-->

الفصل الثلاثون - جسارة الإنتقام




- الفصل الثلاثون - 

هرول جاسر للخارج مستقلاً سيارته وهو يجري المكالمات ليتتبع "معتز" حتى لا يفقده، وبينما أنهى المكالمات هاتفه احدى الحراس من الذين عينَّهم لمتابعة "سيرين" وعلم إلي أين يصطحبونها، ليبدأ الوجل يتسلل لقلبه.

انطلق لتلك الوجهة ليجدها فيلا بأحدى المناطق النائية، معزولة نوعاً ما عما يقاربها من مباني أخرى، هاتف العديد من الأشخاص حتى يؤمنون حمايتها، وبالرغم من تأكده أنه ليس من السهل أن يخرج هؤلاء الرجال الذين عينتهم "هويدا" حتى ينفذون خطتها لها خاصة وأن هناك عدد كبير من الرجال قد أعدهم لتلك اللحظة ولكنه شعر بقلبه يتحطم لفكرة اختطافها.

لم يشعر بذلك الخوف لأجل أحد من قبل، أدرك كم كان غبياً أن يُعرضها لمثل تلك المخاطرة، آخذ عقله بتخيل العديد من الأشياء التي يمكن أن تتعرض لها، ماذا لو شعرت بالخوف من جديد بسبب وجود رجال لا تعلم عنهم شيء؟ ماذا لو وقعت مجدداً بتلك الحالة التي كانت عليها بعد تلك الليلة المشؤومة لو اعتدى عليها أحد الرجال؟ أدرك كم خاطر بترك هويدا أن تنفذ ما خططت له دون أن يوقفها، شعر أن كل شيء يحدث أصبح مسئوليته وأحتمال أن تسوء حالتها النفسية من أياً كان سيكون ذنبه هو وحده؛ تمنى لو لم يسمح لها بالخروج أبداً لكانت الآن بجانبه!

أوقف سيارته ليدوي زئير مكابحه بالمكان مُعلناً عن وصوله ولم يكترث لهؤلاء الرجال الذين ينتظرون مجرد إشارة منه وطرق على الأبواب كالمجنون ليتبعه الحراس الخاصين به خوفاً من أن يتدخل بتهوره هذا ويُفسد كل شيء.

ما إن فتح له الباب رجلاً غريباً حتى دفعه للداخل ممسكاً بمقدمة ملابسه صرخ به:

- ودتوها فين يا أوساخ 

تعجب الرجل ولكن فور رؤيته لجميع الرجال خلفه حتى أدرك أنه قد آتى من أجل "سيرين" فتحدث الرجل بتلعثم:

 - أنا معرفش أنت بتتكلم عـ..

أوقفه وهو يتوجه له بلكمة:

- هتستعبط يا روح أمك.. غور من وشي

 استقر جسد الرجل على الأرض من شدة لكمته له فكل ما حدث قد تم في لمح البصر ولم تعط مفاجئته لهم الفرصة للإستعداد.

صعد السلالم في سرعة جنونية وهو يفتح أبواب الغرف واحداً تلو الآخر في انفعال ولهفة حتى وجد أحدى الرجال ممسكاً بكاميرا ويصورها والتفت له في مفاجأة تامة ليلكمه لكمات متتالية ومجرد فكرة أنه رآها بجسدها العاري القابع خلفه دفعته للجنون.

بالكاد خلص الرجال جسد ذلك المصور من يدا "جاسر" بعدما ترك وجهه مبهم المعالم من كثرة الدماء التي كسته بالكامل ثم صرخ بالجميع:

- اخرجوا برا وسيبولي الكاميرا دي ومحدش فيهم يمشي لغاية ما أقلكوا هتعملوا ايه 

امتثلوا أوامره وغادروا ليتوجه هو مسرعاً نحوها وهو يحكم الشراشف على جسدها ومن ثم ألبسها سترته وحاول أن يفيقها ولكنها لم تستجب له..

توجه إلي "معتز" ليحيط جسده بقميصه الذي ارتمى على الأرض وحاول أن يفيقه هو الآخر ولكن لم يكن هناك استجابة منه أيضاً فسحق أسنانه ليتحدث إلي "حسام" على الفور:

- عايز ايه تاني يا جاسر.. مصيبة ايه المرادي ؟

اجابه بنبرة ممتنعة منذ الوهلة الأولى لأنه لم يفكر إلا بفتاة تتعرض للعذاب على يداه مرة أخرى ولكنه تحدث في ضعف وقلق شديد اتضح بنبته وهو يهتف مجيبًا:

- الحقني يا حسام.. سيرين خطفوها وخدروها هي ومعتز ومش راضين يفوقوا خالص

حمحم ثم سأله مسرعًا بعدما شعر بمصداقيته:

- طب أنت فين؟

اجابه دون أن يشعر بمعنى الكلمات التي ينطق بها:

- معرفش.. اجيبهوملك المستشفى؟

اجابه بإقتضاب:

- طيب هاتهم وتعالى بسرعة..

     

همست بنعاس بينما هو قد فرغ من إرسال تلك الصور لأخته حتى تستمر خطته كما أعد لها:

- جاسر أنا ايه اللي جابني هنا؟

 أقترب منها في لهفة ليهتف في خوف:

- أنا كنت هتجنن عليكي!

توجه نحوها ليحتضنها ثم ابتعد ليتفقد وجهها وتفحصها بفيروزيتان أنهال منهما القلق والخوف وسألها بإهتمام: 

- أنتي كويسة؟! أندهلك دكتور؟ حاسة بإيه؟!

نظرت له في تعجب ثم تحدثت بإستغراب:

- أنا كويسة يا جاسر والله وفعلاً حاسة إني طبيعية بس دايخة شوية.. بس قولي ايه اللي حصل؟..

احتضنها في لهفة مرة اخرى وهو يتمتم:

- الحمد لله 

زفر براحة ثم همس بإعتذار وندم:

- أنا آسف، مكنتش متخيل إن ده اللي هيحصل.. حقك عليا

تعجبت من تلك الاعتذارات فهي لم تعتاد كل تلك المشاعر منه هكذا فجأة واحدة فأخذت تفكر فيما حدث لها لتتذكر ذلك الرجل الذي وضع شيئاً على أنفها فصاحت في جدية:

- ابعد وفهمني وابقا احضني بعدين

 وجدته يبتعد ويتفقدها بحرص فنظرت له بعسليتان مستفسرتان وسألته:

- أنا فاكرة إن فيه راجل شاممني حاجة ودوخت وأنا في العربية، مين ده أصلاً وفيه ايه؟

 ازدرد في ارتباك ثم حمحم واجابها في همس:

- أنا المفروض مكنتش أخبي عليكي حاجة، بس هو ده كان الحل الوحيد قدامي

عقدت ذراعيها في تحفز وصاحت به بنبرة آمرة بنفاذ صبر خصوصاً بعد أن لاحظت ملابسها التي تبدلت:

- يعني مش كفاية ألغاز ولا ايه؟ أحكيلي ايه اللي حصل  

أومأ لها هو في تفهم متنهداً واجابها:

- حاضر.. بس متزعليش مني لما تسمعي اللي هاقوله

     

تحدثت "هويدا" وهي تتوجه بالقرب من "نور" في كبرياء وهي تلاحظ ملامحها الحزينة لتدرك أن خطتها قد نجحت:

- ويا ترى ايه سبب الزيارة السعيدة؟ ده أنتي حتى يوم ما اتجوزتي مفكرتيش تعزميني على فرحك!

صاحت "نور" في انفعال ولوم شديدان:

- أنتي أم أنتي؟ حرام عليكي كل اللي عملتيه فينا، إزاي تعملي فيا أنا وأخويا كده

 نظرت لها "هويدا" وزيفت عدم علمها ومعرفتها بما تتحدث عنه وقالت:

- أنا معرفش حاجة أنتي بتتكلمي عن ايه؟

رمقتها في خيبة أمل ثم تحدثت بحرقة:

- يا سلام!! والناس اللي باعتينلي الكلام ده بيقولوا إنك أنتي اللي عملتي كده.. أصلاً محدش ليه مصلحة إن جاسر وسيرين يحصل ما بينهم مشاكل غيرك، بس أنا ذنبي ايه؟ ده أنا حتى لسه مكملتش شهرين جواز، عايزة توريني جوزي وهو بيخوني؟

أكملت في ادعائها لتجيبها:

- وأنا مالي.. أنا معملتش حاجة.. روحي بقا شوفي جوزك ولا حتة البت دي اللي مخلياكوا زي الخاتم في صباعها، شوفي ازاي أصلاً كانت مع جوزك

حاولت استفزازها ودفعها للتحدث فقالت:

- حرام عليكي بقا كفاية كدب، كلنا أكتشفنا كل حاجة عملتيها زمان، أنا بحمد ربنا إن بابا مات قبل ما يعرف حقيقتك دي، ده أنتي الشيطان أطيب منك، أنا بجد بقول الحمد لله إني مكنتش قريبة ليكي زي جاسر، كان زماني بعيش بوجع حقيقتك دي، فعلاً ميشرفنيش تكوني أمي ولـ...

قاطعتها بصفعة قوية وصاحت بها: 

- أخرسي.. أنا اللي عملت كده عشان تفتحوا عنيكوا، من امتى معتز كان بيحبك عشان يتجوزك فجأة إلا إذا كان طمعان في فلوسي، ومن امتى جاسر بقا يحبها وهي بنت الست اللي خطفت هشام مني

قالت لها وهي تشعر بالظلم الشديد:

- اتقي الله بقا، انتي كنتي متجوزة وأم بطلي تـ..

قاطعتها من جديد بحدة:

- أنتي متعرفيش حاجة ولا تفهمي حاجة، كلكوا صغيرين ومش فاهمين، سيرين ومعتز طمعانين فيكوا وبيطبخوها سوا عشان يلهفوا منكم تعبي وشقايا السنين اللي فاتت دي كلها

همست في تساؤل وهي لا تصدق أنها قد تفعل ذلك بها هي واخيها:

- يعني أنتي يا أمي اللي خليتي الناس تخطف سيرين ومعتز؟

تحدثت بكبرياء وهي تجيبها:

- أنا مخطفتش حد، أنا اللي مشيت وراهم المصور عشان يفضحهم قصاد الكل و..

صاحت في غضب لتضيق عليها نطاق الحديث وهي تقاطعها:

- أمال مين اللي خدر سيرين واخدها في مكان متعرفهوش، فكرك جاسر مش عارف هي بتروح فين وبتيجي منين؟

ادعت عدم المعرفة واجابتها:

- معرفش.. يشوف بقا مراته اللـ..

 قاطعتها مرة أخرى لتدفعها لحافة الإنفعال حتى تعترف بكل شيء:

- ما كفاياكي عند ومكابرة بقا أنا متأكدة إنك أنتي اللي عملتي كده، بتكدبي ليه تاني، مفيش فايدة أبداً فـ..

رفعت حاجبها في تمرد وهي تنطق بتلك الكلمات ولم ترى أمامها إلا صورة "جاسر" التي رسمتها بمخيلتها وهو يُخبرها كم خدعته "سيرين" ولم يتبقى له سواها ولكنها لم تعلم فداحة ما ارتكبته من أخطاء وهي تجيبها قائلة:

- ايوة أنا اللي عملت كده!! ارتاحتي!! غوري بقا من وشي.. واولعي أنتي وجوزك بس استحالة جاسر هيصدقها وهيصدق الصور وهيطلقها في اقرب وقت ده إن مشربش من دمها

هزت رأسها في آسى لتخبرها في آلم وقد فقدت الأمل بها:

- أعوذ بالله منك.. مصممة تفضلي ورا اللي أنتي عايزاه من غير ما تشوفي أنتي بتأذي مين في طريقك.. بتوجعي أقرب الناس ليكي وفاكرة إنك صح وعلى حق.. أنا بجد كرهت اليوم اللي بقيتي فيه أمي.. أنا بكرهك ومش عايزة أعرفك تاني

هرولت "نور" للخارج وهي تجفف دموعها التي تراكمت على فيروزيتاها وبالرغم من علمها مسبقاً بكل ما سيحدث ولكن تلك المواجهة كانت من أصعب الأشياء التي واجهتها بحياتها فهاتفت "جاسر" لتخبره بما حدث:

- أنا نزلت من عندها وسجلت اللي قدرت عليه، هبعتلك حالاً

هتف بها متسائلًا في قلق:

- نور مال صوتك؟ أنتي كويسة؟ عملت فيكي ايه؟

همست مجيبة في حزن:

- مفيش يا جاسر، الموضوع كله كان صعب، ممكن تخلي سواق يجيلي أو حد يوصلني لحسن مش قادرة أسوق ولازم اجي اشوف معتز، هو فاق ولا لسه؟

اجابها قائلًا:

- لسه بس متقلقيش.. هما بس خدروه بعد سيرين بشوية فملحقش يصحا، لكن سيرين كويسة والدكاترة طمنونا، وأكيد استعملوا نفس المخدر مع معتز.. وحاضر يا حبيبتي هبعتلك حد.. خليكي قاعدة جوا عربيتك لغاية ما ابعتلك سواق

أنهى مكالمته ليجري أخرى مُخبراً احدى سائقيه بمكان اخته كي يقلوها وما إن انتهى وجد تلك العسليتان تتفحصه بتسائل وتنتظر إجابته فتحدث قائلًا:

- نور لسه نازلة من عندها وسجلت اعترافها انها عملت كده

سألته في لوم وأستطاع أن يرى الغضب بعينيها:

- ليه يا جاسر مقولتليش وصارحتني من الأول؟ ليه خبيت عليا؟

 تنهد ثم اجابها هامسًا:

- أنا قررت ده بليل يوم ما قابلتيها في المكتب، وأنتي مكنتيش مدياني فرصة إني أكلمك أصلاً حتى بعد ما شوفتي الطريقة اللي عاملتها بيها وكمان خوفك مني بعد ما شوفتيني عاملتها ازاي، وأكيد مكنتيش هتثقي فيا لو كنت قولتلك هي بتخطط لإيه وإن اللي عملته كانت الحاجة الوحيدة اللي ممكن أمسكها عليها، أنا فعلاً كان نفسي أنفذلك كل اللي أنتي عاوزاه حتى لو مش هتسامحيني..

مكنش قدامي حل غير اني أفهم نور ومعتز هي هتعمل ايه واتفقت معاهم عشان نور متفهمش غلط أو تشك في معتز، فهمتها بردو انها لازم تسجل اعترافها ومعتز يكون مستعد لحاجة زي دي إن حد يخطفه بالقوة وده فعلاً اللي حصل، لكن دلوقتي بعد اللي عملناه معانا اعترافها ومسكنا الناس اللي كانت شغالة معاهم ومستعدين يعترفوا عليها، وكمان تحليل عينات الدم بتاعتك انتي ومعتز بتثبت انكم اتخدرتوا، مبقاش قدامها حل غير انها توافق تتنازلك عن نصيبها يا اما تتسجن بعد ما نرفع عليها قضية

سألته في لوم:

- وليه مقولتليش امبارح؟

أكمل همسه واجابها بمصداقية:

- هتصدقيني لو قولتلك إن أنا من كتر ما كنت سعيد مكنتش عارف اقولك ايه ومقولكيش ايه، بس أوعدك إني عمري ما هاخبي عليكي حاجة..

تفحصت وجهه لترى الصدق الخالص بفيروزيتيه وسألته من جديد:

- يعني خلاص مش هاتخبي عليا حاجة أبداً؟

ابتسم بإقتضاب واجابها:

- مقدرش أصلاً أخبي عليكي حاجة

بحثت في عيناه عن إجابة قبل أن ينطق بها وسألت مجددًا:

- يعني لو سألتك عن أي حاجة هتجاوبني بصراحة؟

 اقترب منها ممسكاً بيدها وتفحص عسليتيها المرتبكتين واجابها:

- طب جربي كده

حمحمت وهمست في تلعثم وهي تود أن تعرف ما الذي وراء هذا الأمر:

- ليلة فرح رامز ونيرة لما اخدتني الفيلا البعيدة دي وكان فيه بنتين و..

زفر في حنق ثم ابتلع ريقه في ارتباك وقاطعها: 

- كنت عارف إنك هتسألي

قالت بتلقائية وفضول شديد:

- هو أنت على طول بـ..

قاطعها فهذا ليس الوقت المناسب لحديثهما بهذا الأمر:

- هقولك يا سيرين بس مش وقته ومش هنا.. أنا دلوقتي هاروح لهويدا، لازم تتنازلك عن كل حاجة في اقرب فرصة، أنا مش هاستنى عشان اشوفها بتأذي حد تاني، اللي حصل النهاردة كان ممكن يفرق نور ومعتز عن بعض، أو حتى كان ممكن يخليني أشكـ..

عقدت حاجباها في غضب وهي ترمقه بنظرة نارية من عسليتاها ثم أدرك واقع كلماته المريرة ليقترب منها مُقبلاً جبينها واكمل كلماته بعد أن توقف: 

- أنا آسف بس لو أي راجل شاف مراته في وضع زي ده ممكن بسهولة يـ.. 

تريث لبرهة لتتفهم هي ولكنها زفرت في غضب ثم أشاحت بنظرها بعيداً عن تلك الفيروزيتان اللتان وترتاها للغاية ليقول بهمس وقلق:

- لازم أروحك الأول واطمن عليكي وبعدين أروحلها.. وأوعدك أول ما اجيلك هاحكيلك كل حاجة 

تفحصته بعسليتاها الغاضبتان في حنق ثم نهضت من على طرف السرير لتتوجه للخارج فتبعها "جاسر" وهو يفكر كيف سيواجهها بحقيقته التي عمل لسنوات على اخفائها عن أعين الجميع.

     

 صاحت بلهفة ما إن فتحت باب غرفته وعيناها دامعتان:

- معتز.. أنا آسفة أتأخرت علـ.. 

تحدث ودموعها تنهمر على وجنتاها ليقاطعها محتضناً اياها:

- هششش.. متعيطيش يا حبيبتي أنا كويس

همست بمرارة وهي تبكي من اثر حديثها مع والدتها منذ قليل:

- أنا بكرهها أوي، بجد مش مصدقة إن دي أمي، دي كانت بتتكلم وكأنها صاحبة حق، دي طردتني

ربت على ظهرها في حب ودعم ثم حاول أن يُغير مجرى الحديث لتتوقف عن البُكاء فسألها بنبرة حماسية:

- معلش يا حبيبتي.. بكرة تبعد عننا خالص، متفكريش فيها بقا.. أقولك على خبر حلو؟

نظرت له بفيروزيتان صافيتان وهمست مجيبة: 

- قول

ابتسم لها ورد قائلًا:

- جاسر وسيرين اتصالحوا

صرخت في غير تصديق: 

- بجد؟! 

أومأ لها بالموافقة لتقول:

 - طب أنت كويس؟ أنا لازم أروحلها وأعرف كل حاجة!! دلوقتي يا معتز.. دلوقتي

تهكم بسخرية متمتمًا:

- بترميني دايماً في أقرب مقلب.. أنا زي القرد وأنا اللي هوديكي كمان

قبلته قبلة خاطفة على وجنته وغمغمت في اعتذار:

- متزعلش مني بقا

تصنع العبوس وادعى الحزن ليقول: 

- لا يا نور أنتي زودتيها وزعلان جداً منك

قبلته بنفس الطريقة مجددًا وتوسلته:

- معلش يا معتز أنا بس هقعد معاها شوية وهجيلك على طول 

بالغ في الأمر ليرد قائلًا:

- برضو متضايق..

تأففت لتقول حانقة:

- يوووه بقا.. خلاص شوف عاوز تعمل ايه واعمله

تحدث إليها بضيق تصنعه:

- يعني عارفة اني متضايق.. تجيبي بوسة من اللي هما، مش بتبوسي ابن أختك الصغير

نظرت له في دهشة بزرقاويتان متسعتان لتهمس بتساؤل وضيق:

- ده وقته يعني؟!

ابتسم له بخبث وهمس لها:

- لا، كله إلا ده دايماً بيكون وقته.. هاتي بوسة حلوة كده وأنا اوديكي المريخ حتى لو حابة

تصنعت العبوس وحدثته في تمنع:

- لا مفيش بوسة ولا زفت طول ما أنت بتهزر دايماً كده وقت الجد

أقترب منها هامساً بمكر مازح:

- تصبيرة يعني لغاية ما تيجي

نظرت له في حنق ولكن سرعان ما تناست غضبها منه ما إن رمقها بتلك النظرة وأنفاسه أخذت في مداعبة وجهها ومن ثم تلامست شفتاهما في قبلة جامحه استمرت لما يقارب دقيقتان فابتعد عنها بعد أن شعر بحاجتهما للتنفس ليهمس برغبة واشتهاء:

- ضروري يعني تروحي لسيرين؟ ما تيجي نروح البيت..

 اسند جبينه على خاصتها لتهمس له وهي لا تزال غامضة لعينيها من اثر قبلته:

- أنت وعدتني 

ابتعد قليلًا عنها ليتمتم بضيق:

- مش هتسحب من لساني تاني! اتفضلي علشان نروحلها..

     

نظر إليها في زهوٍ شديد ليقول بنبرة هاكمة:

- مش قولتلك يا هويدا أنا اللي هابقا في وشك وقدامك!

تصنعت البراءة وسألته في تعجب:

- جاسر أنت بتقول ايه؟

ابتسم بغطرسته المعهودة واجابها بسخرية:

- عملالي بريئة أوي.. ده كان زمان أيام ما كنتي بتستغفليني وأنا بصدقك زي الأهبل، أيام ما كنتي فاكراني عيل صغير هيصدق امه حبيبته لما تقوله راجل أغتصبها ويعيش متحمل الذنب والمسئولية سنين ويبقا ليله ونهاره بيفكر يجيب حق امه وينتقم لشرفها ازاي..

ابتسم بتهكم وهو يتفقدها بتقزز وخيبة أمل ثم اردف:

 - بس للأسف طلع معندهاش شرف..  ضحكت على العيل وفكرته عمره ما هيبقا راجل.. بس أحب أعرفك إن العيل الصغير كبر خلاص، بقا راجل، مش هايسمح لمخلوق يمس شرف مراته ولا يخرب على أخته ..  

نظر لها في حزن وإحتقار بآن واحد لتتغير نبرته وكأنما جزء بداخله يتمنى ألا تكن هذه هي أمه التي تقف أمامه واستطرد مُحذرًا:

 - أنا معايا كل الأدلة إنك أنتي اللي عملتي عملتك السودا في سيرين ومعتز، يا تتنازلي عن حقك في ورث ابويا وكمان الجزء اللي بإسمك يا إما وديني لا هاسجنك

هتفت به في غير تصديق وحاولت أن تستحث مشاعر كانت تتواجد بداخله يومًا ما لتتمنى أن تخدعه هذا المرة أيضًا:

- أنت فعلاً هاتعمل كده في أمك.. يا جاسر يا حبيبي كل اللي حواليك بيكدبوا عليك وسيرين دي عـ..

قاطعها وهي تحاول تزيف الدموع الخادعة ولكنه لن يُصدقها مهما فعلت فقال:

- طب فكري تجيبي سيرتها تاني على لسانك الوسخ وأنا اموتك بإيديا، وأنت عارفة كويس إني ممكن أعملهاو اسمعي الكلمتين دول كويس عشان خلاص أنتي مبقتيش تفرقي معايا في حاجة، أنا ماليش أم، أمي ماتت يوم ما ولدتني وهو ده كل اللي يربطني بيها، انتي كنتي بتسممي دماغي بكدب ووساخة عمرها ما تطلع من أم أبداً، أعتبري دي آخر مرة هاتكلم معاكي فيها

نظر لها بإحتقار شديد ثم استعاد رباطة جأشه ولم يكترث بذلك الآلم الذي يهشمه بداخله وتبرم بهدوء:

 - المحامي هيكون عندك الصبح الساعة عشرة، هاكلمه حداشر، لو مكنتيش ماضية على كل الأوراق يبقا هتكملي الكام السنة اللي باقيالك من حياتك في السجن.. واياكي بس يخطر على بالك تأذي أي حد قريب مني وأنا المرة الجاية هموتك بإيدي

القاها بتلك الكلمات دون أن يترك لها الفرصة ليتوجه للخارج وهو يحاول التغلب على تلك الآلام بداخله فهو للتو رؤيته لها جعلته يسترجع كل أوقاتهما سويًا وكلماتها المُخادعة الكاذبة التي لم تنفك ليوم واحد عن اخباره بها بمنتهى الدناءة ولم تكترث لخداعها اياه ولو لمرة واحدة! 

     

هتفت "نور" في غير تصديق:

- وجالك قلب تشوفيه كده.. جبارة صحيح

همست لها بقلة حيلة:

- فكرك يا نور كان الموضوع سهل عليا؟ أنا كمان كنت خايفة ومرعوبة، كان لازم أتأكد إنه اتغير فعلاً

أردفت لتستعطفها نحو اخيها وقالت:

- اسمعي مني بس، جاسر شكله يرعب اه وهو متعصب بس من جواه طيب وغلبان

صاحت "سيرين" مازحة لتتعالى ضحكاتهما:

- وبالمرة قوليلي قلبه قلب خصاية! 

أكملت حديثها لها بنبرة لا توال تحمل اثار الضحك:

- بس كفارة، أنا افتكرت عمركم ما هتـ 

سكتت من تلقاء نفسها عندما دخل "جاسر" لترفعا نظرهما إليه ولكنه لم يتحدث لأحدٍ منهما فنظرت لها بإستفهام لتهز "سيرين" كتفيها تقصد عدم علمها لماذا يبدو وجهه متجهماً هكذا فهمست لها وهي تراه يصعد الدرج دون حتى إلقاء التحية عليهما:

- هو ماله فيه ايه؟ 

اجابتها بعفوية:

- معرفش.. المفروض إنه جي من عند مامتكم

زمت شفتاها في ضيق وتريثت هنيهة وهي تُخمن أن لقائه بوالدتهما لم يكن هينًا فقالت:

- طيب معلش قومي شوفيه ماله.. أكيد ضايقته في حاجة، أنتي عارفة هما كانوا قريبين لبعض ازاي

تنهدت "سيرين" في تآفف لتتوسلها الأخرى:

 - عشان خاطري استحمليه شوية معلش في الموضوع ده بس، قومي شوفيه وأنا هامشي وهابقى اجيلك تاني

نهضت لتحتضنها مودعة اياها لتقع "سيرين" في حالة ارتباك وتوتر لعدم تعاملها معه بتلك الحالة من قبل ولكنها توجهت للأعلى ثم لغرفته فلم تجدهحتى وجدت الحمام فارغاً فتعجبت يا تُرى إلي أين ذهب وهي رآته يصعد الدرج من قليل، فأخذت بالبحث عنه فلم تجده فتوجهت لغرفتها ثم أشعلت الأضواء لتجده جالساً على سريرها منكساً رأسه للأسفل ثم همس موقفًا اياها:

- بلاش النور اطفيه

شعرت بأن نبرته ليست على ما يرام والإنزعاج سيطر على صوته، ففعلت ما أخبرها به ولكن بتعجب لطلبه الغريب ثم توجهت نحوه على حذر ثم سألته في اهتمام:

- أنت كويس؟

رآت إيمائته بالنفي في ظل ذلك الضوء البسيط الذي تسلل من نافذة الغرفة لتهمس في تساؤل:

- مالك ايه اللـ

اطعها هامساً ودون سماع اجابتها استرسل في كلماته:

- ممكن أطلب منك طلب؟ نامي جنبي

لم تكن نبرته سوى نبرة توسل واحتياج فابتلعت في ارتباك وهي لا تدري لماذا يطالبها بهذا وما الذي دفعه لجعله بذلك الحزن فزفرت ما برئيتيها ثم دلفت السرير خلفه لتجده يستلقي بظهره جانبها ثم وضع ساعده على جبينه فسألته من جديد:

- فيه ايه يا جاسر؟

قابلها بالسكوت التام ثم أخذت تحدق بملامحه الرجولية لترى ذلك البروز بعنقه يتحرك في صخب مبتلعاً ريقه لتجده فجأة يدفن رأسه بصدرها وذراعاه يحاوطان جسدها ليتمسك به بشدة حتى أحست بإعتصار جسدها بذراعاه اعترى صوته الهامس الآلم الشديد وهو يتحدث بحرقة وضعف أمام نهديها:

- أنا بكرهها أوي، مكونتش أتخيل للحظة أنها ممكن تعمل فيا كده، عمري ما حبيت حد ذيها، ليه كانت بتأذيني كل ده؟ نور عملتلها ايه عشان تأذيها بالمنظر ده؟ لو أنا مكنتش عارف كل حاجة هتحصل كان زماننا كلنا شاكين في بعض، هو أنا فعلاً استحق القسوة دي كلها منها؟ هي مش المفروض امي وبتحبني، ليه بتعمل كده؟

تريث لبرهة ثم همس بمزيد من الإنكسار:

- هي مستنية تعمل فيا ايه تاني؟ مش كفاية أذتني فيكي؟ مش كفاية إن بسببها كرهتيني، دمرتلي حياتي وأنا صغير ولسه عايزة تكمل عليا؛ ليه كل ده؟ أنا عملتلها ايه؟

بالكاد سمعت صوته الهامس لتجد نفسها تلقائيا تربت على ظهره في حنان ثم يدها الأخرى داعبت شعره الفحمي ولا ا تعلم من أين آتت تلك الكلمات التي ودت أن تخبره بها ولكنها لأول مرة في حياتها تختبر مثل هذا الشعور، وكأن آلامه قد تسللت لها هي لينعكس على اثرها تلك الكلمات التي واسته بها:

- أنا مش بكرهك يا جاسر، ولا هي ولا غيرها هيقدر يكرهني فيك، انسى اللي عملته، أنا جنبك وعمرها ما هتقدر تأذييك ولا تأذيني تاني

تحشرج صوته ممتزجاً بدموعه التي شعرت بها على صدرها:

- أنا خايف تعملك حاجة أو تقرب منك.. وكمان نور ملهاش ذنب

لأول مرة تتعامل مع شخصيته تلك، لقد ظنت من قبل أن هذا لمجرد انهياره من قبل ولكن أدركت الآن أن هذا هو "جاسر" الذي لم تكن تعرفه من قبل، عرفت أنه طريقته التي تتسم بالبرود والغرور يختفي خلفها شخصية تكاد لا تؤلم ذبابة ونادته لتستخضر انتباهه:

- جاسر  

اجابها بحزن واقتضاب:

- نعم

لم يبتعد عنها وظل محتضناً اياها فأخبرته بنبرة مازحة:

- لا حضرتك تبصلي لما اكلمك

تعجب رافعاً رأسه لينظر لها وتلاقت فيروزيتاه بعسليتاها في هذا الضوء الخافت فقالت بخشونة كما الرجال:

 - لو حسيت هويدا مضيقاك تاني هكسرلك راسها

تصنعت الجدية والصلابة ثم تابعت:

- مش أنا اللي جوزي حد يدايقه، وعيب عليك يعني وراك راجل وجامد اوي

ابتسم لما اخبرته به ثم اراح رأسه على نهديها وحاولت أن تغير الموضوع كي تحيد تفكيره عن والدته ولكنها لم تعلم ما الذي اقتربت من ملاقاته:

- وبعدين خد تعالى هنا، فين اللي قولت هحكيلك وهاقولك

شعرت بذبذبات زفرته الشديدة على جسدها ثم نهض جالساً ناظراً لها في بصيص من الضوء المتسلل من النافذة ولكنها ابتلعت خشيةً من تلك الفيروزيتان اللتان تبدو مُرعبة في ذلك الضوء الخافت فسألها وقد تحولت نبرته للجمود وكأنه ليس هذا الرجل الذي اندلعت الآلام بنبرته منذ قليل:

- عايزة تعرفي ايه يا سيرين؟

حمحمت وتحلت بكل الجرأة التي استطاعت أن تستمدها ثم تحدثت له:

- اللي أنت عملته مع البنتين ده ليلة فرح رامز ونيرة لمـ..

ابتلع ريقه في انفعال ساحقاً أسنانه وقد لمحت بصيص من الغضب بادياً على وجهه وقاطعها في انفعال:

- ماله؟

تنهدت في تردد ولكنها استلهمت جرأتها لتقول:

-  محتاجة تجاوبني، تعرفني إذا كنت أصلاً أنت سادي ولـ..

اجابها بهدوءمنكسًا رأسه للأسفل:

- مش سادي ولا حاجة

تحولت نبرته مجددًا للإنكسار ثم تنهد هاتفًا:

- أنا مكنتش كده من زمان، والموضوع مطولش معايا أوي، لدرجة إن جت عليا فترة كبيرة كنت مبطله، لكن لما بتعصب ببقا محتاج حاجة أخرج فيها كل ده، زي ما بكون بنفس عن الكبت اللي جوايا مع إني عارف إن الطريقة نفسها غلط.. 

وأنا صغير أيام ما كنت بسمع أهلي بيتخانقوا وبخاف نور تسمع حاجة كنت بطلع عصبيتي في اي حاجة جنبي، ممكن أكسر اي حاجة تقع عنيا عليها، بعد كده لما كبرت ابتديت أكتشف المتعة الغريبة وأنا في الحالة دي وبدل ما أكسر عفش ولا اي جماد بقيت بستمتع وأنا بسمع الستات قدامي بتتعذب كل ما أعنفهم.. 

زفر بغضب لتكاد هي تقتنع أنه مجنون تماماً وأوشكت أن تتحدث ولكنه بادر بالحديث متابعًا: 

- بصي يا سيرين، لو كنتي خايفة من ده فاطمني إن عمره ما هيحصل تاني، ولو فاكرة إن أنا كده على طول فبردو هيكون تفكيرك غلط، الموضوع ده بالنسبالي كان احتياج وقتي مش أكتر..

ومش هانكر إن أنا عملت اللي عملته ده قدامك عشان أشوفك خايفة بس ده لما كنت موهوم ومش فاهم حاجة وكان نفسي ساعتها أشوفك خايفة بأي طريقة لأن جرأتك كانت بتخوفني أنا شخصياً وكنت فاكر إن عمري ما هاقدر عليكي، وعموماً أنا عمري ما أقدر أؤذي الإنسانة الوحيدة اللي حبتها

 تلمست أنامله يدها في بطأ لتسري قشعريرة لذيذة بجسدها لم تختبرها من قبل وتابع بهمس ومصداقية: 

- أنا ممكن أتخلى عن أي حاجة مهما كانت مهمة عشان خاطرك، حتى لو ده معناه إني ملمسكيش لغاية ما أموت.. أنا بحبك أوي، بحبك بطريقة عمري ما أتخيلت إني ممكن أحب حد بالشكل ده

حاول أن يحدق بعسليتيها اللامعتين في ذلك الضوء الخافت وتنهد مُكملًا:

- أظن كده جاوبتك وصارحتك باللي سألتيني عليه، وأتأكدي إني عمري في حياتي ما هاقدر أخبي عليكي حاجة 

أقترب بوجهه منها لتتصادم أنفاسه بوجهها مُخلفة شتات مُربك بنفسِها وهي لم تتعود منه ذلك القرب وتوسلها: 

- نفسي أنتي كمان تكوني صريحة معايا في كل حاجة، ونبتدي بداية جديدة مفيهاش لا إنتقام ولا كدب، عايزك تكوني حضني يا سيرين، أنا مبقليش حد في الدنيا كلها غيرك..

اصطدمت تلك الكلمات بقلبها كالأسهم المندفعة وكادت أن تنعدم المسافة بينهما لتشعر هي بالإرتباك فهي متأكدة أنها تشعر بالرغبة الهائلة تجاهه ولكن لا يزال جزءًا بداخلها يأبى أن يتمادى في القرب منه خاصة وأن نبرته التي تؤجج شعورها الأنثوي لا تسهل عليها الأمر بتاتًا ولا تستطيع أخذ قرار كالرفض أو التراجع.

تيبس جسدها عندما أدركت أنها تتنفس أنفاسه الساخنة وفيروزيتيه اللامعتين الصادقتين تمامًا صعبت عليها ألا تستسلم لقربهما الشديد هذا فهي للتو شعرت بالعديد من آلامه، لقد أدركت أنها وقعت بحبه بالرغم من جسارته وشخصيته الصعبة التي دفعت عقلها للعديد من الظنون المريبة ولكنها تأكدت أيضاً أنها لن تستطيع الإبتعاد ولن تأتيها الجرأة على أن تصده أو أن تدفع تفكيره أنها لا تريده أو تأباه..

كان عليها ارتجال أمراً شديد الأهمية حتى يبتعد عنها ويحررها من تلك الرغبة التي آثارتها وبنفس الوقت خوفها من تذكر تفاصيل تلك الليلة عندما يقترب منها أو حتى يلمسها.

خذلتها أفكارها فلم تساعدها بإرتجال قولاً ما عندما شعرت بتلامس شفاههما وازدياد أنفاسه الساخنة التي بالرغم من اطمئنانها بها وشعورها بتملكها لذلك الرجل بداخله؛ تسللها الوجل والفزع من التمادي معه.

رغماً عنها استسلمت لقبلته الدافئة الهادئة، شعرت خلالها باحتياجه لها أكثر من مجرد شهوته، كان لطيفاً للغاية، لم يكن هناك عنفاً بقبلته، وكأنه يشاركها قبلتهما الأولى بعد سنوات من العشق ولكنها تدرك أن معرفتهما ببعضهما البعض لم يمر عليها سوى أشهر معدودة.

لم تدر متى اعتلاها ومتى فرق قبلتهما بل ومتى أوصدت عيناها في استمتاع ورهبة بآن واحد لتُجبر نفسها على النظر له وتسمرت عسليتاها بتلك الفيروزيتان لا تدري بحب وشغف أم بخوف وتردد فهمس أمام شفتيها:

- بحبك.. 

خارت قواها مرة أخرى عندما أستمعت صوته العميق ينطق بتلك الأحرف ليعيد تقبيلها مرة أخرى برقة وحنان واستسلمت مرة أخرى لتلك اللحظة الساحرة بينهما وهي لا تستطيع أن تبتعد عنه بالرغم من توترها الداخلي الذي اندلع بعروقها ليسير بكل نقطة من دمائها.

أخذ يقبلها ثم شعرت بأنامله تداعب أسفل أذنيها لتزداد القشعريرة السارية بجسدها وبمنتهى التلقائية أعتصرت ساقيها تضمهما في رغبة ليلاحظها وهنا أزداد عنف تلثيمه لها في شراهة تامة حتى احتاجا للتنفس ولكنه لم يستطع الابتعاد لتهبط شفتاه لعنقها ولسانه يتذوق نعومة جيدها ليهمهم بكلمات بالكاد أستطاعت تفسيرها:

- أرجوكي متبعديش عني أبدًا 

تعالت أنفاسه ونبرته المتوسلة تذيب قلبها وهمس بين لهاثه وتلثيمه الذي لاحظت ازدياد حدته

 - أنا مش هاقدر أعيش من غيرك تاني.. سيرين أنتي ليا أنا بس.. أنا..

لم تفسر بعض الكلمات بعد أن بدت أنفاسه وكأنه يعدو منذ سنوات عدة باحثاً عن ما تمنى ليجده الآن بذلك الشغف الذي أشتعل بينهما ليتوسلها هامسًا بين لهاثه:

- قوليها يا سيرين، قوليلي إنك مش هتبعدي عني تاني، قوليلي أن خلاص كل حاجة ما بينا بقت كويسة، قوليلي إنك بتحبيني 

داعب مفاتنها بطريقة خالفت تمامًا نبرته المترجية لها ليهذي بالكلمات وهي تتفلت من بين شفتاه:

- أرجوكي متسكتيش، طمنيني.. أنا.. أنا عمري ما هأذيكي تاني

انتقل ليلثم عظمة الترقوة خاصتها لتبدأ أسنانه في الإشتراك في تلك اللحظة من الإثارة التي تنهال عليها كالسيول في عاصفة شتوية ولكنها أوصدت عيناها في شبق ووجل بآن واحد لا تستطيع النطق حتى ولو بكلمة ليترجاها مجددًا:

- صارحيني بكل حاجة حاسة بيها، متخبيش عليا حاجة تاني

 تلك الطريقة التي تلمس جسدها بها أفزعتها عندما شعرت به يجرد جسدها من الملابس لتفتح عيناها في فزع لتنظر له وهتفت به:

- جاسر..

وجدته يستجيب وتوقف فورًا محدقًا بعسليتيها وأنفاسه الثقيلة تنطلق لتشعل نيران الشبق بكل أنملة بجسدها وحمحمت بعد أن طرأت فكرة بعقلها بالرغم من خوفها من ردة فعله ولك أي شيء سيكون أهون بكثير من أن يُكمل ما بدأه معها لتتلعثم قائلة:

 - أنا.. عايزة أقولك إني مسمحاك، ومش هابعد عنك تاني بس..

ابتلعت في وجل ولكنها تجرأت لتقول:

- أنا عايزة أقولك على حاجة ما دام أتفقنا منخبيش على بعض حاجة 

نهضت جالسة وهي تجمع ثيابها حول جسدها لتداريه عن أعينه ثم أنارت مصباح صغير بالقرب من سريرها لترفع بعض خصلاتها خلف أذنها لتحمحم وهي تحاول استجماع سيطرتها على نفسها ليأتيها صوته متعجباً بعد أن نفذ صبره وازدادت حيرته لماذا ابتعدت عنه؟ وتفحصها بزرقويتيه المتهفتين وسألها:

- فيه ايه يا سيرين؟

اشاحت بنظرها بعيدًا عنه خوفًا من ردة فعله وهمست متوجسة:

- بابا مماتش، بابا لسه عايش

نهض هو ناظرًا لها في صدمة تامة وتعالت أنفاسه لا تدري هل من مفاجأة ما أخبرته به أم من غضبه مما علم به؟ وترقبت في صمت بخوف من أن تكون افسدت كل شيء..

#يُتبع . . .