شهاب قاتم - الفصل الثمانون
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
إذا كانَت البدايات وحدها جميلة، دعنا نبدأ مجددًا، دعنا نبدأ مرارًا وتكرارًا، دعنا لا ننتهي أبدًا، دعنا لا نتوسط ولا نتعمق ولا نمل فننتهي، دعنا نبدأ ثُم ننسى أننا بدأنا ونعيد البداية، وننسى إلى اللا نهاية.
(أسما حسين)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
أطلقت زفرة مطولة والقشعريرة قد طغت من جديد على جسدها بأكمله، لقد انتظرت كثيرًا من أجل هذه اللحظة، كانت تظن أن هذا اليوم لا يأتي أبدًا ولكنه قد آتى أخيرًا..
تفقدت تلك الأعين أمامها وهي تنظر إليها، ترى الخوف والحُزن، تقرأ تلك المشاعر الفطرية بأعينهما التي لا تستطيع الكلمات وصفها في هذا اللحظة خصيصًا ولكن أكثر ما رآت بأعينهما كان السعادة المُطلقة من أجلها!
تقدم نحوها ليُقبلها مجددًا من رأسها والآخر أخذ بيدها يُقبلها ليُحدثها زاجرًا عندما رآى بريق العبرات يتلألأ بزرقاويتيها:
- خلاص اتفقنا بقى مفيش عياط.. وانت امسك نفسك ومتخليهاش تعيط!
تحدث لكلًا من اخته ووالده الذي حاول أن يدعي الصلابة بمشقة ثم عاد ليهمس لها بإبتسامة وصوت متحشرج بالبكاء:
- جاهزة!
أومأت "سيدرا" له بإبتسامة وهي تحاول أن تمنع نفسها عن البُكاء ولم تُصدق أنها اخيرًا سيتحقق حلم حياتها بالزواج من "أدهم" الذي دام عشقهما منذ أن كانا طفلين..
مد "سليم" ساعده لتُمسك به وكذلك فعل "بدر الدين" لتُمسك به كذلك واتجهت معهما سويًا كي يبدأ الجميع مراسم حفل زفافها..
لم يكن الأمر هينًا عليه، في تلك اللحظة تحديدًا، وهو يشعر وكأنه وصل إلي نهاية حياته بفعل تلك الصغيرة التي يعشقها، لم يكن يظن أنها ستجعله يدرك الكثير من معنى أن تكون أبًا لفتاة، معنى أن تكون والدًا في المُطلق..
عندما دخل "سليم" حياته كسب صديقًا قبل أن يشعر بأنه أبًا.. ويعلم أنه ربما لم يكن لها الوالد مثلما كان "سليم" لها ولكنها هي الوحيدة التي عندما انجبها قد أخذت آخر ذرات خوفه لتبددها بعيدًا وأخذت تبرهن له عبر السنوات أنه يستطيع أن يكون والدًا دون أن يتوجس من أن يفشل مع ابناءه!
توجه ثلاثتهم وهم يهبطون ذللك الدرج الذي صممت على أن تتم أولى مراسم زفافها عليه، لقد كانت تريد حفل زفاف اسطوري كأحدى الأميرات.. ولقد كان بالفعل..
كلما أوشك الدرج أن ينتهى شعرت هي بالحماس والسعادة بينما كلاهما كانا يشعران بالغضب، الغيظ، والكثير من الحقد تجاه "أدهم" وتناسوا للحظة كل ما يربطهما به من قرابة ولم يرد أي منهما لتلك الدرجات السخيفة أن تنتهي!
صافح في البداية "بدر الدين" ثم عانقه ليهمس بأذنه:
- لو مظبتش يا ابن شاهندة هوديك ورا الشمس..
ابتلع "أدهم" في ارتباك ونظر له بقليل من التوتر ليلاحظه "سليم" الذي تدخل على الفور وقال:
- ما خلاص بقى يا بدر مش كده..
صافحه هو الآخر وعانقه ليهمس بأذذنه دون أن يستمع له احد:
- لو بس شميت خبر إنك زعلتها في يوم من الأيام هخلي اللي عمله بدر في كريم هزار بالنسبة للي هيحصلك!! مبروك يا أدهم يا حبيبي.. ربنا يتمملكوا بخير..
لوهلة تصلب جسده في مكانه وهو ينظر لكلاهما بذعر بينما استيقظ عندما وضع "سليم" يداه بيد "سيدرا" ومن ثم بدأت مراسم الحفل..
تنحى كلاهما إلي احدى الجوانب ليعقد "بدر الدين" حاجباه ليهمس قائلًا:
- كنا المفروض اخرنا الفرح اكتر من كده!
رد "سليم" مُعقبًا:
- اتفق!! انت معاك حق..
رمقهما في غيظ بثاقبتيه ليغمغم بنبرة مليئة بالتفكير وأخبره وهو يعقد ذراعاه في تحفز:
- نقوله إنه مكنش في الشغل قد كده ومش قد المسئولية ونفركش الفرح ويبقى يحلها حلال كمان سنتين!
أومأ "سليم" بالموافقة وغمغم هو الآخر:
- وانهم لسه صغيرين ولسه الحياة قدامهم! يستنوا شوية!
زفر في ضيق وأردف في غيظ:
- كان فين عقلي واحنا بنكتب كتابها من اسبوع!
حدجهما "سليم" في حقد ليُتمتم:
- وأنا زي الأهبل شهدت على جوازهم! احنا اتغفلنا يا بدر!
تناول نفسًا عميقًا ثم قال بإصرار:
- يبقى نفركش الجوازة!
هز رأسه في موافقة ليتشدق بتأكيد:
- يالا بينا!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لو كانت كل ندبة تترك درسًا، لابد من أن ما تراه الآن عبارة عن مناهج دراسية منذ أن اخترعوا منظومة التعليم إلي وقتنا هذا.. لو كل أثر يقص قصتها معه، لابد أن تلك الآثار كانت نتاج لعلاقات شتى بجميع رجال الأرض وليس رجلٌ واحدٌ فقط..
ذلك الجسد المشوه هي لا تعرفه، ولكن بات عليها التعامل معه، منذ اليوم فصاعدًا هو بات يخصها، ذلك الجسد الذي كان لا يُلمس سوى بعناق الأحبة وتسري به الراحة بعد يومٍ طويل من نزهة مع الأصدقاء، تلك البشرة التي كانت يومًا ما تعرف ملمسها أصبحت وهي تُمرر يديها عليها لا تبرهن لها سوى عن الدمار الذي لن يُرمم ولو بعد آلف سنة!
بداية بمؤخرة رأسها وتلك المنطقة بمثابة عقلتي اصبعين التي بات نمو الشعر فيها مستحيلًا من شدة النيران على نهاية رأسها يومها، مرورًا بظهرها الذي تجعد بين اثر تلك السكين وتلك الحروق التي تضح اثارها بشراسة بأكمله، ونهاية بآثار ذراعيها وساقيها من الخلف وهما يظهر عليهما تلك الجروح الطويلة، كل هذا تركها لا تستطيع التنفس من شدة بُكائها..
عبرات الآلم التي ذرفتها كست جبال من الدمار حتى باتت غائبة في اعماق محيط من القهر وباتت حتى لا ترى إنعكاسها في المرآة لتغرق إلي قاعٍ من حُزن لن تنجو منه أبدًا!
حاولت التحكم في تلك الشهقات وهي تلتفت واقتربت من المرآة لترى انعكاس لآثار الحروق على عنقها يتضح بمجرد النظر إلي وجهها لتعرف أنها لن تستطيع حتى سوى أن ترتدي كل ما يستر عنقها إلي نهاية حياتها ليتزايد بُكائها حُرقة من ملامحها التي لم تعد تعرفها..
منذ ذلك الحين وشعرها يبدو أنه تأذى ببشاعة، هي تتذكر عندما لمست رأسها بعفوية لتدرك وقتها أنه شعرها قد آكلته النيران، أخذت خطوة للأمام كي تتفقده لتراه بالكاد يُغطي عُنقها، ومن الخلف هناك تلك المنطقة التي يبدو وأنها لن تنمو من جديد ليتزايد نحيبها مما تراه وودت أنها لم تفعلها.. شعرت بالندم لرؤية كل ذلك الدمار الذي باتت عليه، هي مُدمرة وببشاعة!
أين كان عقلها وقتما وافقت، وقتما اختارت رجل مثله، وقت أن ظنت أن بإستطاعتها وبعشقها له ستُغير كل ما هو عليه! كيف كانت بذلك الغباء لتُعرض نفسها للموت أكثر من مرة على يداه.. والإجابة ستبقى واحدة، لم تكن تتخيل أن إيذاءه اياها سيصل لتلك الدرجة..
كانت تتغافل عن حقيقة ما يمر به وظنت أن مع الوقت سيتغير.. هي على ثقة الآن أنه تغير بالفعل، ولكن بعد ماذا؟ بعد دمارها هي صلُحَ هو! كان يتغذى على إنسانيتها حتى انتزعها بالكامل ليتركها إمرأة مشوهة الجسد والروح..
استمعت إلي صوت بُكاء "كاميليا" لتتوجه سريعًا وهي تُمسك برداء تستر به جسدها ثم ذهبت إلي مهدها لتعانقها وكلتاهما تبكيان بلا إنقطاع..
رويدًا رويدًا بدأت كلتاهما في الهدوء.. وكأن كل واحدة تؤازر الأخرى بطريقة ما خفية.. حاولت التوقف عن البًكاء وفعلتها وأخذت تنظم انفاسها إلي أن اصبحت قليلًا بخير وبدأت في إطعام ابنتها!
ضمتها إليها وهي تشعر بخفقات قلبها ترق وتزداد تعلقًا بتلك الصغيرة التي باتت كل ما تملكه وكل ما تبقى ليُعطيها القوة للمثابرة..
ثبتت مُقلتيها قهرًا بالفراغ وهي ترى انعكاس صورة جسدها المشوه بالمرآة، وتراه هو، تستمع إلي صوته يومها وهو يعذبها ويتحدث إليها، اتهاماته، إفتراءه وظلمه لها..
أخذت تقسم بداخلها أنها لن تُسامح على تلك الأفعال ولو بعد ملايين السنوات، كما أنها اكدت لنفسها أن من فعل هذا بها لا يستحق حتى نظرة واحدة منها بوجهه، لم يعد يُمثل لها سوى والد ابنتها فحسب.. هذا كل ما سيبقى وهكذا سيظل إلي أن تترك روحها الحياة!
توعدته بداخلها، هذا الرجل الذي مزق روحها وجسدها بكل ما تحتويه الكلمة من معانٍ، لن تتركه يعيش سوى وهو رجلًا يرتعد كلما فكر في إيذاء ذبابة! لن تترك تلك الحياة قبل أن تدمره بالكامل ثم تعيد تشييده ليُصبح رجلًا جديدًا غير كل ما كان عليه!
يفصلها المزيد من الساعات ليس إلا عن تحقيق ثاني محطات تغييره! وستفعل! هذا افضل انتقام لها.. أن تراه رجل مهاجرًا لتلك الأفعال المرضية وإلا تُقسم أنها ستكون نهايته في هذه الدنيا وحتى لو قتلته بيديها!
لن يُكفيها عاهة ساقه، ولا إيمانه، ولا علاجه إلي هذا الحد ولا حتى اعترافاته بكل ما ارتكب من جرائم، فكما بدل تلك المرأة التي لم تعرفها عندما نظرت في المرآة ستجعله لا يُصدق أنه بات شخصًا جديدًا.. ويبدو أنها لا تزال حية تُرزق ولن تعكف عن المحالة لطالما تنفست في الحياة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
اقتربت من كلاهما لتقف بالمنتصف بينهما وامسكت بذراع كل واحدٍ منهما ثم تحدثت بنبرة مرحة وهي تحافظ على ابتسامتها ولكن بطياتها الكثير من الزجر والتحذير لكلاهما:
- لو العيون بتتكلم فأنتوا حرفيًا مرمطتوا بكرامة جوز بنتي الأرض من أول الزفة.. نحاول نخلينا ألطف شوية!
التفت كلاهما إليها ليُعقبا في دهشة واستنكار بآن واحد:
- جوز بنتك!
رمقتهما في استغراب لتومأ في النهاية وقالت:
- آه ما هو بقى جوز بنتي من يجي اسبوع بحاله!
أطبق "بدر الدين" اسنانه ليغمغم في انزعاج:
- متقوليش بس جوز بنتك
تبرم الآخر في حنق بالغ:
- قال جوز بنتها قال..
أقبلت "شاهندة" وهي تتجه نحو ثلاثتهم لتعانق اخيها بود شديد وأطالت عناقها لتُحدثه بفرحة وامتنان:
- مبروك يا بدوور.. أنا مش مصدقة إن السنين اللي مخلفتش فيها دي كلها ربنا يديني اجمل هديتين في الدنيا أدهم واسما ويعوضني بإن بنتك تبقى مرات ابني.. لو حد كان قالي كده زمان من سنين ولا كنت احلم أبدًا بيها..
ذرفت عيناها بعض الدموع ليبادلها العناق وسرعان ما تحول من هذا الرجل الناقم منذ قليل على زواج ابنته لآخر يكترث لأخته ليُربت عليها في حنان ثم أحاط وجنتيها بين كفاه وهو يتطلعها بسعادة حقيقية ثم همس لها:
- ربنا عوضنا احنا الأتنين.. مبروك يا حبيبتي..
اتجهت نحو "سليم" وهي تعانقه فبادلها لتخبره بإمتنان:
- أنا كده خلاص اطمنت .. أدهم بقاله ضهرين.. جوز اخته وابن خاله الكبير.. عمري ما هقلق تاني طول ما انت بتاخد بالك منهم يا سليم.. مبروك يا حبيبي
ابتسم إليها ثم أومأ لها وقال:
- مبروك يا شاهي يا جميلة، وبعدين أن اخوهم من زمان.. المحبة بس زادت شوية النهاردة..
تدخلت "نورسين" لتتحدث بنبرة مُعتذرة:
- معلش مش عايز اقاطعكوا بس لازم يا بدر أنت وسليم تروحوا توقفوا مع حمزة علشان الناس اللي جاية تبارك..
ربتت على ظهريهما ليومأ كلاهما بإقتضاب واتجها على الفورليرحبا بالمهنئين لتزفر كلتاهما في راحة بمجرد ذهابهما لتقول واحدة منهما بعد أن جففت دموعها بتساؤل:
- تفتكري الشويتين دول دخلوا عليهم وحنوا شوية؟!
هزت رأسها في انكار لتجيب بنبرة مُجهدة:
- هيخربولنا الفرح وكل واحد منهم كأنه بيستعد وداخل خناقة.. هما شوية وهيتلهوا.. قرفوني!
طمئنتها الأخرى لتهمس لها:
- ربنا يهديهم .. زمانهم هيتشغلوا دلوقتي.. تعالي يالا علشان نسلم على الناس!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
وضعتها بمهدها من جديد بعد أن ذهبت للنوم ثم نهضت لتعاود إرتداء ملابسها وأخذت تجمع في بقية متعلقاتها البسيطة حتى تغلق الحقائب قبل أن تذهب إلي النوم!
نظرت إلي هذا المنزل المتواضع لوهلة، بالرغم من انها مكثت هنا لشهور ولكن لا يزال المنزل يبدو غير معروفًا بالنسبة لها، منزل جديد، لا تعرف اركانه، كل حقائبها دائمًا في حالة تأهب قصوى، لم تشعر هنا بالأمان.. كل ركن به بارد ليس به أي دفئ يُذكر!!
ابتسمت نصف ابتسامة مُنكسرة، ذكرها ذلك بمنازله التي لا تُعد ولا تحصى.. لم تتواجد معه بأي من المنازل سوى وجدتها باردة تفتقر لمعنى الدفء والهدوء ولألفة بالرغم من صراخ منازله بالثراء الفاحش ولكن ما نتيجة كل ما ملكه يومًا ما؟! لا شيء على الإطلاق!
زفرت وهي تُغلق عينيها وبداخلها احلامًا مُفعمة بالأمل.. منزل لها ولإبنتها.. منزل بسيط به دفء وألفة وود.. الكثير من الراحة تنتظرها هي تعرف وتتوق إليها بفارغ الصبر.. فقط يُفصلها بعض الساعات عنها ليس إلا!
لا تستطيع الإنتظار كي تحصل على بداية جديدة، تريد أن تراها تنطق أول كلمة، تأخذ أول خطوة.. أول رسمة سترسمها وأول كلمة ستستطيع في نقش حروفها.. تريد كل ذلك معها.. ستحصل عليه يومًا ما وأوشكت الصعاب أن تندثر إلي الأبد! عليها التحمل قليلًا بعد..
شحذت همتها وحاولت أن تطرد الكثير من الأفكار برأسها التي تُجبرها أن تكون ضعيفة وهشة .. لن تكون ولن يُفيد بل وسيضر ثلاثتهم لو اصبحت مجرد إمرأة تبكي ولا تفعل سوى البكاء وتذكر الماضي..
أجبرت نفسها أن تُراجع مرارًا ما ستُخبره به بالغد.. سيكون مُطلق الإختيار له.. إمّا أن يوافق على كل ما ستُمليه عليه وإلا ستتركه ليُعاقب بالقانون وليأخذه "مُعاذ" ليُسلمه إلي السُلطات، لم يعد لديها حلًا آخر..
عليها فقط غدًا أن تتذكر ثلاثة أشياء ليس إلا.. أولًا رغبتها في علاجه الذي لن تفشل به، ثانيًا أنه والد ابنتها، ثالثًا ذلك الجسد المشوه الذي لمحته بالمرآة!
ربما قد ظلمته منذ البداية عندما دخلت حياته وهي غير مؤهلة بأن تُعالج شخص مثله.. بدلًا من أن تساعده تعاطفت وعشقته.. لو على هذا الخطأ ستُصلحه.. وبالرغم من أن أخطائه كانت أكبر بكثير ولكنها ستبدأ معه مرة أخرى حتى ترمم ما افسدته بإختيارها منذ البداية!
ليس هذا من أجل مثاليتها ولا برغبتها دائمًا في أن تفعل الصواب ولكن من أجل ابنتها.. تلك الصغيرة لا تملك احدًا.. لا عائلة.. لا اخوات.. ولن يكون من الجيد أبدًا أن تعيش في هذه الحياة دون أبٍ كذلك.. ربما أن تثابر في جعله إنسان أفضل حتى يكون مؤهلًا ليكون والد أسهل بكثير من محاولتها في أن تُغير مجتمع بأكمله قد شاهد والدها يعذب والدتها ومُدان بتهم كثيرة لا نهاية لها!
أمّا عن ما فعله بها فستتركه بأكمله ليكون درس من دروس الحياة القاسية.. ستنظر له بين الحين والآخر كي تتعلم ألا تُسامح، ولا تتعاطف مع مجرمين أو قتلة، وألا تختار اختيار خاطئ مرة أخرى!
لتكون إذن بداية جديدة.. له ولها ولإبنتهما.. ستبدأ كل يوم ولن تشعر بالإرهاق ولا الملل، غدًا هو بداية معاملة "شهاب الدمنهوري" بطريقة اخرى تمامًا.. مثلما بدأت منذ أشهرٍ على سرير المشفى ذلك وهي تطلب من "مُعاذ" أن يُساعدها وكما بدأت بالإبتسام مرة اخرى وهي ترى تلك الصغيرة تبكي بين يديها عندما انجبتها..
ستعيش اليوم بيومه، كل يوم سيكون بداية اخرى وجديدة، وكلما شعرت بالإرهاق أو الملل من الحياة ستنظر إلي ذلك الجسد المشوه ليُذكرها أن تبدأ من جديد!
نظرت نحو الثلاث حقائب الذي غُلق اثنان منهما والثالثة تخصها ولا تزال مفتوحة لتضع بها ما تبقى من متعلقاتها وابتلعت متنهدة وهي تأبى بشراسة أن تذرف الدموع.. غدًا ستكون بداية من اهم البدايات لكل واحد منهم!
كل ما عليها فقط أو أن توصله إلي المصحة بتلك الولاية التي سوف ينتقلون إليها إلي الأبد دون أن تتعاطف ولا تترك أي من كلماته تُصيبها بالتصديق مثلما كانت تُصدقه دائمًا..
لو كانت بالسابق يدفعها الحنان والطيبة والمثالية أن تتصرف بالأمور فغدًا عليها أن تُكرس كل ذلك لإبنتها أولًا وثانيًا ستكون كالفولاذ رغبةً في مجردة حياة جديدة بعيدًا عن جروح المضي بكل ما فيه!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تقدم نحو والده بخطوات متعجلة، بالرغم من كل ذلك الجمع حولهما ولكنه يشعر به وبنظراته التي يحاول أن يُخفيها عن الجميع، يعلم أن هذا الكيان الذي يبدو كجبل شاهق لكل من يراه ليس سوى إنسان هش بداخله سيقضي ليلته في البُكاء بعناق يجمعه مع زوجته حُزنًا لإفتراق صغيرته عنه.. ولقد طفح الكيل من رؤيته حزينًا.. لن يقبل بعد اليوم ولن يسمح لأي حُزن بأن يمس تلك العائلة أبدًا.. يكفي كل ما عانوا منه حتى الآن.. بل كان أكثر من كافيًا..
أشرأب بعنقه وهو يقف أمامه ناظرًا له بعينيه ليتخلص من تلك الإنشات البسيطة التي اكتسبها والده عنه بقامته الفارعة ثم حدثه مُقترحًا:
- بقولك إيه، إيه رأيك نسافر النهاردة.. على طول.. بعد ما الفرح يخلص.. أنا وانت بس! نروح نغير جو في أي مكان بعيد عن الدوشة كلها..
عقد الآخر حاجباه في تعجب وهو يتفقده مليًا واضعًا يداه بجيبي بنطاله بتلك الملابس الرسمية التي لم تُفقده جاذبيته بالرغم من تقدم عمره ورد بإبتسامة متعجبًا:
- ولا يا حيلتها! أنا مش مراتك ياض!
أشاح برأسه بعدم إكتراث كعلامة منه على استحالة هذه المُقارنة ثم قال بصوت خافت:
- انا وانت محتاجين نفصل شوية.. كويس إن الكل موجود اليومين دول وهياخدوا بالهم من الشغل.. حتى عمي هنا ومستني مراته لما هتولد هياخدها ويسافروا تاني.. تعالى نفصل شوية بعيد عن الرزع وحوارات الشغل وبعيد عن البيت ودوشة سيف.. إيه رأيك؟
أومأ له بالموافقة بعد أن حاول أن يحصل من وجهه على إجابة فاستطرد "سليم" في تساؤل:
- وعندي اقتراح كمان.. إيه رأيك كلنا نتجمع تاني في بيت تيتا.. منها إن كلنا نكون جنب بعض، ومنها زينة تبقى جنب عمتي بعد ما بقت طول الوقت زعلانة إننا مش عارفين نوصل لأروى وعاصم مصمم يعيش هو ولميس لوحدهم.. ومنها سيدرا وأدهم يبقوا جنبنا وجنب شاهي.. واهو بالمرة سيف يتربى وسط الكل زي ما انا اتربيت في يوم من الأيام!
لانت شفتي "بدر الدين" بإبتسامة وهو ينظر إليه وتذكر أن هذا كان حلم والدته في يومٍ من الأيام أن يكون وشعر بأن "سليم" بات رجل العائلة الآن الذي يجمع كل افرادها سويًا اسفل سقفٍ واحد فأشار له بالموافقة ثم عقب بالتقبل:
- معنديش مُشكلة .. فكرة كويسة!
تريث لبُرهة ثم تمتم بغيظ:
- بس مش مصدق إن اللزج ده اتجوز سيدرا!
انزعجت ملامح الآخر ليرد بدرجة مساوية لغيظ والده:
- والله ولا أنا!
تناول نفسًا مطولًا ليق بمحازاته وهو ينظر إلي اخته وزوجها وحولهما اصدقائهما يمرحون على انغام احدى الأغنيات الشهيرة ليبتسم بمصداقية وسرعان ما تلاشى غيظه ليتبدل بسعادة حقيقة فوضع يداه بجيبيه ولم ير أحدًا كم أنه يقف بمثل الطريقة التي يقف بها والده وتشابها للغاية وكأنهما اخوان وليس أبٍ ووالده ليهمس بفرحة:
- بس بيحبوا بعض يا بدر.. من وهما اطفال.. يمكن حبوا بعض من وهما اصغر مني.. من قبل حتى ما احب زينة!
تنهد والده وهو ينظر نحوهما ليقول بتأكيد على كلماته:
- عارف.. وكنت بعمل نفسي اهبل.. بس كويس إنها موقعتش في عاصم ولا إياد.. كنت خايف هديل تعمل حركاتها عليها.. الحمد لله على نعمة شاهندة والله!
ابتسم له والتفت لينظر نحوه ليقابله الآخر بسودويتاه المتعجبتان ليتمتم له:
- والله غلبانة من بعد حادثة اروى وهي اتهدت خالص.. الطمع بس كان عاميها لكن خلاص! مبقتش زي زمان يا بدر!
قاطعت "زينة" و "نورسين" ذلك الحديث بعد أو وقفت كل واحدة منهما في مقابلة زوجها لتتسائل الثانية بإبتسامة:
- هو أنا مش ممكن ارقص مع القمر ده شوية قبل ما الفرح يخلص ولا مليش نصيب؟
التفت كلاهما وقبل أن يُجيبها زوجها تقدم "سليم" ليُمسك بيدها وهو يجذبها برفق ثم قال متغزلًا بها:
- يا باشا أوامر.. حد يطول يرقص مع نوري القمر..
صاح بطريقه وهو يترك والده وزوجته خلفهما:
- يالا يا بدر سيبتلك مُزة بعيون زرقا اهو والخال والد برضو.. ارقص معاها ومتكسفهاش!
شعر "بدر الدين" بالغيظ من فعلته وتفقدهما وهما يتجهان نحو الجميع سويًا ليتشاركا بالمرح وشرعا في الرقص معًا لتهمس "زينة" بدلال وهي تُمسك بساعده:
- تعالى.. أنا هاعرف اغيظه كويس زي ما بيعمل معاك.. لا عاش ولا كان اللي يضايق خالو أبدًا..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
في صباح اليوم التالي..
سارت بمحاذاة "مُعاذ" بعد أن خاضا حديثًا مطولًا بكافة التفاصيل وبعد أن اعطاها الأوراق اللازمة لهويات ثلاثتهم الجديدة واقامتهم الدائمة بالولايات المتحدة الأمريكية التي يصعب بها إجراءات تسليم احدى المُقيمين بها إلي دولتهم الأم كما اخبرها، وجوازات السفر التي تحمل اسمائهم الجديدة "روز آدم مالك يعقوب" ، "راي كامل هارون زكري" ، "كاميليا راي كامل هارون"..
لوهلة امتنت أن تلك الأسماء الجديدة لهم بأكملها ستحمل هويات لن يرتاب بها البعض وستنادى بإسمها "روز جايكوب" في الخارج ولكنها على الأقل لم تفقد كامل اسمها.. فلا يزال هناك ثلاث أحرف لم تفقدهم ستُذكرها بمن هي وإجلالًا لذكريات عِدة بمن كانت هي "فيروز" يومًا ما..
كذلك ستُنادى ابنتها "كاميلا" أو "كامي آرون" وأيضًا سيُنادى طليقها "راي آرون" وسيتعامل معهم الجميع وكأنهم ذو هوية تمت للخارج وليس بدولة عربية إلا لو بحث شخص بتمعن شديد في معرفة أصل ثلاثتهم!
تنفست في راحة بعد أن رآت تلك الأوراق المختومة وتذاكر السفر وصورها التي تحمل شعرها الأشقر الذي اضطرت لصبغ لونه وامتعضت لوهلة عندما تذكرت تلك الصورة التي عمل عليها احدى المختصين بمعرفة "مُعاذ" والتي اظهرت ملامح "شهاب" بأعين زرقاء وحليق الرأس ذو لحية قصيرة.. بمجرد تفقد صوره الجديدة جعلتها تشعر بأن هذا الرجل لا تعرفه.. وربما ستكون بداية جديدة معه وله!
ناولته "كاميليا" وأومأت له في ثقة بأنها مُستعدة بأن تواجهه ليُفتح الباب الذي ظن "شهاب" أنه باب لزنزانة وليس مجرد باب لأحدى الغرف التي تقع بواحدًا من المخازن المهجورة التي تقع اسفل الأرض بطابقان بأكملهم ليسبقها احدى الرجال واضعًا مقعدًا خشبي بسيط ليتعجب هو لما يفعله ذلك الرجل وقبل أن يتسائل دخلت هي الغرفة عليه ليُصاب بشلل تام تملك بجسده وذهب حتى بأنفاسه بأكملها بمجرد رؤيتها!
طأطأت برأسها إلي الأرضية قاصدة ألا تنظر له بعينيه مباشرة ولمحت قدمه التي تدلى من ذلك الفراش البسيط.. وظن هو أنه يرى احدى الأحلام وسيستيقظ عما قريب.. لم تستمع حتى لصوت أنفاسه بينما هو أُصاب بصدمة شديدة بعد أن تفقدها مليًا للحظات ورآى تلك الندوب التي اتضحت بعنقها أسفل شعرها القصير للغاية!
ابتلعت لأكثر من مرة وهي تحاول تنظيم انفاسها حتى تبدأ بنطق الكلمات ولم تجد بعد الشجاعة أن تنظر له بعينيه وامام عينيها لا ترى سوى ذلك الجسد المشوه واذنيها تنساب لها صوته وهو يُحدثها بتلك الليلة ظنًا منه انها كانت تقوم بخيانته!
آتاها صوته المصدوم بشدة وهو يهمس بغير تصديق:
- فيروز؟!
كاد أن ينهض ليتجه نحوها لتحذره بحزم بشفتان مرتجفتان:
- اياك تتحرك ولا تقرب مني.. أنا جاية اقولك كلمتين وانت حر!
هز رأسه في انكار وانسابت دموعه وهو يراها أمامه، هذه هي.. هي فعلًا.. نفس نبرتها وصوتها.. نفس ملامحها التي لم تغب عن مُخيلته ولو للحظة واحدة.. أهو يتخيلها؟ هل ذلك احدى احلامه؟ ولكنه يمكث هنا بتلك الغرفة الصغيرة منذ شهور.. كيف آتت إلي هنا؟ لابد من أنه يُخيل إليه كل ما يحدث!
تسائل بأعين امتلئت بالعبرات التي لم تنهمر بعد على وجهه:
- طيب ازاي؟ أنا بحلم مش كده؟ فيروز ده انتي بجد؟!
ابتلعت بمرارة اجتاحت حلقها وتمسكت ألا تتساقط منها ولو عبرة واحدة من احدى العبرات التي كتمتها بقوة وحاصرتها بمشقة وقسوة بين جفنيها وهي تستمع لصوته ولاحظت يداه تستندا على فراشه في تحرك مُرتبك كما هي عادته لتهمس بعد تنهيدة طويلة:
- غريبة مش كده.. اني ادخلك لغاية الزنزانة بتاعتك.. مش بقابلك في اوضة الزيارات اللي بيجيلك فيها المحامي ولا الدكتور بتاعك.. عرفت اخيرًا اخليك تصدق كدبة وعيشتك فيها شهور.. زي ما عملت معايا في يوم!
عقد حاجباه في تعجب وهو لا يُصدق تلك الكلمات والتفتت إلي الجانب قليلًا قاصدة أن تتفقد عينيه آثار الحروق التي تتضح من اعلى كنزتها ولا زالت تتحاشى النظر إلي وجهه وعينيه لتتحدث بسرعة فهي بداخلها لا تحتمل أن يتواجدا بنفس الغرفة وهما يتنفسان نفس الهواء:
- قدامك حل من الاتنين.. يا تسافر برا بهوية جديدة وتكمل علاجك في مصحة حجزتلك فيها.. يا إما كل كلامك للمحامي والدكتور ومعاذ متسجل وهيتسلم للحكومة وهنسلمك! انت مطلوب في كذا قضية وانا كل ده كنت مخبياك! وهماك إنك مسجون بجد..
ابتلعت بعد أن صمتت لوهلة ثم قالت بنبرة تحوي التهديد الصريح:
- غير طبعًا اثبات المكالمة اللي وضحت إنك بمكالمتك لكلوديا على علاقة بالمافيا أو خلية اجرامية وإنك طلبت قتل أروى بنت عمك اللي محدش لغاية دلوقتي لقاها! كل الأدلة واعترافاتك متسجلة.. دي هتسهل بسهولة جدًا ادانتك في حاجات كتيرة.. سواء غسيل الأموال ومصادرها، ولا قضية التشهير ولا قتلك لعمرو قواضي ملهاش حصر ولا اول ولا آخر! هتتاخد الأحكام عليك وهتبقى مسألة وقت على ما يجبوك من برا بتدخل السفارة!
اختار يا شهاب حالًا.. المصحة اللي هتقعد فيها سنين وصدقني مش هتعرف تهرب منها لأنها متخصصة للحالات اللي زيك وتتعالج وبعدها تبدأ من جديد في مكان بعيد محدش يعرف فيه انت مين وتعيش لأول مرة في حياتك صح.. ولا السجن وتتعاقب وتقضي باقي حياتك فيه!
نظر إليها وانفاسه تتسارع وانهمرت دموعه وتسائل في صدمة والكلمات تنطلق من لسانه دون تفكير ولأول مرة تستمع لذلك الصوت المُتلعثم منه:
- طيب انتي عملتي كل ده علشان.. يعني المصحة دي والعلاج وكل ده علشان نرجـ..
سرعان ما قاطعته وهي تعلم إلي أين سيتجه هذا الحوار وتلك الكلمات التي سمعتها قبلًا مرارًا وتكرارًا وتحدثت بثبات هائل:
- مش علشاني ولا علشان نرجع ولا علشان اي حاجة من اللي بتفكر فيها.. علشان نفسك ده أولًا.. وثانيًا علشان متتسجنش لو فعلًا عملت كل الل عملته بسبب الحياة الصعبة اللي عيشتها وبعد استجابتك للعلاج اللي تابعته بنفسي.. وثالثًا علشان..
تنهدت للحظة ثم صاحت عاليًا وهي تُنادي بعد أن حاولت التحكم في تلك المشاعر المتناقضة بداخلها:
- معاذ.. ادخل..
تعجب مما يستمع له فهو يعلم أو تعلم وادرك أن الأمر بأكمله لابد أن يكون له قبل أي شيء، برغبةٍ منه في أن يحاول السيطرة على سلوكه وتصرفاته وفي ثوانٍ وجد "مُعاذ" امامه حاملًا رضيع بين يداه وكذلك حقيبة تبدو انها لطفل فشعر بالتشتت وازداد ارتباكه وفشله في تفسير ما يحدث وقبل أن يتهادى عقله لأن ذلك الطفل الصغير يخصه تحدثت هي من جديد:
- علشان كاميليا.. بنتك..
حدجته بمُقلتين مليئتان بالدموع لجزء من الثانية، تحمل القهر.. الحزن وشعور الظُلم المحض الذي ادرك انها تحملته ولاقته على يداه ويظهر ببشرتها التي ظهرت حاملة الندوب وآثار حرقه لها وتمتد على بداية عنقها وظهرها ليفشل في تقديم الاعذار الذي يتأكد انها لن تُفيد لتتساقط المزيد من دموعه واسر الصمت وكل ذلك لم يحدث سوى بلمحة سريعة منها له ليلاحظ نهوضها مولية ظهرها إليه وتقدم منه "مُعاذ" وهو يناوله ابنته التي لم يبادر بحملها بينما تحدثت قائلة:
- شوف يا معاذ هيختار ايه ولو وافق دخله العكاز وحد يساعده علشان نلحق الطيارة!
خرجت وغادرت لينظر إلي تلك الطفلة التي بدأت في الإنزعاج ليحملها في تردد ونظر نحوها ولتلك الملامح الغريبة واحتلته الصدمة وحاول استدعاء أي مشاعر بداخله ولكنه لم يجدها!
فتحت عيناها لتتلاقى بخاصته وحدق كلاهما ببعضهما البعض لمدة لحظات من سكون تام واستغراب هائل من تلك الطفلة التي لم تعتاد تلك الملامح ولا تشعر بنفس رائحة والدتها واستغراب منه هو نفسه تجاه ذلك الكيان الصغير الذي يتنفس بين يديه وتحمل اسم لطالما تمنى أن يُطلقه على الفتاة التي ينجبها ولكنه شعر بداخله بالفراغ التام!
رمقها في تعجب ليتفقد تلك الأعين التي لم يعلم ماهية لونها ليرى انعكاس عيني والدتها بها وقبل أن يتفقد المزيد صرخت ببكاء وفزع ليحملها "معاذ" بين يديه واتجه بها للخارج لتحملها "فيروز" منه ثم اتجه له مرة اخرى..
نظر مُحدقًا به وضيق عينيه نحوه ليُحدثه في تحفز:
- اخر فرصة قدامك.. لو متعدلتش مع البنت هاجيبك يا شهاب! هاجيبك واحبسك! اللي قدر يعيشك وأنت مقتنع إنك مسجون هيقدر يجيبك تاني! اياك تؤذي واحدة فيهم يا إما هجيبك!
امتعضت ملامح "شهاب" وهو ينظر له في امتعاض ليتنهد الآخر ثم حدثه بمصداقية عله يحثه على الشعور بكل ما يحدث حوله ولحقيقة انه بات والدًا:
- انت دلوقت بقيت أب.. لو حاولت فعلًا تقرب من بنتك بعد ما تتعالج وعايز بداية جديدة هتلاقيها.. ابنك او بنتك هما اللي يقدروا يغيروا الواحد بجد.. اكتر من أي ست، أو ظروف، أو حتى فلوس..
يمكن ربنا فتحلك باب إنك تبقى بني آدم وتتغير وتكمل تغيير علشان خاطر الطفلة دي.. وصدقني ملهاش اي ذنب في إن انسان زيك يكون ابوها بس هي الوحيدة اللي هتقبلك وتحبك لو انت حاولت علشانها وحبتها!
اعتبرها بداية جديدة ليك بعيد عن كل اللي حصل واتقي ربنا فيها يمكن يسامحك على كل اللي عملته! أنا يوم ما شوفت أول طفل ليا حسيت إني مش عايز حاجة من الدنيا غيره.. بستحمل كل حاجة علشان خاطر اولادي قبل مراتي.. فكر كويس وقولي! الإختيار ليك! بدايتك تحب تكون في السجن ولا في مصحة وبعدها بنتك وحياة جديدة؟!
تبادلا النظرات وهو يُفكر بتلك الكلمات مليًا وهو لتوه ترك تلك الطفلة التي حفظ ملامحها بالكامل بالمزامنة مع ملامح "فيروز" وتلك النظرة منها التي اصابته في مقتل وكأنها تخبره بها انها لن تُسامحه قط!
حدق بالحائط امامه لمزيد من الثوان وكاد أن يُحدثه "معاذ" بأن يُسرع ولكنه تنهد ليقول:
- ماشي.. موافق.. هاكمل علاج برا!
تفقده "معاذ" بريبة بينما نمى بداخله أمل جديد.. بل أشعة أمل عِدة.. بداية جديدة.. ابنة تحمل اسمًا ود تسميته إذا انجب يومًا ما.. وشعاعًا منكسرًا خافتًا يكاد لا يُرى بين طيات قتامته الأزلية بأن تُسامحه هي! ول أنه أدرك من تلك النظرة التي مرت في لمح البصر انها لن تفعل.. ولو بعد سنوات!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
تنويه هام..
الرواية ستزيد فصولها لتكون في حدود 85 أو 88 فصل
والفصل القادم سيتم نشره في اقرب وقت ممكن..
شكرًا للمتابعة..