-->

الفصل الخامس والثلاثون والأخير - جسارة الإنتقام

 




- الفصل الخامس والثلاثون -

والأخير

 

مر ثلاثة أشهر وها هي "سيرين" تعيش بالقرب من والدها في سعادة تامة وعشق خالص مع "جاسر"؛ لم تكن تتوقع أن طريقته اللينة معها بل ومع والدها ستستمر هكذا، فهو عدا الغيرة اللاذعة التي تظهر أحياناً لم يكن هناك ما يعكر صفو حياتهم أبداً.

فرحت كثيراً بوجود الجميع حولها، اخته وزوجها، "مراد" صديقها و "رزان" زوجته، حتى بعد زواج أبيها من "هناء"، عرفت كم هي حنونة وإمرأة طيبة للغاية، لم يعد هناك ما يدعو للحزن بحياتهم أبداً.

قررت التنحي عن إدارة تلك الشركات التي تنازل كل من "هويدا" و "جاسر" لها عنها وأعادت نصفهم إليه مرة أخرى بينما شرعت في متابعة شركات الدعايا والإعلان منذ شهران بمساعدة صديقيها كالعادة ووالدها يتابع الأعمال مع الجميع بخبرته الطويلة في المجالان.

لم يخبر أحد "هشام" بما حدث، وكأنما كانت صفحة من حياتهم جميعاً ومزقوها سوياً ولم يعد هناك من يتذكر تلك الأيام المريرة التي مرت عليهم.

تسائلت في تعجب بنبرة هادئة لكلًا من صديقيها:

- يا عيال.. حد كان يتخيل من سنة بالظبط إن حياتنا تبقا كده؟

اجابها "رامز" بطيف بسيط من الضيق:

- ولا كان يخطر في بالي إن أنتي والواد أبو قلب رهيف ده تبقوا عايشين سوا في بيت واحد وأنا كخه!

ضحكت هي وكذلك شاركها "مراد" لترد بعنجهية تصنعتها:

- هاخدلك معاد من جاسر وأعرض عليه الفكرة

رد برفض على ملامحه واستخفاف:

- لا ياختي مش عايز منكو حاجة.. أنا عايش أنا والمزة ميت فل وعشرة.. وآه بالمناسبة هابقا بابي وكده!

صاح كلاهما في دهشة بآن واحد بهذا الخبر السعيد:

- بجد! 

نهض "مراد" ليعانقه مهنئًا اياه:

- مبروك يا رامز

ابتسمت له هي الأخرى وهنئته ولكن بطريقتها الخشِنة المعتادة:

- مبروك ياض بس بقا ايه، عايزينك تركز كده وتجبلنا مزة زي مامتها

قلب عينيه في ملل ثم زجرها:

- هو أنتي مش هتبطلي طريقة الشوارعية اللي فيكي دي أبداً؟

عقب كذلك "مراد" متفقًا معه:

- رامز عنده حق

صاحت هي كما الرجال في اعتراض:

- هو ده اللي عندي، عاجب ولا مش عاجب؟

هز كلًا منهما رأسه في سأم وعدم تقبل لما تقوله ولكن يُدرك كلاهما انها لن تتغير أبدًا فشعروا باليأس لتتحدث هي بحماس:

- ما تكلم نيرة تيجي تتغدوا معانا النهاردة وتجيلنا على البيت

أومأ لها بالموافقة ثم قال:

- ماشي هاشوف وأقولكم

     

تسائل بإبتسامة حنونة وهو يُحدثها:

- عاجبك يا حبيبتي؟

اجابته في سعادة حقيقية:

- حلو أوي يا أدهم.. عارف؟

تريثت قليلاً لتنظر له متفقدة اياه ثم أردفت:

- كان نفسي بابا وماما يكونوا معايا، ده أنا حتى لما قولتلهم إني هاتجوز محدش اهتم وسألوا بس على معاد الفرح

تلمس يدها في حنان ودعم ليقول:

- أهم حاجة إنك معايا.. متفكريش فيهم تاني، أنا هاعوضك عن كل حاجة

ابتسم لها بمصداقية ثم قبل يدها وأردف:

- يالا بقا تعالي نتفرج على باقي البيت 

أمسك بيدها ليتشابكا الأصابع وتوجها ليتفقدا بقية المنزل الذي أنبهرت به "أميرة" ولم تكن تتخيل أن يكون "أدهم" معها بتلك الرقة والحنان وكأنما عوضها عن كل شيء.

كانت حياتها صعبة للغاية منذ أن أنفصل كلاً من أمها وأبيها وتوجهت هي للعمل بالخارج ولم يكترث لها أحد منهما ومنذ أن توفت جدتها وهي وحيدة تماماً..

تفقدته في امتنان وهما يتجولان بأرجاء المنزل لتهمس له:

- شكراً يا أدهم على كل حاجة بجد مش عارفة أقولك ايه

أومأ بالنفي لينهاها عما تقوله:

- أوعي تشكريني تاني.. أنا بجد نفسي أشوفك سعيدة ومبسوطة على طول 

قبَّل جبينها ثم ابتسم لها لتبادله الإبتسامة وظلا يتبادلان النظرات في صمت ولأول مرة منذ أن عرفها يشعر وأن تلك الشخصية العنيدة المتزمتة لم تعد تتواجد بداخلها، أصبحت مختلفة للغاية معه..

أردفت بمزيد من الإمتنان وقالت:

- ربنا ما يحرمني منك 

أخبرته ثم قبلته على وجنه قبلة خاطفة ليندهش رافعاً حاجباه ثم توجهت بسرعة للخارج وهي تصيح في خجل من فعلتها التي  تظن أنها تلقائية بسبب سفرها لسنوات كثيرة للخارج وتأثرها بعادات تلك البلاد:

- هستناك في العربية 

     


جلس الجميع حول مائدة الطعام يتناولون العشاء سوياً بعدما فرغوا من أعمالهم ويتسامرون ويتمازحون لتتحدث "سيرين" إلي الجميع:

- بقولكوا ايه احنا مش هنسيب أدهم لوحده في الفرح، وبردو أميرة ملهاش حد

عقبت "نور" بنبرة حزينة لتقول:

- دي بتصعب عليا أوي

تابعت "سيرين" كلماتها وهي تنظر إلي الجميع وفي النهاية سلطت نظرها على والدها:

- فرحه الخميس الجاي.. هو صحيح على الضيق ومش حاجة كبيرة بس كلنا لازم نكون معاه.. مش هوصيك بقا يا بابا

أومأ لها بالتفهم ليرد قائلًا:

- طبعاً يا بنتي

آتت "منى" لتقاطع حديثهم وقالت برسمية:

- هشام بيه.. فيه واحدة برا بتقول انها عاوزة تقابل حضرتك

تعجب "هشام" وكذلك لاحظت ابنته ليتسائل: 

- مقالتش اسمها ايه؟

أومأت له بالنفي واجابته: 

- لا.. مقالتش!

أومأ مجددًا ثم نهض وقال:

- خلاص دخليها وأنا هجيلها 

أخبرها ثم استأذن الجميع وتوجه للداخل لتتعجب "هناء" و "سيرين" وتبعتاه مسرعتان  لتعرفا من القادمة ووقفتا على مقربة بينما تحدث هو في ضيق بمجرد رؤيتها: 

- ايه اللي جايبك يا هويدا، عايزة ايه تاني؟

اجابته متصنعة الآسى وقالت:

- هشام.. أنا من ساعة ما عرفت إنك عايش وأنا نفسي أشـ..

قاطعها حتى لا تُكمل كلماتها التي لن تُفيد الآن ولم تكن لتفيد أبدًا:

- لو سمحتي كفاية.. قولي عايزة ايه بإختصار، جيتي ليه؟

اجابته بكذب برعت في اظهار أنه حقيقة محضة:

- جاية عشان تعرف الحقيقة، حقيقة بنتك اللي كل ده مستغفلـ..

هنا تدخلت "هناء" لتقاطعها حتى لا تتفوه بأي حماقات قد تؤذي الجميع: 

- عايزة ايه من جوزي يا هويدا؟

شعرت "هويدا" بالصدمة الشديدة مما سمعته للتو يغادر شفتي اختها لتتمتم في دهشة:

- جوزك!

أخذت تهز رأسها في عدم تصديق ثم همست: 

- يعني بعد كل حبي ليك، وبعد كل السنين اللي استنيتك فيها وتتجوز هناء؟

فجأة ابتسمت لتتبعها بنوبة ضحك هستيرية وهنا دخل "جاسر" الذي شعر بالغرابة بعد مغادرتهم وما إن وقعت عيناه عليها حتى شعر بالخطر ما إن أخبرت "هشام" بأي مما حدث بينه وبين "سيرين" في السابق ليجدها تُحدثه:

 - جاسر.. شوفت يا حبيبي.. هناء أخدت هشام مني.. تاني.. تاني واحدة بتاخده مني على حياة عيني.. هو ليه مش بيحبني وأنا حبيته أكتر من أي حاجة في الدنيا؟ 

تعالت ضحكاتها وانسابت دموعها في آن واحد ليشعر بالحرج مما يحدث لها وزجرها بجدية ونبرة هادئة:

- لو سمحتي أطلعي برا وكفاية مشاكل لغاية كده

لم تكترث لكلماته ثم توجهت للتتوسله:

- هاعمل كل اللي هتقولي عليه.. بس والنبي يا جاسر قول لهشام وهناء إن أنا بحبه إني أنا المفروض أكون مراته مش هي.. صح يا جاسر؟ 

تعجب الجميع من طريقتها غير الطبيعية وضحكاتها الهستيرية وشكلها المرعب ببكائها هكذا الذي اختلط بتجاعيد وجهها لتهذي بمزيد من الكلمات والجمل غير المنطقية التي لا تصنع معنى واضح: 

- مش أنت حبيب ماما اللي هتكبر وهتجبلي حقي من هشام؟! مش قولتلك إنه ظلمني ومحبنيش؟ يالا خليه يتجوزني وأنا أجيبلك البيانو اللي بتحبه

اندهش الجميع حولها بينما حضر البقية لتأخر البعض وبات الكل يرى ويسمع ما تقوله وهي تهذي بالمزيد:

- سلوى مش بتحبه قدي.. أنا اللي بحبه.. قوله إني مش بحب شرف الدين وبحبه هو.. يالا يا جاسر وأنا هاجبلك كل اللي نفسك فيه

وقف "هشام" بمواجهتها ليزجرها:

- هويدا أرجوكي كفاية.. عيب اللي بتعمليه ده.. أرجوكي أمشي وانسي كل اللي في البيت هنا

أومأت بالإنكار لتتقدم مُقتربة منه وهي تقول:

- أنا مش هويدا.. أنا مرات هشام.. أنا اسمي سلوى.. صح يا حبيبي 

أقتربت منه أكثر لتحاوط وجهه بكفيها وهي لازالت تبكي ليعقد "جاسر" حاجباه ثم توجه للخارج وهو يجري اتصالاً هاتفياً بينما ثرثرت هي بمزيد من الكلمات التي لا معنى لها سوى الجنون التام: 

- قولهم يا هشام قد ايه بتحبني.. قولهم احنا مبسوطين قد ايه.. أنا مراتك حبيبتك سلوى.. صح يا هشام؟ 

اندهشت "سيرين" ومن ثم الجميع حولها لتتحدث هي باكية بإبتسامة:

- احكيلهم كنا بنحب بعض قد ايه في الجامعة.. فاكر لما خلفنا جاسر؟ طب فاكر يوم ما خلفنا نور؟ احكيلهم يا هشام عن ولادنا 

اخذت تبكي بهستيرية ورغماً عن "نور" تساقطت دموعها وهي تشعر بالحزن على حال والدتها وما وصلت إليه لتقول من جديد:

- يالا يا حبيبي عشان نروح سوا.. يالا يا هشام

أمسكت بيده وهو لا يدري ما الذي عليه فعله بعد أن وصلت لتلك الحالة المرضية ووقف الجميع يشفقون على حالها وما وصلت إليه ويتعجبون أن تلك المرأة التي كانت تتسم بالشدة يوماً ما أصبحت على هذا الحال.

أخذت تهذي لدقائق وتضحك تارة وتبكي تارة أخرى حتى دخل بعض المسعفون ولكن بدا وكأنهم من مصحة ما بينما بحثت "سيرين" عن "جاسر" بنظرها فلم تجده حولهم وتوجهت لتبحث عنه حتى وجدته بغرفتهما فهتفت به: 

- جاسر أنا..

قاطعها بنبرة منكسرة ووهن اتضح على ملامحه:

- خديني في حضنك يا سيرين

توجهت له على الفور واقتربت منه لتدفن وجهه بصدرها وهمست له:

- متزعلش يا جاسر.. انساها.. هي اللي عملت كده في نفسها.. أنا جانبك وعمري ما هابعد عنك أبدًا.. أيام هويدا عمرها ما هترجع تاني..

ربتت على ظهره في حنان لتحس بدموعه تبلل مقدمة ملابسها وهي تشعر بالحزن على حزنه بأن يرى والدته تجن بمثل هذا السن ويكون مصيرها أن تحيا ما تبقى من عمرها بمصحة عقلية.

     

صاح "جاسر" في غضب يحاول كتمه بينما هو يربت على تلك الصغيرة بين ذراعيه: 

- أنت يعني مش عارف تربي ابنك؟

اجابه "معتز" بمرحه الدائم وعدم اكتراثه بالموقف كما هي عادته:

- أطفال بقا وبيهزروا يا جوجو

ازداد غضبه لعدم توقفه عن مناداته بهذا الإسم حتى بعد سنوات كثيرة:

- بردو جوجو!! امشي الساعادي من قدامي، ولا أقولك هامشي أنا 

نهض "جاسر" وهو لا يزال يربت عليها ليحملها معه وحاول أن يهدئها: 

- معلش يا لارا يا حبيبتي.. متزعليش من مازن.. انتي عارفة إنه أكيد ميقصدش

همست بتلعثم وهي تفرك عينيها واضعة الحروف غير الصحيحة بكلماتها الطفولية المنطوقة:

- هو عورني بالعربية

تنهد هو ثم ابتسم إليها بعد أن اجلسها امامه:

- خلاص لما يلعب بالعربية ابقي تعالي والعبي معايا أنا

صاحت "سيرين" في قلق التي استمعت لبكاء "لارا" منذ قليل:

- مالها لارا يا جاسر؟

اجابها بإختصار:

- مفيش كانت بتلعب هي ومازن وعورها بإيديها بالعربية

زفرت في تأفف ثم أردفت بهمس حتى لا ينمو لمسامع ابنة صديقها:

- يادي النيلة، لما مراد هيجي ويشوف بنته هيتجنن

اقتربت وحاولت أن تلاطفها ثم حدثتها في حماس: 

- ايه رأيك يا لارا نروح سوا ونعمل كيكة لبابي ومامي، هيتبسطوا اوي لما يشوفوها ويعرفوا إنك عملتيها

استجابت لطريقتها المثيرة وهي تحثها على نسيان الأمر لتقول ببراءة ولسان تفلت بين اسنانها وهي لا تستطيع النطق بشكل صحيح بعد: 

- بس أنا يا سيري هاعملها كلها لوحدي

أومأت لها ثم رفعت احدى حاجبيها لتقول بمزيد من الحماس:

- يالا يا روح سيري وأنا هساعدك.. بس أنا اللي هسبقك

صاحت قبل أن تهرول:

- لأ أنا 

فرت لارا من أمام "جاسر" مهرولة لتتبعها "سيرين" وتوجها للخارج ليبتسم "جاسر" بمرارة وهو يعلم جيداً أنه السبب بحرمانها من الشعور بالأمومة لكل تلك السنوات، ها هو "معتز" لديه مازن و "نور" حامل بطفلتهم، "مراد" و "رزان" لديهما "لارا"، كذلك "أميرة" و "أدهم" لتوهم يملكان ابنتهما "تاليا"، وحتى "نيرة" و "رامز" لديهما "يزيد" بينما هي وحتى إن لم تحدثه بالأمر يرى كيف تتعامل معهم وكم تحبهم، بالطبع تريد أن تشعر بأنها أم مثل الجميع، خمس سنوات حاولا فيها أن ينجبا ولكن بائت كل محاولاتهم بالفشل ليحمل هو نفسه ذنب كل هذا فهو السبب بما حدث لها.

     

همست "سيرين" بإرهاق وهي تتكأ على السرير بجانبه:

- اليوم مش عايز يخلص.. بس الحمد لله مراد مخدش باله

ابتسم هو لها بإقتضاب وملامح يتضح عليها الحزن لتنظر هي له بتعجب وتسائلت بقلق:

- مالك يا جاسر فيه ايه؟ فيه حاجة حصلت؟

أومأ لها بالنفي واجابها بإقتضاب:

- مفيش يا حبيبتي.. تصبحي على خير

لانت شفتاه بإبتسامه لم تلامس عيناه ثم قبلها على جبينها وأطفأ الأنوار وتصنع النوم ولكن أضاءت هي الأنوار مرة أخرى لتتحدث بإنزعاج:

- لا يا جاسر فيه، وهتقولي فيه ايه، عشان أنا تعبانة من الصبح وهاموت وأنام ومش هاسيبك كده.. انجز بقا وانطق.. فيه ايه؟ 

زفر "جاسر" بحرقة ثم نظر لها بزرقاويتين حزينتين وهمس نادمًا:

- فيه إني بكره نفسي.. فيه إن كل اللي أنتي فيه ده بسببي أنا، فيه إني بموت من جوايا كل يوم وأنا عارف إني السبب في عدم خلفتك و.. 

قاطعته "سيرين" واضعة يدها على شفتاه لتوقفه عن الحديث وحدثته بنبرة هادئة:

- أولاً.. وجودك جنبي بالدنيا، ثانياً.. عندي ولدين وبنتين زي القمر ولسه جايلنا قمراية صغننة في السكة، ثالثاً اطفي النور ده عشان عايزة أنام ومتجننيش كفاية الهرمونات الغبية دي عاملة عمايلها معايا..

عقد حاجباه واخفض يدها ليُمسكها بين يداه وقال:

- لا يا سيرين، وجودي عمره ما هيعوض أم عن ابنها أو بنتها.. عشان أنتي بس طيبة وبتحبيني بتقولي كده، وبعدين هرمونات ايه؟

اجابته متصنعة عدم الإكتراث لتقول ببرود:

- هابقا أفهمك بعدين.. يالا نام دلوقتي 

تعجب من برودها معه فهي عادةً لا تأخذ هذه الأمور بمثل تلك البساطة وخاصةً عندما يتحدث لها بمثل هذه الطريقة ليقول بضيق: 

- لا تفهميني دلوقتي.. هرمونات إيه؟ 

فتحت هي عيناها بعد محاولة لتصنع النوم ونهضت لتجلس القرفصاء ثم عقدت ذراعيها في تحفز وسألته:

- عايز ايه دلوقتي يا جاسر؟

اجابها سائلًا:

- عايز أعرف اللي قولتيه ده، هرمونات ايه؟

زفرت حانقة ثم تمتمت:

- يا ساتر.. متستناش أبدًا..

أردف من جديد متسائلًا: 

- أستنى ايه؟

زمت شفتاها لتتنهد مجيبة بعد لحظات من صمت:

- أنا حامل يا سيدي.. شهرين ونص. كنت مستنية أفاجئك في عيد ميلادك.. إنما أقول ايه بقا

همس بصدمة وهو يتفقدها غير مُصدقًا قولها:

- انتي بتهزري؟!

أومأت هي بالإنكار لتهمس له: 

- أنا فعلاً حامل يا جاسر.. والله أنت أول واحد تعرف بس كنت عايزة أعملك مفاجأة الشهر الجاي

دمعت عيناها بعبرات حبيسة ليعانقها في لهفة وهمس لها بصوتٍ واهن: 

- ازاي تستني ومتقوليليش..

لم يسيطر على الدموع التي انسابت من زرقاويتيه رغماً عنه لتهمس بين عناقهما:

- أنا كنت بحضر لليوم ده عشان أبسطك

ابتعد عنها وتفحصها لوهلة ثم أردف مُسرعًا:

- طيب متابعة مع دكتور؟ طمنك؟ قالك ايه؟! ولا تعالي نروح دلوقتي نطمن..

ابتسمت لتمازحه وهي تقرص على وجنته:

- نروح فين بس والساعة عدت اتناشر.. وآه متابعة وكله تمام.. هتبقا أب يا جوجتي

غمغم مُعقبًا بضيق:

- يادي النيلة على جوجتي.. منك لله يا معتز 

قهقهت "سيرين" ضاحكة ثم قالت بتحفز:

- بصراحة من يوم ما سمعته بيقولك يا جوجتي الموضوع عجبني اوي

هز رأسه في آسى ثم توسد نهديها وتشبث بجسدها الضيئل وسألها:

- سيبك من معتز دلوقتي.. لو جت بنت هنسميها ايه؟ ولو ولد هنسميه ايه؟

همهمت في تفكير ثم اجابته: 

- لو بنت نسميها جوري.. ولو ولد بقا..

قاطعها دون تفكير وقال:

- نسميه هشام!

اخفضت رأسها إليه وهي تتفقده لتسأله بهمس: 

- بجد يا جاسر؟

شعرت بإيمائته تنعكس على جسدها ليُجيبها:

- بجد يا قلب جاسر..

     

تحدث لكل المتواجدين حولهما بغرفة المشفى:

- بعد اذنكم كده.. معلش يا عمي خد هشام الصغير.. وأنتي يا دادة منى خدي جوري.. وسبولي بقا مامتهم اللي زي القمر دي شوية بقا لوحدنا

ابتسم كل الموجودين بعد نظراتٍ عدة وفي خلال لحظات توجهوا إلي الخارج تاركين غرفة المشفى لهما بمفردهما وأغلقوا الباب خلفهم ليهمس لها بعشق:

- حمد الله على سلامتك.. مبروك يا حبيبتي

قبلها برقة على شفتيها لتهمس له بسعادة: 

- تخيل يا جاسر.. ربنا في الآخر يكرمني بتوأم بعد ست سنين من المحاولة

لم تسيطر على دموع الفرحة التي انهالت من عسليتيها لتهمس بالمزيد:

- شكلهم حلو أوي.. طلعتهم برا ليه، هاتهوملي تاني

ابتسم لها وقبل جبهتها وتلاقت فيروزيتيه بعسليتيها ليهمس لها:

- عايز أفضل معاكي شوية لوحدنا..  مش عايز أي حاجة في الدنيا غير وجودك جنبي.. على قد ما بحبهم بس حبي ليكي أكبر من أي حاجة في الدنيا.. 

وعلى قد ما أنا فرحان بفرحتنا لما شوفناهم ومبسوط إن الكل فرحان علشانا على قد ما أنا لسه حاسس بالذنب إن كل التأخير ده كان بسببي.. أنا آسف يا سيرين و..

قاطعته لتوقفه عن اكماله لحديثه وقالت:

- متتآسفش.. ده نصيبنا والحمد لله بدل البيبي جالنا اتنين

تفقدها لبُرهة ثم تسائل بشفتان مرتجفتان:

- يعني بجد يا سيرين سامحتيني على كل حاجة.. كل اللي عملته وكل حاجة غلط.. سامحتيني بجد؟ 

أومأت له بإبتسامة لتجيبه بهمس:

- سامحتك بجد يا جاسر.. بعد محاولاتك وإنك اثبتلي إنك اتغيرت بجد.. عرفت حُبك.. انت كنت في يوم بتحب اوي واتخدعت من اللي بتحبها ويوم ما عرفت الحقيقة فين مكابرتش وعملت كل حاجة في ايدك علشان تصلح اللي عملته.. 

الحب مفيهوش غلط.. المُشكلة كلها في حبنا واختيارنا الشخص الغلط أو الصح!

تنهدت ليقترب منها وقبَّل يدها ثم جبينها وهمس في امتنان:

- بحبك أوي، أنتي أحسن حاجة حصلتلي في حياتي..

ردت بهمس وهي باتت تشعر أن عشقهما سيدوم للأبد:

- بحبك 

عانقها في حنان وأوصد عيناه في راحة تامة وهو يشعر بإمتلاكه العالم بأكمله بين ذراعاه، ليس الفتاة التى ظنها يومًا ما صبي متخفي بمظهر فتاة.. بل حبيبته وزوجته وأم اطفاله!

" تمت "


     


الخاتمة

هذه الرواية مستندة على شخصيات حقيقة "جاسر" و "سيرين" و "رامز" و "مراد" و "هويدا"..

ليس بالضروري أن كل ما يقدمه الراوي أن تكون هذه هي نظرته للأمور بل هو عبارة عن تقديم صورة للمجتمع بما يحتوي عليه من شخصيات ومُشكلات عدة..

ليس بالضروري أن يكون قرار كل إمرأة هو الغفران والمسامحة.. ولكن من الضروري هو أن يعترف الإنسان بأخطائه ويحاول أن يستغل كل الفرص المتاحة في تغيير نفسه أولًا وبعدها لابد أن يتغير مع الجميع ويطلب الغفران مما أساء إليهم ولديهم كامل الحق في أن يقبلوا هذا أو لا.. 

كل شخص مننا تختلف ردود أفعاله عن الآخر.. هناك من يُسامح ويغفر وهناك من لا يستطيع فعل ذلك.. لدى كل شخص حر فرصة الإختيار دائمًا وعلى المرء ألا يُصدق مجرد وعود دون وجود دليل وبُرهان واضح على تلك الكلمات التي يتعهد بها أي أحد له..

برجاء الأخذ في الحسبان سواء القارئ رجل أو مرأة أو فتاة أو شاب اختيار الشريك المتكافئ له في العادات والتقاليد.. فليس من الصائب أن يذهب رجل للزواج من فتاة لديها اصدقاء رجال ثم يطالبها فجأة بألا تراهم وتتوقف عن التعامل معهم..

وهناك امثلة كثيرة لذلك، يذهب الرجل ليتقدم لخطبة فتاة تعمل وفجأة لا يريدها أن تعمل.. أو غير مُحجبة ويطالبها بالحجاب.. أو فتاة تعلم بوجود صديقات لشاب بينهما علاقة أو تقدم إلي خطبتها وتطالبه أن يقوم بقطع كل صدقاته معهن..

برجاء أخذ أن حياة الإنسان بما تعود عليه ستظل دائمًا تحمل طباعه وصفاته ولن تتغير بأكملها بين يوم ولا ليلة واحيانًا تمتد تلك الخصال إلي سنوات.. 

ليس مشينًا أن نعترف بأخطاءنا ونعتذر لكل من أخطئنا بحقه.. 

الأم هي أم فقط.. ليست حبيبة ولا زوجة.. ليست هي من عليها أن تختار لنا في شيء.. يجب علينا الإختيار فكل إنسان حر يملك هذا الحق.. 

بر الوالدين شيء، وانعدام شخصية الأبناء شيء آخر.. برجاء عدم خلط الأدوار..

العلاقة الجنسية بين الأزواج لا تكون بالإجبار ولا بما حرمه الله ولا بالعنف ولا بالخبث.. بل هي مودة وسكينة ورحمة بعد التفاهم والتقبل من الطرفان..

السادية مرض.. يجب مُعالجته ويجب على كل إمرأة ألا تقبله.. 

الإهانة ليست مُباحة أبدًا.. لابد من أن يُدافع الإنسان عن نفسه ويوقف من يُهينه وإذا اضطر عليه أن يُخرج أيًا كان من يُهينه خارج حياته!


لكل من سأل لماذا قمت بتعديل الرواية..

أولًا: 

لم أكن اعرف الطريقة الصحيحة لكتابة الروايات باللغة العربية وكنت اتبع طريقة الكتابة باللغة الإنجليزية والمقارنة بالأسفل..

النسخة القديمة من الحوار..


النسخة الجديدة


ثانيًا:

لو أن هناك بعض الألفاظ أو الأوصاف الفجة فلقد تم تعديلها (بالرغم من أن هذا يدور حولنا في بلادنا ومجتمعاتنا وما هي إلا مجرد عكس لصورة واقعية) ولكنني استجبت لمطالب الجميع ولكن لا تزال رؤيتي للرواية بكل ما بها من تفاصيل وسرد وحوار وألفاظ لم تفقد هويتها..


شكرًا للمتابعة

دمتم بخير