- الفصل الخامس والثمانون - 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

ربما استطيع أن أخطو خارج ذاتي ولو للحظات من الزمن، احتاج الى زمن ميت لا ترهقني توالي لحظاته و ساعاته و ايامه برهة من السكينة..

ابتعد فيها عن اديم جسدي و القضبان التي تكونها عظامي و تأسر روحي، أراني كما لم يرني أحد..

(محمد المنسي قنديل)

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

رمقه في تعجب صاحبه الغيظ والغضب خاصةً برؤية تلك النظرات المُهتمة منه للغاية تجاهها بينما قابله الرجل بمصافحة مُهذبة وقدم نفسه له:

- ريتشارد جاكسون.. وهذه ابنتي ايما جاكسون.. 

أومأ له واعطاه تلك النظرات التي لا ينظر بها سوى غريمًا في ساحة القتال بينما استغرب الآخر لتدخل "فيروز" بإبتسامة مقتضبة وقالت:

- زوجي السابق وابنتي كامي.. 

أومأ بالموافقة برسمية ثم ابتسم بتلقائية مما زاده جاذبية واختلفت نظرته له تمامًا بالرغم من محاولته أن يُخفيها ولكن فهمه "شهاب" الذي شعر بالمزيد من الخطر يُقبل في تجاهه وهو بالكاد يستطيع الحفاظ على تلك حمايتها من ذلك العدو السخيف بصحبة درع مهترئ وسيف لم يحظى قط بإنتصار وأخيرًا استيقظ من تخيلاته عندما استمع له الجميع وهو يقول:

- سررت بلقائكم.. سأراكِ روز لاحقًا.. وداعًا.. 

تطلعها بملامح معترضة وقد فهمت هي تلك النظرات لتقارب على فقد عقلها.. ما الذي يظنه؟ أنه حتى سيتحكم بمجرد معرفتها برجل ما؟! يا له من ساذج! 

توجه ثلاثتهم إلي احدى اكشاك التصويب كما ودت "كاميليا" ووقف كلاهما ينظران إليها وكل واحد منهما يدور بعقله الكثير من ذلك الموقف الذي حدث لتوه ليتفلت لسانه سائلًا بنبرة غير مُرحبة:

- مين ده؟! 

ابتسمت له بسخرية والتفتت نحوه ثم اعادت نظرها نحو ابنتها وهي تجيبه:

- حد اعرفه..

زفر بإبتسامة مغتاظة لإجابتها المقتضبة التي لم تشابه سوى المزيد من علامات الإستفهام ليعاود تساؤله بتفصيل أكثر:

- أيوة تعرفيه منين وازاي؟

زمت شفتاها وهي تتابع "كاميليا" بعينيها ثم وضعت يديها بجيبي سترتها لتجيب بتحفز:

- مظنش بسألك تعرف مين ومتعرفش مين.. أرجوك متدخلش في حياتي أكتر من كده.. 

حك أنفه بمزيدًا من الغيظ الذي عكسته كلماتها ليعاود التحدث بمزيد من التفسيرات كي يوضح لها لماذا عليه أن تجيبه:

- ولما تعرفي راجل يدخل حياة بنتي المفروض ميبقاليش دعوة! المفروض متدخلش وأنا مش عارف بنتي ممكن تعيش في بيت واحد مع مين! 

أطلقت ضحكة خافتة مليئة بالسخرية لتتشدق:

- أنا عرفت راجل كرهني في الصنف كله.. متقلقش مفيش حد هيدخل حياة بنتك..

التفتت لتنظر له بحسرة وطيفًا من الآلم لمع بعينيها ليتمنى أن تنشق الأرض مبتلعة اياه بداخلها لرؤية آلمها بل ونفورها الشديد منه ولكنه لن يتنازل عن هذا الجدال حتى يعرف من هو فهمس متسائلًا:

- مين ده يا فيروز؟

آتى صوته متحشرجًا بين غيرته التي تضح بعينيه وبين آلمه المتوسل لها ألا تدفعه بكلماتها للمزيد من المعاناة ولمح بعينيها شيئًا آخر.. الإنتصار والمتعة!! 

ابتسمت بغيظ وهي ترى ملامحه تتألم هكذا لمجرد ثواني تحصى على اصابع اليد الواحدة ولم تتوقف عينيها عن الصراخ بآلام باتت واضحة الآن، لم تعد طيفًا بسيط.. بل الأمر بات مصدر لآلام الدنيا بما فيها ودفعه ما يراه لإرادة البُكاء بشدة! 

اشفقت في النهاية على تلك الملامح التي اتضح بها الذُل المحض فهو يعلم أنه ليس من امره أن تعرف رجلًا أو غيره وبنفس الوقت عشقه الذي يلومها ناظرًا لها به لن يملك من سلطانًا عليها فزجرت نفسها على ما تشعر به ثم همست:

- ده الدمتور بتاعي.. بتعالج عنده من ساعة ما جيت هنا.. 

مزقته تلك النبرة التي غادرت شفتاها بتنهيدة معبئة بآلم هشمه لفتات ولكن ما أدهشه انها تابعت:

- مش عارفة اعدي اللي حصل ولسه بروح الجلسات.. مش عارفة احكي براحتي عن كل التفاصيل لأني خايفة حد يعرف عن حكايتنا حاجة.. 

التفتت ناظرة له بعبرات عذبته وهو كل يوم يمر يُخبر نفسه أن السعادة ستأتي معها يومًا ما بينما كل مرة يقتربا مما حدث بتلك الليلة صفعته حقيقة أن ليس هناك سعادة لهما.. لم يعد هناك طريق يستطيعا خوضه سويًا سوى طريق الآلم واليأس.. ويا لخيبته.. هو من شيده ليُصبح وبالًا عليه وعليها! 

ابتلعت تلك العبرات وهي تحاول أن تتماسك لتهمس بصوت يكاد لا يُسمع:

- لسه فاكرة لما حرقتني.. كل لمسة.. كل كلمة قولتهالي.. الوجع كله جوايا مبيروحش.. مبيتحركش! مش عارفة انسى لما اعتديت عليا يومها.. و.. معرفش..

تلعثمت لوهلة وهي تتوقف عن الكلمات لتقف أمامه وغابت مقلتيها خلف عبراتها بملامح متألمة مزقها الضعف والهوان:

- لما ابتديتت اجمع اللي أروى بتعمله قبل ما تخدرني فهمت انها عايزة توريك إني بخونك.. جزء جوايا راهن إنك كنت لسه من ساعتين قايلي مش انتي الست اللي تخون.. صدقني لو كنت وثقت فيا أنا كنت عمري ما هسيبك.. بس أنت.. 

انهمرت احدى دموعها لتغمغم بنبرة باكية:

- انت صدقت إني خاينة! وعملت اللي عملته.. وأنا مش قادرة انساه! 

زفرت لتحاول التغلب على البكاء وسرعان ما جففت وجهها لتتساقط هو احدى عبراته دون أن يشعر وهو لا يجد كلمات ليقولها لتقول في النهاية:

- أنا كنت بحبك.. وده كان الدكتور اللي بيحاول ينسيني حبك وصدمتي فيك.. مالكش حق تسألني بعد اللي عملته معايا مين ده ومين دي.. لأن عمرنا ما هنثق في بعض تاني.. أنت مش محل ثقة علشان اقولك أي حاجة! 

حمحمت وهي فجأة شعرت براحة غريبة تعتريها واثلجت صدرها بتلك الكلمات المنطوقة وهي تنظر لعينيه النادمتان.. ربما سيُفيد ندمه، ولكن لنفسه وليس لها.. لو آتى لها بأبحرٍ من ندم لن تفيد سوى في مضاعفة تلذذها بآلمه.. وهي ليست بهذه المرأة التي تتلذذ بآلم إنسان! أيًا كان من هو! 

اتجهت لتقف بجانبه وقالت:

- بس تعرف المُشكلة مش في الوجع ولا الصدمة ولا الثقة..

التفتت له بأعين انهمر منها براكين من انتقام قام بقرائته بمنتهى السهولة ليتعجب بينما تابعت:

- المُشلكة اني عايزة اؤذيك.. اوجعك واشوفك موجوع زي ما أنت وجعتني.. دي الحاجة اللي أنا بتعالج علشانها! 

نظرت امامها لتجد "كاميليا" آتية في اتجاههما فحاول كلاهما أن يتظاهرا بالتلقائية وهما يجففان وجوههما وتنحنح هو عندما لاحظ ملامحها الحزينة ليسألها:

- ماذا بكِ حلوتي؟

قلبت شفتاها في حزن وهمست مجيبة:

- لم أربح شيئًا.. 

همهم في تفهم وهو ينظر لها وبالرغم من تلك الدوامة التي تدور بداخله حاول التجاوب معها:

- ما رأيكِ أن تحضر لنا والدتك بعض الفشار وأنا وأنتِ سنذهب لنجرب مرة أخرى؟ 

تبادلا النظرات التي فهمتها "فيروز" لتمتن بداخلها على اعطاءه اياها تلك الفرصة من لحظات قليلة بمفردها لتربت على رأسها وهمست لها:

- لن أتأخر..

توجهت لتحضر لهما بعض الفُشار بينما حاولت التغلب على آلامها التي مزقتها وتلك الأفكار الإنتقامية التي تلوح بعقلها فهي لأكثر من مرة فكرت بأن تُربي ابنتها وحدها وتتركه هو لمصيره بالسجن الدائم ولكنها ليست من ستحرم ابنتها والدها أبدًا.. حتى ولو كان قاتلًا سابق.. تشبثت بذلك الأمل بكل ما كان لديها من قوة وقتها.. بالرغم من وهنها، ولكنها فعلت.. لذا ربما تستطيع يومًا ما أن تتوقف عن كراهيته، أو عشقه! 

هي لم تعد تدري هل لعشقها اياه تريد أن تراه يتألم أم من فرط كراهيتها له؟! 

ابتسمت بسخرية على ما تُفكر به، حقًا لا تستطيع معرفة ما تشعر به مثل ما لم تعرف ما الذي يحدث لها بجانبه منذ الوهلة الأولى التي رآته بها وهي تدعي الصلابة إلي أن خارت قواها وقواه.. لقد بات الأمر مُلبد بغيوم الآلم والخيبة وربما لن يستطيع أي منهما التغلب على ما يشعر به تجاه الآخر.. 

هزت رأسها بإمتنان إلي هذا الشاب وتناولت منه عبوتي الفُشار وتوجهت حيث كانا لتشعر بتيبس جسدها وقدماها لم تعد تحملها وهي تراه ينحني ويحاول أن يُمسك بتلك البندقية ليُعلم "كاميليا" كيفية التصويب! 

لم يأتِ على عقلها سوى كل لحظة مرت عليهما بإيطاليا.. طريقته معها وقتها، صفعه اياها، محاولاته للقرب منها وهو يهتف بأنه سيتغير وسيصلح كل شيء لتجده يجبرها على القتل.. حرقه لذلك الرجل حيًا وألسنة اللهيب تنعكس على وجهه لتسقط منها العبوتان ولم تشعر بما يحدث حتى آتت ابنتها وهي تهتف بفرحة:

- انظرِ لقد حصلت على هذا.. 

رفعت احدى الدُمى كبيرة الحجم امامها ولم تُجيبها ولا تدري لماذا انعقد لسانها فهي تظن أنها تحاول الحديث ليُلاحظ كلاهما ملامحها ليتسائلا معًا:

- هل أنتِ بخير؟

نظرت إليهما لتشعر بالرعب من مجرد مشابهة ابنتها له ولكل تصرفاته يومًا ما لتهمس:

- اشعر بالتوعك.. كامي.. سنأتي سويًا مرة أخرى ولكن هل يُمكننا أن نغادر؟ 

هزت رأسها بالموافقة ليسير ثلاثتهم نحو السيارة التي قادها هو وجلس كلاهما بالخلف بينما ضمت ابنتها إليها بطريقة تعجب هو لها وهو ينظر لملامحها الشاحبة وتشبثها بإبنتهما الغريب الذي لم يعهده.. 

حاول أن يحصل على نظرة واحدة من عينيها كي يقرأ بها أي شيء.. ولو حتى طرف خيط يُمكنه خلاله أن يفهم ما الذي حدث لها ولكنها حافظت أن تنظر في غير اتجاه المرآة الداخلية للسيارة وحاول أن يتبادل الحديث مع "كاميليا" التي اجابته فربما ستدخل هي بالحديث ولكنه فشل في أن يجذبها لأي من كلماتهما..

أكمل الطريق إلي أن غفت "كاميليا" بالسيارة فهذه عادتها دائمًا ليتوقف هو أمام منزلهما وقبل أن يرفع المكابح اليدوية انطلقت هي للخارج وحملت ابنتها ليتعجب من سرعتها بالتحرك فتبعها نحو باب منزلها حتى توقف كلاهما أمام الباب واستطاع اللحاق بها حيث كانت تحاول انتشال مفتاح المنزل من جيبها فلاحظ معاناتها ليقول:

- لو تحبي اساعدك و..

قاطعتها بعصبية شديدة وصاحت به بلهاث للتو بات ملحوظًا:

- ابعد عني.. امشي.. 

تعجب منها بينما استيقظت "كاميليا" على صراخ والدتها لتتعجب للغاية وقالت وكلتاهما تدلفان للمنزل:

- ما الأمر أمي؟

صفعت الباب بعنف في وجهه ثم اخفضت جسد ابنتها واجابتها بإقتضاب ولهجة غاضبة:

- لا شيء.. اذهبي للنوم كامي.. طابت ليلتك.. 

تعجبت وهي تفرك عينيها ثم حدثتها بتلقائية:

- لقد سمعتك تصرخين.. هل أنتِ غاضبة؟

حاولت السيطرة على عصبيتها وانتقلتا كلتا يداها لتستندا على خصرها في تحفز واجابتها:

- نعم غاضبة.. اتركيني فترة لأهدأ وسنتحدث لاحقًا..

اقتربت منها بعفوية وسألتها:

- ما الذي حدث؟

كادت أن تتلمسها لتصرخ بها دون أن تشعر ما الذي تفعله ولا تقوله:

- قلت لكِ اتركيني كامي.. ابتعدي أرجوكِ.. كم مرةعلي تكرار كلماتي..

نظرت لها بصدمة شديدة فهي لأول مرة تتحدث لها والدتها بمثل هذه الطريقة واغرورقت عينيها بالدموع إلي أن تحولت لبكاء وذهبت إلي غرفتها لتتمتم هي:

- استغفر الله العظيم يارب.. 

خللت شعرها وهي تحاول التماسك، لم يكن الأمر بيدها، رؤيته وهو يريد صُنع قاتلة مثله ومثلها تجيد التصويب كانت لا تتخيل حدوثه أبدًا.. لا تدري لماذا لم تدرك من الأمر برُمته سوى ذلك.. 

جذبت هاتفها من سترتها ثم خلعتها لترسل له بإحدى الرسائل الصوتية:

- حاول اليومين دول تبعد يا شهاب بعيد عني.. ولو عايز تشوف البنت ابقى ابعتلي هنا!

تركت الهاتف جانبًا وهي تردد المزيد من الإستغفار المتوالي ثم اتجهت لتغسل وجهها بالمياة الباردة وحاولت أن تُهدأ من نفسها قدر الإمكان وسرعان ما توجهت إلي غرفة ابنتها لتصلح ما افسدته! 

دلفت غرفتها لتجدها تبكي على سريرها وبمجرد التقاء اعينهما التفتت لتولي لها ظهرها كعلامة لرفض أي تعامل معها وابتعدت لآخر ركن فراشها وهي تعقد ذراعيها في تحفز لتهتف منادية:

- كامي.. أنا آسفة..

صاحت بها ببكاء:

- لن اتحدث معكِ.. اتركيني وشأني..

تنهدت لتقترب منها ثم جلست بجانبها وتناولت نفسًا عميقًا ثم حدثتها بصوت متحشرج بعبرات البُكاء:

-  شعرت انني اشتاق لوالداي.. اشتاق لرؤيتهما.. ثم تذكرت انهما رحلا عن الحياة.. لا أدري لماذا شعرت بالغضب.. كنت اريد فقط بعض الوقت بمفردي ربما كنت سأصبح بخير.. أنا آسفة.. لم أقصد أن اغضب عليكِ..

رفعت لها رأسها ونظرت إليها ببراءة لتسألها:

- هل ستحزني كامي لو ابتعدت عنكِ؟ 

تفقدتها في توسل بينما هرعت الأخرى لتعانقها بشدة ثم همست:

- بالطبع سأفعل.. إلي أين ستذهبين؟

ضمتها إليها بقوة واجابتها:

- لن اذهب إلي أي مكان.. سأظل معكِ دائمًا.. 

همست الأخرى بحزن اتضح بنبرتها:

- عندما صرختي بي شعرت بالخوف..

فرقت عناقهما لتنظر لها بجدية وندم شديدان:

- متخافيش.. الفكرة بس ان ساعات الواحد بيتعصب غصب عنه او بيبقى مشغول ومركز في حاجة ولا حد بيكلمه بيتعصب عليه.. مش انتي مثلًا امبارح اتعصبتي لما انا وبابا روحنا نتكلم وبابا مشي على طول؟ 

أومأت لها فتابعت حديثها:

- أنا المرة الجاية إذا اتعصبت هستأذن منك تسبيني براحتي شوية وهتلاقينا بنتكلم سوا تاني.. وانتي كمان لو اتضايقتي هسيبك شوية ونبقا نتكلم.. اتفقنا؟! 

أومأت لها لتقترب منها ثم سألتها:

- هل لي بقبلة؟ 

قبلتها على وجنتها وتعانقا لتهمس لها:

- انا آسفة متزعليش.. 

اخبرتها بتسامح:

- حسنًا.. وأنا لن اشعر بالخوف من جديد..

همهمت وهي تضمها بقوة للمرة الأخيرة ثم ابعدتها لتسألها بحماس:

- هل استمتعتِ اليوم؟

اتسعت عيناها ببراءة ثم اجابتها:

- للغاية.. ولقد سعدت بالهدية التي حصلت عليها.. بابا كمان ساعدني.. وبقيت بتبسط وانا معاه! 

اجبرت ابتسامة على شفتاها وهي تحاول ألا تدع افكارها أن تُسيطر عليها مرة أخرى وهي لا تدري اتشعر بالفرحة أم بالقلق لإقترابهما وهتفت بها:

- ايه رأيك بقى نغير واحكيلك حدوتة علشان ننام؟ 

أومأت لها لتنهض هي وساعدتها في تبديل ملابسها التي باتت تستطيع أن تُبدلها وحدها كما علمتها ووقفت فقط لتناولها الملابس ومن ثم اعادت ملابسها الأخرى بمكانها واتجهت لتقص لها احدى القصص قبل نومها..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

بعد مرور شهران. . .

وجدت هاتفها يصدح بالرنين وهي للتو قد انتهت من دوامها لتجد اسمه يظهر على شاشة هاتفه فأجابته بعد أن تناولت نفسًا كويلًا ثم زفرته:

- نعم..

ابتسم بسخرية على ردها المقتضب ثم سألها:

- انتي هتفضلي بقالك شهرين متجنباني ومش عايزة حتى تقابليني؟ 

تنهدت وفكرت لوهلة ثم تسائلت:

- انت فين دلوقتي؟

تريث لبُرهة وشعر بالتردد مما فعله ثم اجابها:

- أنا قولت لمامة لورين تاخد كامي وتخليها عندها شوية.. وأنا مستنيكي قدام المدرسة! 

رفعت حاجبيها وهي تشعر وكأنها آخر من يعلم بما يحدث لتتمتم بإستغفار استمع له ليُردف مسرعًا:

- أنا عايز اتكلم معاكي.. معلش مش هينفع نتكلم قدام البنت وانتي اللي قولتي كده اكتر من مرة.. مكنش قدامي حل تاني.. 

حاولت أن تتمالك اعصابها ثم نظفت حلقها وردت بإقتضاب:

- فيه كافيه هبعتلك اللوكيشن بتاعه.. استناني هناك.. 

انهت المكالمة دون أن تنتظر ردًا منه وجمعت أشياءها سريعًا وتوجهت لتستقل سيارتها حتى تذهب إليه وبعد تجنب رؤيته لشهرين بأكملهما ربما استطاعت أن تكون فكرة عما يدور برأسها ومعرفة نهاية لكل ما تشعر به حتى تستطيع النجاة بسلام خلال حياتها التي شاءت أم آبت ستتضمنه رغمًا عن إرادتها..

صفت سياراتها وترجلت لتدلف إلي ذلك المقهى وبحثت عنه بعينيها لتجده جالسًا فعرفته حتى وهو مولي ظهره إليها فاتجهت نحوه وخلعت سترتها لتضعها على الكرسي المقابل إليه وجلست وهي تدرك تمامًا أن عينيه ماتتا اشتياقًا إليها وإلا لما كان تفقدها بهذه الطريقة..

آتى النادل ليتلقى طلبهما ثم غادر وقررت أن توقف تلك النظرات عند حدٍ واضح وإلا فعليها أن تُكمل اجتنابه إلي وقت غير معلوم فبدأت بالحديث وهي تقول بشفتان مرتجفتان:

- أنا جاية أكلمك بصراحة.. بعيد عن اللف والدوران والماضي بتاعنا وكامي وكل ده.. أنا..

توقفت عن الكلام لوهلة لتبحث عن الطريقة الصائبة لصوغ بقية حديثها:

- أنا ارتحت لما اتكلمت معاك اليوم اللي كنا فيه مع بعض انا وانت وكامي.. وفي نفس الوقت اتعصبت جدًا.. كنت محتاجة ابعد علشان افكر كويس.. زي ما اكون بوقف كل حاجة.. كنت محتاجة افهم أنا مالي.. منين ارتحت ومنين اتعصبت

زفرت أنفاسًا متثاقلة بحمل أعباءًا لا تعد ولا تحصى ليرمقها هو في وهن وانتظرها أن تُكمل ففعلت:

- لما بعدت وبطلت اتعامل معاك وخليت كايت أو ليز هما اللي يتعاملوا معاك وكامي.. ده خلاني افكر في كل حاجة..

حمحمت لتتفقده بمصداقية ليشعر هو بالآسف على كل ما مر عليهما يومًا ما وأوصله إلي سبيلٍ وعر غير ممهد ممتلئ بالصعابات معها.. هذا لو كان هناك سبيلًا لهما كما يتصوره هو ولكنها باغتته بكلماتها وهي تردف:

- أنا لما عرفتك كان ماهر ميت بقاله سنتين.. ويمكن اول كام شهر ما بيننا مكنش بيغيب عن تفكيري.. حوالي سنتين ونص مش بعمل حاجة غير بسأل وبقول ليه مات وانكرت موته وقعدت عند بابا.. مش قصدي اني اتكلم عليه ولا عن علاقتي معاه بس..

تلعثمت لوهلة وهي تتفقد ملامحه لتتنهد بوجع تحاول أن تنتصر عليه واستلهام القوة كي تخبره بما تريد:

- أنا وماهر معديناش بربع اللي عدينا بيه سوى وعلشان اقدر اتعامل بس مع اللي حواليا اخدت سنتين.. ما بالك باللي حصل ما بيننا؟

صاغت ما تريده بمجرد تساؤل لتجده يومأ لها بالتفهم وملامحه تنصهر آلمًا من ادراكه ما تقصده لتنظر له بحزن وتابعت حديثها:

- يمكن كلامي يومها معاك ريحني لأني كنت بعمل حاجة شبه كده مع ماهر.. كنت بكتبله وكأني بكلمه وعايش بالظبط.. بس اوعى تفتكر الشهرين اللي فاتوا كانوا سهلين.. كاميليا شبهك اوي.. كل اللي بتعمله بتفكري بيك وبشوفك فيها.. وكمان ليلتها وأنت ماسك معاها البندقية خلاني اترعب.. خلاني افتكر كل حاجة حصلت في ايطاليا!

تناولت نفسًا مطولًا ليشعر بالإرتباك مثل ما يعهد معها دائمًا لتستطرد هي وحافظ هو على صمته حتى تنتهي مما تريد قوله:

- أنا بتعالج.. من يوم ما جيت هنا.. حوالي اربع سنين ومحستش بنص الراحة اللي حسيتها لما كلمتك يومها.. معرفش.. مجرد الفكرة حسستني ان كل اللي درسته في يوم غلط.. أو يمكن علشان رجعت تاني موجود في حياتي انا والبنت ورجوعك صحى جوايا كل حاجة تاني وخلاني ارجع لأفكاري بإني انتقم او اؤذيك بأي شكل.. بس لما كلمتك حسيت اني احسن.. ده خلاني افكر في حل من اتنين!

تعجب عاقدًا حاجباه لما يستمع له ليراها تطأطأ برأسها وهي تهمس بصوت خافت على مشارف البُكاء:

- أنا مكونتش ابدًا اتخيل إنك تكون أب كويس بس ده فاجئني والبنت بقت بتحبك ومتعلقة بيك جدًا وأنا نفسي بقيت احسن يوم ما كلمتك.. 

رفعت نظرها إليه بدموع متحجرة اخفت لون مُقلتيها خلفها لتقول بهمس:

- يا إما نقفل على كل اللي فات ونبقى اصحاب بجد.. يا إما اديك جربت اني ممكن ابعد بالشهرين ويمكن اكتر ونخلي مقابلتنا في اضيق الحدود.. 

قضم شفتاه المرتجفتان وهو يحاول أن يمنع نفسه عن البُكاء خوفًا من كلمه واحدة يرتعد أن يستمع إليها بينما ملامحه جعلتها تود البكاء إلي نهاية حياتها ليرتجف قلبها وهو يخفق بعنف بداخل صدرها لتهمس له:

- أنا شوفت الغيرة في عينيك يومها.. بس أنا وأنت استحالة يكون فيه بيني وبينك حاجة اكتر من البنت.. مش هاقدر ارجعلك في يوم ولا احبك كجوزي.. صدقني مش هينفع.. مش عارفة اقبلها! بيني وبين نفسي فكرت إنك لو بقيت جوزي تاني يمكن يكون احسن للبنت بس لما فكرت اكتر في الموضوع وحسبتها لقيتني هؤذيها وهؤذيك.. انت بالكلام وردود الافعال وهي هتعيش بين أب وأم بينهم مشاكل وهيأثر على نفسيتها.. مش هاقدر اعمل فيها كده..

انهمرت دموعها رغمًا عنها لتهتف بهمس بين نحيبها:

- وبالرغم من كل اللي حصل بيني وبينك وغصب عني رضيت ولا مرضيتش ليك جوايا معزة وغلاوة إنك أنت بباها.. أنت اللي عالجتيني وأنت اللي ربنا جعلك سبب في حياتي علشان تديني الطفلة اللي فضلت احاول سنين علشانها.. أنا بحبها اوي.. مش هاقدر اطلعها بعقد ومشاكل.. لو بس اني اموت وهي تبقى كويسة هاعملها! حبي ليها أكبر من أي حاجة في الدنيا دي حتى أكبر من حبي ليك في يوم..

باغتته بعض العبرات التي ارتجفت بعينيه لتنهمر رغمًا عن ارادته وهو يتطلعها بندم شديد ليجدها تهتف بحماس وهي تبكي:

- هنكون اصحاب.. هتلاقيني جدعة معاك.. هاحكيلك عن كل حاجة.. هنخرج ونتفسح ونضحك والبنت تتربى كويس وفعلا عندي استعداد اعاملك بصحوبية بجد علشان خاطرها واقفل على كل اللي فات.. هحبك زي ما بحب اصحابي وهساعدك انت كمان في كل حاجة.. لكن حب ست لراجل مش هاقدر يا شهاب..

همست بإسمه بخفوت شديد خوفًا من أن يستمع لهما أحد لتتشنج ملامحه وهو يحاول أن يمنع نفسه عن البكاء ليغلق عينيه وجفف وجهه زافرًا لهيبًا استعر بداخله عندما أخيرا استمع لإسمه الذي لم يعد أحد يناديه به لتشيح هي بنظرها بعيدًا عن ملامحه التي تُذكرها بنفس تلك الملامح التي ضعفت أمامها يومًا ما وجعلتها تتسامح للغاية في مجرد فكرة عشق رجل مثله ومسامحته بدلا من المرة عشرات المرات..

تناول كلاهما بعض الانفاس وكلًا منهما يحاول البحث عن السيطرة على مشاعره وحزنه بل وآلمه الذي بالكاد كلاهما يحاولان محاربته بنزاهة ليتسائل بهمس ببحته الرجولية الجلية:

- خلصتي كلامك؟

تنهدت وهي تومأ له بالموافقة ليلمحها بلوم ثم همس:

- انا كمان من حقي اتكلم.. تقولي مريض ولا تقولي كداب ولا اي حاجة بس انا وانتي والدنيا كلها عارفة اني حبيتك ولسه بحبك وعمري ما هاقدر ابطل اعملها..

انهمرت دموعها وكادت أن تتحدث ليوقفها مشيرًا بسبابته ألا تفعل فصمتت ليُكمل بنبرة انهمر منها العشق والآلم على حد سواء:

- اللي أنا اتعرضتله ليلتها مكنش سهل على أي راجل وبالذات واحد عاش حياته وهو مصدق أن أمه ست خاينة.. بس في نفس الوقت أنا اللي عملت نفسي كده.. لو مكونتش اغتصب اروى.. ولو مكونتش ليا علاقة بالماڤيا ولو مكونتش ببهدل الناس مكانتش حياتي معاكي بقت كده..

تحدث لتضيق ما بين حاجبيها في تعجب ومفاجأة لتلك المسئولية الشديدة التي وضحت بكلماته لتدرك أن ربما هذه المرة غير أي مرة سابقة ليتابع بهمس وبكاء:

- انا مش بعيط علشان استعطفك او اطلب منك تسامحيني.. بالعكس أنا هاعمل اللي انتي عايزاه.. لأن أنا السبب في كل حاجة بس اللي مش قادر عليه هو اني امنع نفسي احبك.. مش قادر ابطل اندم على اللي عملته واني ضيعتك من ايدي.. غصب عني.. متسامحنيش لو حابة!

اعتصرت عينيها تغلقهما في آلم وحزن ودوعها تتساقط ليرمقها بعشق تمنى لو يستطيع انتشاله من قلبه ولكنه لم يستطع يومًا أن يفعلها ليُكمل بقهرٍ:

- لما خليت جوازنا حرام ولما قسيت عليكي كتير  كل مرة كنت بحبك اكتر وبغبائي فضلت اضيعك مرة ورا مرة لغاية اخر ليلة.. بتخليني عايز اموت نفسي من كتر الظلم اللي ظلمتهولك وأنا..

وضعت يديها على شفتاها خوفًا من تعالي شهقاتها ولا تزال تعتصر عينيها تغلقهما علها تستطيع أن تنسى كل ما يقوله لتندفع بداخلها الذكريات ولم يستطع هو أن يُكمل من حدة بُكاءه وهو يتألم مرتجفًا لرؤيتها أمامه بتلك الملامح وتمنى لو أنه يستطيع الآن أن يُعانقها كي يخبرها ويبرهن لها أن الآلم بأكمله سيتوقف على عكس عادته معها ولكنه من جديد يستيقظ على حقيقة أنه افسد كل شيء..

طال صمتهما وكلاهما يحاولان البحث عن صلابته وسيطرته على مشاعره ليُردف بنبرة مبحوحة بمجرد نظرها إليه مرة ثانية:

- الراجل اللي تعرفيه كان هيكدب عليكي ويفكر بأي طريقة يرجعك ليه.. بس خلاص بقى أنا بطلت كدب.. أنا لسه بحبك بس..

توقف من تلقاء نفسه مُطلقًا لهيب أنفاسه الذي حرق كل ما به وجعله الآن يدرك ما معنى أن يحترق إنسان وهمس مُكملًا بإذعان:

- بس ده ميمنعش اني احاول.. هنكون اصحاب.. بس مش هاقدر اوعدك اني هانجح في ده..

تفقدها بمصداقية وملامح لا تزال مُتأثرة من شدة الحزن وتلك المشاعر التي انفجرت بداخل كلاهما بفعل حديثهما واكمل كلماته بعد أن حاول تجفيف وجهه والتحكم في ألا يبكي مجددًا:

- لو فكرت بين نهاية حياتي وانا مسجون ولا ميت من انتقام حد من اللي ظلمتهم وبين نهاية حياة أنا فيها أب وعندي شغل انا بجد بحبه مش مجرد عِند من جوايا اني انجح في مهنة زي مهنة ابويا واني جانبي احسن ست في الدنيا وبنتنا شبهها وحتى اسمها أنا بحبه فأنا هختار الحياة التاني من غير تفكير..

ابتسم بمرارة وملامح متشنجة تحاول أن تُهزم مشاعره التي تدفعه للبكاء وتكلم بصدق ونبرة حملت لا شيء سوى الصدق:

- أنا مبسوط بجد.. يمكن اتعذبت كتير وكنت ظالم في حاجات كتير بس حياتي احسن دلوقتي الحمد لله.. علشان كده هحاول اننا نكون اصحاب.. بس ده عمره ما هيغير حقيقة اني بحبك وهافضل احبك لغاية ما أموت.. 

كاد أن يبكي من جديد لتجده ينهض وهو يخرج اوموالا يتركها على الطاولة وقال بنبرة باكية تمزقت آلمًا وهو يستند على عصاه متلعثمًا:

- مش قادر اكمل اكتر من كده.. معلش انا لازم امشي.. بس.. مش قادر استحمل اكتر من كده النهاردة.. هكلمك بس محتاج يومين.. سلام..

تابعته بعينيها في صدمة، ربما قد تغير أخيرًا بعد الكثير من السنوات.. الرجل الذي تعرفه كان سيحاول باكيًا وهو يتعهد أن كل شيء سيُصبح أفضل.. انما اليوم فلقد تحدث بمصداقية وهو من غادرها ونهى محادثة قد يُخيل له بها أنه لو كان لح بمزيدًا من البكاء والترجي كانت ستسامحه مرة أخرى..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

بعد مرور ثلاثة سنوات. . .

هرولت سريعًا إلي مقعدها الذي يجاور خاصته لتبدأ في متابعة حفل توزيع الجوائز الذي ستكرم به ابنتهما اليوم لبعد أن انتهت من توديعها بأحدى الغرف التي سترتدي بها ملابس التكريم تجده يتفقدها بإبتسامة ثم سألها:

- ايه اللي اخركوا كده؟

زفرت بإرهاق ثم اجابته:

- مصممة إن هدومها فيها حاجة غلط.. وانت عارف كامي.. مبتقتنعش بكلام حد..

توسعت ابتسامته ثم حدثها بثقة:

- أي حد غيري.. لو كنتي كلمتيني كنت جيت اقنعتها..

نظرت له بغيظ وقالت ممازحة:

- بطل غرور بقى يا اخي.. ده انى فظيع انت وبنتك..

اطلق زفرة متهكمة مصاحبة لضحكة انطلقت من حنجرته رغمًا عنه ليُعقب قائلًا:

- قال يعني بنتي لواحدي.. دي شبهك في كل حاجة.. الشكل والنفس والمثالية.. كله..

رمقته بحقد وهي تبتسم له في غرور وحدثته بنبرة استفزته:

- بنتي وربايتي ولازم تكون شبهي، وأنا وأنت عارفين كويس أنها لو كانت شبهك في كل حاجة مكوناش وصلنا للي وصلناله.، ولا إيه؟

هز رأسه في انكار على تلك الحجارة القاسية التي لا تتوقف عن إلقاءها لتصيبه دائمًا في مقتل لتلاحظ اختلاف ملامحه وشعرت بأن ذلك المزاح يأخذ منحنى آخر سيؤلمه لتردف مسرعة بمصداقية:

- شكرًا..

التفت إليها بعد أن كان مُسلطًا لنظره أمامه ليجد ملامحها تحمل امتنانًا كثيرًا ثم همست له:

- أنا مكونتش هاعرف انجح كده معاها لولا وجودك جانبي ومعانا في حياتنا.. وبعدين ما لازم تبقى شبهي وشبهك.. هتطلع لمين يعني غير اتنين زينا.. كبر دماغك ومتاخدش على كلامي السم.. حقك عليا.. متزعلش مني على كلمتين طلعوا غصب عني..

تنهد وهو يتفقدها بتلك النظرات العاشقة التي لم تتغير بعد كل تلك السنوات ليُتمتم قائلًا:

- مزعلتش.. وبعدين انتي بالذات تقولي اللي انتي عايزاه وأنا هاستحمل عادي.. ولو هنتكلم بجد فلولا ربايتك ولولا انها شبهك مكانتش بقت شاطرة وذكية وجميلة زي ما هي.. ولا أنا حتى كنت هابقى كويس في يوم من الأيام.. أنا اللي المفروض أشكرك..

تفقدته بمشاعر مختلطة بداخلها وشعرت أن حديثهما يأخذ منحنيًا آخر تمامًا بصحبة تلك النظرات التي تفيض عشقًا من بين عينيه في لوعة بقربها منه لتحمحم وهي تحاول الهروب من هذه اللحظة لينقذها بدأ الحفل ليهمس لها:

- أنا محضر لكامي مُفاجأة بعد الحفلة..

تفقدته بتعجب بينما تعالت اصوات بداية المراسم التي ستتكرم بها ابنتهما لتُجبر على الصمت وهي تحاول أن تُفكر فيما قد يكون أعده لها دون أن يُشاركها به.. فهي حتى بعد سنوات لا تستطيع أن تثق به ثقة عمياء.. حتى ولو برهن لها بآخر ثلاث سنوات أنه تغير تمامًا عن هذا الرجل الذي كان عليه وأصبح بحق رجلٌ أفضل..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

دخلت كلتاهما المنزل الخاص بهما لترتمي كل واحدة على تلك الأريكة بإرهاق كما تعودتا بعد يومٍ طويل ولا تزال كل واحدة تحاول استيعاب ما رآته منذ قليل..

همست ابنتها في غير تصديق:

- لقد قام بإبتياع قارب لي بمناسبة انني الأولى على الصف.. بل واطلق عليه اسمي.. اتسائل ما الذي سيفعله معي عندما اصل لمرحلة الجامعة؟

هزت كتفيها في تعجب وهمست لها:

- ربما سيقوم بشراء الولاية بأكملها.. من يعلم!

التفتت كلتاهما ثم تلاقت اعينهما في صدمة وفجأة اندفعتا كلتاهما في نوبة ضحك جارف ولم تستطع أي واحدة أن تتوقف بسهولة سوى بعد مرور عدة دقائق من الضحك المتواصل.. 

همست "كاميليا" بتساؤل بنبرة ضاحكة:

- هل ستسمحين الآن أن امكث معه بعض الأيام أم لا زلت تمانعين ذلك؟

تفقدتها وهي لا تزال تحمل آثار الضحك على ملامحها بينما تةستلها:

- ارجوكِ عليكِ القبول.. انتِ تمنعي ذلك وأنا احاول معكِ منذ عام بأكمله.. رجاءًا وافقي

أومأت لها وهي تقول بتنهيدة:

- ماشي.. بس لو لقيت اتفاقات سرية من ورايا هزعلك انتي وهو.. اتفقنا؟

تنهدت وهي تزم شفتاها ثم همست بوهن:

- اتفقنا..

لمعت اعينها بحماس وسعادة لتقول:

- بس شوفتي الأوضة.. حلوة اوي يا ماما.. 

ابتسمت إليها وهي تعانقها بحنان واخبرتها بسعادة:

- ربنا يفرحك ودايمًا اشوفك مبسوطة.. بابا شاطر في مواضيع البيوت من زمان..

همهمت الثها لتتسائل:

- ولماذا لم يُكمل عمله كمهندس؟

تنهدت ثم اجابتها بنبرة مُرهقة:

- هو يعشق صنع الطعام.. وخلال ثلاث سنوات بات لديه أربع فروع.. احيانًا نغير حياتنا بأكملها بقرار مفاجئ فقط لنفعل ما نريده وما نشعر بالشغف نحوه.. وهذا ما فعله والدك..

رفعت رأسها إليها وتحدثت بنبرة استفهامية:

- هذا يعني أنكِ لن تمنعيني من أن اكون مُهنسة مثله يومًا ما؟

أومأت لها بالإنكار وهي تربت على رأسها وحدثتها بمرح:

- كامي راي آرون ستفعل ما تشاء طالما لم يكن خطئًا أو محرمًا..

عانقتها بشدة لتبادلها الأخرى فهمست لها ابنتها:

- احبك للغاية..

ردت مُعقبة وقالت:

- وأنا أيضًا.. وكذلك فخورة بكِ أكثر من أي أم أخرى بهذه الحياة..

فصلتا عناقهما بعد مُدة لتتفقدها بتساؤل وتعجبت بعفوية:

- ماما هو انتي ليه دايمًا بتلبسي هدوم تغطيكي؟

اختلفت ملامحها لتردف ابنتها بعفوية:

- عمري ما شوفتك لابسة فستان زي اصحابك خالص.. ليه مش بتلبسي فساتين او هدوم تانية؟

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يُتبع . . .

الفصل القادم في اقرب وقت إن شاء الله وستنتهي الرواية قبل شهر رمضان

كل عام وانتم بخير