-->

الفصل الحادي والثلاثون - جسارة الإنتقام




- الفصل الحادي والثلاثون - 

أطال النظر لها بفيروزيتان مندهشتان تشعر بهما يخترقا روحها حتى ولو بمثل هذا الظلام!

اندفعت العديد من التكهنات لعقلها، هل هو غاضب؟ بالطبع فقد خبأت عليه الحقيقة، ماذا سيكون رد فعله بعد كل هذا الصمت؟ أسيعود لذلك الرجل الذي يشبه في صورته بركاناً مهيباً أم سيسألها لما فعلت ذلك؟ تود أن يسألها، أن يكون هادئاً معها، شعرت بحتمية أن ما سيفعله معها الآن بعد معرفته بالحقيقة سيكون مساراً وأساساً لحياتهما القادمة معاً.

أسيكون هناك حياة من الأصل أم سينظر لها مثلما يرى هويدا؟ أتسرعت بإخباره أم كان عليها ألا تخبره؟ العديد والعديد من التساؤلات دوت بعقلها وعيناها مسلتطان عليه فلم يفيقها إلا توجهه للخارج في صمت تام وتوصيده للباب تاركاً اياها بغرفتها ليلتهم عقلها مجدداً العديد من الأفكار.

توجه لغرفة مكتبه ليرتمي بجسده على أقرب كرسي وقعت عيناه عليه، يدرك أن أكبر جزء ما سببه لها من آلم وأذى كان وقع على علمه بموت والدها، وكأنما تحكم به صوت بغيض لأن يذيقها ما ظن أن والدها فعله بأمه.

ازداد شعوره بالذنب وتجدد الآلم بداخله كلما دوى صوتها في عقله متذكراً ما أخبرته اياه، لقد تسرع كثيراً، لماذا لم ينظر حوله ليتأكد؟ هو لم ير جثة والدها ذلك اليوم، صدق كل الأحداث من حوله، أدرك كم هو غبي لعدم محاولته للبحث عن الحقائق ولو لمرة واحدة.

كان بالطبع سيؤلم ابيها كثيراً على ما فعله بهويدا التي خدعته، ولكن أكان هذا سبباً لتخدع سيرين الجميع وتدعهم يظنون أنه مات؟! لها كل الحق بأن تبتعد به وتخبأه بعد أن انهالت عليها تلك الكلمات اللاذعة منه ليلاً ونهاراً ودائماً ما كانت تتعلق بأبيها.

كانت أذكى منه، فعلتها، فازت هي بحماية من تُحب وأمامها خسر هو نفسه وكل من أحبه قلبه حتى هي فقدها، أو كاد يفقدها، لا يدري فقد تشوش عقله كثيراً، غرق بالأفكار التي عذبته داخلياً بينما من الخارج فقد بدا عليه الهدوء والصمت التام.

بحثت عنه حتى وجدته لتقترب منه بعد أن نفذ صبرها ليراها تقف أمامه فرفع نظره إليها وازدردت في ارتباك ولأول مرة يرى بعيناها تلك النظرة المُكترثة له:

- جاسر أنت.. أنا.. كان لازم..

صعُبَ عليها الحديث فتنهدت في قلة حيلة ثم اقتربت منه لتجلس على كرسي أمامه لتتحدث ولكنها ولأول مرة أرادت أن تبوح بكل شيء وتنطقه حتى يسمعه ولتكن النهاية لهما أو البداية لحياتها معه:

- كان لازم ابعد بابا وأنا مش شايفة منك غير كل الكره ليه، أنت نظرتك ليه وكأنك بتشوف شيطان، كنت خايفة عليه، أنا مكنش فاضلي حد غيره، لما كنت بتقولي يا حيلة أبوكي ودايماً تشتمني بيه أنا مكنتش أعرف ليه أنت بتعمل كل ده، ولا أعرف الأسباب ورا كرهك ليه، ولما فكرت كتير كده كده بابا مكنش هيجي جنب فلوسكم فأتأكدت إن فيه سبب تاني غير موضوع جوازنا اللي مخليك تكرهه، كان لازم احميه، ودي كانت الطريقة الوحيدة قدامي.. كنت خايفة منك لا تعمله أي حاجة

نظر لها نظرات مبهمة فلم تستطع هي تفسير أياً منها فتركت العنان للسانها ليعبر عن مكنونات صدرها التي دفنتها منذ كثير:

- تعرف يا جاسر، بابا ده بالنسبالي كل حاجة، سيبك من انه ابويا وامي في نفس الوقت، بابا كان صاحبي في وقت مكنش ليا فيه اصحاب، كان حبيبي اللي بستناه عشان يجمعنا عشا واحد بين اربع حيطان، بابا مثلي الأعلى بعد ما ابتدى من الصفر تاني ووقف على رجليه، مثالي في التواضع وطيبته اللي عمري ما شوفت حد ذيه بيها ابداً.. 

أنا وأنا طفلة اتحرمت من كتير، ام تسرحلي شعري الصبح وهو كان بيعوضني على قد ما بيقدر وأنا بشوفه وبلاحظ هو بيعافر ازاي عشان يسرحلي شعري وهو مش عارف، كنت بشوف نظرة الحزن في عينيه وهو راجع من شغله ومتأخر عليا، ولا لو مُرهق ومش لاقين اللي يأكلنا احنا الاتنين فيقوم هو ويضغط على نفسه عشاني، بابا ضحى بإنه يتجوز تاني عشاني مع إن كان حقه يعمل كده بعد ما اتعذب كتير، عمره ما كان قاسي معايا أبداً ولما اتجوزتك وشوفتك بتكرهه ازاي كان لازم احافظ عليه وعلى تعبه

تريثت قليلاً لتكفكف تلك الدموع التي تساقطت رغماً عنها عله يتحدث ولكن قابلها بالسكوت التام وهو ينظر لها مترقباً ولكنها لم تدرِ ما الذي تعبر عنه حالته تلك فانطلق لسانها مرة أخرى دون تراجع:

- أنا بعت أغلب شركاتنا وخلتها فلوس في البنوك، شاركت كذا حد، نقلت حاجات كتير باسم رامز ومراد، أنا فضلت سهرانة كذا يوم أنا وهما علشان نحاول نبعد عن عنيك أي حاجة ممكن تضر بيها بابا، أنا ممكن أستحمل اي حاجة ولا إني أشوفه مضايق أو تعبان عشان مبحبش ولا هاحب حد في الدنيا قده، ولو رجع بيا الوقت التاني وكت أعرف اللي هاتعمله معايا كنت هاعمل كده تاني وتالت ورابع لكن بابا لأ يا جاسر.. ده بالنسبالي كل حياتـ..

 لم تستطع أن تُكمل بعد أن وجدت نفسها قد دُفنت بصدره ليهمس محتضناً اياها:

- أنا آذيتك أنتي وهو كتير.. سامحيني يا سيرين

 اجهشت بالبكاء وتعالى نحيبها ليضمها أكثر ويربت على ظهرها في حنان بعد كل ما أدركه عنها فهي بالنهاية ليست سوى طفلة صغيرة تدافع عن من تُحب فهمس بأذنها:

- اهدي ارجوكي بلاش تعيطي

حملها ولازالت رأسها مدفونة بصدره ليتجه للأريكة ويجلس عليها حاملاً اياها على قدماه وللحظة رق قلبه بشدة عندما رآها متكورة على نفسها بهذا المنظر وجفونها المحببة لقلبه لازالت تحمل الدموع فربت على ذراعها وكأنما يبث الأمان لها خلال تلك اللمسات لتجفف بقايا الدموع على وجهها بطريقة رآها هو طفولية للغاية وهمست في حُزن وهي تتابع كلماتها:

- أنا مش عايزة أخبي حاجة عليك، وعايزاك تعرف كل حاجة دلوقتي، وأنا مستعدة لأي قرار تعمله أو تقول عليه..

نظر لها بتركيز وهي تنهض جالسة على قدماه ودون إدراك منها لم تشعر بساقيها التي مرت على رجولته لتوقظ الرغبة به فنظر لها في شغف ولكنها حقاً لم تلاحظ والدليل أنها أكملت الحديث:

- أنا اللي آذيتك في شغلك وقفلتلك المحاجر بتاعتك وأنا اللي كنت ورا كل القضايا دي عشان تتشغل ومتاخدش بالك أنا بعمل ايه من وراك 

سكتت بعد أن أخبرته لتنظر له بعسليتيها المرتقبتان ما سيقوله معقباً على ما علمه للتو ولكنه ضيق عيناه ناظراً لها لثوان ليقول:

- بهدلتيني صح يعني! 

أخبرها ثم ابتسم لها وهمس بهدوء ممازحًا:

- طلعي عين أهلي يا ستي كمان.. ولا يهمك، فداكي

تسائلت بعسليتان متوسعتان في دهشة:

- جاسر أنت بتتكلم جد؟!

 لم يجبها وظل يتفقدها بفيروزيتين تحملا العديد من المشاعر لتهتف هي في حنق:

- مش وقت هزار بجد ومـ..

قاطعها متأففًا في هدوء وهو ينهاها:

- أنتي لسانك ده ايه؟ ما تسكتي بقا!

نظرت له في حيرة فجذبها محيطاً اياها بذراعه لترتطم مجدداً بصدره ثم تحدث ليبرر لها ردة فعله التي إلي الآن لم تكن واضحة لها وشعر هو بتلك الإستفسارات التي صرخت بها ملامحها فبادر بالحديث وبنفس الوقت يمرر يده على كتفها ليشعرها بالأمان:

- اللي حصل حصل يا سيرين وعدى، وذي ما أنتي سامحتيني وادتيني فرصة أنا كل اللي حصل منك قبل كده بالنسبالي ولا حاجة، أنا بس لما عرفت موضوع باباكي خلتيني أشوفك أغبى واحدة في الدنيا و..

قاطعته بلهجة حادة:

- مين دي اللي غبية؟!

تحركت مجددًا جالسة في تحفز وللمرة الثانية تثير رجولته ليسحق هو أسنانه ثم نظر لها نظرة نارية وكلمها بنفس حدتها ليقول مُحذرًا:

- طب بصي.. لو قاطعتيني تاني بموتك.. اسمعي للآخر واحكمي

صاحت له بتهكم مُعقبة:

- يا سلام يا جاسر بيه!! أنت اللي تعدل لسانك وتتكلم عدل لـ..

ابتلع باقي جملتها بفمه ليقبلها بشغف ورغبة اشتعلت بداخله ولكنه تحكم بنفسه ليفرق قبلتهما وجذبها مجددًا لصدره بعد أن اكتسح ذلك اللون الأحمر وجهها خجلاً وسألها بخبث:

- اي عناد ولسان طويل بعد كده عواقبه مش هاتكون حلوة.. سمعاني يا قطة؟

شعر بالإنتصار وهبطت فيروزيتاه لتلك التي توسدت صدره وشعر بإمائتها وهي تحاول أن تتحاشى النظر له بعد ما حدث منذ ثوانٍ وهي تشعر بالإرتباك الشديد فأكمل حديثه:

 - كنا فين.. آه.. إنك غبية

تريث ليرى اثر كلمته عليها ليشعر بتآففها وانزعاجها وهي بالكاد تحاول أن تُمسك بلسانها فابتسم لطفوليتها وأكمل بجدية: 

- أنا بس حسيت بكده، إن لو مكنتيش عملتي ده مكنتش وصلت للي حصل معاكي ويمكن بس ساعتها كنتي سامحتيني، لكن لما اتكلمتي معايا وفهمتيني ليه عملتي كده قدرت كل حاجة

زفر في حرقة وآلم وضمها أكثر وهي تستمع لما يُخبرها به وبنفس الوقت تستمع لضربات قلبه المتواترة ولأول مرة معه تشعر بأمان لم تشعر بمثله من قبل فتابع بخفوت ومصداقية:

- عارفة يا سيرين كل ما بفتكر اللي عملته فيكي ببقا نفسي أموت نفسي.. بكره نفسي أكتر وأكتر واحس إني انسان ميستحقش يعيش وحلال فيا القتل، كل ما بشوفك قدامي وأنتي انسانة نضيفة اوي ومتستحقيش كل اللي حصل ببقا نفسي أموت نفسي بجد، أنا فعلاً يوم ما قولتلك موتيني مكنش فارق معايا أعيش ولا أموت، وأنتي من زمان قولتيلي يا قاتل يا مقتول، كل حاجة حصلتلي كانت وجعاني اوي، الكدب اللي كنت عايش فيه كان عامي عيني ومخليني أشوف كل حاجة غلط، بس عارفة يا سيرين!! عمره ما عمى قلبي

نهضت للمرة الثالثة لتثيره أكثر فحدق بها في لوم ولكنها لم تفهم نظرته لتجده يحمحم وكأنما يواجه صعوبة من شيء ما ولكنه سيطر على نفسه لينظر لها فنظرت له بعسليتان امتلئتا بالبراءة والصدق وسألته:

- يعني كنت بتحبني من الأول؟

 أومأ لها بالموافقة ثم اجابها:

- من ساعة ما نورهان مشيت وأنا حبيتك

لم يقصد بكلماته أن يُشعل غضبها الذي انهال من عسليتاها لتصيح به بحدة:

- إنسان قذر وزبالة ومعندكش دم وأنا أصلاً غلطانة إني نزلـ.. 

إلي هنا ولم يكترث لما سيحدث فتلك النظرة الجريئة بعيناها لطالما أشعلت الرغبة به فقاطعها جاذبًا رأسها بكلتا يداه ليقربها منه ملتهماً شفاهها في شراهة ونهم خالص.

بلحظة اعتلاها على الأريكة وهو يقبلها في شغف ورغبة بأن يتنفس تلك الأنفاس التي مثلت له كل ما هو رائع بالوجود، مثلت له الطهارة الناقية، الحب الذي لم يراه من قبل، أنفاسها كانت كالهواء بالنسبة له، كلما أقترب منها ليقبلها شعر وكأنما يولد من جديد، فقط بفعل أنفاسها الرقيقة التي تنبعث لتؤثر عليه كنسائم ربيعية مُفعمة بروائح الزهور النادرة التي لم يجدها قط سوى معها..

ظل لسانه يداعبها باحثاً عن رغبتها به التي تمنى لو أنها تتواجد بداخلها وتشعر بها مثلما يشعر هو.. لثم شفتاها الورديتان أكثر وهو يتذوقها ليتذكر ذلك الحلم مجددًا وهو يقبلها فابتعد عنها قليلاً كي يسمح لها باستنشاق الهواء ثم صاح لها وهو ينظر لوجهها وملامحه تحولت للرعب مما هو مقدماً عليه فهو لطالما تمنى أن يسمعها منها وهمس بشفتان مرتجفتان أمام شفتاها:

- متبعديش عني تاني.. 

نظرت هي له ليرى تلك الرغبة التي اشتعلت بعينيها ولكنها امتزجت بالخجل الشديد لتهمس له بوهن:

- مش هاقدر

تصاعد خجلها لتوصد عيناها مرة اخرى ليجن هو عقله مما سمعه فاقترب منها ليحطم شفتاها في قبلة جامحه وترك العنان لنفسه فلم يعد يدرك ما الذي يفعله بعد أن أخبرته تلك الكلمة مثلما بحلمه.

ازدادت وتيرة تقبيله لها في جنون تام، أنخفضت يده إلي مفاتنها في رفق لتتمسك هي بعنقه وكأنما تستمد القوة منه وهبطت شفتاه لا تلقائياً لتستكشف عنقها ولم يترك لسانه ولو إنشاً واحداً لم يتذوقه فهو لأول مرة يفعلها مع إمرأة وتكون شهية مثلها، فأخذ بتذوق كل ما ظهر منها في شراهة وأراد المزيد ولكن تلك الثياب التي شعر بكرهه لها فجأة منعته.

مد يداه ليحرر ثيابها في فوضوية وسرعة ليتخلص منها، ولكنه نظر إليها بأعين غمقتا رغبة وسيطر عليهما الإثارة والخوف بآن واحد بعد أن أدرك ما اقترب على فعله فهمس لها متوسلًا:

- أنا محتاجك أوي

 حرر جِذعُها من الثياب لتصبح أمامه بصدريتها فقط وتلاحقت أنفاسها المتعالية بإرتباك وهي تشعر بمشاعر مختلطة بين الخوف والرغبة التي لأول مرة تختبرها فاقترب منها لتشعر بإنسياب أنفاسه الساخنة على وجهها وتحدث في هذيان تام غير مُدركًا لما يفعله بلحظة من إشتهاءٍ جارفٍ لها:

- أنا من يوم ما شوفتك وأنا اتجننت، عمري ما حسيت كده مع واحدة غيرك

تمنى أن يخبرها بتلك الكلمات منذ زمنٍ بعيد ليجعل حلمه حقيقة ثم دفن وجهه مجددًا بعنقها لتنهمر من فمه تلثيمات أشعلت إثارتها دون هوادة.

جسده القوي يعتليها، لم تعد تشعر بالخوف، ولكن هناك توتر تشعر به كذلك، تشعر أنها تريده، تحتاجه هي الأخرى، تلك النظرة التي تتراقص بعينيه كلما نظر لها تجعلها تحس وكأنها أجمل إمرأة بالكون كله، ذلك الدفء الذي انفجر من جسده كلما اقترب منها تجعلها تسقط في في جب عميق لا نهاية له من المتعة لم تختبره مع سواه من قبل، رجولته الصارخة ترضي ذلك الكبرياء والغرور بداخلها دون أي رجل آخر وقعت عيناها عليه، تدرك في هذه اللحظة أنها تريده منذ أن عرفته ورآته بالمشفى، شيئاً بتلك الفيروزيتان آسرها للأبد ولكن هل ستستطيع التراجع الآن بعد أن صرخت الدماء بعروقها أن يتملكها أسفله؟!..

بدأ الخوف أن يمتزج بتلك الرغبة بداخلها لتقع رأسها بالحيرة، هل تصده وتمنعه أم تستجيب له ولكل ما يفعله بها؟! هل ستستعيد تلك السيطرة على نفسها وعلى تلك الحدود بينهما أم سيغلب عليها الرغبة بداخلها أن تدعه يُكمل ما بدأه؟!

أما هو فقد نسى كل شيء، تلك الإثارة التي يشعر بها الآن فوقها لم يختبرها مع إمرأة سواها، لا يدري هل ذلك لأنه يعلم أنها ملكه وحده ولم يلمسها من قبل رجل آخر أم لأنه يعشقها بجنون؟

لاحظ أن عنفه ازداد دون إرادة منه أو تحكم بما يفعله، لم يكن يريد لها هذا، أراد أن يعوضها عن كل ما بدر منهما من بداية غير سوية بالمرة، لقد أخذ قراراً من قبل بأن يتريث معها ولكن ما يفعله الآن أشبه لبداية ليلة جامحة بينه وبين إمرأة قابلها للتو!

أراد أن يتوقف ولكنه لم يستطع، وخاصة تلك الآنات التي غادرت شفتاها تشجعه على أن يُنهي ما بدأه، ولكن أدرك بداخله أنه ما إن استجاب لرغبتيهما وذلك الشبق المشتعل بينهما كالجحيم لن تكون ذكرى جيدة لأي منهما.

فرَّ ناهضاً ليواجهها بظهره وأخذ يلهث بشدة ليهدأ من نفسه وهو يُحاول أن يدفع أسفل خصره للهدوء بأي طريقة وتمنى ألا يراها الآن وإلا لن ينتظر ولو للحظة واحدة حتى يُصبح بداخلها في ثوان.

 نادته متعجبة من فعلته وهي لتوها قد رآت الرعب يكتسح ملامحه وكأنه يرتعد لفكرة الإقتراب منها:

- جاسـ..

قاطعهًا مسرعًا بلهاث:

- اطلعي اوضتك واقفلي عليكي 

استمعت لصوته الذي يبدو وكأنه يعاني من شيء ما فانزعجت متعجبة لنبرته التي امتلئت بالإنفعال والقسوة لتُمسك بثيابها لترتديها مرة أخرى وتغادره دون أن تنطق بكلمة أخرى.

     

جلست على سريرها وهي تستعيد بذاكرتها كل ما حدث مرة ثانية وأخذت التعبيرات ترتسم على ملامحها بين خجل ورغبة وخوف ثم استغراب من ابتعاده عنها مرة واحدة هكذا.

تنهدت وهي لا تدري ما الذي فعل به هذا، هل فعلت شيء أثار ذلك الخوف بداخله مثلاً أم هو بالأصل خائف من شيء آخر لم يُصارحها به؟

نهضت ذاهبة للحمام لتستحم بعد ذلك البركان الذي انفجر بها منذ قليل علَّ عقلها يتناسى ذلك ولكنها أدركت أن كل ما أختبرته للتو معه لن تنساه بحياتها أبداً وهي تعلم أن هذه أول مرة تشعر بمثل ذلك الإستسلام التام أسفله ولم تقدر على أن تصده أو تنهاه.

بعد أن صعدت وتركته موصدة للباب خلفها، خلل شعره في عصبية شديدة، كيف له أن يبالغ معها هكذا خاصة وأنه يعلم أنها ليست كمثل تلك النساء الذي اعتاد أن يعاشرهن، يعلم أنها ستتأثر بكل ما يفعله بها، لن تستطيع مواجهة ذلك السيل من الرغبة وهي الفتاة الصغيرة التي لم تُقابل مثل تلك الأحاسيس من قبل، شعر بإستغلاله التام لها وأدرك أنه بأخذه قرار التوقف قد منع كارثة لربما تذكرتها هي بالأيام القادمة لتتسبب لها بمزيداً من الآلام!

هوى بجسده جالساً وهو يُفكر بكل شيء، لقد قرر مسبقاً هو وهي أن يبدأ من جديد معها، أحترم صدقها التام وهي تخبره بكل ما فعلت بتلك البراءة المطلقة وجرأتها التي لطالما عشقها وتأكد من أنه قد مكنه القدر من امتلاك أفضل فتاة بالعالم ليبتسم بمرارة وتملكه ذلك الشعور بعدم استحقاقه لمثلها وحتى لو كفر عن ذنوبه لآلاف المرات.

ذهبت الافكار برأسه وآتت وهو يفكر بالعديد من الخطط حتى يُسعدها ويعوضها عن كل ما سببه لها فتطلع الوقت حتى يبدأ في تنفيذ تلك الخطط فوجد أن الساعة قد تعدت الرابعة صباحاً فزفر في حنق وبنفس الوقت لم يصدق أن الوقت بوجودها بجانبه يمر بتلك السرعة الشديدة.

استمع لطرقاً خفيفاً على الباب فنظر نحوه لتدخل هي مرة أخرى ليلاحظ إنتعاشها وملابسها قد تبدلت بأخرى ليراها ترتدي كنزة طويلة نبيذية اللون وأسفلها بنطالاً ضيقاً أسود وبالأسفل اعتلى قدماها شيئاً ما طفولي للغاية امتلئ بالفرو ولم يستطع حتى معرفة ما هو لينفجر ضاحكاً على مظهرها ولم يستطع التوقف.

رمقته بإنزعاج لتنظر له نظرة نارية بعسليتاها وقد انفعلت من تلك الطريقة التي صدحت بها قهقهاته دون تروي لتصيح به هاكمة:

- ايه؟! شوفت بهلوان؟!

تركته وأخذت تجوب بمكتبه وهي تتفحص كل ما به ثم اندهشت فجأة وكأنما عيناها وقعت على كنز ما وصدح صوتها السائل: 

- أنت بتلعب شطرنج؟

 نظر نحوه لتهدأ قهقهاته وأومأ لها لتبتسم هي في تحفز وقالت بنبرة مُنتصرة:

- مش هاتعرف تغلبني أكيد

أمسكت بالصندوق الخشبي بيدها الذي يحوي المجموعة واتجهت أمامه لتجلس بينما هو رمقها في نظرة متفحصة وهو يراها تتحرك أمامه في حيوية وطفولة لم يلحظها بها منذ زمن ليبتسم ابتسامة هادئة وهو يتمنى لو فقط أصبحا هكذا منذ البداية.

رصت البيادق والمجموعة بأكملها بينهما لتقول: 

- أنا بلعب بالأبيض على طول على فكرة 

أخبرته ثم نظرت له في تعجب وسألته بسخرية:

- ساكت ليه؟ لسانك اكلته القطة؟ 

ابتسم لكلماتها ثم سألها:

- طيب ولو غلبتك؟

نظرت هي للأعلى كمن يُفكر بشيء ما ليقع أكثر في عشق تلك العسليتان و اندلعت العديد من الأفكار بتلك الأشياء التي ستفعلها به ما إن انتصرت هي فأجابته:

- الغالب يحكم

عقب مؤكداً وفيروزيتاه تلتمع وهو يتطلع وجهها وتفاصيلها ثم اعتدل في جلسته استعداداً لمبارتهما معاً:

- اتفقنا..

#يُتبع . . .