمقها بمزيدًا من التردد.. سؤال هو نفسه لا يدري كيف يبرهن على اجابته.. تلك المشاعر التي يشعر بها تصرخ به أنه يستحيل أن يؤذيها، هو نفسه لا يتخيل أن عقله الخبيث المسمم ولا يده التي قتلت مئات الضحايا أن يقدم أيًا منهما على أذيتها بأي طريقة من الطرق.. 

عاود سؤالها من جديد في صدق بالغ.. في ارتجافة تشتت وحيرة بما استمع له من ذلك الحقير ذو النظارة القبيحة.. يريد فقط من يُخبره أنه لن يؤذيها أبدًا.. سيسألها فقط لتؤكد له؛ يريد إجابة تنتشله سريعا من انعدام الثقة الذي يشعر به، لأنه في قرارة نفسه يعلم أنه يستطيع إيذاء أي شخص بسائر الطرق والوسائل.. يريد إجابة من تلك المرأة التي بمجرد وجودها بالقرب منه يشعر أنها تصحح مسار حياته بأكملها.. اجابة قد تُنفي الصوت الذي يحارب عقله كي تجعله يطمئن أنه لن يحدث أبدًا:

- وعارفة إني استحالة أأذيكي.. صح؟

بادلته النظرات المتعجبة، لقد انتهى لتوه من تلك الجلسة العلاجية، ترى على وجهه ملامح التشتت وعدم الثقة بالنفس والإهتزاز، هل يُمكن أن هذا فقط ما يدفعه ليبدو في حالة الشتات تلك؟ هل عليها أن تدعمه كإمرأة مُحبة؟ هل تُخبره حقيقة ما كانت تُفكر به أثناء انتظاره منذ قليل؟ ربما عليها فعل الاثنان.. ستحاول وسترى..

حمحمت بينما بدأت ملامحه في التحول للدهشة من كثرة صمتها وتفكيرها في اجابتها وكاد أن يعاود الحديث فمنعته وتكلمت هي مجيبة:

- دلوقتي استحالة تأذيني.. متأكدة إنك بتحبني.. بس قدام يا شهاب بعد ما تتعود إن فيروز في حضنك وعمرها ما هتبعد، لما تكون أب وراجل مسئول.. هتعمل إيه؟ هتقدر تتحكم في تصرفاتك وتعمل كنترول عليها ومتأذيش؟

أخذه الذهول من اجابتها المتسائلة، ولكنها تتلمس يده وتشد عليها بقوة، ما الذي تعنيه؟ أنه قد يفعل ويؤذيها؟ هذا مستحيل!!

أومأ بالرفض واحتوى وجنها بيده الأخرى ولم تمانع هي ولم تبتعد حتى ثم آتى صوته هامسًا بآلم ونهي تام على تلك الكلمات التي نطقت بها منذ ثوانٍ: 

- لو انتي في حضني عمري ما هفرط فيكي، لما أكون أب هاحب ولادي.. استحالة أأذي حد فيكو.. بالذات انتي.. مش بعد ما كنت عايش حياة عمري ما كنت عايزها وأخيرًا لقيتك بتعوضيني عن كل حاجة وجعتني في يوم هاجي أأذيكي.. 

تنهدت وهي تحدق بوجهه وملامحه التي تُجبرها على تصديقه، ذلك الخوف بداخلها يُجبرها كذلك على تعرية الحقيقة أمام عينيه، تود أن تخبره أن الواقعية بصحبة ما يعاني منه مختلفة كثيرًا عن تلك الأيام التي يعيش بها كلًا منهما الآن.. 

بعد التعود على وجودها معه كزوجته سيُجبره على العودة لمرضة بإيذاء الجميع واستغلال من حوله وتعدي كل القوانين والمبادئ دون حتى أن يُدرك ما يفعله..

بين نيران الواقعية والمنطق وما تعلمته ولهيب مشاعرهما المتأججة حاولت أن تتحدث له دون تعريضه لأي جرح قد يجعله يعاود ادراجه عن تلك الرحلة التي قرر خوضها فهمست بهدوء:

- يا حبيبي أنا عارفة إنك دلوقتي مش متخيل إنك ممكن تعمل كده.. بس قدام ممكن غصب عنك تعمل ده من غير ما تحس.. لكن في نفس الوقت تقدر تمنع نفسك، تحاول تفكر كويس انت هتعمل إيه وتاخد وقتك ومتتسرعش ومتسمعش لصوت راسك بإنك تأذي حد.. الموضوع هيجي بالتدريج مش بين يوم وليلة يا شهاب! 

أنا هافضل جنبك وهساعدك ومش هاسيبك أبدًا ترجع لنفس الإنسان المؤذي بتاع زمان لو انت كمان ساعدتني وصارحتني بكل حاجة..

انزعج من تلك الإجابة، أهي مجنونة لتتخيل أنه قد يفعل ذلك حقًا؟ تريث وهو يُفكر بما عليه قوله بينما أخفضت يده بهدوء وازداد انزعاجه عندما أصدر هاتفه اهتزازًا من جديد ليجيبه في حنق متحدثًا بالإيطالية:

- نعم كلوديا!!

علمت إلي من يتحدث فامتعضت ملامحها وهي بالكاد تحاول تقبل أن تلك المرأة لم تغادر إلي الآن.. عهرها وشرها ليس ما يحتاج إليه في هذا الوقت تحديدًا من حياته التي بالكاد شرعت في تغييرها بعد الكثير من المحاولات والعديد من الخسائر.. 

آتاها صوته متحدثًا في هاتفه من جديد وهو يقول ما لم تفهمه هي:

- حسنًا سآتي.. 

انهى المكالمة ثم نظر إلي "فيروز" ليُكلمها بقليل من الضيق فهو لم يغفل عن تلك النيران التي تتطاير من عين كل واحدة منهما عندما تنظر للأخرى فقال:

- بقولك.. كلوديا عايزة تقابلني.. تيجي معايا؟!

التفتت له بملامح متعجبة ثم اجابته بتساؤل:

- ماشي.. بس هي لسه في بيتك؟

تنهد هو ثم اجابها بإبتسامة وعاد لمزاحه اياها:

- آه.. وبعدين أنا مش مقعدها في نفس البيت اللي قاعد فيه.. بتغير يا بطل ولا إيه؟

هزت كتفيها وأدعت التلقائية بينما بداخلها كانت تحترق ثم اجابته وهي تنظر أمامها:

- لا وهاغير ليه يعني..

جذب يدها بخفة لتلتفت له بنظرة تتساءل بها عما يُريده من جذبته لها ثم سألها:

- يعني اشطة اروح اقعد معاها في البيت ومش هيفرق معاكي؟ 

رفعت احدى حاجبيها في اعتراض وضيقت عينيها وهي تتفحصه ثم ابتسمت بسماجة واجابته:

- يا حبيبي أنت حر طبعًا.. بس متبقاش تيجي تزعل من اللي هيحصل

جذبت يدها ومن جديد نظرت أمامها ليهمهم هو ثم همس بخبث:

- تمام.. اصلها شكلها محتجاني اوي.. اوي اوي.. وأنا عارف إنك ست دماغك كبيرة وبتقبلي الـ open relationships..

التفتت له بغضب ثم صاحت به:

- وماله.. open relationships.. بس ابقى انسى تكمل مع فيروز عبد الحي يا شهاب!! روحلها بقى وأنا اروح اشوف هاعمل ايه..!

توسعت ابتسامته في غلٍ هائل وهي تتظاهر بأنها ستغادر السيارة ثم امسك بها مسرعًا وقال:

- اموت فيك وانت شرس ومسيطر!! بس هاتكملي يا حبيبتي معايا برضاكي او غصب عنك..  ولا نسيتي مين شهاب؟

رمقته بعينتين متسعتين ثم حدثته بجديه دفعته للتفكير:

- أنا مكملة معاك علشان بحبك! لكن هتتعوج يا شهاب صدقني مفيش قوة في الدنيا هتخليني معاك غصب عني! وأنت فاهم كده كويس! يالا إذا كنت هتروح للهانم علشان منتأخرش!

تريث لبرهة ثم اطلق ضحكة خافتة ساخرًا مما استمع له ونظر لها نظرة لا تعبر سوى عن التحذير المحض وآتى صوته المتحدي قائلًا:

- مش بالقوة ولا بالعافية يا حبيبتي.. فيه مليون طريقة تخليكي تكوني معايا.. وفعلًا بلاش نتأخر لأن شكل الحوار وراه مصيبة! 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

ابتسمت لهم وهي تودعهم بعد تلك الزيارة التي أثقلت كاهلها وهي تدعي وتزيف أنها بخير وممتنة لتواجد الجميع معها.. 

أخيرًا استجاب "عاصم" لإحضار هاتفًا لها بإدعاءها أنها تريد قتل الوقت ليس إلا ونجحت في الحصول عليه واخفته.. هذه أولى الخطوات.. وبما تقنع به الجميع وادعئها شدة المرض وصعوبة ما حدث لها بتلك الحادثة يجعلها تكسب شفقة جميع من بالمصحة..

هذه المرة أذهلت هذا الطبيب الذي يقوم بعلاجها، ترى منه دائمًا الدعم وبات كذبها عليه كحقيقة ملموسة بأن والدتها هي السبب في تلك المشاعر التي تعاني منها..

لم تكن صريحة معه بالطبع ذلك المُغفل، ولم تُخبره سوى بأشياء لا تستطيع "هديل" أو أي من اخواتها إنكارها.. أحداث قد وقعت بالفعل ولكن مشاعرها وتلك الصعوبات التي تدعيها بصحبة بُكاءها أحيانًا كانت مزيفة بأكملها.. كما أنها لا تزال تحافظ أنها لا تتذكر ما حدث لها ليلة تلك الحادثة التي غيرت عالمها بأكملها.. 

بالطبع تتابع والدتها مع الأطباء، هي على يقين بأن أيًا ما قاله لها الطبيب الأول ستنقله إلي الأطباء الجداد.. لذا كان عليها إحكام الأمر أكثر بأحداث واقعية في حياتها تدفع الجميع للإشفاق على حالتها!

تعلم أنها يومًا ما ستغادر تلك المصحة، لم يُغير بها الأمر شيئًا ولو مقدارًا ضئيلًا.. لا تزال تريد أن تُنهي زواج اختها وابن خالها ولا تريد الأخذ بالثأر من "شهاب" وحدها!! 

ويوم أن تفعلها وتلوذ بالفرار والإنتهاء من ذلك السجن البائس لن تتذكر سوى أن والدتها ابعدتها ولم يوجد بجانبها من يمنعها عن فعلها! 

أيتظاهرون الآن بالإكتراث وزيارتها.. يا لهم من أوفياء.. يا لمشاعرهم الجياشة.. ستصل لكل ما تريده ووقت أن ينتهي هذا الكابوس سينصاع الجميع لكل ما أرادته يومًا ما.. 

إذا فشلت السيدة "هديل الخولي" في أن تكون المسيطرة على جميع الأمور، ستحقق "أروى الدمنهوري" تلك الخطة التي فشلت فيها ولكن صبرًا.. ما يأتِ بسهولة يُفقد بسهولة دائمًا..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

دخلت "هديل" بالمقعد الجانبي للسائق حيث ستعود بصحبة "إياد" ابنها وتوجه كلًا من "عاصم" و "لميس" إلي التنزه معًا بعد انتهاء الجميع من زيارة "أروى" كما ذهبت "زينة" بصحبة السائق للعودة لمنزل "بدر الدين" وفي خلال الصمت الذي دام لفترة وتفكير عميق من كل منهما صدح صوته:

- ماما.. أنا هاسيب الشغل في المجموعة كلها! هاعمل business خاص بيا.. 

التفتت له والدته وهي تنظر له في تعجب ثم همست:

- ازاي يا إياد هتعمل كده؟!

 ابتلع ثم التفت لها هو الآخر وامتعضت ملامحه ثم اجابها في حزم:

- مبقتش طايق أشوف سليم بعد اللي حصل.. حتى ولو رافع القضية وبيحاول يجيب بابا يعيش معانا .. لو كان من الأول قالي يمكن مكنتش عملت كده.. بس ده كان اختياره وده كمان بقى اختياري..

تنهدت ثم أومأت في تفهم بينما ربتت على كتفه وهمست:

- بس سليم ذنبه إيه؟ وبعدين قعت معاكوا مليون مرة وفهمتكوا، كريم كان بشع يا إياد.. طول وأنا معاه سنين كان بيخوني وكان بيسرقني وكان إنسان بشع.. حتى انت يا كبير مش فاكرله ذكريات حلوة تجمعك بيه.. كان لازم أقول لبدر يتصرف ويبعده عننا!

التوت شفتاه بإبتسامة مُنكسرة ثم همس لها في تساؤل ساخرًا:

- سليم كان ممكن يقولي أنا بالذات.. مكنش يخبي عليا طول الفترة دي واجي اعرف في الآخر لما الكلب اللي اسمه شهاب حكالي.. مكنتش استحق منه كده وأنا بعتبره اخويا! 

سكتت لبُرهة عن الكلام ونظرت له في شفقة وحزن ثم قالت:

- سيبك من شهاب ده استغلكوا وكان بيوقع بينكو.. يا إياد يا حبيبي أنت الكبير ومبقاش ليا ولا لإخواتك غيرك.. أنت عارف إن عاصم مش زيك.. محدش في اخواتك كلهم زيك.. واديك شايف أروى واللي حصلها.. هتسيب كده كل حاجة؟

التفت برأسه ونظر أمامه وهو يُحركها بإشارة مستهزءة ثم تكلم بمزيد من الإنكسار:

- عاصم بقى ولا أروى ترجع زي الأول وهو آسر في الفرع اللي برا.. بس أنا خلاص قررت.. أنا وأسما هنعمل شركة سوا.. أنا حبيت أبلغك علشان أنا مش هاستحمل ابص في وش سليم كل يوم وحاولت ومنفعش!! كفاية اوي بقى كده! 

ولو على إني الكبير هافضل جنبك ومعاكي وجنب اخواتي.. بس شغل تاني مع سليم لأ! مش هاعرف اكون بوشين وامثل قدام الناس إني كويس!

أومأت في تفهم بينما أدار هو محرك السيارة وانطلق ليقوم بإعادتها إلي منزلهم وشعرت بالإخفاق والفشل التام بعد عدم استطاعتها في انهاء هذا الأمر بالرغم من محاولاتها التي لا تنتهي أبدًا.. 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢


خرج "شهاب" مغادرًا السيارة التي صفها بالمرأب الخاص بذلك المنزل الذي لم تأتِ له من قبل لتُفكر بداخلها كم عدد المنازل الذي يملكها ولكن بالطبع لن تجد إجابة على هذا السؤال أبدًا.. 

تبعته وهما يدخلان المنزل وبداخلها شعرت بالضيق، متى ستنتهي من تلك المرأة التي كلما تحدث "شهاب" عنها استمعت لإمتنان جارف يتخلل نبرته وكأنها هي من ساعدته في كل نواحي الحياة!! 

ظلت متوجهة خلفه لتبدأ أصوات من التأوهات في التسلل لمسامعها وأخذت ملامحها في التحول من الضيق للذهول بينما لم تلاحظ أي بادرة لتوقفه وتوجه فورًا نحو غرفة النوم وفتح الباب وقبل أن توقفه عن دخوله صدح بإنجليزية مُتقنة وهو ينظر دون إكتراث نحو "كلوديا" وهذا الرجل العاري على السرير بينما شعرت هي بتصلب جسدها واستمعت له وهو يتحدث لها في ثبات شديد:

- كلوديا.. هذا ليس الوقت المناسب للمرح!! انتهي من عهرك وأنا بإنتظارك ولا أملك الكثير من الوقت!! ستجديني بالأسفل! 

التفت بعد أن عاود إغلاق الباب لترمقه "فيروز" بملامح مختلطة بذهول ودهشة ومقت لما رآته ليتنهد ثم جذب يدها بخفة لتتبعه بينما أخبرها في هدوء:

- بصي كلوديا حياتها كده.. نستحملها لغاية ما تمشي معلش وبعدين كل حاجة هتكون كويسة..

رفعت حاجبيها في شده وهي ترمقه بنظرة غير مُصدقة أن الرجل الذي ستدعوه زوجها في يومٍ من الأيام يأوي عاهرة تمارس الجنس بمنزله واشمئزت ملامحها بعد أن وقفت عن التوجه معه للأسفل وعقدت ذراعيها بينما صاحت في جدية وإصرار:

- ونستحملها ليه أصلًا.. ما تخرجها بقى من حياتك يا شهاب.. أنا لغاية دلوقتي مش فاهمة انت باقي عليها ليه وليه لسه مخـ..

قاطعها بإبتسامة مقتضبة تحولت معها ملامحه لترى نظرة لا تليق إلا برجل مافيا حقًا وهمس بخبث سائلًا: 

- انتي تعرفي إيه عن المافيا يا حبيبتي؟ معلوماتك عن الموضوع كله إيه؟

ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب ثم حمحمت بعد أن تريثت لوهلة لتزفر في ضيق ثم اجابته:

- أعرف إن.. إنها عائلات وتنظيمات كبيرة و..

أومأ في تفهم بعد أن قرأ افتقارها للعديد مما لا تدركه ثم قاطعها بجذبه اياها من جديد وهو يتوجه للأسفل وقال:

- تعالي بقا أنا افهمك..

مشيت تتبعه وبداخلها اعتراض هائل على كل ما يحدث بينما بدأ في الحديث:

- هحاول مدخلكيش في تفاصيل كتيرة بس كارلو ده كان وما زال كبير العيلة المفروض إنه دون.. بس علشان كان "كابو" أو كابتن في يوم من الأيام لسه مبيحبش حد يقوله غير كده!.. اختار مستشار ليه.. ده كان "إل تشينو" اللي أنا قتلته!

ابتلعت في هول مما استمعت له بينما توقفت عن أخذ الخطوات في صدمة وهما بالكاد قد وصلا للمطبخ ليعاود حديثه إليها بمنتهى الأريحية قائلًا في استفسار وكأنه للتو لم يقر لها بأحدى المصائب:

- أعملك قهوة؟!

نظر لها بتعابير خاوية لم تستطع أن تنتشل منها أي مشاعر قد تتقبلها بينما تابع هو بإبتسامة مقتضبة وهو يومأ برأسه:

- يبقى هاعملك..

حمحمت وهي ترمقه في استنكار ثم صاحت به:

- قهوة إيه وانت بتتكلم عن المصايب دي وكمان بتـ..

التفت وتوقف عن صنعه للقهوة وقاطعها قائلًا بنبرة خالية من المشاعر تماما:

- اسمعي للآخر وبلاش تقاطعيني.. 

تفقدها بحدقتين جامدتين ثم أضاف محذرًا:

- اعرفي مني كل حاجة احسن ما تعرفيها من برا.. ولا تحبي اسكت ومفهمكيش اللي حصل؟!

تنهدت في قلة حيلة وهي تستمع له وتفقدته للحظات بينما عاود هو لصنع القهوة له ولها، وبالرغم من كل ما تعلمته وعرفته، كان مُحقًا للغاية.. الأفضل أن تعرف كل شيء منه بدلًا من أن تكتشف مصائب أخرى لا دراية لها بها عن حياته بأكملها.. خلعت معطفها وجلست في انتظار سماعه بينما هو في خلال تلك اللحظات تذكر العديد مما مر به وطيف من الإنزعاج ساوره عندما طرقت الذكريات على عقله ولكنه تابع حديثه إليها:

- المستشار ده بيختاره الـ Don.. وهو اللي بيعينه.. تقدري تقولي بيهتم بالشكل والصورة قدام الناس علشان كل مصادر الفلوس اللي مش مشروعة تتحط في شكل حلو وقانوني.. بيتسمع كلامه وبيبقا قريب جدًا من الـ Don! كمان بيبقا ليه نفوذ كبير اوي يقدر يتصرف مع الحكومة كويس وبذكاء وبيخلي كل حاجة قانونية قدام العالم كله.. عمومًا مش موضوعنا ادخلك في التفاصيل دي لكن اللي كان يخصني في الموضوع إن كانت كلوديا بتحبه وعرف انها بتخونه معايا!  

تريث لبرهة ثم أمسك بالأكواب والتفت ليتابع وهو يجلس على كرسي آخر بجانبها ووضع الأكواب أمامهما:

- المفروض بيبقى فيه قرابة دم او جواز كتير في العائلات.. كارلو مع الوقت كانت عيلته دايمًا يا بيموتوا يا مبيخلفوش فبدأ يكسب الباقين بالثقة والمصالح ولسه ليه قرايب بس مش كتير.. كلوديا كان بيحبها أوي زي بنته.. وإل تشينو زي ابنه.. لأن ابنه الكبير اتقتل وده كان مكان إل تشينو في يوم، وابنه التاني هو اللي بيتبصله إنه هيكون مكانه لو كارلو مات أو اتسجن!

كلوديا ماسكة ناس كتيرة جدًا ممم.. ممكن تسميها كابتن أو كابو زي ما كان كارلو كده في يوم من الأيام.. المفروض يبقوا ايطاليين أصلًا.. وهي حاولت تعملي ورق يثبت إني ايطالي بس طبعًا كارلو وإل تشينو عرفوا ببساطة وهي اللي صممت انه يُعتمد عليا وأنا مع الوقت قدرت اثبت ده.. تقدري تقولي إني كنت دراعها اليمين..

تنهد وحدق بالفراغ بملامح منزعجة وعقد حاجباه بشدة لدرجة أن ملامحه تشنجت ثم أكمل حديثه بخفوت: 

- المفروض الدون ملوش علاقة بالكابو اوي بشكل مباشر بس طبعًا علشان إل تشينو كان بيحب كلوديا وكانوا هيتجوزوا ده قرب كلوديا من كارلو!! ودايمًا كان بيسمعلها وكل الفريق اللي مسكاه مكنش بيوقعه في مشاكل.. ولقربي من كلوديا قربت منه.. ومع اني كنت ممكن اوصل لحاجات كتيرة اوي بس مرضتش.. وكلوديا ساعدتني في انه يصرف نظر عني خالص واتحججت بإنها محتجالي وإنها معتمدة عليا بشكل كبير! كان كفاية اوي على اللي عايز اعمله إنه يلاحظني وبس! 

استمعت له في اهتمام وبداخلها مقت واشمئزاز لكل ما يحدث لتجده يتحول بكامل جسده ليقابلها بنظرات مُنكسرة ثم همس: 

- مكنش ده هدفي.. اني اتورط في كل ده.. وعملت كل ده علشان الفلوس.. وحققت كل اللي عايزه وبعد تلت سنين فضلت اجمع فيهم اثباتات وتهديدات على ناس مهمة جوا العيلة وبراها وناس في الحكومة كانوا محتاجين يوقعوهم من غير دم ولا قتل وساعدت في انهم ينهوا عيلة تانية خالص، أخيرًا المستشار الجديد وكارلو وابنه وافقوا إني اخرج من العيلة! وبرضو كلوديا اللي ساعدتني لأن الحل الوحيد ليا إني كنت اتقتل!

تريث لبرهة وابتسم في مرارة ثم تابع بصوت متحشرج: 

- بس عمري ما غاب عن عقلي انهم ممكن يخيروني لو احتاجوني في يوم بين القتل واني ارجعلهم! 

هز رأسه في إنكار وتابع بصعوبة:

- فيروز أنا لو مكنتش قتلت إل تشينو كان هيقتلني أنا وكلوديا! الناس دي مبتتفاهمش! يا تتقتلي يا تقتلي! وقتها كنت لسه متعرفتش اوي لكارلو.. كان لازم اقتله يا إما كل العيلة كانت هتقتلني.. شغل العصابات مفيهوش حل تاني.. وبالعافية عرفت أفلت من اني اقرب زيادة عن اللزوم وإلا كان استحالة اخرج.. أنا مكنتش عايز كل ده يا فيروز صدقيني! 

طيب هتصدقي لو قولتلك إني مكنتش فاهم حاجات كتيرة غير لما بقيت معاهم؟ أنا وأنا صغير كل اللي كنت بفكر فيه إني اكون شاطر في شغلي بعد ما أخلص الجامعة بس ساعتها وافقت وليد وخلاص وأظن اننا اتكلمنا في الموضوع ده كتير.. لو كنت عايز أفضل مجرم ولا في المافيا.. كنت ممكن ببساطة اكمل معاهم!

حدقته بحيرة شديدة وكان كل ما تستمع له لا تستطيع تصديقه ولوهلة تمنت لو أنها تستمع إلي احداث فيلم ما وغابت الكلمات المناسبة التي تستطيع أن تتفوه بها عن عقلها ليُردف هو بإنكسار شديد ولوهلة ظنت أنها تجد ذلك الشاب الذي أخذ قرارًا بتسرع يومًا ما:

- كلوديا ساعدتني زمان.. في الأول إني اكون مهم ويعتمدوا عليا، وفي الآخر بإني أخرج بموافقة كارلو وإلا كانوا هيقتلوني لأن الحل هو التصفية عندهم.. ودلوقتي يوم ما احتجت ليها حتى بشكل شخصي جاتلي.. تقريبًا كلوديا اقرب حد ليا بعد منك.. مش حب ولا صحوبية بس.. الموضوع إنه..

حمحم وهو لا يستطيع صوغ الكلمات ليرفع "شهاب" نظره خلفها ثم هز رأسه في إنكار لتلتفت هي الأخرى واتسعت عينيها في اندهاش لتلك العاهرة التي تجفف شعرها بأحدى المناشف بينما جسدها عاري بأكمله ويتبعها رجل آخر وحدثته بالإنجليزية لتقول:

- أراك لاحقًا عزيزي.. أظنك تعلم الطريق للخارج!

التفتت لترمقه بوقاحة ثم توجهت للمطبخ وهي تحاوط جسدها بنفس المنشفة التي كانت تجفف بها شعرها ليتحدث "شهاب" بالإنجليزية كي تستطيع "فيروز" فهم ما يدور  فسألها بجدية:

- ماذا هناك كلوديا؟ 

أضاف مسرعًا في زجر:

- تحدثي بالإنجليزية فقط!

التفتت له بعد أن انتهت من تسخين بعض الطعام بجهاز الـ "ميكروييف" ثم قهقهت بضحكتها وقالت:

- أوه ليو!! يا للظرافة.. تريدها أن تفهم كل ما سنتحدث به! لم أتوقع أن العشق سيجعلك غبيًا لهذه الدرجة.. 

هزت رأسها ثم التفتت لتسكب بعض النبيذ ثم تابعت الحديث بينما أخذت "فيروز" تشعر بلهيب يأكلها بداخلها وكلاهما استمعا لما تقول:

- هناك فتى.. عضوًا ينتمي إلي APT29 مزح مزحة عمره مع كارلو.. ببساطة اوقف التعاملات المصرفية لكل بطاقاته وعلق جميع حساباته وحسابات ابنه فقط لإنتقامه من حفيدته.. كان يريد أن يتزوجها.. أعلم أنه سبب تافه.. ولكن في النهاية مصادرنا الآن مُهددة.. مع انتشار ذلك الوباء كورونا لن يكون الأمر هينًا..

أومأ "شهاب" وهمهم في تفهم ثم حدثها قائلًا:

- وما الذي يراه فرانك؟

زفرت "كلوديا" في انزعاج عندما سألها عن رأي المستشار الذي لا تطيقه ولا تتحمله، فمنذ تعيينه بعد قتل "إل تشينو" وهي موضع شك دائم بالنسبة له.. 

جذبت طبقها وكأس النبيذ لترمق "فيروز" في تقزز ثم نظرت نحوه بجدية وجلست لتتناول الطعام وحدثته في هدوء بالإيطالية:

- أنا لا أثق بها.. وفرانك يرى أنه يجب قتله بعد ارغامه على إصلاح ما افسده! 

رفع حاجباه ثم اخفضهما بحركة سريعة ثم نهض وأخذ بعض الخطوات وهو يرتشف من قهوته وشرد في تفكير ولم يكترث كثيرًا لعدم ثقتها في "فيروز" ثم تحدث بجدية بالإنجليزية قائلًا:

- ولكن قراره هذا سيعرض العائلة بأكملها للتصادم مع العائلات الروسية! هل فقد فرانك عقله؟!

هزت كتفيها بقلة حيلة ثم تابعت التحدث بالإيطالية وهي تتناول طعامها:

- أكره هذا الحقير منذ أن انضم لنا!! قرارته تلك ستؤدي لمقتل الجميع!

استمر في ارتشاف المتبقي من قهوته في تفكير شديد لتتصادم كلتاهما خلفه بنظرات مقت نارية واعتراض هائل.. بكل ذلك الوقت لم تلقى واحدة منهما اعجاب الأخرى ببساطة.. 

حمحم في مزيد من التفكير ثم نظر نحو "كلوديا" بجدية وحدثها في ثقة شديدة بالإنجليزية:

- لو سنتحدث عن احدى أعضاء القراصنة.. أظن أن الحل الأمثل أن تعامليهم بطريقتهم.. عليكِ فقط أن تقومي بالإختيار الصائب..

ابتسمت له في سخرية وحدثته بالإيطالية دون إكتراث لعدم فهم "فيروز" حرفًا مما تقوله:

- أتمزح معي؟ أتريد أن تقضي على عضو واحدة من أكبر وأهم بل وأعتى منظمات القرصنة بقرصنتهم!! بربك ليو.. لقد قاموا بالعبث مع الولايات المتحدة وإلي الآن لم يستطع أحد الإيقاع بهم! 

توسعت ابتسامته إليها ليتمتم في سخرية:

- ألم أقل لكِ أن عليكِ القيام بالإختيار الصائب!!

ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب ليحدثها بمزيدًا من الثقة آمرًا:

- انتظري.. سأريكِ شيئًا.. 

تركهما وغادر للتوجه لغرفة مكتبه بينما أخذت كلتاهما تنظران لبعضهما البعض بإشمئزاز وتخلل صمتهما الأنفاس التي تُزفر في تذمر وغل لتصيح "فيروز" بالنهاية:

- ألا تشعرين بالبرودة؟! قد تُصابين بوعكة صحية شديدة!!

قهقهت الأخرى بضحكة تدعو للإستفزاز ثم ارتشفت من كأسها لتحدقها "فيروز" في غيظ بينما نظرت لها "كلوديا" بجدية ورفعت احدى حاجبيها في انتصار وهي تهمس لها في استفزاز:

- لست أنا من أصاب بالأمراض عزيزتي.. فلتوفري قلقكِ إلي ليو.. هو من يُصاب بحمى شديدة في مقتبل كل شتاء!

ابتسمت نصف ابتسامة في زهو بينما تحولت ملامح "فيروز" للغضب بعد أن تلقت تلك الصفعة التي لا تقصد بها سوى شيئًا واحدًا.. ألا وهو أنها تعرفه أكثر منها!! 

نهضت وهي تسكب المزيد من النبيذ بكأسها ووضعت صحنها في المغسلة ثم صاحت لها:

- أتعلمين.. ليو ليس جيد في التقبيل ولا العناق.. أكترثي بذلك بدلًا من أن تهتمي بإصابتي بحمى.. هل فكرتِ يومًا في الزواج برجل لا يكترث سوى بممارساته الماجنة ولا يحمل ولو ذرة من رومانسية تافهة كي تلاءم إمرأة مثلك!! 

التفتت ثم استندت بكامل جسدها على احدى أثاث المطبخ خلفها وعززت ذراعها المنثنية أمام نهديها ذراعها الأخرى التي أمسكت بكأسها الذي ترتشف منه ورمقتها في تحدي وهي تتسلى كثيرًا بملامحها الغاضبة وقالت:

- أو ربما عليكِ التأكد أنه لن يقوم بحرق هذا الرجل الذي صدمك بسيارته.. فأنا لا أصدق إلي الآن أنه لم يقم بعقابه على ما فعل..

ابتسمت لها في استفزاز لتعلو أنفاس الأخرى في حنق فهدأت ابتسامتها وحدثتها بنبرة مُحذرة للغاية:

- انتبهي ايتها الخرقاء بشؤونك واياكِ والتدخل بشأني.. كلوديا لا تُحذر مرتان!!

تجرعت كل النبيذ المُتبقي بكأسها دُفعة واحدة ثم وضعت الكأس بعيدًا لتستمع كلتاهما لخطوات "شهاب" وهو قادم ويُمسك حاسوبه لتفر "فيروز" ناهضة في غضب شديد وقد لاحظها فسألها بإهتمام:

- فيروز انتي كويسة؟ 

أومأت له في اقتضاب ثم فرت للخارج لينظر نحو "كلوديا" بنظرة قاتلة ثم حدثها بالإيطالية في غضب وشيك وسألها:

- ماذا فعلتِ بها؟

هزت كتفيها بتلقائية ثم اجابته بسرعة:

- لا شيء.. هي فقط تشعر بالغيرة فوضحت لها أن ليس لي شأن بك!

امال رأسه لإحدى الجوانب وهو يتفقدها في إدراك هائل بأنها كاذبة ثم هتف مُحذرًا وهو يشدد على نطقه لحروف اسمها:

- كلوديا!! 

زفرت في قلة حيلة ثم همست:

- حسنًا.. لقد عبثت معها قليلًا.. بربك ليو لا أطيق تلك الخرقاء.. كما انني لا أثق بها!

تحولت ملامحه بأكملها للغضب ثم اقترب منها ولم تعد تفصل مسافة بينهما وتشدق بتقزز رامقًا اياها بنظرة مُهيبة:

- اياكِ وفعلها مجددًا! أعدكِ كلوديا أنكِ لو قمتِ بتكرار عبثك الحقير معها أو حاولتِ افساد الأمر، سأحرقك بيداي.. هل نسيتِ من هو ليوناردو بينسوليو؟!

رفعت احدى حاجبيها في تحدي وابتسمت له ثم همست أمام شفتاه ليُسرع هو وجذب شعرها ليوقفها عن الإقتراب أكثر:

- لم أنس، أنا من خلقت ليوناردو بينسوليو بيداي!! أنا فقط قلقة عليك عزيزي.. تلك الخرقاء لا تعلم عنك شيئًا! كنت اعطيها بعضًا من خبرتي ليس إلا!

حدقها بمزيد من الغضب ثم دفع الحاسوب إليها وتحدث بتقزز وهو يرمقها بنظرات مُحذرة:

- انظرِ لما وجدت.. هذا الرجل إن عثرتِ عليه سيساعدك لأنه ببساطة على عداوة منذ سنوات مع APT29.. كان واحدًا منهم ويعلم جميع تقنياتهم!! احصلِ عليه وهدديه أو قومي بالتفاوض معه، اضمنيه إلي جانبك ثم اقنعي كارلو بأن فرانك ببساطة سيُعرض الجميع للقتل لو قتل ذلك الفتى!.. 

لقد ساعدتك والآن ليس لكِ عندي سوى معروف واحد.. احزمي حقائبك واستعدي للمغادرة كلوديا!! 

ترك شعرها ودفعها بعيدًا والتفت ليغادر باحثًا عن "فيروز" التي وجدها تقف بتلك الحديقة الصغيرة مُغلقة لعينيها في اتجاه أشعة الشمس الدافئة مباشرة ووجد أنها تقف دون معطفها فخلع سترته ثم أقترب وهو يُحيطها بها لتفتح عينيها والتفتت نحوه لوجوده خلفها ونظرت له بعد أن شعرت بمفاجئته اياها ليبادر هو بالحديث:

- معلش.. أنا عارف انها ضايقتك بس..

توقف عن الكلام وهو يرمقها بقليل من الحُزن وبعد لحظة همس إليها:

- كلوديا غيرانة! متضايقيش.. هي مش مصدقة اني فعلا عايز اتجوزك وبحبك.. واصلا هي لازم ترجع ايطاليا.. 

زمت شفتاها ورمقته في تردد، تلك الحياة بأكملها.. قتل وتنظيمات ومراكز وكأنه عالم بأكمله منفردًا عن تلك الحياة التي تعيش بها.. أستستطيع الزواج برجل مثله قد يُجبر للعودة إلي تلك الحياة؟ أستتحمل صديقة سابقة بمثل تلك الخطورة؟ ما الذي سيفعله رجل عصابات لو علم ما تخفيه عنه أو أدرك أنها عرفته بسبب "بدر الدين" منذ البداية؟

تلك الدقائق الماضية التي أخذت تُفكر في الأمر خلالها جعلتها تشعر بالقلق والخوف.. لن تتحمل إخفاء الأمر أكثر من ذلك.. ولكن ستصارحه فهي لم تعد تملك حيلة بيديها وإلا قد يكون انتقامه ليس بهين.. 

ابتسم إليها وضيق عينيه في مكرليهمس لها بنبرة لعوب:

- ما تيجي اكتب عليكي دلوقتي وتسيبيني بقى اعرف لون العيون الحلوة دي إيه! 

ابتسمت في وهن إليه وبداخلها لا تزال تُفكر بالأمر وأوشكت على النطق به بينما أكمل هو ممازحته اياها:

- أنا زهقت بقى من اني اروح كل يوم اقعد مع العيلة وشغل وجلسات وتحرش لفظي بريء.. انتي حجر يا حبيبتي ولا إيه؟ أنا خلاص قربت انهار يعني الرحمة حلوة..

غمز إليها لتتوسع ابتسامتها ثم اقترب منها أكثر وهو يُمسك بكلتا ذراعيها لتنهاه هي في زجر ونظرت له بجدية:

- شهاب اتلم وبطل وابعد عني..

اقترب نحوها أكثر ليهمس لها عاكسًا كل ذرة صدق استطاع أن يجدها بداخله بنبرته الجذابة وهو يُحدق بعينيها تارة وينظر إلي شفتاها تارة أخرى:

- فيروز.. أنا.. 

زفر في حنق وتحولت كل افكاره من محاولته السابقة في أن يُصحح ما افسدته "كلوديا" إلي رغبة شديدة بالتقبيل وتذوق تلك الشفتان:

- أنا بحاول اتغير.. بحاول أكون الإنسان الكويس.. بس أنا مش قادر ابعد عنك اكتر من كده.. ارجوكي نتجوز.. 

شعرت بأنفاسه التي تصادمت بوجهها وهي تنظر له في ارتباك.. هذه المرة ليست كالمرة السابقة التي أجبر نفسه عليها.. كما أنها ليست بفتاة عذراء كي تُنكر تلك الرغبة بداخلها ولكن هذا لا يصح ولن تتقبله وعكس كل مبادئها فصرخت به أو ذلك ما ظنته هي ليأتي صوتها مهزوزًا في وهن:

- شهاب لو سمحت.. مينفعش تقرب مني كده واحنا لوحدنا!

تلاقت رماديتيها ببنيتيه المتذمرتين ليهمس لها وهو يحاول الإقتراب منها أكثر كلما ابتعدت:

- ليه مينفعش! اعمل ايه تاني؟ بقالي اكتر من تلت شهور بحاول.. من ساعة ما بعدتي عني قبل عيد ميلادي..  كفاية يا فيروز اوي كده.. أنا عمري ما كنت اتخيل بعد كل اللي عدا عليا في حياتي إني احب وابقى عايز اكون احسن.. عمري ما بقيت كويس غير وأنا جانبك.. مبقتش قادر إنك كل يوم تباتي بعيد عني وأفضل مستني الساعة اللي هتشوفيني فيها..

أومأت له بالإنكار وهي تحاول صد تلك المشاعر التي دفعت أنفاسها للتسارع وحاولت جذب كلتا ذراعيها الممسك بهما وجاهدت كي لا تتأثر بملامحه المتوسلة وعينيه التي عكست رغبته الخالصة بها وكلما لاحظته يرمق شفتيها او يبتلع أدركت جيدًا إلي أين سينتهي ذلك الحديث فهمست:

- شهاب علشان خاطري إن كنت بتحبني استنى شوية بس علشان.. علشان مش هينفع نـ..

أخذ يدفعها بخفة وأنفاسه باتت توترها أكثر ولم تلحظ أنه كان فقط يحاول محاوطة جسدها بحنكة كي تمنعها أقرب الجدران التي أوشكت على الارتطام بها بظهرها ألا تتهرب منه ثم قاطعها بهمس:

- هاكمل علاج، هاعمل كل اللي تقولي عليه.. بس كفاية كده ونكمل واحنا متجوزين! ايه اللي يرضيكي تاني وانا اعمله غير اننا نفضل بعيد عن بعض؟ هاعملك كل اللي تقولي عليه بس نتجوز!

حدقته في حيرة شديدة وهي تبحث في عينيه عن الصدق.. لن تُنكر أنه منذ ذلك الوقت قد بدأ فعلًا في التغير سوى تلك الليلة التي قبلها بها.. لم يرفض لها ولو طلبًا واحدًا سواء بالإبتعاد لعد أيام او حتى في اكماله العلاج مع غيرها.. ولكن تلك الليلة عندما اقترب منها بتلك الطريقة كان يرفض العلاج بشدة!

أطنبت في التفكير أكثر لتدرك أنها فقط تتأثر به وبحضوره الذي يطغى على كل شيء.. الرجل الوحيد الذي رآته في حياتها وشعرت بمثل تلك المشاعر أمامه.. وكأن هناك به آمرًا يجعل من أمامه يُذعن بما يُريد! لا تدري بمن وقعت، ذلك الرجل المُسيطر بهيمنته الطاغي أم بذلك الطفل والمراهق الطائش الذي لا يملك زمام مشاعره أمامها!

هي فقط تضعف أمام المشاعر، تحاول أن تنتشل نفسها بعيدًا عن تلك النظرات التي يرميها بها كي تصيبها بطعنات من رغبة وعشق تحتاجهما بشدة ولكن هذا ليس بصائب أبدًا.. 

حاولت السيطرة على نفسها ثم همست به:

- أرجوك ابعد متقربش أكتر من كده..

جذبت شفتها وهي تعض عليها وبدأت في دفعه بقوة ليعقد حاجباه في غضب ثم همس بحرقة وهو ينظر إلي شفتيها في رغبة بالغة:

- بحبك يا فيروز ومش قادر تفضلي بعيدة عني.. أنا عمري ما كنت محتاج ست في حياتي زي ما محتاجك جانبي.. وافقي احنا مش صغيرين ولا عندنا عشرين سنة علشان نضيع في الوقت كل شوية.. ولا انتي مش عايزة تكوني مراتي وتكوني جانبي؟

زفرت في محاولة بائسة أن تلاحق تلك الأنفاس وأومأت بالإنكار وخارت قواها في إنهزام بعد أن استمعت لنبرته ولم تشعر بأنها بالفعل أصبحت تستند على احدى الجدران ثم همست له:

- أكيد عايزة أكون مراتك بس.. بس.. واحدة واحدة.. فيه حاجات كتيرة لازم نـ..

قاطعها هامسًا:

- بحبك..

لم يكترث لصدها اياه ولم ينتبه إلي صوت "كلوديا" الذي استمع كلاهما له لتحاول "فيروز" البحث بعينيها عنها واكمل اقترابه منها وفي لمح البصر نجح في الحصول على شفتاها لتلاقي شفتاه في قُبلة رقيقة شغوفة جعلت عينيها تتوسع في اندهاش وحاولت دفعه بينما أغلق هو عينيه في استمتاع بتذوق شفتيها في رفق ورقة بالغة فهو لن يُعيد اجبارها أبدًا مثل ما فعل بالسابق ولكنه كذلك لن يسمح لها بأن تُحرمه من شيء بات يحلم به في يقظته منذ أن صرحت بعشقها له.. 

توسعت عيني "كلوديا" لتشهق في اندهاش صاحت في مزاح:

- الغبي يُقبل الخرقاء المُهذبة.. يا لكما من عصفوري حب.. 

فرق قبلتيهما التي شعرت هي من خلالها شدة اختلافها عن المرة الأولى وبالكاد لاحق كلاهما خفقات قلبيهما وتلك الأنفاس ليبتسم لها في مكر وهو يشعر بلذة لم يشعر بها مع سواها من قبل ونظر بعينيها بينما نظرت له هي بغضب شديد وكادت أن تصفعه ولكنه أمسك بيدها مُسرعًا وتوسعت ابتسامته ثم همس لها:

- أهو عنيكي دلوقتي رمادي.. 

التفت بعد أن تركها وهو يزفر في استمتاع ثم صاح بالإيطالية:

- سأحرقكِ كلوديا على افسادك تلك اللحظة!

اتجه نحو "كلوديا" ليرى ما الذي تريده بينما صاحت "فيروز" في غضب قد أعمى عينيها ولم تدرك كيف انتشلها من تفكير عميق إلي تلك القُبلة وقررت أن تكف عن الإستمرار في تلك الكذبة أكثر من هذا لتُنبهه أن يتوقف عندما قالت:

- استنى يا شهاب أنا عايزة اتكلم معاك!!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يُتبع . . . 


سيتم نشر الرواية كل اثنان وخميس في تمام التاسعة مساءًا من كل أسبوع..