-->

الفصل الحادي والسبعون - شهاب قاتم




 الفصل الحادي و السبعون

      

~ العجز مؤلم و مؤلم أكتر لما تبقى عارف و فاهم

(نور عبد المجيد)

     

نظر إليها في تأهب شديد وملامحه يلوح بها تلك النظرات التي يبدو عليها الإستعداد لأمر جلل بينما جذب الأغطية من عليها وألقى بأحدى الأسلحة لها لتلاحظ أنه هو الآخر يمسك بسلاح لتبتلع في خوف مما يحدث بينما لم يترك لها الكثير من الوقت ليجذبها من احدى يداها وتوجه لغرفة ملابسه ليتناول سترة لها واخرى له ومن داخل المنزل توجها للمرأب!! 

امسك بمفاتيح احدى السيارات ثم توجه لأحدى الكبائن المغلقة ليفتحها واخرج منها سترتين واقيتين للرصاص وناولها واحدة وأخذ هو الأخرى وقام بإرتدائها على الفور ومن ثم سار قاصدًا السيارة ليدخلها لتتوقف هي ونادته حانقة:

- ممكن افهم فيه ايه؟! ايه اللي بيحصل بالظبط؟! 

توقف ليلتفت لها وملامحه ابتُلعت في خضم ابتئاسٍ صلب من عنادها الذي لا ينتهي فأجابها على عجالة:

- تصفية حسابات من عيلة تانية! لازم نمشي بسرعة ونرجع سيسيليا حالًا! 

ابتسمت ساخرة نصف ابتسامة لم تلمس عينيها وهي ترمقه وتحدثت أعينهما بما لا يستطيع اللسان قوله.. ولكنه كان حديث مؤلم من فقدان ثقة، يأس كجبل اوشك أن يصيب كلاهما بالعجز، وكراهية منها، وعشق مرضي منه! 

وقف عاقدًا ذراعيه ثم تهكم بسخرية:

- خلينا واقفين نلوم ونعاتب بعض لغاية ما اللي جايين في طريقهم يوصلوا وتتبسطي بموت حد فينا! 

ابتسم بسماجة لتتوسع ابتسامتها ثم تحولت ملامحها للمقت بوضوح ليلمح بعينيها كل ما أراد أن يتأكد منه لتتشدق نابسة:

- كل حاجة بتتكرر! نفس الدايرة القذرة! 

تقوست شفتاها في احتقار واشمئزاز بينما توجهت للسيارة وهي تُمسك بهذا السلاح بعد أن ارتدت السُترة الواقية مثله وبداخلها تساورها الأفكار وانقض على عقلها وحش يفترسه بفكرة واحدة ليس لديها غيرها بأن تتخلص منه وتقتله! 

ارتجفت لجزء من الثانية عندما لاحظت تلك المكابح التي انطلقت فجأة ليجبر السيارة على التوقف بينما التفت نحوها وهو ينظر لها بلمحة سريعة بمنتهى الجدية ثم اقترب منها ليتأكد من ارتدائها للحزام لترمقه هازئة وهي لا تبتاع كل ذلك الخوف الزائف من اجلها وتلك الأنشودة السخيفة بأنه يعشقها وأن الأمر بأكمله سينتهي بعد ساعات، ويا لتلك الخطط الوردية بما يود فعله لاحقًا!! 

لقد حفظته هي الأخرى عن ظهر قلب، في ثوانٍ سيجد آلاف المبررات المُقنعة، بمصيره الأسود الراكض خلفه بلا توقف.. برغبته بأن ينتهي من كل هذا وإلا لما كان فعلها منذ سنوات.. نفس النقاشات .. نفس كل شيء يحدث من جديد.. تكرار غير سائغ مر المذاق اصبح يُصيبها بالغثيان! 

ألا تعلم عزيزي أن من يريد تحقيق غايته يسعى إليها بشتى الطرق.. وهو لا يفعل ولم يفعل عندما سنحت له الفرص.. وكل ما يفعله الآن بمحاولاته العديدة بالنجاة وكل تلك التراهات والأحاديث والكلمات ليست سوى ردة فعل منطقية من رجل غمس نفسه في براثن هذه الحياة التي لا تناسبها هي أبدًا.. ولن تفعل!

تلاقت عينا القاتل بعيني تلك المرأة الكارهة لقرار أخذته في حالة انكار طغت على عقلها بعشق مريض مميت مثله ليتكلم بنبرة محذرة:

- يمكن منلحقش نوصل للطيارة.. خدي بالك من نفسك كويس.. فيه ناس معانا اللي ورانا وقدامنا بالعربيات! ومش عارف هنلاقي ايه في الطريق! 

ابتلعت وهي تشاهده بطرف عينيها فاعتدل بمقعده ثم حدثها وهو يتفحص عينيها بملامح غير مقروءة:

- فيروز.. اقل من يوم وهنخلص من كل ده! اوعدك! 

لقد كان صادقًا.. ربما أول مرة أن يكون صادقًا للغاية معها.. ولكنه يُذكرني بالتلميذ الفاشل الذي يستذكر مواده بمنتهى التركيز والجدية قبل الإختبار بساعات قليلة!! يا له من خائب! لن يجتاز الإمتحان مهما فعل! 

انطلق بسرعة وبداخلها صراع من أن تقتله الآن ولكنه يقود وستنتهي حياتها بجانبه! غبية! لماذا انتظرت ولم تفعلها قبل انطلاقهما بالسيارة؟ من جديد تتأخر في ردة فعلها، لقد سئمت نفسها وما هي عليه وحياتها وقرارها الأهوج الذي ادى بها إلي هذا المصير البائس!

التفت نحوها بأعين صرختا بالإحتياج ولكن ملامحه كعادته لا تُخبر بمشاعر مقروءة ثم تحدث قائلًا:

- انتي كل الناس عرفت إنك بقيتي مراتي! 

اعاد نظره للطريق لتقلب شفتاها في سخرية وكأنه شيء يثير الضحك، لقد أصبح الأمر كدعابة سخيفة.. لاحظ ردة فعلها التي أكدت له الكثير فاستطرد متكلمًا بكلمات لن تفيد في مرحلتهما هذه:

- إنهم يصفوا الحسابات عن طريقك ده أول حاجة بيفكروا فيها، عرفتي ليه كنت بعمل كل اللي بعمله معاكي؟! 

التفتت ناظرة له! هل يُهددها؟! أم يُعبر عن خوفه عليها؟! .. رمقها كإجابة عن تساؤلها ببنيتيه التي لمعت بدهاءه الذي صاحب ابتسامته الماكرة وهمس لها:

- متخافيش.. محدش هيقدر يقربلك! انا بحبك يا فيروز.. الموت اهونلي من إني اعيش من غيرك! 

لوهلة كادت أن تصدقه، ولكن سرعان ما تراجعت.. لن تُلدغ بسُميته المميتة من جديد.. لقد باتت تفهمه وتحفظ تلك الخدع عن ظهر قلب.. مجرد التصديق والإيمان بها ولو لجزء من الثانية كان بمثابة انتحار تام بالنسبة لها!

ويا ليتها صدقته هذه المرة، لقد كان مُحقًا بكل حرف.. يا ليتها فعلت قبل أن يواجها سويًا الموت المتكرر بالساعات القليلة القادمة.. هل هي مُخطئة بأنها لا تُصدقه؟ أم هو من بدأ بالخطأ؟! علاقة مميتة مستنزفة لم يعد هناك مسمى لها.. معقدة أكثر من جميع نبتات اللبلاب بالعالم بأكمله! 

لقد تشعبت جذور انعدام الثقة بداخل كل منهما وتغلغلت بثبات صلد غير قابل للزعزعة، ربما الحل الوحيد أن ينحرق العالم بأكمله حولهما إلي أن يفنى، أو معجزة إلهية قد تنفعهما! عسى ذلك لم تعد هذه العلاقة قابلة للإستمرارية!! 

غرقت في افكارها بأن تتخلص منه في اقرب فرصة بواسطة هذا السلاح ثم للحظة تداركت ما تفكر به! رمقت طيفها بالمرآة الجانبية لتلك السيارة وملامحها لم تعد تشبهها بعد الآن.. أوصلت لهذه الدرجة من الإحتقار؟ أن تقتل رجلًا.. وليس فقط أي رجل؛ بل رجل عشقته يومًا ما! أمستعدة عند موتها أن تُحاسب على قتلها أكثر من نفس بشرية واحدة؟!

لاحظها بطرف عينه ليرى احدى دموعها تنهمر وهي تشرد بعينيها من زجاج السيارة الأمامي ليزفر في ضيق ثم امسك يدها وهو يسلط نظره امامه ثم قال:

- مظنش بقى فيه كلام تاني يتقال.. بس هتشوفي بنفسك إن خلاص بعد ما نمشي من هنا كل حاجة هتتغير! 

عقد حاجباه وامتعضت ملامحه وهو ينظر لها شاعرًا بصعوبة تجتاحه وهو لا يدري ما الذي عليه فعله بينما رن هاتفه ليجيبه على الفور ووضعه على اذنه بعد أن ترك يدها لترمقه بنظرة جانبية وشعرت بتخبط شديد من كل ما يحدث لها معه وبعد أن فكرت سريعًا فهي لم يعد أمامها سوى اختياران.. الأول أن تخبر أيًا من عائلة المافيا والثاني هو كان تمني الموت!! ليس هناك بشيء أفضل من الموت في حالتها! 

لا تملك والدان، لا تملك أطفال، ومع قاتل مثله لا تملك حياة، لماذا عليها الإستجابة والتشبث بوعود واهية؟ إلي أين ستصل إذا صدقت بكل كلماته؟! لم يعد الأمر سوى مؤلم ومعقد بطريقة هي حتى لا تفهمها، وقد نجح في أن يبرمج عقلها على العجز التام في إيجاد الحلول! 

استمعت له يتحدث بالإيطالية ولم تحاول حتى أن تفهم ما الذي يحدث وازاد من سرعة السيارة لتنظر بالمرآة الجانبية وهي ترى بعض السيارات خلفهما تتجها في اتجاهات شتى غير التي يتجها هما بها! 

لم يتركها كثيرًا للتفكير ليهتف بنبرة مستعدة لقتال حتمي:

- الطريق هيتقطع علينا.. فيه عربيات جاية هتقابلنا في الطريق.. احنا اخدنا اقل طريق فيه عربيات وهنقدر نبعد عنهم بسهولة.. خدي بالك ولو مقدرتيش تستحملي فكي الحزام واقعدي قدام الكرسي في الدواسة!! 

نظر بالمرآة الداخلية للسيارة وازاد من سرعته وأخرج سلاحه بينما نظرت إليه في خوف وأعين اتسعت من هول انهما قد ينالا حتفيهما الآن لتُفكر لوهلة، أليس هذا يُعد قتلًا وانتحارًا؟ أليس يُسمى بزوجها؟! هل زواجهما صحيح؟ هل هو قاتل والديها؟ هل عشقها حتى ولو للحظات في الحقيقة أم أن الأمر كله كانت عدة أشهر من حياة حالة مرضية لرجل حاد الخطورة؟! 

قارب رأسها على الإنفجار من كثرة التساؤلات وشعورها بالعجز لا يرأف بها والخوف يتحكم بها ليتضاعف واصبحت كالمذعورة عندما استمعت لطلق ناري بالقرب منهما! 

التفتت يمينًا ويسارًا في رعب ما إن تضررت بينما تصرف هو بمنتهى الثبات وبدأ في إطلاق الرصاص على احدى السيارات وصاح بها:

- فكي الحزام وانزلي تحت، بسرعة!

ابتلعت وبأيدٍ ترتجف فعلت واسرع هو بالسيارة ليصل لمكان لا تعلمه واطلق المزيد من الرصاصات على ما يبدو انها سيارات تمر بجانبهما وفي ثوانٍ اصطدمت احدى الأعيرة النارية بالزجاج الخلفي ليتناثر داخل وخارج السيارة لتضع كلتا يداها فوق رأسها وتكورت على نفسها في رعب لينظر هو لها متفقدًا اياها ليرى انعكاس حقيقي لكلمة الهلع

ظل يحاول الفرار من تلك السيارات التي تريد اللحاق به واعاقته وهو يقود بسرعة جنونية لينفذ سلاحه من الرصاصات ليتحدث لها وهو ينخفض برأسه ومن جديد يرفعها ليلمح الطريق امامه:

- هاتي مسدسك! 

ناولته اياه بيد مرتجفة ليتناوله منها وعاد من جديد ليطلق النيران وصاح بها بلهجة حادة:

- تحت الكرسي اللي قدامك فيه مسدس امسكيه في ايدك!

ابتلعت وهو يُملي عليها تعليماته لتنفذها على الفور ولا تدري لمذا اكتثت عينيها بعبرات بالكاد رآت خلالها لتتحدث بصوت مهتز وهي لا تريد النظر له مباشرة: 

- احنا راحين فين؟ والناس دي عايزة مننا ايه؟! 

لمحها سريعة نحوها كانت ما تُمثل لها الإجابة وكم شعرت بالرعب منه ومن كل ما يحدث حولهما على حد سواء.. فإن كان الذهاب نحو المجهول مخيف، فالتواجد مع رجل تبدو ملامحه بتلك التلقائية والتعود عندما يكون بمنتصف حرب ضارية بطلقات الرصاص حقيقة مميتة مهلكة عليها تغيرها بأي طريقة!! 

ذُعرت من تلك الإرتجاجات التي تحدث في السيارة وهو يقود ويطلق بسلاحة في آن واحد ليتكلم بنبرة آمرة: 

- اطلعي اقعدي على الكرسي.. هيجي على يمينك عربية.. اضربي في الكاوتش بتاعها!

توسعت عيناها في ذهول وأومأت بالإنكار في هول مما يُخبرها به ليرمقها بإبتسامة مقتضبة وأنفاسه تتسارع وهو يحاول فعل ثلاثة أشياء في وقت واحد، يقود هاربًا، يطلق الأعيرة النارية، ويتحدث لها.. 

رطب شفتاه ثم امتدت يده على عصا السرعات وهو يتحدث لها بلهجة مُحذرة:

- مقدميش غير اننا ننط! احمي راسك كويس!

احتبست الأنفاس برئيتيها وعيناها ثبتتا في جماد وشعرت بالفعل وكأنما السيارة بأكملها تطير وليست تسير على الأرض وسرعان ما شعرت اسفلها بإرتطام قوي لينتابها حالة ذعر تامة! 

بمجرد استقرار السيارة على الرمال المقابلة للبحر حيث كان هذا هو الطريق الوحيد كي يُكسب نفسه بعض الوقت، زفر في راحة وهتف بها: 

- انزلي من العربية مفيش وقت!

خرج هو بينما هي تصلب جسدها في نفس موضعها ليتوجه إلي مؤخرة السيارة نحو الصندوق الخلفي وأخذ حقيبة امتلئت بالأسلحة وعلقها حول ذراعيه ولاحظ أنها لا تزال في السيارة ليهز رأسه في استنكار وتوجه نحوها ليفتح الباب وجذبها بقسوة من يدها ولكنه سيطر على نبرته وحدثها بنبرة حادة على عجل:

- فيروز!! استحملي شوية لغاية ما نمشي.. فوقي وركزي.. احنا مفيش ثواني هنلاقيهم ورانا! 

جذبها لتسير بجانبه رغمًا عنها دون شعور لتلك الخطوات التي تأخذها قدماها في تلقائية ولم يفقها سوي ذلك الإنفجار المُدوي الذي ادركت انه احدثه بالسيارة عندما اطلق احدى الرصاصات بخزان الوقود مباشرة! 

توقفت عن أخذ الخطوات عندما شرع في السير مرة اخرى لتصرخ به:

- انت ايه يا اخي.. كتلة خراب ماشية على الأرض!! أنا مش فاهمة فيه ايه ولا إيه اللي بيحصل.. يعني ايه تصفية حسابات ويعني ايه هنرجع سيسيليا و..

كمم فمها بيده واقترب منها عاقدًا حاجباه وبنيتيه تلتمع ببريق الغضب في انعكاس تلك الأضواء الليلية عليهما لتشعر بالذعر من نظراته ثم رفع سبابته على شفتاه أن تصمت تمامًا  وأشار على اذنه ونحو الأعلى لترتفع عينيها نحو الجسر بينما دفعها برفق ليختفيا عن انظار الناظر من فوق الجسر مسرعًا! 

اخفض يده وتساقطت دموعها وهي تبكي في خوف من كل ما يحدث وهي فاقدة ادنى درجات الأمان فبقائه حتى بجانبها لا يُمثل لها حماية بل تدرك بداخلها أن موتها سيكون على يد هذا القاتل! 

جذبها لتتبعه وهي تمسح تلك الدموع التي تحول دون رؤيتها بمفصل يدها الممسك بالسلاح بينما الأخرى يجذبها منها لتعود إلي حالة الفزع من جديد عندما استمعت للطلقات النارية التي بالتأكيد تُطلق لتصيب واحدًا منهما! 

اسرع وهو يجذبها بينما رفع نظره حيث مصدر العيار الناري الذي أُطلق منذ ثوانٍ وأطلق في نفس الإتجاه واسرع من عدوه وهو يجذبها لتتبعه في رعب مما قد يحدث لهما حتى بدءا الإقتراب من بعض المباني التي لم تدرك حتى هي منازل أم حوانيت!! 

توقفا وهما محاطان يمينًا ويسارًا بالأبنية في ممر ضيق واسند ظهرها على احدى الجدران واختفى بإحدى البقاع الخالية من الأنوار حتى لا يُكشفا ونظر إلي عينيها وهي تذرف المزيد من الدموع ليجففها وأومأ لها بالنفي ألا تفعل بينما همس:

- هششش! متتكلميش! 

مر ثلاثة رجال بالقرب من نفس المدخل الذي مرا خلاله منذ قليل وتابعهم بعينيه فعاد احدهما وهو يصيح بالإيطالية:

- سأتفقد هذا الممر.. 

دخل الرجل لتتوسع عيناها في رعب ليقف مثلها في العتمة وهمس بأذنها:

- متخافيش.. متعمليش صوت! 

ابتلعت في حالة تأهب ويدها ترتجف على السلاح الممسكة به ليمد يديه للحقيبة خلف ظهره وهي تنظر له في ذعر بينما ادركت انه كان يأخذ منها شيئًا وبمجرد اقتراب الرجل من اول الظلمة الواقفان بها تركه يتقدم بخطوة في نفس الوقت الذذي تقهقر هو بخطوة وقبل أن يلتفت كي يواجه "فيروز" اسرع وتوجه خلفه ليكمم فمه وهو يطعنه بظهره كي لا يُصدر صوتًا ثم اوقعه أرضًا وهو يتألم ليتوجه مسرعًا وأخذ يعدو ممسكا بيدها كي يخرجا من هذا الممر في الإتجاه الآخر وهي تشعر بقلبها قد قارب على التوقف في أي لحظة من كل ما يحدث حولها! 

وقف فجأة أمام احدى الدراجات النارية ليحدثها في جدية شديدة:

- خدي بالك لغاية ما احاول اشغلها! 

اومأت له في رعب وهي تنظر حولهما واشهرت سلاحها بينما استطاع هو أن يحصل على الأسلاك اللازمة لتشغيل محرك الدراجة وسرعان ما امتطى الدراجة ونظر نحوها ممليًا بلهجة آمرة:

- اركبي! 

أومأت في نفس حالة الرعب وكادت أن تمطي الدراجة خلفه ليجذبها امامه وهو يرغم جسدها على الجلوس امامه مباشرة واصبح وجهها في مقابلة خاصته ليحدثها وهو يوشك على الإنطلاق:

- رجلك تفضل حواليا! متستخدميش ايديكي خالص! ايديكي للأسلحة وبس

رآت تلك النظرة المُخيفة بعينيه وهو يتحدث لها لتبتلع وأومأت له لينطلق هو وبدأ في التحدث لها بمزيد من الآوامر:

- مدي ايدك في الشنطة طلعي سلاح تاني.. ركزي في اللي ورايا وأنا هاخد بالي من الطريق قدامنا لغاية ما نوصل للطيارة اللي هتاخدنا! 

أومأت له بالموافقة وسرعان ما امتثلت اوامره وهو يزيد من سرعته وشعر بخفقات قلبها المتسارعة بعد أن اصبح جسديهما متلاصقان لينظر بوجهها غير عابئًا بالطريق امامه ولا من هؤلاء الذين يتبعوهما ليجذبها من خصرها بإحدى يداه نحوه وصاح بها:

- متخافيش!! اهدي.. مفيش حاجة هتحصلك وأنا معاكي! اوعدك ان النهاردة آخر يوم لينا في كل ده! كل حاجة هتكون احسن صدقيني!

نظرت إليه بعينيه وكادت يداها أن ترتخي كمن تتخلى عن عناقهما والعبرات تتجمع من جديد على مُقلتيها بينما هو ينظر لها تمامًا دون إكتراث سوى لها هي وحدها وبتلك الملامح الظاهرة عليها ليتردد بداخله هل هي محقة في كل هذا أم لا؟ 

قاطع حديث اعينهما الذي دام لثوانٍ معدودة تلك الرصاصات التي اُطلقت بالقرب منهما لينطلق هو مسرعًا بالدراجة بينما اقتربت منه اكثر وذراعاها تمتدان اسفل ذراعاه وكأنها تعانقه من جديد لتتأهب وبدأت في اطلاق الأعيرة بعشوائية علّ من يحاول اللحاق بهما يتوقف!! 

ظل يقود إلي أن وصلت الدراجة لسرعتها القصوى وقد نجح في الهروب من كل من يلاحقه، أو هكذا بدا الأمر إليها هي، بينما هو شعر بقليل من الخوف.. ليس لهذه الأصوات ولا لخوفها ولا لأي شيء سوى انها بعد دقيقتان ستقوم بالإختيار!! 

إما تختاره هو أو تتركه يُقتل! فكل ما يتعرضا إليه منذ أن استيقظت مجرد اختبار لها ليس إلا قبل عودتهما إلي "كلوديا" كي يتواجدا بحفل "كارلو".. كان عليه التأكد قبل التواجد محاطًا بكل من يكرهوه انه يستطيع أن يثق بها!

توقف بمرأب ليساعدها على الترجل وكذلك فعل هو والقى بالحقيبة ارضًا ثم جذبها من يدها نحو درج لا تعلم إلي أين يؤدي:

- يالا بسرعة مافيش وقت!!

قصد أن تتقدمه في الصعود وتصنع هو أن يغلق باب المرأب باحدى الأكواد الإلكترونية فصاح لها:

- اطلعي.. انا هطمن إن الباب قفل علشان محدش يجي ورانا!

وصلت هي اولًا إلى الأعلى ودفعت احدى الأبواب امامها عندما استمعت لصوت المروحية من خلف هذا الباب وتوجهت بتلقائية نحوها بينما هو تأخر قليلًا وقد كانت بالفعل في المروحية قبله!

 تصنع التأخر وتفقدته هي من المروحية التي اوشكت على الإقلاع وذهلت عندما ادركت أن هناك رجلًا خلفه موجهًا سلاحه بظهره!

ترقبت ما يحدث بينهما وهي تعمل ألا تظهر للنظر من المروحية وفي لمح البصر التفت "شهاب" بحركة سريعة وهو يلكم الرجل ويلقي بسلاحه ارضًا وتغلب عليه بالفعل بينما اشهر سلاحه وضغط على الزناد بينما اعترت ملامحه الدهشة عندما أدرك ثلاثتهم ان السلاح فارغًا من الرصاصات وضحك الرجل مقهقهًا وهو يصرخ به بالإيطالية التي بالكاد استمعت لصوته لتشويش صوت المروحية الصاخب!

يبدو وأن الرجل يجبره على الإستسلام عندما رآته يرفع كلتا يداه في استسلام له بعد أن تناول سلاحه مرة ثانية ودار بينهما حديث لتتوجه هي مسرعة في تلقائية شديدة لا تعرف من أين واتتها واطلقت احدى الرصاصات على ذراع الرجل والقت بسلاحه أرضًا لتصيح به:

- يالا يا شهاب! حاول نمشي من هنا أرجوك! 

عقد حاجباه متصنعًا التأهب بينما بداخله شعر بفرحة شديدة!! يبدو أنها حقًا ستقتل من أجله وبمجرد التفاتها نحو المروحية كي تعود اليها ارتسمت على شفتاه ابتسامة واثقًا بأن كل ما كان يدور بخلده كان خاطئًا!

       

اتسعت عينيها وهي تنظر له في ذهول:

- وهل قتلت الرجل حقًا؟! 

أومأ لها بالإنكار واجابها:

- لم يمت اي شخص! الجميع تناولوا اموالهم والجميع بخير! لقد ادعيت طعن الرجل الأول والثاني تلقى رصاصة بذراعه.. 

تنهدت وهي ترمقه في اعجاب شديد بينما اثنت عليه بإبتسامة:

- هنيئًا لك عزيزي.. زوجتك تستحق الثقة إذن بعد تلك الحرب بينكما وعلاقتكما ستكون بأفضل حال.. 

اطلقت همهمة في استمتاع ثم تابعت:

- أتعلم؟! لطالما كنت ماكرًا ليو!! افتخر بك عندما يأتي الأمر لتلك الحيل التي تستطيع أن تحيكها ببراعة!

زفر مطولًا وهو يومأ لها بالموافقة لتعود من جديد لتسأله عما تريد معرفته منذ أن آتيا إلي هنا:

- ما الذي تريد فعله مع فرانك؟! نحن على بُعد ساعتان من الحفل.. كيف سنتخلص منه؟!

عقد حاجباه ثم تبرم مجيبًا اياها:

- كلوديا، ثقِ بي.. كل شيء سينتهي اليوم!! هذه ليست أول مرة لنا بالإغتيالات.. صدقيني الأمر بأكمله سيكون على ما يرام!

ضيقت عينيها وتفحصته مُطولًا للحظات عِدة ولكنها قد طفح بها الكيل من انعدام ثقته بها بعد ثلاثة عشر عامًا لا يزال لا يخبر احدًا بما يخطط له لتتكلم في سخرية:

- ليوناردو بينسوليو صُنع يداي يُخفي عني خطته المنيعة الحاذقة بقتله لرجل أنا من آمرته بأن يقتله! يا لها من قصة ظريفة! ويا لك من وغد غبي بعد كل تلك السنوات لا يزال لا يثق بي!

تحول صوتها إلي صراخ في نهاية حديثها له ليُطلق زفرة خافتة في ملل وقال:

- كلوديا أنتِ تعرفيـ..

قاطعته بغضب صارخة:

- أنا لا اعرف سوى انني وقفت بجانبك، تحملت كل تراهاتك.. وحتى بعد ابتعادك هرولت بلاد كي انقذ علاقتك مع تلك الكاذبة.. عندما مرضت منذ شهران أنا من ساعدك.. وحتى زوجتك الخرقاء احاول بشتى الطرق أنا اساعدكما لأصلح من علاقتكما التافهة واعمل على حمايتكما بإيطاليا مرسلة معك افضل الرجال لدي وفي النهاية بعد كل تلك السنوات تأتي لتخفي عني تفاصيل خطة اغتيال! بربك.. أنت لن تتغير أبدًا! 

ضيق عينيه متفحصًا وجهها الغاضب ليُردف ببرود:

- هل انتهيتِ؟!

ابتسمت في سخرية لتتشدق بملامح مشمئزة:

- اتظنني اخبرك بكل هذا لأنني اريد اجابة منك!! فلتحترق في أي لعنة بعيدًا عن وجهي ايها الوغد انت وتلك الخرقاء.. سننتهي من ذلك الحفل السخيف وأتأكد من موت فرانك وبعدها فلتنسى كلوديا وأنا سأنسى عاهر مثلك واياك أن آراك بإيطاليا بأكملها! 

التفتت لتغادره وتابعها بعينيه وهو لا يعرف ما الذي دفعها لكل ذلك الغضب، فهي لطالما كانت غير لحوحة.. ما الذي حدث لها الآن؟ّ! 

هز كتفاه في عدم معرفة وقرر أن يترك ترهاتها جانبًا فهو لا يحتاج إلي المزيد من الشجارات وتوجه ليبدل ملابسه ويتفقد "فيروز" كي لا يتأخرا عن التواجد بالموعد المحدد بالحفل!

     

حبست انفاسها وهي تترجل من السيارة في غير راحة بهذا الرداء العاري الذي منحته لها "كلوديا" لعدم امتلاكها ملابس مناسبة لهذا الأمر ونظرت حولها لتشعر وكأنها في موكب رئاسي وليست ذاهبة لحضور حفل ميلاد احدى زعماء عائلات المافيا الصقلية! 

تلك السيارات السوداء، هؤلاء السائقون والحراسة، الجميع يرتدي ملابس رسمية وكأن كل واحد منهم يستعد لتلقي جائزة ما لأفعاله الإجرامية! 

ترجل هو الآخر ورمقها وهو يرتدي حُلة رسمية تصرخ بالثراء ومظهره يبدو وكأنه أفضل الرجال على الإطلاق لتزفر تلك الأنفاس التي حبستها بعد أن ارتبكت للغاية وشعرت وكأنما لابد لها أن تفر وتهرب تاركة كل هذا خلفها وقد تسقط عليها معجزة من السماء لتساعدها أو تُزهق روحها! لم تعد تمانع الموت حقًا! 

قدم ذراعه بلباقة مبالغ بها فأمسكت به على مضض وهي تدخل معه للحفل وبداخلها تشعر بالإحباط التام! فزوجها لا يزال رجل مافيا وكذب عندما اخبرها انه لن يعود لهذا الطريق وهي تشاركه احداث عمله! 

زوجها لا يكترث بآوامر الدين ونواهيه فاليوم اخبرها انه كان يريدها أن ترتدي الحجاب فقط ليثير غيظها كما اثارت غيظه.. الرجل الذي لا تدري ما دينه ولا ما برأسه ولا حتى ما هو عليه يدعى بزوجها! كيف وصل بها الحال إلي كل هذا؟! كيف كانت غبية للغاية هكذا؟! 

دخلا لتتفقد تلك الباحة الواسعة وهي لم تكن سوى رواق المنزل لتنبهر مما تراه وسرعان ما توجها للخارج حيث الحديقة التي تم اعداد كل شيء بها! 

رآت اوجه غريبة، العديد من النساء العارية بصحبة رجال يبدو عليهم الخطر واضحًا، مظاهرهم الثرية والخطرة ايضًا جعلتها تتمنى أن تهرب حيث اللارجعة وحتى ولو سيطلقون الرصاص عليها وستلاقي حتفها! لن تحتمل أن تمكث هنا أكثر من ذلك! 

التفت إليها ناظرًا لها واقترب منها للغاية وهو يُقبلها على جبهتها ومن ثم مرر انامله بنعومة شديدة على وجنتها ويده الأخرى تحاوط خصرها وابتسم لها واحدة من ابتساماته الساحرة التي ذكرتها بأيامٍ بعيدة عندما ادعى كذبًا بأنه يريد ان تُقنعه بضرورة العلاج بتلك الرحلة الطويلة بأكثر من مكان وأمال برأسه إلي احدى الجوانب وهو يتفقدها هامسًا لها:

- نحاول نبين اننا طبيعين.. احنا لسه متجوزين من شهرين والناس كلها تعرف.. مش هنتخانق هنا كمان ولا إيه!! 

توسعت ابتسامته ولم تتركا بُنيتيه خاصتها الرماديتان وهمس في تساؤل:

- حبيبتي وشك اصفر ليه؟! علشان الصيام؟! 

أومأت له بإقتضاب ثم اخفضت رأسها واجابته هامسة وهي تداعب ذلك القرط بأذنها:

- يمكن علشان قلة النوم وانا مش صايمة النهاردة ومرهقة جدًا.. ياريت نخلص ونمشي في اقرب وقت! 

انتقلت انامله لخاصتها وبدأ في مداعبة هذا القرط بدلًا منها ومن ثم انتقل بمكر إلي اسفل اذنيها وقربها إليه اكثر لترفع عينيها في زجر وهي تهمس له مُحذرة:

- لو مبعدتش عني أنا هـ..

قاطعها مقبلًا اياها دون اكتراث بكل من حولهما.. فليراه من يراه.. وليحترق الجميع.. ولكن تلك القبلة التي سرقها من شفتاها وهي لا تبكي ولا ترفضه كانت تمده بشعور لا يُضاهى ولا يستطيع وصفه، يريد أن يظل مُغلقًا لعينيه وهو يتذوق شفتاها للأبد، ناعمة للغاية  كاحدى وريقات الزهور الربيعية وكل ما أراده أن يمتص المزيد من هذا الرحيق المُثمل ولكن ربما بعد مغادرتهما تلك اللعنة سيفعل ما يُريده! 

فرق قبلتهما لتنظر له في حقد وكتمت غيظها منه وهي تلهث من انعدام الهواء الذي تلصصه منها ليبحث عن يدها ووضعها بمنتصف صدره ونظر لها بجدية هامسًا:

- مبحسش تفتكري؟! طب قلبي بيدق ليه كده؟! البوسة دي من غير اجبار ولا إني احايلك وفي عز ما انتي مش طايقاني، ليه كانت كده؟! ليه حسيت بكل ده؟! ولو أنا كداب.. انتي محستيش بحاجة؟! 

زم شفتاه مبتلعًا لملوحة تلك العبرات التي منعها بأعجوبة لتنظر هي له في شتات وطأطأت برأسها هامسة:

- أرجوك يا شهاب! متستغلش المواقف! وبعدين انت صايم! مينفعش اللي بتعمله ده!

رفع وجهها إليه كي يبحث عن عينيها ونظر لها بمصداقية:

- انا مش بستغل حاجة.. فيروز لو.. 

توقف من تلقاء نفسه وهو يرمقها بجدية وهمس بنبرة مُلحة متوسلًا:

- لو اي حاجة حصلت ليا او ليكي النهاردة اوعديني انك هتسامحيني على كل اللي عملته معاكي.. من يوم ما شوفتك لغاية اللي حصل قبل ما نيجي هنا.. أنا آسف.. آسف إني مقدرتش حبك.. وآسف إني كنت غبي والمفروض كنت اسمع كلامك! 

اللي بيحب حب زيك بيبقى عايز يشوف اللي بيحبه احسن واحد في الدنيا وبيخلصله اوي.. وانا كنت مغفل يوم ما صدقت إنك بعتيني بكل اللي تعرفيه عني لبدر الدين! 

رطب شفتاه وتجمعت العبرات بعينيه ولكنه سيطر ألا تتساقط احدها وهمس بصوت مرتجف:

- كل حاجة هتخلص دلوقتي.. صدقيني خلاص.. مبقاش فيه اي حاجة هتضايقنا بعد النهاردة! اوعدك إني هحاول استحق حبك من تاني.. عندي استعداد اعمل كل اللي تحلمي بيه! أنا كان لازم ابعد عننا اي خطر علشان اقـ..

قاطعهما صوت رجولي متحدثًا بالإنجليزية:

- مرحبًا بعودتك شهاب! 

حمحم وسرعان ما أغلق عينيه يعتصرهما ثم فتحهما وهو يلتفت له بأعين ناظرة له بحدة كما الصقر ليجده يُقدم يديه في انتظار أن يصافحه ففعل بإبتسامة لم تلمس عينيه وحدثه في ثبات:

- مرحبًا فرانك!

ابتسم له بسماجة ودلت تعابير وجهه على الكراهية الشديدة لشخصه واستطاعت "فيروز" قراءة ذلك بسهولة على وجهه وتوجه إليها بإبتسامة ساحرة وقدم يده وهو يتحدث إليها:

- مبارك لكِ الزواج عزيزتي.. 

صافحته على مضض ليُمسك بيدها وانحنى ليقبلها ليصر "شهاب" اسنانه في محاولة بائسة أن يلجم غضبه من طريقته المُستفزة بينما جذبت "فيروز" يدها بسرعة وتحدثت وهي توزع نظراتها بينهما:

- معذرة.. احتاج أن اصلح تبرجي! 

توسعت ابتسامته إليها وحدثها متغزلًا:

- بالطبع.. إمرأة جميلة مثلك لابد وانها تهتم كثيرًا بنفسها! 

هزت رأسها في انكار وغادرت مسرعة إلي الحمام بينما تابع حديثه له:

- هل تهتم بك أيضًا أم بنفسها فقط؟! لقد سمعت انكما تتشاجرا طوال الوقت.. هل هذا صحيح؟! 

أدرك أنه يود أن يقول له أنا اعمل عنك كل شيء بداية بما يظهر للأعين ونهاية بتلك التفاصيل بينك وبين زوجتك فتوسعت ابتسامة "شهاب" في غيظ شديد وأومأ له متفهمًا وسرعان ما رد له الصاع سريعًا:

- يقول البعض أن السنة الأولى بالزواج تحدد مصير العلاقة، إما بالنجاح أو الفشل.. اعذرني.. أنت لا تعلم شيئًا عن هذا.. فأنت لم تستطع أن تختبر تلك اللحظات مع زوجتك قبل موتها!

اختلفت ملامح "فرانك" في ثوانٍ بمجرد الإتيان على ذكر زوجته المتوفية ليحدثه في جدية شديدة بلهجة آمره:

- كارلو ينتظرك!! اذهب له الآن!

تركه وغادر مسرعًا ليتابعه بعينيه إلي أن اختفى ليتنهد والتفت ليبحث عن "كارلو" بعينيه ليجده واقفًا يثرثر مع احد ما وهم يتناولوا بعض الكؤوس ليتأهب بداخله ثم توجه نحوه ليرى ما الذي يريده!

ولكنه توقف في طريقه إليه عندما لمح "كلوديا" تحتسى احدى كؤوس النبيذ فقرر أن يذهب إليها حتى يستعدا لإنهاء هذه المهزلة بأكملها..

     

توجهت حيث اخبرها لتبحث عن "فيروز" بالمرحاض وكان عليها أن تترك كل شيء جانبًا.. فلقد اخبرها "كارلو" لتوه أنها لابد من أن تقتل "شهاب" وزوجته إذا ارادت ان تستمر في العائلة!! وإلا ستُقتل هي!

يثرثر بأنه ارتكب خطئًا عندما سمح له بأن ينشق عن العائلة دون أن يتم قتله، يا له من عاهر، بالرغم من كل تلك الإتفاقيات وكل ما فعله لا يكترث!! أم أنه يرتاب بأمر زوجته وبأنها اصبحت تعرف التنظيم واقتربت للغاية حتى بات قتلها واجب!! لا تبتاع حرفًا من ذلك!!

ما لا تعرفه العائلة ولا تلك الخرقاء ولا العالم بأكمله أن عشقها لهذا الرجل الوغد قد فاق كل التخيلات الممكنة التي لا يتوصل إليها أيًا من العقول.. نعم.. الكابو "كلوديا" لديها تلك العاطفة بداخلها لتعشق رجلًا منذ اكثر من عشر سنوات ولا زالت تفعل ولن تنتهي يومًا ما عن عشقها له! 

وما لا يعرفه "كارلو" ولا ابنه ولا عائلته بأكملها وبالطبع "فرانك" كذلك أن الرجل الذي عشقته سيجعلها اليوم الدون وليس فقط كابو مثلما كانت منذ سنوات!! ولكن كان عليها أن تمتثل اوامره قائلة أمرك ايها الدون الكريم!

لا تعرف كيف تثق به ولكنها تفعلها، بالرغم من عدم علمها الكثير من التفاصيل ولكنها تعرف أن خططه لطالما نجحت دائمًا، فأرسلت كما اتفقا لمعاونها أن يتقهقر الرجال التابعون لها في تريث دون لفت الانظار! 

توجهت للحمام ووقعت عينيها على "فيروز" وانتظرت إلي أن تأكدت من خروج جميع النساء لتوصد الباب بعد أن توجهت لها بالإنجليزية قائلة:

- انتظري!! يجب علنا التحدث قليلًا! 

زفرت في ارهاق وسأم وتبرمت:

- ماذا تريدين كوديا؟! 

ابتسمت وهي تُقبل نحوها في استهزاء وتنهدت متحفصة اياها واجابتها بجدية:

- دعيني اوضح لكِ انني لا اكره بهذه الحياة اللعينة اكثر من رؤية وجهك والحديث معك.. ولكن زوجك الذي اعشقه سيصنع لي معروف العمر.. ومن ضمن الإتفاق فيما بيننا أن انقذك في المقابل.. حركي مؤخرتك الهزيلة واتبعيني! 

ضيقت حاجبيها وهي ليست مستعدة لتلك الألغاز ليصدح صوتها من جديد بعد أن التفتت لها:

- أتعلمين ايتها الخرقاء! لقد فعلت كل ما قد تتخيليه وما لا يخطر على عقل أي بشر كي يعشقني ولكنه لم يفعل.. لم أجن والأمر مر ولكنني كنت أريد أن اكسب ثقته مثلما فعلتِ انت.. كنت أرغب بأن اكون صديقته العزيزة أو حتى المرأة التي سيخون زوجه معها يومًا ما ولكن لدهشتي لم يفعل!! ما الذي فعلتيه كي يعشقك هكذا؟! 

مطت شفتاها في تقزز ساخرة منها ثم اجابتها في لمح البصر دون تفكير:

- ربما أنا لست عاهرة مثلك! 

 ادركت ما قالته لتتعجب لنفسها، هي تتمنى أن يبتعد عنها بأي طريقة! إذن ما سبب ما قالته؟ هل تدافع عن نفسها أمام تلك العاهرة أم مجرد الإنتصار ظاهريًا عليها يرضي نزعتها النرجسية؟! 

توسعت ابتسامة "كلوديا" في عهر لتهمس لها وهي ترفع احدى حاجبيها:

- انتِ تحتاجين لآلاف السنوات كي تُصبحين ملائمة لمقارنتك بي عزيزتي! 

تنهدت في راحة ثم توجهت لأحدى النوافذ وجذبت طرف حبل كان يهيئه لها احدى الرجال التابعون لها هي و "شهاب" وأخذت ما بنهايته لتطويه جيدًا أسفل تنورة ردائها القصير وابتسمت في سخرية لو كانت اختارت ثوبًا آخر ذو تنورة ضيقة لما كانت تستطيع التصرف بمثل هذه السهولة وفي نفس الوقت كانت ستتصرف بأي طريقة، على كلٍ، هذا ليس بمهم!! 

لم تكترث لأعينها المتعجبة التي شعرت بها تتفحصها والتفتت لها متحدثة:

- ستتبعيني إلي أن أُسلمك لزوجك! وبعد هذا لا أريد رؤية وجهك القبيح بإيطاليا بأكملها، هل هذا واضح؟! 

ابتسمت لها في استفزاز واجابتها هازئة:

- لا أريد أكثر من هذا، يبدو أن قباحة ملامحي تزداد كلما نظرت لكِ! 

قلبت عينيها في غير تصديق وتوجهت لتتقدمها وسارت كلتاهما سويًا كي تبدلا ملابسهما لملابس مناسبة كما أخبرها "شهاب" ولا تزال لا تعرف ما الذي سيفعله ولماذا عليهما أن تُبدلا الملابس في اقرب وقت!

     

ابتسم له ابتسامته الهادئة الودودة التي يتصف بها دائمًا وبكل ملامحه التي تعبر عن الطيبة والوقار ورفع كلتا يداه ليمنعه عن التقدم وحدثه بالإيطالية:

- ايها الفتى أنت كنت مصاب بذلك الوباء!! لا تقترب!! كيف حالك ممم..

همهم مفكرًا مدعيًا النسيان وأردف: 

- هل كان اسمك العربي ماهر.. هاشم.. أو ربما بدر الدين.. حازم الصغير!! دعني افكر قليلًا 

ابتسم له بشر واضح ليستطرد: 

- ولكنني افضل الإسم الذي اطلقته كلوديا عليك.. ليوناردو بينسوليو!! اسهل من تلك الأسماء الأخرى! 

حافظ "شهاب" على ابتسامته وكأنه لم يتلق تهديدًا لتوه من "كارلو" الذي اخبره بطريقته السخيفة التي لا يكره اكثر منها أنه يعلم كل شيء عنه وعن زوجته ليحدثه في ثقة:

- لا تقلق دون كروتشيتا، رجل قوي مثلك لن تستطيع كوفيد أن تعبث معه!

أطلق زفرة ساخرة ليرد قائلًا:

- أنت تعلم أن العائلة مُصابة بوباء عدم الإنجاب وقتل رجال عائلتي في ريعان شبابهم.. لذا احب الإحتراس!! لا ينقصني وباء آخر!

صدح بضحكته ليبادله "شهاب" على مضض وهو يقارب على فقد اعصابه بأكملها بينما تابع:

- لقد فقدت الكثير أنت تعلم.. يكفي أن منذ أن أتيت وأنت تراني افقد العائلة واحدًا يتبعه الآخر.. وفي البداية فقدت إلي تشينو، هل تتذكر هذا؟! 

تحولت كلتا ملامحهما للجدية بينما أومأ له "شهاب" في وقار فتابع الآخر مشيرًا له بسبابته:

- أعشق اصغاءك.. يا لك من فتى رائع!! 

ابتلع وهو يبتسم له دون أن تتأثر عينيه بينما اندلع بداخله بركانًا من الألهبة لا يبدو أنه سيخمد دون أن يلتهم كل من يقف أمامه وانتظر ليستمع للمزيد:

بالطبع أنت تتسائل لماذا قمت بدعوتك أنت وزوجتك الفاتنة! تبدو رائعة حقًا أيها الفتى.. أن تجد زوجة مثلها.. ولكن أليست تواجه بعض الصعوبات بالإنجاب؟! 

تحولت ملامح "شهاب" للغضب وتخلى عن تظاهره بالإبتسامة ليزفر الآخر في تهكم وأكمل:

- اشعر وكأنها ابنتي.. مثلي تماما.. من نفس العائلة!! حتى انها اصابت بنفس اللعنة.. تفقد اجنتها وزوجها وتأتِ لتتزوج واحدًا من ابناء العائلة! هي تنتمي لنا بالفعل.. تمامًا مثل ما كانا  كلوديا وإل يومًا ما، هل تتذكر؟! 

رمقه في تساؤل ليزفر انفاسًا نافذة للصبر وقد بدأ ينزعج من ثرثرته المعهودة وتعجب منه متكلمًا بثبات:

- كيف استطيع مساعدتك دون كروتشيتا؟! 

أومأ له وهو يهمهم في تفهم بينما بدأ في المشي ليتبعه "شهاب" وقد قارب على التخلي عن صبره ليُحدثه مغيرًا مجرى الحديث:

- اتعلم عزيزي، اكثر ما احببت بك أنك تحافظ على صورتك النظيفة امام الجميع! بالرغم من أن الدون لا يتعامل مع الجنود مثلك ولكن أنت استثنائي! تُعجبني للغاية أيها الفتى.. كنت على وشك إجبارك أن تتولى نطاق اوسع من الأعمال ولكنني أخذت بنصيحة صديق لي في هذا الشأن! 

قست ملامح "شهاب" وتزايدت عقدة حاجباه ليطنب الآخر بالمزيد من الحديث:

- صورة رجل الأعمال الناجح هنا وبأوروبا وببلدك.. وتلك الأعمال من خلف ظهري .. كنت تظن أنك ذكي ولكن أنا اذكى ايها الفتى.. فما فعلته من أجل تلك العائلة والإستفادة التي حصلت عليها عائلة كروتشيتا منك كانت طائلة!

ابتسم له بمكر مضيقًا عينيه وهمس له كي يستفزه:

- ايها الفقير الذي اويته من المخزن بين صناديق البضائع القذرة إلي الرجل الذي انت عليه اليوم!! لقد آتى الوقت أن تُحاسب على قتلك إل تشينو بعد أن جعلت الفتاة التي اعتبرها بمثابة ابنتي خائنة.. كان علي أن استنزفك لسنوات.. والآن.. لديك مهمة اخيرة.. 

رمقه بنظرة جادة بمنتهى الهدوء الذي لن ينطق به سوى زعيم مافيا:

- اقتل كلوديا وإلا سأقتل زوجتك!

ابتلع في تأهب ليضيف بنصف ابتسامة:

- التي ربما يقوم عزيزي فرانك بإقناعها أن تخونك معه!

     


تصلبتا في مكانهما عندما استمعتا كلتاهما إلي صوت "فرانك" الذي ناداهما في مزاح:

- إلي أين تذهبا ايتها الفاتنتان؟!

ابتلعت "فيروز" بينما التفتت "كلوديا" واجابته:

- لقد ماتا والديها منذ عدة ايام.. تحتاج إلي بعض الدعم ولا تطيق المكوث بالقرب من أصوات الموسيقى ومظاهر الإحتفال! 

أومأ مهمهمًا في تفهم وهو يهز رأسه ليقف في شموخ ووضع يداه بجيبيه ثم تكلم بلهجة آمرة متحدثًا بالإيطالية:

- اتركِ امر تقديم الدعم لي ولتذهبين.. أظن أن لديك مهمة هامة، أليس كذلك؟

أومأت له في غيظ ثم همست لها بالعربية:

- اكسبي وقت.. هجيلك انا وهو!

فرت مسرعة بينما اتجه "فرانك" نحوها وهو يُحدق بها وأخذت ابتسامته تتوسع شيئًا فشيئًا وهو يدنو بالقرب منها وهمس لها:

- لدينا الكثير لنفعله ايتها الجميلة! 

تعجبت ولم يُعجبها ملامحه غير المريحة لتبتلع أكثر من مرة وفكرت مسرعة.. هل لها أن تنجو وتتفاوض معه وتخبره بما يريد "شهاب" فعله، أم تصمت وكأن شيئًا لم يكن؟! 

تنحنحت لأكثر من مرة وتظاهرت بتواجد آلمًا بحنجرتها ثم تكلمت بصعوبة:

- أنا ايضًا كنت اود أن اتحدث معك بشأن الكثير، فرانك!!

     

اقترب منها للغاية وتكلم بصوتٍ مكتوم كي لا يستمع إليهما احد: 

- اللعنة عليكِ، لا ابتاع تلك التراهات كلوديا، ما الذي فعلتِهِ بها؟!

اتسعت عيناها لتهمس في غضب:

- ايها اللعين كارلو وفرانك يريدان مذبحة بيننا، القاتل بيننا هو الرابح! ألا تفهم ذلك بعد.. أنا لم افعل شيء بها!

تفحصها في لهاث غاضب ليسألها:

- حسنًا.. لو أن كلامك صحيح، أين هي الآن؟! 

قلبت عينيها بنفاذ صبر لتهمس له:

- جوابك أيها الوغد بغرفة المراقبة، لقد تركتها مع فرانك في الطابق الثاني بأمر منه وإلا أنت تعلم جيدًا انه قد يكتشف بسهولة لو رفضت الإنصياع له! تفقد التسجيلات.. لقد تركتهما منذ عشر دقائق! 

خلل شعره في عصبية شديدة وهو يومأ لها في تفهم وتحدث بلهوجة: 

- اتجهي للأعلى بصحبة الملابس دون أن يلاحظك احد! هيا! لا تغادري إلا لو هاتفتك! 

أومأت له لتهتف به في قلق:

- هل ارتديت السترة الواقية؟! 

أومأ لها في لهفة لتسأله:

والخرقاء؟ 

أومأ بالإنكار لتهز رأسها في تفهم وافترقا ليتجه كلًا منهما في طريقهما وذهب هو إلي غرفة المراقبة وبدون أي مقدمات أخرج سلاحه الكاتم للصوت لويزع طلقتان في منتصف رأسي الرجلان المُكلفان بالمراقبة!

توجه مسرعًا إلي تسجيلات الطابق الثاني مثلما اخبرته "كلوديا" ليجد أنها كانت مُحقة وبعدها توجه إلي تسجيلات الغرفة التي دخلاها ورفع الصوت ليستمع إليهما: 

- الآن الأمر بات مختلفا.. أنا فقط اريد الفرار! هل لك أن تضمن لي هذا؟! 

ضيق عينيه نحو الشاشة امامه في غيظ وكادت اسنانه على التهشم ليتحدث الآخر لها:

- ولكن ما المقابل؟! 

تناولت نفسًا مطولًا ثم زفرته وهمست بصوتٍ مهتز:

- هو يخطط لقتلك اليوم!

ابتسم في حسرة واخفى سلاحه وبملامح ارتجفت غضبًا شعر بداخله يحترق وأخذ ينقل بث جهاز المراقبة الموضوع بالغرفة إلي هاتفه وكذلك الرواق المقابل لها كي يتبين طريقه فهذه الأماكن هي الأهم بطريقه! 

توجه سريعًا نحو الغرفة التي هما بها وبالطبع لم يكن "كارلو" غبيًا فلقد وزع رجاله جيدًا بجميع الطوابق، وهو ايضًا كان بنفس الذكاء.. لقد جمع الكثير من اعداءه الذين استطاعوا الولوج! 

كلما لاقاه أحدًا اما تغلب عليه برصاصة منطلقة من فوهة كاتمة للصوت وإما تدخل واحد او اثنان من الرجال الذين دسهم ببراعة في صورة نادل، حارس، مدعو، أو حتى صديق لحفيدته! 

بنفاذ صبر وبعد القليل من العراقيل بطريقه وصل للطابق وتفقد بهاتفه أمام الغرفة ليجد اربع حراس عليها من حراس "فرانك" يعرف رجلان منهم ليتخفى بعد أن اطلق رصاصة اصابت احدهما في منتصف رأسه ليقبل ثلاثتهما وهو يراقبهم على شاشة الهاتف وما إن اقتربوا حتى القى بإحدى الكراسي التي تعثر بها احدهم فلحقه برصاصة استقرت بعنقه!

اقبل الإثنان المتبقيان ليلحق واحدًا منهما برصاصة في منتصف صدره وفي نفس اللحظة كان يحاول أن يشل حركة الحارس الوحيد المتبقي عندما حاول انتزاع السلاح منه بيده الأخرى ولكن مع حركة جسده السريعة للغاية جعله يخطئ التصويب ليتلقى احدى الرصاصات في جانبه وادعى الصياح لتأثره بقوة العيار الناري ولكنه نجا منها بفعل السترة الواقية التي يرتديها اسفل قميصه ليبتسم له في انتصار وعاجله برصاصة بين عينيه! 

هرول نحو الغرفة ليُشهر الباب بقسوة بصحبة اشهاره لسلاحه وصاح بها:

- تعالي معايا!! 

قبل أن تمتد يدا فرانك لسلاحه كان قد قتله برصاصة احتلت رأسه لتبتلع في خوف ورمقته في عدم استطاعة لتحريك جسدها:

- يالا قدامي!

صرخ بها واتجه ليجذبها بقسوة من يدها لتشعر وكأنما قدميها اصبحتا كالهلام وتحركت مسرعة لتفعل ما يُخبرها به واتجها كلاهما نحو الطابق الأعلى حيث سطح المنزل! 

لم يرد أن ينظر لوجهها وإلا سيقتلها حتمًا.. لاحقًا سيستمع إلي تلك التراهات التي تحدثت بها عنه عندما نقل هذا التسجيل المصور.. ولكن بعد أن يغادرا هذا المكان بلا رجعة..

وصلا لتلتقيهما "كلوديا" مرتدية ملابس غريبة لتتذكر "فيروز" وكأنها رآتها في مكان ما ليحدثها "شهاب" بالإيطالية فلم تفهمهما ولكن بدا من لهاثه ونبرته أن هناك أمر فظيع يحدث! 

اتجه ثلاثتهم حيث المروحية التي تنتظرهم وبالطبع أجبرت أن تتقدمهما وكادت أن تصل ولكنها تلقت رصاصة بذراعها وهي تصرخ من شدة الآلم ولاحقها احدهما بواحده في ظهرها لتسقط ليحملها هو بين يداه وصرخ في ذعر لتصيح "كلوديا":

- اذهب.. ستستطيع انقاذها.. 

التفتت وهي تعاود ادراجها ولاقت الرجال خلفها وهم يتبادلون الأعيرة النارية برصاصات شتى لتتدخل هي الأخرى مطلقة الرصاصات من احدى الأسلحة الآلية التي تسلحت بها بعد أن وفرها لها احدى الرجال وهي تنتظرهما وصرخت به وهو يصعد للطائرة:

- بربك أيها الغبي.. لقد ارتديت ملابس الإطفاء السخيفة!! أين النيران إذن؟! فلتحرقهم إلي أن يصبحوا رمادًا! 

لهث في ذعر بعد أن دخل المروحية ونظر لها وتحدث في تلعثم:

- ولكن.. الإنفجار سيكون.. ستموتين!

توسعت عيناها في غضب وصرخت به:

- احرقهم! كلوديا تنجو دائمًا ايها الحقير.. انج بزوجتك ولا تفسد الأمر هذه المرة ايها الغبي عليك اللعنة!

أومأ لها ليخرج احدى اجهزة التحكم الإلكترونية ليضغط على احدى الازرار قبل أن يخرج عن نطاق التحكم بينما تفقد وجهها بين يديه ليجدها فقدت وعيها بالكامل!!

     

#يُتبع . . .

الفصل القادم يوم 2 مارس 2021 على مدونة رواية وحكاية